هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

من أنّ هذا القول (١) مأخوذ من القول بجواز بيعها في مطلق الدّين المستوعب.

وتوضيحه (٢) : أنّه إذا كان للميّت المديون (٣) أمّ ولد ومقدار (٤) ما يجهّز به ، فقد اجتمع (٥) هنا حقّ الميت ، وحقّ بائع أمّ الولد ، وحقّ أمّ الولد (٦). فإذا ثبت (٧)

______________________________________________________

(١) أي : القول بجواز بيعها في كفنه مأخوذ ... الخ.

(٢) أي : توضيح ما ينشأ منه النظر في كلام المقابس أنّه ... ، وملخّصه : أنّ تقدّم حق الكفن على حق الاستيلاد ليس منوطا بتقدم مطلق الدين الذي قد عرفت كونه محلّا للخلاف ، وذهاب المشهور إلى عدم الجواز ، بل تقدمه على حق الاستيلاد منوط بتقدم خصوص دين ثمن الرقبة على حق أمّ الولد ، فإنّ حقّ البائع المقتضي لجواز بيعها في ثمنها مقدّم على حق أمّ الولد. فإذا كان حق الميت ـ وهو حق الكفن ـ مقدّما على دين الثمن الذي هو مقدّم على حق الاستيلاد ، فيقدّم حق الميت على حق الاستيلاد.

وبالجملة : فيقدّم حق الميت على حق أمّ الولد عند الدوران بينهما وإن لم يكن دين ، فلا يتوقف تقدم الكفن على الاستيلاد على جواز بيعها في مطلق الدين الذي هو محل الخلاف والإشكال ، فلا وجه لما في المقابس من كون جواز بيعها في كفن مولاها مأخوذا من جواز بيعها في مطلق الدين.

(٣) أي : المديون بثمن رقبتها ، لا مطلق الدين ، لما تقدم من أن غرض المصنف ترتيب جواز بيعها في الكفن على القدر المتيقن مما يجوز بيعها فيه ، وهو ثمنها ، لا مطلق الدين.

(٤) كالدنانير المعدودة الوافية بمئونة التجهيز.

(٥) جواب الشرط في قوله : «إذا كان».

(٦) والمفروض تزاحم هذه الحقوق الثلاثة ، لعدم وفاء التركة بها.

(٧) يعني : لا ريب في تقدم هذا الحق الخاص ـ وهو حق بائعها ـ على حق الاستيلاد بالانعتاق.

٣٨١

عدم سقوط حقّ بائع أمّ الولد ، دار (١) الأمر بين إهمال حقّ الميّت بترك الكفن ، وإهمال حقّ أمّ الولد ببيعها (٢) ، فإذا حكم (٣) بجواز بيع أمّ الولد حينئذ (٤) ـ بناء على ما تقدّم في المسألة السابقة (٥) ـ كان (٦) معناه : تقديم حق الميت على حقّ أمّ الولد. ولازم ذلك (٧) تقديمه عليها مع عدم الدين ، وانحصار (٨) الحق في الميّت وأمّ الولد.

اللهم إلّا أن يقال (٩):

______________________________________________________

(١) جواب «فإذا ثبت» والمراد إهمال حقّي الميت وأمّ الولد ، وصرفها في ثمنها.

(٢) لأداء ثمنها إلى البائع.

(٣) غرضه من هذه الجملة تقديم حق الميت على حقّ البائع ، وهو مقدم على حق الأمة.

(٤) أي : حين الدوران بين حقي الميت والاستيلاد.

(٥) من قوله في (ص ٣٢٢) : «ومما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن ومئونة التجهيز ...». فالمراد بالمسألة السابقة هو المورد الأوّل من موارد القسم الأوّل.

(٦) جواب «فإذا حكم».

(٧) أي : ولازم تقديم حق الميت على حق الاستيلاد مع الدين هو تقديم حق الميت على حق أمّ الولد إن لم يكن دين ، إذ لا فرق في تقديم حق الميت بين وجود الدين وعدمه.

(٨) معطوف على «عدم» أي مع انحصار الحق في الميت والأمة.

(٩) هذا استدراك على قوله : «ولازم ذلك تقديمه عليها» وحاصله : منع استفادة تقدم حق الكفن على حق الاستيلاد مطلقا ولو مع عدم الدين.

وملخص وجه المنع : أنّ تقديم حق الكفن على حق الاستيلاد في صورة وجود الدين يكون لأجل تقديم الكفن على الدين ، إذ لو لم يقدّم على الدين يلزم

٣٨٢

لمّا ثبت بالدليل السابق (١) تقديم دين ثمن أمّ الولد على حقّها ، وثبت بعموم النصّ (٢) تقديم الكفن على الدّين ، اقتضى (٣) (*) الجمع بينهما تخصيص جواز

______________________________________________________

مخالفة النص الدال صريحا على تقديم الكفن على الدين. فالجمع بين دليلي تقديم الكفن على الدين ، وتقديم الدين مطلقا ـ أو خصوص دين الثمن ـ على حق الاستيلاد ، أوجب تقديم حقّ الكفن على حق الاستيلاد ، المتأخر عن الدين. فحق الكفن يقدّم على حق الاستيلاد في صورة وجود الدين لا مطلقا.

وعليه فلا يستفاد من تقديم حق الكفن على الدين تقديمه على حق الاستيلاد مطلقا حتى بدون الدين ـ كما هو مفروض البحث ـ ليجوز بيعها في الكفن.

فمع الدوران بين الكفن والاستيلاد يحتاج تقديم حقّ الكفن عليه إلى دليل ، وبدون الدليل يرجع إلى عموم المنع عن البيع ، على ما أسّسه المصنف قدس‌سره في بيع أمّ الولد ، أو إلى عمومات جواز البيع على ما اختاره غيره ، هذا.

(١) وهو ما دلّ على جواز بيعها في ثمنها ، كصحيحة ابن يزيد.

(٢) المراد به النص الدال على أنّ أوّل ما يبدأ من مال الميت هو الكفن ، لشموله لوجود الدين وعدمه.

(٣) جواب الشرط في «لما ثبت» وتقدم وجه اقتضاء الجمع التخصيص.

__________________

(*) لم يظهر وجه لهذا الجمع بعد كون النسبة بين دليلى بيعها في الثمن وحق الكفن عموما من وجه ، لافتراقهما في بيعها في الثمن مع عدم الحاجة إلى الكفن ، إمّا لوجوده ، وإمّا لبذل باذل له.

وفي الحاجة إلى الكفن مع عدم الدين.

واجتماعهما في بيعها في الثمن مع الحاجة إلى الكفن ، فإنّ مقتضى دليل جواز البيع في الثمن جوازه فيه ، ومقتضى دليل الكفن عدمه ، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر ، فيتساقطان ، ويرجع إلى قاعدة المنع كما اختارها المصنف ، أو إلى عمومات

٣٨٣

صرفها في ثمنها بما (١) إذا لم يحتج الميت إلى الكفن بنفسه (٢) أو لبذل باذل. أو بما (٣) إذا كان للميّت مقابل الكفن ، لأنّ مقابل الكفن غير قابل للصّرف في الدّين (٤) ، فلو لم يكن غيرها لزم من صرفها في الثمن تقديم الدّين على الكفن (٥).

أمّا (٦) إذا لم يكن هناك دين ، وتردّد الأمر بين حقّها وحقّ مولاها الميّت ،

______________________________________________________

(١) متعلق ب «تخصيص» يعني : اختصاص بيعها في ثمنها بعدم الحاجة إليها في الكفن.

(٢) يعني : أنّ عدم الاحتياج إلى صرف أمّ الولد في الكفن يكون تارة لأجل أنّ المولى أعدّ لنفسه كفنا قبل وفاته ، واخرى لأجل بذل ذلك له.

(٣) معطوف على «بما إذا» أي : اختصاص بيعها في ثمنها بما إذا كان للميّت مال بمقدار الكفن ، فيشترى به ، ولا تباع أمّ الولد في ثمنها حينئذ.

(٤) لكون أوّل ما يتعلق بالتركة هو حق الكفن ـ كما تقدم في (ص ٣٧٥) ـ ثم الدين ، ثم الاستيلاد.

(٥) مع صراحة النص في تقديم الكفن على الدين.

(٦) هذا عدل لمحذوف ، فكأنه قال : «هذا إذا كان على الميت دين. وأما إذا لم يكن ... الخ» وغرضه ـ كما تقدم آنفا ـ اختصاص تقديم حق الكفن على حقّ الاستيلاد بصورة وجود الدين ، حتى يقال : إنّ المقدّم على المقدّم على الشي‌ء مقدّم على الشي‌ء. فلو لم يكن هناك دين لم يبق مجال لقياس المساواة ، وحينئذ يتردد الأمر بين الحقّين المتزاحمين ، وتقديم حق الميّت منوط بدليل عليه ، وهو ما دلّ على كون الكفن أوّل ما يبدأ به من المال.

__________________

صحة البيع كما اختارها غيره.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ بيعها في الكفن عنوان ثانوي ، وعنوان «أمّ الولد» بالنسبة إليه عنوان أوّلي ، فيحمل على الاقتضائي ، والأول على الفعلي ، فيجوز بيعها في كفن مولاها من دون تعارض بين حق الاستيلاد وبين حق الكفن كما لا يخفى.

٣٨٤

فلا دليل (١) على تقديم حقّ مولاها ، ليخصّص به (٢) قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد ، عدا (٣) ما يدّعى من قاعدة تعلّق حقّ الكفن بمال الميت.

لكن الظاهر (٤) اختصاص تلك القاعدة بما إذا لم يتعلّق به حقّ سابق مانع من التصرف فيه ، والاستيلاد (٥) من ذلك الحق. ولو فرض تعارض الحقّين (٦)

______________________________________________________

لكن الظاهر اختصاص صرف المال في الكفن بما إذا لم يتعلق حق سابق به يمنع من التصرف فيه ، والمفروض أنّ أمّ الولد قد تشبثت بالحرية في حياة المولى ، فلها حقّ الانعتاق على ولدها ، ومن المعلوم أنّه لا إطلاق لدليل حق الكفن حتى يثبت به تقديمه على حق الاستيلاد. ولو فرض الإطلاق تعارض دليل حق الكفن ودليل حق الاستيلاد ، وبعد تساقطهما يرجع إلى استصحاب منع التصرف الناقل لها ، وسيأتي توضيحه.

(١) جواب الشرط في «أمّا إذا ...».

(٢) أي : ليخصّص ـ بما دلّ على تقديم حقّ مولاها ـ القاعدة الكلية على منع بيع أمّ الولد.

(٣) استثناء من قوله : «فلا دليل» والمدّعي صاحب المقابس قدس‌سره ، لما تقدم في عبارته من إطلاق تقديم الكفن على الدين والاستيلاد.

(٤) غرضه المناقشة في إطلاق تقديم حق الكفن على سائر الحقوق المتعلقة بالتركة من الدين والاستيلاد والوصية والإرث.

(٥) يعني : والاستيلاد حقّ سابق على الكفن ، فيمنع من بيع أمّ الولد في كفن مولاها.

(٦) أي : تعارض دليل حق الكفن المقتضي لبيع أمّ الولد فيه ، مع دليل حق الاستيلاد المانع عن البيع ، فيتساقطان.

وليس المراد به تزاحم الحقّين ، إذ لو كان كذلك تعيّن تقديم الأهم إن كان ، وإلّا فالتخيير ، فالتساقط والرجوع إلى الاستصحاب من أحكام تعارض الدليلين لا تزاحم المقتضيين.

٣٨٥

فالمرجع إلى أصالة فساد بيعها قبل الحاجة (١) إلى الكفن ، فتأمّل (٢).

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّ المراد بما قبل الحاجة هو زمان الحياة ، إذ لو كان المراد به زمان الموت فلا إشكال في انعتاقها ، وبحدوث الحاجة إلى الكفن لا تعود رقّا كما هو واضح. ولو كان قبل زمان الموت كما هو الظاهر فلا مجال للاستصحاب ، لتبدل الموضوع وهو حياة المولى بموته ، فلا يستصحب الحكم الثابت لأمّ الولد في حال حياة المولى.

(٢) لعلّه إشارة إلى ما ذكرناه من تبدل الموضوع.

أو إلى : ما ذكرناه أيضا من عدم المجال للاستصحاب مع العنوان الثانوي ، لكونه دليلا على ارتفاع فعلية الحكم بالعنوان الأوّلي.

أو إلى : أنّ المقام مورد للرجوع إلى عموم صحة البيع ، لا إلى استصحاب حكم الخاص ، كما تمسّك بالعموم فيما سيأتي في (ص ٤٣٥) عند البحث عن إسلام أمّ الولد عن مولى ذمي.

وتقريب الرجوع إلى العام كما في بيان المحقق الأصفهاني قدس‌سره هو : أنّ عموم حل البيع بمقتضى الانحلال يتكفل أحكاما متعددة لأفراد مقدّرة الوجود ، خرج منها بيع مقيّد كبيع أمّ الولد هنا ، وحيث إنّ المحلّ غير قابل إلّا لفرد واحد منه فلا جرم تكون جميع تروكه مطلوبة ، إذ لا ينعدم ما تقوم به المفسدة من الأفراد إلّا بترك الكل ، فالمطلوب بالمنع عن بيع أمّ الولد جميع تروكه. والخارج عن تحت عموم صحة البيع جميع الأفراد المفروضة في زمان حياة المولى ، وعدم الحاجة إلى الكفن ، فتروكها هي المطلوبة.

وأمّا سائر أفراد البيع المفروضة بعد الموت فهي على حالها مشمولة لعموم دليل الصحة ، ولا دليل على مطلوبية تركها ، إلّا أنّ الفرد المردد خارج ، والترك المردّد مطلوب (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٨٧ و ٢٨٨.

٣٨٦

نعم (١) يمكن أن يقال ـ نظير ما قيل (٢) في الدّين ـ :

______________________________________________________

(١) استدراك على ما أفاده من عدم الدليل على تقديم حق مولاها ، وغرضه الجمع العرفي بين دليلي حق الكفن وحق الاستيلاد ، بأولوية المقام مما سبق في مطلق الدين.

وتوضيحه : أنّه لو كان على مولاها دين غير ثمنها ، ولم يخلّف ما يفي بالدين ، انعتقت أمّ الولد بمقدار نصيب ولدها ، وتعلّق حقّ الديان بقيمتها لا بعينها ، فتتحرّر بالسراية ، وتسعى للديان في بقية قيمتها ، جمعا بين ما دلّ على عدم سقوط حقّهم عن التركة ، وما دلّ على ثبوت حقّ الاستيلاد. ولمّا كان حق الديان في قيمتها متأخّرا عن حقّ الميت في كفنه ، فبالأولوية لا بدّ من تعلق حق الميت في مئونة تجهيزه بقيمتها أيضا وإن لم يحرز تعلقه بعينها.

والوجه في الأولوية عدم احتمال خصوصية موجبة لتعلق حق الغرماء بقيمتها حتى يقتصر في وجوب السعي عليها ـ أو على ولدها ـ على مورد الدين ، ويقال بانتفاء تلك الخصوصية في حق الميّت.

وبهذا الوجه يجمع بين حقّ الميت في ماله مقدّما على سائر الحقوق ، وبين الحق السابق المانع من التصرف في عينها ، ويقال بتعلق مئونة التجهيز بذمة الولد ، في قبال نصيبه من الامّ ، أو بذمة نفسها ، فتسعى ولو بإيجار نفسها ، وأخذ الأجرة قبل العمل من جهة رعاية فوريّة التجهيز وعدم فوت الوقت.

قال في المقابس ـ بعد الفرق بين الدين والكفن ـ : «وعلى هذا فلو أمكن باستسعائها تحصيل الكفن وقت الحاجة إليه تعيّن العتق ، ولم يجز البيع. وكذلك لو قلنا بتقويمها على ولدها» (١).

(٢) كقوله ردّا على المحقق الشوشتري قدس‌سره : «بأنّ المستفاد من ظاهر الأدلة انعتاقها من نصيب ولدها حتى مع الدين المستغرق ، لكن ذلك لا ينافي اشتغال ذمة

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٩.

٣٨٧

من أنّ الولد يرث (١) نصيبه ، وينعتق عليه ، ويتعلق بذمّته (٢) مئونة التجهيز ، أو تستسعي (٣) امّه ولو بإيجار نفسها في مدّة ، وأخذ الاجرة قبل (٤) العمل ، وصرفها في التجهيز. والمسألة محلّ إشكال (٥).

ومنها (٦) : ما إذا جنت على غير مولاها

______________________________________________________

الولد قهرا بقيمة نصيبه ، أو وجوب سعيها في القيمة جمعا ...» فلاحظ (ص ٣٦٢).

(١) أي : يرث الولد نصيبه من امّه ، وينعتق ذلك النصيب.

(٢) أي : بذمة الولد ، كما احتمل تعلق حق الديان بقيمة الام في ذمة ولدها ، لكونها تالفة عليه.

(٣) معطوف على «يتعلق» وتقدّم هذا في الدين احتمالا ثالثا ، فراجع (ص ٣٦٥).

(٤) التقييد بالقبل لكونه وقت الحاجة إلى شراء الكفن قبل القيام بالعمل.

(٥) لعلّ منشأ الإشكال أن حمل «تعلق حق الميت بالتركة» على تعلقه بذمة التركة ـ التي هي أمّ الولد ـ لا يخلو من تكلّف.

وعلى هذا فما يتحصّل من كلمات المصنف قدس‌سره في هذا المورد قصور مقام الإثبات ، وعدم وفاء الدليل بجواز بيعها في كفن سيّدها.

٣ ـ لو جنت على غير مولاها

(٦) معطوف على قوله في (ص ٢٩٦) : «فمن موارد القسم الأوّل» وهذا مورد ثالث ممّا قيل باستثنائه من عموم المنع عن بيع أمّ الولد ، وهو ما إذا جنت في حياة مولاها ، فإن كان المجني عليه مولاها فسيأتي في المورد الرابع. وإن كان أجنبيا فحكمه التخيير.

والوجه في عدّ جناية أمّ الولد من موارد تخصيص عموم منع بيعها هو دعوى عموم منع بيعها ـ سواء أكان البائع سيّدها أو غيره ـ حتى يتجه الاستثناء بجواز بيعها بعد انتقالها قهرا إلى المجني عليه.

وكيف كان فالبحث في هذا المورد في مقامين ، أحدهما : في حكم جنايتها عمدا ،

٣٨٨

في حياته (١) ، أمّا بعد موته فلا إشكال في حكمها ، لأنّها بعد موت المولى تخرج عن التشبث بالحرية ، إمّا إلى الحرية الخالصة (٢) ، أو الرّقية الخالصة (٣).

وحكم جنايتها عمدا (٤) : أنّه إن كان في مورد ثبت القصاص (٥) ،

______________________________________________________

وثانيهما ، في حكمها خطأ.

(١) يعني : أنّ المقصود بعدّ مورد الجناية من القسم الأوّل ـ الذي تعلق حق الغير بها ـ هو وقوع الجناية في حياة المولى ، لكونها بسبب الاستيلاد متشبثة بالحرية ، ومولاها ممنوع شرعا عن بيعها ، فلو جنت بعد موت المولى لم تكن متشبثة بالحرية ، بل إمّا صارت حرة خالصة من نصيب ولدها ، فيكون جنايتها جناية الحرة لا المملوك حتى يسترقّ. وإمّا عادت إلى الرقية المحضة إن بيعت بعد موت سيدها في ثمن رقبتها ، فهي رق قنّ.

(٢) لانعتاقها بالتقويم على نفسها أو ولدها إن كان دين الميت غير ثمن أمّ الولد.

(٣) كما إذا كان دين المولى ثمن أمّ الولد ، فإنّها تباع لأدائه ، فتكون رقا خالصا. وحكم جناية الحرّة الخالصة والرق الخالص واضح.

(٤) يعني : في حال حياة المولى ، لأنه مورد البحث وهذا شروع في المقام الأول.

ثم إنّ الجناية إن كانت عمدا ـ في مورد ثبوت القصاص نفسا أو طرفا ـ فللمجني عليه الخيار بين القصاص نفسا أو طرفا ـ على ما تقتضيه الجناية ـ وبين استرقاقها كلّا أو بعضا على حسب الجناية ، فالمقدار الذي يسترق منها يصير ملكا طلقا للمسترق ، فيبطل حق الاستيلاد ويجوز بيعها.

وإن كانت خطأ فحكمها التخيير بين تسليم الجاني كلّا أو بعضا على حسب ما تقتضيه الجناية ، وبين فكه ـ بأقل الأمرين من أرش الجناية وقيمة الجاني على المشهور ، أو الأرش مطلقا على قول ـ للمولى ، كما سيأتي في (ص ٣٩٧).

(٥) بأن تحقّقت شروط القصاص ، وأمكن ذلك ولم تتعيّن الدية.

فمن الشروط التساوي في الدّين ، فلو كانت الجانية مسلمة ، وكان المجني عليه كافرا ، لم يقتصّ منها وتعيّن الدية.

٣٨٩

فللمجنيّ عليه القصاص ، نفسا (١) كان أو طرفا ، وله (٢) استرقاقها كلّا أو بعضا على حسب جنايتها (٣) ، فيصير المقدار المسترقّ منها ملكا طلقا (٤).

______________________________________________________

ومنها كون المجني عليه محقون الدم شرعا.

ومنها : العقل. وغيرها مما ذكر في كتاب القصاص (١).

ولو تحققت الشرائط وتعذر القصاص تعيّنت الدية ، كما إذا جنت بقطع يد ولم يكن لها يد أو رجل ليتقصّ منها.

(١) المراد من ثبوت حق القصاص للمجني عليه ـ في الجناية على النفس ـ هو ثبوته لوليّ الدم. فحق القصاص للمجني عليه إنّما هو في الجناية على الطرف والجرح.

(٢) معطوف على «فللمجني عليه» وهذا هو تخييره بين القصاص والاسترقاق.

(٣) فإن كان أرش الجناية مساويا لقيمة أمّ الولد استرقّها بتمامها ، وإن كان الأرش أقلّ من قيمتها استرقّ منها بالنسبة ، كما إذا قدّر الجرح بخمسين دينارا ، وقيمتها مائة دينار وامتنع مولاها من دفع المال ، فللمجروح استرقاق نصفها.

قال المحقق في جناية العبد عمدا : «ولو قتل العبد حرّا ، قتل به ، ولا يضمن المولى جنايته ، لكن ولي الدم بالخيار بين قتله واسترقاقه ... ولو جرح حرّا ، كان للمجروح الاقتصاص منه. فإن طلب الدية فكّه مولاه بأرش الجناية. ولو امتنع كان للمجروح استرقاقه إن أحاطت به الجناية. وإن قصر أرشها كان له أن يسترقّ منه بنسبة الجناية من قيمته» (٢).

ولو زاد أرش الجناية على قيمتها لم يضمنها المولى ، لأنّه لا يعقل مملوكه.

(٤) فيجوز للمسترقّ معاملة الملك الطّلق مع أمّ الولد بأن يبيعها أو يهبها ، وهذا الحكم هو الموجب لعدّ جناية أمّ الولد من موارد جواز بيعها.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٤ ، ص ٢١٦ ـ ٢٠٤.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٤ ، ص ٢٠٥.

٣٩٠

وربما تخيّل بعض (١) أنّه يمكن أن يقال : إنّ رقّيّتها للمجني عليه لا تزيد (٢) على رقّيّتها للمالك الأوّل ، لأنّها (٣) تنتقل إليه (٤) على حسب ما كانت عند الأوّل. ثمّ ادعى (٥) أنّه يمكن أن يدّعى ظهور أدلة المنع ـ خصوصا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة ـ في عدم بيع أمّ الولد مطلقا.

______________________________________________________

وخالف صاحب الجواهر قدس‌سره في صيرورتها ملكا طلقا بعد الاسترقاق ، كما سيأتي.

(١) وهو صاحب الجواهر ، قال فيه ما نصه : «بل لو قيل إنّه للمجني عليه استرقاقها ، أمكن أن يقال : إنّها لا تزيد على رقيتها للمالك الأوّل ، لأنّها تنتقل إليه على حسب ما كانت عند الأوّل» (١).

وحاصل مرامه قدس‌سره : أنّ ملكية المسترق لأمّ الولد لمّا كانت مترتبة على ملكية المولى المستولد لها ومتلقّاة منه ، لم ينتقل إلى المجني عليه إلّا الملكية على الوجه الثابت لمستولدها. ومن المعلوم أن تلك الملكية لم تكن طلقا ، وكذا بعد الاسترقاق ، فلا يجوز بيعها للمولى الثاني أيضا.

وعليه فلا تكون الجناية موجبة لجواز بيعها بعد الاسترقاق ، بل حال أمّ الولد بعد الاسترقاق كحالها قبله.

(٢) خبر قوله : «إنّ رقيتها» والمراد بعدم الزيادة أنّ ملكية المسترق تكون على حدّ ملكية المولى المستولد ، ولا يوجب الاسترقاق تغييرا في ملكية المسترق من حيث الطّلقية وعدم الطّلقية.

(٣) أي : لأن أمّ الولد ، وهذا تعليل لعدم حدوث تغيير في المملوك بالاسترقاق.

(٤) أي : إلى المجني عليه.

(٥) يعني : ادّعى البعض وهو صاحب الجواهر قدس‌سره حيث قال فيه : «لا يقال :

إنّ أمّ الولد لا يبيعها مولاها أبو الولد ، أمّا إذا فرض انتقالها إلى غيره لم يكن لعدم

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٩.

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

جواز بيعه لها وجه ، لعموم تسلط الناس على أموالهم مع عدم المانع بالنسبة إليه. لأنّا نقول : يمكن دعوى ظهور الأدلة خصوصا صحيح ابن يزيد المتقدم في عدم بيع أمّ الولد مطلقا» (١).

ومراده بالإطلاق عدم جواز بيعها حتى لغير المولى المستولد لها.

والمتحصّل من كلام صاحب الجواهر قدس‌سره ـ في منع بيعها عند المجنيّ عليه ـ أمران :

أحدهما : عدم المقتضي لصيرورة الأمة بالاسترقاق ملكا طلقا ، وهو الذي أفاده أوّلا بقوله : «يمكن أن يقال».

وثانيهما : وجود المانع عن الملك الطّلق ، وهو ما نقله المصنف عنه ثانيا بقوله : «يمكن أن يدّعى» ومحصّله : إطلاق الدليل المانع عن بيع أمّ الولد (*).

وناقش الماتن في كليهما كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

__________________

(*) لكنه عدل في كتاب القصاص عما أفاده هنا إلى جواز بيعها بعد الاسترقاق ، سواء أكانت الجناية عمدا أو خطأ ، مدّعيا أنّه لا وجه لاستثناء هاتين الصورتين من عموم المنع عن بيعها ، لعدم كون البائع سيّدها المنهي عن بيعها.

قال قدس‌سره : «نعم إذا استرقها المجنيّ عليه ملكها ملكا تامّا ، له بيعها ، لأنّه ليست أم ولد بالنسبة إليه. بل لا يبعد جواز شراء المولى إيّاها منه ، ولا يلحقها حكم الاستيلاد ، لأنّه ملك جديد بسبب جديد ... الخ» (٢).

والاعتبار يؤيّد جواز البيع أيضا ، فإنّ التخيير بين الإتلاف ـ الذي هو السلطنة على إعدامها ـ وبين الاسترقاق يقتضي الرقية المطلقة ، فلا مانع من بيعها ، فراجع وتأمّل.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٩.

(٢) المصدر ، ج ٤٢ ، ص ١١٨.

٣٩٢

والظاهر (١) أنّ مراده بإمكان القول المذكور مقابل امتناعه عقلا ، وإلّا (٢) فهو احتمال مخالف للإجماع والنص الدال على الاسترقاق (٣) ، الظاهر (٤) في صيرورة الجاني رقّا خالصا.

وما وجّه (*) به هذا الاحتمال

______________________________________________________

(١) هذا إشكال على الأمر الأوّل ، ومحصّله : أنّ مراد الجواهر بالإمكان إن كان الاحتمال المتطرق في مقام الثبوت ـ بمعنى عدم كون القول المزبور ممتنعا عقلا ـ فهو وإن كان صحيحا ، لكن مجرد إمكان شي‌ء ثبوتا لا يجدى ما لم يقم عليه دليل في مقام الإثبات. وإن كان هو الاحتمال المساوق لمساعدة الدليل عليه في مقام الإثبات ، فمنعه واضح ، لمخالفته للنص والإجماع المقتضيين لترتب آثار المملوك القنّ على أمّ الولد بسبب جنايتها.

(٢) أي : وإن كان مراده بالإمكان وفاء الدليل بكون ملكية أمّ الولد للمسترق على حدّ ملكيتها للمستولد ، فهو مخالف للإجماع.

(٣) مثل ما في معتبرة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : «في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول ، فإن شاءوا قتلوه ، وإن شاءوا استرقّوه» (١).

وظاهر «الاسترقاق» ترتيب أحكام الرق المطلق عليه من جواز نقله إلى الغير ببيع وشبهه. وهذا حكم جناية المملوك مطلقا سواء أكان أمّ ولد أم غيرها.

(٤) هذا الظهور ناش عن إطلاق الاسترقاق ، وليس انتقالا اختياريا حتى يقال : إنّ المجني عليه أو وليّه يتلقّى الملك من مولى الجاني ، ولا تزيد ملكيته عن ملكيته ، بل هو انتقال قهري بحكم الشارع.

__________________

(*) قد عرفت عدوله عنه في كتاب القصاص ، ولم يذكره هنا اختيارا ، بل احتمالا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٩ ، ص ٧٣ ، الباب ٤١ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث : ١.

٣٩٣

ـ من (١) أنّها تنتقل إلى المجنيّ عليه على حسب ما كانت عند الأوّل ـ فيه (٢) : أنّه ليس في النصّ إلّا الاسترقاق ، وهو جعلها رقّا له كسائر الرقيق ، لا انتقالها (٣) عن المولى الأوّل إليه حتى يقال : إنّه إنّما كان على النحو الذي كان للمولى الأوّل (٤).

والحاصل (٥) (*) : أنّ المستفاد بالضرورة من النصّ والفتوى : أنّ الاستيلاد

______________________________________________________

(١) بيان للموصول في «ما وجّه» وتقدم بيان التوجيه.

(٢) خبر قوله : «وما وجّه».

(٣) معطوف على «الاسترقاق» يعني : ليس في النصّ انتقالها اختياريا حتى يمكن القول بانتقالها إلى المجني عليه أو وليّه على النحو الذي كان للمولى الأوّل.

(٤) من عدم جواز انتقالها عنه.

(٥) غرضه أنّ الاسترقاق خارج موضوعا عن حيّز الأدلة المانعة عن بيع أمّ الولد ، لأنّها تنهى عن بيعها في شأن من شئون سيّدها إمّا لأداء دين ثمنها أو غيره ، وإمّا للصرف في كفنه. وأمّا الاسترقاق لأجل جنايتها فليس راجعا إلى شئون مولاها ، فلا بأس به.

__________________

(*) الأولى سوق العبارة هكذا : «وما ادعاه من ظهور أدلة المنع ... فيه : أن المستفاد» ووجه الأولوية أن المذكور بعد كلمة «والحاصل» إبطال للمانع الذي أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره. ولم يسبق من المصنف ردّه حتى يكون هذا حاصله ، إذ المذكور قبله ناظر إلى منع كلام الجواهر في مرحلة الاقتضاء.

لكن سبق من المصنف مثل ذلك. فقد يذكر مطلبا آخر بقوله : «والحاصل» وهو غير متحصل من سابقه ، كما مرّ في بيع الوقف (١) ، وسيأتي في خيار الغبن.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٦١٩.

٣٩٤

يحدث للأمة حقّا على مستولدها (١) يمنع (٢) من مباشرة بيعها ، ومن البيع لغرض عائد إليه ، مثل قضاء ديونه وكفنه ، على خلاف في ذلك (٣).

______________________________________________________

وحينئذ ، فإن أراد المسترقّ بيعها فلا مانع منه ، لأنّها ليست أمّ ولد له ، والمفروض أنّ حق الاستيلاد ثابت على مستولدها فقط.

نعم إن اريد بقوله عليه‌السلام : «لا تباع» عدم قابليتها للبيع مطلقا كما استظهره في الجواهر من أدلة عدم جواز بيعها ـ خصوصا صحيح ابن يزيد ـ لم يكن حقّ الاستيلاد مختصا بالمستولد ، بل لا يجوز لمسترقها أيضا بيعها. لكن هذه الاستفادة في غاية الإشكال.

وقد ظهر مما ذكرنا : أنّ مقصود المصنف قدس‌سره من قوله : «والحاصل» رفع المانع عن صيرورة أمّ الولد ملكا طلقا للمجني عليه بالاسترقاق ، بتقريب : أنّ دليل حق الاستيلاد المانع عن البيع لا يثبت هذا الحق إلّا على مستولدها ، دون من يكون أجنبيا عنها ، كمن يسترقها بالجناية. وبعد قصور دليل حق الاستيلاد عن إثبات الحق على غير المولى المستولد لا مانع من إطلاق الاسترقاق المقتضي لكون أمّ الولد ملكا طلقا للمسترق ، هذا.

(١) الأولى إضافة «فقط» إليه ، إذ المقصود اختصاص الدليل المانع عن البيع بالسيّد.

(٢) نعت ل «حقّا» فالممنوع هو البيع ، سواء أكان البائع سيّدها ، أم كان غيره ولكن عاد نفع البيع إلى السيد ، كقضاء ديونه بثمنها ، بناء على جواز بيعها في مطلق الدين كما اختاره بعض ، وكبيعها في كفن السيد بناء على جوازه. فإن جاز البيع في هذين الموردين فللدليل المخصّص لعموم المنع.

(٣) أي : في جواز البيع لغرض عائد إلى المستولد ، كقضاء ديونه ـ غير ثمن رقبتها ـ وكفنه.

هذا حكم جنايتها عمدا على غير مولاها.

٣٩٥

وإن كانت (١) الجناية خطأ ، فالمشهور أنّها (٢) كغيرها من المماليك ،

______________________________________________________

(١) معطوف على «وحكم جنايتها عمدا» والأنسب بالسياق أن يقال : «وحكم جنايتها خطأ» وهذا شروع في المقام الثاني ، وحاصله : أنه لا قصاص في جناية المملوك خطأ ، أمّ ولد كان أم غيرها. واختلفوا في حكمها على أقوال ثلاثة :

الأوّل : تخيير المولى بين أمرين :

أحدهما : دفعها إلى المجنيّ عليه أو وليّه. فإن استوعبت الجناية قيمة أمّ الولد استرقها تماما. وإن لم تستوعبها كان للمجني عليه منها مقدارا يعادل الجناية. فلو كان قيمتها مائة دينار ، فإن بلغ أرش الجناية مائة أو زاد عليها دفعت إلى المجني عليه واسترقها. وإن كان الأرش أقلّ من قيمتها ، استرقّ المجنيّ عليه منها بقدر الجناية.

ثانيهما : فكّ رقبتها ببذل الفداء إلى المجني عليه. واختلفوا في مقدار الفدية. فالمشهور ـ كما في المقابس (١) ـ أنّه أقلّ الأمرين من قيمتها وأرش الجناية ، فلو كان قيمتها مائة دينار ، فإن كان قدر الجناية ثمانين دينارا اقتصر على الأرش. وإن كان قدرها مائة وعشرين دينارا دفع قيمتها ـ وهي المائة ـ إلى المجني عليه ، ولا شي‌ء عليه ولا على أمّ الولد.

القول الثاني : كون الفداء بأرش الجناية بلغ ما بلغ ، نسب إلى جماعة كالشيخ في الخلاف ، وغيره.

القول الثالث : أنّه يلزم السيد أرش الجناية ، ولا تخيير بين الفداء ودفعها إلى المجني عليه ، كما عن المبسوط ، وسيأتي.

(٢) أي : أنّ أمّ الولد تكون كسائر المماليك في تخيير المولى بين دفعها إلى المجني عليه وبين الفداء. قال الشهيد الثاني ـ بعد حكاية التخيير بين الدفع والفداء ـ : «وليس الحكم مختصّا بامّ الولد ، بل بكلّ مملوك» (٢).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٩.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ١٠ ، ص ٥٣١.

٣٩٦

يتخيّر (١) المولى بين دفعها أو دفع (٢) ما قابل الجناية منها إلى المجنيّ عليه ، وبين (٣) أن يفديها بأقلّ الأمرين (٤) على المشهور (٥) ، أو بالأرش ، على ما عن الشيخ (٦) وغيره.

______________________________________________________

(١) هذا وجه الشبه في لفظ «كغيرها».

(٢) المراد من دفع مقابل الجناية هو استرقاقها بقدر ما جنت.

(٣) معطوف على «بين دفعها» وهذا عدل الدفع والتسليم إلى المجني عليه ، المفروض وجوبه على المولى تخييرا.

(٤) من الأرض والقيمة. فإن كان الأقلّ هو الأرش ، فلا إشكال فيه كما هو ظاهر. وإن كان هو القيمة ، فلكونه بدلا عن العين ، فيقوم مقامها ، إذ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، والمولى لا يعقل مملوكه. فلا وجه للزائد عليه.

(٥) يعني : أو يفديها بالأرش تعيينا وإن كان أكثر من القيمة ، لأنّه الواجب أوّلا بالجناية.

(٦) اعلم أنّ لشيخ الطائفة أنظارا ثلاثة في المسألة ، فحكم تارة بالتخيير بين الفداء وتسليمها إلى المجني عليه ، فإن اختار السيد الفداء كان بالأرش ، لا بأقل الأمرين منه ومن قيمتها.

واخرى بتعين الأرش في رقبتها ، وتخيير المولى بين الفداء والبيع.

وثالثة بتعين الأرش على المولى ، وعدم تخييره بين الفداء والتسليم للبيع.

وما أشار إليه المصنف قدس‌سره من التخيير بين دفعها إلى المجني عليه وبين الفداء بخصوص الأرش مذكور في جراح المبسوط في حكم جناية العبد ، قال قدس‌سره : «إذا جنى العبد تعلّق أرش الجناية برقبته ، فإن أراد السيد أن يفديه ، فبكم يفديه؟ عند قوم بأقلّ الأمرين ... وعند آخرين بالخيار بين أن يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ ، أو يسلّمه للبيع ، لأنه قد يرغب فيه راغب فيشتريه بذلك القدر أو أكثر. وهذا أظهر في رواياتنا

٣٩٧

وعن الخلاف والسرائر واستيلاد المبسوط (١):

______________________________________________________

على ما بيّنّاه» (١) ونحوه في جنايات الخلاف. وهو ظاهر المحقق قدس‌سره (٢).

(١) قال في استيلاد المبسوط : «أمّ الولد إذا جنت وجب بها أرش ، فإنّ الأرش يتعلق برقبتها بلا خلاف ، وهو بالخيار بين أن يفديها أو يبيعها عندنا. وعندهم على السيد أن يفديها ويخلّصها من الجناية» (٣). ونحوه كلام ابن إدريس قدس‌سره (٤).

وقال في الخلاف ـ بعد ما نقل أنّ جناية أمّ الولد على سيدها عند الفقهاء إلا أبا ثور ـ ما لفظه : «وعندنا أنّ جنايتها مثل جناية المملوك سواء ، على ما مضى فيه من أنّ السيد بالخيار بين أن يؤدي أرش جنايتها أو يسلّمها».

وقال في جناية العبد : «تعلّق أرش الجناية برقبته. فإن أراد السيد أن يفديه كان بالخيار بين أن يسلّمه برقبته أو يفديه بمقدار أرش جنايته» (٥) أي بالغا ما بلغ.

والظاهر أنّ غرض المصنف قدس‌سره من بيان كلام الخلاف والسرائر والمبسوط إثبات التنافي بين دعويين :

الاولى : ما في استيلاد المبسوط وكذا السرائر من نفي الخلاف عمّا نسب إلى المشهور من كون الجناية على رقبة الجانية ، وتخيير المولى بين دفعها أو دفع ما قابل الجناية منها إلى المجني عليه ، وبين الفداء بأقل الأمرين من قيمة الأمة ودية الجناية.

الثانية : ما ادّعاه من نفي الخلاف ـ في ديات المبسوط ـ عن كون جنايتها على السيد إلّا من أبي ثور القائل بأنّ جنايتها في ذمتها تتبع بها بعد العتق.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٧ ، ص ٧ ؛ والحاكي الشهيد الثاني في المسالك ، ج ١٠ ، ص ٥٣١ وحكاه صاحب المقابس عمّن نقله عن الشيخ. فلاحظ مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٩. وكذا ما يأتي.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٤ ، ص ٢٠٨.

(٣) المبسوط ، ج ٦ ، ص ١٨٧.

(٤) السرائر ، ج ٣ ، ص ٢٢.

(٥) الخلاف ، ج ٦ ، ص ٤١٩ ، كتاب الجنايات ، المسألة : ٥ ، وص ٢٧١ ، المسألة : ٨٨.

٣٩٨

أنّه (١) لا خلاف في أنّ جنايتها تتعلّق برقبتها (٢).

لكن عن ديات المبسوط : أنّ جنايتها على سيّدها بلا خلاف إلّا من أبي ثور ، فإنّه جعلها (٣) في ذمّتها تتبع بها بعد العتق (٤).

______________________________________________________

فإنّ المنافاة بين هاتين الدعويين ظاهرة ، ولذا وجّهه في المقابس بأنّ المراد بنفي الخلاف في ديات المبسوط هو نفي الخلاف بين العامة. ولعلّه بقرينة استثناء أبي ثور.

(١) الضمير للشأن ، والجملة خبر مبتدء محذوف ، وتقديره : «والمنقول عن الخلاف أنه ... الخ».

(٢) الأولى زيادة «ويتخير المالك بين ... الخ» كما ورد في عبارته المنقولة ، لئلّا يتوهم كون التعلق برقبتها قولا في مقابل التخيير.

(٣) أي : جعل أبو ثور جناية أمّ الولد في ذمّتها ، فتنعتق بموت المولى ، وتسعى في أرش الجناية.

والفرق بين تعلق الجناية برقبتها وبذمتها هو : أنّه على الأوّل تصير رقبتها مستحقة للمجني عليه أو وليّه ، فيستحق دفعها إليه ، إلّا أنّ للمولى فكّ رقبتها بماله إمّا بأقل الأمرين من الأرش وقيمتها ، وإمّا بخصوص الأرش.

وعلى الثاني لا يتعلق حق الجناية برقبتها ، فهي كما كانت قبل الجناية ملك لمولاها ومتشبثة بالحرية ، وليس للمجني عليه استرقاقها ، فتتحرّر بموت المولى ، وتكون الجناية دينا في عهدتها ، فيجب عليها أداؤها.

(٤) هذا مضمون كلام المبسوط ، وله تتمة ذكرناها في التعليقة. وعلى كلّ فهذه العبارة تغاير العبارتين المتقدمتين من جهتين :

إحداهما : تعيّن الأرش وعدم تخيير السيد بين الفداء وتسليم أمّ الولد إلى المجني عليه. خلافا لما تقدّم عن المشهور ـ بل ادعي عدم الخلاف فيه ـ من كون المولى بالخيار.

ثانيتهما : أنّ الأرش هو أقل الأمرين من قدر الجناية وقيمة أمّ الولد ، وهذا

٣٩٩

وهو (١) مخالف لما في الاستيلاد من المبسوط.

وربما يوجّه (٢) بإرادة نفي الخلاف بين العامة ، وربما نسب إليه الغفلة كما عن المختلف (٣).

والأظهر (٤) : أنّ المراد بكونها على سيّدها عود خسارة الجناية

______________________________________________________

وإن وافق المشهور ، لكنه خلاف ما تقدم منه من كون العبرة بأرش الجناية وإن زاد على قيمة أمّ الولد.

(١) أي : كون جنايتها على سيّدها مخالف لما في الاستيلاد ، كما أنّه مخالف لما في الجراح.

(٢) يعني : يوجّه ما في ديات المبسوط بأنّ المراد نفي الخلاف بين العامة ، كما يفصح عنه عبارة الخلاف. ويوجّه ما في استيلاد المبسوط : بأن المراد نفي الخلاف بين الخاصة ، فيرتفع المنافاة بين كلامي المبسوط في الاستيلاد والديات.

ثم إن الموجّه هو صاحب المقابس قدس‌سره (١).

(٣) كذا في الجواهر أيضا (٢) ، والناسب إلى المختلف هو الشهيد قدس‌سره في الدروس.

(٤) يعني : أن الأظهر في رفع التنافي ـ بين ما في ديات المبسوط وبين ما في استيلاده ـ أن يقال : إنّ المنافاة مبنية على إرادة وجوب الفدية على السيد تعيينا من «كون الجناية على السيد» كما هو ظاهر عبارة ديات المبسوط.

لكن يمكن منع ذلك ، وإرادة خسارة المولى ونقصان ماله بسبب الجناية ، لأنّه إمّا يدفع نفس الجانية أو غيرها من أمواله وهو الفداء. وعلى التقديرين يتضرّر المولى بسبب الجناية. وهذا المعنى لا ينافي ما في استيلاد المبسوط وغيره من تعلق

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٩.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٨ ؛ الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٢٤ ، ولكن لم أظفر في المختلف ـ في الطبعة الحديثة والحجرية ـ بما حكاه الشهيد عنه ، ولا بد من مزيد التتبع.

٤٠٠