نزهة الأنام في محاسن الشام

أبي البقاء عبدالله بن محمد البدري المصري الدمشقي

نزهة الأنام في محاسن الشام

المؤلف:

أبي البقاء عبدالله بن محمد البدري المصري الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة العربيّة
المطبعة: المطبعة السلفيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

وهو بالعربية سماق الدباغين وانما سمي هكذا لان الدباغين يستعملونه في دباغة الجلود. وهي شجرة تنبت في الجبال والصخور طولها نحو من ذراعين وفيها ورق طويل لونه الى حمرة الدم وهو مشرف الاطراف على هيئة المنشار وله ثمر شبيه بالعناقيد كثيف وفي عظم الحبة الخضراء الى العرض

وقال جالينوس في الثامنة يقبض ويجفف وانفع ما فيها الثمرة وعصارتها

[ديسقوريدوس] ويعمل منه حقنة لقرحة الامعاء ويقطر في الاذن التي يسيل منها القيح واذا تضمد بالورق [مع الخل] والعسل اضمر الداحس ومنع الورم [الخبيث الذي يقال له غنغرانا]

[الرازي] وزعم قوم انه اذا شد في صوف مصبوغ بحمرة وشد على صاحب النزف من أى عضو كان قطع الدم

[ابن ماسويه] وينفع الاسهال المزمن الذي يكون من الصفراء واذا نقع في ماء ورد واكتحل به نفع من

٣٤١

ابتداء [الرمد] الحار مع مادة وقوّى الحدقة

[اسحق بن عمران] وان نقع فى ماء نفع من السلاق والاحتراق وقطع الحكة العارضة للعين ، وان اخذه من به قىء دائم ودقه مع الكمون دقا جريشا وشرب منهما بماء بارد قطع القيء عنه

وقال ابن الجوزي السماق بارد في الثانية يابس فى الثالثة قابض مقو للمعدة يشدها ويجلو خشونة اللسان ويسكن العطش والغثيان الصفراوى واجوده الاحمر. انتهى

وبه الزعرور. قال صاحب كتاب الفلاحة هي شجرة تنبت بنفسها في الجبال والصحاري وتغرس في البساتين وفلاحتها كفلاحة الخوخ والمشمش واذا حولت ضعفت ومن اراد قوتها فليحمل اليها من التراب الذى كانت به ويطمره حواليها فانها تقوى واجوده الاحمر البستاني البالغ وهو بارد يابس ردىء للمعدة والكلى يولد بلغما والجبلي يقمع الصفراء ويحبس السيلانات ويقوى المعدة ويقمع القىء الا انه يصدع

٣٤٢

وقال صاحب المفردات هي شجرة مشوكة ولها ثمر صغار شبيه بالتفاح في شكله لذيذ في كل واحدة منها ثلاث حبات ولذلك سماه قوم طريفلن (١) وهو ذو الثلاث حبات وهو قابض واذا اكل كان جيدا للمعدة ممسكا للبطن مسكنا للصفراء والدم ولا يحبس البول ويشهى الاكل ويولد القولنج

وقال صاحب (اللقط) الزعرور الجبلي بارد يابس مطفيء للحرارة يقمع الصفراء والبستاني الاحمر بارد رطب مولد للبلغم ردىء للمعدة والله أعلم

وهذا الاحمر لا حاجة به لجناه وانما يرمي سياجا لشدة شوكه وكذا في السياج توت اسود لا يجنيه زراعه كورد السياج السالف لنا ذكره

ومن السياج شجرة يقال لها (الزيزفون) (٢) لها زهر

__________________

(١) كانت في الاصل (طريفان) وفي مفردات ابن البيطار (طريفلن) وفي اللغة الفرنسوية لفظTriphyllu بمعنى ثلاثي الورقات

(٢) قال ابن البيطار هو اسم دمشقى للنوع الذى لا يثمر من شجر الغبيراء

٣٤٣

اصفر برائحة عطرية وفيه تهييج للنساء اذا شممنه وهذه الاربعة الاشياء انما يزرعونها لشدة شوكها. انتهى

وفيه يقول ابن حني وأبدع :

كانما الزعرور لما بدا

في حسن تقدير وأمر أنيق

جلاجل مخضوبة عندما

أو خرزات خرطن من عقيق

يضوع من رياه لما هفا

به نسيم الريح مسك نشيق

ونقلت من خط الشهابي أحمد بن العطار الدنيسري :

باكر الدوحة واغنم واجتلي

غصن زعرور تسامى وافتخر

حقة من ذهب داخلها

قطنة فيها ثلاث من درر

وبه الخرنوب قال ابن الجوزى بارد يابس وقيل حار

٣٤٤

جيده الحلو الطري ينفع القيام ما دام طريا فاذا يبس عقل البطن والرطب ردىء للمعدة واليابس أبطأ انهضاما يدفع ضرره الفانيد ، والمضمضة بطبيخه جيدة لوجع الاسنان.

انتهى والله أعلم

ومن محاسن الشام قرية (منين). خضرة نضرة ، وهى شمالي جبل قاسيون ، وبها السيدان الجليلان (الشيخ جندل) و (الشيخ أبو الرجال) أعاد الله علينا من بركاتهما ويقال أن الشيخ جندل لا يقبل من ينام عنده ، فاذا نام الانسان حول الضريح يفتح عينه يجد نفسه ملقى خارج المزار وقد اشتهر ذلك عنه

والى منين ينسب الجوز المنيني لرقة قشره وبياض قلبه ، وهو صنوف : مغاربي ، وفرك ، ومنيني ، وجبلى ، وبستاني

قال جالينوس في السابعة : وهذه الشجرة في ورقها وأطرافها شيء من القبض وهو في القشر الخارج اذا كان طريا ابين. وكذلك الصبّاغون يستعملون هذا القشر ،

٣٤٥

وأما قلبه الذي يؤكل ففيه دهنية ، وبهذا السبب تسرع اليه الاستحالات

قال ابن الجوزي : الجوز حار رطب وقيل يابس عسر الانهضام ردىء للمعدة مضرته نتن الفم ويؤلم الحلق ويصدع ولا يصلح أكل العتيق منه. ودفع مضرته بالخشخاش والمتولد عنه دم حار يصلح للامزاج اليابسة وللمشايخ اذا اكل مع التين نفع من السموم لا سيما الجوز الاخضر

وقال ديسقوريدوس : الجوز عسر الانهضام مولد للمرة الصفراء حارّ لمن به سعال ، واذا اكل على الريق هوّن القيء واذا احرق قشره وسحق مع شراب وزيت ولطخ به رءوس الصبيان حسن شعورهم وأنبت الشعر في داء الثعلب ، وداخله اذا احرق وخلط به شراب واحتملته المرأة منع الطمث

[اسحق بن سليمان] والجوزة الخضراء اذا اخذت عند ما تبقى قدر الحمصة ودقت وخلطت بالعسل واكتحل

٣٤٦

بها نفغ من غشاوة البصر

[الشريف] واذا دق قشره الأخضر وألقى معه خبث الحديد مكسورا وترك اسبوعا معه يحرك في كل يوم ثم خضب به بعد ذلك الشيب سوّده وكان منه صبغ عجيب واذا دلكت به القوابى والحزازات نفعها

[البصرى] والجوز المربى جيد لبرد الكبد نشاف لرطوبة المعدة والله أعلم

وفيه لابى الفرج ابن هندو :

تأمل الجوز في اطباقه لترى

رواق حسن عليه غير محطوط

كانه اكر من صندل خرطت

فيها بدائع من نقش وتخطيط

وبها الثلج الذي يقيم من العام الى القابل. ويحمل ثلج السلطان الى القاهرة مدة العام وما يستعمل بدمشق الجميع منها يخزنونه في حواصل معدّة له

وقال ابن الجوزي الثلج بارد بالطبع يابس بالعرض وفيه خلط يولد سوداء في الكبد جيده ما كان من ماء عذب يجمد يجود الهضم لكنه يهيج السعال ويلين المفاصل

٣٤٧

ويشنج ويضر العصب لانه يحقن البخارات الحارة فيها ويمنعها من التحلل ويضر المعدة خصوصا التى يتولد فيها اخلاط باردة دفع مضرته شربه قليلا قليلا وهو صالح للامزجة الحارة وهو يطلق البطن أولا ثم يعقل واذا كانت المياه الثليجة والجليدة في آجام كانت رديئة ثقيلة وهي تولد البلغم في الشتاء والمرارة في الصيف وتورث شاربيها الطحلة وحشو الاحشاء وربما وقعوا في الاستسقاء وتضعف اكبادهم وتولد فيهم الجنون والبواسير ويعسر على نسائهم الحبل والولادة ويلدن اجنة متورمين. والثلج ردىء للمشايخ وماء الثلج يسكن وجع الاسنان الحار والله اعلم

ومن لطائف ابن عباد قوله :

اقبل الثلج فانبسط للسرور

وبشرب الصغير بعد الكبير

فكأن السماء صاهرت الار

ض وصار النثار من كافور

واخذه بلا قافية احمد بن علي العلوي فقال :

هواك من الدنيا نصيبي وانني

اليك لمشتاق كجفني الى الغمض

٣٤٨

فزرنى وبادر يوم ثلج كأنه

شمائم كافور نثرن على الارض

ومن محاسن قول أبى الفتح البستي :

قد نظمنا السرور فى عقد انس

وجعلنا الزمان للهو سلكا

وشربنا المدام في يوم ثلج

عزل الفيء فيه رشدا ونسكا

فكأن السماء تنخل كافو

را علينا ونحن نفتق مسكا

اخذه ظافر الحداد فقال :

ويوم ضاحك يبكي

ضعيف معاقد السلك

اذوب ببرده بردا

كمبسم من حوى ملكي

كان الريح تنثره

على الارضين في وشك

تغربل من خلال الند

كافورا على مسك

وينبت في الثلج الريباس قال ابن الجوزى بارد يابس مسكن للحرارة وقامع للصفراء نافع للاسهال يقوى المعدة والكبد الحرانين وهو شبيه باضلاع السلق وفيه خشونة وطعمه حلو يعطي حموضة بعفوصة ولا يطلع الا في الثلج والله اعلم

٣٤٩

وفيه يقول أبو علي العثمانى النيسابورى :

انظر الى الريباس تنظر

منه أعجب منظر

كسواعد بيض بدت

من كم شعر أحمر

وينبت في جبال الثلج ايضا امير باريس. قال ابن البيطار هو البر باريس وبالفارسية الزرشك. ومنه اندلسي ورومي وشامى ، وأحسنه الشامي [يجلب من جبل بيروت وجبل بعلبك وهو اجود من الرومى عند باعة العطر بمصر والشام]

[الفلاحة] وهو شجرة خشنة النبات خضراء تضرب الى السواد تحمل حبا صغارا بنفسجية

قال ابن ماسة بارد يابس فى الثانية يقوّى الكبد والامعاء وفيه قوة قابضة مانعة

[ماسرجويه] يمنع من الاورام الحارة اذا وضع عليها

[الرازى] هو قاطع للعطش جيد للمعدة والكبد الملتهبين ويقمع الصفراء جدا

٣٥٠

قال الرازى (١) حبه يجفف قروح الامعاء ويقطع نزف الدم الاسفل ، ولا سيما الذى يجلب من جبلي بيروت وبعلبك. انتهى

وينبت بهذا الجبل الصنوبر : قال ابن الجوزي حار في الثانية يابس في الثالثة حبه ينفع من الصداع البلغمى ، افراط استعماله مصدع دفع مضرته بالشاه صيني أو الصندل ، والغرغرة بطبيخ قشره يجلب بلغما كثيرا. انتهى

وفيه يقول الشريف الرضي :

حب الصنوبر اذ أتا

ك غنيت من كل البشر

نقل لعمري مشتهى

ما ان يدوم له خبر

يحكي لنا صدفا أتت

في باطن منها الدرر

ومن اغراض ابن المعتز قوله :

صنوبر ظلت به مولعا

لانه أطيب موجود

كانه الكافور في لونه

يحويه اذ لاح من العود

__________________

(١) نقله ابن البيطار عن كتاب (التجربتين) ولم يذكر جملة «ولا سيما ... الخ»

٣٥١

وثمّ أشياء لا تنبت الا في الاراضي الحارة كالقلقاس فانه يطلع بارض قرية الغور من اعمال دمشق ولا ينبت في غيرها من أرض الشام

قال ابن البيطار ينبت على المياه في الاراضي الحارة وله ورق كبير أملس يشبه ورق الموز الا أنه ليس بطوله وهو مجفف يشبه ورق القرع ولكل ورقة من ورقه قضيب منفرد غليظ الاصبع ونبات القضيب من الاصل الذي من الارض وليس لهذا النبات ساق ولا ثمر واصله شبيه بالاترج إلا أن ظاهره مائل الى الحمرة وداخله أبيض كثيف مكتنز مشاكل للموز وطعمه فيه قبض مع حرافة قوية تدل على حرارته ويبسه وهو يابس في الاولى اذا سلق بالماء زالت حرافته جملة واكتسب مع ما فيه من القبض اليسير لزوجة مغرية كانت بالقوة الا ان حرافته كانت تخفيها وتسترها ولذلك صار غذاؤه غليظا بطيء الانهضام ثقيلا في المعدة لكثافة جسمه ولزوجته الا انه لما فيه من القبض والعفوصة صارت فيه قوة مقوية للمعدة معينة على

٣٥٢

حبس البطن اذا أخذ مقدار منه لا يثقل على المعدة فيحيله ضرورة لثقله وبعد انهضامه ولما فيه من اللزوجة والتغرية صار نافعا [من سحوج الامعاء] ويزيد في الباه ويسمن وادمانه يولد السوداء والله أعلم

ومنها الموز. قال ابن الاثير في عجائبه الموز يسمى قاتل ابيه لان شجرته لا تثمر الا مرة في السنة ثم تموت ولا يحمل الأصل الواحد الا قنوا واحد ثم يموت ، وتخلفها اخرى من اصلها ويكون في القنو من خمسين موزة الى خمسمائة ومن حين نشوئها الى حين إثمارها شهران. ويقال ان فيه بريا وبستانيا والبري يسمى الطلح ، واكثر ما يوجد في الجزائر. وورقها طوله ثلاث أذرع وعرضه ذراعان. وأجود الموز الكبار البالغ وثمرته حارة رطبة تنفع حرقة الصدر والحلق وتنفع المثانة وتدر البول وتلين الطبع لكنه ثقيل على المعدة والاكثار منه يولد السدد ويزيد في الصفراء والبلغم وأكله بعد الطعام يمنع بخار المعدة الى ان يرتقي الى الرأس

٣٥٣

وقال ابن الجوزي جيده الكبار الحلو ينفع من خشونة الصدر والرئة وقروح الكليتين ويضر المعدة. دفع مضرته بالسكر ويتولد عنه دم بلغمي والله أعلم

وفيه يقول الخوارزمي :

يا من اتى البستان يقصد نزهة

انظر لصنع الله فيما يخلق

الموز شبه عساكر مصفوفة

من فوقها رايات خضر تخفق

وفيه يقول مؤلفه البدري :

انظر الى الموز الذي

حلا وصفا اذ مربي

سبائكا من فضة

قد موهت بالذهب

ومنها القصب. قال ابو حنيفة : القصب أنواع فمنه أبيض وأصفر وأسود والاسود لا يعصر وهو يغلظ حتى لا يحيط به الكفان وانما يعتصر الابيض والاصفر ويقال لعصارته عسل القصب واجوده ما يجاء به من أرض الزنج فهو أصفر مثل الاترج. والقند ما يجمد من عصير قصب السكر ثم يتخذ منه السكر ويقال لما جعل فيه القند من السويق وغيره مقنود ومقند كما يقال معسول ومعسل

٣٥٤

وقال أبو العبر (١) قصب السكر لطيف ملائم للبدن نافع من الخشونة التي تعرض في الصدر والرئة والحلق ويجلو الرطوبة اللطيفة المتولدة فيها ويدر البول ويولد نفخا ولا سيما اذا أخذ بعد الطعام

وقصب السكر ملين للطبيعة واستعماله لتهييج القيء صالح اذا شرب على أثره ماء فاتر وتهوع بريشة طويلة قد غمست في السيرج

وقال المنصوري حار باعتدال يدر البول ويذهب بالحرقة الكائنة عند خروجه وينفع من السعال

[اسحق بن عمران] يقطع الالتهاب العارض في المعدة برطوبته ولطافته وينقي المثانة

وقال ابن الجوزي : القصب أشد تليينا من السكر لكنه يولد رياحا دفعها ان يقشر ويغسل بماء حار

وقال عفان بن مسلم المحدث : من مص القصب السكر بعد طعامه لم يزل يومه اجمع في سرور والله تعالى

__________________

(١) في مفردات ابن البيطار : (الدمشقى)

٣٥٥

أعلم. انتهى

وفيه يقول خليل (١) بن الفرس رحمه‌الله :

سبحان من أنبت في ارضه

ما بين شوك وجلا فيها

انبوبة مملوءة سكرا

قد كان ماء وحلا فيها

وكتب مؤلفه البدري يستدعي بعض الاخوان في شهر رمضان الى غيط قصب :

في قصب السكر لي

ذوق سريع ما اقتضب

شبهته بأهيف

قد رقّ عشقا وانتصب

واصفرّ جسمه لذا

أرخى له خضر العذب

فقم لوصل قطعه

واسع له اخا الأرب

في الصوم قبل العصران

ذا لأعجب العجب

قلت : واما محاسن الشام فانها لا تحصى ، وغوطتها الجامعة للمحاسن لا تستقصى. وقد جاء في الاخبار عن كعب الاحبار رضي‌الله‌عنه «غوطة دمشق بستان الله في أرضه»

__________________

(١) في نسخة دار الكتب المصربة (احمد)

٣٥٦

وعن ابى امامة رضي‌الله‌عنه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلا هذه الآية (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) قال «هل تدرون اين هي» قالوا «الله ورسوله أعلم» قال «هي في الشام بارض يقال لها الغوطة مدينه يقال لها دمشق هي خير مدائن الشام»

وفي رواية عكرمة عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما بلفظ «قال هي دمشق»

قال الذهبي : وأجمع سواح الارض والاقطار على ان متنزهات الدنيا أربعة وهي (صغد سمرقند) و (شعب بوّان) و (نهر الأبلة) و (غوطة دمشق)

قال أبو بكر الخوارزمي في رحلته : رأيتها كلها فكان فضل غوطة دمشق على الثلاث كفضل الاربعة على غيرهن ، كأنها الجنة وقد زخرفت وصورت على وجه الارض

وما أحسن قول الشيخ علاء الدين علي بن المشرف المارداني وقد أنشدنيه شقيقه ركن الدين محمد عند قدوم

٣٥٧

اخيه الى دمشق المحروسة في سنة احدى وعشرين وثمانمائة :

ليس في الحسن للشآم نظير

لا يغرّنك بالبلاد الغرور

كل ما تشتهيه نفسك فيها

وبها البشر والهنا والسرور

قلت للركب مذ أنخنا عليها

وتراءت ولدانها والحور

هذه الجنة ادخلوا بسلام

بلد طيب ورب غفور

وقال الشيخ عبد الله الارموى رحمه‌الله «دمشق من أي جهة أقبلت عليها تجدها حلة بيضاء طرازها أخضر»

وقال الشهاب محمود من رسالة «وأما دمشق فكأنها وجه الحبيب ، وقد دار به العذار الاخضر الرطيب»

وقال الشيخ (عبد الولي الحضرمى) رحمه‌الله :«سحت البلاد ورأيت ما بها من الاعاجيب ، فلم انظر كصغد سمرقند ، وهو نهر تحف به قصور وبساتين وقرى مشتبكة العمائر مقدار اثنى عشر فرسخا في مثلها ، وهى في وسط مملكة ماوراء النهر. ورايت شعب بوان وهى بقعة مذكورة بنيسابور (١) طولها فرسخان وقد التحفتها

__________________

(١) كذا

٣٥٨

الاشجار ، وجاست خلالها الانهار. وهذا الشعب لبوان بن ايوح ابن افريدون ، وفيه يقول أبو الطيب المتنبي من قصيدة تشتمل على وصفه :

يقول بشعب بوان حصاني

أعن هذا يسار الى الطعان

أبوكم آدم سنّ المعاصي

وعلمكم مفارقة الجنان

ومررت بنهر الأبلة وهي من أعمال البصرة طوله أربعة فراسخ وعلى جانبيه بساتين كأنها بستان واحد قد مد على خط الاستواء نخله كأنه غرس في يوم واحد. ودخلت الى دمشق وتنزهت في غوطتها أجدها أحسن من الثلاث واكثرها خيرا طولها ثلاثون ميلا وعرضها خمسة عشر ميلا مشتبكة القرى والضياع لا تكاد الشمس تقع على أرضها لغزارة أشجارها واكتناف أغصانها»

وقال الميدومي فى كتابه (لطايف الاعاجيب) كان بغوطة دمشق اشجار تحمل الواحدة منها أربع فواكه كالمشمش ، والخوخ ، والتفاح ، والكمثرى. وبها ما يحمل الثلاث واقلهن اللونان من الفاكهة. قلت وهذا موجود

٣٥٩

الى يومنا هذا فانى رأيت بها الكرمة الواحدة تطرح العنب الابيض والاسود والاحمر ورأيت بوادى النير بين شجرة توت تطرح التوت الابيض والاسود

وهذا من صنعة الفلاحة يسمى التطعيم وهو ان يأخذ قطعة خشب من التفاح ويشق ساق شجرة كمثرى تكون بساقين وتوضع تلك القطعة في احدى الساقين المشقوقة وتشدها بخرقة وتسقيها وتعاهدها الى أن تلحم بها ويخرج الورق الجديد ثم تثمر

رجع الى بقية كلام الميدومي. قال : وكان غرس الاشجار في بعض البساتين كالسطور التي تقرأ. انتهى والله أعلم

ونقلت من شرح الشريشي ما نقله عن شيخه ابن جبير قال : دمشق هي خير المشرق ، ومطلع حسنه المؤنق وعروس المدن قد تحلت بازاهير الرياحين ، وتجلت في حلل سندسية من البساتين. وحلت من موضع الحسن بمكان مكين ، وتجملت في منصتها بأجمل تزيين. وتشرفت

٣٦٠