هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولدها» على لزوم أداء قيمتها من مال الولد حتى يرد عليه : عدم دلالة تلك الأدلة إلّا على نفس الانعتاق من نصيب ولدها ، من دون دلالتها على ضمان الولد أو غيره للقيمة ، فتغريم الولد لقيمتها أو وجوب السعي على نفس أمّ الولد في أداء قيمتها إنّما يكون بسبب الجمع بين الأدلة.

وبالجملة : فدليل الانعتاق لا يدلّ على أزيد من نفس الانعتاق الشامل بإطلاقه لوجود الدين وعدمه ، واستيعابه للتركة وعدمه.

فانعتاق أمّ الولد وعدم تعلق حق الديان بها ـ بمثابة يجوز لهم أخذها مع امتناع الولد عن أداء ما يقابلها ، كجواز ذلك لهم في غير أمّ الولد من سائر التركة ، مع امتناع الوارث عن دفع العين والقيمة ـ يوجب الالتزام بأحد الوجوه :

الأوّل : سقوط حق الديان عمّا يقابلها من الدين ، كسقوطه عن مئونة التجهيز.

الثاني : تعلّق حقّهم بقيمتها على من تتلف في ملكه بالانعتاق ، وهو الولد.

الثالث : تعلق حقّهم بقيمتها على رقبتها ، فيجب عليها السعي في قيمتها للديان بإزاء حرّيتها.

الرابع : تعلق حقّهم بمنافعها التي هي كعينها من التركة.

أمّا الوجه الأوّل فلا سبيل إليه ، فيدور الأمر بين تغريم الولد ، وتغريمها ، وتعلق حقهم بمنافعها.

أمّا تعلقه بالمنافع من حيث كونها تركة ، ففيه : أنّ كونها من التركة منوط ببقائها على الرقية والمملوكية.

أمّا بعد خروجها عن الرقية فهي مالكة لمنافعها ، ولا مجال لاستصحاب مملوكية منافعها حين ملكية رقبتها لمولاها ، لارتفاعها قطعا ، لأنّ تلك الملكية كانت بتبع ملكية العين ، وقد زالت. فيدور الأمر بين تغريم الولد وبين تغريم نفس الامّ ، بأن تسعى وتؤدّي قيمتها إلى الدّيّان. ولا يبعد ترجيح الثاني.

٣٦١

من ظاهر الأدلة (١) انعتاقها من نصيب ولدها حتّى (٢) مع الدّين المستغرق ، فالدّين غير مانع من انعتاقها على الولد. لكن ذلك (٣) لا ينافي اشتغال ذمّة الولد قهرا بقيمة نصيبه ، أو وجوب (٤)

______________________________________________________

هذا توضيح ما أفاده المصنف قدس‌سره في دفع أوّل إشكالات المقابس.

وقد ظهر أنّ مقصوده دفع المجانية التي ادعاها المحقق الشوشتري قدس‌سره ، لا تعيين ما في المسالك من خصوص التقويم على الولد ، لعدم تعيّنه من بين الاحتمالات الأربعة المذكورة في المتن كما سيظهر.

(١) لمّا كان الإشكال الأوّل متّجها إلى الانعتاق بالبدل ، أراد المصنف قدس‌سره دفعه بأنّ أدلة انعتاق الامّ من نصيب ولدها وإن كانت ظاهرة في المجانية ، وعدم اقتضائها للانعتاق عن غرامة وبدل. إلّا أنّ لزوم البدل هنا مقتضى الجمع بين ما دلّ على كون نفس رقبة أمّ الولد موردا لأحكام كعدم البيع والإرث ، والانعتاق على الولد ، وبين ما دلّ على عدم سقوط حقّ الدّيّان ـ بعد عدم تعلق حقّهم بعين رقبتها ـ لاقتضائه إمّا اشتغال ذمة الولد بماليتها ، وإمّا اشتغال ذمتها ووجوب السعي عليها ، وإمّا استحقاق الديان لمنافعها.

(٢) لإطلاق قوله عليه‌السلام : «جعلت في نصيب ولدها» (١).

(٣) أي : انعتاقها من نصيب ولدها مطلقا ـ حتى مع استيعاب الدين ـ لا ينافي اشتغال ذمة الولد ، وهذا دفع لقول صاحب المقابس : «من غير أن يقوّم عليه أصلا» من الملازمة بين الانعتاق وبين المجانية وعدم تقويمها على الولد.

وحاصل دفعه : عدم التلازم بينهما ، فيمكن الانعتاق مع تغريم الولد ، أو وجوب السّعي على الامّ.

(٤) معطوف على «اشتغال» أي : لكن انعتاقها لا ينافي وجوب سعيها ... إلخ.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ١٠٧ ، الباب ٦ من أبواب الاستيلاد ، الحديث : ١.

٣٦٢

سعيها (١) [بيعها] في القيمة ، جمعا (٢) بين ما دلّ على الانعتاق على الولد ، الذي (٣) يكشف عنه (٤) إطلاق النهي عن بيعها ، وبين (٥) ما دلّ على أنّ الوارث لا يستقرّ له (٦) ما قابل نصيبه من الدين على وجه (٧) يسقط حق الدّيّان. غاية الأمر (٨)

______________________________________________________

(١) اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الكلمة ، والأولى ـ بل المتعين ـ ما في النسخة المصححة المعتمد عليها من «سعيها» بقرينة ما سيأتي في ثالث محتملات أداء الدين من قوله في (ص ٣٦٥) : «فتسعى فيها» أي في قيمتها ، لا بيعها في ذلك ، وكذا قوله هنا : «ما دل على الانعتاق على الولد ... إطلاق النهي عن بيعها».

(٢) مفعول لأجله ، وهو قيد لاشتغال الذمة ، أي : اشتغال ذمة الولد بقيمة نصيبه من امّه ، أو اشتغال ذمتها بالقيمة. وتقدّم توضيحه.

(٣) صفة ل «ما دلّ».

(٤) أي : يكشف عن الانعتاق مطلقا ـ وإن كان الدين محيطا بالتركة ـ إطلاق النهي عن بيعها في غير ثمنها ، كصحيحتي ابني مارد ويزيد المتقدمتين في (ص ٢٦٥ و ٢٩٩) ورواية السكوني وغيرها ممّا يستفاد منه منع بيع أمّ الولد.

(٥) معطوف على «بين» يعني : النصوص الدالة على عدم جواز التصرف في التركة ، مع فرض إحاطة الدين بها ، كقول أبي الحسن عليه‌السلام في معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج : «إن كان يستيقن أنّ الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق» (١).

(٦) أي : لا يستقر للوارث نصيبه من الإرث إن كان في مقابله دين.

(٧) متعلق ب «يستقرّ» فلو استقرّ نصيبه من الإرث ـ مع وجود الدين ـ لزم سقوط حق الدّيّان.

(٨) غرضه بيان الفارق بين أمّ الولد وبين سائر التركة ، حيث إنّ حقّ الدّيّان ينتقل من عينها إلى قيمتها ، لتعيّن انعتاقها من نصيب ولدها منها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٠٨ ، الباب ٢٩ من أبواب الوصايا ، الحديث : ٢.

٣٦٣

سقوط حقّهم عن عين هذا المال الخاصّ ، وعدم (١) كونه كسائر الأموال التي يكون للوارث الامتناع عن أداء مقابلها ، ودفع (٢) عينها إلى الدّيّان ، ويكون لهم (٣) أخذ العين إذا امتنع الوارث من أداء ما قابل العين.

والحاصل (٤) : أنّ مقتضى النهي عن بيع أمّ الولد في دين غير ثمنها بعد موت المولى (٥) عدم (٦) تسلّط الديان على أخذها ولو مع امتناع الولد عن فكّها (٧) بالقيمة ، وعدم (٨) تسلّط الولد على دفعها وفاء عن دين أبيه. ولازم ذلك (٩)

______________________________________________________

(١) معطوف على «سقوط» أي : عدم كون هذا المال الخاص محكوما بحكم سائر التركة.

(٢) معطوف على «الامتناع» أي : للوارث دفع عين الأموال ـ غير أمّ الولد ـ إلى الدّيان لاستيفاء حقّهم منها.

(٣) أي : للديان أخذ أعيان التركة ـ تقاصا ـ إن امتنع الوارث من وفاء دين المورّث ببدلها.

(٤) هذا حاصل ما أفاده من لزوم الجمع بين ما دلّ على انعتاقها وما دلّ على بقاء حق الديان ، وغرضه بيان أنحاء الجمع ثبوتا ، وما يتعيّن القول به إثباتا ، كما سيظهر.

(٥) كما ورد في صحيحة عمر بن يزيد من «أنّها تباع في دين ثمنها» دون غيره من وجوه الدّين.

(٦) خبر قوله : «إن مقتضى».

(٧) المراد بفكّها فك ماليّتها ، لما تقدم من عدم تعلق حق الديان بالعين ، فالمقصود امتناع الولد عن وفاء دين أبيه باداء قيمة نصيبه إلى الديان.

(٨) معطوف على «عدم تسلّط» فلا سلطنة للولد على تسليم امّه للديان ، كما لا سلطنة لهم على أخذها.

(٩) المشار إليه : عدم تسلط الديان على أخذها ، وعدم تسلط الولد على

٣٦٤

انعتاقها على الولد.

فيتردد (١) الأمر حينئذ (٢) : بين سقوط حقّ الدّيان عمّا قابلها من الدّين (٣) ، فتكون أمّ الولد نظير مئونة التجهيز التي لا يتعلق حقّ الديان بها.

وبين أن يتعلّق حقّ الدّيّان بقيمتها على من تتلف في ملكه وتنعتق عليه ، وهو الولد (٤).

وبين أن يتعلق حقّ الدّيّان بقيمتها على رقبتها ، فتسعى فيها (٥).

وبين أن يتعلّق حقّ الديان بمنافعها ، فلهم أن يؤجّروها مدّة طويلة يفي أجرتها بدينهم (٦) ، كما قيل (٧) : بتعلق حق الغرماء بمنافع أمّ ولد المفلّس.

______________________________________________________

دفعها إليهم.

(١) هذا متفرع على انعتاقها المترتب على عدم السلطنة على العين شرعا.

(٢) أي : حين عدم تسلط الديان على العين ، فيدور الأمر بين وجوه أربعة.

(٣) هذا أوّل الوجوه ، وحاصله : أنّه لو فرض كون قيمة أمّ الولد مائة دينار ، وهي ربع الدين ، سقط من حقّ الديان ربعه. فكما لا يتعلق حق الغرماء بمئونة التجهيز والكفن ، فكذا لا يتعلق بامّ الولد.

(٤) هذا ثاني الوجوه ، وحاصله : ضمان الولد لقيمة امّه ، لكونها تالفة عليه بانعتاقها.

(٥) هذا ثالث الوجوه ، وهو يشارك سابقه في انتقال حقّ الديان إلى قيمتها ، ويفترق عنه بكون الضمان عليها ، فتسعى في قيمتها ، كما في بعض موارد العتق بالسراية.

(٦) هذا رابع الوجوه ، وهو عدم تعلق حق الديان لا بالعين ولا بالقيمة ، وإنّما يتعلق بمنفعتها وخدمتها ، فتؤجر بما يفي بالدين.

(٧) القائل صاحب الجواهر قدس‌سره فيما لو اشترى جارية نسيئة فأولدها ثم فلس ، وكانت عليه ديون اخرى ، فجاز بيعها لو طالب البائع بثمنها ، كما جاز له أخذها ،

٣٦٥

ولا إشكال (١) في عدم جواز رفع اليد عمّا دلّ على بقاء حقّ الديّان متعلّقا بالتركة (٢) ، فيدور (٣) الأمر بين الوجهين الأخيرين ، فتنعتق على كلّ حال ،

______________________________________________________

لكونه بمنزلة بيعه ، ثم قال : «وليس للغرماء المنع وإن قلنا بتعلق حقّهم بالمنفعة لو لم تبع ، لأولوية حقه منهم ...» (١).

هذا بحسب مقام الثبوت ، وسيأتي الكلام فيما يقتضيه مقام الإثبات.

(١) هذا مقام الإثبات ، وغرضه قدس‌سره ترجيح الاستسعاء أو تمليك منفعتها على الاحتمالين الأوّلين ، وبيانه : أنّ ما دلّ على بقاء حقّ الدّيّان متعلقا بالتركة ، كما يقتضي عدم سقوط التكليف بأداء الدين ووجوب الوفاء به ، فيبطل الاحتمال الأول. فكذا يقتضي عدم تعلق حقوقهم بذمة الولد حتى يجب عليه بذل قيمة امّه إلى الغرماء. ويدور الأمر حينئذ بين الوجهين الأخيرين.

ووجه عدم جواز رفع اليد عمّا دلّ على تعلق الدين بالتركة هو : أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها ، ودليل منع بيع أمّ الولد في غير ثمنها يقتضي عدم تعلق حقّ الديان بعينها ، ولا يمنع من تعلقه بقيمتها أو منفعتها الذي هو نحو من التعلق بالتركة ، فتحمل أخباره على هذا النحو من التعلق ، جمعا بين الدليلين.

ولعل وجه عدم جواز رفع اليد عن دليل وجوب أداء دين الميّت ـ مع رفع اليد عنه في موارد مستثنيات الدين ـ هو : أنه دليل ينبغي إعماله مهما أمكن ، ومن المعلوم أنّ دليل عدم جواز بيع أمّ الولد في مطلق الدين لا يقتضي سقوط وجوب الوفاء به ، بل اللازم العمل بالدليلين جمعا بينهما ، فيؤدّى الدين لا من رقبتها.

(٢) ظهر آنفا أنّ وجوب أداء الدين مدلول عليه ببقاء حق الديان ، فلذا يبطل الاحتمالان الأوّلان معا بعدم سقوط حقهم.

(٣) هذا متفرع على سقوط الوجهين الأوّلين.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ٣٢٠.

٣٦٦

ويبقى الترجيح بين الوجهين محتاجا إلى التأمّل (١).

وممّا ذكرنا (٢) يظهر اندفاع الوجه الثاني ، فإن مقتضى المنع عن بيعها مطلقا (٣) أو (٤) في دين غير ثمنها استقرار (٥) ملك الوارث عليها.

ومنه (٦) يظهر الجواب عن الوجه الثالث ،

______________________________________________________

(١) تقدّم آنفا إمكان ترجيح تعلق حقهم بذمتها ـ واستسعائها في قيمتها ـ على تعلق حق الديان بمنافعها ، وهو مقتضى قوله في (ص ٣٧٠) : «كان ذلك في رقبتها».

هذا ما أفاده المصنف قدس‌سره في ردّ أوّل الوجوه الأربعة المذكورة في المقابس ، ويأتي الكلام في ردّ الثلاثة الاخرى.

(٢) من اقتضاء الجمع بين دليل انعتاقها على الولد وبين دليل عدم استقرار نصيب الوارث من التركة بمقدار ما قابل نصيب الولد من الدين ، يظهر اندفاع الوجه الثاني المبني على أنّ المراد بالنصيب هو المستقر الثابت لا الزائل.

وجه الاندفاع : أنّ مقتضى تعلق حق الديان بامّ الولد استقرار ملك الولد لها ، وانعتاقها عليها ، لما تقدّم من تعلق حقّهم بقيمتها لا برقبتها. فلا مزاحم لنصيب الولد من الامّ حتى يقال بخروجه عن دليل انعتاق العمودين أو خصوص أمّ الولد.

والحاصل : أنّ النهي عن بيعها ـ سواء أكان مطلقا أم في غير ثمنها ـ لا ينافي استقرار ملك الولد لها ، الموجب لانعتاقها.

(٣) كما تقدم في (ص ٢٩٢) عن السيد قدس‌سره إن لم يتأمّل في النسبة.

(٤) معطوف على «مطلقا» وجواز البيع في ثمنها ومنعه في دين آخر هو المشهور كما مرّ في (ص ٢٩٦ و ٣٤١).

(٥) خبر قوله : «فإنّ مقتضى» وضمير «عليها» راجع إلى أمّ الولد.

(٦) الضمير راجع إلى الموصول في قوله : «ومما ذكرنا» ووجه ظهور الجواب هو : أنّ مقتضى عدم تعلق حقّ الديان بعين أمّ الولد ـ بحيث يجوز لهم أخذها مع

٣٦٧

إذ (١) بعد ما ثبت عدم تعلق حق الديان بعينها ـ على (٢) أن يكون لهم أخذها عند امتناع الوارث من الأداء ـ فلا مانع عن انعتاقها. ولا جامع (٣) بينها وبين الوقف الذي هو ملك للبطن اللاحق كما هو ملك للبطن السابق.

وأمّا ما ذكره رابعا ، فهو إنّما ينافي (٤) الجزم بكون قيمتها بعد الانعتاق متعلّقا بالولد. أمّا إذا قلنا باستسعائها فلا يلزم شي‌ء.

______________________________________________________

امتناع الوارث عن أداء ما قابلها من الدّين ـ هو عدم مانع عن انعتاقها ، لاستقرار ملك الولد لها ، وعدم كونها في معرض الزوال من ناحية تعلق حق الديان بها ، حتى يرد عليه ما أورده صاحب المقابس من قوله : «إن ما ادّعاه من الانعتاق على الولد بمثل هذا الملك مما لم ينص عليه الأصحاب ... الخ».

(١) تعليلية ، وهذا تقريب ظهور الجواب.

(٢) هذا بيان للمنفي ، وهو تعلق حق الديان بالعين ، إذ لو كانت أمّ الولد كسائر الأموال التي تركها الميت ، جاز للديان أخذها لو امتنع الوارث من الأداء. والمفروض عدم جواز أخذها ، وليس إلّا لتعلق حقهم بقيمتها لا بعينها.

(٣) هذا دفع المقايسة ـ المذكورة في المقابس ـ بين أمّ الولد وبين العبد الموقوف ، والأولى أن يقال : «بخلاف الوقف».

وكيف كان ، فحاصل دفعها : أنّ القياس مع الفارق ، حيث إنّ العبد الموقوف على ولده مثلا يكون متعلقا لحق سائر البطون ، فلا بد من إبقائه وعدم جواز بيعه لينتقل إلى البطون اللاحقة. بخلاف أمّ الولد ، فإنّها ملك للولد دون غيره ، إذ المفروض عدم تعلق حق الديان بها.

(٤) الظاهر ـ كما استظهره الفقيه المامقاني قدس‌سره (١) ـ أنّ مراد المصنف قدس‌سره هو : أنّ الإشكال الرابع لا يدفع أصل الانعتاق الذي ادّعاه المسالك ، بل يدفع دعوى الضمان

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٤٥٩.

٣٦٨

فالضابط (١) حينئذ :

______________________________________________________

على الولد ، إذ للشهيد قدس‌سره دعويان : إحداهما : الانعتاق ، والاخرى ضمان الولد لقيمتها.

والإشكال الرابع يدفع الثانية ، لأنّه ينافي الجزم بكون القيمة بعد الانعتاق على الولد ، دون الاولى ، فلا بأس حينئذ بالالتزام بكون القيمة على نفس الامّ ، ووجوب السعي عليها فيها ، فلا يثبت بإشكال المقابس جواز البيع الذي نسب إلى شيخ الطائفة قدس‌سره.

(١) يعني : فالضابط في انعتاق أمّ الولد ـ حين إذ قلنا باستسعائها في ما يزيد على نصيب ولدها منها ـ هو التفصيل بين كون نصيب الولد من التركة وافيا بقيمتها وعدمه. فهنا صورتان :

الأولى : أن لا يكون انعتاقها مستلزما لورود خسارة على الولد ، كما إذا كان نصيبه من التركة ما يساوي قيمة الامّ ، ولم يكن دين على المولى ، فحينئذ تنعتق الامّ من دون ضمان على أحد. مثلا إذا كان نصيبه من التركة مائة دينار ، وقيمة الام مائة دينار أيضا ، فيملك الولد نصيبه من التركة بلا ضمان.

الثانية : أن يكون انعتاقها موجبا لضرر مالي وخسارة ، فيكون على عهدة المنعتقة لا على الولد المنعتق عليه. ولا فرق في ضمانها بين كون مجموع نصيب الولد مقابلا بالدين أو بعضه.

فالأوّل : كما إذا كان في المثال المزبور دين مستغرق للتركة ، فيصير حينئذ نصيب الولد ـ وهو المائة ـ مع الضمان ، إذ المفروض وجود الدين ، فإذا انعتقت الامّ التي تكون قيمتها مائة دينار ، فلا بد من دفع ما يقابل قيمتها إلى الدّيّان ، فنصيب الولد مملوك مع الضمان.

والثاني : كما إذا كان نصيبه من التركة مائة دينار مع كون قيمة الامّ مائة دينار أيضا ، فيملك الولد نصيبه المزبور مع ضمان بعضه فيما إذا لم يكن الدين

٣٦٩

أنّها تنعتق [أنه ينعتق] (١) على الولد ما لم يتعقبه (٢) ضمان من نصيبه. فإن كان (٣) مجموع نصيبه أو بعض (٤) نصيبه يملكه (٥) مع ضمان أداء ما قابله من الدّين ، كان (٦) ذلك في رقبتها.

______________________________________________________

مستغرقا ، بأن كان ما قابل نصيبه منه خمسين دينارا ، فهو يملك نصيبه من التركة مع ضمانه لبعض نصيبه ـ وهو الخمسون ـ للدّيّان.

(١) كذا في نسختنا ، ولا بد من تأويل الأمة بالمملوك ، ليصحّ تذكير الضمير ، والاولى ما أثبتناه عن نسخة مصححة اخرى.

(٢) أي : ما لم يتعقب الانعتاق ضمان وخسارة على الولد. وهذا إشارة إلى الصورة الاولى.

(٣) هذا متفرع على كون الضابط الانعتاق على الولد من دون تعهده بشي‌ء من قيمتها ، كما لو لم يكن دين أصلا.

(٤) معطوف على «مجموع» وتقدم توضيحه بقولنا : «والثاني كما إذا كان نصيبه من التركة ...».

(٥) أي : يملك الولد مجموع النصيب ـ أو بعضه ـ مع ضمان الدين المقابل للنصيب. والأولى أن يقال : «بحيث يملكه».

فإن قلت : إن ضمان الولد للدين المقابل للنصيب مناقض لما هو المطلوب من عدم تضمين الولد.

قلت : نعم ، لكن لعل المراد ثبوت الضمان على الولد في الجملة وإن استحق مطالبة البدل من امّه ، فهذا في قبال عدم الضمان أصلا.

ويحتمل أن يكون غرضه الإشارة إلى وجود قولين في المسألة.

(٦) جواب «فإن كان» وقوله : «ذلك» إشارة إلى الموصول في «ما قابله» المراد به الدين ، وحاصله : أنّه لو لزم من الانعتاق على الولد ضمان انعتقت عليه ، لكن لا مجانا ، بل كانت هي الضامنة للدين.

٣٧٠

وممّا ذكرنا (١) يظهر أيضا (٢) : أنّه (٣) لو كان غير ولدها أيضا (٤) مستحقّا لشي‌ء منها بالإرث لم يملك (٥) نصيبه مجّانا ، بل إمّا أن يدفع (٦) إلى الدّيّان ما قابل

______________________________________________________

(١) أي : من انعتاقها مع كونها ضامنة لقيمتها للدّيان ، جمعا بين النهي عن بيعها وبين عدم سقوط حقّ الدّيّان رأسا ، يظهر أنّه لا فرق ـ في ضمانها لقيمتها إن لم تكن تمامها من نصيب الولد ـ بين كون من يستحقّها الدائن وبين كونه وارثا ، فإنّ ما دلّ على انعتاقها يوجب حرمان الديان والوارث عن عينها ، ويتعلق الحقّ بماليتها ، ويجب عليها السعي لأداء ذلك الحق.

فإذا كانت التركة مائة وعشرين دينارا والدّين كذلك ، والوارث ولدين ، وقيمة الأمة تسعين دينارا ، انعتق نصيب ولدها وهو الثلثان ، ويملك الولد الآخر ثلثها الباقي مع الضمان لا مجّانا ، فيدفع ثلاثين دينارا قيمة نصيبه أعني الثلث من أمّ الولد إلى الدّيّان ، فتسعى أمّ الولد في أداء هذا الثلث إلى الدافع. كما لو فرض عدم الدين ، فإنّه وجب عليها السعي في دفع قيمة نصيب الولد الآخر إلى ذلك الولد ، أو وجب على ولدها دفعها إلى أخيه الدافع.

وعلى كلّ فقيمة الثلث الزائد على نصيب ولدها تكون عليها ، فيجب الاستسعاء.

(٢) يعني : كما ظهر ضمانها للديان لو لم يستحقها غيرهم ، كما لو لم يكن وارث آخر غير ولدها.

(٣) الضمير للشأن ، والجملة فاعل قوله : «يظهر».

(٤) يعني : كما لو كان مستحقها الديان ، فكذا استحقّها بالإرث غير ولدها.

(٥) جواب «لو كان» يعني : لم يملك غير الولد نصيبه من أمّ الولد مجانا بحيث تنعتق عليه بلا عوض ، بل لا بد من وصول قيمة نصيبه إليه.

(٦) غرضه بيان عدم مجانية ملك النصيب ، يعني : أنّ غير الولد لو دفع إلى الديان مقابل نصيبه الموروث ـ وهو ثلاثون دينارا في المثال المزبور ـ سعت الامّ في

٣٧١

نصيبه (١) ، فتسعى أمّ الولد ، كما لو لم يكن دين (٢) ، فينعتق نصيب غير ولدها عليه (٣) مع ضمانها أو ضمان ولدها (٤) قيمة حصّته (٥) التي فكّها من الدّيّان. وإمّا (٦) أن يخلّي بينها وبين الديّان ، فتنعتق أيضا (٧) عليهم مع ضمانها أو ضمان ولدها ما قابل الدين لهم.

______________________________________________________

أداء هذا المال المدفوع إلى الديان ، كما وجب عليها السعي في أداء نصيب غير الولد لو لم يكن هناك دين أصلا. إذ لو لم تسع في نصيب غير الولد لزم كون انعتاقها على ولدها موجبا للخسارة على غير ولدها ممّن يرثها ، مع أنّه لا موجب لتحمل هذا الضرر.

(١) أي : نصيب غير الولد ، وهو الثلاثون دينارا في المثال.

(٢) يعني : فالسعي واجب إمّا للوارث لو لم يكن دين ، وإمّا للديان لو دفع الوارث قيمة حصته إلى الديان.

(٣) أي : على غير الولد ، فينعتق نصيبه منها بالسراية ، وتضمن قيمة النصيب للوارث.

(٤) يعني : لو تبرّع ولد الأمة بدفع نصيب أخيه ـ الذي دفعه هذا الأخ الى الديان ـ لم يجب عليها السعي ، أو قلنا بوجوبه من جهة انعتاقها على الولد من مجموع ما يرثه.

(٥) أي : حصة غير الولد.

(٦) معطوف على «إمّا أن يدفع» يعني : أن يخلّي الولد الآخر بين أمّ الولد وبين الديان ، فتنعتق عليهم أيضا كما انعتقت على ولدها مع ضمان الامّ أو ولدها للديان ما قابل الدين.

(٧) يعني : كما انعتقت على الوارث ، كما تقدّم بقوله : «فينعتق نصيب غير ولدها عليه» وحينئذ فما قابل الدين يكون في ذمتها ، فإمّا أن تسعى للديان ، وإمّا أن يضمنه الولد لهم.

٣٧٢

وأمّا حرمان الدّيّان (١) عنها عينا وقيمة ، وإرث الورثة لها (٢) ، وأخذ (٣) غير ولدها قيمة حصّته (٤) منها أو (٥) من ولدها ، وصرفها (٦) في غير الدين ، فهو (٧) باطل ، لمخالفته (٨) لأدلة ثبوت حقّ الدّيّان من غير (٩) أن يقتضي النهي عن

______________________________________________________

(١) مقصوده قدس‌سره دفع توهم الفرق بين كون أمّ الولد ـ بالنسبة إلى الديان ـ كمئونة التجهيز التي لا يتعلّق بها حق الديان عينا وقيمة ، وبين كونها موروثة لما عدا ولدها من الوراث.

ومحصل وجه الدفع : أنّ الجمع بين ما دلّ على ثبوت حق الديان وتعلقه بالتركة ، وبين النهي عن التصرف في أمّ الولد ، يقتضي الالتزام بحرمان الديان عن العين ، وانتقال حقهم إلى ماليتها وقيمتها. وحينئذ فإمّا أن تسعى ـ فيما زاد على نصيب ولدها منها ـ وإمّا أن يتعهد الولد بأداء الدين. وكذا الحال في حرمان سائر الورثة عن عين أمّ الولد ، واستحقاقهم قيمة أنصبائهم منها.

(٢) أخذا بعموم «ما تركه الميت من مال أو حقّ فلوارثه» والخارج منه قطعا هو نفس الولد ، فإنه لا يملك امّه.

(٣) هذا و«إرث الورثة» معطوفان على «حرمان».

(٤) أي : حصة غير الولد.

(٥) لعلّ الترديد للإشارة إلى الخلاف في كون حصة غير الولد على عهدة ولدها ، أو على الامّ بالسعي.

(٦) معطوف على «أخذ» أي : صرف غير الولد قيمة نصيبه ـ المأخوذة منها أو من ولدها ـ في غير الدين ، لسقوط الدين بصيرورة أمّ الولد من المستثنيات التي لا يتعلق بها حق الغرماء.

(٧) جواب «وأما حرمان» وتقدم وجه البطلان آنفا.

(٨) أي : لمخالفة الحرمان لأدلة ثبوت حقّ الديان.

(٩) يعني : أنّ المنافي لدليل ثبوت حق الديان ـ وهو النهي عن بيعها والتصرف

٣٧٣

التصرف في أمّ الولد لذلك (١).

وممّا (٢) ذكرنا يظهر ما في قول بعض من أورد على ما في المسالك

______________________________________________________

والتصرف الناقل لها ـ لا يزاحم تعلق الحق بقيمتها ، وإنما يوجب الحرمان عن العين.

(١) أي : للحرمان ، وهو متعلق ب «يقتضي».

هذا تمام ما أفاده المصنف في ردّ الوجوه الأربعة التي انتصر بها المحقق صاحب المقابس لشيخ الطائفة ، واعترض بها على ما في المسالك.

(٢) أي : ومن سقوط حقّ الديان عن عين أمّ الولد ، وتعلّق حقّهم بقيمتها ـ على نفسها أو على ولدها على الخلاف ـ يظهر غموض ما في المقابس من الإشكال في الجمع بين كلمات الأصحاب.

وبيان الإشكال : أنّهم حكموا تارة بعدم جواز بيعها إلّا في دين ثمنها. وهذا الكلام يدلّ على عدم جواز بيعها في دين غير ثمنها ، وأنّ حقّ الدّيّان ساقط عنها ، فتكون أمّ الولد كمئونة التجهيز ممّا لا يتعلّق به حق الديان.

وحكموا اخرى بأنّها تسعى في ما فضل عن نصيب ولدها. وهذا الحكم ينافي كون أمّ الولد كمئونة التجهيز ، لأنّه يكشف عن تعلق حقّ الدّيّان بها ، إذ لا وجه لأداء قيمتها إليهم إلّا تعلق حقّهم بها.

وبالجملة : فالجمع بين حكم المشهور بعدم جواز بيعها في دين غير ثمنها ، وبين وجوب سعيها في أداء قيمتها إلى الدّيّان أو تغريم الولد لها ، وبين أدلتهم مشكل ، لأنّ الحكم الأوّل يقتضي سقوط حق الدّيان رأسا ، وهو ينافي تغريم الام أو الولد لقيمتها للديان.

نعم ، لو قصدوا دلالة مثل رواية عمر بن يزيد ـ المانعة عن بيعها في غير ثمنها ـ على أنّ أمّ الولد مطلقا ـ أو خصوص نصيب الولد ـ تكون كالكفن من مستثنيات الدين ، فلا تباع ، كان له وجه. لكنه مجرد فرض ، لعدم ذكرها في عداد المستثنيات حتى تكون كمئونة تجهيز الميت ، كما لم تدل النصوص المزبورة على هذا الاستثناء.

٣٧٤

بما (١) ذكرناه : «أنّ (٢) الجمع بين فتاوى الأصحاب وأدلتهم مشكل جدّا ، حيث (٣) إنّهم قيّدوا الدّين بكونه ثمنا ، وحكموا (٤) بأنّها تعتق على ولدها من نصيبه ، وأنّ ما فضل عن نصيبه ينعتق بالسّراية ، وتسعى (٥) في أداء قيمته.

ولو قصدوا : أنّ أمّ الولد أو سهم الولد مستثنى من الدّين ـ كالكفن ـ عملا بالنصوص المزبورة (٦) ، فله وجه. إلّا أنّهم (٧) لا يعدّون ذلك (٨) من المستثنيات ، ولا ذكر في النصوص (٩) صريحا» انتهى (١).

وأنت خبير بأنّ النصوص المزبورة (١٠) لا تقتضي سقوط حقّ الدّيّان ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

هذا توضيح كلام صاحب المقابس قدس‌سره.

(١) متعلق ب «أورد» أي : أورد بالوجوه الأربعة المنقولة عن المقابس.

(٢) الجملة في محل النصب على المفعولية ل «قول» وهذا كلام المقابس.

(٣) هذا بيان إعضال الجمع بين فتاوى الأصحاب وأدلتهم.

(٤) معطوف على «قيّدوا» وهذا أحد الحكمين.

(٥) معطوف على «ينعتق» وهذا ثاني الحكمين ، والمفروض تمانعهما.

(٦) الدالة على منع بيعها إلّا في ثمنها.

(٧) استدراك على توجيه كلامهم بجعلها من مستثنيات الدين.

(٨) أي : أمّ الولد ، أو خصوص نصيب الولد منها.

(٩) أي : لم يذكر استثناء الامّ ـ أو خصوص نصيب الولد ـ في النصوص.

(١٠) هذا ردّ ما في المقابس ، والأولى تبديله ب «وذلك» ليكون تعليلا لقوله : «يظهر».

وكيف كان فمحصّل الإيراد على المحقق الشوشتري هو : أن النصوص المانعة

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٨ ـ ٧٩.

٣٧٥

ومنها (١) : تعلّق كفن مولاها بها ـ على ما حكاه

______________________________________________________

عن بيعها ـ يعني عن العين والقيمة معا ـ لا تدلّ على سقوط حق الديان رأسا لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما. فالجمع بين هذه النصوص وبين حق الاستيلاد وحق الديان يقتضي تعلق حق الديان بقيمتها ، ووجوب السعي فيها ، أو ضمان الولد لها.

فالحكم بالانعتاق عملا بما دلّ عليه ، ووجوب السعي عليها في قيمتها أو غرامة الولد لها ـ عملا بما دلّ على ثبوت حقهم بالتركة ـ ليس مخالفا للأدلة حتى يشكل الجمع بين فتاواهم وأدلتهم.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني من أوّل مواضع الاستثناء ، وهو بيعها في دين غير ثمنها.

٢ ـ بيع أمّ الولد لتعلق حق الكفن بها

(١) معطوف على قوله في (ص ٢٩٦) : «فمن موارد القسم الأوّل» يعني : ومن موارد جواز بيع أمّ الولد ـ لتعلق حقّ الغير بها ـ هو ما إذا مات مولاها ، ولم يخلّف كفنا ولا ما يشترى به غير أمّ الولد. فقيل بأنّه إن أمكن بيع بعضها لتحصيل الكفن لم يجز بيع تمامها ، وإن توقّف على بيعها بتمامها بيعت.

وعقد صاحب المقابس قدس‌سره الصورة الثالثة لتحقيق جواز بيعها في الكفن ، وسيأتي نقل بعض كلامه.

ويستدلّ للجواز بوجوه ثلاثة ، يبتني ثانيها على جواز بيعها في مطلق الدين ، واثنان منها ـ وهما الأوّل والثالث ـ على اختصاص جواز بيعها بأداء ثمن رقبتها.

وتوضيح الوجه الأوّل : أنّ الغرض من منع بيع أمّ الولد كلّيّة هو انتقالها ـ بموت سيدها ـ إلى ولدها بالإرث ، وانعتاقها عليه. فلو فرض عدم جواز بيعها في سائر وجوه الدين ، قلنا هنا بجوازه ، لانتفاء الحكمة المانعة عن التصرفات الناقلة. ووجه انتفائها حاجة الميت إلى الكفن المانعة من انتقالها إلى الوارث ، لوضوح تقدم

٣٧٦

في الروضة (١) ـ بشرط عدم كفاية بعضها له ، بناء (٢) على ما تقدّم نظيره في الدين (٣) ، من أنّ المنع لغاية الإرث ، وهو (٤) مفقود مع الحاجة إلى الكفن.

وقد عرفت (٥) أنّ هذه حكمة غير مطّردة ولا منعكسة.

______________________________________________________

الكفن على الإرث ، لأنّه «أوّل ما يبدأ به من المال» كما في الخبر (١). وحيث إنّ التركة منحصرة في أمّ الولد جاز بيعها في كفنه ، ولا يبقى موضوع للانتقال والانعتاق ، هذا.

وناقش المصنف قدس‌سره فيه بمنع كون الإرث علة لعدم بيعها ، لما تقدم من كونه حكمة ، وهي غير مطّردة ولا منعكسة ، فلا يدور الحكم مدارها. وحينئذ يمكن منع بيعها ، لعدم كونه بيعا في ثمن رقبتها ، فتورث وتنعتق على ولدها.

(١) قال في عدّ موارد جواز بيعها : «عاشرها في كفن سيّدها إذا لم يخلّف سواها ، ولم يمكن بيع بعضها فيه ، وإلّا اقتصر عليه» (٢).

(٢) هذا قيد لمقدّر ، وهو جواز بيعها لتعلق حق الغير ـ وهو الميت ـ بها.

(٣) لعلّ مقصوده ممّا تقدّم في الدين ـ مع تبيينه بكلمة : من ـ هو قوله في جواب صاحب المقابس قدس‌سره : «لأنّ المستفاد من النصوص والفتاوى : أن استيلاد الأمة يحدث لها حقا مانعا عن نقلها ، إلّا إذا كان هناك حقّ أولى منه بالمراعاة» فراجع (ص ٣١٢).

(٤) يعني : والغاية مفقودة ، لوضوح تقدم الكفن على الإرث ، فيجوز بيعها.

(٥) هذه مناقشة المصنف في الوجه الأوّل ، وتقدم في (ص ٢٨٥) بقوله : «والعلة المذكورة غير مطردة ولا منعكسة» كما تقدم توضيح وجه عدم الطرد والعكس هناك ، فراجع.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٤٠٦ ، الباب ٢٨ من أبواب الوصايا ، الحديث : ١.

(٢) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٦٠.

٣٧٧

وأمّا (١) بناء على ما تقدّم (٢) من جواز بيعها في غير ثمنها من الدّين ـ مع أنّ (٣) الكفن يتقدّم على الدّين ـ فبيعها له (٤) أولى.

بل اللازم ذلك (٥)

______________________________________________________

(١) معطوف على «بناء على ما تقدم نظيره في الدين» وهذا ثاني وجهي الجواز ، والفارق بينه وبين الأوّل أنّ مقتضى هذا الوجه أولوية جواز بيعها في الكفن من جوازه في الدين.

توضيحه : أنّ الحقوق المتعلقة بمال الميت ـ وهي الكفن والدين وحق أمّ الولد والإرث ـ لا تكون في مرتبة واحدة ، فالكفن مقدّم على الدين ، لأنّه أول ما يبدأ به ، والدّين مقدّم على حق الاستيلاد عند المزاحمة ، وهو مقدّم على الإرث. وتقدّم حق الميت ـ من جهة الكفن ـ على حق الديان ينتج وجوب صرف أمّ الولد في الكفن.

وبعبارة اخرى : يقدّم الكفن على الدين مطلقا ولو كان ثمن رقبتها ، فلو مات المولى وخلّف أمّ ولد لم يؤدّ ثمنها ، ولم يكن له كفن ، بيعت في كفنه بلا إشكال. فلو بيعت وصرف الثمن في دين المولى من رقبتها ، كان ذلك خلاف دليل تقديم الكفن على الدين ، فتعيّن صرف الثمن في الكفن. وحيث إنّه لا ريب في تقدّم دين ثمن الرقبة على حق الاستيلاد ، فبالأولوية يكون الكفن مقدّما على حق الاستيلاد.

والحاصل : أن هذا الوجه الثاني يقتضي جواز بيعها في الكفن مطلقا بالأولوية ، سواء قيل باختصاص جواز البيع بثمن رقبتها أم بعمومه لوجوه الدين.

(٢) يعني : في (ص ٣٤٥) حيث قال : «خلافا للمحكّي عن المبسوط ، فجوّز البيع حينئذ مع استغراق الدين ، ... الخ».

(٣) هذا مناط الأولوية ، كما عرفت توضيحه.

(٤) أي : للكفن.

(٥) أي : جواز بيعها ، وهذا هو الوجه الثالث المبني على حصر جواز بيعها في

٣٧٨

أيضا (١) بناء (٢) على حصر الجواز في بيعها في ثمنها ، بناء على ما تقدّم (٣) من أنّ وجود مقابل (٤) الكفن الممكن صرفه في ثمنها لا يمنع (٥) عن بيعها ،

______________________________________________________

ثمنها لا مطلق الدين ، ومحصله استكشاف الحكم هنا من جواز بيعها في ثمن رقبتها.

وتوضيحه : أنّه إذا خلّف المولى أمّ ولد لم يؤد ثمنها ، ودنانير تفي بمئونة التجهيز ، يحكم بصرف المال في الكفن ، لما دلّ على كونه أوّل ما يتعلق بالتركة ، وجاز بيعها لأداء ثمنها. ووجوب صرف المال في تجهيز الميت يدلّ بالالتزام على تقدم حق الميت على حق الاستيلاد عند المزاحمة وعدم وفاء التركة بهما. فكما يقدّم حقّ الميت على حق الاستيلاد في فرض الدين الخاص ـ وهو ثمن رقبتها ـ فكذا يقدّم في فرض عدم هذا الدين ، لاستفادة أقوائية حقّ الميت من حق الاستيلاد.

فإن قلت : مقتضى هذا الوجه تقدم حق الميت على حق الاستيلاد فيما لو كان هناك دين ، ليقال بتقدم حقه على حقّ الديان ، وتقدم حقهم على حق الاستيلاد ، ومن المعلوم أنّ هذا التقدم لا يجدي لو لم يكن هناك دين ، ودار الأمر بين حق الميت وحق الاستيلاد.

قلت : المقصود تقديم حقّ الميت على الاستيلاد ، وإنّما ذكر الدين الخاص ـ أعني ثمن رقبتها ـ لمجرّد طريقيته إلى استفادة كون حق الميت أعظم من حق الاستيلاد ، هذا.

(١) أي : كما جاز بيعها في الكفن لو قيل بجواز بيعها في مطلق وجوه الدين.

(٢) كما بنينا في الوجه الأوّل على اختصاص الجواز بدين ثمنها ، وهذا الحصر هو مفاد قوله في (ص ٣٤١) : «وأمّا بيعها في دين آخر ، فإن كان مولاها حيّا لم يجز إجماعا ... وإن كان بعد موته فالمعروف من مذهب الأصحاب المنع».

(٣) الظاهر أنه إشارة إلى قوله في (ص ٣٢٢) : «ومما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن ومئونة التجهيز ...».

(٤) كما إذا ترك دنانير معدودة يمكن صرفها في كفنه وتجهيزه.

(٥) خبر قوله : «ان وجود» ، و«الممكن» صفة للمقابل.

٣٧٩

فيعلم (١) من ذلك تقديم الكفن على حقّ الاستيلاد ، وإلّا (٢) لصرف مقابله في ثمنها ولم تبع.

ومن ذلك (٣) يظهر النظر فيما قيل (٤):

______________________________________________________

(١) غرضه استظهار جواز البيع في الكفن مما ذكر : من عدم مانعية دين الثمن من لزوم صرف ما يقابل الكفن فيه ، وعدم جواز أداء ثمنها به ، فالمشار إليه ب «ذلك» هو عدم مانعية وجود مقابل الدين عن بيعها في ثمنها.

(٢) أي : وإن لم يكن حق الكفن مقدّما على حقّ الاستيلاد لجاز صرف تلك الدنانير ـ المقابلة للكفن ـ في ثمن رقبتها ، وعدم بيعها في ثمنها ، مع أنّ ذلك المقابل يصرف في الكفن ، وتباع هي في ثمنها.

وقد تحصّل من كلمات المصنف في هذه الوجوه الثلاثة : أن الأوّل منها ممنوع ، لابتنائه على غاية غير مطردة ولا منعكسة. والثاني منها ـ وهو الأولوية ـ منوط بالالتزام بجواز بيعها في مطلق الدين. والثالث منها ـ كالأوّل ـ مبني أيضا على الاختصاص. وسيأتي المناقشة في ما بناه صاحب المقابس على جواز البيع في مطلق الدين.

(٣) مراده بالمشار إليه هو قوله : «بل اللازم ذلك أيضا» ومحصله : عدم توقف جواز بيعها في الكفن على القول بجواز بيعها في مطلق الدين ، بل يتجه حتى على اختصاص جواز البيع بثمن رقبتها.

(٤) القائل صاحب المقابس قدس‌سره ، قال في الصورة الثالثة ما لفظه : «والقول بجوازه حينئذ مع استيعاب قيمته لقيمتها مأخوذ من القول به في الصورة السابقة مع الاستيعاب ، فإنّ الكفن مقدّم على الدين ، كما أنّه مقدّم على الإرث ، فجوازه في الدين المستوعب يقتضي جوازه في قيمة الكفن المستوعبة بطريق أولى ، والعلة مشتركة بينهما» (١).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٩.

٣٨٠