هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالثة : في أن إسقاط حق الرهانة أو فك الرهن بأداء الدين هل يقوم مقام الإجازة ، أم أن صحة بيع الراهن موقوفة على خصوص الإجازة؟ وسيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء الله تعالى.

__________________

البيع ولزومه من ناحية البائع ، وعدم صلاحية الرهن للمنع عن ذلك ، إذ صلاحيته له منوطة بمنافاته للبيع ، ومن الواضح عدمها ، ضرورة قيام حق المرتهن بالعين أينما كانت ، فيمكن بقاء الحق مع عدم كون الراهن مالكا لها.

ويشهد له جواز رهن ملك الغير بإذنه ، وعدم اعتبار كون المرهونة ملكا للراهن في صحة الرهن ، فحال الاستدامة كالابتداء.

نعم ، إن كان المشتري جاهلا بتعلق حق الرهن بالمبيع جاز له الفسخ. فالبيع لازم من ناحية البائع ، وجائز من طرف المشتري. كما أنّه يجوز للمرتهن استيفاء دينه من المرهونة على الوجه المقرّر أين ما وجدها. وليس للمشتري منعه عن ذلك.

هذا ما تقتضيه القواعد.

وأمّا بحسب الأدلة الخاصة ، فقد ادّعي الإجماع على عدم استقلال المالك في التصرف في العين المرهونة ببيعها.

ويمكن المناقشة فيه : بأنّه إجماع مدركي ، لقوة احتمال استناد المجمعين إلى ما ادّعي من دلالة الأخبار على ذلك. فالعبرة حينئذ بالمدرك ، لا الإجماع. فنقول :

إنّ النبوي المشهور ـ كما عن بعض ـ والمعتمد عليه ـ كما عن آخر ـ «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف» يدلّ بإطلاقه على المنع عن التصرف في المرهونة سواء أكان خارجيا أم اعتباريا. ومنع دلالته على التصرف الاعتباري ممنوع.

لكن الكلام حينئذ فيما يقتضيه هذا المنع ، وأنّه التصرف مطلقا أو خصوص الاستقلالي منه؟ مقتضى القاعدة الثاني ، لأنّ بطلان التصرف صحّة ولزوما تخصيص زائد في العمومات ، فيقتصر على القدر المتيقن ، وهو نفي الاستقلال ، ووقوف لزومه

٤٨١

فإنّ (١) الظاهر

______________________________________________________

(١) تعليل لكون الرهن سببا لخروج الملك عن الطّلقية ، وحاصله : اتّفاق الكلّ

__________________

على إمضاء المرتهن.

وإن شئت فقل : إنّه يشكّ في أصل الانتقال ، لاحتمال بطلان بيع الراهن رأسا ، أو في لزوم الانتقال مع تحقق أصل.

أو يقال : إنّه يشك في خروج فرد ، أو خروج استمرار حكمه أعني اللزوم ، فيقدم الثاني.

ويؤيّده ـ بل يدلّ عليه ـ عطف «المرتهن» على «الراهن» في النبوي المزبور ، إذ لا إشكال في كون تصرف المرتهن موقوفا على إذن الراهن.

وعليه فلا مجال للترديد في تصرف الراهن بين بطلانه رأسا ، وبين وقوفه على إجازة المرتهن ، إذ يكون المنع في هذا النبوي المعتمد عليه ـ كما عن جماعة ـ قرينة على النهي الوارد في غيره ، فلا يدلّ على الفساد ، بل على وقوفه على الإجازة.

ومن هنا يظهر ضعف ما في المقابس من الميل إلى بطلان بيع الراهن رأسا «للإجماع على المنع من التصرف ، ولما حكاه الشيخ من ورود الأخبار في ذلك.

وللنبوي المتقدم ، فإنّ إطلاق النهي يدلّ على الفساد ، كدلالته عليه في أمّ الولد ، والوقف وغيرهما مما يكون النهى فيه لجهة راجعة إلى الغير. وبهذا يمتاز المقام عن الفضولي» (١).

وذلك لما في الأوّل : من عدم الإجماع التعبدى كما عرفت ، مع وجود المخالف.

وفي الثاني : من عدم ظهور النهي في الفساد. وعلى تقديره فالنبوي قرينة على صرفه إلى نفي الاستقلال. وقياسه على الوقف ونحوه موقوف على دلالة النهي على الفساد ، وهو ممنوع كما عرفت آنفا.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٠٨.

٤٨٢

ـ بل (١) المقطوع به ـ الاتّفاق على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون.

وحكي (٢) عن الخلاف : إجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك (١) ، وقد حكي الإجماع عن غيره (٣) أيضا.

______________________________________________________

على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون ، سواء قيل بالبطلان رأسا أم بالوقوف على الإجازة.

(١) الوجه في الإتيان ب «بل» هو : أنّ نسبة عدم الاستقلال إلى كافة الفقهاء إن كان لأجل الاعتماد على الإجماع المدعى في الخلاف ، جاء احتمال عدم تحقق اتفاق الكلّ. وإن كان لأجل تضافر نقل الإجماع ، وإمكان تحصيله بملاحظة كلماتهم ، كان ذلك مقطوعا به ، فإنّها كما في الجواهر «بين صريحة في الإجماع ، وبين ظاهرة فيه ، وبين مشعرة به ، ومعه لا بأس بدعوى تحصيل الإجماع» (٢).

(٢) غرضه الاستشهاد على ما ادّعاه ـ من الاتّفاق ـ بكلام شيخ الطائفة قدس‌سره ، المتضمن لأمرين ، أحدهما : إجماع الفرقة ، وثانيهما : الأخبار الدالة على عدم استقلال المالك في بيع ماله المرهون.

ولكنه قدس‌سره لم يشر في الخلاف إليها ، كما لم يذكرها في كتابي الأخبار ، ولعلّ مراده قدس‌سره ـ كما قيل ـ الأخبار الواردة في منع التصرف في المال المتعلّق لبعض الحقوق.

(٣) أي : عن غير الخلاف. والظاهر إرادة تكرّر دعوى الإجماع على منع مطلق التصرف ، لا خصوص عدم جواز بيع المرهونة ، فالشيخ قدس‌سره في المبسوط ادّعى الإجماع على منع أنحاء التصرف ، فقال : «وأما استخدام العبد المرهون ، وركوب الدابة المرهونة ، وزراعة الأرض المرهونة ، وسكنى الدار المرهونة ، فإنّ ذلك كله غير جائز عندنا ، ويجوز عند المخالفين» (٣).

__________________

(١) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٢٥٣ ، كتاب الرهن ، ذيل المسألة : ٥٩ ، حكى مضمونه في المقابس ، كتاب البيع ، ص ١٠٥.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ١٩٥.

(٣) المبسوط ، ج ٢ ، ص ٢٠٦.

٤٨٣

وعن المختلف (١) ـ في باب تزويج الأمة المرهونة ـ أنّه أرسل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ الراهن والمرتهن ممنوعان من التّصرّف».

______________________________________________________

وفي السرائر : «لأنّا قد أجمعنا بغير خلاف على أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» (١).

وحكى السيد الفقيه العاملي قدس‌سره الإجماع على عموم المنع عن السيد أبي المكارم والعلّامة في المختلف والتذكرة ، وعن المفاتيح والرياض ، فراجع (٢).

(١) هذا إشارة إلى وجه آخر استدل به على عدم استقلال المالك في التصرف في العين المرهونة ، وحاصله : أنّ العلّامة قدس‌سره تمسّك بالنبوي المرسل ـ الظاهر في حجر الراهن والمرتهن عن التصرف في الرهن ـ على عدم جواز بعض التصرفات ، كتزويج الأمة المرهونة. فإنّه ـ بعد نقل فتوى الشيخ في الخلاف والمبسوط ـ قال : «وهو ـ أي عدم جواز التزويج ـ المعتمد ، لنا : قوله عليه‌السلام : الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن. والتزويج نوع تصرّف» ثم قال : «ولو قيل : له العقد دون التسليم والتمكين من الوطء ، كان وجها» (٣) ، فراجع.

ثم إنّ التصرف الممنوع ـ كما صرّح به في بعض العبائر ـ أعم من المزيل للملك كالبيع والهبة ، ومن المنافي لحق المرتهن ، كما إذا رهنها المالك عند شخص آخر ، ومن المعرّض للنقص ، كوطء الجارية أو تزويجها ، أو إيجار العين الموجب لقلّة الرغبة في شرائها مسلوبة المنفعة ، إن كان الدين حالا ، أو مؤجلا ولكنه يحلّ قبل انقضاء مدة الإجارة.

وأما التصرف بما يعود به النفع إلى المرتهن ـ كمداواة المريض ـ ورعي

__________________

(١) السرائر ، ج ٢ ، ص ٤٢٥.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٥ ، وج ٥ ، ص ١١٥.

(٣) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٤٢١ ، وروى النبوي في المستدرك ، ج ١٣ ، ص ٤٢٦ ، الباب ١٧ من أبواب الرهن ، الحديث : ٦ ، عن درر اللئالي لابن أبي جمهور.

٤٨٤

وإنّما الكلام (١) في أنّ بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله؟ أو يقع موقوفا على الإجازة (٢) ،

______________________________________________________

الحيوان وتأبير النخل ، وسقي الأشجار ، وتجفيف الثمار ونحوها ـ فلا يمنع الراهن منه (١).

(١) يعني : لا كلام في عدم الاستقلال ، وإنّما الكلام في أنّ أثر عدم الاستقلال هل هو البطلان رأسا أم التوقف على الإجازة؟

وهذا شروع في الجهة الاولى ، وأشار إلى إختلاف كلماتهم ، كما سيأتي التنبيه عليه.

(٢) الظاهر أنه إشارة إلى إختلاف القائلين بعدم بطلان بيع الراهن من أصله ـ وكونه موقوفا ـ في كون الموقوف عليه هو إجازة المرتهن خاصة ، أو هو افتكاك الرهن خاصة ، أو أحدهما على التخيير ، كما ذكر ذلك كلّه في المقابس ، فقال : «وذهب آخرون إلى أنها لا تبطل من الأصل ، وهؤلاء بين قائل بأنّها تقف على إجازة المرتهن ، فإن أجاز صحّت ولزمت ، وإلّا بطلت ، وقائل بأنّها تلزم من طرف الراهن من حين وقوعها ، فمتى ارتفع المانع بأن يجيز المرتهن أو ينفك الرّهن نفذت. وقائل بأنّها تلزم بالإجازة أو الانفكاك ، ولم يتعرض لغير ذلك. ومتردّد في لزومها بالانفكاك» ثمّ نقل عبائر أرباب الأقوال المزبورة ، فراجع (٢).

ولم يتعرّض في عبارته لما إذا أسقط المرتهن حقّ الرهانة ، وإنّما أضافه المصنف قدس‌سره استقصاء للاحتمالات ، من جهة كونه من الحقوق القابلة للإسقاط. وربّما يستفاد من بعض توقف عقد الراهن على إسقاط المرتهن حقّه ، وعدم العبرة بإجازته ، لعدم كونه مالكا ، كما نقله صاحب الجواهر قدس‌سره وناقش فيه ، فراجع (٣).

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٢٥ ؛ مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١١٦ و ١٩٧.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٠٦.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ٢٠٠.

٤٨٥

أو سقوط (١) حقه بإسقاطه أو بالفكّ.

فظاهر عبائر جماعة من القدماء (٢) وغيرهم (٣) الأوّل ، إلّا أنّ صريح الشيخ في النهاية (٤) وابن حمزة في الوسيلة (٥)

______________________________________________________

(١) فالسقوط عدل للإجازة ، ويتحقق تارة بإسقاط المرتهن حقه ، واخرى بفكّ الرهن.

(٢) كالشيخ المفيد ، وشيخ الطائفة في الخلاف والمبسوط ، وسلّار ، والقاضي في المهذّب ، وابن إدريس قدس‌سرهم ، وقد نقل صاحب المقابس عبائرهم ، فراجع (١).

ففي المقنعة : «فإذا رهن الإنسان شيئا وقبضه المرتهن منه ، لم يكن للراهن والمرتهن أن يتصرّفا فيه ... ثم قال : فإن باع الراهن العقار كان بيعه مفسوخا ، وإن أستأنف إجارته كانت باطلة» (٢).

(٣) يعني : جماعة من المتأخرين ، ولم أظفر بمن حكم بفساد بيع الراهن بدون إذن المرتهن ، إلّا ما يظهر من الدروس ، ولم أجد نسبة القول إليهم في مفتاح الكرامة والمقابس (٣).

نعم ، حكم المحقق قدس‌سره في البيع بمنع بيع الرهن بدون الإذن (٤) ، وإطلاقه ينفي صحته لو لحقه الإجازة. ولكنه صرّح في كتاب الرهن بوقوف بيع الراهن على الإجازة (٥) ، وهو أعلم بما قال.

(٤) لكون الشيخ قدس‌سره قائلا ـ في كتاب النهاية ـ بجواز العقد الفضولي ، ويتفرع عليه صحة بيع الراهن موقوفا على الإجازة.

(٥) نسب كلا القولين إلى ابن حمزة ، فقال السيد العاملي قدس‌سره : «وممّا وافق

__________________

(١) مقابس الأنوار ، ص ١٠٥ و ١٠٦.

(٢) المقنعة ، ص ٦٢٢.

(٣) لاحظ : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٤ وج ٥ ، ص ١١٦.

(٤) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧.

(٥) المصدر ، ص ٨٢.

٤٨٦

وجمهور المتأخرين (١) ـ عدا شاذّ منهم (٢) ـ

______________________________________________________

النهاية ـ في توقفه على إذن المرتهن وإجازته ـ الوسيلة وغيرها ممّا تأخر عنها ، وهو كثير» (١).

وعدّ صاحب المقابس ابن حمزة من أصحاب القول الأوّل مستظهرا ذلك من قوله : «فإن أذن المرتهن له في التصرف صح» (٢).

وعلى كلّ فدعوى المصنف قدس‌سره صراحة عبارة الوسيلة في وقوع البيع موقوفا على الإجازة ، متوقفة على ظهور «الإذن» في الرضا أعمّ من أن يكون سابقا على البيع أو لا حقا له ، وإلّا فمع مقابلة الإذن والإجازة واختصاص الأوّل بالسابق يشكل دعوى الظهور فضلا عن الصراحة.

(١) ففي مفتاح الكرامة : «إذا تصرف الراهن بما يمنع منه ، فإن كان بعقد أو بعتق كان موقوفا على إجازة المرتهن ، كما في النهاية وجامع الشرائع والشرائع والنافع والتذكرة والتحرير والإرشاد ، وشرحه لولده ، واللمعة ، والمقتصر ، وغاية المرام ، والميسية ، وإيضاح النافع ، والمسالك ، والروضة ، والكفاية ، والرياض» (٣).

(٢) لعلّ مراده بالشاذ هو الشهيد قدس‌سره على ما حكاه صاحب المقابس (٤) عن الدروس ، فإنّه جوّز بيع المرتهن إن كان بإذن الراهن أو بإجازته ، واقتصر في بيع الراهن على إذن المرتهن. وظاهره عدم كفاية لحوق الإجازة في الصحة ، فيكون الشهيد قدس‌سره موافقا للقدماء القائلين بالبطلان.

قال في الدروس ـ بعد حكمه بمنع الراهن عن إجارة العين المرهونة ، وعتق المملوك ـ : «ولو أذن المرتهن في ذلك كله جاز. وكذا لا يتصرّف فيه المرتهن إلّا

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٤.

(٢) مقابس الأنوار ، ص ١٠٦ ؛ الوسيلة ، ص ٢٦٦.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ١١٦.

(٤) مقابس الأنوار ، ص ١٠٦.

٤٨٧

هو كونه (١) موقوفا.

وهو الأقوى (٢) ، للعمومات (*) السليمة عن المخصّص ،

______________________________________________________

بإذن الراهن ، أو إجازته ، إلّا العتق ، فإنّه باطل إن لم يأذن» (١).

ويؤيّده أن السيد العاملي قدس‌سره لم يعدّ ـ في عبارته المتقدمة ـ الدروس من القائلين بالوقوف على الإجازة.

(١) أي : كون بيع الراهن ـ بدون إذن المرتهن ـ موقوفا على إجازته.

(٢) اختار المصنف قدس‌سره القول الثاني ، وهو صحة بيع الراهن تأهّلا ، وتوقف نفوذه على إجازة المرتهن ، واستدل عليه بوجوه ثلاثة :

الأوّل : عموم وجوب الوفاء بالعقود ، وإطلاق حلّ البيع ، والتجارة عن تراض. والمانع من شمولها لبيع الراهن هو تعلق حق المرتهن بالمبيع ، ويسقط بإجازته المتعقبة ، فيلزم البيع.

فإن قلت : التمسك بعمومات إمضاء العقود والبيع موقوف على انتفاء المخصّص ، والمفروض دلالة الإجماع والأخبار على منع الراهن والمرتهن عن التصرف ، ومع قيام المخصّص لا مجال للتمسك بالعموم ، بل يتعين الحكم ببطلان بيع

__________________

(*) الأولى التمسك بغير العمومات من الوجوه الآخر ، إذ مقتضى العمومات كون العقد سببا تامّا لترتب الأثر عليه.

ولعلّ مراده أن العمومات كما يرجع إليها في أصل التخصيص ، كذلك يرجع إليها في التخصيص الزائد. وفي المقام لمّا علم أصل التخصيص ، ولكن تردد الخاص بين كونه نفس الفرد بأن لا يتحقق النقل أصلا في بيع الراهن ، وبين كونه الاستقلال والوقوف على الإجازة ، فالثاني لقلة التخصيص متعين.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٣٩٨.

٤٨٨

لأنّ (١) معقد الإجماع والأخبار (٢) الظاهرة في المنع عن التصرف هو الاستقلال ، كما يشهد به (٣) عطف «المرتهن» على «الرّاهن» مع (٤) ما ثبت في محلّه من وقوع تصرّف المرتهن موقوفا ، لا باطلا. وعلى تسليم (٥) الظهور في بطلان

______________________________________________________

الراهن رأسا كما ذهب إليه جمع.

قلت : لا يصلح الإجماع والنص لتخصيص العمومات ، وذلك لوجهين :

أحدهما : أنّ المراد بمنع الراهن عن التصرف هو الاستقلال ، وعدم الاستجازة من المرتهن. والشاهد على إرادة عدم الاستقلال عطف «المرتهن» على «الراهن» مع تسالمهم على صحة تصرفه في الرهن تأهّلا ، وتوقف نفوذه على إجازة الراهن.

ومن المعلوم أن مفاد «المنع» في المعطوف والمعطوف عليه واحد ، وهو نفي الاستقلال ، لا الفساد.

ثانيهما : أنه لو سلّم ظهور الإجماع في بطلان التصرف رأسا ، لم يصلح لتخصيص العمومات ، من جهة القطع بعدم تحقق الاتفاق على البطلان ، لكثرة القائلين بالصحة وبالوقوف على الإجازة.

وكذا الحال في الأخبار ، فإن ظهورها في البطلان موهون بإعراض جمهور المتأخرين ، والتزامهم بكون بيع المرتهن كالفضولي موقوفا على الإجازة.

هذا تقريب الوجه الأوّل ، وسيأتي الوجهان الآخران.

(١) تعليل لسلامة العمومات عن خروج فرد منها ، وإشارة إلى دفع دخل مقدّر ، تقدم بيانهما بقولنا : «فإن قلت ... قلت».

(٢) المراد بها إما الأخبار التي ادّعاها شيخ الطائفة في الخلاف ، فهي كرواية مرسلة بالنسبة إلينا ، وإمّا النبوي المرسل في المختلف.

(٣) أي : يشهد بأنّ ظاهر «المنع» هو الاستقلال : عطف المرتهن على الراهن.

(٤) يعني : مع ملاحظة ما ثبت ، فهو تفسير لكيفية الدلالة على نفي الاستقلال.

(٥) كذا في النسخ ، والأولى : «ولو فرض تسليم ...».

٤٨٩

التصرف رأسا ، فهي موهونة بمصير جمهور المتأخرين على خلافه (١).

هذا كلّه ، مضافا إلى ما يستفاد من صحّة نكاح العبد بالإجازة (٢) ، معلّلا ب «أنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده» (١) إذ المستفاد منه (٣) : أنّ كل عقد كان النهي عنه لحقّ الآدمي (٤) فيرتفع [يرتفع] المنع (٥) ، ويحصل التأثير بارتفاع المنع

______________________________________________________

(١) أي : خلاف بطلان التصرف رأسا.

(٢) هذا ثاني الوجوه ، ومحصله : استفادة عدم بطلان بيع الراهن رأسا من التعليل الوارد في صحيحة زرارة الواردة في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه ، حيث علّل الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام صحة النكاح بالإجازة ب «أنه لم يعص الله ، إنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز» فإنّه يتضمن كبريين : وهما : أنّ سبب اختلال العقد إن كان أمرا محرّما بالأصالة ، فهو يمنع عن الصحة ، إذ لا يتصور الرضا منه سبحانه وتعالى بمعصيته.

وإن كان عصيان المخلوق بعدم رعاية حقّه لم يوجب الفساد ، لإمكان زوال كراهته وحصول الرّضا. هذا مفاد التعليل.

ولا ريب في اقتضاء عموم العلة صحة بيع الراهن ، لأنّه لم يرتكب محرّما شرعيا ، وإنّما أهمل حق الرهانة ، ولم يستأذن من المرتهن ، فإن أجاز نفد بيع الراهن.

(٣) أي : من التعليل ، ومقصوده من الاستفادة الاستظهار. وهو ربما ينافي عدّ هذا التعليل مؤيّدا لصحة البيع الفضولي ، لا دليلا عليه ، فراجع (٢).

(٤) فإنّ حقّ السيد أن يتولّى نكاح عبده ، فمبادرته وعدم الاستيذان من المولى معصية له ، ولكنها تزول بلحوق الرضا والإجازة.

(٥) أي : المنع عن هذا العقد ، وهو نكاح العبد بغير إذن مولاه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث : ١ و ٢.

(٢) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٢٣ ـ ٣٣١ وص ٤٦٥.

٤٩٠

وحصول الرّضا ، وليس ذلك (١) كمعصية الله أصالة في إيقاع العقد ، التي لا يمكن أن يلحقها رضا الله تعالى.

هذا كلّه ، مضافا إلى فحوى أدلة صحة الفضولي (٢).

لكن الظاهر من التذكرة (١) : أنّ كلّ من أبطل عقد الفضولي أبطل العقد هنا (٣).

______________________________________________________

(١) أي : وليس معصية السيد نظيرا لعصيان الخالق بإيقاع العقد المنهي عنه ـ كبيع الخمر ـ حتى يمتنع نفوذه بالرضا المتأخر.

(٢) هذا ثالث الوجوه ، وتقريب الفحوى : أن المبيع في الفضولي ليس ملكا للبائع ، فصحته تستلزم صحة البيع الأولوية فيما كان المبيع ملكا للبائع ، غاية الأمر أنّه ليس طلقا له ، لتعلق حقّ المرتهن به ، ومن المعلوم أن إضافة الحقّ أضعف من الملك.

ويمكن تقريب الفحوى بأن يقال : ان الإجازة في البيع الفضولي تفيد أمرين ،

أحدهما : استناد العقد إلى المالك ، ليتحقق موضوع وجوب الوفاء بالعقد ، لوضوح اختصاص الخطاب به بالمالك.

ثانيهما : الرضا المعتبر في العقد.

ولمّا كان العقد صادرا من الراهن المالك ، كانت الإجازة دالة على الرضا خاصة ، ومن المعلوم اقتضاء ما دلّ على صحة البيع الفضولي صحة بيع الراهن بالأولوية (*).

(٣) غرضه المناقشة في الفحوى بما أفاده العلّامة قدس‌سره من إنكار الأولوية ، لأنّه

__________________

(*) لكن يمكن منع الأولوية بدعوى احتمال كون حق الرهن كحق الاستيلاد مانعا عن أصل الانتقال ، دون عدم الملكية ، فإنّه لا يمنع عن الانتقال في بيع الفضولي ، فلا أولوية في البين.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٤٢.

٤٩١

وفيه (١) نظر ، لأنّ من استند في البطلان في الفضولي إلى مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا بيع إلّا في ملك» لا يلزمه (٢) البطلان هنا ، بل الأظهر ما سيجي‌ء (٣) عن إيضاح النافع : من أنّ الظاهر وقوف هذا العقد وإن قلنا ببطلان الفضولي.

______________________________________________________

ادّعى أن كل من قال ببطلان عقد الفضولي قال ببطلان العقد هنا ، وهذا ينافي الأولوية. لاقتضائها صحة عقد الراهن ولو مع القول بفساد عقد الفضولي.

(١) أي : وفي ما يظهر من التذكرة نظر ، وهذا إشكال على دعوى المساواة بين عقد الفضولي وعقد الراهن. ومحصل الإشكال : أنّ مستند بطلان بيع الفضولي هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا بيع إلّا في ملك» ومن المعلوم أنه لا يصلح لإثبات بطلان عقد الراهن ، لكونه مالكا للمبيع. ومنشأ البطلان في عقد الفضولي ـ على ما هو ظاهر الرواية ـ فقدان الملكية ، والمفروض وجودها في عقد الراهن ، فيمكن تصحيح عقده دون عقد الفضولي.

نعم ، إن كان مستند بطلان بيع الفضولي غير هذا النبوي ـ من النصوص والإجماع وحكم العقل بقبح التصرف في ملك الغير (١) ـ أمكن استظهار المساواة.

ولكن الظاهر أنّ عمدة دليل القائل ببطلان البيع الفضولي هو النبوي المذكور في المتن ، ولذا منع المصنف قدس‌سره دعوى المساواة بوجود الفارق ، وهو كون الراهن مالكا ، فلا يخاطب بالنهي عن البيع.

والمتحصل من الوجوه الثلاثة : صحة بيع الراهن اقتضاء ، وتوقفه على الإجازة.

(٢) خبر قوله : «من استند» والضمير البارز راجع إلى الموصول.

(٣) يعني : أن الفحوى التي ادعاها المصنف قدس‌سره حكيت عن الفاضل القطيفي أيضا كما في مفتاح الكرامة (٢). لكن لم أجد في المباحث القادمة نقل هذا المطلب عن

__________________

(١) لاحظ أدلة المانعين في مسألة الفضولي ، هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٧١ ـ ٥١٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٤.

٤٩٢

وقد ظهر من ذلك (١) ضعف ما قوّاه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان ، متمسّكا بظاهر الإجماعات والأخبار المحكية على المنع والنهي ، قال : «وهو موجب للبطلان وإن كان لحقّ الغير ، إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد (٢)

______________________________________________________

إيضاح النافع ، ولا بد من مزيد التتبع.

(١) أي : وقد ظهر من الوجوه المتقدمة ـ الدالة على صحة عقد الراهن ـ ضعف القول الآخر الذي اختاره صاحب المقابس قدس‌سره ، فإنّه ذكر أوّلا اقتضاء الأصل والعمومات والأولوية الصحة ، ثم قال : «ولا يخفى أنّ هذه الأدلة بأسرها مدخولة ، لما تقدم من نقل جماعة منهم الإجماع على كونه ـ أي الراهن ـ ممنوعا من التصرف ، واتفاق كلمة الأصحاب عليه ، كما سبق ، وحكاية الشيخ ورود الأخبار بذلك ، ونقل العلّامة رواية نبوية فيه. وظهر أنّه ـ أي المنع ـ المناسب للغرض الباعث على وضع عقد الرهن ، فإذن لا محيص من القول بالمنع ، وهو موجب للبطلان وإن كان لحقّ الغير ...» (١) إلى آخر ما نقله المصنف عنه.

وكلامه يقع في مقامين ، أحدهما : استدلاله على فساد بيع الراهن ، وثانيهما : ردّ الوجوه المستدلّ بها على الصحة.

(٢) هذا شروع في المقام الأوّل ، وتوضيحه : أنّ النهي المتعلق بالمعاملة لأمر داخل فيها ـ كالنهي عنها لصيرورة أحد العوضين متعلق حق غير المتعاقدين ، كتعلق حق المرتهن بالمبيع الموجب للنهي عن بيعه ـ يوجب فسادها.

نعم ، إذا تعلّق بأمر خارج عنها كالنهي عن المعاملة وقت النداء ـ إذ النهي عنها يكون لأجل الصلاة ، لا لتعلق حق شخص بأحد العوضين ـ لم يقتض فسادها.

فكأنّه قال : النهي تعلق بالمعاملة لأمر داخل فيها ، وكلّما كان كذلك يفسدها ، فبيع الراهن باطل لا موقوف ، كالنهي عن بيع الوقف وأمّ الولد ، لتعلق حق الموقوف عليه بالموقوفة ، وتعلق حق الاستيلاد بامّ الولد.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٠٨.

٤٩٣

ـ لا لأمر خارج عنه ـ وهو (١) كاف في اقتضاء الفساد ، كما اقتضاه في بيع الوقف (٢) وأمّ الولد (٣) وغيرهما (٤) ، مع استواء الجميع (٥) في كون سبب النهي حقّ الغير».

ثمّ أورد على نفسه بقوله : «فإن قلت (٦) : فعلى هذا يلزم بطلان عقد الفضولي وعقد المرتهن ، مع أنّ كثيرا من الأصحاب ساووا بين الراهن والمرتهن (٧) في المنع

______________________________________________________

(١) أي : تعلق النهي بالأمر الداخل في العقد كاف في اقتضاء الفساد.

(٢) كقوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف» المقتضي للفساد.

(٣) مثل النهي المستفاد من إنكار بيعها في رواية السكوني التي ورد فيها : «من يشتري منّي أمّ ولدي؟».

(٤) كالنهي عن بيع الخمر والخنزير وبيع الربا.

(٥) أي : أنّ سبب البطلان في الوقف وأمّ الولد تعلق حق الغير ، وهو متحقق في بيع الراهن أيضا ، فلا بد من فساد بيعه.

(٦) هذا إشكال على اقتضاء النهي عن العقد للفساد ، وحاصله : أنّه على تقدير اقتضاء النهي المتعلق بالمعاملة ـ لأمر خارج عنها ـ للفساد يلزم الحكم ببطلان عقد الفضولي وعقد المرتهن ، لكون النهي فيهما أيضا لا لأمر خارج ، بل لمراعاة حق المالك ، مع أنّهما موقوفان على إجازة المالك ، لا أنّهما باطلان. فلا بد من الحكم بالصحة في الجميع أو البطلان كذلك. ولا وجه للتفكيك بين بيع الراهن وبين بيع المرتهن والفضولي ، بالفساد في الأوّل ، والصحة ـ بإجازة المالك ـ في الأخيرين. كما لم يفكك أكثر الأصحاب بين بيع الراهن وبين بيع المرتهن ، وجعلوهما بوزان واحد في تعلق النهي بهما.

(٧) حيث عبّر بعضهم بعدم جواز التصرف ، وآخر بعدم الصحة ، وثالث بالمنع.

٤٩٤

ـ كما دلّت عليه الرواية (١) ـ فيلزم (٢) بطلان عقد الجميع أو صحته ، فالفرق تحكّم. قلنا (٣) : إن التصرف المنهي عنه إن كان انتفاعا بمال الغير فهو محرّم ، ولا تحلّله

______________________________________________________

(١) وهي المرسلة المروية في المختلف.

(٢) هذا نتيجة مساواة عقد الراهن والمرتهن في المنع.

(٣) هذا جواب الإشكال ، وتوضيحه : أنّ التصرف المتعلق به النهي تارة يكون تصرفا خارجيا ، كالانتفاع بالأكل أو الشرب أو غيرهما من الأفعال الخارجية المتعلقة بالأعيان. واخرى يكون تصرفا اعتباريا كالعقد أو الإيقاع.

أمّا الأوّل فيكون حراما ، ولا تؤثّر الإجازة في حليته.

وأمّا الثاني ، فإن وقع بنحو الاستقلال من دون إضافته إلى المالك ، فالظاهر أنّه حرام أيضا ، ولا يجدي في صحته الإجازة ، لأنّ الفعل لا يتغيّر عمّا وقع عليه. وإن وقع على وجه النيابة عن المالك لم يعدّ تصرّفا منهيّا عنه ، ولا يكون حراما.

فالعقد الصادر من الفضولي أو المرتهن حرام إن كان على وجه الاستقلال ، ولا يجديه الإجازة. وجائز إن كان على وجه النيابة عن المالك ، وتجديه الإجازة ، فعقد الفضولي والمرتهن يتصوّر على نحوين حرام وجائز.

وأمّا المالك فلا يتصور في عقده النيابة والاستقلال حتى يكون حراما تارة وجائزا اخرى ، بل المتصور فيه هو الاستقلال فقط ، لانحصار الملكية فيه ، فهو إمّا جائز تكليفا ونافذ وضعا كما إذا لم يكن محجورا عن التصرف في ماله بأحد موجبات الحجر. وإمّا حرام وغير نافذ إن كان محجورا فيه ، كما إذا تعلق به حق المرتهن ، فتخصّص العمومات المقتضية للصحة بالإجماعات والأخبار الناهية عن التصرف في العين المرهونة ، إذ ليس مطلق الملك مسوّغا للبيع ، بل المسوّغ هو الملك غير المحجور عن التصرف فيه ، ولذا لا يجوز بيع أمّ الولد ونحوها مما يكون متعلق حق غير المالك ، الموجب لنقص سلطنة المالك.

٤٩٥

الإجازة المتعقبة (١).

وإن كان (٢) عقدا أو إيقاعا ، فإن وقع (٣) بطريق الاستقلال ـ لا على وجه النيابة عن المالك ـ فالظاهر أنّه (٤) كذلك ، كما سبق في الفضولي ، وإلّا (٥) فلا يعدّ

______________________________________________________

فمحصل مرام المقابس هو الالتزام ببطلان بيع الراهن ، إذ لا يتصور تصرفه على وجه النيابة عن المالك حتى يكون موقوفا على الإجازة. ففرق بين عقد الراهن وعقد المرتهن ، وصحة الثاني لا تستلزم صحة الأوّل.

(١) يعني : أن التصرف الخارجي في مال الغير محرّم لكونه بغير إذنه ، ولا توجب الإجازة اللاحقة انقلاب الحرمة التكليفية إلى الحلية ، لأنّ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه. ولذا يبطل الوضوء بماء الغير مع كراهته ، وإن رضي بعده.

(٢) أي : وإن كان التصرف المنهي عنه ـ في مال الغير ـ بالعقد عليه من بيع أو تزويج أو هبة ، فله صورتان.

(٣) هذا إشارة إلى الصورة الاولى ، وموردها الغالب بيع الغاصب ، وحكم هذا التصرف الاعتباري حكم التصرف الخارجي في عدم انقلاب المنع إلى الجواز بالإجازة المتأخرة.

(٤) أي : أن هذا التصرف بالعقد والإيقاع محرّم ، وباطل كما سبق تفصيله في الموضع الثاني ـ من بيع الفضولي ـ الذي عقده صاحب المقابس لحكم بيع الغاصب ، حيث قال : «فإذا بطلت هذه الوجوه بأسرها تعيّن بطلان العقد من أصله» (١). وعقد المصنف قدس‌سره ثالثة مسائل البيع الفضولي لحكم بيع الغاصب ، فراجع (٢).

(٥) هذا إشارة إلى الصورة الثانية أي : وإن لم يقع بطريق الاستقلال ـ بل على وجه النيابة عن المالك ـ كان خارجا موضوعا عن التصرف المنهي عنه في مال

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٣.

(٢) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٣٩ ـ ٦١٤.

٤٩٦

تصرفا يتعلق به النهي. فالعقد (١) الصادر عن الفضولي قد يكون محرّما ، وقد لا يكون كذلك (٢).

وكذا (٣) الصادر عن المرتهن إن وقع (٤) بطريق الاستقلال المستند إلى البناء على ظلم الراهن وغصب حقّه ، أو إلى زعم التسلّط عليه بمجرّد الارتهان ، كان (٥) منهيّا عنه. وإن كان (٦) بقصد النيابة عن الراهن في مجرّد إجراء الصيغة (٧) ، فلا يزيد (٨) عن عقد الفضولي ، فلا يتعلّق به (٩) نهي أصلا.

______________________________________________________

الغير ، بل هو جائز ، فإن أجازه المالك نفذ ، وإن ردّه بطل.

(١) هذا إجمال صورتي التصرف في مال الغير.

(٢) أي : محرّما.

(٣) معطوف على العقد الصادر من الفضولي. وغرضه أن عقد المرتهن له صورتان ، فقد يقصد الاستقلال ووقوع البيع لنفسه ، فيكون ممنوعا للنهي عنه. وقد يقصد النيابة عن الراهن ، ليقع البيع له ، فيكون فضوليا قابلا للنفوذ بإجازة الراهن.

(٤) يعني : أن قصد الاستقلال المفسد للبيع يستند تارة إلى البناء على العدوان والغصب ، وقد يستند إلى الجهل ـ بالحكم أو الموضوع ـ فيزعم المرتهن ثبوت السلطنة له على بيع العين المرهونة بدون مراجعة الراهن. ولا فرق في البطلان بين الفرضين.

(٥) جواب الشرط في «إن وقع».

(٦) معطوف على «إن وقع» يعني : أن العقد الصادر من المرتهن إن كان بقصد النيابة كان فضوليا قابلا للصحة بلحوق إجازة الراهن به.

(٧) إذ المعهود من «الفضولي» هو إنشاء الإيجاب والقبول ، ويكون أمر الوفاء بمقتضى العقد ـ كالقبض والإقباض ـ بيد من له الولاية عليه بعد الإجازة.

(٨) جواب الشرط في «وإن كان».

(٩) أي : بالصادر عن المرتهن ، أي العقد الصادر منه.

٤٩٧

وأمّا المالك (١) ، فلمّا حجر على ماله برهنه ، وكان عقده لا يقع إلّا مستندا إلى ملكه ، لانحصار المالكية فيه ، ولا معنى لقصده النيابة (٢) ، فهو (٣) منهي عنه ، لكونه (٤) تصرفا مطلقا ، ومنافيا للحجر (٥) الثابت عليه. فيخصّص (٦) العمومات بما ذكر. ومجرّد الملك لا يقضي بالصحة (٧) ، إذ الظاهر (٨) بمقتضى التأمّل :

______________________________________________________

(١) غرض صاحب المقابس قدس‌سره إثبات بطلان بيع الراهن ، وعدم كونه قابلا للصحة ، لا من جهة كونه مندرجا في عنوان «الفضولي» ليصح بالإجازة اللاحقة ، ولا من جهة كونه بيع المالك المستقل في التصرف.

أمّا الأوّل فلان صحة الفضولي متوقفة على قصد النيابة عن المالك ، والمفروض امتناع تمشّي هذا القصد من الراهن ، لكونه مالكا ، فلا ينوي إلّا وقوعه لنفسه ، لا للمرتهن ولا لغيره.

وأمّا الثاني فلعدم استقلاله في التصرف بعد اقتضاء أدلة الرهن حجر الراهن عنه ، مع أنّه لا يكفي في البيع ملك العين ، بل لا بد من السلطنة على التصرف أيضا ، وهي مفقودة حسب الفرض. فيبطل حينئذ.

وعليه فلا سبيل لتصحيح بيع الراهن لا بعنوان كونه فضوليا ولا بعنوان كونه أصيلا. ويتعين تخصيص عموم الأمر بالوفاء وحلّ البيع بما دلّ على حجر الراهن ، هذا.

(٢) كما تقدم آنفا بقولنا : «أمّا الأول فلأن صحة الفضولي ...».

(٣) جواب الشرط في «فلمّا حجر» والضمير راجع إلى العقد.

(٤) أي : لكون عقد الراهن تصرفا غير مسبوق بإذن المرتهن.

(٥) كذا في النسخ ، وفي المقابس «ومنافاته للحجر» والمعنى واحد.

(٦) هذا نتيجة عدم ولاية الراهن على التصرف في العين المرهونة.

(٧) تقدم آنفا عدم كفاية ملك العين في البيع.

(٨) هذه الجملة منقولة بالمعنى ، والعبارة في المقابس هكذا : «إذ الظاهر بمقتضى

٤٩٨

أنّ الملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل مع ملك التصرف فيه ، ولذا (١) لم يصحّ البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك وكان ناقصا ، للمنع عن التصرف».

ثم قال : «وبالجملة (٢) : فالذي يظهر من تتبّع الأدلة [بالتتبع في الأدلة] : أنّ العقود ما لم تنته إلى المالك ، فيمكن وقوعها موقوفة على إجازته (٣). وأمّا إذا انتهت إلى إذن المالك أو إجازته ، أو صدرت منه ، وكان تصرفه (٤) على وجه الأصالة ، فلا تقع على وجهين (٥) ، بل تكون فاسدة أو صحيحة لازمة إذا كان

______________________________________________________

التأمل الصادق : أن المراد بالملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل مع التصرف فيه ، ولذلك لم يصح البيع ... الخ».

(١) أي : ولأجل أن الملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل وملك التصرف ، لم يصحّ بيع ما كان الملك ناقصا فيه ، للحجر عن التصرف لسفه أو فلس مثلا.

(٢) هذا ملخّص ما أفاده صاحب المقابس من اقتضاء القاعدة فساد بيع الراهن بدون إذن المرتهن.

(٣) يعني : إن كانت العقود على وجه النيابة ، لا على وجه الاستقلال ، وإلّا فتبطل.

وبالجملة : التصرفات الصادرة من المالك أو بإذنه إمّا صحيحه لازمة ، وإمّا باطلة غير قابلة للإجازة ، فلا تقع موقوفة.

وعليه فبيع الراهن للمرهونة باطل ، بخلاف بيع المرتهن والفضولي إذا أوقعاه على وجه النيابة ، فإنّه قابل للإجازة ، وإمّا إذا أوقعاه على وجه الاستقلال ، فيكون حراما وباطلا.

(٤) هذا الضمير وضمير «منه» راجعان إلى المالك.

(٥) وهما : وقوع القعود بنحو الاستقلال حتى تحرم وتفسد كما إذا أوقعها الفضولي لنفسه. ووقوعها بقصد النيابة عن المالك ، فتكون موقوفة على الإجازة.

٤٩٩

وضع ذلك العقد على اللزوم (١).

وأمّا التعليل (٢) المستفاد من الرواية المرويّة في النكاح ـ من قوله : لم يعص الله وإنّما عصى (٣) سيّده ... إلى آخره ـ فهو جار في من لم يكن مالكا ، كما أنّ العبد لا يملك أمر نفسه. وأمّا المالك المحجور عليه ، فهو عاص لله بتصرفه (٤).

______________________________________________________

(١) وأما إذا كان عقد المالك جائزا كما إذا وهب المرهون بإذن المرتهن ، كانت هبته جائزة لا لازمة.

(٢) هذا شروع في المقام الثاني ، وهو المناقشة في دليل القائلين بالصحة ، وحاصله : أنّ الاستدلال على الصحة بالتعليل المستفاد من رواية النكاح مخدوش ، لأنّ مورد التعليل هو غير المالك كالعبد ، فلا يجري في المالك المحجور عن التصرف العاصي لله تعالى ـ دون المرتهن ـ بتصرفه ، فلا يقال : «إنّه عاص للمرتهن» لأنّه ليس مالكا. نعم منع الله تعالى عن تفويت حقه. وكذا كل مالك محجور لعارض. فالتعدي عن مورد التعليل إلى غيره كالمالك المحجور عن التصرف في ماله قياس باطل.

هذا ما يتعلق بمنع التعليل. وأمّا فحوى صحة بيع الراهن من عقد الفضولي ، فقد منعها صاحب المقابس قدس‌سره قبل قوله : «وبالجملة» بما لفظه : «وتمنع دعوى الأولوية أيضا ، فإنّ الحجر هو الفارق بين المقامين». وأما عمومات الصحة فقد تقدم في كلامه أيضا كونها مخصّصة بما دلّ على حجر الراهن عن التصرف.

(٣) المراد بمعصية العبد لسيّده هو التخطي عن وظيفة العبودية بعدم الاستيذان ، فيكون أمر الصحة والبطلان بيد السيد ، فإن أجاز نفذ ، وإن ردّ لغا.

(٤) مع كونه ممنوعا من التصرف ، يعني : أن المرتهن إن كان مالكا للعين المرهونة ـ كالسيد المالك لرقبة العبد ـ صدق على بيع الراهن «أنه معصية للمرتهن» فيصحّ بإجازته. وإن لم يكن مالكا ـ كما هو الفرض ـ كان بيع الراهن عصيانا له تعالى ، فيقع فاسدا ، ولا تنفعه الإجازة. كما أن العبد لو تزوّج بذات عدة كان باطلا ولم يجده إجازة السيد. وبهذا ظهر أجنبية التعليل ـ الوارد في نكاح العبد ـ عن بيع الراهن.

٥٠٠