نزهة الأنام في محاسن الشام

أبي البقاء عبدالله بن محمد البدري المصري الدمشقي

نزهة الأنام في محاسن الشام

المؤلف:

أبي البقاء عبدالله بن محمد البدري المصري الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة العربيّة
المطبعة: المطبعة السلفيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

ابراهيم الخليل عليه‌السلام وقد تقدم سبب تسميتها برزة (١)

وما أحسن قول الشيخ محمد بن نباتة :

طاب مقام المرء مع شادن

برّزت العيش به برزه

وساعدتنى الراح لما انثنى

ولان بعد المنع والعزه

فيالها من ربوة خلفه

قد أطلعتنى فوقها المزه

واليها ينسب التين البرزي. والتين أصناف : وهو مزي ، برزي ، ماسوني ، رومى ، بعلبكى ، كعب الغزال ، غريب ، طيفور ، شتوي ، جبلي ، حفيرانى ، ملكي ، عسيلي ، مكتّب ، مجهول ، ورق الطير

قال (ديسقوريدوس) : التين يجلب العرق ويقطع العطش ويسكن الحرارة. واليابس منه مغذ مسخن ومعطش ملين للبطن ، ليس بموافق لسيلان المواد الى المعدة والامعاء وموافق للحلق وقصبة الرئة والمثانة والكلى ومن به ربو والذين تغيرت ألوانهم من أمراض مزمنة والذين يصرعون والمجانين

__________________

(١) انظر ص ٣٢

٢٦١

وقال (جالينوس) في الثامنة وأما التين اليابس فقوته حارة في الدرجة الاولى عند انقضائها وفي الثانية عند مبدإها وله لطافة وبهاتين الخصلتين صار يفى بانضاج الاورام الصلبة ويحللها وقد ينبغي اذا قصدت في استعمالك اياه أن تخلط معه الحنطة في الانضاج ودقيق الشعير للتحليل. والتين اللحيم أكثر انضاجا والماء الذي يطبخ فيه التين طبخا كثيرا فانه يصير شبيها بالعسل في قوامه وقوته معا والتين الطري قوته ضعيفة بسبب ما يخالطه من الرطوبات والنوعان جميعا من اليابس والطري يطلقان البطن. وأما التين البري فقوته حارّة محلله ، وكذلك التين البستانى اذا لم ينضج ، ومزاج شجرة التين حار كما يدل عليه عصارة ورقه فان كل واحد من هذين يسخن اسخانا شديدا وكل واحد منهما يلذع ويجلو جلاء قويا ويحدث في البدن قروحا ويفتح أفواه العروق التى في المقعدة ويقلع الثآليل وينثرها نثرا وهو مع هذا يسهل البطن. وقضيب شجر التين له حراقة ولطافة مزاج بحيث انك اذا وضعته على

٢٦٢

اللحم اليابس في القدر بهريه

وقال صاحب (اللقط) : التين حار رطب منفعته انه يجلو دمل الكلى والمثانة ويؤمن من السموم وهو أغذى من جميع الفواكه. ومضرته أن يحدث نفخا وغلظا. دفع مضرته بشراب السكنجبين واستعماله على الريق منفعته عجيبة في تفتيحه مجارى الغذاء خصوصا مع الجوز واللوز. والتين اليابس ينفع الصدر ويجلو. وشراب التين يدر البول وينفع السعال المزمن وأوجاع الصدر وأورام القصبة والرئة ويفتح السدد والكبد والطحال. وورق التين الاسود بماء المطر يسود الشعر

وبالاسناد الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه اهدي اليه طبق من تين فأكل منه وقال لاصحابه : كلوا فلو قلت ان فاكهة نزلت من الجنة قلت هذه لان فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فانها تقطع البواسير وتنفع من النقرس. انتهى

وما أحسن قول ابن خفاجة :

وسود الوجوه كلون الصدود

تبسمن تحت عبوس الغبش

٢٦٣

اذا ما تجلى بياض الضحى

تطلعن في وجهه كالنمش

كأني أقطف منها ضحى

ثدى صغار بنات الحبش

ومن تشابيه ابن المعتز قوله فيه :

أهلا بتين جاءنا

مبتسما على طبق

يحكي الصباح بعضه

وبعضه يحكى الشفق

كسفرة مضمومة

قد جمعت بلا حلق

وقال مؤلفه البدرى رحمه‌الله تعالى :

نوافج المسك حكى

تينا تراه في الغلس

أو فم ظبى سال منه

الريق لما ان نعس

ومن الغاز الصلاح الصفدى قوله :

أي شىء طاب أكلا

ناعم في الحلق لين

كيف يخفى عنك يوما

وهو في التصحيف بين

ومن محاسن الشام (القابون) وهي حسنة الماء والهواء وهما قابونان فوقاني وتحتانى وبهما ارض (مصطبة السلطان) وهى مصطبة في قدر فدان يصعد اليها في نيف وعشرين درجة من جهاتها الاربع وفيها قصر حسن البناء ينزل به

٢٦٤

الملوك والسلاطين عند توجههم الى الاسفار

والى هذا القابون ينسب الخيار

قال اسحق بن سليمان : الخيار ابرد وأثقل واغلظ من القثاء لانه في آخر الدرجة الثانية وبرودة القثاء في وسطها ولذلك صار الخيار أشد تبريدا وتطفئة ومن قبل ذلك صار فعله في توليد البلغم الغليظ والاضرار بعصب المعدة ويفججها أكثر من فعل القثاء لانه أثقل وأبعد انهضاما وأكثر اتعابا للمعدة ، فاذا عسر انهضامه ، وبعدت استحالته ، تولد عنه الخلط البارد الغليظ ، لان سائر الفواكه اذا عسر انهضامها وبعدت استحالتها تعفنت وولدت خلطا رديئا مذموما شبيها بكيفية الادوية المسمومة ، واسبقها الى ذلك وأخصها به الخيار لانه اعسر انهضاما بالطبع. والمختار منه ما كان جسمه صغيرا وحبه رقيقا غزيرا متكائفا. وأفضل ما يؤكل منه لبه فقط لانه أسرع انهضاما وأسهل انحدارا

وقال الغافقى : يوافق الكبد والمعدة الملتهبتين. ولبه

٢٦٥

ألطف من لب القثاء واذا أكل اليسير منه طيب النفس

وقال أمين الدولة بزر الخيار بارد في الثالثة نافع من احتراق الصفراء ومن الورم الحار في الكبد والطحال ومن أوجاع الرئة الحارة وقروحها

وقال ابن الجوزى : أبرد مزاجا من القثاء وهو رديء للمعدة يهيج القىء ويحدث وجع الخاصرة وينبغي لآكله أن يتبعه بالعسل

وقال الرازي : الخيار المخلل مبرد مطف جدا بمقدار حموضته وعتقه الا انه طويل الوقوف في المعدة وينبغى أن لا يؤكل مع الالوان الغليظة ويؤكل مع الاسفيذ باجات وان سقيت امرأة من قشر الخيار اليابس وزن أربعة دراهم نفع من عسر الولادة. والله أعلم.

وما أحسن قول عسى العاليه (١) فيه :

خيارة أهديت الينا

من كف من يجلب السرورا

كأنها اذ قطعت منها

كافورة ألبست حريرا

__________________

(١) كذا الاصل

٢٦٦

القثاء بارد رطب ينفع الحميات المحرقة ويسكن الحرارة والصفراء والعطش ويدر البول ويحدث وجع الخواصر رديء الكيموس يهيج لمن داوم عليه الحميات

وقال الرازى في كتابه (دفع مضار الاغذية) : القثاء اخف من الخيار واسرع نزولا وهو أيضا يبرد ويرطب وليس يسخن البدن بل كثيرا ما يبرد اصحاب الامزجة الحارة ولا يحتاج المحرورون الى اصلاحه الا ان يكثروا منه. وقد يصلح ما تولد منه في البطن من الثقل والنفخ الجوارش الكمونى والسفرجلى ونحوهما. والقثاء والخيار والقرع من طعام المحرورين ويضر المبرودين وينبغى ان لا يكثروا منه ويتلاحقوا ضرره بالشراب القوي

وفيه يقول ابن المعتز بالله :

انظر اليه انابيبا منضدة

من الزبرجد خضرا مالها ورق

اذا قلبت اسمه بانت محاسنه

وصار مقلوبه انى بكم أثق

ومن لطائف السلامي قوله :

وقثاءة مثل هلال السماء

ولكنها البست سندسا

٢٦٧

عراقية لم يذب جسمها

هزالا ولم تحس فيمن حسا

زبرجدة حسنت منظرا

وكافورة بردت ملمسا

على رأسها زهرة غضة

كنجم الظلام اذا عسعسا

جاء بها مغرس طيب

من الارض اكرم به مغرسا

لها اخوات لطاف القدود

اذا ما تبرجن خضر الكنسا

محجبة عن شموس النهار

بأردبة كنسيم المسا

تقوس في حين ميلادها

ولم ار ذا صغر قوسا

يطول اللسان باطرائها

ويصبح من ذمها اخرسا

ومن محاسن ابن خطيب داريا قوله في الفقوس :

شبهت حين بدا الفقوس مبتهجا

على الرياض وحب فيه ماسور

مخازن من لجين لف ظاهرها

بسندس حشوها حبات كافور

ومن محاسن الشام (بيت لهيا والعنابة) ومن الناس من يقول (بيت الآلهة) وهو مكان مبارك يزار ويقال ان حواء عليها‌السلام كانت مقيمة بهذا المكان. ونقل بعض

٢٦٨

المؤرخين قال : كانت حواء عليها‌السلام في (بيت لهيا) وآدم عليه‌السلام في (بيت أبيات) وهابيل في (سطرا) وقابيل في (قينية)

فائدة عن عبد الرحمن بن يحيى بن سماعيل بن عبد الله بن ابى المهاجر قال كان خارج باب الساعات صخرة يوضع عليها القربان فما تقبل منه جاءت نار فاحرقته وما لم يتقبل بقي على حاله وكان هابيل صاحب غنم وكان منزله في (سطرا) وكان قابيل صاحب زرع وكان منزله في (قينية) وكان آدم في (بيت ابيات) وكانت حواء في (بيت لهيا) فجاء هابيل بكبش سمين من غنمه فجعله على الصخرة فاخذته النار وجاء قابيل بقمح غلته فوضعه على الصخرة فبقى على حاله فحسد قابيل وتبعه في هذا الجبل يريد قتله حتى صار من أمره ما صار

قال بعض المؤرخين وهذه الصخرة هي الآن في الجامع عند باب جيرون بالقرب من (حاصل الزيت) وهي

٢٦٩

صخرة سوداء (١) مقرورة انتهى

واما (العنابة) فهي محلة الآن تشتمل على دور وقصور والسبب فى سميتها ان كاهنا في زمن الروم كان يتعبد في صومعة بتلك الارض فحصل له علة اشرف منها على الهلاك فنزل عنده تاجر من تجار الروم ومن جملة متجره خمسة احمال عناب ، فحلها ونشرها ، وكانت دمشق ممحلة من العناب وليس يوجد بها حبة عناب ، فصار هذا الكاهن يتناول منه وقد طاب له. فلما أصبح جاء اليه الطبيب فوجده قد نصل من تلك العلة ووجد الكاهن في نفسه نشاطا فقال له ما الذى استعملت البارحة قال الشيء الفلانى ونسي ان يذكر له العناب فقال الطبيب ولعلك استعملت عنابا قال نعم ومن اخبرك بذلك قال لعامي ان علتك هذه لا يبرئها سواه وهو معدوم واختشيت ان

__________________

(١) لا تزال هذه الصخرة موجودة فى مسجد دمشق على هذه الصفة الى اليوم ، والناس يذكرون انها صخرة القربان ـ المطبعة السلفية

٢٧٠

اعلق خاطرك به. فزرع الكاهن الارض التى حول صومعته جميعها عنابا وتقرب بها في كل من احتاج منها الى شي ياخذه حتى يقال ان في الاسلام وجد من ذلك العناب فرد شجرة وبنى ما حولها فسميت تلك المحلة بها والله تعالى أعلم

العناب حار رطب في وسط الدرجة الاولى والحرارة فيه اغلب من الرطوبة ويولد خلطا محمودا اذا اكل او شرب ماؤه ويسكن حدة الدم وحراقته وهو نافع من السعال ومن الربو ووجع الكليتين والمثانة ووجع الصدر. والمختار منه ما عظم حبه وان اكل قبل الطعام فهو اجود

وقال الاسرائيلي رطبه يتولد عنه دم بلغمى وهو أفضل من يابسه واذا كان نضيجا لين الطبيعة ولا سيما اليابس منه واذا كان غضا عفصا حبس الطبيعة وسكن هيجان الدم وحدته وليس بمسكن للدم الغالب عليه الرطوبة

وقال الشريف : العناب اذا جفف ورقه وسحق ونثر على الاكلة نفع من ذلك نفعا لا يبلغه غيره من الدواء. وشرابه بارد رطب يصلح مزاج الدم ويلطفه من احتراق

٢٧١

وينفع من احتراق الكبد وخشونة الصدر ووجعه والسعال اليابس والحصبة والجدرى. وصفته يؤخذ مائة حبة يترك عليها خمسة ارطال ماء يغلى حتى ينضج العناب ويصفى من الماء ثلاثة أرطال ويضاف اليه ثلاثة اسنان سكر وبياض بيضتين مضروبة بالماء ويرفع على النار ويحرك حتى ينحلّ السكر فاذا صار له قوام حط. انتهى

وفيه ألغز الامير سيف الدين المشد :

وأحمر اللون قان

يعزى اليه الخضاب

ما فيه عين وناب

وفيه عين وناب

ومن معاني ديك الجن قوله بقافيتين :

كأنما العناب في دوحه

لما تناهى حسنه وابتسم

اقراط ياقوت تبدت لنا

أو أنمل قد قرطت بالعنم

ابن سهل الاشبيلي قبل اسلامه فى العناب الاخضر :

هات اسقنى القهوة في سبتنا

فان يوم السبت يوم السرور

٢٧٢

أما ترى العناب في دوحه

كأنه رطب قلوب الطيور (١)

ومن محاسن الشام ارض (سطرا ومقرى) وهما من الاراضي الطيبة الفيحاء. وفيها يقول جلال الدين ابن خطيب داريا :

خليليّ ان وافيتما الشام بكرة

وعاينتما الشقراء والغوطة الخضرا

قفا وآقرءا عني كتابا كتبته

بدمعى لكم مقرى ولا تنسيا سطرا

وفيهما يقول ابن عنين :

الا ليت شعري هل ابيتن ليلة

وظلك يا (مقرى) عليّ ظليل

(دمشق) فلي شوق اليها مبرح

وان لج واش أو الح عذول

__________________

(١) يشير الى البيت المشهور :

كأن قلوب الطير رطبا ويابسا

لدى وكرها العناب والحشف البالي

٢٧٣

بلاد بها الحصباء در وتربها

عبير وأنفاس الشمال شمول

تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق

وصح نسيم الروض وهو عليل

وتلطف شيخ الشيوخ بقوله :

قالوا اما في جلق نزهة

تنسيك من أنت به مغرى

يا عاذلي دونك من لحظه

سهما ومن عارضه سطرا

وبينهما متنزه يسمى باليلكي ، يجتمع فيه الناس ايام زهر السفرجل ويسيبون الماء تحت اشجاره ويوقدون في ظلمة الشهر قشور البيض ويطلقونها في الماء ويعلقون قشور النارنج موقدة في الاشجار ويضربون الخيام في بستان الحاجب ويقطعون فيه أوقاتا من اللذة والانشراح يعجز الوصف عنها

وفيها يقول الشيخ علاء الدين بن المشرف المارديني :

انظر الى يلك زهت ازهاره

وزره فالزورة قد تعينت

اشرقت الارض بنور ربها

وأخذت زخرفها وازينت

٢٧٤

وأنشدنى بدر الدين محمد الازهري الناسخ المعروف بفليفل فيه :

لله من يلك بديع حسنه

قد ضم شملي بالذي اهواه

ما زال يفرش لى بساطا أخضرا

فرعى الاله رياضه وكلاه

وفيه يقول ابن قرناص :

ويلك قد بدت فيه معان

تطيب بها الندامى والمدام

يسامرك النسيم اذا تغنت

حمائه ويسقيك الغمام

ومنه قوله فيه :

قد أتينا نبغى زيارة يلك

قد حبانا بالجود والاكرام

ناولتنا ايدي الغصون ثمارا

أخرجتها لنا من الاكمام

ومن محاسن الشام أراضى المزارع وهي خضرة مع الفلاة وكثرة المياه. ومن خصوصياتها الهليون

قال ابن البيطار في مفرداته الهليون ورقه كورق الشبث ولا شوك له البتة وله بزر مدور اخضر ثم يسود ويحمر وفي جوفه ثلاث حبات كأنها حب النيل صلبة ، منه برّى كثير الشوك وهو الذي يسمى بعجمية الاندلس

٢٧٥

أسرعين

وقال جالينوس في السادسة وقوته قوة تجلو وليس لها اسخان ولا تبريد ظاهر ، ولذلك صار يفتح السدد من الكبد والكليتين

قال [ديسقوريدس] : واذا سلق سلقة خفيفة واكل لين البطن وادرّ البول. واذا طبخت اصوله وشرب طبيخها نفع من به عسر البول [أو يرقان] ومن به عرق النساء ووجع الامعاء

[قال ابن ماسويه] : ويزيد في الباه ويفتح السدد التى تعرض في الكبد والكلى ، وينفع من به وجع الظهر العارض من الريح والبلغم وينفع من وجع القولنج

[قال الرازى] : وربما غثى ولا سيما اذا لم يسلق. وليس يحتاج المبرودون الى اصلاحه وأما المحرورون فليأكلوه بعد سلقه وتصفيته بالخل والمري

وقال ابن الجوزي في (لقط المناقع) : الهليون حار رطب معتدل يولد المني ويحرك شهوة الجماع ويدر البول

٢٧٦

وفيه الجلاء وكذلك يفتح السدد ويؤكل مطبوخا باللحم ومصلوقا بالزيت والمري والتوابل وغذاؤه متوسط

ونقلت من (عجائب المخلوقات) لابن الاثير قال : الهليون قضبان برية ينبت بنفسه في المواضع الندية التي تجمع فيها مياه الامطار ، وقد نقل الى البساتين فافلح. وأجوده الغض البستاني المنعطف وهو حار رطب يفتح سدد الاحشاء وينفع عرق النساء مطبوخا وينفع من القولنج البلغمي والريحي وينفع من عسر البول ومن عسر الحبل وينفع لوجع الظهر ويزيد في الباه وبزره جيد لوجع الضرس

وذكر القزوينى قال : حكى لي صديق أربلي قال : بجبال اربل هليون كثير ، وكان عامل الناحية يتخذ منه شرابا في كل سنة يبعث به الى صاحب اربل فعمله سنة وبعث به فوقعت الاكراد الحرامية على القفل فنهبوه ورأوا ذلك الشراب في البراني فحسبوه عسلا فأمعنوا في أكله فغلب عليهم الاسهال حتى ضعفوا عن الحركة فمر

٢٧٧

المسافرون فرفعوا أمرهم لصاحب اربل فارسل اليهم فقبضوا عليهم وأدخلوهم محملين على الدواب ، والناس يضحكون منهم ويقولون هؤلاء سكارى الهليون. فتبصر في تأثيره ومنافعه. انتهى

وفيه يقول كشاجم :

وباقة هليون أتت وهي غضة

فشبهتها تشبيه ذي اللب والفضل

برشق نبال جمعت من زبرجد

مشنفة الاعلى مفضضة الاصل

ومن خصوصياتها الطرخون. قال ابن البيطار : في مفرداته هو نبات طويل الورق دقيق الساق يعلو على وجه الارض نحوا من شبر الى ذارع ونصف وهو من بقول المائدة ينهض الشهوة ويطيب النكهة واذا شرب الماء عليه طيبه

وقال صاحب (الفلاحة) : الطرخون صنفان بابلى طويل الورق ورومي مدور الورق وهو من بقول الصيف

٢٧٨

وطعمه حريف لذاع في وسط الدرجة الثانية بطيء في المعدة عسر الانهضام يجفف الرطوبات وينبغي أن لا يكثر منه المبرودون وهو يطفيء حدة الدم ويقطع شهوة الباه وعسر انهضامه لكثرة دهنيته فلهذا صار بطيء الغذاء ويختار منه ما كان طريا غضا قريبا من ابتداء النبات لان ذلك اقل لدهنيته ويؤكل معه الكرفس لانه يمنع ضرره ويجيد انحداره وانهضامه

وقال التميمي الطرخون يخدر اللهاة واللسان بما في طبعه من الحرافة الكافورية اللطيفة وفي طعمه شيء من طعم العاقر قرحا وقد ينفع مضغه من يكره شرب الادوية المطبوخة فلا يلبث في معدته ويدخل ماؤه مع ماء الرازيانج الاخضر في الشراب الهندي المسمى شراب الكدر النافع من فساد الهواء المانع لكون الجدري والحصبة وهو من أنفس اشربة الملوك الهندية وملوك خراسان ، وهذا من خاصة ماء الطرحون ويمنع من حدوث الوباء فافهم ذلك

وقال ابن الاثير : الطرخون متى جعل في اصوله

٢٧٩

الملح جوّده وألقحه

وعاقر قرحا هي أصل الطرخون الجبلي ، وهو حار يابس وفيه قوة مخدرة مجفف الرطوبات اذا مضع نفع من القلاع ويطيب البوارد اذا ألقى فيها ويقوي المعدة غير أنه يعطش ويحدث وجع الحلق

ومن خصوصياتها الكرنب ، وليس يوجد بالبلاد المصرية ، وهو صنفان النبطي وهو المشهور وخوزي وهو غليظ الورق جدا شديد الخشونة. والكرنب النبطي الاندلسي وهو شبيه بالسلق صغير القلوب وأشد رخوصة من القنبيط

وقال جالينوس : الكرنب في السابعة ، وقوته قوة تجفيف اذا أكل واذا وضع من خارج ، ولكنه ليس بظاهر الحدة والحرافة بل قوته قوة تبلغ به الى ادمال الجراحات واشفاء القروح الخبيثة والاورام التي قد صلبت وصارت في حد ما يعسر انحلاله. وبزر الكرنب يقتل [الدود] اذا شرب وقضبان الكرنب اذا احرقت

٢٨٠