هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

وفاقا للأكثر (١) ، بل الكلّ ، بناء (٢) على ما تقدّم (٣) من عدم دلالة قول المفيد

______________________________________________________

(١) كما يظهر من المقابس ، فإنه بعد نقل القول الثالث ـ وهو المنع مطلقا سواء أكانت حاجة أم لم تكن ـ أفاد : أنّ المانع عن البيع هنا إمّا يمنع بيع الوقف مطلقا كالإسكافي والحلّي قدس‌سره هما ، وإمّا يمنعه في الجملة ولم يجوّزه فيما كان البيع أنفع ، قال قدس‌سره : «ومنهم من لم يحكم ببطلان بيعه لبعض الأسباب ، إلّا أنّه أسقط منها صورة الحاجة ، وكون البيع أنفع من هذه الجهة ، وهم : الشيخ في المبسوط وظاهر الخلاف ، ومحتمل كتابي الأخبار ، والمحقق في بيع الشرائع ووقفه ، وظاهر وقف النافع كما فهمه الشهيد أيضا ، والعلّامة في المختلف والتخليص وبيع القواعد والإرشاد والتذكرة والتحرير ووقفها ، والشهيدان في الدروس واللمعة والروضة والمسالك ، والفاضل السيوري في التنقيح ، وأبو العباس في المقتصر وظاهر المهذّب ، والصيمري في بيع غاية المرام ووقفه ، وصاحب المفاتيح ، وجملة ممّن تأخر عنه» (١).

وعليه فالشهرة محققة على منع البيع فيما كان أعود ، وهي تجدي في تحقق الإعراض الموهن لمستند الجواز ، وهما روايتا جعفر والحميري.

(٢) قيد ل «بل الكل» غرضه دعوى الإجماع على المنع ، وأن الشهرة المحضة ـ دون الاتفاق ـ مبنية على وجود المخالف في المسألة ، ولمّا كان المجوّز منحصرا في الشيخ المفيد ولم يكن لكلامه ظهور في تجويز البيع ـ إن كان أعود ـ لم يصحّ عدّه مخالفا ، ولا استيحاش من دعوى الإجماع على المنع حينئذ.

ولو سلّم ظهور كلامه في جواز البيع لزم تأويله وحمله على ما لا يخالف القواعد ، كما أفاده العلّامة قدس‌سره في التحرير.

(٣) مراده مما تقدم إمّا ما أشار إليه من قوله قبل سطرين بقوله : «وقد تقدم عبارته». وإمّا ما نقله عن تحرير العلّامة ، من كونه متأولا ، وعقّبه المصنف بقوله

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٤٨.

٦١

على ذلك (١) ، وعلى تقديره (٢) فقد تقدم عن التحرير : أنّ كلام المفيد متأوّل.

وكيف كان (٣) ، فلإشكال في المنع ، لوجود مقتضي المنع (٤) ، وهو (٥) وجوب

______________________________________________________

هناك : «ولعلّه من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد ...» (١) ، وظاهر السكوت ارتضاؤه لأصل الحمل والتأويل.

(١) أي : على جواز البيع إن كان أعود.

(٢) أي : تقدير دلالة قول المفيد على جواز البيع.

(٣) يعني : سواء أمكن توجيه كلام الشيخ المفيد ليتحقق الإجماع على المنع ، أم لم يمكن وتحققت الشهرة عليه ، فلا إشكال في عدم جواز بيع الوقف إن كان أصلح بحال الموقوف عليهم. والدليل على الدعوى وجود المقتضي وفقد المانع.

أمّا المقتضي فأمران :

أحدهما : عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود والعهود ، وعدم نقضها ، وهو شامل للوقف الذي حقيقته حبس الأصل عن النقل والانتقال مطلقا ، سواء أكان بيعه أصلح بحال الموقوف عليه ، أم لم يكن.

وثانيهما : خصوص ما ورد في الوقف ، كقوله عليه‌السلام : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» الدال على وجوب العمل على طبق ما رسمه الواقف من تحبيس الأصل على الموقوف عليه. وكقوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» الظاهر في منع بيع الوقف وتغييره وتبديله.

وأمّا المانع ـ أي ما يجوّز البيع إذا كان أنفع ـ فما يدّعى كونه مانعا رواية ابن حنّان ومكاتبة الحميري ، وسيأتي قصورهما عن إثبات جواز البيع.

(٤) أي : منع البيع فيما كان أعود.

(٥) يعني : والمقتضي للمنع هو ما دلّ ـ عموما وخصوصا ـ على وجوب العمل على طبق الإنشاء.

__________________

(١) راجع هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٥٦٠.

٦٢

العمل على طبق إنشاء الواقف ، وقوله (١) عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» (١) ، وغير ذلك (٢). وعدم (٣) ما يصلح للمنع (٤) ، عدا رواية ابن محبوب (٥) عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنّان [حيّان] (٦)

______________________________________________________

(١) معطوف على «وجوب» يعني : وكذا يقتضي المنع عن البيع ما دلّ على النهي عن خصوص بيع الوقف وشرائه.

(٢) كالإجماع المتقدم في أوّل المسألة على عدم جواز بيع الوقف ، وكالنبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرسل الدال على أن : الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة (٢).

(٣) معطوف على «وجود مقتضي المنع».

(٤) يعني : المنع عن تأثير مقتضي المنع ، فكأنه قال : «وعدم ما يصلح للجواز عدا ...» فإن نفي النفي يؤول إلى الإثبات ، نحو «زيد ليس بعديم المال» أي : هو ذو مال.

(٥) استدل الشهيد بهذه الرواية على مدعاه من جواز البيع عند الحاجة إن كان أعود ، قال قدس‌سره : «وأمّا الذاكرون الحاجة ـ أي جواز البيع عند حاجة الموقوف عليهم ـ فيمكن تعويلهم على ما رواه جعفر بن حيّان ... وهذه تتضمّن قيد كون البيع أعود عند الحاجة» (٣). ثم قال : «والأجود العمل بما يقتضيه الحديثان السالفان» (٤) وأحد الحديثين في كلام الشهيد هو خبر جعفر.

(٦) هذا الخبر لا يخلو من بحث سندا ودلالة. أمّا السند فلجهالة جعفر. وعدم

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٣ ، الباب ٦ من أبواب الوقوف والصدقات ، الحديث : ١.

(٢) عوالي اللئالي ، ج ٢ ، ص ٢٦١ ، الحديث : ٥ ، رواه عنه في مستدرك الوسائل ، ج ١٤ ، ص ٤٧ ، الباب ٢ من أبواب الوقف ، ح ١.

(٣) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٢٨.

(٤) المصدر ، ص ٣٠.

٦٣

«قال : سألت (١) أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل

______________________________________________________

إحراز وثاقته ، والعمدة وقوع ابن محبوب في السند ، وهو مجد عند من يرى كفاية صحة الطريق إلى من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، مطلقا سواء روى عن مجهول بلا واسطة أو معها كما في المقام ، لأن ابن محبوب يروي عن علي بن رئاب ، وهو عن جعفر. فيحكم باعتبار الخبر حينئذ. ولعلّه لهذا وصفه العلّامة المجلسي التقي قدس‌سره بالقوي كالصحيح (١).

لكن المبنى محلّ تأمل ، كما تعرضنا له في شرح الكفاية ، فراجع (٢). ولعلّه عدّه ولده العلّامة من المجهول (٣).

وأمّا الشهرة العملية الجابرة لضعف السند فغير محققة في المقام بناء على ذهاب الأكثر إلى المنع مطلقا.

وأمّا الدلالة فالرواية تشتمل على فقرات متعددة ، وهي غير صافية من الإشكال كما سيأتي التعرض لجملة منها ، ولا بد من توجيهها بما لا يخالف القواعد ، كما تصدى غير واحد له ، فراجع (٤).

والغرض من نقلها الاستدلال بالسؤال الأخير المتكفل لحكم بيع الوقف عند الحاجة ، وتجويزه عليه‌السلام له بشرطين :

أحدهما : رضا الموقوف عليهم بأجمعهم.

وثانيهما : كون البيع خيرا لهم من إبقائه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

(١) هذا هو السؤال الأوّل ، ولعلّ مراد السائل : أنّ الواقف وقف أرضا مزروعة على قرابته من أبويه ، وشرط في صيغة الوقف : أن يعطي الموقوف عليهم ـ بعد موت

__________________

(١) روضة المتقين ، ج ١١ ، ص ١٥٨.

(٢) منتهى الدراية ، ج ٨ ، ص ١٤٥.

(٣) ملاذ الأخيار ، ج ١٤ ، ص ٤٠٦.

(٤) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٥٠ و ٥١.

٦٤

وقف غلّة (١) له على قرابته (٢) من أبيه ، وقرابته من أمّه ،

______________________________________________________

الواقف ـ مقدار ثلاث مائة درهم من عوائد الموقوفة لرجل ما دام حيّا ، ولعقبه بعد موته ، بأن قال : «هذه الأرض وقف على قرابتي ، وشرطت عليهم إعطاء ثلاث مائة درهم ـ بعد موتي ـ لزيد ثم لعقبه».

فالمراد بالوصية هنا الشرط على الموقوف عليهم بإعطاء شي‌ء للرجل معلقا على موت الواقف ، بحيث تكون نماءات الوقف بتمامها ملكا للموقوف عليهم قبل موت الواقف ، وكذلك تكون لهم ولورثتهم بعد انقراض ذلك الرجل وعقبه.

وليس المراد بالوصية هنا معناها المعهود من العقد المستقل ليشكل بأن الوصية إن كانت بعد اجتماع شرائط الوقف فهي باطلة ، لعدم بقاء المال على ملك الموصي حتى يصح الإيصاء به. وإن كانت قبلها صحّت وبطل الوقف.

كما أن الظاهر عدم إرادة الاستثناء من الوقف ، بأن يستثني الواقف مقدارا من منفعة الوقف لنفسه ثم أوصى به لذلك الرجل ، كأن يقول : «وقفت هذه الأرض على قرابتي واستثنيت من علّتها ثلاث مائة درهم» إذ لو كان كذلك لزم دخول الدراهم في ملك ورثة الواقف بعد انقراض الموصى له. مع أنه عليه‌السلام جعلها للموقوف عليهم.

(١) قال الشهيد قدس‌سره : «المراد بالغلّة هنا أرض الغلّة ، فحذف المضاف للعلم به» (١).

ويشهد له قوله السائل في السؤال الثاني : «أرأيت إن لم يخرج من غلّة تلك الأرض التي أوقفها» لرجوع الضمير إلى الأرض لا إلى الغلّة.

وكذا قوله عليه‌السلام في جواب السؤال الثالث : «يردّ إلى ما يخرج من الوقف» فيكون المراد بالموصول الغلّة ، وبالوقف نفس الأرض.

(٢) استفاد العلّامة وغيره من اقتصار السائل ـ في مقام حكاية الوقف ـ على

__________________

(١) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٢٨.

٦٥

وأوصى (١) لرجل ولعقبه (٢) من تلك الغلّة ـ ليس (٣) بينه وبينه قرابة ـ بثلاثمائة (٤) درهم في كل سنة ، ويقسّم الباقي (٥) على قرابته من أبيه ، وقرابته من امّه. فقال عليه‌السلام : جائز للّذي أوصي له بذلك (٦).

قلت : أرأيت (٧) إن لم يخرج من غلّة تلك الأرض التي أوقفها إلّا خمسمائة درهم؟ فقال (٨) : أليس في وصيّته أن يعطى الذي اوصي له من الغلّة

______________________________________________________

ذكر القرابة : أنّ مورد السؤال وقف منقطع ، لا مؤبّد ، فتكون الرواية أجنبية عن بيع المؤبّد إذا كان أنفع. وسيأتي في (ص ٨٠).

(١) تقدّم آنفا بعض محتملات الوصية ، وأن الظاهر عدم إرادة وقف بعض الأرض والإيصاء بمنافع بعضها الآخر. وذلك لدلالة قوله عليه‌السلام : «أرأيت إن لم تخرج من غلّة تلك الأرض التي وقفها» على أن تمام الأرض موقوفة.

(٢) المراد بالعقب مطلق الوارث لا خصوص الأولاد ، وذلك بقرينة قوله عليه‌السلام : «لورثته يتوارثونها» أعم من أن يكون الوارث ولدا أو غيره.

(٣) يعني : أنّ الرجل الموصى له ليس من القرابة التي وقفت عليهم الأرض.

(٤) متعلق ب «أوصى» فالمال الموصى به ثلاثمائة درهم في كل سنة من منافع الأرض يجب إعطاؤها للرجل.

(٥) يعني : ما بقي من الغلة بعد إخراج ثلاثمائة درهم منها.

(٦) أي : بثلاثمائة درهم ، وجواب الإمام عليه‌السلام إمضاء لإنشاء الواقف وتنفيذ لوصيته ، ولعلّها كانت شرطا في الوقف كما تقدّم آنفا.

(٧) كأنّ السائل تعجب من تنفيذ هذه الوصية من جهة أن استحقاق الموصى له للثلاثمائة درهم ـ على كل حال ـ قد يوجب النقص في حصة الموقوف عليهم ، كما إذا كان تمام الغلّة خمسمائة درهم ، فنصيب كل واحد منهم من المائتين الباقيتين قليل جدّا.

(٨) يعني : فقال الإمام عليه‌السلام ـ لإزالة تعجب السائل ـ بلزوم العمل بالوصية النافذة.

٦٦

ثلاثمائة درهم ، ويقسّم الباقي على قرابته من أبيه وامّه؟ قلت : نعم (١). قال : ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلّة شيئا حتى يوفى (٢) الموصى له ثلاثمائة درهم ، ثمّ لهم (٣) ما يبقى بعد ذلك.

قلت : أرأيت (٤) إن مات الذي اوصي له (٥)؟ قال : إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته (٦) يتوارثونها ما بقي أحد منهم. فإن انقطع ورثته (٧) ، ولم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت ،

______________________________________________________

(١) أي : نعم ورد في وصية الواقف إخراج ثلاثمائة درهم على كل حال ، سواء بلغت الغلّة آلافا من الدراهم أم كانت خمسمائة درهم.

(٢) يعني : حتى يتم للموصى له ثلاثمائة درهم ، وتصل إليه.

(٣) أي : للقرابة بعد إيفاء الثلاثمائة للموصى له.

(٤) هذا سؤال عن حكم الموصى به لو مات الموصى له ، وأن الدراهم لورثته أو ترجع إلى الموقوف عليهم.

(٥) كذا في نسخ الكتاب والوسائل ، وهو موافق لما في الكافي ، ولكن في التهذيب «اوصى» والأولى ما في المتن.

(٦) أي : لعقب الموصى له الذين أوصى الواقف بإعطاء الثلاثمائة درهم لهم بعد موت الموصى له. والمراد بالتوارث ليس هو الإرث المصطلح ليجري عليه الأحكام المختصة به مثل كون حظّ الذكر ضعف الانثى ، بل المراد به استحقاق الأعقاب ما كان للموصى له بعد موته وإن كان تلقّيهم للموصى به من الموصي لا من الموصى له ، نظير استحقاق البطن اللاحق للعين الموقوفة بعد انقراض البطن السابق ، فإنّه ليس من الإرث المصطلح. ووجه مشابهة هذين ـ أعني الوصية والوقف ـ بالإرث هو توقف استحقاق اللاحق على فقد السابق.

(٧) أي : فإن لم يبق أحد من ورثة الموصى له انقطع حكم الوصية ، فالثلاثمائة درهم لقرابة الواقف من أبيه وامّه الذين اوقفت الأرض عليهم.

٦٧

يردّ (١) إلى ما يخرج من الوقف ، ثمّ يقسّم بينهم ، يتوارثون ذلك (٢) ما بقوا وبقيت الغلّة.

قلت (٣) : فللورثة من (٤) قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا (٥) ولم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟ قال (٦) : نعم ، إذا رضوا كلّهم ، وكان البيع خيرا

______________________________________________________

(١) أي : يرجع الموصى به ـ وهو الثلاثمائة درهم ـ إلى الموقوف عليهم ، وتنضمّ إلى سائر نماءات الموقوفة ، فيقسّم الجميع بينهم.

(٢) المشار إليه هو ما يخرج من الوقف. والتوارث هنا بمعنى استحقاق كل بطن بعد انقراض سابقه ، لا بمعنى تلقّي الملك من السابق.

(٣) هذا السؤال الأخير محلّ الاستشهاد بالرواية على جواز بيع الوقف إن كان أنفع ، والسائل فرض حاجة الموقوف عليهم وعدم كفاية الغلّة لهم كما سيظهر.

(٤) كذا في نسخ الكتاب وكذا في الوسائل والكافي ، ولكنّه في التهذيب «فللورثة قرابة الميت» بدون حرف الجرّ. والمراد بالقرابة هم الموقوف عليهم في صدر الرواية أي أقرباء الواقف من أبيه وامّه ، والمراد بالورثة هم نفس القرابة بناء على خلوّ العبارة من حرف الجرّ. وكذا بناء على ذكر «من» لاحتمال كونها بيانية ، فكأنه قال : لورثة الواقف الذين هم الموقوف عليهم.

نعم بناء على كونها تبعيضية ، فالمراد بقرابة الواقف ما يعمّ البطن الموجود والبطون المتأخرة ، وبالورثة ورثة الميت شرعا كالبطن الحاضر.

(٥) المراد من الحاجة ما ينطبق على الصورة الرابعة أعني بيع الموقوفة وتبديلها بشي‌ء آخر يكون الانتفاع به أزيد مما يعودهم من أصل الوقف فعلا ، لأنّ غرض السائل تكميل نفع الموقوفة إلى حدّ يفي بمؤونتهم ، وهذا الغرض يقتضي أن يكون جواز البيع لأجل التبديل بما هو خير للموقوف عليهم وأنفع لهم.

وسيأتي من المصنف إبداء احتمال آخر ، فلاحظ (ص ٧٧).

(٦) هذا جواب الإمام عليه‌السلام ، وهو تجويز البيع ، لكن لا كما فرضه السائل من

٦٨

لهم ، باعوا» (١).

والخبر (١) المرويّ عن الإحتجاج : أنّ الحميري كتب إلى صاحب الزمان

______________________________________________________

الحاجة ، بل بشرطين :

أحدهما : رضى جميع الموقوف عليهم ، فلا عبرة برضى بعض دون بعض.

وثانيهما : كون البيع خيرا لهم.

ويحتمل في جواب الإمام عليه‌السلام ب «نعم» تصديق السائل في جواز البيع عند الحاجة ، لكن بشرطين آخرين ، وعدم كفاية الحاجة التي فرضها السائل ، فإن اجتمعت الحاجة والرضا والخير جاز البيع ، وإلّا فلا.

ويحتمل أن يكون تقريرا لأصل جواز البيع ، فكأنّه عليه‌السلام عدل في الجواب إلى أن شرط جواز البيع هو كونه خيرا لهم وأنفع بحالهم من إبقاء الأرض.

وهذا الاحتمال الثاني هو مبنى الاستدلال برواية جعفر بن حيّان على جواز بيع الوقف إن كان أعود من دون تقييده بالحاجة.

(١) معطوف على «رواية ابن محبوب» أي : «وعدا الخبر المروي ...» وهذا الخبر لاشتماله على مضمون الخبر السابق يمكن أن يستدلّ به على جواز بيع الوقف إن كان أنفع. والبحث فيه سندا ودلالة. أما السند فالرواية مكاتبة الحميري قدس‌سره إلى الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا فداه ، رواها أحمد بن علي ابن أبي طالب الطبرسي قدس‌سره في الاحتجاج ، وهو يروي عن الحميري بواسطة واحدة. ولو نوقش في ما روي في الاحتجاج مرسلا أمكن التعويل على خصوص توقيعات الناحية المقدسة إلى الحميري بما نقله النجاشي رحمه‌الله ـ على ما حكاه عنه في المقابس ـ من قوله :

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٦ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث : ٨ ، رواه عن الكافي ، ج ٧ ، ص ٣٥ ، كتاب الوصايا ، باب ما يجوز من الوقف والصدقة ... ، الحديث : ٢٩ ، والفقيه ، ج ٤ ، ص ١٧٩ ، الحديث : ٦٣٠ ، وتهذيب الأحكام ، ج ٩ ، ص ١٣٣ ، الحديث ٥٦٥ ، ونقل جملة منه في الإستبصار ، ج ٤ ، ص ٩٩ ، الباب ٦١ ، الحديث : ٦.

٦٩

ـ جعلني الله فداه ـ : «أنّه روي عن الصادق عليه‌السلام خبر مأثور (١) (*) : أنّ الوقف إذا كان على قوم بأعيانهم وأعقابهم ، فاجتمع أهل الوقف على بيعه ، وكان

______________________________________________________

«وقال لنا أحمد بن الحسين : وقعت هذه المسائل إليّ في أصلها ، والتوقيعات بين السطور» (١). وظاهره الاطلاع على تمام ما كتبه الحميري إليه عليه الصلاة والسلام ، هذا.

وأما الدلالة فالمكاتبة تشتمل على حكمين سألهما الحميري منه عليه‌السلام :

الأوّل : حكم بيع الوقف الخاص لو لم يجتمع الموقوف عليهم على البيع ، وبيانه : أنّ الحميري روى مرسلا عن الإمام الصادق عليه‌السلام جواز بيع الوقف بشرطين :

أحدهما : كونه أصلح من إبقائه ، وثانيهما : اتفاقهم على البيع. فتردّد الحميري في جواز البيع عند فقد شرط الاجتماع. فأجابه عليه‌السلام بجواز ذلك.

الثاني : حكم الوقف الذي لا يجوز بيعه أصلا ، فأجاب عليه‌السلام بأن ما لا يجوز بيعه هو الوقف على الإمام عليه‌السلام.

(١) يحتمل أن يكون هذا الخبر المأثور هو خبر جعفر بن حيّان كما قيل ، أو خبرا آخر مشتملا على نفس المضمون وإن لم يصل إلينا. وحينئذ لو تم سند المكاتبة كشف عن صدور الجملة الأخيرة من رواية ابن حنّان عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

__________________

(*) كذا في الوسائل نقلا عن الإحتجاج ، لكن فيه «روى عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور» و«الفقيه» يطلق غالبا على الإمام المظلوم المعصوم موسى الكاظم عليه الصلاة والسلام. فنفي البعد عن كون ذلك عين رواية جعفر بن حيّان ـ كما في المقابس وغير واحد من الحواشي (٢) ـ ضعيف ، لعدم رواية ابن حيان عن الإمام الكاظم عليه‌السلام ، فلاحظ.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٥٢.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٥١ ، حاشية المحقق الأصفهاني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ٢٧١ ، حاشية المحقق الإيرواني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٧٨.

٧٠

ذلك أصلح ، لهم (١) أن يبيعوه (٢).

فهل (٣) يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع ، أم لا يجوز إلّا أن يجتمعوا كلّهم على ذلك (٤)؟

وعن الوقف (٥) الذي لا يجوز بيعه؟

فأجاب عليه‌السلام : إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه (٦). وإذا كان (٧) على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون (٨)

______________________________________________________

(١) الجملة خبر قوله : «ان الوقف» وجملة «إذا كان ... أصلح» معترضة.

(٢) بهذا يتمّ الخبر المأثور عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام.

(٣) هذا سؤال الحميري من الإمام عليه‌السلام حول الخبر المأثور ، وقد تقدم وجه تردّده الداعي للسؤال منه عليه‌السلام.

(٤) أي : على البيع.

(٥) هذا هو السؤال الثاني ، وهو تحديد الوقف الممنوع بيعه ، بلا دخل لاجتماع الموقوف عليهم في الجواز ، ولعلّ مورد سؤاله الوقف العام ، لكون متولّيه الإمام عليه‌السلام ، أو الوقف على الإمام الذي لا يحلّ لأحد أن يتصرف فيه ببيع وغيره ، كما ورد النهي عنه في مكاتبة اخرى.

(٦) هذا جواب السؤال الثّاني ، وحاصله : أنّ الوقف على عنوان «إمام المسلمين» ـ المنطبق على الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، أو شخصه المقدّس عليه‌السلام ـ يحرم أن يتصدى الغير لبيعه من جهة عدم كونه مالكا لأمر هذا الوقف حتى ينفذ تصرفه فيه.

(٧) هذا جواب السؤال الأوّل ، وظاهره تعميم جواز بيع الوقف الخاص لكلتا حالتي اجتماع أهل الوقف وتفرّقهم. فإن اجتمعوا فالمبيع تمام الموقوفة ، وإن تفرّقوا فالمبيع خصوص حصّة البائعين.

(٨) الظاهر إرادة القدرة الشرعية ، يعني : بقدر ما يستحقه البائع من الوقف ،

٧١

على بيعه مجتمعين (١) ومتفرّقين ، إن شاء الله» (١).

دلّت (٢) على جواز البيع ، إمّا في خصوص ما ذكره الراوي ـ وهو كون

______________________________________________________

فلا ينفذ بيع ما زاد على حصته.

(١) الاجتماع على البيع هو اتفاق كلمة أهل الوقف ، سواء باعوه صفقة واحدة ، أم باع كل منهم حصّته. والافتراق إختلاف أنظارهم في البيع ، بأن يريده بعضهم دون بعض.

(٢) غرض المصنف قدس‌سره تقريب دلالة هذه المكاتبة على جواز البيع ، ومحصله : أن قوله عليه‌السلام : «فليبع كلّ قوم» يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون تجويز بيع البعض لحصته من الوقف مشروطا بكونه أعود وأنفع للموقوف عليه. ومنشأ هذا الاحتمال كون جواب الإمام عليه‌السلام ناظر للسؤال ، وصدوره في مورد فرض السائل أصلحية البيع ، لقوله : «وكان ذلك أصلح».

وعليه فلا منافاة بين هذه المكاتبة وبين رواية جعفر المجوّزة للبيع إذا كان أنفع وأصلح ، فهما متوافقتان في الحكم.

ثانيهما : أن يكون تجويز بيع البعض مطلقا وغير مقيّد بكونه أنفع ، لعدم ورود قيد «الأصلح» في جواب الإمام عليه‌السلام ، وإنّما ورد في سؤال السائل ، والعبرة بإطلاق الجواب ، لاحتمال عدم دخل «الأصلح» في جواز بيع كل واحد من أهل الوقف حصّته.

وبناء على هذا الوجه يقع التنافي بين جواز البيع مطلقا ـ سواء أكان أنفع أم لا ـ وبين مفهوم الجملة الشرطية في قوله عليه‌السلام في خبر جعفر «إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم» لظهوره في انتفاء الجواز بانتفاء رضا الكل ، أو بانتفاء خيرية البيع.

ويرتفع التنافي بتقييد إطلاق البيع ـ في المكاتبة ـ بمفهوم رواية جعفر ، ونتيجة

__________________

(١) الإحتجاج ، ج ٢ ، ص ٣١٢ ـ ٣١٣ ، الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، الحديث : ٩.

٧٢

البيع أصلح ـ وإمّا مطلقا ، بناء (١) على عموم الجواب. لكنّه (٢) مقيّد بالأصلح ، لمفهوم رواية جعفر.

كما أنّه يمكن (٣) حمل اعتبار رضا الكلّ في رواية جعفر على صورة بيع تمام

______________________________________________________

التقييد اختصاص جواز البيع بكونه أنفع.

(١) قيد ل «مطلقا» يعني : أن دلالة المكاتبة على إطلاق جواز البيع مبنية على عدم قرينية السؤال على ما يراد من الجواب. فلو قيل باختصاص الجواب بمورد السؤال لم يكن إطلاق في البين ، كما تقدم آنفا.

(٢) أي : لكنّ إطلاق جواز البيع مقيّد بمفهوم الجملة الشرطية في قوله عليه‌السلام : «إذا رضوا كلّهم ، وكان البيع خيرا لهم» كما تقدم آنفا.

(٣) الضمير للشأن ، وغرضه قدس‌سره قرينية كل واحد من الخبرين على التصرف في الآخر ، فكما أن مفهوم خبر جعفر مقيّد لإطلاق جواز البيع بناء على الاحتمال الثاني في المكاتبة ، فكذا تكون المكاتبة قرينة على التصرف في خبر جعفر.

وبيانه : أن قوله عليه‌السلام فيه : «نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم» يدلّ بمفهوم الشرط على عدم نفوذ البيع بفقد كل واحد من الشرطين ، وهما رضا الكل وكون البيع خيرا. وعليه فلا عبرة برضا بعض أهل الوقف في بيع حصّة نفسه منه. ومن المعلوم منافاة هذا المفهوم لقوله عليه‌السلام في منطوق المكاتبة : «فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين» الصريح في صحة بيع كلّ صحة برضا أربابه.

ويرتفع هذا التنافي برفع اليد عن ظهور خبر جعفر في كون رضا الكلّ شرطا تعبديّا لجواز البيع كشرطية الأعودية ، بل يقال : إن اريد بيع تمام الوقف لزم رضا الجميع ، عملا بظاهر قوله عليه‌السلام : «إذا رضوا كلهم» ، كما هو الحال في التصرف في سائر الأملاك المشتركة ومتعلقات الحقوق ، وإن اريد بيع بعض أهل الوقف نصيبه منه كفى رضاه ، ولا يكون رضا الجميع شرطا في البيع ، على ما هو صريح المكاتبة.

٧٣

الوقف ، لا اعتباره (١) في بيع كلّ واحد ، بقرينة (٢) رواية الاحتجاج.

ويؤيّد المطلب (٣) صدر رواية ابن مهزيار الآتية (٤) لبيع حصّة ضيعة الإمام عليه‌السلام من الوقف.

______________________________________________________

ويؤيّد هذا الحمل ما ورد في صدر مكاتبة ابن مهزيار من قوله عليه‌السلام : «أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حصّتي من الضيعة ، وإيصال ثمن ذلك إليّ ، إن ذلك رأيي إن شاء الله تعالى» ضرورة أنّ أمره عليه الصلاة والسلام ببيع حصّته دليل على كفاية رضا كل واحد من أهل الوقف ببيع حصته.

(١) أي : اعتبار رضا الكل ، وعدم توقف صحته على اجتماعهم عليه.

(٢) هذا وقوله : «على صورة» متعلقان ب «حمل».

(٣) المراد من المطلب حمل خبر جعفر على صورة بيع تمام الوقف ، ونتيجته جواز بيع كل قوم نصيبه منه.

وأمّا جعله مؤيّدا ـ لا دليلا ـ فإمّا لاحتمال إرادة الهبة من قوله : «وجعل لك في الوقف الخمس» بأن يكون الوقف بالنسبة إلى أربعة أخماس الضيعة ، فيكون خمسها هبة له عليه‌السلام.

وإن كان خلاف الظاهر ، لأنّ قوله : «ابتاع ضيعة فأوقفها» ظاهر في كون الوقف شاملا لتمام الضيعة.

وإمّا لعدم ظهورها في حكم الوقف المؤبّد.

وإمّا لعدم تحقق القبض كما سيأتي التعرض له في الصورة العاشرة فراجع (ص ١٧٩).

(٤) سيأتي في (ص ١٥١) استدلال من جوّز بيع الوقف ـ في الصور الأربع الأخيرة ـ بها ، فانتظر.

هذا كلّه ما يتعلق بقوله في (ص ٦٣) : «وعدم ما يصلح للمنع عدا رواية ...» أي جواز البيع إن كان أعود ، دليلا ومؤيّدا.

٧٤

والجواب (١) : أمّا عن رواية جعفر ، فبأنّها (٢) إنّما تدلّ على الجواز مع حاجة الموقوف عليهم ، لا لمجرّد كون البيع أنفع (*).

______________________________________________________

(١) أجاب المصنف قدس‌سره عن الاستدلال بالخبرين على الجواز ، فعن الأوّل بوجوه أربعة ، وعن الثاني بوجهين منها ، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا هو الوجه الأوّل ، وحاصله : أن الدليل أخص من المدّعى.

توضيحه : أن الغرض من الاستدلال بخبر جعفر بن حيّان إثبات جواز بيع الوقف لمجرّد كونه أنفع ، سواء انضمّت جهة اخرى ـ من حاجة أو ضرورة شديدة ـ إليه ، أم لا. مع أنّ الخبر يدلّ على إناطة الجواز بحاجة الموقوف عليهم أيضا ، لأنّ قوله عليه‌السلام : «نعم» ناظر إلى الجواز في مفروض السؤال وهو الحاجة ، لكنه عليه‌السلام قيّده بكونه أصلح لهم. ومقتضاه توقف نفوذ البيع على اجتماع الأمرين ، وبهذا يظهر عدم وفاء الخبر بإثبات المقصود.

نعم ، لا بأس بالاستدلال به لمن يشترط الحاجة والأعودية كابن سعيد والشهيد قدس‌سره هما.

هذا مع الغضّ عن الشرط الآخر المذكور في جوابه عليه‌السلام من اعتبار رضى

__________________

(١) هذا ينافي ما سيأتي في الصورة الخامسة ، من قوله : «مع أنه قد يقال ...» الظاهر في إلغاء قيد الحاجة. ولم يتأمل فيه المصنف قدس‌سره.

نعم ، لا بأس بإلزام من يكتفى بكون البيع أعود بما ورد في خبر جعفر بن حنّان ، بناء على كون «نعم» دالّا على تقرير جواز البيع عند الحاجة ، فلو كان عدولا عنه إلى كفاية كونه خيرا لم يتجه ما في المتن.

كما أن الجواب الثالث أيضا مبني على اعتبار قيد الحاجة ، حتى يقال بأنّها المراد من الخير. وأمّا الجواب الثاني فمبني على إلغاء الحاجة ، وكون مناط جواز البيع الصلاح والنفع ، فلاحظ.

٧٥

فالجواز مشروط بالأمرين كما تقدّم عن ظاهر النزهة (١). وسيجي‌ء الكلام في هذا القول (٢).

بل يمكن أن يقال (٣) : إنّ المراد بكون البيع خيرا لهم : مطلق النفع الذي

______________________________________________________

الجميع ، وإلّا فيكون جواز البيع دائرا مدار امور ثلاثة : الاحتياج ورضا الجميع والأعودية. وعلى كل حال فلا تدل الرواية على كون المناط في جواز البيع الأعودية بالاستقلال.

فإن قلت : يمكن إلغاء قيد «الحاجة» لكونه مأخوذا في السؤال ، لا في جواب الإمام عليه‌السلام ، كما تقدّم نظيره في الاستدلال بالمكاتبة من احتمال دلالتها على الجواز مطلقا لا مشروطا بالأصلحية ، حيث قال : «وإمّا مطلقا بناء على عموم الجواب». فتمام المناط رضا الكل والأعودية ، فيتجه الاستناد إلى الخبر لجواز البيع إن كان أصلح. وأمّا قيد «رضى الكل» فهو إمّا ظاهر في بيع تمام الوقف بمعنى رضا كل واحد ببيع نصيبه ، فلا دلالة فيه على اعتبار الاجتماع حتى بالنسبة إلى بيع بعض الوقف. وإمّا لا يؤخذ به من جهة تقييده بالمكاتبة.

قلت : لا مجال لإلغاء القيد هنا ، لظهور «نعم» في الجواز في موضوع الحاجة ، غايته زيادة الشرطين ، لا تخطئة السائل في أصل دخل الحاجة في نفوذ البيع.

(١) حيث قال فيها : «أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ويكون بيع الوقف أصلح لهم» (١).

(٢) أي : القول بجواز البيع لو احتاج الموقوف إليهم إلى البيع ، وسيأتي في الصورة الخامسة.

(٣) هذا هو الوجه الثاني ممّا أجاب به عن الاستدلال بالرواية ، وحاصله : أنّه يمكن إرادة مطلق النفع من «الخير» في قوله عليه‌السلام : «وكان البيع خيرا لهم» فالمراد

__________________

(١) نزهة الناظر ، ص ٧٤ ، وتقدم في نقل الأقوال ، فراجع هدى الطالب ج ٦ ، ص ٥٦٤.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حينئذ : كون فعل البيع أرجح من تركه ، كما هو ديدن العقلاء الذين لا يقدمون غالبا على فعل إلّا إذا كان أرجح من تركه. ومن المعلوم أنّ الأعودية بهذا المعنى ممّا لم يقل به أحد ، لعدم كونها حينئذ شرطا تعبديا ، بل أمرا ارتكازيا عقلائيّا.

وبعبارة اخرى : المقصود من هذا الوجه إسقاط خبر جعفر عن الاعتبار بإبداء احتمال آخر في كلام الإمام عليه‌السلام لم يقل به أحد ، فيشكل العمل به من جهة مخالفته للإجماع.

وتوضيحه : أنه عليه‌السلام عدل عمّا فرضه السائل ـ من الحاجة إلى البيع ـ إلى قوله عليه‌السلام : «إذا كان خيرا لهم». وهذه الجملة يحتمل كونها قيدا لجواز البيع ، فتدل بمفهوم الجملة الشرطية على انتفاء الجواز بانتفاء الخير ، كما هو مبنى الاستدلال.

ويحتمل كونها مبيّنة للموضوع بمعنى أنه عليه‌السلام جوّز بيع الوقف ، ولم يعلّقه على كونه أصلح بحال الموقوف عليه ، وإنّما أتى بجملة «إذا كان خيرا» تمهيدا لذكر الجواب ، وهو «باعوا في مورد حاجتهم» وتنبيها على أن رعاية الخير والصلاح يكون من قبيل الداعي الذي يلاحظه العقلاء في معاملاتهم وأفعالهم الاختيارية ، حيث إن إقدامهم على المعاملة مطلقا ـ سواء أكان المبيع وقفا أو ملكا طلقا ـ وترجيح الفعل على الترك منوط عادة برعاية النفع والمصلحة ، ومن المعلوم أنّ هذا الأمر الارتكازي العقلائي لا يتوقف على بيان الشارع.

وعليه تكون هذه الشرطية «إذا كان خيرا باعوا» نظير الجمل الشرطية المسوقة لبيان الموضوع ، وقد تقرر عدم انعقاد المفهوم لها ، لكون السلب فيها بانتفاء الموضوع ، لا المحمول ، فكأنّه عليه‌السلام قال : «إذا كان في بيع الوقف نفع ليس في عدمه ، فليبيعوا ، لأنّهم لا يقدمون على فعل اختياري إلّا أن يكون فيه الصلاح والخير». ومعناه عدم كون النفع شرطا تعبّديّا لجواز بيع الوقف ، بل هو إرشاد إلى أمر ارتكازي.

٧٧

يلاحظه الفاعل (١) ليكون منشأ لإرادته (٢). فليس (٣) مراد الإمام عليه‌السلام بيان اعتبار ذلك (٤) تعبّدا ، بل المراد بيان الواقع (٥) الذي فرضه السائل ، يعني : إذا كان الأمر

______________________________________________________

وبناء على هذا الاحتمال يجوز بيع الوقف بمجرّد اقترانه بالمنفعة. وهذا مخالف للإجماع ، لعدم التزامهم بكفاية مطلق النفع في البيع ، وإنّما يقع البحث في جواز البيع إن كان أنفع بعد وجود النفع فيه وعدمه ، هذا.

فإن قلت : يمكن منع احتمال إرادة مطلق الخير والنفع من قوله عليه‌السلام : «خيرا لهم» وذلك بقرينة سبق السؤال عما إذا كان البيع أصلح ، فالمتحصل من الجواب إناطة الجواز بكون البيع أنفع من تركه ، وعدم كفاية مطلق الخير الموجب لحدوث إرادة البيع واختياره على تركه.

وعليه ينطبق جوابه عليه‌السلام على ما نحن فيه من جواز بيع الوقف إن كان أنفع.

قلت : لا سبيل لمنع الاحتمال المزبور ، إذ كما يمكن جعل كلمة «الأصلح» قرينة على المراد من الخير ، فكذا العكس أي قرينية «الخير ومطلق النفع» على ما يراد من «الأصلح» ويكون الجواب حينئذ واردا مورد السؤال ، وليس أجنبيّا عنه.

وعليه فلا شاهد لسدّ باب الاحتمال المزبور ، وهو موجب لطرح الخبر ، لمخالفته للإجماع.

(١) يعني : أن فاعل الفعل الاختياري ـ من بيع وغيره ـ يلاحظ مطلق النفع ، فيقدم على العمل.

(٢) أي : لإرادة الفاعل والعامل ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل ، أو إلى المفعول وهو «الفعل» المستفاد من كلمة «الفاعل».

(٣) هذا نتيجة احتمال إرادة مطلق النفع.

(٤) أي : اعتبار مطلق النفع الموجب لاختيار فعل شي‌ء على تركه.

(٥) يعني : مفروض السؤال هو كون بيع الوقف ذا مصلحة بالنسبة إلى تركه.

٧٨

على ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز. كما يقال : إذا أردت البيع ورأيته أصلح من تركه فبع. وهذا (١) ممّا لا يقول به أحد (*).

ويحتمل أيضا (٢) أن يراد من «الخير» خصوص رفع الحاجة التي

______________________________________________________

(١) أي : جواز بيع الوقف ـ إن كان فيه مصلحة ـ لا يقول به أحد ، فلا وجه للعمل بهذا الخبر المخالف للإجماع.

(٢) يعني : كما يحتمل إرادة مطلق النفع ـ كما تقدم في الوجه الثاني ـ فكذا يحتمل ... الخ ، وهذا هو الوجه الثالث ، وحاصله : أن الخير ـ بقرينة السؤال ـ يمكن أن يراد به رفع الحاجة المفروضة في كلام السائل ، فيكون المسوّغ للبيع حينئذ رفع حاجة الموقوف عليهم ، لا كون البيع أعود لهم ، فيكون ظاهر الرواية غير مطابق للدعوى ، فلا يمكن الاستدلال بها عليه.

وبعبارة اخرى : يحتمل في قوله عليه‌السلام : «وكان خيرا باعوا» ـ من جهة كونه مسبوقا بالسؤال عن حكم حاجة الموقوف عليهم وعدم كفاية غلّة الموقوفة لمئونتهم ـ إرادة رفع الحاجة المفروضة في كلام السائل ، لا زيادة المنفعة. فكأنّه عليه‌السلام قال : «وكان البيع وافيا بالحاجة باعوا» وهذه الحاجة محتملة لأمرين :

أحدهما : أن يكون احتياج الموقوف عليهم إلى نفس ثمن الموقوفة ليصرف في شئونهم ، فيكون تجويز البيع ناظرا إلى كون التصرف في نفس الثمن أنفع ـ في رفع الحاجة ـ من إبقاء العين والانتفاع بالغلّة غير الوافية لهم. وبناء على هذا الاحتمال تصلح الرواية للاستدلال بها في الصورة الخامسة الآتية ، وهي البيع لرفع الحاجة.

__________________

(*) لا يخفى أن مخالفة الإجماع كافية في رفع اليد عن الظهور فضلا عن إسقاط الاحتمال. فحملها على معنى لا يقول به أحد ثم طرحها لأجله أمر غريب (١).

__________________

(١) حاشية المحقق الإيرواني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٧٩ ، حاشية العلّامة السيد الاشكوري قدس‌سره ، ص ١٦٣

٧٩

فرضها السائل (١).

وعن المختلف وجماعة : الجواب (٢) عنه بعدم ظهوره في المؤبّد ،

______________________________________________________

ثانيهما : أن يكون احتياجهم إلى نفع زائد لتفي الغلّة بمؤونتهم ، بأن يكون الباعث على البيع تكميل النفع حتى يفي بها ، وهذا ينطبق على الصورة الرابعة من تبديل العين بما يكون الانتفاع به أزيد.

وليس الخبر ظاهرا في الاحتمال الثاني ليكون دليلا على جواز البيع في الصورة الرابعة ، فيحتمل أن يراد به الاحتمال الأوّل ، فيصير مدلوله أجنبيّا عمّا نحن فيه ، هذا.

(١) بقوله : «فللورثة ... أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلّة».

(٢) غرضه الإشارة إلى جواب آخر عن خبر جعفر بن حيّان ، وهو كونه أجنبيّا عمّا نحن فيه من جواز بيع الوقف المؤبّد ، وذلك لاقتصار الواقف ـ كما ذكره السائل ـ على قرابة الأب والامّ ممّا ظاهره انقطاع الوقف ، وعدم تعرض الواقف لمثل قوله : «فإن انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين». فالاقتصار على ذكر الأعقاب يدل على كون الوقف منقطعا لا مؤبّدا (*) فلا تكون الرواية دليلا على المدّعى ، وهو بيع الوقف المؤبّد.

قال العلّامة في التذكرة والمختلف بعد نقل الخبر : «فإن مفهوم هذه الرواية عدم التأبيد» (١).

__________________

(*) أو لقوله في آخر الخبر «ولورثة قرابة الميت» إذا لو كان الوقف مؤبّدا

__________________

(١) مختلف الشيعة ج ، ٦ ، ص ٢٨٩ ؛ تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٤ ونسبه صاحب المقابس إلى الفاضل المقداد وأبي العبّاس ابن فهد والصيمري أيضا ، فراجع مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٥٠ ؛ التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٢٩ ؛ المهذب البارع ، ج ٣ ، ص ٦٧ ؛ غاية المرام (مخطوط) ، ج ١ ، ص ٤٨٧ ، واستظهره صاحب الجواهر أيضا وإن عبّر عن الرواية بالمكاتبة ، فراجع جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٢ و ٣٧٣

٨٠