هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

هذا مجمل القول في بيعها في ثمنها.

وأمّا بيعها في دين آخر (١) ، فإن كان مولاها حيّا ، لم يجز إجماعا ، على

______________________________________________________

بيع أمّ الولد في دين آخر غير الثمن

(١) هذا هو المقام الثاني الذي أشرنا إليه في (ص ٢٩٦) وهو حكم بيعها في ما إذا كان مولاها مديونا بمال آخر غير ثمنها ، ذهب المصنف قدس‌سره إلى المنع مطلقا ، سواء اريد بيعها في حياة السيد أم بعد وفاته.

أمّا في حال الحياة فللإجماع عليه كما صرّح به صاحب المقابس ـ في الصورة الثانية من صور جواز بيعها ـ بقوله : «وهو ـ أي المنع ـ مجمع عليه بين الأصحاب. ويدلّ عليه الأخبار السالفة» (١).

وأمّا بعد موته فلوجهين ، أحدهما : استصحاب المنع الثابت حال الحياة.

وثانيهما : إطلاق روايتي عمر بن يزيد. ففي الرواية الاولى ـ وهي صحيحته المفصّلة ـ سأل من الإمام عليه‌السلام عن جواز بيع أمّهات الأولاد في دين آخر غير أثمان رقابهن ، فنفى عليه‌السلام ذلك. قال في المقابس : «وهذا السؤال وجوابه كالنّص في عدم جواز بيعها في أداء غير الثمن من الديون بعد موته وإن استغرقت قيمتها» (٢).

وفي الرواية الثانية سأل منه عليه‌السلام عن جواز بيعهن في الدين ، فخصّ عليه‌السلام الجواز بما إذا كان الدين ثمن رقابهن ، ومن المعلوم دلالة مفهوم القيد ـ أو الحصر ـ على منع بيعهن في مطلق الدين ، وأنّ المستثنى من حرمة البيع هو خصوص ما ورد في المنطوق ، هذا.

وعليه فالدليل واف بإثبات منع البيع ، لكن ذهب بعض الأصحاب إلى الجواز كما سيأتي.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٧.

(٢) المصدر ، ص ٧٨.

٣٤١

الظاهر المصرّح به في كلام بعض (١).

وإن كان بيعها بعد موته ، فالمعروف (٢) من مذهب الأصحاب المنع أيضا ، لأصالة (٣) بقاء المنع في حال الحياة ، ولإطلاق روايتي عمر بن يزيد المتقدمتين منطوقا ومفهوما (٤). وبهما (٥) يخصّص ما دلّ بعمومه على الجواز

______________________________________________________

(١) وهو صاحب المقابس كما تقدم كلامه آنفا.

(٢) كما في المقابس أيضا (١). لكنه قدس‌سره نقل خلاف جماعة ، كما سيأتي في المتن أيضا.

(٣) كما في المقابس أيضا ، والمراد به الاستصحاب ، لا القاعدة الكلية التي استفادها المصنف قدس‌سره من الإجماع والنصوص ـ كما زعمه بعض ـ وذلك لمنافاة إرادة هذه القاعدة لتعبير المصنف بالبقاء ، ولأنّ شمول القاعدة لحالتي الموت كشمولها لحال الحياة في عرض واحد.

(٤) إطلاق المنطوق في صحيحته ، وإطلاق المفهوم في روايته الثانية.

(٥) أي : وبإطلاق المنطوق والمفهوم في روايتي ابن يزيد يخصّص ما دلّ بعمومه على الجواز ، وتوضيحه : أنّ صاحب المقابس قدس‌سره ذهب إلى تقديم الدّين على الإرث بالإجماع والآية الشريفة (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) والنصوص الكثيرة ، وقال : «فإذا انتفى العتق الذي كان هو الغرض من منع المولى والورثة من التصرفات ـ وليس بعد موت المولى أمر يترقب للإعتاق ـ تعيّن جواز البيع ، إذ الواسطة بينهما غير معقولة هنا ، وهذا هو المدّعى».

ثم أيّد مقالته بمقطوعة يونس ، وقال : «فقوله ـ وليس على الميت دين ـ يدلّ على أنّه إذا كان على الميت دين لم يثبت الحكم المذكور ، فيحمل على صورة استغراقه لقيمتها» (٢).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٧.

(٢) المصدر ، ص ٧٨.

٣٤٢

ممّا يتخيّل (١) (*) صلاحيّته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد ،

______________________________________________________

ومحصله ـ أنّ قوله عليه‌السلام في المقطوعة : «وإن كان لها ولد وليس على الميت دين فهي للولد» جملة شرطية ، مفهومها جواز بيعها لو كان على المولى دين مطلقا ولو في غير ثمنها. بل مقتضى إطلاق الدّين عدم الفرق بين مساواته لقيمة أمّ الولد وبين كونه أقلّ منه. لكن هذا الإطلاق يقيّد بصورة استغراق الدّين لقيمتها. وأما إطلاق الدّين لما إذا كان في ثمنها أو في دين آخر فباق على حاله. هذا ما في المقابس.

وناقش المصنف فيه بأنّ النسبة بين إطلاق روايتي ابن يزيد ومفهوم هذه المقطوعة عموم مطلق ، لدلالة مفهوم رواية يونس على جواز بيعها في مطلق الدين بعد موت المولى ، وأنّها ليست لولدها حتى تنعتق عليه. ودلالة روايتي ابن يزيد على اختصاص جواز بيعها ـ بعد موت السيد ـ في ثمن رقبتها ، ومنع بيعها في غير ذلك من الديون ، ومن المعلوم اقتضاء الصناعة تقييد إطلاق مفهوم المقطوعة بالروايتين.

(١) لعل المتخيّل صاحب المقابس ، ومن يقول بجواز بيعها في كل دين ، بناء على عدم انتقال تركة المديون إلى ورثته إلّا بعد الأداء.

__________________

(*) التخصيص منوط بكون النسبة بينهما وبين مفهوم مقطوعة يونس ـ بعد فرض اعتبارها ـ أخص مطلقا. وليس كذلك ، لكون النسبة بينهما عموما من وجه ، لأعميتهما من المقطوعة ، لشمولهما للحياة والموت ، لأنّه مقتضى إطلاقهما كما رجّحه المصنف قدس‌سره من شمولهما لحال الحياة أيضا ، حيث قال في (ص ٣١٦) : «فالأولى في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال ...». وأخصيّتهما منها ، لاختصاصهما بغير ثمن أمّ الولد. وأعمية المقطوعة منهما ، لشمولها للثمن وغيره ، وأخصيتها منهما ، لاختصاصها بالموت. ففي مادة الاجتماع ـ وهو غير الثمن بعد الموت ـ يقع التعارض بينهما. فوجه تخصيص مفهوم المقطوعة بروايتي ابن يزيد ـ كما في الجواهر أيضا (١) ـ غير ظاهر.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٧.

٣٤٣

كمفهوم (١) مقطوعة يونس : «في أمّ ولد ليس لها ولد ، مات ولدها ، ومات عنها صاحبها ولم يعتقها ، هل يجوز لأحد تزويجها؟ قال (٢) : لا ، لا يحلّ (٣) لأحد تزويجها إلّا بعتق من الورثة. وإن كان لها ولد وليس على الميّت دين فهي للولد. وإذا ملكها الولد عتقت بملك ولدها لها. وإن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيبه ، وتستسعي في بقية ثمنها» (١).

خلافا (٤)

______________________________________________________

(١) يعني : مفهوم قوله عليه‌السلام : «وإن كان لها ولد وليس على الميت دين فهي للولد» لدلالته على أنّه لو كان للميت دين فليست للولد ، بل لا بدّ من صرفها في أداء الدين.

(٢) الظاهر أن القائل هو الإمام عليه‌السلام ، لعدم رواية يونس كلام غير المعصوم عليه‌السلام.

(٣) هذا تفصيل لجملة الجواب المحذوفة.

(٤) حال لقوله : «فالمعروف» وعدل له ، وهذا نقل القول المقابل للمشهور ، وهو جواز بيعها بعد موت المولى في ديونه الاخرى غير ثمن رقبتها. قال في المبسوط : «إذا كانت له جارية ، ولها ولد ، فأقرّ في حال مرضه بأنّ ولدها منه ، وليس له مال غيرها ، فإنّه يقبل إقراره ... والجارية تكون أمّ ولده. فإن كان عليه دين يحيط بثمنها تباع فيه بعد موته. وإن كان له مال غيرها قضي به الدين وجعلت في نصيب ولدها وتنعتق عليه ...» (٢).

__________________

فالمتعين نفي حجية المقطوعة ، لعدم ثبوت كونها كلام المعصوم عليه‌السلام. والظن بكونه كلامه عليه‌السلام لا يغني من جوع. فمقتضى روايتي ابن يزيد ـ مضافا إلى قاعدة المنع ـ عدم جواز بيعها في غير ثمنها في زمان موت المولى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ١٠٦ ، الباب ٥ من أبواب الاستيلاد ، الحديث : ٣.

(٢) المبسوط ، ج ٣ ، ص ١٤.

٣٤٤

للمحكيّ (١) عن المبسوط ، فجوّز البيع حينئذ (٢) مع استغراق الدّين. والجواز ظاهر اللّمعتين (٣) وكنز العرفان والصيمري (١).

______________________________________________________

هذا ما أفاده في بيع المبسوط. ولكنه قدس‌سره خصّ في كتاب أمّ الولد جواز بيعها بما إذا كان الدّين ثمنها ، لا سائر وجوهه (٢). وصرّح ابن حمزة أيضا بجواز بيعها في مطلق الدين (٣).

(١) قال في المقابس : «وحكى الشهيد في الدروس عن الشيخ في المبسوط : أنّه جوّز البيع حينئذ إذا كان الدين مستغرقا للتركة ... الخ» ، ولكن الموجود في الدروس المطبوع نسبته إلى ابن حمزة لا إلى الشيخ ، فراجع (٤).

(٢) أي : حين كون المولى مديونا في غير ثمنها.

(٣) ففي اللمعة وشرحها : «وسابعها : إذا مات مولاها ، ولم يخلّف سواها ، وعليه دين مستغرق ، وإن لم يكن ثمنا لها ، لأنّها إنّما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها ، ولا نصيب له مع استغراق الدين ، فلا تعتق ، وتصرف في الدّين» (٥). خلافا لما في الدروس والمسالك من اختصاص جواز البيع بكون الدّين ثمنها (٦).

وعليه فمراد المصنف قدس‌سره بقوله : «والجواز» هو ما اختاره في المبسوط من جواز البيع في الدين المستوعب للتركة. وليس المقصود حكاية تفصيل آخر عن الشهيدين وغيرهما قدس‌سرهم ـ بين استغراق الدين وعدمه ـ لتكون الأقوال في المسألة ثلاثة :

الأوّل : المنع مطلقا ، وهو للمشهور.

__________________

(١) كنز العرفان ، ج ٢ ، ص ١٢٩ ؛ غاية المرام (مخطوط) ج ١ ، ص ٢٨٠.

(٢) المبسوط ، ج ٦ ، ص ١٨٥.

(٣) الوسيلة ، ص ٣٤٣ وفي الحجرية من الجوامع الفقهية ، ص ٧٦٤.

(٤) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٧ ؛ الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٢٣.

(٥) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٨.

(٦) الدروس ، ج ٢ ، ص ٢٢٣ ؛ مسالك الأفهام ، ج ٨ ، ص ٤٧ ، وج ١٠ ، ص ٥٢٨.

٣٤٥

ولعلّ وجه تفصيل الشيخ : أنّ (١) الورثة لا يرثون مع الاستغراق ، فلا سبيل (٢) إلى انعتاق أمّ الولد الذي (٣) هو الغرض من المنع عن بيعها.

وعن نكاح المسالك : أنّ الأقوى (٤) انتقال التركة إلى الوارث

______________________________________________________

والثاني : الجواز في غير الدين مطلقا وإن لم يكن مستغرقا.

والثالث : الجواز في غير ثمنها من الديون إن كانت مستغرقة.

والحاصل : أنّ في المسألة قولين ، ومصبّ الجواز والمنع هو استغراق الدين في غير ثمنها. وذلك لما جعله المصنف قدس‌سره مقسما في أوّل موارد الاستثناء ، حيث قال : «ومن موارد القسم الأوّل : ما إذا كان على مولاها دين ، ولم يكن له ما يؤدّي هذا الدين» لظهوره في كون محل البحث هو الدين المستوعب لقيمة أمّ الولد.

(١) خبر «لعلّ» وتقدم في (ص ٣٤٢) نقل هذا الوجه عن المقابس ، فالمنع والجواز في هذا المورد مبني على مسألة الإرث ، من أنّ مقتضى تأخّره عن الوصية والدين هل هو منع انتقال التركة إلى ورثة المديون ، أم أنه لا يمنع من الانتقال ، ويتخير الورثة ـ في الوفاء ـ بين الدفع من التركة أو من غيرها؟ هذا.

فما ذهب إليه شيخ الطائفة قدس‌سره ـ من جواز بيعها في الدين المستغرق لقيمتها ـ مبني على عدم الانتقال ، كما وجّهه به الشهيد الثاني قدس‌سره (١).

(٢) يعني : مع استغراق الدين للتركة لا تنتقل إلى الورثة حتى يقال بانعتاقها من نصيب ولدها ، لفرض تقدم الدين على الإرث.

(٣) صفة ل «انعتاق».

(٤) كلام الشهيد الثاني قدس‌سره مؤلّف من امور :

الأوّل : أنّ التركة تنتقل إلى الورثة مطلقا حتى لو كان على الميت دين مستوعب لها ، وهذا موافق للمشهور ومخالف للشيخ قدس‌سره.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٨ ، ص ٤٧.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : حجر الوارث عن التصرف في التركة إمّا مطلقا ، وإمّا فيما يقابل الدين ، وهذا حكم كلّي الدين ، ولا ينطبق على المقام أعني به استغراق الدين قيمة أمّ الولد ، وذلك لفرض الانعتاق بمجرد الإرث ، فلا يبقى مجال للمنع عن التصرف رعاية لحقّ الدّيّان.

الثالث : أنّ أمّ الولد تنعتق من نصيب ولدها ، لانتقالها إليه ، وانعتاقها عليه بمجرد تملكه لها.

الرابع : أنّ الواجب على الولد تقويم نصيبه من امّه ، ودفعه للدّيان ، ولا يجب دفع قيمة ما ينعتق منها بالسراية فيما زاد على نصيبه من مجموع التركة.

وقد أوضح قدس‌سره مورد العتق بالسراية قبل العبارة المنقولة في المتن ، وأنّه يكون تارة على عهدة الولد ، كما إذا كان نصيبه من مجموع التركة يفي بقيمة ما زاد على نصيب الولد من امّه ، فيرد النقص على حصته من سائر الأموال. كما إذا خلّف الميت أمّ الولد ـ وقيمتها مائة دينار ـ وخمسمائة دينار ، وانحصر الوارث في ولدها وأخ له من أبيه ، فحصّة كل واحد ثلاثمائة دينار ، فينعتق نصف الأمة من نصيب ولدها منها ، ويسري العتق إلى الباقي ، ويؤدّي الولد إلى أخيه خمسين دينارا من حصته من الخمسمائة دينار ، وهي قيمة نصيبه من أمّ الولد.

واخرى على عهدة الامّ ، كما إذا لم يف نصيب ولدها من مجموع التركة بقيمة ما زاد على نصيبه من الامّ ، كما إذا خلّف مولاها في المثال المتقدم خمسين دينارا ، فحصة الولد من الام والخمسين هو خمس وسبعون دينارا ، وهو ينقص بخمس وعشرين عن قيمتها ، فينعتق منها ثلاثة أرباعها ، ويسري العتق إلى الربع الآخر ، ويجب عليها السعي في قيمة الربع الأخير ليدفع إلى الوارث الآخر.

ولا بأس بنقل جملة مما في المسالك وقوفا على حقيقة الأمر ، قال قدس‌سره : «لا ريب أنّ مجرد الاستيلاد ليس سببا للعتق. نعم تتشبث به بالحرية ، وإنّما تعتق بموت المولى ، لأنّ ولدها ينتقل إليه منها شي‌ء ، أو ينتقل جميعها إذا كان هو الوارث خاصة ، فتنعتق

٣٤٧

مطلقا (١) ، وإن منع من التصرف فيها على تقدير استغراق الدّين (٢) ، فينعتق نصيب الولد منها (٣) كما لو لم يكن دين ، ويلزمه (٤) أداء قيمة النصيب من ماله (١).

______________________________________________________

عليه ما يرثها منها ... ولو بقي منها شي‌ء خارج عن ملكه سرى إليه العتق إن كان نصيبه من التركة يفي به. وإلّا عتق بقدره. ولو عجز النصيب عن المتخلّف منها سعت فيه هي ، ولا يلزم ولدها السعي فيه. ولا يسري عليه لو كان له مال من غير التركة ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى أنّ السراية مشروطة بالملك الاختياري ، وليس الإرث منه. وإنّما سرى عليه في باقي نصيبه من التركة لإطلاق النصوص الكثيرة : أنّها تعتق من نصيبه من التركة ، وإلّا لكان الأصل يقتضي أن لا يعتق عليه سوى نصيبه منها» (٢).

ثم نقل عن نهاية الشيخ «وجوب السعي على الولد إن كان ثمنها دينا على مولاها ولم يخلّف غيرها» ثم نفاه بأصالة البراءة عن وجوب السعي عليه.

وقال فيما لو كانت الديون محيطة بتركة المولى : «ان الأقوى انتقال التركة إلى الوارث مطلقا» إلى آخر ما حكاه في المتن.

(١) يعني : سواء أكان على الميّت دين مستوعب للتركة أم لم يكن. وهذا إشارة إلى الأمر الأوّل.

(٢) هذا إشارة إلى الأمر الثاني ، فيكون استغراق الدين نظير سائر موارد الحجر ، من حيث عدم منافاته للملك.

(٣) يحتمل رجوع الضمير إلى أمّ الولد ، نظير ما إذا لم يكن دين. ويحتمل رجوعه إلى التركة ، وهو مبنى رابع الوجوه المذكورة في المقابس ، وسيأتي بعض الكلام فيه في (ص ٣٥٦).

(٤) أي : ويلزم الولد أداء قيمة نصيبه إلى الدّيّان ، وهذا إشارة إلى الأمر الرابع.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٨ ، ص ٤٧.

(٢) المصدر ، ص ٤٤.

٣٤٨

وربّما ينتصر (١) للمبسوط على المسالك :

أوّلا (٢) : بأنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّها تعتق

______________________________________________________

(١) المنتصر للمبسوط هو المحقق صاحب المقابس قدس‌سره ، حيث أورد على ما في المسالك بوجوه أربعة ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا الإشكال ناظر إلى منع ما أفاده الشهيد الثاني قدس‌سره من لزوم تقويم نصيب الولد منها ، ودفع القيمة إلى الديان.

وملخص الإشكال : أنّ المستفاد من دليل انعتاقها من نصيب ولدها كون ذلك الانعتاق بدون تقويم عليه. والكلام إنّما هو في حصص سائر الورثة منها ، إذا لم يف نصيب الولد من جميع التركة بقيمة امّه ، من أنّه تقوّم عليه أم تسعى هي في أداء قيمتها؟

وبعبارة اخرى : انّ مورد استغراق الدين خارج عن مفاد أدلة الانعتاق على الولد ، توضيحه : أنّ دليل «انعتاقها ممّا يرثه ولدها من أبيه» ظاهر في أنّ الولد يستحقّها بالإرث مجّانا وبلا عوض ، حيث إنّها تنتقل إلى الولد آنا وتنعتق عليه قهرا ، كما هو مفاد مثل قوله عليه‌السلام فيما رواه محمد بن قيس : «فإن كان لها ولد ، وترك مالا ، جعلت في نصيب ولدها» (١). فلو توقف انعتاقها من نصيبه على بذل غرامة للغير كانت النصوص قاصرة عن إثبات هذا النحو من الانعتاق.

وعلى هذا ، فإن لم يكن دين الميت محيطا بالتركة ، انعتقت الامّ ـ كلا أو بعضا ـ بحسب نصيب ولدها من تركة أبيه.

وإن كان الدّين مستغرقا كما هو المفروض ، وبنينا على انتقال التركة إلى الورثة ـ كما يلتزم به المشهور والشهيد الثاني ـ منعنا عن اقتضاء هذا الانتقال للانعتاق على الولد. لما اشير إليه من اختصاص انعتاق الامّ على ولدها بالانتقال

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ١٠٧ ، الباب ٦ من أبواب الاستيلاد ، الحديث : ١ ، ونحوه سائر أحاديث للباب.

٣٤٩

من نصيب ولدها (١) : أنّ (٢) ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب من غير أن تقوّم عليه أصلا (٣). وإنّما الكلام في باقي الحصص (٤) إذا لم يف نصيبه من جميع

______________________________________________________

إليه عن استحقاق ، وعدم استتباعه للغرامة والعوض. فلا وجه لهذا النحو من الانعتاق ، ولا مانع من بيعها حينئذ في الدين ، ولا يبقى موضوع للتقويم على الولد.

فإن قلت : لا مانع من انتقالها إلى الولد ، وانعتاق حصته منها ، ولزوم دفع قيمة تلك الحصة إلى الديان ، نظير ما ذكروه من التقويم على الولد وبذل قيمة حصص سائر الورثة إليهم على تقدير وفاء التركة بها.

قلت : مورد تقويم أمّ الولد على ولدها هو حصص سائر الورثة ، كما إذا انتقلت ، ولم يف نصيب الولد بقيمتها ، فينعتق منها بمقدار نصيب الولد منها ، ويسرى العتق إلى ما بقي منها رقّا ، ويتعيّن بذل قيمة حصصهم إمّا على الولد وإمّا عليها بالسعي.

وعلى كلّ فليس مورد التقويم نصيب الولد منها ليجب دفع بدله إلى الغرماء.

والحاصل : أنّ الأمر دائر بين عدم انعتاقها على الولد ، فيجوز بيعها في الدين ، وبين أن تنعتق عليه مجانا. ولمّا كان الانعتاق المستلزم للتقويم ودفع البدل خارجا عن دليل انعتاق أمّ الولد ، تعيّن الالتزام بعدم الانعتاق هنا وبيعها في الدين.

وبهذا يتجه ما ذهب إليه شيخ الطائفة قدس‌سره من بيعها في الدين المستوعب ، ويشكل ما أفاده الشهيد الثاني قدس‌سره.

(١) مثل ما تقدم آنفا في معتبرة محمد بن قيس ، وكذا في مقطوعة يونس المتقدمة في (ص ٣٤٤) وغيرها.

(٢) خبر قوله : «أن المستفاد» وضمير «استحقاقه» راجع إلى الولد.

(٣) مع أنّ الشهيد الثاني قدس‌سره حكم بالتقويم ، حيث قال : «ويلزمه أداء قيمة النصيب ...».

(٤) يعني : أنّ حصص سائر الورثة من أمّ الولد لمّا كانت في حد ذاتها مملوكة

٣٥٠

التركة بقيمة امّه ، هل تقوّم عليه ، أو تسعى هي في أداء قيمتها؟

وثانيا (١) : بأنّ النصيب

______________________________________________________

لهم ـ ولا موجب لانعتاقها عليهم قهرا ، لعدم كونها أحد العمودين بالنسبة إليهم ، ولا للعتق بالسراية كما في العتق الاختياري ـ فيقع الكلام في تقويمها على الولد ، أو وجوب السعي عليها. وعلى كلّ فلا موجب لتقويم حصة الولد ودفع البدل إلى الديان كما في المسالك.

(١) هذا الإشكال راجع إلى الانتقال وأثره وهو الانعتاق على الولد ، وحاصله : قصور أدلة الانعتاق من نصيب الولد عن شمولها للمقام بعد تسليم المبنى ، وهو انتقال التركة في الدّين المستوعب إلى الورثة ، فهنا مطلبان ، أحدهما : تسليم المبنى ، وثانيهما : منع البناء.

أمّا الأوّل ، فوجهه : التخلّص من محذور بقاء الملك بلا مالك ، لعدم قابلية الميت للتملّك ، ولا ريب في عدم تلقّي الدّيان التركة من الميت ، فإمّا أن تبقى بلا مالك ، وهو ممتنع ، وإما من انتقالها إلى الورثة مع حجرهم عن التصرف.

وأمّا الثاني ـ وهو المتعين ـ فوجهه : أنّ الظاهر من «عتقها» من نصيب الولد» هو النصيب الفعلي لا الشأني ، ومن المعلوم إناطة فعليته واستقراره بإخراج الدين والحقوق المتعلقة بأصل المال كالحج الميقاتي والخمس والزكاة ونحوها. فلو خلّف الميت أموالا ، ولزم صرفها في أداء الدين المحيط بها ، لم يبق للولد نصيب من امّه كي تنعتق عليه ، لا مجانا ولا بعوض من ماله ، لفرض تأخر الإرث عن الدّين ، فلا موضوع لأداء قيمة نصيب الولد إلى الديان.

وعليه ، فإن اريد من «انتقال أمّ الولد إلى الولد» الانتقال المستقرّ ، كان منافيا لتأخر الإرث عن الدين. وإن اريد من انتقالها إليهم انتقالها على حدّ سائر الأموال ـ مع الدين ـ فمثل هذا الانتقال غير المانع عن تعلق حق الديان به لا يمنع عن أداء

٣٥١

إذا نسب إلى الوارث (١) ، فلا يراد منه إلّا ما يفضل من التركة بعد أداء الدين ، وسائر ما يخرج من الأصل (٢). والمقصود منه (٣) النصيب المستقرّ الثابت ، لا النصيب (٤) الذي يحكم بتملّك الوارث له ، تفصّيا (٥) من لزوم بقاء الملك بلا مالك.

وثالثا (٦) : أنّ ما ادّعاه من الانعتاق على الولد

______________________________________________________

الدين به. ويتجه ما أفاده شيخ الطائفة قدس‌سره من بيعها مقدمة لوفاء الدين.

والفرق بين هذا الإشكال وسابقة : أنّ مقتضى الثاني عدم الدليل على أصل الانعتاق ، ومقتضى الأوّل عدم الدليل على خصوصية كونه بعوض ، لظهور الأدلة في كون الانعتاق لا مع بدل.

وبهذا الوجه أورد صاحب الجواهر أيضا على ما نقله عن الدروس ، فراجع (١).

(١) كما إذا قيل : «إنّ نصيب الوارث من مجموع ما تركه الميت مائة دينار مثلا» فإنّ المقصود حصّته بالنسبة إلى ما يفضل من التركة بعد أداء الدين وسائر ما يخرج من الأصل.

(٢) فقبل الإخراج يكون النصيب شأنيا ، بمعنى أنه لو زاد شي‌ء على ما يخرج من الأصل كان مائة دينار.

(٣) أي : المقصود من النصيب المنسوب إلى الوارث هو المستقر ، فالانعتاق يكون من هذا النصيب ، لا من النصيب الفرضي غير المشمول لدليل الانعتاق.

(٤) معطوف على «النصيب المستقر».

(٥) هذا وجه التزامهم بانتقال التركة إلى الورثة مطلقا وإن كان الدين مستوعبا لها ، وتقدّم بيانه آنفا.

(٦) هذا الإشكال متوجه أيضا إلى انتقال الامّ إلى الولد في فرض استغراق

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٤ ، ص ٣٧٨.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الدين للتركة ، وجعله صاحب المقابس قدس‌سره رابع الوجوه.

ومحصّله : المنع من دعوى الانعتاق التي أفادها في المسالك مع كون الملك هنا غير مستقرّ من جهة تعلق حقّ الديان بالتركة ، وذلك لأنّ مستند هذه الدعوى : إن كان ما دلّ على عدم ملك العمودين وانعتاقهما بمجرّد الملك ، لقوله عليه‌السلام : «وأما الأبوان فقد عتقا حين يملكهما» (١) ففيه : عدم شمول الدليل لهذا النحو من الملك غير المستقرّ ، لظهوره في الملك المطلق الذي ليس متعلقا لحقّ الغير ، لا كلّ ما يطلق عليه الملك ولو كان محجورا عن التصرف فيه كما في المقام ، من جهة تعلق حق الدّيان به ، ولذا لا يصح عتق غير أمّ الولد ـ كما لو ترك الميت عبدا أو أمة ـ لتعلق حقهم به. ولم ينهض دليل على كفاية مطلق الملك في الانعتاق ، ولم ينصّ عليه الأصحاب.

بل يشهد لعدم كفايته أنّه لو وقف عبده على من ينعتق العبد عليه ـ كأبيه وامّه على تقدير تملكه له اختيارا أو قهرا ـ وقلنا بصحة هذا الوقف ، لم ينعتق العبد على الموقوف عليه وإن انتقل إليه ، بناء على ترتب الملك على الوقف الخاص.

والوجه في عدم انعتاقه على الموقوف عليه تعلق حق الغير من الواقف والموقوف عليه والبطون به. ومن المعلوم عدم الفرق ـ في عدم كفاية مطلق الملك للانعتاق ـ بين تعلّق حق الوقف بالمملوك الموقوف وبين تعلق حقّ الدّيّان بامّ الولد.

وإن كان مستند هذه الدعوى دليل انعتاقها من نصيب ولدها ، ففيه ما تقدم في الوجه الثاني من ظهور «النصيب» في ما زاد على الدّين.

فالمتحصل : أنّه إمّا أن لا تنتقل أمّ الولد ـ مع فرض استيعاب الدين ـ إلى الولد انتقالا تامّا مستقرا ، فلا انعتاق حينئذ ، ولا مانع من بيعها في الدين. وإمّا أن يكون هناك انتقال تام مصحّح للانعتاق ، ولكنّه مناف لكون الإرث المستقرّ متأخرا

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ١٠ ، الباب ٧ من أبواب العتق ، الحديث : ٦.

٣٥٣

بمثل هذا الملك (١) ممّا (٢) لم ينصّ عليه الأصحاب ، ولا دلّ (٣) عليه (٤) دليل معتبر (٥). وما يوهمه (٦) الأخبار وكلام الأصحاب من إطلاق الملك ، فالظاهر (٧) أنّ المراد به غير (٨) هذا القسم ، ولذا (٩) لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف على من ينعتق عليه (١٠ ، بناء (١١) على صحة الوقف وانتقال الموقوف إلى الموقوف عليه.

ورابعا (١٢):

______________________________________________________

عن الدين.

(١) وهو الملك المقرون بالحجر عن التصرف.

(٢) خبر «أن ما ادعاه».

(٣) لانصراف الدليل إلى الانعتاق من نصيب الولد بما أنّه ملك تامّ ومستقرّ.

(٤) هذا الضمير وضمير «عليه» راجعان إلى الانعتاق على الولد.

(٥) فكيف يدّعى كفاية هذا الملك في الانعتاق؟

(٦) يعني : أنّ كلمة «الملك» في «إذا ملكوا» أو «تنعتق من نصيب الولد» وإن كانت موهمة لإرادة مطلق الملك ولو المحجور من التصرف فيه ، ولكنها ظاهرة في الملك المستقر ، ولا يراد به الأعم منه ومن المحجور المشرف على الزوال لتعلق حق الديان به.

(٧) خبر «وما» ودخول الفاء عليه لتضمن الموصول معنى الشرط.

(٨) أي : غير ما تعلّق به حق الدّيان.

(٩) أي : ولأجل إرادة الملك المطلق لا يحكم ... ، وتقدم توضيح هذا الشاهد بقولنا : «بل يشهد لعدم كفايته أنّه ...».

(١٠) فلو انعتق على الموقوف عليه لزم من وجوده عدمه ، وهو محال ، فيلزم بطلان الوقف بالانعتاق.

(١١) فلو قيل ببطلان هذا الوقف لم يتم الاستشهاد بهذا الفرع للمقام.

(١٢) جعله صاحب المقابس قدس‌سره ثالث الوجوه ، وهو ناظر إلى تقويم نصيب

٣٥٤

أنّه يلزم (*) على كلامه أنّه متى كان نصيب الولد من أصل التركة بأجمعها

______________________________________________________

الولد ، وحاصله : أنّ مقتضى كلام المسالك ـ من أداء قيمة النصيب من ماله إلى الدّيان ـ أن يخسر الولد تمام قيمة امّه أو بعضها لهم ، وانعتاقها عليه في صور ثلاث.

ووجه اللزوم انعتاقها في ملك الولد مع استغراق الدّين ، إذ المفروض انتقال التركة إلى الوارث ، وبانتقالها إليه ينعتق نصيب الولد من امّه. فلو لم يكن الدين محيطا بالتركة كان انتقالها إليه وانعتاقها عليه أولى.

والصور الثلاث التي أدرجها المقابس في هذا الوجه الرابع هي :

الاولى : أن يساوي نصيب الولد من مجموع التركة تمام قيمة امّه. وهذا يكون تارة مع استغراق الدين ، كما إذا كانت التركة مأتي دينار وكذا الدين ، وكان الوارث ولد هذه الأمة وابنا من غيرها ، وكانت قيمة أمّ الولد مائة دينار ، فإنّ نصيب ولد الأمة ـ وهي المائة ـ يساوي قيمة امّه.

واخرى بدون استغراق الدين للتركة ، كما إذا فرض الدين في المثال مائة دينار.

ونصيب الولد في الفرضين يستوعب قيمة الأم ، مع زيادة نصيبه على القيمة فيهما قبل الدين ، ونقصان نصيبه عن قيمتها بعد أداء الدين في الفرض الأوّل.

فإن كان الدين مستغرقا انعتق الامّ من نصيب الولد ، ويغرم قيمتها للديان ، فترد عليه الخسارة ، لأنّه يغرم القيمة من ماله الشخصي.

__________________

(*) التعبير باللازم مسامحة ـ لأنّ صاحب المسالك صرّح بالانعتاق والتقويم في الدين المستوعب ، لا أنّه لازم كلامه. فلعلّ إشكال المقابس عليه هو : أنّ الانعتاق مع تغريم الولد قيمة نصيبه للديان ممّا لا قائل به ، ولا ممّا قام عليه دليل ، وإلّا فأصل الانعتاق مما ذهب إليه الشهيدان في اللمعتين والصيمري والسيوري قدس‌سرهم.

وبعبارة أخرى : التعبير باللزوم منوط بكون الصور الثلاث المذكورة في الإشكال الرابع خارجة عن مورد كلام المسالك حتى يتجه جعل التقويم على الولد

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كان الدين غير مستوعب للتركة ـ ككون الدين في المثال المزبور مائة دينار ـ انعتقت الامّ من نصيب الولد ، وهو المائة التي هي نصف التركة ، فتقوّم عليه ، ولا يرث من سائر التركة ، فلا يغرم في هذه الصورة من ماله الشخصي شيئا.

الثانية : أن يكون نصيب الولد في الدين غير المستغرق ـ بعد إخراج الديون والوصايا ـ مساويا لقيمة أمّ الولد ، كما إذا كانت التركة ثلاث مائة دينار ، وكان الدّين مائة دينار ، والوارث هذا الولد وولدا آخر من امرأة اخرى ، فإنّ نصيب الولد بعد إخراج الدين عن مجموع التركة يكون مائة دينار ، وهي تساوي قيمة الامّ كما لا يخفى.

__________________

فيها من لوازمه. فلو كانت مندرجة فيه فلا لازم ولا ملزوم في البين.

وقد يبنى ورود الإشكال وعدمه على ما يراد من مرجع الضمير في عبارة المسالك المنقولة في المتن ، وهي «فينعتق نصيب الولد منها».

فإن اريد به التركة بأن يكون مقصود الشهيد الثاني قدس‌سره قياس صورة استغراق الدين على ما لم يكن دين ، لأنّه لو لم يكن دين انعتق على الولد نصيبه من جميع التركة على ما صرّح به في عبارته المنقولة في (ص ٣٣٥) فإذا انعتقت على الولد اتّجه عليه الإشكال الذي حاصله :

أنّه لو قلنا بانعتاق أمّ الولد في جميع الصور ، فإنّما هو من جهة عدم قابلية أمّ الولد لأن تكون مخرجا للدّين. وأمّا سائر التركة فلا مانع من أن تكون مخرجا للدين.

مع أنّ مقتضى التزام المسالك «بأنّه يقوّم عليه مقدار قيمة النصيب من ماله» هو انعتاق أمّ الولد في جميع الصور ـ حتى في غير الدين المستغرق ـ من نصيب الولد من التركة ، فلا يكون شي‌ء مما يرثه من التركة مخرجا للدين ، بل إنّما يقوّم عليه بمقدار سهمه من الدين الذي لو لا أمّ الولد لكان للوارث أن يؤديه من عين التركة ، ولو امتنع لكان للديان أخذه منها. وهذا مما لا يقول به الأصحاب ، وممّا ينبغي

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أو أقلّ من قيمة الامّ ، كما إذا كان الدّين في المثال مائتي دينار ، فإنّ نصيب الولد ـ بعد إخراج هذا الدين ـ خمسون دينار ، وهي نصف قيمة امّه ، فيغرم حينئذ من ماله الشخصي خمسين دينارا لأخيه.

ثم إن هذه الصورة بقسميها من أقسام صورة عدم استغراق الدين للتركة ، وليست مستقلة وفي قبال الصورة الاولى كما لا يخفى.

الثالثة : أن يكون نصيب الولد من أصل التركة مساويا لنصف قيمتها أو ثلثها أو أزيد أو أقل ، كما إذا كان التركة مائة وعشرين دينارا ، وقيمة الامّ تسعين دينارا ، مع استغراق الدّين ، وكون الوارث كالمثال السابق ، فإنّ نصيب الولد من مجموع التركة يساوي ستين دينارا ، وهي ثلثا قيمة امّه ، فينعتق ثلثاها ، ويغرم ستين دينارا للديان ، فيبقى باقي الدين على الامّ فإنها ـ لانعتاقها بالسراية ـ تسعى في ربع الدين ، وهو ثلاثون دينارا ، وعلى الولد الآخر أيضا ثلاثون دينارا.

__________________

القطع ببطلانه ، سواء قيل بالتقويم على الولد أم قيل بسعي الام فيه.

وإن أريد به أمّ الولد لم يرد عليه الإشكال. والظاهر ذلك ، لأن الشهيد الثاني قدس‌سره بصدد بيان عدم مانعية إحاطة الدين بالتركة عن انتقالها إلى الوارث ، غاية الأمر يجب دفع ما قابل سهمه ممّن ينعتق عليه إلى الدّيّان جمعا بين الحقين. وهذا لا يلازم التقويم عليه في جميع الصور حتى مع عدم إحاطة الدين بالتركة ، ولا يلازم القول بانعتاق الأمّ على الولد بمقدار تمام نصيبه من التركة.

ولو فرض رجوع ضمير «منها» إلى التركة حتى يكون مختاره انعتاق الامّ على الولد بمقدار نصيبه من التركة لم يرد الإشكال على المسالك ، لظهور كلامه فيما لم يكن دين على الميت ، فلو كان عليه دين لم يظهر منه ذلك ، فله أن يلتزم بانعتاقها عليه بمقدار نصيبه من تمام التركة ، أو بمقدار نصيبه من الامّ. فراجع (١).

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

٣٥٧

يساوي قيمة أمّه تقوّم (١) عليه ، سواء كان هناك دين مستغرق أم لا ، وسواء كان (٢) نصيبه الثابت في الباقي (٣) بعد الديون ونحوها (٤) يساوي قيمتها أم لا. وكذلك (٥) لو ساوى نصيبه من الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك (٦) ، فإنّه يقوّم نصيبه عليه (٧) كائنا ما كان ، ويسقط من القيمة

______________________________________________________

(١) أي : تقوّم الامّ على ولدها ، وهذا إشارة إلى الصورة الاولى ، وتقدم توضيحها ، وأنّها تفرض تارة مع استغراق الدين للتركة ، واخرى بدونه.

(٢) هذا إشارة إلى الصورة الثانية ، وضمير «نصيبه» راجع إلى الولد.

(٣) المراد من الباقي باقي التركة ، أي ما عدا أمّ الولد.

(٤) مما يخرج من الأصل كمئونة التجهيز والكفن.

(٥) يعني : وتقوّم على الولد لو ساوى ... ، وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة ، وهي تتصور تارة مع استغراق الدين ، كما عرفت ، واخرى بدونه ، كما إذا كان الدين ستين دينارا مع كون التركة مائة وعشرين دينارا ، وقيمة أمّ الولد تسعين دينارا ، فإنّ نصيب الولد ـ وهو ما يساوي ستين دينارا من التركة ـ ثلثا قيمة الامّ ، فينعتق ثلثاها ، وعليه ثلاثون دينارا للدّيّان ، وعلى الامّ أن تسعى للديان في ثلثها ، وهو ثلاثون دينارا. وباقي التركة ـ وهو الثلاثون ـ للولد الآخر.

(٦) كالربع والخمس ، بحسب نصيب كل واحد من الورّاث.

(٧) أي : يقوم نصيب الولد على الولد ربعا كان النصيب أم ثلثا أم نصفا.

__________________

لكن الظاهر رجوع الضمير إلى التركة ، لكون عبارة المسالك مسوقة لبيان انعتاق الام على الولد لو وفت حصته من مجموع التركة بقيمة امّه ، لا انعتاق خصوص نصيبه منها ، كما يشهد به عبارته المفصّلة المنقولة في (ص ٣٣٥).

وأمّا ما أفاده الميرزا قدس‌سره أخيرا من ظهور عبارة المسالك في ما لم يكن دين على الميّت ، فلم يظهر وجهه بعد صريح قوله : «على تقدير استغراق الدين» وهو أعلم بما قال.

٣٥٨

نصيبه (١) الباقي الثابت ـ إن كان له نصيب (٢) ـ ويطلب (٣) بالباقي (٤). وهذا (٥) مما

______________________________________________________

(١) يعني : فيما إذا لم تكن التركة منحصرة بامّ الولد ، فإنّ امّه تقوّم عليه ، ويسقط من القيمة نصيبه من سائر التركة. فإن ساوى نصيبه منها القيمة فلا يغرم شيئا ، كما إذا كانت التركة مأتين وأربعين دينارا ، والدّين ستين دينارا ، فإنّ الولد لا يغرم من ماله الشخصي شيئا ، لأنّ نصيبه من جميع التركة مائة وعشرون دينارا ، وقيمة الام تسعون دينارا ، فتنعتق كلّها من نصيب ولدها ، ويسقط من قيمتها حصّتها من سائر التركة ، ويصرف ما زاد من سهمه من بقية التركة على قيمتها ـ وهو الثلاثون ـ في دين الميت ، والولد الآخر يوفي أيضا باقي الدين أعني الثلاثين.

وبالجملة : فتنعتق الامّ كلّها في هذا المثال ، ويسقط نصيب ولدها الثابت في بقية التركة من قيمة الامّ ، ولا يطالب بشي‌ء في وفاء الدين ، إذ المفروض بقاء ما يساوي نصف الدين من التركة للولد. وإن لم يكن له نصيب ، كما إذا انحصرت التركة في أمّ الولد ، فإنّ نصيبه منها ـ وهو النصف ـ يقوّم عليه بخمسة وأربعين دينارا ، ويطالب بتمام هذه القيمة للدّيّان ، وليس له نصيب من غير الام حتى يسقط نصيبه الثابت فيه من الخمسة والأربعين.

(٢) كما عرفت في هذا المثال.

(٣) كذا في النسخ ، والاولى «يطالب» أو «يطالبه» كما في المقابس ، والمطالب هم الديان.

(٤) كما عرفت في مثال كون التركة مائة وعشرين دينارا ، والدّين ستين دينارا ، فإنّ الولد يضمن حينئذ ثلاثين دينارا للدّيان ، لكون قيمة نصيبه من التركة ـ وهو النصف ـ ستون دينارا ، فيسقط من الستين خمسة عشر دينارا ، لأنّها نصيبه من غير الام من سائر التركة ، ويطالب للديّان بخمسة وأربعين دينارا كما لا يخفى.

(٥) أي : الانعتاق القهري على الولد ـ مع الضمان وغرامة قيمة نصيبه ـ ممنوع ، لمخالفته للإجماع.

٣٥٩

لا يقوله أحد من الأصحاب ، وينبغي القطع ببطلانه (١).

ويمكن دفع الأوّل : بأنّ المستفاد (١)

______________________________________________________

فملخّص هذا الإشكال على المسالك : أنّ الانعتاق القهري مع الضمان وغرامة الولد لقيمة ما ينعتق عليه من الام ممّا لم يقل به أحد إلّا الشيخ في الخلاف ، مع أنّه رجع عنه في المبسوط ، بل نسب إليه أنّه لم يقل بذلك إلّا في الدين غير المستغرق ، فقال : إنّه يجب على الولد فك الباقي من ماله بعد بذل ما قابل سهمه الذي ورثه من الميت ، ووافقه على ذلك ابن حمزة. والمستند الخبر المذكور في باب الاستيلاد.

والحاصل : أنّ ملخّص الإشكالات الأربعة الراجعة إلى كلتا دعويي المسالك : ـ من انعتاقها من نصيب الولد ، ومن تقويمها عليه وأخذ قيمتها منه ـ هو : أنّ المراد بالنصيب الذي تنعتق به الامّ هو النصيب الزائد على الدّين ، لأنّه الظاهر من النصيب. وهذا حاصل الإشكال الثاني.

كما أنّ المراد بالملك الذي انيط به العتق في ملك العمودين وغيره هو الملك الطّلق ، لا مطلق الملك ، وإن لم يكن طلقا. وهذا محصّل الإشكال الثالث. فهذان الإشكالان يمنعان الدعوى الاولى ، فإن تمّا جاز بيع أمّ الولد كما عن الشيخ قدس‌سره.

كما أنّ الإشكال الأوّل والرابع يمنعان الدعوى الثانية أعني بها التقويم على الولد ، وذلك لأنّ ظاهر أدلة الانعتاق من نصيب الولد هو انعتاقها مجّانا ، لا بتقويمها على الولد. وهذا مفاد الإشكال الأوّل ، لقوله : «إنّ ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب». كما أنّ حاصل الإشكال الرابع عدم التزام أحد به.

هذا ما يستفاد من ظاهر عبارات المقابس في بيان الإشكالات الأربعة. والمصنف قدس‌سره صار بصدد دفعها كما سيظهر.

(١) توضيحه : أنّ الشهيد قدس‌سره لم يدّع دلالة أدلة «انعتاق أمّ الولد من نصيب

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٨.

٣٦٠