هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

١
٢

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد

الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيما

الإمام المبين وغياث المضطر المستكين عجل الله تعالى

فرجه الشريف ، واللعن المؤبد على أعدائهم أجمعين.

٣
٤

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

لفت نظر

لا يخفى على الأساتذة الكرام والإخوة الأفاضل أن كتاب «هدى الطالب» مجموعة محاضرات ألقاها سماحة السيد الوالد قدس سره حينما كان في مهد العلم مدينة النجف الأشرف وأثناء تواجده في مدينة الأهواز بعد هجرته إلى إيران.

وكانت طريقته كتابة ما يلقيه من المحاضرات ، فحصل من مجموع ذلك هذا الشرح الذي جاز استقبالا وافرا في الحوزات العلمية. وكان آخر ما كتبه بحث الأراضي ، وحالت المنية دون أُمنيته وهي إتمام الكتاب. فجزاه الله تعالى عن العلم وأهله خير الجزاء ، وحشره مع أجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

هذا وكان قد كتب تعليقا آخر على المكاسب دونه أيام تدريسه إياه في مرتبة السطح على غرار «قوله ... قوله ...» وهو وإن تكفل شرح كثير من العبارات الغامضة ، كما وتضمن التعليق على بعض الأبحاث أيضا ، لكنه يختلف مع ما مضى من كتاب «هدى الطالب» من حيث التوضيح والتعليق ، فكان اللازم توحيد ما كتبه أولا مع المطبوع من حيث المنهجية ، وذلك بإضافة بعض المطالب إليه.

وقد أمرني قدس سره ـ قبيل وفاته ـ بمتابعة المشروع إتماما للفائدة ، فقمت بامتثال أمره ـ مع الاعتراف بفقد الكفاءة العلمية ـ واقتصرت غالبا على إكمال ما كان يختص بتوضيح الكتاب ، معتمدا على ما دونه أعلام شراح المكاسب ومحشيه ، كالسيد الفقيه الطباطبائي والشيخ الفقيه المامقاني والمحقق الخراساني والمحقق التقي الشيرازي والمحقق النائيني والمحقق الإصفهاني والمحقق الإيرواني والسيد العلامة الإشكوري والعلامة الشهيدي وغيرهم من الأجلة ، وأخص بالذكر ما استفدته من محاضرات شيخنا الأستاذ ، العالم

٥

العامل ، الفقيه المحقق ، سماحة آية الله الكبرى الشيخ الوحيد الخراساني متعنا الله بدوام ظله.

هذا مضافا إلى استخراج ما تيسر لي استخراجه من الأقوال المنقولة في المكاسب ، خصوصا ما عبر عنه شيخنا الأعظم قدس سره بمثل «وربما يستدل ، وقد تخيل ، كما توهم ، ولا ينقص ، ودعوى ، وتعميم الحجة ، والإيراد عليه ، وقد يقال ، وربما قيد» ونحوه ، وذلك بالتتبع في الكتب التي عاصر المصنف مؤلفيها أو قارب عصرهم ، كالمصابيح وشرح القواعد ومفتاح الكرامة والمقابس وكشف الظلام والمستند والعناوين وشرح خيارات اللمعة والجواهر وغيرها ، وأوردت ـ غالبا ـ نص العبارة تسهيلا للأمر.

ولذلك كله أرجو من الأساتذة الكرام أن يحملون مسؤولية ما يجدونه من خلل أو قصور في الأداء وتبين المراد ، أو خطأ في التخريج.

وختاما أسأله تعالى القبول والتوفيق لإكماله ، وأن ينفع به إخواننا المحصلين ، إنه خير موفق ومعين.

قم المقدسة ـ شعبان المعظم ١٤٢٤

أقل الطلبة

محمد علي الموسوي المروج

٦

الصّورة الثّانية (١) : أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به ، بحيث

______________________________________________________

الصّورة الثانية : أن يخرب الوقف بحيث يقل نفعه

(١) تقدم في الصورة الاولى أنّ عنوان «خراب الوقف فعلا» جامع بينها وبين الصّورة الثّانية والثّالثة ، وأنّ الفارق بينها عدم استعداد العين للبقاء في الاولى ، واستعدادها له في الأخيرتين (١) (*).

ففي الصّورة الأولى يكون الانتفاع بالموقوفة مساوقا لإتلافها ، كما في أكل لحم الحيوان المذبوح ، ولذا دار الأمر فيها بين إبقاء العين حتّى تتلف ، وينتهي أمد الوقف بتلفها ، وهو تضييع محرّم ، وبين تبديلها ، لكون البدل بقاء لمالية نفس الموقوفة.

وفي الصّورة الثّانية ـ الّتي هي محلّ البحث ـ لا يوجب عدم التبديل تلف العين بالمرّة ولا تعذّر الانتفاع بها كلّيّة ، بل يبقى مقدار يسير من المنفعة ، كالدّار الموقوفة الّتي انهدمت فخرجت عن قابليّة السّكنى فيها ، ولكن أمكن إيجار العرصة ـ التي

__________________

(*) كما أنّه قدس‌سره فرّق بين الصّورة الثانية والثالثة بقلّة المنفعة في الثانية بما يلحق بالمعدوم عرفا ، لقوله : «لا تبلغ شيئا معتدّا به» وقوله : «يصدق عليه أنّه لا يجدي نفعا» وقوله : «وإلّا فمجرّد حبس العين وإمساكه ولو من دون المنفعة لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصّورة الاولى». وقلّتها في الثالثة بما لا يلحق

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٦١١.

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

هي جزء الموقوفة ـ بشي‌ء قليل ، كما لو كان اجرة الدّار كلّ شهر عشرة دنانير ، واجرة العرصة ـ كذلك ـ در همين.

ففي هذه الصّورة يقع التّزاحم بين أمرين تعلّق غرض الواقف بكلّ منهما.

الأوّل : حفظ خصوصيّة العين ، لكونها بخصوصيّتها محبوسة للموقوف عليه. ولازمه رفع اليد عن الانتفاع الخاص كالسّكنى.

الثاني : حفظ خصوصية المنفعة المسبّلة حتى إذا توقف على تبديل العرصة بدار اخرى. وسيأتي في (ص ٢١) ترجيح هذا على الأمر الأول.

__________________

بالمعدوم عرفا ، كما هو صريح قوله فيها : «أن يخرب بحيث يقل منفعته ، لكن لا إلى حد يلحق بالمعدوم» ولا بدّ أن يكون نظره إلى الصورة الثانية التي يلحق فيها ندرة المنفعة بالمعدوم ، هذا.

ولكن يشكل الفرق المزبور بما أفيد : من أن المراد بقلّة المنفعة في الصّورة الثانية إن كان ما تقدم في كلامه من لحوقها بالمعدوم ـ كما في إجارة عرصة الدار بدرهمين شهرا ـ لم يصحّ الاستدراك عليه بقوله : «نعم لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن الحكم بالجواز» لاتّحاد الاستدراك مع ما قبله موضوعا ، وهو ندرة المنفعة بحيث يكون بحكم العدم عرفا.

وإن كان مراده من القلّة ندرة المنفعة بالنّسبة إلى ما كان عليه العين قبل الخراب مع كونها شيئا معتدا به عرفا ـ كما إذا كان اجرة العرصة نصف اجرة الدار حال عمرانها ـ فالاستدراك المزبور وإن كان في محلّه ، لتعدّد الموضوع ، إلّا أنه يلزم اتّحاد الصّورة الثانية والثالثة (١).

والحاصل : أن عدّ الصورة الثانية مستقلّة منوط بترك الاستدراك المزبور ، ليتعدد موضوع البحث فيها وفي الثالثة.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٥ ، ص ٢٠٣ و ٢٠٤.

٨

يصدق عرفا (١) أنّه لا منفعة فيه (٢) ، كدار انهدمت ، فصارت عرصة تؤجر للانتفاع بها (٣) باجرة لا تبلغ شيئا معتدا به.

فإن كان ثمنه (٤) على تقدير البيع لا يعطى به إلّا ما كان منفعته (٥) كمنفعة العرصة ، فلا ينبغي الإشكال في عدم الجواز.

______________________________________________________

لكن المصنف قدس‌سره فصّل هنا بين فرضين ، واختار عدم جواز البيع في أحدهما ، واستشكل في الآخر.

ثمّ تعرّض لأمرين آخرين :

أحدهما : حكم قلّة المنفعة لموجب غير الخراب ، كالاستغناء عن الخانات الموقوفة على المسافرين ـ في هذه الأزمنة ـ لاعتياد السفر بالسيارات والطائرات ونحوهما.

ثانيهما : حكم وقف العنوان ، وسيأتي البحث فيهما.

(١) وإن لم يصدق «عدم النفع» حقيقة ، من جهة وجود نفع يسير فيه ، كما مرّ في إجارة عرصة الدار بدر همين مثلا.

(٢) هذا الضمير وضمير «أنّه» والمستتر في «يخرب ، يسقط» راجعة إلى الوقف.

(٣) أي : بالعرصة ، وقوله : «باجرة» متعلق ب «تؤجر».

(٤) أي : ثمن الوقف ، وهذا هو الفرض الأوّل ، وهو : أن تكون قيمة العرصة بحيث يتعذّر شراء شي‌ء بها يكون منفعته أزيد من اجرة العرصة ، كما إذا كان قيمتها عشرة دنانير ، واجرتها شهرا در همين ، ولو بيعت لم يتيسّر شراء شي‌ء ـ بالثمن ـ يكون نماؤه أزيد من در همين. وحكم هذا الفرض منع البيع ، لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ، ولم يحرز مسوّغ البيع بعد.

(٥) أي : منفعة المعطى بالثمن ، والمراد بالمعطى هو البدل المشترى بثمن الوقف. والمقصود مساواة عائدة البدل والمبدل.

٩

وإن كان (١) يعطى بثمنه (٢) ما يكون منفعته (٣) أكثر من منفعة العرصة ، بل يساوي منفعة الدّار (٤) ، ففي جواز البيع وجهان :

من عدم دليل على الجواز (٥) مع قيام المقتضي للمنع.

______________________________________________________

(١) معطوف على «فإن كان» وهذا هو الفرض الثاني ، وهو : أن يكون ثمن العرصة ـ على تقدير البيع ـ وافيا بشراء دكان مثلا يؤجر بدنانير ، فتزيد منفعة البدل على منفعة العرصة فعلا ، أعني بها الدر همين.

وفي جواز البيع في هذا الفرض وعدمه وجهان ، سيأتي بيانهما إن شاء الله تعالى.

(٢) أي : بثمن الوقف.

(٣) أي : منفعة المعطى ، وهو البدل ، كما إذا كانت العرصة في سوق يتخذ فيه محلات للتجارة ، أو كانت في شارع عام يبذل لها ثمن كثير ، ونحوهما مما يعدّ أجرة نفس العرصة قليلا بالنسبة إلى منفعة البدل.

(٤) أي : منفعة الدار قبل انهدامها ، فإذا كانت اجرتها شهرا عشرة دنانير ، كان منفعة ما يشترى بثمن العرصة عشرة دنانير أيضا. والوجه في الإضراب واضح ، لأنّ شبهة جواز البيع تتأكّد عند مساواة البدل لمنفعة نفس الدّار الموقوفة المنهدمة.

(٥) هذا وجه منع البيع ، وحاصله : وجود المقتضي وفقد المانع. أمّا وجود المقتضي فلتعلّق غرض الواقف بحبس العين الخاصّة كالدّار التي تكون العرصة جزأها ، والمفروض إمضاء الشارع هذا الإنشاء ، بمثل «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها». وأمّا فقد المانع ، فلأنّ مسوّغ البيع هو خراب الوقف بحيث لا يجدي نفعا ، فيجوز بيع الوقف الساقط عن النفع بالمرّة كما تقدّم في الصورة الاولى. ولكن لا ريب في عدم صدق هذا المانع على المقام ، لفرض عود منفعة قليلة من العرصة إلى الموقوف عليهم. ويشهد لمنع جواز البيع تصريح العلّامة قدس‌سره بعدم جواز بيع عرصة الدّار المنهدمة ، لبقائها على الوقف.

١٠

وهو (١) ظاهر المشهور ، حيث قيّدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه بحيث لا يجدي نفعا (٢).

وقد تقدّم (٣) التصريح من العلّامة في التحرير بأنّه «لو انهدمت الدّار لم تخرج العرصة من الوقف ، ولم يجز بيعها» (١).

اللهم إلّا (٤) أن يحمل النفع المنفيّ في كلام المشهور على النفع المعتدّ به

______________________________________________________

(١) أي : عدم جواز البيع في هذا الفرض ظاهر فتوى المشهور بجواز البيع إذا لم يجد نفعا أصلا ، فمورد بقاء شي‌ء من النفع ـ كما في المقام ـ خارج عن جواز البيع.

(٢) تكرّر قيد «عدم إجداء النفع» في كثير من العبائر التي نقلها المصنف قدس‌سره في أوّل المسألة ، ففي المقنعة «أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا» وفي الانتصار : «متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا» وفي المراسم : «حتّى لا ينتفع به على أيّ وجه كان» وفي جامع المقاصد : «إذا خرب واضمحلّ بحيث لا ينتفع به» وغيرها فراجع (٢).

(٣) غرضه قدس‌سره من الاستشهاد بعبارة التحرير أنّ منع البيع عند عود شي‌ء من النفع يستفاد من مفهوم قولهم : «بجواز البيع بحيث لا يجدي نفعا». ومن المعلوم أنّ دلالة المفهوم بالظهور لا بالصراحة ، ولكن العلّامة صرّح بمنع بيع العرصة وببقاء وقفيّتها.

(٤) ظاهره الاستدراك على قوله : «من عدم دليل على الجواز» فيكون مقصوده بيان وجه جواز البيع ، وكان الأنسب بسلاسة العبارة أن يقال : «ومن أنّ النفع المنفي ...».

وكيف كان فتوضيح ما أفاده : أنّ مراد المشهور ـ الّذين قيّدوا جواز البيع بعدم

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٥٦٥.

(٢) المصدر ، ص ٥٥٨ ، ٥٦٠ ، ٥٦٣ و ٥٦٨.

١١

بحسب (١) حال العين ، فإنّ الحمام (٢) الّذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا صارت

______________________________________________________

إجداء النفع ـ ليس عدم ترتب المنفعة على الوقف بالدقّة العقلية حتى يكون حصول النفع القليل مانعا عن البيع ، بل المراد سلب النفع المعتدّ به المناسب للعين الموقوفة ، فلو خربت بحيث كان ما يصل إلى الموقوف عليه يسيرا ملحقا بالمعدوم جاز بيعها عند المشهور أيضا ، ضرورة عدم كون البيع منافيا لغرض الواقف من حبس العين وتسبيل الثمرة ، لأنّ مقصوده من حبس العين تسبيل منفعة خاصّة كالسكنى في الدّار ، فسقوطها عن تلك المرتبة يوجب خروج الوقف موضوعا عن قوله عليه‌السلام : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها». ومن المعلوم أنّ أدلّة حلّ البيع والوفاء بالعقود تقتضي صحة تبديلها بشي‌ء آخر.

ويشهد لكون المراد من النفع المنفي هو النفع المعتدّ به كلام العلّامة في وقف التحرير ، من «جعل عرصة الدّار المنهدمة الساقطة عن المنفعة بالكلّية مواتا وجها في المسألة» وجه الشّهادة : أنّ العرصة لا تصير مسلوبة المنفعة بالدقة العقلية ، بل قد يستفاد منها بإيجارها لبعض الأغراض كجعلها مزبلة أو محلّا لبيع أنقاض الأبنية ونحوهما. ولكن لما كانت هذه الاجرة بحكم المعدوم بالنسبة إلى اجرة الدّار العامرة اتّجه القول بخروجها عن الوقف ، وصيرورتها مواتا يجوز للكل التصرّف فيها.

(١) يعني : أن لكل عين موقوفة منفعة تناسبها ، فإن كانت معتدّا بها لم يجز بيعها ، وإن كانت قليلة غير معتنى بها جاز بيعها. مثلا إن كانت الدار تؤجر سنة بألف دينار ، فالمقدار المعتدّ به خمسمائة دينار ، فلو انهدمت واستؤجرت العرصة بخمسة دنانير لم تكن هذه المنفعة القليلة مقصودة ولا مناسبة لمنفعة الدار ، ولا يصدق على العرصة «أنّها ذات منفعة» بل يصدق ـ عرفا ـ كونها مسلوبة المنفعة.

(٢) غرضه التمثيل للنفع غير اللائق بالموقوفة ، كما إذا كانت اجرة الحمّام العامر مائة دينار أو تسعين ، واستؤجر عرصتها بعشرة دراهم ، ضرورة عدم صدق «وصول النفع إلى الموقوف عليه» على هذه الإجارة.

١٢

عرصة تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي ـ كجمع الزبائل (١) ونحوه ـ يصدق (٢) عليه : أنّه لا يجدي نفعا (٣). وكذا القرية (٤) الموقوفة ، فإنّ خرابها بغور أنهارها وهلاك أهلها ، ولا تكون (٥) بسلب [تسلب] منافع أراضيها رأسا. ويشهد لهذا (٦) ما تقدّم عن التحرير : من جعل عرصة الدار المنهدمة

______________________________________________________

(١) جمع «زبالة» بمعنى الفضولات والقاذورات. ولكن لم أظفر في اللّغة بهذا الجمع ولا بمفرده بلفظ «زبالة» التي هي اسم موضع. قال في اللّسان : «الزّبل ـ بالكسر ـ السرقين وما أشبهه» (١) ولعلّ القاعدة تقتضي جمعه على «أزبال» كنظائره من «حبر ، وشبل». والغرض إيجار العرصة لجعلها مزبلة ، أو لعرض البضائع فيها.

(٢) خبر «فإنّ الحمّام» وضمير «عليه» راجع إلى الحمّام.

(٣) وقد تقدّم عن المشهور جواز البيع عند صدق «لا يجدي نفعا» على الوقف.

(٤) هذا مثال آخر لصدق «عدم النفع» عرفا على المنفعة النادرة ، فلا يكون خراب القرية الموقوفة بامتناع الانتفاع بها مطلقا حتى بإجارة أراضيها باجرة قليلة ، بل يكون بغور نهرها وهلاك أهلها ممّا يوجب سلب معظم منافعها كالزرع. فيصدق عليها مع ما فيها من النفع الجزئي الملحق بالمعدوم «أنّها لا تجدي نفعا» فيجوز بيعها حينئذ.

(٥) الأولى «يكون» لرجوع الضمير المستتر إلى خراب القرية ، وبناء على ما في نسختنا من قوله «ولا تكون تسلب» فالضمير المستتر راجع إلى القرية ، أي : ولا تكون القرية الخربة مسلوبة المنفعة بالمرّة. والأولى سوق العبارة هكذا : «لا بسلب ...» ، ويكون «لا» نافية عاطفة.

(٦) أي : لحمل النفع المنفي في كلام المشهور على النفع المعتدّ به ، المقصود من

__________________

(١) لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٣٠٠.

١٣

مواتا لا ينتفع بها بالكلّية (١) ، مع أنّها كثيرا ما تستأجر للأغراض الجزئية.

فالظّاهر (٢) دخول الصورة المذكورة (٣) في إطلاق كلام كلّ من سوّغ البيع عند خرابه ، بحيث لا يجدى نفعا. ويشمله (٤) الإجماع المدّعى في الانتصار (٥) والغنية.

______________________________________________________

العين الموقوفة.

(١) عبارة التحرير هي : «ولو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية ـ كدار انهدمت وعادت مواتا ولم يتمكّن من عمارتها ـ كان وجها» فموضوع الحكم بعود الأرض مواتا هو عدم الانتفاع بها كلّيّة ، وإن بقي شي‌ء يسير من فوائدها.

(٢) هذا نتيجة حمل النفع المنفي ـ في كلام المشهور ـ على المعتدّ به ، وحاصله : أنّ حكمهم بجواز بيع الوقف ـ إذا صار بحيث لا يجدي نفعا ـ مطلق ، يشمل صورتين ، إحداهما : سلب تمام المنفعة ، والاخرى : سلب جلّ المنفعة. ولم يقيد هذا الإطلاق بسقوط العين عن تمام المنفعة ، حتّى لا يجوز البيع عند بقاء شي‌ء منها.

(٣) وهي خروج العين عن النفع المعتدّ به.

(٤) الأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى الصورة المذكورة ، يعني : أن دليل حكمهم بجواز البيع عند الخراب هو الإجماع ، الشامل للصورتين المتقدمتين على حدّ سواء.

(٥) قال السّيد قدس‌سره في كلامه المتقدم : «وممّا انفردت الإمامية به القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه» ثم قال المصنف قدس‌سره : «ثمّ احتجّ باتفاق الإمامية».

وقال السيد أبو مكارم قدس‌سره : «ويجوز عندنا بيع الوقف ...» وكلمة «عندنا» ظاهرة في إجماع الإمامية ، فراجع (١).

__________________

(١) الانتصار ، ص ٢٢٦ ؛ الغنية ، ص ٢٩٨ ، وتقدّم نقلهما في ج ٦ ، ص ٥٦١ و ٥٦٣.

١٤

لكن (١) الخروج بذلك (٢) عن (٣) عموم أدلة وجوب العمل بمقتضى وقف الواقف ، الذي هو حبس العين (٤) ، وعموم (٥) قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» مشكل (٦).

______________________________________________________

(١) غرضه قدس‌سره ـ بعد بيان وجه منع البيع وجوازه ـ ترجيح المنع ، وحاصله :

وجود المقتضي لعدم جواز بيع الوقف المسلوب نفعه ، وفقد المانع عنه. وتقدّم بيانهما في (ص ١٠).

(٢) أي : بمجرّد صيرورة جلّ منفعة الوقف مسلوبة ، وبقاء شي‌ء يسير منها.

(٣) متعلق ب «الخروج» يعني : أن سلب المنفعة المعتدّ بها لا يجوّز البيع مع ظهور دليلين في المنع.

أحدهما : عموم «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» الدال على إمضاء ما أنشأه الواقف من حبس العين أبدا ، ومنعها عن الحركة الاعتبارية ، سواء بقيت العين على ما كانت عليه حال الوقف أم خربت بما يقلّ نفعها. ولا مخصّص للعموم المزبور حسب الفرض.

ثانيهما : عموم «لا يجوز شراء الوقف» الظاهر في منع المعاملة تعبّدا ، سواء أكان منع البيع مأخوذا في إنشاء الوقف أم غير مأخوذ فيه ، وتقريب الظهور : أن كلمتي «الشراء والوقف» من قبيل الجنس الواقع في حيّز النفي ، ومن شأنه إفادة العموم.

ولا فرق في عدم الجواز بين كون الوقف عامرا وخرابا ، كما لا فرق بين قلّة عوائده وكثرتها ، ولم ينهض دليل على تخصيص عموم الحرمة حتى يجوز الشراء حال قلّة المنفعة.

(٤) يعني : حبسها أبدا ، سواء صرّح الواقف بالتأبيد أم لم يصرّح به ، فإنّ غرضه حال الإنشاء هو حبس العين دائما على الموقوف عليه.

(٥) معطوف على «عموم» أي : الخروج عن عموم نفي جواز البيع.

(٦) خبر قوله : «لكن الخروج» ومنشأ الإشكال : عدم المخصّص.

١٥

ويؤيّد المنع (١) حكم أكثر (٢) من تأخّر عن الشيخ بالمنع (٣) عن بيع النخلة

______________________________________________________

(١) بعد ترجيح منع البيع بالعمومين المزبورين ، أيّده بفتوى جماعة من الفقهاء ـ المتأخّرين عن شيخ الطائفة ـ بمنع بيع النخلة المنقلعة ، فإنّ المنفعة المقصودة المسبّلة حال الإنشاء هي ثمرتها ، وهي منتفية بعد القلع ، فإن أمكن الانتفاع بها لغرض آخر كالتسقيف ، وجعلها جسرا على جدول ونحوهما ممّا يكون أجنبيّا عن جهة الوقف ـ ولا يكون منفعة معتدّا بها ـ لم يجز بيعها ، ويتعيّن الانتفاع المزبور من تسقيف وشبهه. وهذا يؤيّد منع المصنف قدس‌سره من البيع.

والتعبير بالتأييد لأجل كونه مختار أكثر من تأخّر عن شيخ الطائفة ، ومن المعلوم عدم كون حكم الأكثر ـ بل المشهور ـ من الحجج الشرعية ، لكنه صالح للتأييد.

وإن تعذّر الانتفاع بالنخلة المنقلعة مطلقا كانت الفتوى المزبورة أجنبية عمّا نحن فيه من بقاء منفعة قليلة ، لتعدّد موضوع المسألتين.

(٢) كالحلّي والمحقق والعلّامة وفخر المحققين والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم كما في مفتاح الكرامة والمقابس (١) ، قال المحقّق قدس‌سره : «ولو انقلعت نخلة من الوقف ، قيل : يجوز بيعها ، لتعذر الانتفاع إلّا بالبيع. وقيل : لا يجوز ، لإمكان الانتفاع بالإجارة للتسقيف وشبهه. وهو أشبه» (٢).

(٣) متعلق ب «حكم».

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٩٢ ، مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٢.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٢٠ و ٢٢١. ولاحظ السرائر ، ج ٣ ، ص ١٦٧ ؛ تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٣ (الحجرية) ؛ قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٣٩٥ ؛ تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ٢٩٠ (ج ٣ ، ص ٣١٧ ، الطبعة الحديثة) ؛ إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٩٣ ؛ الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٧٩ ؛ جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٧٢ ؛ مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٤٠٠ ؛ حاشية الإرشاد المطبوعة مع غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ؛ كفاية الأحكام ، ص ١٤٢.

١٦

المنقلعة بناء (١) على جواز الانتفاع بها في وجوه اخر كالتسقيف ، وجعلها جسرا ، ونحو ذلك (٢).

بل (٣) ظاهر المختلف ـ حيث جعل النزاع بين الشيخ والحلّي رحمه‌الله لفظيّا ،

______________________________________________________

(١) قيد لكون حكم الأكثر مؤيّدا للمنع عن البيع ، وقد عرفت وجه البناء ، إذ مع سقوط الوقف عن المنفعة بالمرّة يتعدّد موضوع مسألتنا ـ وهي بقاء المنفعة القليلة ـ مع موضوع حكمهم بمنع بيع النخلة المنقلعة.

(٢) كأن تعمل زورقا.

(٣) غرضه الترقي ـ من كون منع البيع فتوى الأكثر ـ إلى كونه مجمعا عليه ، وهو إن كان إجماعا تعبديا كان حجة على منع البيع ، وإن كان محتمل المدركية كان مؤيّدا أقوى من مؤيّدية حكم الأكثر.

أمّا توضيح النزاع بين شيخ الطائفة وابن إدريس قدس‌سرهما فهو : أنه ذهب في كتاب الخلاف إلى جواز بيع النخلة المنقلعة مستدلّا عليه «بأنّه لا يمكن الانتفاع بهذه النخلة إلّا على هذا الوجه» (١) أي على وجه البيع ، فيتعيّن بيعها.

وردّه الحلّي بقوله : «يمكن الانتفاع بهذه النخلة من غير بيعها ، وهو أن تعمل جسرا أو زورقا ، إلى غير ذلك من المنافع مع بقاء عينها. وقد بيّنا أنّ الوقف لا يجوز بيعه. فعلى هذا التحرير : لا يجوز بيعها وينتفع بها من هي وقف عليه بغير البيع» (٢).

وادّعى في المختلف أنّ النزاع بينهما لفظي ، لا معنوي ، قال قدس‌سره : «لأنّ الشيخ فرض سلب منافعها ، على ما ذكره في دليله ، وابن إدريس فرض لها منافع غير الثمرة».

وحاصل توجيه العلّامة لكلام الشيخ قدس‌سره هو : أنه لو خرب الوقف ، فإن سقط

__________________

(١) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٥٥١ ، كتاب الوقف ، المسألة : ٢٣.

(٢) السرائر ، ج ٣ ، ص ١٦٧.

١٧

حيث (١) نزّل تجويز الشيخ على صورة عدم إمكان الانتفاع به في منفعة اخرى (٢) ـ الاتّفاق (٣) على المنع إذا حصل فيه انتفاع ولو قليلا (٤) كما يظهر (٥) من التمثيل بجعله جسرا.

______________________________________________________

عن الانتفاع بالكلّية جاز بيعه. وإن أمكن الانتفاع به في منفعة اخرى ـ غير ما عيّنه الواقف ـ كتقطيع النخلة للتسقيف أو لصنع زورق ، لم يجز بيعها عند الكلّ.

وعلى هذا لم يجوّز شيخ الطائفة البيع في صورة إمكان الانتفاع بالوقف في غير ما أراده الواقف ، بل هو كأكثر من تأخّر عنه من المانعين.

ثمّ رجّح العلّامة جواز البيع في مورد سلب منافع العين وشراء بدل له أو صرف الثمن فيما كان تصرف فيه منفعة نفس الوقف ، أو غير ذلك ، فراجع (١).

وسيأتي في الصورة الثالثة البحث عن كون النزاع معنويا أو لفظيّا.

فلاحظ (ص ٥٣).

(١) هذا تقريب جعل المنازعة بين العلمين لفظيّا ، وقد عرفته آنفا.

(٢) يعني : غير المنفعة المقصودة التي سبّلها الواقف ، كالثمر الذي هو ثمرة النخلة الموقوفة.

(٣) خبر قوله : «ظاهر المختلف» ووجه الظهور ما عرفته من أن المخالف في المسألة هو الشيخ ، وبعد حمل تجويز البيع على مورد سلب المنافع مطلقا لا يبقى مخالف لحكمهم بمنع البيع إن بقي شي‌ء من المنفعة.

(٤) فلا يكون النفع اليسير ملحقا بالمعدوم حتى يسوّغ البيع ، فلا تلحق هذه الصورة الثانية بالصورة الاولى.

(٥) هذا مثال للانتفاع القليل بالنخلة الموقوفة ، ومنفعة الجسر وإن كان معتنى بها لكنها قليل بالقياس إلى ثمرة النخلة.

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣١٦.

١٨

نعم (١) ،

______________________________________________________

هذا كلّه في ترجيح منع البيع ، وسيأتي المناقشة في كلا الدليلين ، وهما عموم «الوقوف» وعموم «لا يجوز شراء الوقف» فانتظر.

(١) ظاهره الاستدراك عمّا تقدم في أوّل الصورة الثانية من قوله : «أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به» فيكون مقصوده بالاستدراك تجويز البيع عند ندرة المنفعة بحيث يلحق بالمعدوم.

لكن تقدّم في أوّل الصورة ـ كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدس‌سره (١) أيضا ـ عدم تعدّد الموضوع قبل قوله : «نعم» وبعده ، لأنّه قدس‌سره صرّح «بأنّه يصدق عرفا أنّه لا منفعة فيه» فلعلّ الأولى تبديل «نعم» ب «والأولى أن يقال : لو كان الانتفاع قليلا ... الخ» وهو أعلم بما أثبته في الكتاب ، جزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء.

وكيف كان فتوضيح وجه جواز البيع هو عدم جريان دليل المنع مع فرض وجود المقتضي للصحّة. إذ المانع إمّا قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» وإمّا كون حقيقة الوقف حبس العين وتسبيل الثمرة ، وحيث إن هذا الإنشاء ممضى شرعا بمثل قوله عليه‌السلام : «الوقوف بحسب ما يقفها أهلها» فلا يصح البيع حتى مع ندرة المنفعة.

والمفروض عدم مانعيّة شي‌ء منهما.

أمّا الأوّل ـ وهو قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» ـ فلأنّ شموله للوقف المسلوب المنفعة يكون بالإطلاق الأحوالي ، فلا يصحّ بيع الوقف في كلتا حالتي العمران والخراب. لكن تقدّم في الصورة الاولى منع الإطلاق (٢) ، لانصراف النهي إلى ما ينتفع به البطن الموجود فعلا ، وما يكون قابلا لانتفاع البطن اللاحق ، فلا نهي

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٧٦.

(٢) راجع هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٦١٤ و ٦١٥.

١٩

لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن (١) الحكم بالجواز ،

______________________________________________________

عمّا لا نفع فيه (*).

وأما الثّاني ـ أعني به كون حقيقة الوقف حبس العين وتسبيل الثمرة ، وهو ممّا يجب الوفاء به ـ فلأن غرض الواقف وإن كان حبس العين الخاصة كالدار ، وتسبيل الثمرة الخاصة كالسكنى فيها ، إلّا أن غرضه من حبس العين الخاصة يكون تابعا لغرضه الأصلي وهو التسبيل الخاصّ ، فبانتفاء المنفعة لا غرض للواقف في حبس العين أصلا. ولو فرض أن مقصوده حبس العين وإمساكها مطلقا حتى لو صارت مسلوبة المنفعة لزم القول بمنع بيعها في الصورة الاولى. مع أنّه تقدّم هناك كون التبديل رعاية لحقّ الواقف والموقوف عليه ، فكذا يجوز بيعها في الصورة الثانية التي سقطت العين عن المنفعة المعتدّ بها.

(١) جواب الشرط في «لو كان» والوجه في الإمكان وجود المقتضي لصحة البيع وفقد المانع.

__________________

(*) وافيد في وجه الانصراف أيضا : أن قوله عليه‌السلام ـ بعد هذه الفقرة : ولا تدخل الغلّة في ملكك ـ ظاهر فيما كانت له منفعة معتدّ بها ، فلا يشمل محلّ البحث (١).

لكن يمكن أن يقال : إن الحديث الشريف مشتمل على جملتين مستقلتين ، وليست الثانية تتمة للأولى حتى تكون قرينة على اختصاص النهي عن البيع بما إذا كان عامرا ينتفع به بمقدار معتدّ به ، وتقدم في أول المسألة نقل وجهين عن صاحب المقابس قدس‌سره في تقريب الاستدلال ، أحدهما بجملة «لا يجوز شراء الوقف» والآخر بجملة «ولا تدخل الغلّة في ملكك» فراجع (٢).

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٧٦.

(٢) هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٦١٤ و ٦١٥.

٢٠