هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

والاعتذار (١)

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : الفرق بينهما أن الرعاية ناظرة إلى مقام الإثبات ، والوقف إلى مقام الثبوت.

(١) توضيحه : أنّه لو جني على عبد مرهون ، فعفا المولى ـ وهو الراهن ـ عن الجناية في الخطاء ، أو عفا عن الجناية وعن المال ـ في العمد ـ الذي هو بدل عنها وعن الإتلاف ، فهل يصح عفوه ، أي إسقاط حقّه ، أم لا يصح رعاية لحق المرتهن ، مع أن العفو مسقط لحقّه؟ ذهب العلّامة في القواعد إلى وجوب أخذ بدل الجناية ، ثم العفو ، فإن افتكّ الرهن بعد ذلك كشف عن صحة العفو ، وإن استمرّ الرهن ـ لبقاء الدّين في ذمة الراهن ـ لم يصحّ العفو ، قال قدس‌سره : «فإن عفا الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال لحقّ المرتهن ، فإن انفك ظهر صحة العفو ، وإلّا فلا» (١) وبيّن وجهين في التذكرة (٢).

وأضاف المحقق الثاني قدس‌سره إلى عفو الراهن عن الجناية : ما لو أعتق الراهن عبده المرهون ، فقال : «ومثل هذا ـ أي ما تقدم في العفو ـ يأتي في ما لو أعتق الراهن. إلّا أن يفرّق بأنّ عناية الشارع بالفكّ من الرّق ـ فكان مبنيّا على التغليب ـ أخرجته عن ذلك ، فبقي الحكم هنا الذي يدل عليه الدليل هو البطلان ، لوجود حقّ المرتهن المنافي لوقوع العفو» (٣).

وغرض المصنف قدس‌سره منع توجيه جامع المقاصد لصحة عتق الراهن ـ دون عفوه ـ بابتنائه على تغليب الشارع لجانب الحرية على الرقية.

ووجه المنع : أن القائلين بصحة عتق الراهن استندوا إلى إطلاق النصوص

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٢٦.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١٣ ، ص ٣٠٠.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٤٦.

٥٢١

عن ذلك (١) ببناء (٢) العتق على التغليب ـ كما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن ، في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني على العبد المرهون ـ مناف (٣) لتمسّكهم في العتق بعمومات العتق ، مع أنّ العلّامة (٤) قدس‌سره في تلك المسألة قد جوّز العفو

______________________________________________________

المرغّبة في التحرير ـ كما في الجواهر (١) أيضا ـ كمعتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أعتق مسلما أعتق الله العزيز الجبار بكلّ عضو منه عضوا من النار» (٢). فلو لا هذا الإطلاق لم يجد مجرّد بناء العتق على التغليب في الخروج عن إجماعهم على عدم وقوع الإيقاعات مراعاة.

(١) أي : عن وقوع عتق الراهن موقوفا على إجازة المرتهن.

(٢) متعلق بالاعتذار ، وهذا مضمون كلام المحقق الثاني قدس‌سره ، وتقدّم آنفا.

(٣) خبر قوله : «والاعتذار» ووجه المنافاة : أنه لو كان العتق لأجل بنائه على التغليب لكان اللازم التمسك به لا بعمومات العتق ، هذا (*).

(٤) ظاهر العبارة بحسب السياق أنّه إشكال آخر على الاعتذار المزبور ، وحاصله : أنّ العلّامة قدس‌سره ألحق العفو عن الجناية ـ الذي هو من الإيقاعات ـ بالعتق

__________________

(*) لكن فيه ما قيل : من عدم المنافاة ، لأنّ مرجع التمسك بعمومات العتق إلى ترجيحها لأجل بنائه على التغليب ، كتقديم دليل الحرمة على دليل الإباحة في صورة الدوران بينهما لوجوه مذكورة في محلّها ، فتدبر.

مضافا إلى : أن دعوى عدم استنادهم إلى التغليب عهدتها على مدّعيها ، وإلّا ففي مفتاح الكرامة : «وقد طفحت عباراتهم في المقام بالاستدلال بأن العتق مبني على التغليب» (٣) ولا بد من مزيد التتبع.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ٢٠٦.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٢ ، الباب ١ من أبواب العتق ، الحديث : ١ ، ونحوه سائر أحاديث الباب.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١١٧.

٥٢٢

مراعى بفكّ الرّهن.

هذا (١) إذا رضي المرتهن بالبيع وأجازه. أمّا إذا أسقط حقّ الرّهن ، ففي كون الإسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك الرهن أو إبراء الدّين.

ثمّ (٢) إنّه لا إشكال في أنّه لا يقع الرد بعد الإجازة ، وهو واضح.

وهل ينفع الإجازة بعد الرّد؟ وجهان :

______________________________________________________

في النفوذ بالإجازة. فلو كان نفوذ العتق بالإجازة لخصوصية في العتق وبنائه على التغليب ، لم يكن وجه للتعدي عن العتق إلى العفو ، فالتعدي كاشف عن خصوصية في الإجازة وكونها من رفع المانع لا جزء المقتضي ، فوزان إجازة المرتهن وزان إجازة المالك. كما أنّ فكّ الرهن كالإجازة رفع للمانع ، ولذا اتجه التعدي المزبور كما لا يخفى.

والحاصل : أن صحة العفو عن الجاني مراعى بالفك في المستقبل توجب الخدشة في ما تقدم ، من أن الإيقاعات عندهم لا تقع مراعى.

(١) أي : نفوذ بيع الراهن ـ وانتقال الرهن إلى المشتري بنفس العقد ـ إذا رضي المرتهن بالبيع وأجازه. وأمّا إذا لم يجز البيع وإنّما أسقط حقّ الرهانة ليصير مال الراهن بعد الإسقاط طلقا ، فهل يكون الإسقاط كالإجازة كاشفا عن تأثير البيع في زمان وقوعه ، أو يكون ناقلا؟ سيأتي البحث فيه في الجهة الثالثة ، كما سيأتي فيها الفرق بين الإجازة والإسقاط.

(٢) تعرض المصنف قدس‌سره هنا لفرعين :

أحدهما : أنّه لو أجاز المرتهن بيع الراهن ، ثم ردّه ، لغا الثاني ، لأنّ الإجازة تمّمت تأثير العقد ، ولم يبق بعدها شي‌ء في وعاء الاعتبار ليتعلّق به الرد والرضا ، وهو واضح.

ثانيهما : أنّه لو ردّ المرتهن فأجاز ، فهل تنفع الإجازة المسبوقة بالرد في صحة بيع الراهن ، أم تلغو؟ وجهان يأتي بيانهما.

٥٢٣

من أنّ الرّد (١) في معنى عدم رفع اليد (*) عن حقّه.

______________________________________________________

(١) هذا وجه تأثير الإجازة بعد الرد ، وحاصله : أنّ للمرتهن حقّا في العين المرهونة ، ومعنى ردّ بيع الراهن إبقاء حقّه ، وعدم الإعراض عنه ، وله إسقاط حقّه فيما بعد ، كما هو شأن كل ذي حق.

فإن قلت : بيع الراهن نظير بيع الفضولي في التوقف على الإجازة ، ومن المعلوم أنّ إجازة المالك المسبوقة بالردّ لا تجدي في تأثير عقد الفضولي ، لسقوطه عن الصحة التأهلية بالرد. ولمّا كان مقتضى حقّ الرهانة سلطنة المرتهن على الإمضاء والردّ ، كان ردّه موجبا لجعل عقد الراهن بمنزلة العدم ، فلم يبق شي‌ء في وعاء الاعتبار حتى تلحقه الإجازة.

قلت : الفرق بين إجازة بيع الفضول والراهن هو : أنّ المجيز لعقد الفضول مالك ، وإجازته تجعله أحد طرفي العقد ، وتصحّح انتسابه إليه حتى يخاطب بوجوب الوفاء بعهده. وقد تقرّر أنّ البائع الأصيل لو رفع يده عن الإيجاب ـ قبل انضمام القبول إليه ـ لم يبق موضوع للقبول.

وعليه فردّ المالك مبطل لإنشاء الطرف الآخر ، لكونه بمنزلة ردّ الموجب قبل لحوق القبول به.

وهذا بخلاف المقام ، ضرورة أنّ طرفي العقد هما الراهن والمشتري ، وإجازة المرتهن وإن كانت دخيلة في التأثير ، ولكنها لا تجعل عقد الراهن عقدا للمرتهن ، لكونه أجنبيا عن المبيع كأجنبيته عن الثمن ، فردّه لا يوجب سقوط الإنشاء عن

__________________

(*) هذا لازم معنى الرد لا معناه ، فان حقيقة الرد هو المنع عن نفوذ المعاملة وإسقاط العقد عن قابلية التأثير وجعله كالعدم ، في مقابل الإجازة التي هي تنفيذ مضمون العقد. ولازم الإجازة سقوط حق المجيز المرتهن ، فالرد يكون مانعا عن لحوق الإجازة.

٥٢٤

فله إسقاطه (١) بعد ذلك (٢). وليس ذلك (٣) كردّ بيع الفضولي (*) ، لأنّ (٤) المجيز هناك (٥) في معنى أحد المتعاقدين (٦) ، وقد تقرّر (٧) أنّ ردّ أحد المتعاقدين مبطل لإنشاء العاقد الآخر ، بخلافه (٨) هنا ، فإنّ المرتهن أجنبي له حقّ في العين.

______________________________________________________

الصحة التأهلية ، ولذا لا مانع من الرضا به ، وترتب الأثر عليه.

(١) أي : إسقاط الحق ، وضميرا «حقّه ، له» راجعان إلى المرتهن.

(٢) أي : بعد الرّد.

(٣) أي : وليس ردّ المرتهن نظيرا لردّ المالك البيع الفضولي. وهذا إشارة إلى دخل ، تقدّم بيانه بقولنا : «إن قلت ...».

(٤) تعليل لقوله : «وليس» وهو دفع الدخل ، وتقدم بقولنا : «قلت ...».

(٥) أي : في بيع الفضولي ، حيث قال في تنبيهات الإجازة : «انّ الإجازة إنما تجعل المجيز أحد طرفي العقد ، وإلّا لم يكن مكلّفا بالوفاء بالعقد» (١).

(٦) يعني : أن المجيز وإن لم يكن صورة أحد المتعاقدين ، لقيام الإنشاء بالفضول والأصيل ، ولكن حيث إنّ المخاطب بوجوب الوفاء هو المجيز ، فإجازته تصحّح انتساب العقد إليه ، وتجعله أحد المتعاقدين لبّا.

(٧) يعني : في أحكام الصيغة ، حيث قال : «والأصل في جميع ذلك : أنّ الموجب لو فسخ قبل القبول لغا الإيجاب السابق ...» (٢) وعلّله بعدم تحقق معنى المعاقدة.

(٨) أي : بخلاف الرد هنا يعني : في مسألة بيع الراهن بدون إذن المرتهن ، فإنّ هذا الرد غير مبطل لإنشاء الراهن ، لكون المرتهن أجنبيا عن المبيع أي غير مالك له وإن كان حقه متعلقا به.

__________________

(*) بل على ما ذكرنا من معنى الرد يكون مثل رد بيع الفضولي.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ١٨٢.

(٢) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٦٠٥.

٥٢٥

ومن (١) أنّ الإيجاب المؤثّر إنّما يتحقق برضا المالك والمرتهن ، فرضا كلّ منهما جزء مقوّم للإيجاب المؤثّر (٢). فكما أنّ ردّ المالك في الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم ، كذلك ردّ المرتهن. وهذا (٣) هو الأظهر من قواعدهم.

ثم إنّ (٤) الظاهر أنّ فكّ الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة ، لسقوط حقّ

______________________________________________________

(١) هذا وجه عدم نفع الإجازة المسبوقة بالرد ، وحاصله : أنّ العين المرهونة ليست ملكا طلقا للراهن لتعلق حق المرتهن بها ، فمن له السلطنة على نقلها إلى المشتري هو الراهن والمرتهن معا ، ولا يكفي فيه رضا خصوص المالك قطعا. وحينئذ يندرج المقام في الضابطة المقررة في بيع الفضولي من قدح تخلّل رد المالك بين العقد والإجازة ، بناء على أن المراد بالمالك من يكون رضاه دخيلا في ترتب الأثر ، إذ لا ريب في دخل رضا المرتهن في تصرفات الراهن. فكذا يكون ردّه مسقطا لعقد الراهن عن قابلية التأثير.

(٢) فليس إيجاب الراهن ـ بمجرّده ـ إيجابا مؤثرا على تقدير انضمام القبول به ، بل تأثيره مشروط برضا المرتهن المستكشف بإذنه أو إجازته.

(٣) أي : عدم نفع الإجازة بعد الرد هو الأظهر ... الخ ، لأنّه مقتضى دخل الإجازة جزءا أو شرطا في موضوع الحكم الشرعي أعني به الملكية ، أو غيرها مما يترتب على العقد ، ومن المعلوم أنّ انعدام جزء أو شرط من الموضوع يسقط سائر أجزائه وقيوده عن قابلية التأثير ، لكونه كالمركب الارتباطي ، هذا.

(٤) هذه ثالثة جهات البحث في المسألة ، وهي : أنّ الراهن لو باع الرهن بلا إذن من المرتهن ، ثم فكّ الرهن بأداء الدين أو بإبراء الدائن ، فهل يكفي سقوط حقّ المرتهن في نفوذ البيع ، أم ينحصر تصحيح العقد بإجازة المرتهن حتى بعد سقوط حق الرهانة؟ فيه قولان : أحدهما كون الفك بمنزلة الإجازة ، والآخر التردد في كونه بمنزلتها.

٥٢٦

المرتهن بذلك (١) ، كما صرّح به (٢) في التذكرة (٣) ، وحكي (٤) عن فخر الإسلام

______________________________________________________

(١) أي : بالفكّ ، هذا وجه السقوط ، وتوضيحه : أنّ المانع عن نفوذ العقد الصادر من المالك الراهن منحصر في حق المرتهن ، فإذا سقط ارتفع المانع عن نفوذه ، وقد تقدّم اعتراف المصنف قدس‌سره بكون إجازة المرتهن من قبيل رفع المانع. ولا فرق في ارتفاعه بين روافعه من الإجازة والافتكاك أو الإسقاط ، فلا ينبغي التأمل في لزوم المعاملة بسقوط حق المرتهن كما هو جماعة منهم العلّامة وولده والشهيد ، والمحقق والشهيد الثانيين.

وبعبارة اخرى : إضافة العين إلى المرتهن إضافة ـ يعبّر عنها بحق الرهانة ـ أحدثت سلطنة مزاحمة لسلطنة الراهن على العين ، فإذا ارتفعت هذه السلطنة بأيّ رافع أثّرت سلطنة المالك ، لصيرورتها تامة حينئذ. فإنشاء الراهن تمليك العين وتبديلها يصير بلا مزاحم ، فيؤثّر أثره.

ومن هنا يتضح الفرق بين المقام وبين «من باع شيئا ثم ملك» حيث إنّ إنشاء التبديل هناك حدث قبل إضافة الملكية المتقدمة رتبة على إنشاء المبادلة ، بخلافه هنا ، فإنّ إنشاء التبديل وقع بعد إضافة الملكية الملحوظة قبل الإنشاء ، غاية الأمر أنّ هذا الإنشاء زوحم بمانع ، وهو سلطنة الراهن ، فإذا زال المزاحم لا يبقى مانع عن التأثير.

(٢) أي : بكون الفك كالإجازة ، وسقوط حق المرتهن.

(٣) قال فيها : «ولو باع ـ أي الراهن ـ ولم يعلم المرتهن ، ففكّ ، لزم البيع ، لانتفاء المعارض» (١) واحتمل الصحة في كتاب الرهن (٢).

(٤) الحاكي عن الفخر والشهيد والمحقق الكركي هو السيد العاملي قدس‌سرهم بقوله :

«وقد قوّى اللزوم في العقود الفخر في الإيضاح والشهيد في حواشيه والمحقق الثاني ،

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٤٢.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١٣ ، ص ٣٨٦.

٥٢٧

والشهيد في الحواشي ، وهو (١) الظاهر من المحقق والشهيد الثانيين.

ويحتمل عدم لزوم العقد بالفكّ ـ كما احتمله في القواعد (٢) ـ بل

______________________________________________________

لأنها لازمة في أصلها ...» (١).

(١) أي : كون الفك بمنزلة الإجازة ملزما لبيع الراهن ظاهر ... الخ ، قال المحقق الثاني ـ في شرح قوله العلّامة قدس‌سرهما : «فلو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر» بعد بيان الوجهين ـ ما لفظه : «إذ تصرفه قبل الانفكاك غير محكوم ببطلانه ، فكيف يحكم ببطلانه بعده؟ وبهذا يظهر أنّ الحكم باللزوم هو الأقوى» (٢).

وقال الشهيد الثاني قدس‌سره في شرح عبارة الشرائع : «وفي عتقه مع إجازة الراهن تردد» ما لفظه : «وعلى هذا ، لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتك الرهن لزم» (٣) ونحوه في الروضة. والظاهر عدم خصوصية للعتق جوازا ومنعا.

(٢) لقوله في الجملة المنقولة عنه آنفا : «نظر» وكذلك احتمل الوجهين في رهن التذكرة ، كما أشرنا إليه أيضا. أمّا لزوم العقود بالفك فقد نقدم.

وأما عدم لزومها به فلوجوه ثلاثة ذكرها المصنف ثم ناقش فيها :

الأوّل : أنّ بيع الراهن ـ حال حصوله ـ لم يكن مشمولا لدليل الإمضاء كوجوب الوفاء بالعقود ، وحلّ البيع ، لكونه تصرفا في متعلق حق المرتهن ، والمفروض عدم لحوق إجازته به حتى تنفّذه ، ويصير سببا تامّا للنقل. فالمانع من التأثير مقترن بالبيع ، والذي حصل بعده هو سقوط حقّ الرهانة بسبب الفك أو بموجب آخر ، ولكن لا دليل على كفاية السقوط ، ضرورة اختصاص التعليل المذكور في صحيحة زرارة ـ الواردة في نكاح العبد بلا إذن السيد ـ بالإجازة ، ولا وجه للتعدي عنها إلى سقوط الحق.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١١٨ ولاحظ : إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٩.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٧٥.

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٤ ، ص ٤٨ ؛ الروضة البهية ، ج ٤ ، ص ٨٤.

٥٢٨

بمطلق (١) السقوط الحاصل بالإسقاط (٢) أو الإبراء (٣) أو بغيرهما (٤) ، نظرا (٥) إلى أنّ الراهن تصرّف فيما فيه حقّ المرتهن (٦) ، وسقوطه (٧) بعد ذلك لا يؤثّر في تصحيحه.

والفرق (٨) بين الإجازة والفكّ : أن مقتضى ثبوت الحقّ له هو صحة

______________________________________________________

ونتيجة ذلك : أن بيع الراهن حين صدوره كان مقترنا بالمانع ، وخارجا عن أدلة الإمضاء ، وفي زمان انتفاء المانع ـ بسقوط حق الرهانة ـ لا عقد حتى يعمّه خطاب «أَوْفُوا». وسيأتي بيان الوجهين الآخرين.

(١) لمّا كان مورد تنظّر العلّامة قدس‌سره خصوص فك الرهن بعد بيع الراهن ، نبّه المصنف قدس‌سره على جريان الاحتمالين في مطلق موجبات سقوط حقّ الرهانة ، ولا خصوصية للفكّ. وعليه فليس المراد ب «بل» الترقي ، بل المقصود مجرد التعميم.

(٢) أي : إسقاط المرتهن حقّ الرهانة مع بقاء الدين في ذمة الراهن.

(٣) أي : إبراء المرتهن عهدة الراهن من الدّين ، ويتبعه خروج العين عن كونها رهنا.

(٤) كما لو ضمن شخص دين الراهن ، فانتقل إلى ذمة الضامن ، فتخرج العين عن حق الرهانة أيضا.

(٥) هذا وجه احتمال عدم لزوم العقد ، وتقدم توضيحه آنفا.

(٦) نظير تصرف العاقد الفضولي ببيع مال الغير فضولا ، فانتقاله إليه باشترائه من المالك لا يصحّح العقد الذي أوقعه فضولا قبل الاشتراء.

(٧) يعني : سقوط حق المرتهن بعد تصرف الراهن لا يؤثر في تصحيح تصرفه.

(٨) إشارة إلى توهم ودفعه.

أمّا التوهم فهو : أنّ الملاك في عدم تأثير العقد إن كان وقوعه على ما فيه حق المرتهن ، وعدم تغير العقد عمّا وقع عليه ، فهذا الملاك بعينه موجود فيما إذا أجاز المرتهن أيضا ، إذ الإجازة كالفكّ لا تؤثر في العقد الذي وقع على متعلق حق المرتهن.

وأمّا دفع التوهم فقد أشار إليه بقوله : «ان مقتضى ثبوت الحق» وتوضيحه :

٥٢٩

إمضائه للبيع الواقع في زمان حقّه. وإن لزم (١) من الإجازة سقوط حقّه.

وبالجملة (٢) : فالإجازة تصرّف من المرتهن في الرهن حال وجود حقّه ـ أعني حال العقد ـ بما يوجب سقوط حقّه ، نظير إجازة المالك (٣). بخلاف الإسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء (٤) ، فإنّه (٥) ليس فيه دلالة على مضيّ العقد حال وقوعه.

______________________________________________________

أنّ من لوازم الحق سلطنة ذيه على إسقاطه بإمضاء العقد الواقع على متعلق حقه ، فبإمضائه يلزم العقد ويسقط حقّه. وهذا بخلاف سقوط الحق بالافتكاك أو غيره ، فإنّه ليس فيه دلالة على إمضاء العقد وتنفيذه ، فمجرّد سقوط الحق لا يقتضي لزوم العقد.

(١) يعني : أن الإجازة تصرّف من المرتهن ، ويترتب عليه سقوط الحقّ ، لانتهاء بيع الراهن إلى اللزوم بسبب هذه الإجازة.

(٢) هذه الجملة بيان للفرق بين الإجازة وسقوط حقّ الرهانة ، ومحصلها ما تقدم من : أن للإجازة متعلّقا وهو عقد الراهن ، فهو المجاز ، فإن المرتهن الملتفت إلى بيع الراهن له السلطنة على إمضائه وفسخه. ولكن إسقاط الحق لا دلالة فيه على إمضاء العقد وإعمال الحق أصلا ، بل قد لا يعلم المرتهن به حتى يجيزه أو يردّه.

فمن هذه الجهة يكون إسقاط الحق نظير ما إذا باع الغاصب مالا بقصد دخول الثمن في ملكه ، ثم تملّك المال بإرث أو اتّهاب ، فإنّ المغصوب منه ـ لجهله بتصرف الغاصب ـ لا يتمشى منه الإجازة والرد.

(٣) لكون كل منهما سلطانا على عقد الفضولي والراهن ، فله الإجازة والرّد.

(٤) يعني : أداء الدين ، الموجب لفكّ الرهن ، كما يوجبه الإبراء والإسقاط وغيرهما.

(٥) أي : فإنّ كل واحد ـ من الإسقاط والسقوط ـ لا تعلّق له بعقد الراهن حتى يمضى به.

٥٣٠

فهو (١) أشبه شي‌ء ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثم تملّكهما ، وقد تقدم الإشكال فيه عن جماعة (٢).

مضافا إلى : استصحاب (٣) عدم اللزوم الحاكم على عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

______________________________________________________

(١) هذا نتيجة الفرق بين إجازة المرتهن وبين سقوط حقّ الرهانة ، يعني : فبيع الراهن ثم سقوط حقه يكون شبيها بمسألة «من باع ثم ملك» فكما استشكل جماعة في تلك فكذا في هذه.

(٢) والمصنف قدس‌سره أيضا رجّح هناك القول بالبطلان ، حيث قال : «فالأقوى : العمل بالروايات ، والفتوى بالمنع عن البيع المذكور» ، وهي ما لو باع الفضولي لنفسه ثم اشتراه من المالك ، وأجاز. وكذا لو لم يجز ، فراجع (١).

(٣) هذا ثاني الوجوه على ما احتمله العلّامة قدس‌سره من عدم لزوم بيع الراهن بمجرد الفكّ ، وهو استصحاب ما كان قبل فك الرهن من عدم لزوم العقد ، لعدم تعقبه بالإجازة قبل الفك ، ولا سلطنة للمرتهن بعد الفك حتى تنفعه الإجازة ، فيبطل.

فإن قلت : إن المقتضي لصحة بيع الراهن ـ وهو صدوره من المالك ـ موجود ، والمانع من اللزوم هو حق المرتهن ، فمع سقوطه يندرج العقد في عموم الأمر بالوفاء ، ويلزم.

قلت : لا مجال للرجوع إلى العموم في المقام ، لحكومة الاستصحاب عليه.

وجه الحكومة : أنّ الاستصحاب منقّح للموضوع ، ويحرز الخاص ، كما إذا شك في فاسقية زيد بعد سبقها ، فتستصحب ، ويحرز بالاستصحاب موضوع الخاص ، فلا يكون محكوما بحكم العام ك «أكرم العدول أو صلّ خلفهم». فعدم جريان العموم في مثل المقام إنما هو لأجل إحراز عنوان الخاص ، فلا شك في التخصيص حتى يتمسك بالعام.

وعليه ، فلا وجه للإشكال على حكومة الاستصحاب على العام كما في بعض

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٣٢٨.

٥٣١

بناء (١) على أن هذا العقد غير لازم (٢) ، فيستصحب حكم الخاصّ.

وليس (٣) ذلك محلّ التمسك بالعام ، إذ (٤) ليس في اللفظ عموم زماني حتى يقال : إنّ المتيقن خروجه هو العقد قبل السقوط ، فيبقى ما بعد السقوط داخلا في العامّ.

______________________________________________________

الحواشي. نعم هذه الحكومة ظاهرية لا واقعية كما هو واضح.

(١) إذ بناء على بطلان بيع الراهن بدون إذن المرتهن ـ كما يراه صاحب المقابس قدس‌سره ـ لا مجال لهذا الاستصحاب ، ضرورة عدم إجداء الإجازة فضلا عن الفك والإسقاط.

(٢) هذا تقريب الاستصحاب ، والغرض منه إثبات فساد بيع الراهن ، لا صحته وتزلزله كما في البيوع الخيارية. فالمقصود استصحاب عدم الملكية.

ولعلّ الأولى في تقريبه ما حكاه صاحب الجواهر قدس‌سره عن المستدلّ به ، حيث قال : «مضافا إلى استصحاب حال العقد قبل الفك من عدم التأثير» (١).

(٣) أي : وليس بيع الراهن ـ بعد الفك وسقوط حقّ المرتهن ـ محلّا للتمسك بالعام. وهذا إشارة إلى توهم منع التمسك بالاستصحاب ، وتقدم بقولنا : «فإن قلت ...».

(٤) تعليل لقوله : «ليس» ودفع للتوهم المزبور ، وتوضيحه : أنّ الزمان لم يؤخذ مفرّدا ومكثّرا للموضوع ليكون العقد في كل زمان موضوعا مستقلا لحكم العام حتى يقال : إنّ العقد المقيد بزمان معيّن قد خرج عن حيّز العام ، ويشك في خروجه في غير ذلك الزمان ، فيتمسك بالعام ، لكونه من الشك في التخصيص الزائد. بل الزمان اخذ ظرفا للحكم ، فإذا خرج فرد كان ذلك فردا واحدا ، ولا يكون خروجه في زمان آخر تخصيصا زائدا ليتمسك بالعام.

فتلخص : أنّ سقوط حق المرتهن ليس كالإجازة ملزما للعقد ، بل العقد باق

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ٢٠٢.

٥٣٢

ويؤيّد ما ذكرناه (١) ـ بل يدلّ عليه (٢) ـ : ما يظهر من بعض الروايات من

______________________________________________________

على ما كان عليه من عدم اللزوم.

(١) أي : ويؤيّد عدم صيرورة بيع الراهن لازما بالفك ما يظهر ، وهذا ثالث الوجوه ، وتوضيحه : أن النصوص الخاصة دلّت على عدم نفوذ نكاح العبد لو تزوّج بغير إذن السيّد ، وعلم به ولم يلحقه إجازته.

وقد أشار إليها في مبحث إجازة الفضولي (١).

فمنها : صحيحة ابن وهب : «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : إني كنت مملوكا لقوم ، وإنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مولاي ، ثم أعتقوني بعد ذلك. فاجدّد نكاحها حين اعتقت؟ فقال عليه‌السلام : أكانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال : نعم ، وسكتوا عنّي ، ولم يغيّروا عليّ ، فقال عليه‌السلام : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم ، أثبت على نكاحك الأوّل» (٢).

وجعله المصنف قدس‌سره في بادئ الأمر مؤيّدا لا دليلا ، لاحتمال دخل الإجازة بالخصوص فيما لم يكن اللزوم لعدم المقتضي ، وكون القصور لأجله ، لا لأجل وجود المانع ، فإنّ العبد لا مقتضي لنفوذ تصرفاته ، لكونه مسلوب السلطنة ولا يقدر على شي‌ء. بخلاف الراهن السلطان على التصرف في ماله ، غاية الأمر أنّ حق المرتهن صار مانعا عن نفوذ تصرفاته ، فإذا ارتفع المانع أثّر المقتضي في المقتضى.

وهذا الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال بالصحيحة على نفوذ بيع الراهن بسقوط حق المرتهن ، فتكون الصحيحة مؤيدة.

(٢) وجه الدلالة : ظهور الرواية في أن عقد النكاح لمّا لم يجب الوفاء به حال حدوثه ـ لكونه تصرفا في ملك السيد بغير إذنه ـ كان كذلك بقاء ، ولا يقتضي العتق دخول هذا العقد في عموم وجوب الوفاء بالعقود. والظاهر عدم الفرق في هذه الجهة

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ١٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٥ ، الباب ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث : ١.

٥٣٣

عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيّده بمجرّد (١) عتقه ما لم يتحقق الإجازة (٢) ولو بالرضا (٣) المستكشف من سكوت السيّد مع علمه (٤) بالنكاح ، هذا.

ولكنّ الإنصاف ضعف الاحتمال المذكور (٥) ، من جهة أنّ (٦) عدم تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس إلّا لمزاحمة حقّ المرتهن المتقدّم على حقّ المالك

______________________________________________________

بين نكاح العبد وبين بيع الراهن ، فتكون هذه النصوص دليلا على عدم تأثير فكّ الرهن في ترتب الأثر على البيع السابق.

(١) متعلق ب «صحة».

(٢) أي : إجازة السيد قبل العتق ، فيكون من أنحاء العقد الفضولي.

(٣) متعلق بالإجازة وإشارة إلى الفرد الخفيّ منها ، إذ قد تحصل بقول السيد : «أجزت» وقد تحصل بالفعل الدال على الرضا بنكاح العبد كإهداء شي‌ء لزوجته ، وقد تحصل بمجرد السكوت وعدم إظهار الكراهة.

(٤) إذ لو لم يعلم السيد بالنكاح لم يكن سكوته إجازة قطعا ، لعدم دلالته على الرضا.

(٥) وهو احتمال عدم لزوم بيع الراهن بالفك المتقدم في (ص ٥٢٨) ، ومنشأ ضعفه عدم تمامية الوجوه الثلاثة المتقدمة ، كما سيظهر.

(٦) هذا منع الوجه الأوّل ، وحاصله : أنّ عدم نفوذ بيع الراهن إنّما هو لأجل المانع لا لعدم المقتضي ، فإذا ارتفع المانع أثّر المقتضي. مثلا : إذا القي الثوب الذي فيه رطوبة مانعة عن الاحتراق في النار ، فما دامت الرطوبة باقية لا يحترق الثوب ، وأمّا بعد زوال الرطوبة فيحترق بها.

وفي المقام تكون أدلة الإمضاء مقتضية لتأثير بيع الراهن في النقل ، وعدم فعلية التأثير إنّما هو لوجود المزاحم وهو حق المرتهن المفروض سبقه على البيع ، ولكن لا ريب في أن مزاحمة المانع ما دامية لا مطلقة ، فمع سقوط حقّه بقي وجوب الوفاء بالبيع بلا مزاحم ، فيؤثّر.

٥٣٤

بتسليط (١) المالك ، فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي (٢) ، وإنّما هو (٣) من جهة المانع ، فإذا زال أثّر المقتضي.

ومرجع ما ذكرنا (٤) إلى : أنّ أدلة سببية البيع ـ المستفادة من نحو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) و«الناس مسلّطون على أموالهم» (٢) ونحوه ذلك (٥) عامّة (٦) ، وخروج زمان الرّهن يعلم أنّه من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو أسبق ، فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب (٧).

ولا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع (٨) ،

______________________________________________________

(١) متعلق ب «حق المرتهن» أي : حقّه الحاصل في الرهن بسبب تسليط الراهن.

(٢) المقتضي في مقام الثبوت هو الملك ، والمقتضي في مقام الإثبات هو عمومات الصحة ، من آية الوفاء وحديث السلطنة.

(٣) أي : عدم الأثر ، وهو النقل والانتقال.

(٤) أي : كون عدم تأثير بيع الراهن لمزاحمة حق المرتهن ، لا لقصور المقتضي.

(٥) كآية التجارة عن تراض ، وحلّ البيع.

(٦) فبيع المال المملوك صحيح ، سواء أكان مرهونا أم لم يكن.

(٧) فلو لم يؤثّر لزم عدم كون البيع سببا للتمليك ، وهو خلف.

(٨) هذا منع الوجه الثاني ، وحاصله : عدم جريان استصحاب عدم التأثير هنا ، لأن البناء على تأثير البيع السابق ـ بعد سقوط حق المرتهن ـ يكون من نقض اليقين باليقين ، لا من نقض اليقين بالشك ، وذلك لأنّ مناط المستصحب ـ أعني به جواز العقد ـ هو حقّ المرتهن المزاحم للزوم ، والمفروض سقوط حقّه والعلم بارتفاعه ، ومن المعلوم تبعية الحكم بالجواز لمناطه ، فيرتفع بانتفاء المناط.

__________________

(١) المائدة ، الآية : ١.

(٢) عوالى اللئالي ، ج ١ ، ص ٢٢٢ ، الحديث : ٩٩ وج ٣ ، ص ٢٠٨ ، الحديث : ٤٩.

٥٣٥

للعلم (١) بمناط المستصحب وارتفاعه. فالمقام (٢) من باب وجوب العمل بالعام ، لا من مقام استصحاب حكم الخاص ، فافهم (٣).

وأمّا قياس ما نحن فيه (٤) على نكاح العبد بدون إذن سيّده ، فهو قياس

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : يعتبر في صدق «نقض اليقين بالشك» وحدة موضوع القضية المتيقنة والمشكوكة ، كاليقين بعدالة زيد يوم الجمعة ، والشك في بقائها يوم السبت. وهذا الأمر غير متحقق في المقام من جهة تبدل الموضوع ، لأن المتيقن السابق عدم تأثير بيع الرهن ، لكونه متعلق حق الرهانة ، والمشكوك اللاحق هو بيع المال الطّلق ، لسقوط حق المرتهن عنه ، ويعمه الأمر بالوفاء حينئذ.

وبهذا ردّ صاحب الجواهر الاستصحاب ، فراجع (١).

(١) تعليل ل «لا مجال» والمناط حق المرتهن ، والمستصحب هو عدم التأثير.

(٢) هذا نتيجة عدم كون المورد موضوعا لدليل الاستصحاب ، وأنّه بعد ارتفاع المانع يرجع إلى العموم.

(٣) لعلّه إشارة إلى : أنّ مجرد العلم بارتفاع مناط الحدوث لا يكفي في العلم بارتفاع الحكم الناشئ عنه ، لاحتمال كون المناط حكمة غير مطردة ، لا علة يدور الحكم معها وجودا وعدما. فالشكّ في بقاء الحكم موجود مع وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة.

فالأولى أن يقال : إنّ التخصيص لمّا كان من الأوّل ، فبعد زمان التخصيص يرجع إلى العام وإن لم يكن له عموم زماني كما ثبت في الاصول ، بعد كون العقد عقد المالك ، بخلاف عقد الفضولي وإجازته بعد التملك (٢).

(٤) غرضه قدس‌سره منع الوجه الثالث ، وهو استفادة الحكم من بطلان نكاح العبد

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ٢٠٣.

(٢) راجع هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٣٤٢.

٥٣٦

مع الفارق ، لأنّ المانع عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيّده قصور تصرّفاته عن الاستقلال في التأثير ، لا مزاحمة حق السيّد لمقتضى النكاح (١) ، إذ (٢) لا منافاة بين كونه عبدا وكونه زوجا.

ولأجل ما ذكرنا (٣) لو تصرّف العبد لغير السيّد ببيع أو غيره ، ثمّ انعتق العبد ، لم ينفع في تصحيح ذلك التصرف. هذا (*).

______________________________________________________

بمجرد العتق ، وتوضيحه : أنّ القياس مع الفارق ، حيث إنّ عقد العبد ليس فيه مقتضى الصحة. فعدم نفوذ عقده لأجل عدم المقتضي ، لا لأجل المزاحمة مع حق السيّد ليكون من قبيل المانع ، كحق الرهن الذي هو مانع عن نفوذ عقد الراهن.

ولأجل عدم المقتضي لا يصح سائر تصرفاته ولو لغير المولى بعد انعتاقه. فلو كان عدم النفوذ لأجل المزاحمة مع حق السيد لكان اللازم نفوذه بمجرد ارتفاع المزاحم أعني الرقية وصيرورته حرّا.

(١) حتى يصح نكاح العبد بارتفاع المزاحم وإجازة السيد أو عتقه ، كما يصح بيع الراهن بسقوط حق المرتهن أو إجازته.

(٢) تعليل لعدم المزاحمة ، وأنّ منشأ بطلان نكاح العبد هو قصور المقتضي ، ومن المعلوم أن سقوط المانع ـ وهو حقّ السيد ـ لا يجبر قصور المقتضي ، ولا يوجب تماميته في التأثير.

(٣) يعني : ولأجل عدم المقتضي لنفوذ تصرفات العبد ، لا ينفع انعتاقه في نفوذ تصرفه لغير المولى أيضا ، كما لو اشترى أو باع لزيد بلا إذن مولاه ولا إجازته ، فمجرد سقوط حق العبودية بالانعتاق لا يصحّح ذلك التصرف.

هذا ما يتعلّق برد الوجوه الثلاثة المستدل بها على بطلان عقد الراهن بدون إذن المرتهن وإجازته ، وعدم الجدوى في سقوط حق الرهانة.

__________________

(١) لكن الإنصاف عدم شهادة هذا الشاهد بعدم المقتضي ، وذلك لأنّ عدم

٥٣٧

ولكن مقتضى ما ذكرنا (١) كون سقوط حقّ الرهانة بالفكّ أو الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك (٢) ناقلا

______________________________________________________

(١) أي : مقتضى كون عدم تأثير بيع المالك لأجل مزاحمة حق المرتهن ـ وإناطة تأثيره بسقوط حقه ـ هو ناقلية سقوط حق الرهانة لا كاشفيته ، لأن المزاحم وهو حق المرتهن مانع عن التأثير ، فما دام موجودا يمتنع تأثير المقتضي ، فلا محالة يكون ترتب الأثر من حين سقوط الحق لا من زمان وقوع العقد.

وغرضه قدس‌سره من هذا الكلام التنبيه على إشكال كون فك الرّهن ناقلا ، وهو منافاته لما ذهب إليه القائلون بلزوم العقد بالفك من جعله كاشفا عن صحة عقد الراهن. فحال الفكّ عندهم حال الإجازة في البيع الفضولي ، مع أنّ مقتضى الصناعة الالتزام بالنقل ، لئلّا يلزم تعلق حق الرهانة بمال انتقل إلى المشتري ، كما تقدم تقريبه في (ص ٥١٣) بقوله : «حيث إنه يلزم منه كون مال غير الراهن وهو المشترى رهنا للبائع».

والمصنف قدس‌سره قرّب كون الفك ناقلا ، ونظّره بالإجازة الكاشفة في مسألة «من باع ثم ملك» ثمّ قال بتعين القول بالكشف للإجماع.

(٢) من موجبات سقوط حق الرهانة ، كوفاء الدين ، وكضمان الغير له ،

__________________

نفوذ تصرفه يمكن أن يكون لمنافاته لحقّ المولى ، حيث إنّه ليس للمملوك أن يحدث عقدا من نكاح أو غيره بلا إذن مولاه ومالكه.

إلّا أن يقال : إنّ مجرد منافاة الحق للتصرف تمنع عن نفوذه ما دام الحق موجودا ، وأمّا إذا ارتفع فلا وجه لعدم نفوذ العقد بعد ارتفاعه ، إذ شأن المانع المنع عن التأثير ما دام موجودا ، لا مطلقا ، فلا بد أن يكون عدم النفوذ حتى بعد صيرورته حرّا لأجل عدم المقتضي لصحة العقد ، فلاحظ حاشية المحقق الإيرواني قدس‌سره (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٩١.

٥٣٨

ومؤثّرا (١) من حينه ، لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه ـ خصوصا (٢) بناء على الاستدلال على الكشف بما ذكره جماعة (٣) ممّن قارب عصرنا : من أنّ مقتضى مفهوم الإجازة إمضاء العقد من حينه ـ فإنّ (٤) هذا غير متحقق في افتكاك الرهن ، فهو (٥) نظير بيع الفضولي ، ثم تملكه للمبيع ، حيث إنّه لا يسع

______________________________________________________

وكالحوالة ، والإقالة المسقطة للثمن إن كان الرهن على ثمن في ذمة المشتري.

(١) هذا معنى النقل ، لأنّ الإسقاط والسقوط كالإيجاد والوجود ، فلا يؤثّر السقوط المتأخر عن العقد إلّا حال تحققه ، لا سابقا عليه.

(٢) مقصوده بهذه الكلمة أن الكشف في الإجازة على نحوين ، فتارة يقال باقتضاء نفس مفهومها إمضاء العقد من حينه ، كما هو مختار جماعة. واخرى بأنّ مقتضى القاعدة في الإجازة هو النقل ، وإنّما قيل بالكشف في خصوص البيع الفضولي لأجل التعبد ، كما هو مختار المصنف قدس‌سره.

وعلى كلا القولين في الإجازة لا بدّ من القول بالنقل في الفك والسقوط ، ولكن بناء على القول الأوّل تتأكد مخالفة الفك للإجازة الكاشفة ، لحصول المباينة بين مفهوم الفك الذي هو رفع المانع ، وبين مفهوم الإجازة الذي هو إمضاء العقد.

(٣) كالسيد الطباطبائي والمحقق القمي قدس‌سرهما ، وتقدم كلامهما في أوّل بحث الإجازة ، فراجع (١).

(٤) تعليل لقوله : «لا كاشفا عن تأثير العقد» يعني : فإنّ اقتضاء الإجازة ـ مفهوما أو تعبدا لإمضاء العقد من حينه ـ غير جار في الفك والإسقاط.

(٥) أي : فبيع الراهن ثم فكّه يكون نظيرا لمسألة «من باع ثم ملك».

ووجه المماثلة بينهما : أنه ـ بناء على كاشفية الإجازة في مطلق العقود الفضولية ـ لا بد من التصرف في مدلولها بجعل إجازة الفضولي ـ الذي تملّك المبيع ـ

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ١٦.

٥٣٩

القائل بصحته (١) إلّا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأوّل (٢) ، لا من حين العقد (٣) ، وإلّا (٤) لزم في المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه ، كما كان يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف الإجازة للتأثير من حين العقد ، هذا.

ولكن (١)

______________________________________________________

كاشفة عن انتقال المال إلى المشتري من زمان دخوله في ملك الفضولي ، كما لو باع زيد يوم الخميس مال عمرو من بكر ، ثم اشتراه يوم الجمعة من عمرو ، وأجاز يوم السبت بيع يوم الخميس ، فانتقال المبيع إلى بكر يكون من يوم الجمعة لا من يوم الخميس ، إذ لو كشفت إجازته عن دخول المال في ملك بكر من يوم الخميس لزم اجتماع مالكين على مال واحد ، وهو ممتنع.

(١) أي : بصحة بيع الفضولي ثم تملكه للمبيع. وأما القائل ببطلانه كالمحقق صاحب المقابس ففي سعة من محذور اجتماع المالكين.

(٢) وهو عمرو في المثال المتقدم ، الذي انتقل المال عنه يوم الجمعة إلى الفضولي.

(٣) وهو عقد الفضولي يوم الخميس.

(٤) أي : وإن كان فكّ الرهن كاشفا عن تأثير بيع الراهن حال حدوثه لزم كون ملك المشتري رهنا للبائع.

(٥) أي : لو قلنا بكاشفية الإجازة في «مسألة من باع ثم ملك وأجاز» عن تأثير بيع الفضول حال حدوثه ـ أي يوم الخميس ـ لزم اجتماع مالكين على المبيع ، أحدهما المشتري بمقتضى كاشفية الإجازة ، والآخر المالك ـ وهو عمرو ـ ليصحّ منه البيع يوم الجمعة.

(١) استدراك على قوله : «ولكن مقتضى ما ذكرنا كون سقوط حقّ الرهانة بالفك ناقلا ...» يعني : أن القاعدة تقتضي ناقلية فك الرهن وسقوطه ، ولكن مصير

٥٤٠