هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف (١)» (١).

واستدل (٢) في التذكرة على ذلك ، بأنّه : «نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر» وهذا غرر (٢).

______________________________________________________

(١) هذه الكلمة هي مقصود المصنف قدس‌سره من نقل عبارة الغنية.

والمتحصل من هذه الكلمات تظافر دعوى الإجماع على اعتبار القدرة على التسليم ، وسيأتي التعرض لسائر ما استدل به على الحكم.

(٢) الاستدلال بهذا النبوي على بطلان بيع ما لا قدرة على تسليمه منوط بمقدمات ثلاث :

الاولى : إحراز صدور الخبر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وظاهر تعبير العلّامة في التذكرة ب «لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الغرر» ذلك ، بل في المصابيح ـ ونقله في الجواهر بلفظ قيل ـ : «وقد أجمع عليه المؤالف والمخالف ، القائل بحجية خبر الواحد وغيره ، كالسيد المرتضى وابني زهرة وإدريس» (٣).

الثانية : اقتضاء النهي عن بيع الغرر للفساد ، لا مجرد الحرمة تكليفا غير المنافية للصحة. وقد ادّعى فخر المحققين قدس‌سره الإجماع عليه ، لقوله في بيع المجهول : «فيدخل تحت النهي عن بيع الغرر ، الذي يدل على الفساد إجماعا» (٤).

الثالثة : صغروية العجز عن التسليم للغرر. وهي ثابتة بوجهين :

أحدهما : استدلال كثير من الفقهاء بالنبوي على حكم بيع مثل السمك في الماء ، لظهوره في إحراز غررية بيع ما لا قدرة على تسليمه ، وكونه خطريا.

ثانيهما : أنّ معنى الغرر «عمل ما لا يؤمن معه من الضرر» كما في المرسل

__________________

(١) الغنية ، ص ٢١١ ، والحاكي عنه العلّامة الطباطبائي في المصابيح (مخطوط).

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٤٨.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٨٦.

(٤) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٣٠.

٥٨١

والنهي (١) هنا يوجب الفساد إجماعا ، على الظاهر (٢) المصرّح به في موضع من الإيضاح ، واشتهار (٣) الخبر بين الخاصة والعامة يجبر إرساله.

أمّا كون ما نحن فيه غررا (٤) فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء وأهل اللغة ، حيث مثّلوا للغرر ببيع (٥) السمك في الماء والطّير في الهواء ،

______________________________________________________

عن أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين. وما ذكره أهل اللغة في معنى هذه الكلمة صادق على بيع غير المقدور تسليمه ، وسيأتي في المتن نقل كلمات جماعة من اللغويين.

وبناء على هذه المقدّمات يتجه الاستدلال بالخبر على اعتبار القدرة على تسليم العوضين.

(١) هذا إشارة إلى كبرى استلزام النهي عن المعاملة للفساد ، كما تقدم في المقدمة الثانية.

(٢) يعني : أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على الاستلزام ، وإن كان هذا الإجماع مصرّحا به في الإيضاح كما تقدم آنفا.

(٣) هذا إشارة إلى المقدمة الاولى ، وهي أصالة الصدور ، ومقصوده أنّ الخبر المرسل ينجبر ضعفه بشهرته عندنا ، والمفروض أنّ هذا النبوي مما رواه الفريقان ، كما في المستند (١) ، فلا يقصر عن الخبر الواحد الموثوق صدوره عن المعصوم عليه‌السلام. ووصفه في الجواهر بأنّه مشهور معتبر متلقّى بالقبول (٢).

(٤) هذا في مقام إثبات الصغرى ، وهي كون غير مقدور التسليم من موارد الغرر ، وتقدم آنفا في المقدمة الثالثة.

(٥) التمثيل بهما ناظر إلى جهة عدم القدرة ، فإنّ الخطر نشأ منه ، فلا يرد عليه «بأنّ بيعهما إن كان قبل حيازتهما فلا يصح لعدم الملكية».

__________________

(١) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٢٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٨٦.

٥٨٢

مع أنّ (١) معنى الغرر (٢) ـ على ما ذكره أكثر أهل اللغة ـ صادق عليه ، والمروي (٣) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنّه عمل ما لا يؤمن معه من الغرور (٤) [الضرر]» (١).

و(٥) في الصحاح : «الغرّة : الغفلة ، والغارّ : الغافل ، وأغرّه ، أي أتاه على

______________________________________________________

ويمكن أن يقال : إنّ بيعهما يكون بعد الحيازة وفرارهما ، فلا يرد عليه ما ذكر من عدم الصحة لعدم الملكية.

(١) غرضه قدس‌سره أن تمثيل الفقهاء وأهل اللغة ببيع السمك في الماء إنّما هو لصدق معنى «الغرر» اللغوي عليه ، لا لخصوصية في المثالين.

(٢) المراد بهذا المعنى هو الخطر ، فإنّ بيع السمك في الماء والطير في الهواء خطري.

(٣) يعني : ومع أنّ المروي ... الخ. أمّا صدق المروي عنه عليه الصلاة والسلام على بيعهما فهو في غاية الوضوح.

(٤) كذا صحّحت في نسختنا ، وهو موافق لما في الطبعة الحجرية من الجواهر (ص ٨٥) ولكن الموجود في الطبعة الأخيرة في النجف الأشرف ـ وفقا لما في المصابيح ـ كلمة «الغرر» ولم نقف على ما في المتن من كلمة «الضرر».

(٥) هذا مكان الفاء لا الواو كما لا يخفى.

وكيف كان فما يستفاد من كلام أهل اللغة في معنى الغرر ـ مع الإدغام وبدونه ـ ثلاثة معان : الغفلة ، والخدعة ، والخطر. والمناسب من هذه المعاني للنبوي المذكور هو الخديعة ، لأنّ النهي يقتضي مقدورية متعلقه ، والغفلة والخطر بمعنى الهلاك ـ اللذان هما معنيان لغرّ لازما لا متعديا ـ لا يتعلّق بهما النهي.

فالمتعين كون الغرر في النبوي بمعنى الخديعة. ولا ينافي ذلك في ما كلام

__________________

(١) لم نجد هذه الرواية في جوامع الأخبار ولا فيما بأيدينا من كتب القدماء الفقهية ، ونسبها صاحب الجواهر قدس‌سره إلى ابن أبي المكارم الفقهي ، فلاحظ ج ٢٢ ، ص ٣٨٧ ونحوه في المصابيح للسيد الطباطبائي (مخطوط)

٥٨٣

غرّة منه ، واغترّ بالشي‌ء ، أي : خدع به ، والغرر : الخطر ، ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر ، وهو (١) مثل بيع السمك في الماء والطّير في الهواء ... إلى أن قال (٢) : والتغرير : حمل النفس على الغرر» انتهى (١).

وعن القاموس ما ملخّصه : «غرّه غرّا وغرورا وغرّة ـ بالكسر ـ فهو مغرور وغرير ـ كأمير ـ : خدعه وأطعمه في الباطل (٣) [بالباطل] ... إلى أن قال (٤) : غرّ بنفسه تغريرا وتغرّة : أي عرّضها للهلكة ، والاسم : الغرر محركة ... إلى أن قال : والغارّ الغافل ، واغترّ : غفل ، والاسم : الغرّة بالكسر» انتهى (٢).

وعن النهاية ـ بعد تفسير الغرّة بالكسر بالغفلة ـ «أنّه نهى عن بيع الغرر ، وهو ما كان له ظاهر يغرّ المشتري ، وباطن مجهول. وقال الأزهري : بيع الغرر ما كان على غير عهدة ولا ثقة (٥) ، ويدخل فيه البيوع التي لا يحيط

______________________________________________________

اللغويين من التمثيل لبيع الغرر ببيع السمك في الماء والطير في الهواء ، لصدق الخديعة عليهما ، فإنّ الخدعة تناسب ما ذكروه في كلماتهم من أنّ الغرر هو «ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه» أو «توهم حسن ما هو قبيح واقعا».

(١) أي : وبيع الغرر يكون مثل بيع السمك في الماء.

(٢) أي : قال صاحب الصّحاح.

(٣) كذا في نسختنا ، وفي المصدر وبعض نسخ الكتاب «بالباطل».

(٤) الضمير الفاعل المستتر هنا وفي «قال» الآتي راجع إلى صاحب القاموس.

(٥) يعني : أنّ العنوان الجامع للبيوع الغررية المنهيّ عنها شرعا هو عدم تعهد البائع بحصول المبيع في يد المشتري ، وعدم وثوقه بالحصول ، وأظهر الأمثلة بيع

__________________

(١) الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧٦٨ ـ ٧٦٩ ، مادة «غرر».

(٢) القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٠٠ ـ ١٠١ ، مادة «غرر».

٥٨٤

بكنهها المتبايعان من كلّ مجهول. وقد تكرّر (١) في الحديث. ومنه حديث مطرّف : إنّ لي نفسا واحدة ، وإنّي لأكره أن اغرّر بها ، أي : أحملها على غير ثقة ، وبه (٢) سمّي الشيطان غرورا ، لأنّه يحمل الإنسان على محابّه ، ووراء ذلك (٣) ما يسوؤه» انتهى (١).

وقد حكي أيضا (٤) عن الأساس والمصباح والمغرب والمجمل والمجمع :

______________________________________________________

السمك في الماء. ويشمل عنوان «بيع الغرر» بيع المجهول ، وهو ما لا إحاطة للمتبايعين بكنهه وحقيقته.

(١) غرض الأزهري إقامة الشاهد على أن بيع الغرر «ما كان على غير عهدة ولا ثقة» ، ويكون معنى جملة «لأكره أن اغرّر بها» كراهة حمل النفس على ما تحب وتشتهي ، مع عدم الأمن من وقوعها في ما يسوؤها ويضرّ بها.

(٢) أي : بسبب أنّ الغرر هو حمل الإنسان على محابّه ـ في هذه النشأة الفانية ـ سمّي الشيطان غرورا.

(٣) أي : وراء المحاب والمشتهيات ـ التي تغرّر الإنسان بها ـ ما يسوؤه.

(٤) يعني : كما حكي عن الصحاح والنهاية. والحاكي عن الجميع صاحبا المصابيح والجواهر ، ففي الجواهر : «والغرر فيه ـ أي في الحديث ـ الخطر ، قاله في الصحاح والمصباح والأساس والمغرب والمجمل ، يقال : هو على غرر ، أي : على خطر» إلى أن قال : «والظاهر أنّ المراد بالمجهول ما يعمّ مجهول الأصل ، ومجهول الحصول ، فيوافق ما تقدّم في الصحاح والمجمل والمغرب ومجمع البحرين من تمثيل بيع الغرر ببيع السمك في الماء ، والطير في الهواء ، وهو نصّ في المدّعى» (٢).

والمقصود من نقل عبارة الجواهر الإشارة إلى أن تفسير الغرر بالخطر غير

__________________

(١) النهاية (لابن أثير) ج ٣ ، ص ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ، مادة «غرر».

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٨٦ ـ ٣٨٧.

٥٨٥

تفسير الغرر بالخطر (١) ، ممثّلا (١) له في الثلاثة الأخيرة (٢) ببيع السمك في الماء والطّير في الهواء.

وفي التذكرة (٣) : «أنّ أهل اللغة فسّروا بيع الغرر بهذين». ومراده من التفسير التوضيح بالمثال (٤). وليس في المحكي عن النهاية منافاة لهذا التفسير (٥) ، كما يظهر بالتأمّل.

______________________________________________________

مصرّح به في مجمع البحرين ، ولكن يستفاد منه ذلك كما استفاده صاحب الجواهر قدس‌سره ، وحكاه المصنف عنه ، ولو نوقش في الاستظهار فالعهدة على الحاكي لا على الماتن. والأمر سهل.

(١) حال من «تفسير» أي : أن تفسير الغرر بالخطر مقترن بمثال بيع السمك في الماء.

(٢) وهي المغرب للمطرزي ، والمجمل لابن فارس ، والمجمع للعلّامة الطريحي قدس‌سره.

(٣) عبارة التذكرة : «وفسّر بأنّه بيع السمك في الماء والطير في الهواء» (٢).

(٤) كما في المصابيح والجواهر أيضا ، لقوله : «وهو محمول على التمثيل». وغرض المصنف قدس‌سره : أن اللغويين لم يحدّدوا مفهوم الغرر بذكر المثالين ، بل مقصودهم توضيح المفهوم ببيان المثال وذكر المصداق ، فيمكن أن يصدق مفهوم الغرر على غير المثالين لسعته.

(٥) مراده بهذا التفسير هو الخطر. ووجه التنافي بين ما نقله العلّامة قدس‌سره من تفسير الغرر في اللغة بالمثالين بأن يكون معناه الخطر ، وبين ما في النهاية من كون

__________________

(١) لاحظ : أساس البلاغة للزمخشري ، ص ٣٢٢ ؛ المصباح المنير للفيومي ، ص ٤٤٥ ؛ المغرب للمطرزي ، ص ٣٣٨ ؛ مجمل اللغة لابن فارس ، ص ٥٣٢ ؛ مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٤٢٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٥١.

٥٨٦

وبالجملة : فالكلّ متفقون (١) على أخذ «الجهالة» في معنى الغرر ، سواء تعلّق الجهل بأصل وجوده ، أم بحصوله في يد من انتقل إليه ، أم بصفاته كمّا وكيفا (٢).

وربما يقال (٣) : إنّ المنساق من الغرر المنهي عنه : الخطر ، من حيث الجهل

______________________________________________________

الغرر «ما فيه ظاهر غار وباطن مجهول» هو : عدم صدق الغرر على بيع الطير في الهواء ، إذ ليس فيه ظاهر يغرّ المشتري وباطن مجهول مغترّ به ، بل باطنه غير خفي على المشتري كظاهره. مع صدق المعنى المعروف ـ وهو الخطر ـ لعدم العلم بحصول الطير في يد المشتري. وعليه فلا جامع بين المعنيين.

ووجه دفع التنافي : أن التمثيل ببيع الطير والسمك لأجل توضيح معنى الغرر ، ولا إختلاف بين التفسيرين ، وذلك لظهور بيع الطير في الهواء في قدرة البائع على التسليم ، فإذا ظهر عدمها صدق عليه : أن ظاهره غارّ وباطنه مجهول ، فيغتر المشتري بإقدامه على الشراء مع عدم حصول المبيع في يده. وبهذا يظهر وحدة المراد من التفسيرين.

قال في الجواهر بعد نقل عبارة النهاية : «والظاهر أن المراد بالمجهول ما يعم مجهول الأصل ومجهول الحصول».

(١) يعني : أن «الجهالة» تستفاد من تعبيرهم تارة ب «ما له ظاهر غارّ ، وباطن مجهول» كما عن النهاية ، واخرى ب «عدم الثقة» كتعريف الأزهري ، وثالثة ب «الخطر الذي لا يوثق بالأمن منه» فلاحظ.

(٢) فيدل النبوي على اشتراط العلم بالعوضين كمّا وكيفا فيما كان للعلم بالصفات دخلا في المالية.

(٣) القائل صاحب الجواهر ، وغرضه الخدشة في دلالة النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فساد بيع ما لا قدرة على تسليمه ، ومحصل ما أفاده قدس‌سره : أن «الغرر» المنهي عنه وإن كان مطلقا شاملا لكلّ من الجهل بأصل حصول العين والجهل بصفاتها ، إلّا أنّه

٥٨٧

بصفات المبيع (١) ومقداره (٢) ، لا مطلق (٣) الخطر الشامل لتسليمه وعدمه ، ضرورة (٤) حصوله في بيع كلّ (٥) غائب ، خصوصا (٦) إذا كان في بحر ونحوه (٧) ، بل هو (٨)

______________________________________________________

لا بدّ من تقييد كلام اللغويين بخصوص الجهل بصفات المبيع ومقداره ، لا مطلق الخطر الشامل للتسليم وعدمه ، لانتقاضه بموارد يكون أصل الحصول مشكوكا فيه فيها ومع ذلك يجوز البيع ، كالمال الغائب ، خصوصا إذا كان في البحر أو الطريق المخوف مثلا ، وكالثمار والزرع مع جواز بيعهما. فلو كان الجهل عامّا لأصل الحصول لم يكن البيع في هذه الموارد جائزا أصلا ، مع جوازه الكاشف عن عدم الخطر في بيع المجهول حاله من جهة التسليم والتسلّم. خصوصا مع جبر الخطر المحتمل بخيار المشتري لو تعذّر التسليم.

وعليه فالغرر المنهي عنه لا يشمل الجهل بأصل الحصول كبيع الطير في الهواء أو السمك في الماء.

(١) نظير شراء مقدار معلوم من حنطة غير مرئية ، مع الجهل ببعض الصفات الدخيلة في المالية.

(٢) كشراء صبرة من حنطة مجهولة الوزن والكمّ.

(٣) معطوف على «الخطر من حيث ...» وضمير «تسليمه» راجع إلى المبيع.

(٤) تعليل لكون المنساق من الغرر المنهي عنه هو الجهل بالمبيع كمّا أو كيفا ، لا ما يعم الجهل بالتسليم.

(٥) أي : حصول الخطر في بيع كل مبيع غائب عن مجلس البيع أو عن بلد العقد.

(٦) وجه الخصوصية : أنّ الخطر في تسليم المتاع المجهول في السفينة الجارية في اللّجة أعظم من الخطر في تسليم المبيع الموجود في مكان قريب من مجلس المعاملة ، كما إذا دنت القافلة من البلد ، أو اقتربت السفينة من الساحل.

(٧) من الطرق التي يشتد خوف التلف والسرقة فيها كالجبال والفلوات.

(٨) أي : بل الجهل بالتسليم يكون أوضح شي‌ء في بيع الثمار بعد بدوّ

٥٨٨

أوضح شي‌ء في بيع الثمار والزرع ونحوهما.

والحاصل (١) : أنّ من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول الحال بالنسبة (٢) إلى التسلّم وعدمه ، خصوصا بعد جبره (٣) بالخيار لو تعذّر» (١).

وفيه (٤) : أنّ الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم من الجهل

______________________________________________________

صلاحها ، وبيع الزرع قبل الحصاد وبعده ، لاحتمال إصابة آفة بهما ، فيعجز البائع عن التسليم. وكذا الحال في غيرهما من المنتوجات المبيعة حالا أو سلفا.

فلو كان بيع مجهول الحال ـ من جهة التسليم ـ ممنوعا لأجل الغرر ، لزم الحكم بالبطلان ، مع جواز بيعها قطعا الكاشف عن عدم صدق الغرر.

(١) هذا من كلام الجواهر أيضا ، أفاده بعد نقل النبوي المروي في الدعائم.

(٢) يعني : يكون متعلق الجهل هو إمكان التسلّم وعدمه ، فلا جهل في خصوصيات المبيع وصفاته كمّا وكيفا.

(٣) أي : جبر الخطر الموجود في بيع مجهول الحال. ووجه خصوصية جواز بيعه عدم تضرر المشتري أصلا ، لتمكنه من الفسخ بتعذر التسليم.

(٤) ناقش المصنف قدس‌سره في كلام الجواهر بوجهين :

الأوّل : أنّه لا وجه لكون الغرر المنهي عنه مختصا بالخطر الناشي من الجهل بصفات المبيع كمّا أو كيفا ، مع وضوح أنّ الخطر المترتب على جهالة الحصول أعظم مما يترتب على الجهل بالأوصاف. فالنهي عن الغرر من ناحية الوصف يستلزم ـ بالأولوية ـ النهي عن بيع ما لا قدرة على تسليمه ، فيثبت إطلاق «الغرر» لكل من الجهل بأصل الحصول وبالصفة.

فإن قلت : يمكن منع الإطلاق ، لاختصاص الغرر ـ لغة ـ بالجهل بالصفات ، فهو المنهي عنه ، دون الجهل بأصل الحصول ، فيبقى بيع ما لا قدرة على تسليمه

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٨٨.

٥٨٩

بصفاته (١) مع العلم بحصوله (٢). فلا وجه (٣) لتقييد كلام أهل اللغة ، خصوصا (٤) بعد

______________________________________________________

مندرجا في عمومات الصحة كحلية البيع والتجارة عن تراض ، ووجوب الوفاء بالعقود.

قلت : لا وجه لرفع اليد عن إطلاق «الخطر» الذي فسّر به الغرر ، لتوقف رفع اليد عن أصالة الإطلاق ـ المعوّل عليها عرفا ـ على قرينة ، وهي مفقودة. بل القرينة على شمول «الخطر» لكلّ من الجهل بالحصول وبالصفة موجودة في كلمات اللغويين ، وهي التمثيل لما لا قدرة على تسليمه ببيع السمك في الماء والطير في الهواء.

واحتمال أن يكون التمثيل بهما لاعتبار العلم بالمبيع صفة ، مندفع باشتهار ذكرهما في كلمات الفقهاء مثالا للعجز عن التسليم.

والحاصل : أنّه لا موجب لجعل الغرر المنهي عنه مختصّا بالجهل بالصفات كما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره.

الثاني : أنّ الفريقين استدلّوا بالنبوي المتقدم على اعتبار القدرة على التسليم ، كما يظهر من عبارة الانتصار ، ومن المعلوم منافاة استدلالهم لدعوى اختصاص الغرر فيه بالجهل بمقدار المبيع. فلو سلّم ظهور النبوي في النهي عن خصوص الجهل بالصفات ـ كما ادعاه في الجواهر ـ كان ساقطا من جهة إعراض الجميع عنه ، إذ لا فرق في كونه موهنا بين السند والدلالة.

(١) هذا الضمير وضمير «بحصوله» راجعان إلى المبيع.

(٢) الذي ادّعاه صاحب الجواهر قدس‌سره بقوله : «ان المنساق من الغرر المنهي عنه ... الخ».

(٣) هذا متفرع على إطلاق الغرر لكلا القسمين من الجهل بالحصول ، والجهل بالمقدار ، وليس متفرعا على كون الغرر من ناحية الحصول أعظم منه من ناحية الجهل بالصفات.

(٤) وجه الخصوصية : أنّ التمثيل يوجب صيرورة اللفظ كالنصّ في المثال أعني

٥٩٠

تمثيلهم بالمثالين المذكورين.

واحتمال (١) إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده ، يدفعه (٢) ملاحظة اشتهار التمثيل بهما (*) في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم ، لا للجهالة بالصفات ، هذا.

مضافا إلى (٣) : استدلال الفريقين من العامة والخاصة بالنبوي المذكور على (٤) اعتبار القدرة على التسليم ، كما يظهر من الانتصار ، حيث قال فيما حكي عنه : «وممّا انفردت به الإماميّة : القول بجواز شراء العبد الآبق مع

______________________________________________________

به الجهل بالحصول. فكأنّ المفهوم من لفظ «الغرر» هو مورد المثال ، أو القدر المتيقن منه ، على تقدير الإطلاق.

(١) الغرض من الاحتمال منع قول المصنف : «خصوصا» وجه المنع : أنّ المثالين أجنبيان عن كون منشأ الغرر والخطر الجهل بالحصول ، وإنّما ذكر هما اللغويون مثالا للجهل بالمقدار ، فيتجه مختار صاحب الجواهر قدس‌سره.

(٢) خبر قوله : «واحتمال» وتقدم توضيح المطلب بقولنا : «واحتمال أن يكون التمثيل بهما ... مندفع باشتهار ...».

(٣) هذا وجه آخر للمناقشة في كلام الجواهر ، وتقدم بقولنا : «الثاني : أن فقهاء الفريقين استدلّوا ...».

(٤) متعلق ب «استدلال».

__________________

(*) هذا الاشتهار بين الفقهاء لا يدفع الاحتمال المذكور ، إلّا أن يكون تمثيلهم بهما لقرينة ظفروا بها في كلام اللغويين.

لكن هذا مجرد احتمال ، ولا يكفي في دفع الاحتمال.

نعم يمكن أن يدّعى انسباق الجهل بأصل الحصول من التمثيل بهما في كلام كلّ من مثّل بهما سواء أكان لغويّا أم فقيها ، هذا.

٥٩١

الضميمة [ولا يشترى (١) وحده ، إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري (٢)] وخالف باقي الفقهاء في ذلك (٣) ، وذهبوا إلى أنّه لا يجوز بيع الآبق على كلّ حال ... إلى أن قال : ويعوّل مخالفونا في منع بيعه على أنّه بيع غرر ، وأنّ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الغرر (٤) ... إلى أن قال : وهذا (٥) ليس بصحيح ، لأنّ البيع يخرجه عن أن يكون غررا : انضمام [لانضمام] (٦) غيره إليه» انتهى (١).

وهو (٧) صريح في استدلال جميع العامة بالنبوي على اشتراط القدرة على التسليم. والظاهر اتّفاق أصحابنا ـ أيضا (٨) ـ على الاستدلال به له ، كما يظهر

______________________________________________________

(١) هذه الجملة إلى قوله : «المشتري» لم تكن في نسختنا ، وإنّما أثبتناها عن نسخة اخرى ، كما في الانتصار.

(٢) يعني : يكفي في صحة البيع قدرة المشتري على التسلّم وإن كان البائع عاجزا عن التسليم.

(٣) أي : في جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة.

(٤) هذه الجملة تشهد بأمرين ، أحدهما : عمل المخالفين بالنبوي ، وثانيهما : دلالته على فساد بيع ما لا يقدر البائع على تسليمه ، وهو المقصود من نقل عبارة الانتصار.

(٥) أي : مذهب المخالفين ـ من منع بيع الآبق مع الضميمه ـ ليس بصحيح.

(٦) كذا في نسختنا والمصدر ، والأولى ما في بعض النسخ من «انضمام» ليكون فاعلا ل «يخرجه».

(٧) أي : ما حكي عن السيد في الانتصار صريح ، لقوله : «ويعوّل مخالفونا».

(٨) أي : كالمخالفين ، وغرضه من هذه الجملة إثبات ما ادعاه بقوله : «مضافا إلى استدلال الفريقين ...» وتقدم في (ص ٥٨١) ما نقله صاحب الجواهر عن

__________________

(١) الانتصار ، ص ٢٠٩ ، ولم أظفر بمن أراده المصنف من الحاكي لعبارة الانتصار.

٥٩٢

للمتتبع ، وسيجي‌ء في عبارة الشهيد التصريح به (١).

وكيف كان (٢) ، فالدعوى المذكورة ممّا لا يساعدها اللغة ولا العرف ، ولا كلمات أهل الشرع.

وما أبعد ما بينه (٣) وبين ما عن قواعد الشهيد قدس‌سره ، حيث قال : «الغرر لغة : ما كان له ظاهر محبوب وباطن مكروه. قاله بعضهم (٤).

______________________________________________________

المصابيح من إجماع المؤالف والمخالف على هذا النبوي ، واستدلالهم به لاعتبار القدرة على التسليم.

(١) أي : بكون الغرر شرعا عدم القدرة على التسليم ، لقوله بعد أسطر : «وشرعا هو جهل الحصول» وقوله أيضا : «ويتعلق الغرر والجهل ... وتارة بالحصول ...».

(٢) يعني : سواء ثبت استدلال الجميع بالنبوي على شرطية القدرة على التسليم ، أم لم يثبت ، فدعوى الاختصاص بالجهل بالمقدار ممنوعة.

(٣) أي : ما بين تقييد الغرر بالجهل بالمقدار ـ كما تقدم عن الجواهر ـ وبين ما عن الشهيد قدس‌سره. ووجه كمال البعد بينهما كون كلام الشهيد مقابلا لكلام الجواهر ، حيث إنّ الشهيد خصّ الغرر شرعا بالجهل بأصل الحصول دون الجهل بغيره من الصفات ، وصاحب الجواهر خصّ الغرر بالجهل بالصفات دون الجهل بأصل الحصول.

ثمّ إنّ الشهيد قدس‌سره نبّه في كلامه على امور ثلاثة :

أحدها : معنى الغرر في مصطلح الشرع.

ثانيها : النسبة بينه وبين معناه اللغوي.

ثالثها : عدّ موارد من الجهل بالعوضين ، سواء قيل ببطلان العقد فيها أم لا.

(٤) أي : بعض اللغويين ، وتقدم هذا التفسير عن ابن الأثير ، فراجع (ص ٥٨٤).

وقيل : إن المراد بالبعض هو القاضي عياض.

٥٩٣

ومنه (١) قوله تعالى : متاع الغرور ، وشرعا (٢) هو جهل الحصول. وأمّا المجهول المعلوم الحصول ومجهول الصفة (٣) فليس غررا. وبينهما (٤) عموم وخصوص من وجه ، لوجود الغرر بدون الجهل (٥) في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل ، أو وصف الآن (٦). ووجود (٧) الجهل بدون الغرر في المكيل

______________________________________________________

(١) أي : ومن الغرر ـ بمعناه اللغوي ـ قوله تعالى ... الخ.

(٢) ظاهره كون جهل الحصول مصطلحا شرعيا للغرر ، وهذا ينافي ما تقدم عن الجواهر من عدم صدق الغرر على ما لا قدرة على تسليمه.

(٣) خلافا لما في الجواهر من تعيّن الغرر في مجهول المقدار.

(٤) أي : بين الغرر الشرعي وبين الجهل بالصفة عموم من وجه ، لتصادقهما على العبد الآبق المجهول الصفة ، وتفارقهما في موردين :

أحدهما : العبد الآبق المعلوم الصفة ، لصدق الغرر الشرعي عليه دون الجهل بالصفة.

وثانيهما : المتاع المقدر بالكيل أو الوزن أو العدّ ، مع عدم اعتباره بشي‌ء منها بعد ، لصدق «الجهل» عليه دون الغرر ، لحصوله والقدرة على تسليمه حسب الفرض.

وبالجملة : فعلى ما أفاده الشهيد قدس‌سره من اختصاص الغرر بالجهل بأصل الحصول لا يستقيم الاستدلال بالنبوي لاعتبار معرفة العوضين كمّا وكيفا ، بل يختص بالقدرة على التسليم.

(٥) هذا مورد الافتراق من جهة صدق الجهل بالحصول ، مع العلم بالوصف ، لكونه مشاهدا سابقا ، أو موصوفا في زمان إباقه بما يخرجه عن كونه مجهولا كمّا أو كيفا.

(٦) كذا في النسخ ، وفي القواعد : «أو بالوصف الآن» في قبال العلم بوصفه سابقا على العقد.

(٧) معطوف على «وجود الغرر» وهذا مورد الافتراق من ناحية عدم صدق

٥٩٤

والموزون والمعدود إذا لم يعتبر. وقد يتوغّل في الجهالة ، كحجر لا يدرى أذهب ، أم فضّة ، أم نحاس ، أم صخر (١). ويوجدان معا في العبد الآبق المجهول الصفة (٢).

ويتعلّق (٣) الغرر والجهل

______________________________________________________

الغرر الشرعي ـ للعلم بالحصول ـ مع كونه مجهول المقدار والوصف. والمذكور في العبارة للجهل بالوصف مثالان :

أحدهما : عدم العلم بكيل المتاع الحاضر مع تيسّر الكيل والوزن ، وإزاحة الجهل بالمقدار.

ثانيهما : التوغل في الجهالة ، كما إذا كان أحد العوضين حجرا لم يعلم ـ قبل التصفية والتخليص من الزوائد ـ أنه ذهب حتى يكون ثمينا ، أم فضة أم نحاس أم صخر أم غير ذلك مما تختلف أسعارها بما لا يتسامح عرفا ، فيصدق الغرر بمعنى الجهل بالوصف ، دون الغرر الشرعي.

(١) في بعض نسخ القواعد : «أم صفر» ويكون الفرق بينه وبين مطلق النحاس أنه النحاس الجيّد ، أو نوع منه ، كما في اللسان (١).

(٢) هذا مادة اجتماع الغرر الشرعي واللغوي ، للجهل بكلا الأمرين : الحصول والوصف.

(٣) هذا شروع في الأمر الثالث ، وهو عدّ موارد من الجهل ، وقسّم الشهيد قدس‌سره الغرر بلحاظ الموضوع ، وعدّ له موارد سبعة ، ثمّ بيّن أحكامها.

وعلى كلّ فالظاهر أنّ مراده بالغرر الذي جعله مقسما لأقسام عديدة هو مطلق الجهل ، فيكون عطف «الجهل» على «الغرر» تفسيريا.

وليس المراد به خصوص معناه الشرعي ، وهو «الجهل بالحصول» إذ عليه يشكل التقسيم ، لأنّ جملة من الموارد مما يعلم بحصولها ، فيلزم منه تقسيم الشي‌ء إلى

__________________

(١) لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٤٦١.

٥٩٥

تارة بالوجود (١) كالعبد الآبق ، وتارة بالحصول (٢) كالعبد الآبق المعلوم الوجود [وجوده] وبالجنس (٣) كحبّ لا يدرى ما هو ، وسلعة (٤) من سلع مختلفة وبالنوع (٥) كعبد من عبيد. وبالقدر (٦) ككيل لا يعرف قدره ،

______________________________________________________

نفسه وإلى غيره. وهو كما ترى. ولا يلزم هذا المحذور لو كان المقسم هو الغرر بمعنى مطلق الجهل ، إذ المقصود حينئذ استيفاء صور الجهل.

(١) هذا المورد الأوّل ، وهو الجهل بأصل الوجود ، بمعنى عدم العلم بحياة العبد الآبق.

(٢) هذا المورد الثاني ، وهو الغرر الشرعي بنظر الشهيد قدس‌سره ، للعلم بأصل الوجود ، والشك في حصوله بيد المشتري.

(٣) معطوف على «بالوجود». ولعلّ الأولى بالسياق أن يقال : «وثالثة بالجنس» وكذا ما بعدها.

وكيف كان فهذا هو المورد الثالث ، والظاهر أنّ مراده بالجنس ـ بقرينة التمثيل بالحبّة ـ هو الحقيقة والطبيعة النوعية ، لا الجنس المنطقي المندرج فيه حقائق مختلفة ، لوضوح أن حبّ الحنطة نوع من جنس الحب ، وحبّ الشعير نوع آخر منه ، وهكذا سائر الحبوب.

كما أنّ المراد بالنوع في المورد الرابع هو الصنف ، لا النوع المقول في المنطق على مثل الإنسان ، لأنّ مغايرة العبد الزنجي للرومي بما هو خارج عن الحقيقة الإنسانية ، فلكلّ نوع أصناف بلحاظ العوارض.

(٤) معطوف على «حبّ» كما إذا وضع متاع في صندوق لم يعلم أنّه ذهب أو فضة أو كتاب أو قماش أو شي‌ء آخر. فالجهل بحقيقته غرر مفسد للبيع.

(٥) معطوف على «بالوجود» أي : ويتعلق الغرر والجهل رابعة بالنوع أي بالصنف.

(٦) معطوف أيضا على «بالوجود» أي : ويتعلق الجهل خامسة بالمقدار ، كما

٥٩٦

والبيع (١) إلى مبلغ السهم. وبالعين (٢) كثوب من ثوبين مختلفين (٣). وبالبقاء (٤)

______________________________________________________

إذا علم وجود الشي‌ء وحصوله وجنسه ونوعه ، ولكن جهل مقداره ، إمّا لكونه مكيلا بكيل يعرف قدره في بلد ، دون بلد آخر ، لإمكان إختلاف المكاييل كاختلاف الأوزان ، كالرطل العراقي والمدني والمكّي ، فربما يكال الطعام بما لا يكون معلوما للمتبايعين أو لأحدهما.

هذا بناء على ما في نسخ الكتاب من قوله : «ككيل». ولكن في القواعد : «كمكيل لا يعرف قدره» وهو أولى ، كما إذا بيع الطعام ـ من الحنطة والشعير ـ في بلد بالكيل ، ولم يكل بعد ، فلا يصح بيعه إلّا بعد ضبط مقداره بالكيل.

(١) معطوف على «كيل» أي : وقد يكون الجهل بقدر مساحة الأرض المبيعة ، إذ لا بد من ضبطها بالأذرع أو بالأمتار أو بالجربان ، فلا يصح لو بيعت أرض مقدّرة مساحتها بمبلغ رمي سهم مجهول ، لعدم انضباط حدّه في قدر معيّن ، لاختلافه زيادة ونقصا بإختلاف السهام والقسّي والرّماة ، فيبقى المبيع مجهول المقدار.

ولمّا كانت مساحة الأرض دخيلة في ماليّتها كان بيعها قبل تعيين مسحها بالمقياس ـ كالأذرع والأمتار ـ غرريا. نعم لو كان مبلغ السهم معلوما نوعا جاز بيعها ، لخروج المبيع عن المجهولية.

(٢) معطوف أيضا على «بالوجود» يعني : ويتعلق الجهل والغرر سادسة بالعين ، كما إذا كان لدى البائع ثوبان مختلفان قيمة ، بأن كان قيمة أحدهما دينارا ، والآخر دينارين ، فاشترى أحدهما من دون تعيين شخصه ، فيبطل ، للغرر.

(٣) التقييد باختلافهما قيمة واضح الوجه ، إذ لو لم يكن إختلاف في القيمة الناشئة من إختلاف الخصوصيات الدخيلة في المالية ، صحّ البيع ، إذ لا غرر في البين.

(٤) معطوف أيضا على «بالحصول» أي : وقد يكون الغرر سابعة في الجهل ببقاء المبيع ، مع اعتبار بقائه لتسليمه إلى المشتري ، كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

فإن بيعت بشرط أن يبدو صلاحها ـ مستقبلا ـ لم يصحّ عند الجميع ، لكونه

٥٩٧

كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح عند بعض (١) الأصحاب. ولو شرط في العقد أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا (٢) عند الكل ، كما (٣) لو شرط صيرورة الزرع سنبلا.

والغرر (٤) قد يكون بما له مدخل ظاهر في العوضين (٥) ، وهو ممتنع إجماعا. وقد يكون بما يتسامح به عادة لقلّته ، كاسّ الجدار (٦) وقطن الجبّة ، وهو معفوّ

______________________________________________________

غرريا ، من جهة أنه فعل الباري عزوجل ، وهو غير مقدور للبائع ، فيصير مجهول الحصول. وإن بيعت من دون اشتراط بدوّ الصلاح ، لم يصح عند جماعة ، لكونه غرريّا عندهم.

قال ابن حمزة قدس‌سره : «والغرر الداخل في بيع السلف ، وهو بيع المجر ، وهو بيع ما في الأرحام ، وثمرة شجرة بعينها قبل بدو صلاحها سنة» (١).

(١) كشيخ الطائفة في النهاية وابن الجنيد والشيخ الصدوق قدس‌سرهم ، على ما حكاه مصحّح كتاب القواعد عنهم.

(٢) لأنّه فعل غيره ، المعلوم خروجه عن حيّز قدرته ، فيصير مجهول الحصول.

(٣) في كونه غررا عند الكل ، لجهالة الحصول.

هذا كله في تقسيم الغرر بلحاظ المتعلق.

(٤) غرض الشهيد قدس‌سره بيان حكم الغرر ، أي : ما يكون منه قادحا في صحة المعاملة إجماعا ، وما لا يكون كذلك ، وما هو محل الخلاف بينهم ، فالأقسام ثلاثة.

(٥) أي : له دخل ظاهر في مالية العوضين بحيث لا يتسامح بها ، كالجهل بأنّ هذا الحجر حجر ذهب أم فضة أم نحاس ، مع فرض اختلافها مالية بما لا يتسامح فيه عرفا ، فيبطل بيعه قبل العلم بحقيقته.

(٦) أي : أساس الجدار وأسفله الداخل في الأرض ، فلا يعلم استحكام الجدار

__________________

(١) الوسيلة ، ص ٢٤٦.

٥٩٨

عنه إجماعا. وكذا (١) اشتراط الحمل. وقد يكون [مرددا] (٢) بينهما (٣) ، وهو محل الخلاف (٤) ، كالجزاف في مال الإجارة (٥) والمضاربة (٦) ،

______________________________________________________

ومقدار استعداده للبقاء ، للجهل بكون الأساس من الطين أو الآجر أو غيرهما ممّا يختلف به أمد بقاء الجدار في عمود الزمان. ولا غرر فيه عرفا.

وكذا لو اشترى جبة ولم يعلم مقدار القطن المحشوّ فيها ، ولا كونه جيّدا أو رديئا. فهذا المقدار من الغرر مغتفر فيه ، ولا يقدح في المعاملة.

(١) أي : ونحوه في العفو اشتراط الحمل ، حيث إنّه تابع للحامل كتبعية الأساس للجدار ، كأن يشترط المشتري على البائع كون ما في بطن الحيوان ـ من نتاج ـ له ، مع عدم العلم بخصوصيته ، فهذا غرر متسامح فيه.

(٢) لم ترد هذه الكلمة في القواعد ، وإنّما وردت في بعض نسخ الكتاب.

(٣) أي : بين ما له دخل ظاهر في مالية العوضين وعدم التسامح فيه ، وبين ما ليس له هذا الدخل ، ولذا يتسامح فيه ، فإنّ ما هذا شأنه يكون موردا للخلاف. وهذا ثالث أقسام الغرر بحسب الحكم ، وذكر له موارد أربعة.

(٤) كذا في النسخ ، وفي القواعد زيادة «في مواضع الخلاف».

(٥) يعني : لو كانت الاجرة من المكيل أو الموزون كفت مشاهدتها ، ولم يشترط صحة الإجازة بالعلم بمقدارها بضبط كيلها أو وزنها.

قال المحقق قدس‌سره في شرائط الإجارة : «الثاني : أن تكون الاجرة معلومة بالوزن أو الكيل ـ فيما يكال أو يوزن ـ ليتحقق انتفاء الغرر. وقيل : تكفي المشاهدة ، وهو حسن» (١). وغرض الشهيد الاستشهاد بما استحسنه المحقق من كفاية المشاهدة عنده ، خلافا لمن اعتبر العلم بالمقدار.

(٦) يعني : اختلفوا في كفاية المشاهدة في مال المضاربة ، وعدمها ، قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «وحكى في المختلف عن الشيخ ـ يعني في مبسوطه ـ القول بجواز المضاربة

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٨٠.

٥٩٩

والثمرة قبل بدوّ الصلاح (١) ، والآبق (٢) بغير ضميمة (٣)» انتهى (١).

وفي بعض كلامه تأمّل (٤) ،

______________________________________________________

بالجزاف من غير تقييد بالمشاهدة. وقوّاه في المختلف ، محتجّا بالأصل ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المؤمنون عند شروطهم» (٢).

(١) هذا مورد ثالث ممّا اختلفوا في كون جهالة المبيع قادحة في الصحة ، قال العلّامة قدس‌سره : «مسألة : إذا باع الثمرة بعد ظهورها قبل بدوّ الصلاح سنة واحدة منفردة ـ بشرط التبقية أو مطلقا ـ اختلف علماؤنا في ذلك ، فذهب الشيخ في التهذيب والإستبصار إلى جوازه على كراهية ، وبه قال المفيد وسلّار وابن إدريس ، وقال الشيخ في النهاية : يبطل البيع ...» (٣).

(٢) هذا مورد رابع اختلفوا في غرريّته ، ففي المختلف : «قال الشيخان : لا يجوز بيع الآبق منفردا ، فإن بيع كان باطلا ... وقال ابن الجنيد : لا يشترى وحده ، إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري ، أو يضمن له البائع. وهو الأقرب» (٤).

(٣) كذا في القواعد ، وفي نسختنا «مع الضميمة» وهو سهو من الناسخ ، ونبّه السيد الاستاذ قدس‌سره على أنّ في القواعد : «بغير الضميمة».

(٤) إذ في تفسير الغرر شرعا ب «جهل الحصول» ما عرفت من عدم اختصاص الغرر بذلك ، وشموله له وللجهل بالصفات.

وكذا في جعل ذلك معنى شرعيا للغرر ، إذ لم يعهد كون الغرر حقيقة شرعيّة في ذلك.

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ٢ ، ص ١٣٧ ـ ١٣٨ ، القاعدة : ١٩٩.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ٤ ، ص ٣٥٧ ولاحظ : المبسوط ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ؛ شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٣٩ ؛ مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٢٥٣.

(٣) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ١٩٥.

(٤) المصدر ، ص ٢١٥ ـ ٢١٦.

٦٠٠