هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

ولا يقال : إنّه عصى المرتهن ، لعدم (١) كونه مالكا. وإنّما منع الله من تفويت حقّه بالتصرّف.

وما ذكرناه (٢) جار في كلّ مالك متولّ لأمر نفسه إذا حجر على ماله لعارض كالفلس وغيره (٣) ، فيحكم بفساد الجميع.

وربما يتّجه الصحة (٤) فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة (*).

______________________________________________________

(١) تعليل ل «لا يقال» وتقدم بيانه آنفا.

(٢) غرض صاحب المقابس قدس‌سره من هذه الجملة عدم اختصاص فساد البيع ببيع الراهن ، وعمومه لتصرف سائر الملّاك المحجورين ، لكونه عصيانا للنهي الشرعي ، فيقع باطلا ، ولا سبيل لتصحيحه بالإجازة اللاحقة له ، كالمفلّس الممنوع من التصرف في أمواله بحكم الحاكم ، فلو باع أو اشترى وأجازه الغرماء لم يصح.

وكذا السيد المستولد لجاريته ، فإنّ منع إخراجها عن ملكه يقتضي فساد النقل وإن ارتفع المانع كما إذا مات ولدها ـ بعد البيع ـ في حياة السيد.

(٣) كالسّفه.

(٤) حاصله : أنّه إذا كان منشأ منع المالك عن البيع على وجه الاستقلال ـ بحيث لا يزاحمه أحد ـ هو مصلحة الغير كعدم تضرر الشريك الآخذ بالشفعة ، لم يكن مانع من صحة بيع المالك مع ثبوت حق الشفعة للشريك. كما إذا كانت دار ملكا مشاعا لاثنين ، فباع أحدهما حصته من أجنبي ، فلا يجوز للمشتري بيع حصّته ،

__________________

(*) فيه : ان هذه المصلحة موجودة في المقام أيضا ، فمصلحة المرتهن أيضا تقتضي وقوف بيع الراهن على إجازته. ولم يظهر فرق من هذه الجهة بين بيع الشريك الموجب لثبوت حق الشفعة للشريك الآخر ، وبين بيع الراهن للمرهونة ، فلا بد من القول بالصحة فيهما معا ، أو البطلان كذلك.

٥٠١

فالقول (١) بالبطلان هنا ـ كما اختاره أساطين الفقهاء ـ هو الأقوى» انتهى كلامه ، رفع مقامه.

ويرد عليه ـ بعد منع (٢) الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير على وجه

______________________________________________________

وهذا النهي لأجل مصلحة الشريك ليتمكن من الأخذ بالشفعة وضمّ المبيع إلى حصة نفسه. فلو باعها المشتري من شخص ، وأجازه ذو الحق ـ وهو الشفيع ـ صحّ. وهذا بخلاف الراهن ، الذي يقع بيعه باطلا رأسا.

(١) هذا نتيجة البحث في بيع الراهن. وعليه فهذه الجملة مرتبطة بما قبل قوله : «وربما يتجه الصحة» فلا تغفل.

هذا تمام كلام صاحب المقابس ، وأورد المصنف قدس‌سره عليه بوجوه ، سيأتي بيانها.

(٢) هذا أوّل الوجوه ، وتوضيحه : أنّ حقيقة البيع هي المبادلة بين المالين اللّذين هما ركنا البيع ، ولا دخل لقصد خصوصية البائع أو المشتري في إنشاء المبادلة أصلا كما تقدم في بحث الفضولي ، فقصد البيع لنفسه أو لغيره خارج عن حيّز المعاملة.

فما أفاده صاحب المقابس قدس‌سره في قوله : «قلنا : ان التصرف ...» من الكبرى ، وهي : أن صحة عقد الفضولي بالإجازة المتعقبة منوطة بقصد النيابة عن المالك ، فلو وقع بقصد الاستقلال ـ كما في الغاصب ـ كان باطلا رأسا ممنوع ، لعدم دخل قصد الاستقلال والنيابة عن المالك في حقيقة البيع ، فالمهمّ لحوق إجازة المالك ووقوع البيع له ، سواء قصد المنشئ النيابة أو الاستقلال.

فإن قلت : النزاع هنا بين المصنف وصاحب المقابس مبنائي ، لأنه قدس‌سره بنى بطلان بيع الراهن على ما أسّسه في بيع الغاصب من فساد البيع الفضولي لو لم يقصد وقوعه للمالك ولا توقّعا لإجازته. والمصنف قدس‌سره بنى الصحة على عدم دخل قصد النيابة والاستقلال. ومن المعلوم أنّ الإشكال المبنائي لا يجدي إلّا بتحقيق المبنى.

قلت : نعم ، وإن كان صريح عبارة المقابس : «كما سبق في الفضولي» تسلّم بطلان بيع الغاصب لأجل استقلاله في التصرف وعدم الاستجازة من المغصوب منه ،

٥٠٢

الاستقلال وبيعه (١) على وجه النيابة ، ومنع (٢) اقتضاء مطلق النهي

______________________________________________________

فيبطل بيع الراهن هنا من جهة امتناع قصد النيابة ، وكونه مالكا ، إلّا أن غرض المصنف قدس‌سره منع المبنى بما فصّله في المسألة الثالثة من بيع الفضولي ، ولعلّه قدس‌سره ترك الإشارة إلى ما حقّقه هناك لقرب العهد ، ولا بأس بنقل جملة منه ، وهي : «فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز ... فعلم من ذلك أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتى يتردّد الأمر في هذا المقام بين المحذورين ، بل مفهوم الإيجاب هو تمليك المثمن بعوض ، من دون تعرض لمن يرجع إليه العوض» فراجع (١).

(١) معطوف على «بيع» والضمير راجع إلى ملك الغير.

(٢) معطوف على «منع» وهذا ثاني الوجوه ، وحاصله : أنّ كل نهي لا لأمر خارج عن المعاملة لا يقتضي الفساد ، بل الدال على الفساد خصوص الإرشادي لا المولوي الذي هو ظاهر المنع في ما دلّ على أنّ «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف».

فهذا الجواب راجع إلى منع الكبرى ، وهي «اقتضاء النهي الراجع إلى أحد العوضين للفساد» والصغرى هي : تعلق النهي بما يرجع إلى أحد العوضين ، حيث إنّ المبيع صار متعلق حق المرتهن ، ولذا نهي الراهن عن التصرف فيه ، وبيعه تصرف فيه ، فهو منهي عنه.

والمصنف قدس‌سره منع كلّية الكبرى ، وأنّ كلّ نهي لا يقتضي الفساد ، بل إذا كان إرشادا إلى المانعية. وليس كذلك إذا تعلق النهي بمتعلق حق الغير ، فإنّ المراد به نفي الاستقلال ، لا البطلان ، ضرورة أنّه صحيح ولازم بلا إشكال مع إذن المرتهن قبل البيع ، ولا دليل على اعتبار مقارنة الرضا من ذي الحق في صحة المعاملة ، كما تقدم في بحث الفضولي. فالإجازة اللاحقة أيضا تنفّذ المعاملة ، هذا.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٧١ ـ ٥٧٣.

٥٠٣

لا لأمر خارج (١) للفساد ـ :

أوّلا (٢):

______________________________________________________

(١) تقدم في (ص ٤٩٣) مثال النهي عن نفس العقد ، والنهي عن خارجه.

(٢) هذا ثالث الوجوه ، وهو ناظر إلى منع ما في المقابس من عدم قصد النيابة في بيع الراهن حتى يمكن تنفيذه بإجازة المرتهن ، حيث قال : «وكان عقده لا يقع إلّا مستندا إلى ملكه ، لانحصار المالكية فيه ، ولا معنى لقصده النيابة ، فهو منهي عنه».

وتوضيح إيراد المصنف قدس‌سره عليه : أنّ معاملة الراهن تتصور أيضا بنحوين ، وهما : قصد الأصالة وعدمها ، كما يتصوّران في الفضولي والمرتهن.

أمّا قصد الاستقلال فكما إذا باع ماله المرهون بانيا على عدم الاستجازة من المرتهن ، وهذا ما تصوّره صاحب المقابس وجعله تصرفا منهيا عنه.

وأمّا قصد عدم الاستقلال ، فكما لو باع برجاء إجازة المرتهن ، من دون نية الاستقلال حال العقد.

وقد يقصد الاستقلال مع عدم النهي عنه ، لأن الغصب هو التصرف العدواني في مال الغير ، ومن المعلوم توقف عنوان الاعتداء على تنجز حرمة التصرف في الرهن لتعلق حق المرتهن به. فمع عدم تنجزه ينبغي صحة بيع الراهن أصالة ، كما يتصور في موارد :

منها : ما لو باع ماله المرهون جاهلا بكونه رهنا ، كما إذا استدان الوليّ للصبي ، وجعل ماله رهنا على الدين ، ولم يعلم به الصبي حتى بلغ وباع المال زاعما كونه طلقا ، فتبيّن كونه رهنا.

ومنها : ما لو علم بالرهن ، وجهل حكمه من كونه ممنوعا من التصرف فيه.

ومنها : ما لو علم بالحكم وموضوعه ، ولكنه نسي كونه رهنا ، فباع قاصدا للأصالة.

٥٠٤

أنّ (١) نظير (٢) ذلك (٢) يتصوّر في بيع الرّاهن ، فإنّه (٤) قد يبيع رجاء لإجازة المرتهن ، ولا ينوي الاستقلال. وقد يبيع [استقلالا] (٥) جاهلا بالرّهن ، أو بحكمه (٦) ، أو ناسيا. ولا حرمة في شي‌ء من ذلك (٧) ، فتأمّل (٨).

______________________________________________________

(١) الجملة في محلّ رفع على أنّها فاعل لقوله : «ويرد عليه».

(٢) التعبير «بالنظير» لأجل أنّ بيع الراهن بتوقّع الإجازة ليس من النيابة الجارية في بيع الفضولي والمرتهن كما هو واضح ، بل هذا المثال نظيرهما في مجرد عدم الاستقلال ، كما لا يخفى.

(٣) أي : وقوع البيع تارة بقصد الأصالة ، واخرى بقصد النيابة.

(٤) أي : فإنّ الراهن العالم بالرهن وبحكمه يمكن أن يبيع لنفسه متوقعا لإجازة ذي الحق ، وهو المرتهن.

(٥) هذه الكلمة غير مذكورة في نسختنا ، وأثبتناها عن بعض النسخ المصححة. وهو الأولى ، للفرق بين الراجي للإجازة وبين الجاهل بالرهن ، فالأوّل يبيع متوقعا للإجازة ، بخلاف الجاهل والناسي ، فهما يبيعان أصالة ، ولكن ليس بيعهما عدوانا على المرتهن ، لعدم تنجز النهي عليهما.

(٦) يعني : إذا كان الجهل بالحكم قصوريا ، لا تقصيريا.

(٧) أي : في بيع الجاهل ـ بالرهن أو بالحكم ـ أو في بيع الناسي.

(٨) هذه الكلمة مذكورة في نسختنا دون سائر النسخ ، والأولى إثباتها ، وكتب السيد الاستاد قدس‌سره في الهامش : «وجه التأمل على ما نقل عنه رحمه‌الله في الدرس : أنّه يمكن المناقشة في غير المثال الأوّل بأنّ الموجب للفساد النهي الواقعي ، وعدم تأثيره في الصور المذكورة في الحرمة لا ينفع في الحكم بالصحة ، مع عدم العذر عنه الجهل بالحكم أو لنسيانه» (١).

__________________

(١) المكاسب ، الطبعة الحجرية المطبوعة عام ١٢٨٦ ، ص ١٨٣.

٥٠٥

وثانيا (١) : أنّ المتيقن من الإجماع

______________________________________________________

وهو كذلك ، ضرورة أنّ دلالة النهي على الفساد غير مترتبة على تنجزه. ووجه كون النهي واقعيا هو تعلق حق المرتهن بالعين المرهونة.

(١) هذا رابع الوجوه ، وغرضه قدس‌سره منع كبرى «دلالة النهي عن المعاملة لأمر داخل فيها على الفساد».

وحاصله : أنّ النهي في معاقد الإجماعات والأخبار لا يدل على الفساد ، لقيام قرينة على ذلك ، وهي عطف «المرتهن» على «الراهن» وقد تقدم أنّ المنع عن بيع المرتهن إنّما يكون على وجه الاستقلال ، دون ما إذا كان على وجه النيابة ، فإنّه يصح وينفذ بالإجازة. فالراهن أيضا كذلك.

وتوضيحه : أنّ المقتضي لصحة بيع الراهن تأهّلا موجود ، والمانع مفقود.

أما وجود المقتضي في مقام الإثبات فهو عموم الأمر بالوفاء بالعقود ، وإطلاق حلّ البيع والتجارة عن تراض ، إذ لا قصور في شمولها لبيع الراهن المفروض كونه مالكا للمبيع.

وأمّا فقد المانع فلأنّ المانع هو النبوي المرسل من «منع الراهن والمرتهن عن التصرف في الرهن» والإجماع على هذا المضمون.

ولكن لا يصلح شي‌ء منهما للمنع عن الصحة. أمّا المرسل فلتعلّق «المنع» بتصرف كلّ من الراهن والمرتهن ، والمفروض قيام القرينة على أن المقصود بمنع المرتهن هو عدم الاستقلال ، لا الفساد رأسا ، فلو باع موقوفا على إجازة الراهن صحّ بلا إشكال. ومقتضى وحدة السياق إرادة هذا المعنى بالنسبة إلى الراهن ، فلو باع برجاء إجازة المرتهن ، وأجازه ، لم يكن مشمولا للمنع الوارد في المرسلة.

ولو شكّ في عموم «المنع» لما إذا باع متوقعا للإجازة ، تعيّن الرجوع إلى عمومات الصحة ، لكونه من موارد إجمال المقيّد ، لدورانه بين الأقلّ والأكثر ، فيقتصر في التقييد على ما إذا باع ولم يجزه المرتهن.

٥٠٦

والأخبار (١) على منع الراهن كونه (٢) على نحو منع المرتهن ، على ما يقتضيه عبارة معقد الإجماع والأخبار ، أعني قولهم : «الراهن والمرتهن ممنوعان» ، ومن المعلوم (٣) أنّ المنع في المرتهن إنّما هو على وجه لا ينافي وقوعه موقوفا ، وحاصله (٤) يرجع إلى منع العقد على الرهن والوفاء (٥) بمقتضاه على سبيل الاستقلال وعدم مراجعة صاحبه في ذلك (٦). وإثبات المنع (٧) أزيد من ذلك

______________________________________________________

وأما الإجماع على منع التصرف فكذلك ، لذهاب المجمعين إلى صحة تصرف المرتهن بإجازة الراهن ، وعدم بطلانه رأسا ، فيكون قرينة على المراد من منع الراهن. ولو شكّ لزم الأخذ بالمتيقن من الدليل اللّبي ، وهو الحكم بالفساد على تقدير عدم تعقب الإجازة.

(١) الظاهر أن المراد بالأخبار هو ما ادّعاه شيخ الطائفة قدس‌سره في الخلاف ، لا خصوص ما أرسله العلّامة في المختلف ، فإنّه خبر واحد بهذا المضمون.

(٢) يعني : لم ينهض دليل بالخصوص على منع الراهن عن التصرف ، وإنّما ورد المنع عن تصرفهما معا في دليل واحد.

(٣) غرض المصنف قدس‌سره إقامة القرينة على أنّ المنع في الراهن ليس بمعنى البطلان ، وهي : أنّ المنع في المرتهن متعلق بالاستقلال ، كما تقدم آنفا.

(٤) أي : وحاصل منع الراهن والمرتهن ـ بقرينة السياق وبضميمة تسلّم الحكم في تصرف المرتهن ـ هو منعهما عن التصرف على وجه الاستقلال ، وعدم لحوق الإجازة من الآخر.

(٥) معطوف على «العقد» أي : منع الوفاء على وجه الاستقلال.

(٦) أي : في العقد على العين المرهونة ، والوفاء به.

(٧) أي : وإثبات منع تصرّفهما في الرهن أزيد من العقد ـ على وجه الاستقلال ـ يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود.

٥٠٧

يحتاج إلى دليل ، ومع عدمه يرجع إلى العمومات (١) (*).

وأمّا ما ذكره ـ من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما (٢) نحن فيه مستندا (٣) إلى الفرق بينهما ـ فلم أتحقّق (٤) الفرق بينهما ،

______________________________________________________

(١) لحجية أصالتي العموم والإطلاق في الشك في التخصيص الزائد ، والتقييد كذلك.

(٢) متعلق ب «جريان» والمراد ب «ما نحن فيه» بيع الراهن العين المرهونة.

(٣) حال ل «منع».

(٤) جواب الشرط في قوله : «وأمّا ما ذكره». وهذا خامس وجوه الاعتراض على ما في المقابس ، وهو ناظر إلى ما أفاده قدس‌سره من منع دلالة التعليل ـ الوارد في نكاح العبد بغير إذنه ـ على نفوذ بيع الراهن بإجازة المرتهن ، حيث قال : «وأمّا

__________________

(*) الإنصاف عدم ورود هذا الإشكال على المقابس ، لأنّه لا ينكر كون بيع المرتهن موقوفا على إجازة الراهن ، وإنّما يدّعي الفرق بين بيعه وبيع الراهن في أنّ النيابة عن المالك لا تتصور في بيع الراهن ، بخلاف بيع المرتهن ، فإنّه يتصور فيه كل من الاستقلال والنيابة ، فإن وقع على الوجه الثاني صح ونفذ بإجازة الراهن ، وإن وقع على وجه الاستقلال لم يصح. فإذا فرض وقوع البيع من الراهن على وجه النيابة فيلتزم بمقتضى لازم كلامه بالصحة.

بل قد يتأمل في قرينية صحة تصرف المرتهن بالإجازة على ما يراد من منع الراهن ، وجه التأمل : أن «المنع» ظاهر في مطلق التصرف حتى الموقوف على الإجازة ، ودلالة المقيّد المنفصل على ما يراد بالمنع في المرتهن ، لا توجب ظهور «المنع» في طرف الراهن في ذلك. نعم ، لا بأس بذلك في القرينة المتصلة ، فتأمل.

فالاولى ردّ المقابس بأنّه كما يمكن بيع المرتهن لا على وجه الاستقلال ، كذا يمكن بيع الراهن كذلك ، وهو الجواب الثالث الذي ذكرناه.

٥٠٨

بل الظاهر (١) كون النهي في كلّ منهما (٢) لحقّ الغير ، فإنّ منع الله جلّ ذكره من تفويت حقّ الغير ثابت في كلّ ما كان النهي عنه لحقّ الغير ، من غير فرق بين بيع الفضولي ، ونكاح العبد ، وبيع الراهن.

وأمّا ما ذكره ـ من المساواة بين بيع الراهن وبيع الوقف وأمّ الولد ـ ففيه (٣) : أنّ الحكم فيهما تعبّد ،

______________________________________________________

التعليل المستفاد من الرواية المرويّة في النكاح ... فهو جار في من لم يكن مالكا ...».

وملخص إشكال المصنف قدس‌سره عليه هو : أنّه لم يظهر فرق بين مورد التعليل أعني النكاح ، وبين المقام والفضولي وغير ذلك مما يكون النهي لتعلق حق الغير بأحد العوضين ، إذ منشأ النهي هو تعلق حق الغير ، ومن المعلوم أنّه موجود في الكل ولا فرق بين مورد التعليل من عدم كون العبد مالكا ، وبين بيع الراهن من كونه مالكا محجورا عن التصرف ، رعاية لحق المرتهن ومصلحته.

وعليه فالحقّ صحة التمسك ـ على صحة بيع الراهن ـ بالعلة المزبورة.

(١) إذ لا خصوصية ـ بنظر العرف ـ للمورد ، بل العبرة بعموم التعليل الوارد ، كما في مثل «لا تأكل الرمان لأنه حامض».

(٢) أي : من نكاح العبد وبيع الراهن.

(٣) هذا سادس الوجوه ، وهو ناظر إلى ما أفاده صاحب المقابس قدس‌سره من مساواة بيع الراهن لبيع الوقف وأمّ الولد في دلالة النهي في الجميع على الفساد ، حيث قال : «وهو كاف في اقتضاء الفساد ، كما اقتضاه في بيع الوقف وأمّ الولد وغيرهما ، مع استوائهما في كون سبب النهي حق الغير».

وحاصل إشكال المصنف قدس‌سره عليه : عدم كون مناط المنع ـ في الجميع ـ واحدا ، وذلك لأنّ فساد البيع في الوقف وأمّ الولد تعبد محض ، ولذا لا يجدي الإذن السابق أيضا في صحتهما. فلو كان النهي عن بيعهما لمراعاة حق الغير لكان الإذن

٥٠٩

ولذا (١) لا يؤثّر الإذن السابق في صحة البيع ، فقياس الرهن عليه (٢) في غير محلّه.

وبالجملة (٣) : فالمستفاد من طريقة الأصحاب

______________________________________________________

السابق من ذي الحق كافيا في صحتهما. وهذا بخلاف بيع الراهن ، لصحته بإذن المرتهن.

(١) أي : ولأجل كون المنع تعبديا في الوقف وأمّ الولد ـ لا لرعاية الحقّ القابل للإسقاط ـ لا يؤثر ... الخ.

(٢) أي : على كل واحد من بيع الوقف وأمّ الولد.

(٣) هذا ملخّص ما أفاده في الجهة الاولى من قوله : «وإنّما الكلام في أن بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله ، أو يقع موقوفا على الإجازة» ثم قوّى الثاني واستدل عليه بوجوه ثلاثة ، وناقش في كلام صاحب المقابس بوجوه ستة تقدمت.

وهذه الخلاصة نبّه عليها صاحب المقابس في آخر عبارته المتقدمة واحتمل فيها الصحة ، حيث قال : «وما ذكرناه جار في كل مالك متوّل لأمر نفسه إذا حجر على ماله لعارض ...» فكلام المصنف هنا لا يخلو من تعريض بهذه الكبرى.

ومحصّله : أنّ النهي عن معاملة تارة يكون تعبدا محضا وإن تضمّن مصلحة الغير أحيانا ، فيبطل كبيع أمّ الولد والوقف ، فلا أثر لرضا الأمة والواقف والموقوف عليه بالبيع.

واخرى يكون رعاية لمصلحة الغير بنحو يصح إسقاط حقّه ، ففي هذا القسم لا يبطل العقد رأسا ، بل يقع موقوفا على إجازة ذي الحق. وله نظائر :

الأوّل : عقد الفضولي ببيع مال الغير أو إجارته أو هبته أو الصلح عليه ، وكذا في غير العقود المعاوضية كالنكاح الفضولي.

الثاني : عقد الراهن بناء على ما حققه المصنف من صحته التأهلية ، ودخل إجازة المرتهن في تأثير السبب.

٥١٠

ـ بل الأخبار (١) ـ أنّ المنع من المعاملة إن كان لحقّ الغير (٢) الذي يكفي إذنه السابق (٣) ، لا يقتضي (٤) الإبطال رأسا ، بل إنّما يقتضي (٥) الفساد ،

______________________________________________________

الثالث : تصرّف المفلّس في أمواله ، بعد حجر الحاكم الشرعي ، فلا يفسد ، بل أمره بيد الغرماء ، إجازة وردّا.

الرابع : تصرف المريض ـ في مرض الموت ـ في الزائد على الثلث ، فإنّه وإن كان مالكا لأمواله ، لكن نفوذ تصرفه موقوف على إجازة الوارث.

الخامس : إذا عقد الزوج على بنت أخ زوجته أو على بنت اختها ، فنفوذه موقوف على إمضاء ذات الحق وهي العمة أو الخالة.

السادس : إذا عقد ـ من له زوجة حرّة ـ على أمة ، فلا يقع فاسدا ، بل موقوفا على إجازة الحرة ، فإن نفّذته صح ، وإن ردّته بطل.

والحاصل : أنّ المنع في هذه الموارد يراد به عدم الاستقلال في تأثير العقد ، وسببيّته لترتب الأثر عليه من دون المراجعة إلى من له الحق ، والاستجازة منه.

(١) يعني : الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة ، وتقدم جملة منها في بيع الفضولي دلالة وتأييدا (١) ، وكذا ما ورد في نكاح الفضولي ، وتصرفات المريض والمفلّس ، والعقد على بنت أخ الزوجة وعلى بنت اختها ، وغير ذلك.

(٢) يعني : الحق القابل للإسقاط ، وإلّا فالنهي عن بيع أمّ الولد يكون إكراما لها ، ولكنه ليس قابلا للإسقاط ، فهو بحسب الاصطلاح حكم لا حقّ ، على ما تقدم في أوّل البيع من الفرق بينهما.

(٣) فإن كفى إذنه السابق ، فقد كفت إجازته اللاحقة.

(٤) خبر قوله : «ان المنع» والجملة خبر قوله : «فالمستفاد».

(٥) أي : يقتضي المنع الفساد ، والمراد بالفساد عدم الاستقلال في التأثير ، لا البطلان رأسا.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٨٨ و ٤٢٧ ـ ٤٦٨.

٥١١

بمعنى عدم ترتب الأثر عليه مستقلّا من دون مراجعة ذي الحقّ. ويندرج في ذلك (١) : الفضوليّ وعقد الراهن ، والمفلّس ، والمريض ، وعقد الزوج لبنت اخت زوجته أو أخيها ، وللأمة على الحرّة ، وغير ذلك (٢) ، فإنّ النهي في جميع ذلك (٣) إنّما يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عرفا ، وهو صيرورته سببا مستقلا لآثاره من دون مدخلية رضا غير المتعاقدين.

وقد يتخيّل (٤) وجه آخر لبطلان البيع هنا ،

______________________________________________________

(١) أي : يندرج في ما إذا كان المنع عن المعاملة رعاية لحقّ الغير.

(٢) كما إذا اشترى سلعة حالا ، وباعها قبل تسليم الثمن ، فهو من مصاديق الفضولي ، فإن أجاز البائع صحّ ، وإلّا بطل. وكذا لو باع المرتهن الرهن ، فإنه موقوف على إجازة الراهن.

(٣) أي : في عقد الفضولي والراهن والمفلّس ... الخ.

هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل على بطلان بيع الراهن ، والمناقشة فيه ، ويأتي تقريب الوجه الثاني.

(٤) المتخيّل صاحب المقابس قدس‌سره ، وهذا وجه ثان للقول ببطلان بيع الراهن رأسا ، أفاده في ما لو باع الراهن وافتكّ الرهن قبل إجازة المرتهن ، فهل يلزم العقد لزوال المانع ، أو يبطل ، لتعذر شرطه ، حيث قال في جملة كلامه : «ولو قلنا بأنّ من باع شيئا فضولا ، ثم انتقل إليه ، لزم العقد من حين النقل ، فيكون لازما هنا بطريق أولى. ومن هنا تبيّن وجه قوة القول بالبطلان ، لامتناع صحة صدور عقدين منه متنافيين مع كونهما لازمين ، فتجويز أحدهما دليل المنع من الآخر» (١).

ومبنى الإشكال الالتزام بكون إجازة بيع الفضولي كاشفة عن ترتب النقل على العقد ، وهو الكشف الحقيقي على ما تقدّم تفصيله في مسألة «من باع ثم ملك» ، فراجع.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٠٩.

٥١٢

بناء على ما سيجي‌ء (١) ، من أنّ ظاهرهم كون الإجازة هنا كاشفة ، حيث إنّه يلزم منه (٢) كون مال غير الرّاهن ـ وهو المشتري ـ رهنا للبائع.

وبعبارة اخرى (٣) : الرّهن والبيع متنافيان ، فلا يحكم بتحققهما في زمان

______________________________________________________

وكيف كان فتوضيح ما قرّره المصنف قدس‌سره من الإشكال هو : أنّ إجازة المرتهن كاشفة عن تأثير بيع الراهن ـ من حين العقد ـ كما سيأتي تحقيقه في المتن. ويترتب عليه صيرورة العين ـ قبل تحقق إجازة المرتهن مع كونها ملكا للمشتري ـ رهنا للبائع ، حيث إنّ المفروض بناء على الكشف هو انتقال العين إلى المشتري بمجرد العقد. وأمّا حق الرهن فلا يسقط إلّا بإجازة المرتهن ، فيلزم كون المبيع في الزمان المتخلّل بين العقد والإجازة رهنا للبائع مع صيرورته ملكا للمشتري بنفس البيع.

مثلا لو باع الراهن الرهن يوم السبت بدون إذن المرتهن ، وأجازه يوم الأحد ، فمن جهة كون الإجازة كاشفة يلزم دخول الرهن في ملك المشتري في يوم السبت ، وسقوط حق الرهانة عن المال الخارج عن ملك الراهن. ومن جهة اخرى تتوقف صحة الإجازة على بقاء حق الرهن إلى يوم الأحد ليتمشّى إجازة المرتهن ، وهو يتوقف على كون مال المشتري رهنا عند المرتهن ، وهو ممنوع كما سيأتي في قوله : «وبعبارة اخرى».

(١) سيأتي في (ص ٥١٩) تصريح المصنف بأن «القول بالكشف هناك ـ أي في البيع الفضولي ـ يستلزمه هنا بالفحوى» وصرّح صاحب المقابس به أيضا بقوله : «لاحتمال كون الإجازة ناقلة في الفضولي ، لكونها جزء المقتضي للنقل ... بخلافها هنا ، فإنّها كاشفة قطعا» وعليه فمبنى الإشكال كأنّه مسلّم عند الكلّ.

(٢) أي : من كون إجازة المرتهن كاشفة عن تأثير البيع من زمان وقوعه.

(٣) هذه العبارة أظهر ـ من سابقتها ـ في إثبات التنافي بين الرهن والبيع ، وأنّ لازم القول بالكشف اجتماع مالكين على مال واحد في المدة المتوسطة بين بيع الراهن وإجازة المرتهن. والمنافاة ـ التي ادعاها المتخيّل ـ مبنية على اعتبار بقاء العين

٥١٣

واحد ، أعني : ما قبل الإجازة (١). وهذا (٢) نظير ما تقدّم في مسألة «من باع شيئا ثمّ ملكه» من (٣) أنّه على تقدير صحّة البيع يلزم كون الملك

______________________________________________________

المرهونة على ملك مالكها في بقاء حق الرهن ، فإذا خرجت عن ملك مالكها خرجت عن الرهنية ، ومن المعلوم امتناع الجمع حينئذ بين بقائها على الرهنية وبين صيرورتها ملكا للمشتري بنفس العقد كما هو قضية كاشفية الإجازة ، فإنّ الجمع بينهما جمع بين المتنافيين كما لا يخفى ، فلا محالة يقع البيع فاسدا (*).

(١) يعني : في الزمان المتخلل بين بيع الراهن وإجازة المرتهن.

(٢) يعني : أنّ اجتماع المالكين ـ وهما البائع بناء على اعتبار الملكية في المرهونة ، والمشتري بناء على كشف الإجازة عن مالكية المشتري للمبيع بنفس العقد ـ نظير الإشكال المتقدم في «من باع شيئا ثم ملكه» من أن المبيع يكون ملكا لشخصين : أحدهما المجيز ، لتوقف صحة الإجازة على كونه مالكا ، والآخر : المشتري الذي اشتراه من الفضولي ، على ما تقتضيه كاشفية الإجازة ، فقبل تحقق الإجازة يكون المبيع ملكا لشخصين ، كما هو الحال في كل عقد فضولي كما ذكروه في محله من بحث الفضولي.

(٣) بيان للموصول في «ما تقدم» وغرضه الإشارة إلى ما أفاده صاحب المقابس في رابع الوجوه التي وجّهها على القول بالصحة في ما لو باع الفضولي مال غيره ثم ملكه ، حيث قال : «ان العقد الأوّل إنّما صح وترتب عليه أثره بإجازة الفضولي ، وهي متوقفة على صحة العقد الثاني ، المتوقفة على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي ، فتكون صحة الأوّل مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك ، وملكا

__________________

(*) لكن الحق عدم التنافي بين البيع والرهن ، بعد وضوح عدم اعتبار مالكية الراهن للمرهونة استدامة كالابتداء ، فيمكن الحكم بصحة البيع من هذه الجهة.

نعم إن لم يكن التسليم مقدورا للبائع والمشتري فيشكل صحته من هذه الحيثية ، فتدبّر.

٥١٤

لشخصين (١) في الواقع.

ويدفعه (٢) : أنّ القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرهن في الواقع (٣) ، وإلّا (٤) لجرى

______________________________________________________

للمشتري معا في زمان واحد ، وهو محال» (١).

(١) الأوّل : المشتري من الراهن ، لصيرورته مالكا من يوم السبت بعد الإجازة الكاشفة عن صحة البيع. والثاني : الراهن ، لتوقف صحة إجازة المرتهن على مالكيته حتى يتعلق حق الرهانة بالرهن.

هذا تقريب الوجه الثاني لفساد البيع.

(٢) أي : ويدفع تخيّل بطلان البيع ، وهذا ردّ الوجه الثاني ، وحاصله : أنّ إجازة المرتهن تكشف عن زوال الرّهن آنا مّا قبل البيع ، بحيث وقع البيع على غير المرهون ، فلا يلزم محذور اجتماع المالكين ـ وهما البائع والمشتري ـ في الزمان المتخلل بين العقد وبين إجازة المرتهن ، إذ المفروض انكشاف بطلان الرهن بسبب الإجازة قبل البيع آنا مّا ، فيكون المالك بعد العقد واحدا وهو المشتري.

وأمّا احتمال انكشاف بطلان الرهن من أصله بالإجازة فلا موجب له ، بل مقتضى الاستصحاب خلافه كما لا يخفى.

(٣) بأن تكون الاجازة كاشفة عن إسقاط حقه.

(٤) يعني : وإن لم تكن الإجازة كاشفة يلزم هذا المحذور فيما إذا كان العاقد فضوليا غير الراهن ، لاجتماع المالكين أيضا ، كما لو باع الفضولي مال زيد يوم السبت وأجازه يوم الأحد ، فلازم الكشف كون المشتري هو المالك من يوم السبت ، ولازم إناطة الإجازة بالملك كون المجيز هو المالك إلى زمان الإجازة ، فيلزم محذور اجتماع المالكين في كل عقد فضولي بناء على الكشف.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٢٦٨ ـ ٢٧٠.

٥١٥

ذلك (١) في عقد الفضولي أيضا (٢) ، لأنّ (٣) فرض كون المجيز مالكا للمبيع نافذ (٤) الإجازة يوجب (٥) تملّك مالكين لملك واحد قبل الإجازة.

وأمّا ما يلزم (٦) في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» فلا يلزم في مسألة

______________________________________________________

(١) أي : التنافي بين البيع والرهن.

(٢) يعني : كما جرى في إجازة المرتهن بيع الراهن.

(٣) تعليل لجريان محذور اجتماع المالكين في كل عقد فضولي ، وتقدم بيانه آنفا.

(٤) خبر ثان ل «كون المجيز» أو حال عن المجيز.

(٥) خبر قوله : «لأن فرض».

(٦) غرضه قدس‌سره أنّ ملكية العين المرهونة ـ في الزمان المتوسط بين العقد والإجازة ـ للبائع والمشتري ، تكون نظير الإشكال الساري في كل عقد فضولي ، وهو اجتماع مالكين على ملك واحد.

وأمّا الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا فضوليا ثم ملكه» فلا يجري في المقام. فافترق مورد النفي والإثبات ، إذ الإشكال الجاري في المقام هو الإشكال العام الوارد في مطلق الفضولي. وهذا مورد الإثبات.

وأمّا مورد النفي فهو الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» وذلك الإشكال المختص هو ما أفاده صاحب المقابس ـ في تلك المسألة ـ ذيل الإشكال الرابع بقوله :

«فإنّ قلت : مثل هذا لازم في كل عقد فضولي ، لأنّ صحته موقوفة على الإجازة المتأخرة ، المتوقفة على بقاء ملك المالك بعده ، والمستلزمة لملك المشتري كذلك ، فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك والمشتري معا في آن واحد ، فيلزم إمّا بطلان عقد الفضولي مطلقا ، أو بطلان القول بالكشف ، فلا اختصاص للإيراد بما نحن فيه.

قلنا : يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا ، وهو الحاصل من استصحاب

٥١٦

إجازة المرتهن. نعم (١)

______________________________________________________

تملكه السابق ، لأنّها في الحقيقة رفع لليد وإسقاط للحق ، ولا يكفي المالك الصوري في صحة العقد الثاني ، فتدبر» (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

فملخص الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» هو اجتماع المالكين حقيقة على ملك واحد في آن واحد ، لاعتبار الملكية حقيقة في البيع ، بخلاف الملكية في الإجازة ، فإنّ الصوري منها كاف في نفوذ الإجازة. فاجتماع المالكين في سائر العقود الفضولية ليس حقيقيا ، وفي مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» يكون حقيقيا. هذا في صورة إجازة البائع الذي باع فضوليا ثم ملك وأجاز.

وأمّا إذا لم يجز ذلك ، فالمانع عن صحته هو أنّ نفس انتقال المبيع إلى الفضولي ليس إمضاء لمضمون العقد الذي أوقعه فضولا حتى يقال : بترتب الأثر على عقد الفضولي من حين وقوعه ، بل على القول بصحته لا بدّ من الالتزام بترتب أثره من زمان انتقال المبيع إلى العاقد الفضولي ، ومع عدم طيب نفسه كيف يحكم بصحة العقد ولو من حين انتقال المبيع إليه؟ فمقتضى القاعدة البطلان.

وهذا الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا ، ثم ملك ولم يجز» لا يجري في المقام ، إذ المفروض تحقق الإجازة من المرتهن ، وهي تكشف عن أمرين :

أحدهما : انتقال المبيع إلى المشتري حين بيع الراهن.

وثانيهما : انتهاء زمان الرهن ، وخروج العين عن كونها وثيقة.

نعم ، يجري فيما إذا سقط حق المرتهن بالافتكاك ، إذ لا إجازة حينئذ ، مثل من «باع شيئا ثم ملك ولم يجز» وسيأتي ذلك.

(١) استدراك على قوله : «فلا يلزم» يعني : أن محذور مسألة «من باع شيئا ثم ملكه فأجاز» يجري في ما لو باع الراهن ولم تلحقه إجازة المرتهن ، ولكن افتك

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٦ وتقدّم كلامه في ج ٥ ، ص ٢٦٨ ـ ٢٧٢.

٥١٧

يلزم (١) في مسألة افتكاك الرهن ، وسيجي‌ء (٢) التنبيه عليه إن شاء الله تعالى.

ثم إنّ الكلام (٣) في كون الإجازة من المرتهن كاشفة أو ناقلة هو الكلام في

______________________________________________________

الرهن ، فإنّ حق الرهانة وإن كان يسقط بإجازة المرتهن وبإسقاط حقّه وبإبراء الدين وبافتكاك الرهن ، إلّا أن مبدء سقوط الحق ـ في الإجازة لكونها كاشفة ـ هو زمان بيع الراهن. ولكن مبدء انتهاء الرهن في الفك والإبراء هو زمان حصول أحدهما ، فيكون الفك نظير إجازة الفضولي على النقل.

وعليه فلو باع الراهن وافتك الرهن بعده لزم كون ملك المشتري رهنا في الواقع على دين البائع إلى زمان الافتكاك ، وهذا هو إشكال لزوم كون مال غير الراهن رهنا للبائع. وسيأتي بيان ذلك عند التعرض لشرح كلام المصنف إن شاء الله تعالى.

(١) يعني : بناء على عدم كون الفكّ بعد البيع بمنزلة الإجازة.

(٢) يعني : في (ص ٥٢٨) بقوله : «ويحتمل عدم لزوم العقد بالفك ...» فانتظر.

هذا ما يتعلق برد الوجه الثاني على بطلان بيع الراهن ، وبه تمّ الكلام في الجهة الاولى.

(٣) هذا شروع في الجهة الثانية ، وهي تحقيق كون إجازة المرتهن كاشفة أو ناقلة ، ومحصله : أنه تقدم في إجازة بيع الفضولي اقتضاء قاعدة امتناع تقدم المسبب على سببه للقول بالنقل ، وعدم ترتب الأثر على مجرد العقد من زمان وقوعه ، لكن استفيد الكشف من بعض الأدلة الخاصة كصحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين ، قال المصنف قدس‌سره : «نعم صحيحة أبي عبيده الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث ـ من الزوج المدرك الذي أجاز فمات ـ للزوجة غير المدركة حتى تدرك وتحلف ، ظاهرة في قول الكشف» (١) أي الكشف الحقيقي بمناط الشرط المتأخر ، في قبال الحكمي والتعقبي.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٦٩ ـ ٧١.

٥١٨

مسألة الفضولي (١) ، ومحصّله (٢) : أن مقتضى القاعدة النقل ، إلّا أنّ الظاهر من بعض الأخبار (٣) هو الكشف. والقول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوى ، لأنّ (٤) إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي ، وهي هنا من قبيل رفع المانع (*).

______________________________________________________

وبناء على هذا فالالتزام بكون إجازة المرتهن كاشفة عن دخول العين المرهونة في ملك المشتري من زمان تحقق بيع الراهن ، أولى ، ضرورة أنّ إجازة المالك ـ في البيع الفضولي ـ تكون بمنزلة الإيجاب الذي هو جزء المقتضي أعني به العقد. وإجازة المرتهن تكون في رتبة عدم المانع ، لأنّ حق الرهانة من موانع تأثير تصرف المالك ، فإجازة المرتهن رفع للمانع. فإذا جاز تقدم المسبب على المقتضي جاز تقدمه على عدم المانع بالأولوية القطعية ، لتأخر رتبة عدم المانع عن رتبة المقتضي والشرط.

(١) فمن قال في البيع الفضولي بالنقل قال به هنا ، ومن قال ثمة بالكشف فكذا هنا ، لوحدة المناط.

(٢) أي : ومحصّل الكلام : أن مقتضى تقدم أجزاء السبب على المسبب هو النقل.

(٣) كصحيحة محمد بن قيس الواردة في بيع الوليدة بغير إذن السيد (١) ، وصحيحة أبي عبيدة المشار إليها آنفا (٢) ، وغيرهما ، فراجع.

(٤) هذا تقريب الفحوى ، وحاصله : أنّ رتبة عدم المانع متأخرة عن رتبة المقتضي.

__________________

(*) وفيه : أنّ العقد ليس علة حقيقية لترتب الحكم الشرعي ، بل يكون موضوعا للحكم ، وليس من باب التأثير والتأثر أصلا.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٤٩.

(٢) المصدر ، ج ٥ ، ص ٦٩.

٥١٩

ومن أجل ذلك (١) جوّزوا (٢) عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة المرتهن (٣) ، مع أنّ الإيقاعات عندهم لا تقع مراعاة (٤).

______________________________________________________

(١) أي : ومن أجل كون إجازة المرتهن من قبيل رفع المانع عن تأثير بيع الراهن ـ ولا دخل لها في المقتضي ـ جوّزوا للرّاهن عتق مملوكه المرهون إذا تعقبه إجازة المرتهن. مع أن العتق إيقاع ، وادعي الإجماع على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات. فلو كانت إجازة المرتهن ناقلة لزم وقوع العتق مراعى بمعنى تأخره وانفصاله عن صيغته.

وعليه فصحة العتق مراعى بإجازة المرتهن تشهد بأنّ مرادهم من منع الإيقاع الفضولي هو ما إذا كان القصور في المقتضي ، كما إذا لم يكن المعتق مالكا أو من يقوم مقامه.

(٢) ظاهره كون الجواز مذهب الكل أو الجلّ ، وهو كذلك ، فإنّ السيد العاملي قدس‌سره لم يحك الخلاف إلّا عن شيخ الطائفة وأتباعه كابني زهرة وحمزة وسلّار (١) ، وهو جار على مبناهم من عدم جواز الفضولي مطلقا.

نعم قد يشكل مخالفة الشهيد قدس‌سره في محكّي الدروس. وقد يوجّه ـ كما في الجواهر (٢) ـ بأن يكون مراد الجميع مع عدم تعقب الإجازة ، فتأمّل.

(٣) قال المحقق قدس‌سره : «وفي صحة العتق مع الإجازة تردد ، والوجه الجواز» (٣).

(٤) مقصوده بالمراعى هو الموقوف ، أي : لا تقع موقوفة على الإجازة ، وإلّا فاصطلاحهم في المراعى هو وقوع الشي‌ء صحيحا في نفس الأمر ، ويكون وجود الموقوف عليه كاشفا محضا عن صحته من حين وقوعه. واصطلاحهم في الموقوف هو ما بقي من علته التامة جزء لم يتحقق بعد (٤).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١١٧.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ٢٠٦.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٨٢.

(٤) جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ١٤٥ ، مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١٩٩.

٥٢٠