هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

عن أبي الحسن (١) عليه‌السلام ، قال : «سألته عن أمّ الولد ، تباع (٢) في الدّين؟ قال : نعم (٣) ، في ثمن رقبتها (٤)» (١).

ومقتضى إطلاقها (٥) ،

______________________________________________________

الأصحاب ، لاستنادهم إليها في الحكم بجواز بيعها في حياة المولى إن كان ثمنها دينا عليه ، كما سيأتي.

(١) وهو الإمام الكاظم عليه‌السلام بقرينة كون الراوي من أصحابه.

(٢) بتقدير همزة الاستفهام أي : أتباع في الدين؟

(٣) كذا في نسخ الكتاب ، وهو موافق لما في الكافي والوسائل ، ولكن في التهذيب «نعم تباع ...».

(٤) ودلالتها على المدّعى ـ وهو جواز البيع في ثمن رقبتها بعد وفاة السيد ـ إمّا لأنّ قوله عليه‌السلام : «نعم» في جواب السؤال ب «تباع في الدين؟» بصيغة المجهول الظاهرة في كون البائع غير المولى. وفيه إشعار بكونه سؤالا عمّا بعد الموت. وإمّا لأنّ تجويز البيع مطلق شامل لحالتي حياة السيد وموته.

وعلى كل الوجهين تصلح الرواية للاستدلال بها على الصورة المتقدمة.

(٥) شرع قدس‌سره بتحقيق مدلول الروايتين من حيث وفائهما بإثبات جواز بيعها في ثمن رقبتها حال حياة السيّد ، وعدمه. وكلمات المصنف ـ كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدس‌سره (٢) مع اندماجها ـ تقع في مراحل :

الاولى : التمسك بروايتي عمر بن يزيد لجواز بيعها.

الثانية : التمسك بهما للمنع.

الثالثة : ترك الاستدلال بهما ، إمّا للمعارضة ، وإمّا لعدم الدلالة ، ثم الانتقال

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٥١ ، الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث : ٢ ؛ الكافي ، ج ٦ ، ص ١٩٢ ، الحديث : ٢ ؛ التهذيب ، ج ٨ ، ص ٢٣٨ ، الحديث : ٩٢ من كتاب العتق (المسلسل ٨٥٩).

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٨٤.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى عموم المنع والقاعدة الكلية التي استفادها المصنف من النصوص والإجماع.

وفي هذه المرحلة عارض هذا العموم بعموم صحة العقود وحلّ البيع كما ذهب إليه جمع ، ثم رجّح عموم المنع.

الرابعة : الرجوع ثانية إلى رواية ابن يزيد لإثبات جواز البيع حال الحياة ، وتقديمها على معارضها وهي صحيحة ابن مارد.

أمّا المرحلة الاولى ، فيمكن الاستدلال على جواز بيع أمّ الولد ـ في حياة مولاها ـ تارة بخصوص رواية عمر بن يزيد من جهة إطلاق الجواز ، وعدم اختصاصه بحال الموت ، بعد عدم كون قول السائل «تباع» قرينة على وفاة السيد. والتقييد بالموت وإن استفيد من صحيحته ، إلّا أنّه لا موجب لحمل المطلق على المقيد هنا ، لكونهما مثبتين ، فلسان أحدهما تجويز البيع بعد وفاة السيد ، والآخر تجويزه لأداء الدين مطلقا ، ولا منافاة بينهما ، فيؤخذ بهما.

واخرى بكلتا الروايتين ، بدعوى : إطلاق الصحيحة كإطلاق الرواية ، وذلك بمنع ما فيها من قرينة على وقوع بيع الأمير عليه الصلاة والسلام بعد وفاة مواليهن.

أمّا قول السائل : «لم باع أمير المؤمنين عليه‌السلام؟» فلا يقتضي تحقق البيع بعد موت السيد ، لما في المقابس من قوله : «وذلك لأنّه لا فرق في حياته وموته في أنّ المباشر هو المولى مع وجوده ، والوارث بعد موته. فلا وجه لمباشرته عليه‌السلام إلّا بطريق الوكالة أو الولاية حيث وجد سببها ، كامتناع المولى أو الوارث ، أو صغر أو نحو ذلك. فالوجه في إسناده ـ أي إسناد البيع ـ إليه : إمّا ذلك ، فيعم الصورتين ـ أي حياة السيد وموته ـ أو حكمه عليه‌السلام بالبيع عموما أو في الموارد الخاصة ، لأنّ مثل ذلك مما يرجع فيه إليه عليه‌السلام ، لتعلق حق الله تعالى وحقّ أمّ الولد ببقائها لتحصيل انعتاقها مع حصول شرائطه» (١).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٢.

٣٠٢

بل إطلاق الصحيحة ـ كما قيل (١) ـ ثبوت الجواز مع حياة المولى كما هو مذهب

______________________________________________________

وأمّا قوله عليه‌السلام : «بيعت» فلا يشهد بكون المتصدّي للبيع غير المولى بعد وفاته ، وذلك «لأنّ التعبير بالمجهول في مقام سوق القضية بنحو الكلية ـ من دون اختصاص الحكم بمالك دون مالك ـ شائع جدّا» (١).

وأما قول السائل : «فيبعن» فليس قرينة أيضا على موت المولى ، لأعميته منه ومن حال حياته ، خصوصا إذا كان المقصود تعميم جواز البيع لصورتي الموت والحياة.

مضافا إلى أنّه كلام السائل ، فلو فرض ظهوره في إرادة البيع بعد الوفاة لم يكن حجة ، إذ العبرة بما ورد في جوابه عليه‌السلام.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «ولم يدع من المال» فهو وإن كان ظاهرا في البيع الواقع بعد موت المولى ، ويؤمي إليه أيضا قوله : «بيعت» لكنه لا يقتضي تقييد الإطلاق ، لاحتمال كون الغرض بيان إحدى الصورتين في مقام التمثيل. وإطلاق الخبر الثاني يكشف عن كونه تمثيلا ، لا تخصيصا ولا بيانا ، لأنّ بيع أمير المؤمنين عليه‌السلام كان في هذه الصورة خاصة. وقد فهم الأصحاب ذلك أيضا كما يظهر منهم ، حيث لم يخصّصوا الحكم بذلك ولم يعتبروا مفهومه (٢).

ويحتمل أن يراد من قوله عليه‌السلام : «ولم يدع» أنّ المولى لم يترك من ماله شيئا ، كما إذا أنفق ماله مثلا ، ولم يبق منه ما يؤدّي به ثمن أمّ الولد.

وعليه فلا تختص الصحيحة حينئذ بوفاة المولى.

(١) المصرّح بإطلاق صحيحة عمر بن يزيد لحال حياة المولى جماعة ، منهم الشهيد الثاني وأصحاب الرياض والمناهل والمقابس (٣) قدس‌سرهم. وهو مقتضى استدلال

__________________

(١) حاشية المحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ٢٧٨.

(٢) مقابس الأنوار ، ص ٧١ و ٧٢.

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٨ ، ص ٤٦ ؛ رياض المسائل ، ج ١١ ، ص ٤٠٥ ـ ٤٠٦ ، وج ١٣ ، ص ١١١ ؛ المناهل ، ص ٣١٩ ؛ مقابس الأنوار ، ص ٧١.

٣٠٣

الأكثر (١) ، بل لم يعرف الخلاف فيه صريحا (٢). نعم تردّد فيه الفاضلان (٣).

وعن نهاية المرام والكفاية (٤) «أنّ المنع نادر ، لكنّه لا يخلو عن قوّة».

______________________________________________________

آخرين بالصحيحة على جواز بيعها في ثمن رقبتها وإن كان في حياة السيد ، كالعلّامة والشهيد والمحقق الثاني (١) والفاضل الأصفهاني ، وغيرهم قدس الله أسرارهم.

قال في المسالك بعد نقل الصحيحة : «وهذه الرواية كما دلّت على جواز بيعها في ثمن رقبتها في هذه الحالة مطلقا ـ الشاملة لموت المولى وعدمه ـ دلّت على عدم جواز بيعها في غيره من الديون ، الشامل لما لو استغرقت التركة» (٢).

(١) قال في موضع من الرياض : «بل مطلقا على الأظهر الأشهر» (٣).

(٢) ولدا ادّعى صاحبا الرياض والمقابس (٤) الإجماع عليه.

(٣) يعني : في بعض المواضع ، كالمحقق في بيع الشرائع ، والعلّامة في بيع القواعد والتحرير (٥). وإلّا فلا تفصيل بين حياة المولى وموته في كلام المحقق في نكاح الشرائع وعتقه (٦) والنافع ـ كما قيل ـ ولا في كلام العلّامة في المختلف والإرشاد وعتق القواعد (٧).

(٤) هذا إشارة إلى المرحلة الثانية ، وهي استظهار منع بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها حال حياة المولى ، خلافا للأكثر ، وهذا القول وإن كان نادرا كما ذكره صاحب المدارك قدس‌سره ، ولكنّه لا يخلو من قوة من جهة عدم الاعتماد على رواية ابن يزيد ،

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٨ ، ص ١٣٠ ؛ الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٢٣ ؛ جامع المقاصد ، ج ١٣ ، ص ١٣٤.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ٨ ، ص ٤٦.

(٣) رياض المسائل ، ج ١٣ ، ص ٤٠٥.

(٤) رياض المسائل ، ج ١٣ ، ص ١١١ ؛ مقابس الأنوار ، ص ٧١.

(٥) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧ ؛ قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣ ؛ تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ١٦٥ (ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، الطبعة الحديثة).

(٦) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٣١٢ ، وج ٣ ، ص ١٣٩.

(٧) قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ٦٠ وص ٢٥٩ ؛ إرشاد الأذهان ، ج ٢ ، ص ٨١.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بناء على مبناه من اختصاص أدلة حجية الخبر الواحد بالصحيح. وينحصر الدليل في صحيحة ابن يزيد ، وهي بقرينة قوله عليه‌السلام : «ولم يدع من المال» مختصة بإفادة الجواز بعد موته ، فيبقى البيع قبله مندرجا في ما دلّ على عموم المنع.

قال قدس‌سره ـ بعد نسبة الجواز إلى الأكثر ، وجزم جدّه قدس‌سره به في المسالك ، وظهور «لم يدع» في الموت ـ ما لفظه : «والقول بالمنع نادر ، لكنه لا يخلو عن قوّة» (١). وقريب منه كلامه في باب الاستيلاد (٢).

وتصدّى صاحب الجواهر قدس‌سره لتوجيه دلالة الروايتين على منع البيع حال الحياة بقوله : «نعم قد يقال. إنّ الإطلاق المزبور يمكن تقييده بصحيح عمر بن يزيد الآخر ... ضرورة ظهور قوله : ـ ولم يدع ـ في حال الموت كظهوره في اعتبار ذلك في الجواز ، خصوصا بعد أن كان ذلك منها في بيان الكيفية المسؤول عنها ، بل هو صريح ذيله الشامل للدين حال الحياة ... الخ» (٣).

وتوضيحه : أنّ رواية عمر بن يزيد وإن كانت مجوّزة لبيعها مطلقا ، إلّا أنها تقيّد بصحيحته المختصة بحال الموت. والوجه في اختصاصها به أمران :

أحدهما : ظهور قوله عليه‌السلام : «ولم يدع» في كونه قيدا للكيفية التي سأل الراوي عنها بقوله : «وكيف ذلك؟». والكيفية التي جاز فيها البيع هي أداء ثمن رقبتها بعد الموت. وأمّا بيعها في حياة المولى فلم يذكره الإمام عليه‌السلام ، وإنّما قرّر السائل فيما كان مرتكزا عنده من عموم المنع. ومن المعلوم أنّ مفهوم تقييد الجواز بما بعد الموت هو انتفاء الجواز بانتفاء القيد.

__________________

(١) نهاية المرام ، ج ١ ، ص ٢٩٤ ؛ كفاية الأحكام ، ص ١٧٣ ، حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٢.

(٢) نهاية المرام ، ج ٢ ، ص ٣١٦.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٦ ـ ٣٧٧.

٣٠٥

وربما يتوهم (١) القوة (٢) من حيث توهّم تقييدها (٣) بالصحيحة السابقة ، بناء على (٤) اختصاص الجواز فيها بصورة موت المولى ـ كما يشهد به (٥) قوله فيها :

______________________________________________________

وعليه فيكون عموم المنع ـ المستفاد من تقريره عليه‌السلام ـ بضميمة تقييد الجواز بالموت بمنزلة العام المخصّص ، والعام المخصّص يفيد الحصر. ويتعين حينئذ تقييد إطلاق ما في رواية عمر بن يزيد «نعم تباع في ثمن رقبتها» بما إذا لم يؤدّ المولى الدين في حياته.

ثانيهما : أنّ قوله عليه‌السلام : «لا» في ذيل الصحيحة في جواب سؤال ابن يزيد : «فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟» صريح في عدم جواز البيع إلّا في مورد واحد ، وهو المشار إليه ب «ذلك» وهو الدين في ثمن الرقبة بعد الموت. ومن المعلوم أنّ بيعها حال الحياة ـ وإن كان لوفاء الدين في ثمن أمّ الولد ـ داخل تحت عموم «ما سوى» كما يدخل فيه سائر ديون السيّد. وبعد تقيّد الصحيحة بالجواز المختصّ بما بعد الموت يقيّد إطلاق الجواز في الرواية الاخرى. ونتيجة هذا التقييد فقد الدليل المخصّص لعموم منع أمّ الولد ليقال بجواز بيعها في ثمن رقبتها في حياة مولاها.

(١) لعلّ الأنسب بمقام صاحب الجواهر قدس‌سره عدم التعبير عما أفاده بالتوهم في الموضعين.

(٢) قد ظهر أنّ مناط منع البيع حال الحياة فقد الدليل عند صاحب المدارك قدس‌سره لعدم استناده إلى رواية عمر بن يزيد ، كما أنّ مناطه بنظر صاحب الجواهر قدس‌سره تقييد إطلاق الرواية بالصحيحة ، لصراحتها في الاختصاص بالبيع بعد الموت.

(٣) أي : تقييد رواية اخرى ـ لعمر بن يزيد ـ بصحيحته.

(٤) هذا البناء هو مبنى التقييد ، إذ لو كان مفاد الصحيحة مجرد جواز البيع في صورة موت السيد ـ من دون دخل للموت فيه ـ لم تصلح الصحيحة للتقييد.

(٥) أي : يشهد باختصاص الجواز قوله عليه‌السلام : «ولم يدع».

وجه الشهادة : ظهوره في أنّ المولى لم يخلّف مالا يؤدّى به ثمنها ، فهو ظاهر في

٣٠٦

«ولم يدع من المال ... الخ» ـ فيدلّ (١) على نفي الجواز عمّا سوى هذا الفرد (٢) ، إمّا لورودها (٣) في جواب السؤال عن موارد بيع أمّهات الأولاد ، فيدلّ (٤) على الحصر. وإمّا (٥) لأنّ نفي الجواز في ذيلها فيما سوى هذه الصورة (٦) يشمل بيعه (٧) في الدين مع حياة المولى.

______________________________________________________

الموت ، فيقيّد به إطلاق قوله عليه‌السلام في خبر آخر لعمر بن يزيد : «نعم في ثمن رقبتها» إن لم يكن ظاهرا في بيعها حال وفاة المولى ، لظهور قول الراوي : «تباع في الدين» في كون البائع غير المولى ، الظاهر في موته.

وبالجملة : فبعد تقيّد الروايتين أو تقييد المطلق منهما بمقيّدها ، يكون المتحصل جواز بيع أمّ الولد في خصوص ثمن رقبتها بعد موت سيّدها.

(١) يعني : فيدل قوله عليه‌السلام : «فيدع» على نفي الجواز في غير هذا الدين المخصوص.

(٢) وهو دين ثمنها بعد وفاة السيد.

(٣) أي : لورود الصحيحة ، وهذا إشارة إلى أوّل الوجهين ، وتقدم توضيحهما بقولنا : «أحدهما ... ثانيهما».

(٤) أي : فيدلّ قوله عليه‌السلام : «فيدع» على الحصر.

(٥) معطوف على «إمّا» وهذا إشارة إلى ثاني الوجهين ، وهو قوله في الجواهر : «بل هو صريح ...».

ولعلّ الأولى تبديل «أمّا» بالواو ، لأنّ صاحب الجواهر قدس‌سره جمع بين الوجهين ، وجعلهما قرينة على الحصر ، وليس المقصود وفاء أحد الوجهين به على سبيل منع الخلو كما يستشمّ من كلمة «إمّا» والأمر سهل.

(٦) أي : سوى صورة موت المولى ، وبقاء ثمنها في ذمته.

(٧) كذا في النسخ ، والصحيح «بيعها».

٣٠٧

واندفاع التوهم بكلا وجهيه واضح (١).

______________________________________________________

(١) هذا منع قوّة عدم جواز البيع ـ حال حياة المولى ـ بالوجهين المتقدمين عن الجواهر.

أمّا منع الأوّل ، فلعدم كون السؤال من تمام موارد جواز بيع أمّ الولد ، حتى يكون جوابه مفيدا للحصر بما ذكره من المورد. بل الظاهر أنّ السؤال كان عن المسوّغ الذي باع الأمير صلوات الله وسلامه عليه لأجله أمّ الولد ، وإن أجاب الإمام الكاظم عليه‌السلام بنحو القضية الكلية المنطبقة على بيع الأمير عليه‌السلام «في فكاك رقابهن». وحينئذ فاللازم ملاحظة هذه الكلية وما اخذ فيها من قيود. ولا ريب في أنّ المتيقن من القيد هو عدم أداء الثمن وفقد المال الذي يؤدى به الدين ، وأمّا قيدية الموت فغير معلومة ، وإن كان جوابه عليه‌السلام ناظرا إلى صورة الموت.

فالنتيجة : أنّه لا وجه لاستفادة الحصر من الجواب ، فيمكن أن يكون هناك وجه آخر لجواز البيع.

وأمّا منع الثاني ، فلظهور السؤال الثاني ـ كالأوّل ـ في بيعها في الدين بعد الموت ، والجواب أيضا ظاهر في عدم بيعها بعد الموت ، فلا يشمل نفي الجواز في ذيلها بيعها في الدين مع حيوة المولى ، لوضوح أنّ «بيعها في ثمن رقبتها في حياة المولى» وإن كان بيعا لها في ما سوى حال الموت ، ولكنه ليس بيعا لها في ما سوى ثمن رقبتها ، والمراد بقوله عليه‌السلام : «في ما سوى ذلك» أي : سوى دين ثمنها من دون تقييد بالموت.

وعليه فالوجهان المزبوران لا يصلحان لإثبات عدم جواز البيع في حال حياة المولى حتى يكونا دليلين على خلاف المشهور ، كما لا يخفى.

وقد تحصّل مما أفاده المصنف قدس‌سره في المرحلة الثانية : قصور صحيحة ابن يزيد وروايته عن إثبات منع البيع في حياة المولى.

٣٠٨

نعم ، يمكن أن يقال (١):

______________________________________________________

(١) هذا شروع في المرحلة الثالثة ، وهي ترك العمل بالخبرين ـ بالنسبة إلى حكم البيع في حياة السيد ـ إمّا لقصور الصحيحة والرواية ، وإما للمعارضة. وعلى كلّ منهما يتعين الرجوع إلى قاعدة المنع العامة ، أو قاعدة اخرى.

أمّا قصور الصحيحة فللجمود على ظاهرها من اختصاص الجواز بما بعد وفاة السيد. وأما قصور الرواية فلظهور قول السائل : «تباع في الدّين؟» ـ بصيغة المجهول ـ في كون البائع لها شخصا آخر بعد موت السيد.

وعليه فلا إطلاق فيها لتجويز البيع حال الحياة ، كما لم يكن إطلاق في الصحيحة. وحينئذ فالمرجع القاعدة الكلية في بيع أمّهات الأولاد ، وهو المنع.

وأمّا بناء على عدم اختصاص رواية ابن يزيد بالبيع بعد وفاة المولى وشمولها لحال الحياة ، فتقع المعارضة بينها وبين صحيحة ابن مارد المتقدمة في (ص ٢٦٥) وفيها قوله عليه‌السلام : «هي أمته ، إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل ، وإن شاء أعتق» لظهور المفهوم في أنّ الأمة المستولدة بالتزويج لو اشتراها وتملكها ـ وحملت بعد الشراء ـ لا يجوز بيعها مطلقا ، سواء أراد السيد بيعها في ثمنها أم في غيره من الديون ، أم فيما ليس دينا أصلا.

والنسبة بينهما عموم من وجه ، وذلك لأخصية صحيح ابن مارد من رواية ابن يزيد من جهة ، لاختصاص الصحيح بحياة المولى بقرينة قوله : «إن شاء باع» وأعميته منها من جهة اخرى ، لعدم اختصاصه ببيعها في ثمن رقبتها.

وأخصية رواية ابن يزيد من الصحيح من جهة ، لاختصاصها ببيعها في ثمن رقبتها ، وأعميتها منه من جهة اخرى ، لعدم اختصاصها بحياة المولى.

ففي مورد الاجتماع ـ وهو بيعها في ثمن رقبتها مع حيوة المولى ـ يتعارضان ويتساقطان ، فيرجع إلى أصالة المنع عن البيع التي استنبطها المصنف قدس‌سره من روايات السكوني ومحمد بن مارد وعمر بن يزيد المتقدمات ، وغيرها.

٣٠٩

ـ بعد الغضّ (١) عن دعوى ظهور قوله : «تباع في الدّين» في كون (٢) البائع غير المولى في ما بعد الموت ـ إنّ النسبة بينها (٣) وبين رواية ابن مارد المتقدمة عموم من وجه ، فيرجع (٤) إلى أصالة المنع الثابتة بما تقدّم من القاعدة المنصوصة المجمع عليها.

نعم (٥) ، ربما يمنع عموم القاعدة

______________________________________________________

(١) إذ مع عدم الغضّ عن هذه الدعوى لا تكون النسبة عموما من وجه ، لأنّ رواية عمر بن يزيد تدل حينئذ على جواز بيعها في ثمن رقبتها بعد موت المولى ، ولا تدلّ على جواز بيعها مع حياته حتى تكون أعمّ من وجه من صحيح ابن مارد المختص بعدم جواز بيعها مع حياة المولى ، ليقع التعارض بينهما في المجمع ، إذ على هذا لا مجمع بينهما ، لتعدد الموضوع.

(٢) متعلق ب «ظهور».

(٣) أي : بين رواية ابن يزيد.

(٤) هذا نتيجة تساقط المتعارضين ـ بالعموم من وجه ـ في المجمع ، وهو بيعها في ثمنها في حياة المولى. فلا بدّ من الرّجوع إلى العام الفوق ، وهو إمّا القاعدة المستنبطة المانعة عن بيع أمّ الولد كما عليه المصنف قدس‌سره. وإمّا العمومات المقتضية لصحة العقود إلّا ما خرج منها بالدليل ، كما يظهر من صاحب المقابس.

(٥) استدراك على مرجعية أصالة المنع بعد تعارض الروايتين ، وغرضه المناقشة في مرجعيتها ـ في مورد الاجتماع المزبور ـ بما حاصله : أنّ عموم القاعدة المانعة عن البيع على وجه يشمل صورة تعلق حق للمالك بامّ الولد ـ ليحتاج جواز بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى إلى تخصيص عموم تلك القاعدة ـ غير ثابت ، فلا مانع حينئذ من التمسك بقاعدة السلطنة المقتضية لجواز البيع مع حياة المولى.

والظاهر أنّ المنكر لأصالة المنع هنا هو صاحب المقابس قدس‌سره ، فإنه اختار مذهب المشهور من جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها مطلقا في حياة المولى ومماته ،

٣١٠

على هذا الوجه (١) بحيث (٢) يحتاج إلى المخصّص ، فيقال (٣) : بمنع الإجماع في محلّ الخلاف ، سيّما مع كون المخالف جلّ المجمعين ، بل كلّهم إلّا نادرا ، وحينئذ (٤) فالمرجع إلى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».

لكن التحقيق خلافه (٥) ، وإن صدر هو

______________________________________________________

واستدل عليه بوجوه ، قال في أوّلها : «انّ الأصل في كل ملك جواز نقله إلى الغير بالبيع وغيره. وأمّ الولد ملك المولى إجماعا ، ولا دليل يعتمد عليه في المنع من بيعها مطلقا غير الإجماع ، وهو مفقود هنا» (١). وسيأتي تقريب منع عموم القاعدة.

(١) أي : عموما شاملا لمورد الاجتماع بين الروايتين المتعارضتين ، إذ لو ثبت عموم في الجملة لم يكن مرجعا في مورد الشك.

(٢) هذا شأن العموم ، إذ لو ثبت لكان القول بجواز البيع في ثمن رقبتها مع حياة المولى متوقفا على المخصّص.

(٣) هذا تقريب لمنع عموم قاعدة عدم جواز البيع ، وحاصله : أنّ الإجماع الذي كان مستند هذه القاعدة مفقود في محل الخلاف ، وهو بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى ، لذهاب جلّ المجمعين ـ بل كلّهم إلّا نادر ـ إلى جواز البيع في هذه الصورة ، فلا إجماع في هذا الفرض حتى يستند إليه عموم قاعدة «عدم جواز بيع أمّ الولد» على وجه يشمل صورة وجود المولى ، ويحتاج خروج الفرض عنه إلى التخصيص. فإذا لم يكن هنا عام يقتضي بطلان البيع ، فالمرجع في مورد الاجتماع قاعدة السلطنة القاضية بجواز البيع.

(٤) أي : وحين منع الإجماع في محلّ الخلاف.

(٥) هذا الضمير وضمير «هو» راجعان إلى منع عموم القاعدة المدلول عليه ب «يمنع».

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧١.

٣١١

عن بعض المحققين (١) ، لأنّ المستفاد من النصوص (٢) والفتاوى : أنّ استيلاد الأمة يحدث لها حقّا مانعا عن نقلها ، إلّا إذا كان هناك حقّ أولى (٣) منه بالمراعاة.

وربما توهّم (٤) معارضة هذه القاعدة بوجوب أداء الدين ، فيبقى قاعدة

______________________________________________________

(١) وهو صاحب المقابس قدس‌سره. فعموم المنع ثابت ، وهو يقتضي عدم جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها مع حياة المولى وإن كان خلاف المشهور ، إذ المنسوب إليهم جوازه.

(٢) تقدّم في (ص ٢٥٥) نقل النص الذي استفيد منه تشبث أمّ الولد بالحرية ، وكذلك جملة من الكلمات. كما تقدم في (ص ٢٥١) دعوى صاحب الحدائق قدس‌سره إلحاق الأصحاب النقل بغير البيع بالبيع ، لاشتراك علّة المنع في جميع النواقل ، وهو التشبث بالحرية.

ولعلّ كلام المصنف هنا لا يخلو من منافاة لقوله هناك وفي (ص ٢٥٤) من عدم وجدان نصّ عليه. فلاحظ.

(٣) مثل كون ثمنها دينا في ذمة مولاها المعسر ، فإنّه أولى بالمراعاة من حقها بالاستيلاد.

(٤) هذا انتصار للمشهور القائلين بجواز بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى ، وحاصله : وقوع التعارض بين قاعدة المنع عن البيع وبين وجوب أداء الدين فيتساقطان ، ويرجع إلى قاعدة السلطنة المقتضية لجواز البيع ، وإلى استصحاب جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد.

وهذه المعارضة أوردها صاحب المقابس في منع ما حكي عن ابن حمزة قدس‌سره من اختصاص جواز بيعها في ثمنها بموت السيّد ، فردّه المحقق الشوشتري قدس‌سره بالتمسك بالاستصحاب ، وبوجوب أداء الدين ، قال قدس‌سره : «يمكن الرّد عليه باستصحاب الحكم الثابت في حياة المولى ... وبما دلّ على تقديم الدّين على الإرث ...» (١).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧١.

٣١٢

«السلطنة» وأصالة (١) بقاء جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد. ولا يعارضها (٢) أصالة بقاء المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها ، لأنّ (٣) بيعها قبل العجز ليس بيعا في الدّين ، كما لا يخفى.

ويندفع (٤) أصل المعارضة بأنّ أدلة وجوب أداء الدين مقيّدة بالقدرة

______________________________________________________

(١) معطوف على «قاعدة» أي : فتبقى أصالة الجواز ... الخ.

(٢) أي : لا يعارض أصالة بقاء الجواز أصالة بقاء المنع. توضيحه : أن استصحاب جواز البيع قبل الاستيلاد معارض باستصحاب المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها وإعسار المولى عنه. فلا يصلح الاستصحاب لإثبات الجواز ، فلا يثبت مذهب المشهور وهو جواز البيع.

وهذه المعارضة تظهر من السيد المجاهد قدس‌سره القائل بجواز بيعها في حياة السيد ، حيث قال في جملة كلامه : «لا يقال : يعارضها ـ أي عمومات الصحة ـ أصالة بقاء عدم جواز بيعها. لأنّا نقول ... بل أصالة بقاء جواز البيع يقتضي الحكم به حينئذ ، فيتحقق التعارض بين الاستصحابين» فراجع (١).

(٣) هذا تعليل لعدم معارضة الأصلين ، توضيحه : أنّ الاستصحاب منوط ببقاء موضوعه ، وهو مفقود في استصحاب المنع ، لأنّ موضوعه عدم كون البيع في ثمن رقبتها.

وإن شئت فقل : إنّ الموضوع في جواز البيع هو إعسار المولى ، وفي المنع عن البيع هو إيساره ، فهما نظير السفر والحضر. وليس اليسر والعسر في المقام نظير تبدل حالات الموضوع ، بل نظير السفر والخصر والفقر والغنى بالنسبة إلى الأحكام.

(٤) هذا دفع ما تقدم من المعارضة بين منع بيع أمّ الولد في حياة السيد وبين وجوب أداء الدين. والتعبير ب «أصل المعارضة» لأجل عدم الموضوع للمعارضة

__________________

(١) المناهل ، ص ٣١٩.

٣١٣

العقلية والشرعية ، وقاعدة المنع تنفي القدرة الشرعية (١) ،

______________________________________________________

بين أصالتي المنع والجواز ، إذ بعد وجود عموم «المنع عن بيع أمّ الولد» لا يبقى مجال للأصل العملي.

وتقريب الدفع : أنّ دليل وجوب أداء الدين لا يصلح لمعارضة قاعدة المنع ، وذلك لارتفاع موضوعه ، ضرورة تقيّد وجوب أداء الدين عقلا وشرعا بالقدرة على أدائه. أمّا عقلا فلاقتضاء الخطاب القدرة على متعلقه.

وأمّا شرعا فلدلالة الآية الشريفة على اعتبار اليسار. وأنّه لا يجب شي‌ء على المعسر ، ويجب إنظاره وإمهاله حتى يتيسّر له الأداء. ومن المعلوم أن قاعدة منع بيع أمّ الولد تسلب سلطنة السيّد على بيعها ، فينتقي اليسار المأخوذ في موضوع دليل وجوب أداء الدّين.

وأما حرمة بيع أمّ الولد فلم يؤخذ في موضوعه إلّا عنوان «أمّ الولد» وهو محفوظ سواء وجب بيعها لأداء الدّين أم لا.

وبعبارة اخرى : انّ موضوع وجوب البيع ـ لأداء الدين ـ ما يكون صالحا للبيع ، وهو قاصر عن إثبات الصلاحية ، لعدم كونه مشرّعا لجواز بيع ما لم يحرز جواز بيعه.

مثلا لو كان للمديون مال بمقدار الدين أو أزيد منه ، لكن حجر شرعا عن التصرف فيه ـ بأن كان مرهونا ـ لم يصلح الأمر بأداء الدين لتجويز بيعه مقدّمة لأداء دين آخر منه. فكذا الحال في أمّ الولد ، فإنّ حق الاستيلاد مانع من بيعها وإن كان في ثمن رقبتها مع حياة المولى.

وعليه فلا يصحّ توجيه فتوى المشهور ـ بجواز بيعها في هذه الصورة ـ بما افيد من تعارض قاعدة المنع ووجوب أداء الدين ، والرجوع إلى قاعدة السلطنة.

(١) فتكون حاكمة على دليل وجوب أداء الدين ، لارتفاع موضوعه ـ وهو اليسار ـ بسلب سلطنة المولى على نقل أمّ الولد.

٣١٤

كما في المرهون (١) والموقوف (*).

______________________________________________________

(١) لوجود المانع ، وهو تعلق حق الغير به ، فلا يستقل الراهن ببيعه. وكذا الحال في الموقوف ، فإنه وإن كان ملكا للموقوف عليه ، لكن تعلق الحقّ به يخرجه عن قابلية البيع.

هذا تمام ما أفاده المصنف في المرحلة الثالثة ، ويأتي الكلام في المرحلة الرابعة ، وهي الانتصار لمذهب المشهور برفع التعارض بين خبري ابن يزيد وابن مارد ، وترجيح الأوّل على الثاني.

__________________

(*) هذا بناء على تسليم عموم القاعدة. وأمّا بناء على عدمه فالظاهر جواز بيعها في حياة السيد ، «لأن مجرد عدم جواز بيعها في بعض المواضع لا يوجب سلب السلطنة على البيع في أداء الدين ، لعدم إحراز مزاحم لوجوب الوفاء بالدين في خصوص هذا المورد. نعم حيث إنّ اليسار مأخوذ في موضوعه ، أو أنّ الإعسار خارج عنه ، فلا بد من التمسك بقاعدة السلطنة تحقيقا لليسار أو دفعا للإعسار. ولا يكفي الأمر بأداء الدين مع الشك في جواز البيع الموجب للشك في صدق اليسار.

وعليه فمع إحراز موضوع الوفاء بقاعدة السلطنة ، أو نفي عنوان المخصّص لا بأس بالتمسك بدليل وجوب أداء الدين» هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره (١).

والظاهر عدم توارد المعارضة والدفع على أمر واحد ، فإنّ المصنف قدس‌سره سلّم عموم منع بيع أمّ الولد ، فنفى المعارضة بالحكومة. وصاحب المقابس قدس‌سره أنكر أوّلا عموم المنع ، ثم عارض منع البيع حال الحياة بوجوب أداء الدين ، وقدّمه عليه ، فأوجب بيعها في حياته لأداء الدين. ومن المعلوم أنّه لا يرد على هذه المقالة تقيد وجوب أداء الدين باليسار ، لوضوح أنّ المحقق الشوشترى يعترف به ، ولكن يدّعي تحقق اليسار ، لعدم الدليل على منع بيع أمّ الولد في هذه الحالة حتى يقاس بالمرهون والموقوف.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٧٩.

٣١٥

فالأولى في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال (١) : برجحان (٢) إطلاق رواية

______________________________________________________

(١) توضيحه : أن منشأ تعارض خبري ابني يزيد ومارد بالعموم من وجه ـ وتساقطهما في الجمع ـ هو ظهور الثاني في منع البيع مطلقا سواء أكان في ثمن رقبتها أم في غيره ، بأن يكون مفهوم قوله عليه‌السلام : «ما لم يحدث عنده حمل» عدم جواز بيعها مطلقا إن حملت عنده بعد ما تملكها ، فكان هذا المفهوم معارضا لرواية ابن يزيد الظاهرة في جواز البيع في ثمن رقبتها مطلقا سواء في حياة المولى وبعد وفاته.

والمقصود فعلا إثبات إطلاق رواية ابن يزيد لحال حياة المولى ، لعدم قرينية قوله : «تباع» في كون البيع مختصا بما بعد الموت. ثم ترجيح هذا الإطلاق على إطلاق صحيح ابن مارد لثمن رقبة أمّ الولد ، ومرجوحية إطلاقه من وجوه :

أحدها : أن قوله : «تمكث عنه ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها» كناية عن مضيّ مدة مديدة من زمان شراء الأمة ، ومن البعيد جدّا عدم أداء دين ثمنها في تلك المدة.

ثانيها : ظهور قول السائل : «ثم يبدو له في بيعها» في إرادة بيعه اختيارا ، وأنّ الداعي إلى البيع هو عدم الرغبة في إبقاء أمّ الولد في ملكه ، لا اضطرارا لأجل أداء ثمنها.

ثالثها : أنّ فتوى المشهور ـ وهي الجواز ـ تعاضد دلالة رواية ابن يزيد على الجواز في صورة حياة المولى.

والحاصل : أنّ أرجحية إطلاق رواية ابن يزيد لحال حياة المولى ـ لهذه الوجوه المزبورة ـ من إطلاق صحيح ابن مارد لعدم جواز بيعها في ثمن رقبتها في حال حياة المولى ، تكون دليلا على قول المشهور ، وهو جواز بيعها في ثمنها مع حياة المولى.

(٢) إن كان مقصوده قدس‌سره منع إطلاق رواية ابن مارد وسلامة رواية ابن يزيد عن المعارض ، كان التعبير بالرجحان مسامحة ، لانتفاء التعارض الموضوع للترجيح.

وإن كان غرضه إبقاء إطلاق رواية ابن مارد وتضعيفه من جهة كون غالب أفراده ومصاديقه ممّا لا يبقى ثمن الأمة مدة طويلة في عهدة سيّدها ـ بحيث يصلح

٣١٦

عمر بن يزيد على إطلاق رواية ابن مارد ، الظاهر (١) في عدم كون بيعها في ثمن رقبتها ، كما يشهد به (٢) قوله : «فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ، ثم يبدو له في بيعها». مع أنّ (٣) ظاهر البداء في البيع ينافي الاضطرار إليه (٤) لأجل ثمنها.

وبالجملة (٥) : فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت ، لا إشكال في رجحان دلالتها (٦) على دلالة رواية ابن مارد على (٧) المنع ، كما يظهر بالتأمل (٨).

______________________________________________________

قول السائل «ثم يبدو له في بيعها» للبيع في ثمن رقبتها وللبيع بداع آخر ـ فالتعبير بالرجحان في محلّه ، لبقاء الإطلاقين على حالهما ، ويتجه ترجيح أحدهما على الآخر.

ولا يبعد أن يكون هذا مراد المصنف قدس‌سره ، لا منع إطلاق صحيحة ابن مارد بالمرّة.

(١) صفة ل «إطلاق رواية ابن مارد» وهذا الظهور الانصرافي ـ لكونه ناشئا من غلبة الأفراد ـ لا يوجب وهنا في حجية أصالة الإطلاق.

(٢) أي : كما يشهد بعدم كون بيع أمّ الولد ـ في صحيح ابن مارد ـ في ثمن رقبتها قول السائل : «فتمكث» وهذا إشارة إلى الوجه الأوّل.

(٣) هذا هو الوجه الثاني المتقدم آنفا.

(٤) أي : إلى البيع ، وضمير «ثمنها» راجع إلى الأمة المذكورة في صحيح ابن مارد.

(٥) هذا خلاصة ما أفاده بقوله : «أن يقال برجحان إطلاق رواية عمر بن يزيد ...» وكان المناسب التنبيه أوّلا على إطلاق نفس رواية ابن يزيد لحالتي الموت والحياة ، ثم ترجيح إطلاقها على إطلاق الصحيحة.

(٦) أي : دلالة رواية ابن يزيد على الجواز.

(٧) متعلق ب «دلالة» و«على دلالة» متعلق ب «رجحان».

(٨) الظاهر أنّ وجه الرجحان هو قوّة الإطلاق في الرواية ، وضعفه في الصحيحة ،

٣١٧

مضافا إلى : اعتضادها (١) بالشهرة المحققة. والمسألة محلّ إشكال.

ثمّ على المشهور من الجواز (٢) ، فهل يعتبر فيه عدم ما يفي بالدّين ولو من

______________________________________________________

ونتيجة ذلك كون حمل الأمة مقتضيا لعدم جواز البيع. فهذا الحكم اقتضائي ، وجواز بيعها في رواية ابن يزيد فعليّ. وهذا جمع عرفي مطّرد في كل حكم ثبت بالعنوان الأوّلي ، وحكم ثبت بالعنوان الثانوي ، فإنّهم يحملون الأوّلي على الاقتضائي ، والثاني على الفعلي.

(١) أي : اعتضاد رواية ابن يزيد بالشهرة الفتوائية ، وهذا هو الوجه الثالث ، وهي قرينة خارجية للترجيح ، كما أنّ الوجهين السابقين مرجّحان داخليّان.

وقد تحصّل من كلمات المصنف في المراحل الأربع أنّ قول المشهور ـ من جواز بيعها في ثمن رقبتها حال حياة المولى ـ هو مقتضى القاعدة. ولكنه قدس‌سره استشكل في حكم المسألة ، ولعلّه لما تقدم من اختصاص رواية ابن يزيد بحال موت السيد ، بقرينة «تباع» فيكون المرجع عموم المنع.

(٢) تعرّض المصنف ـ بناء على القول بالجواز ـ لفروع المسألة كما في المقابس وغيره أيضا.

الأوّل : أنّه لا ريب في عدم جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها إن كان للمولى مال بقدره ممّا عدا مستثنيات الدين ، لصدق اليسار عليه ، فتبقى أمّ الولد على حالها حتى تتحرّر بعد موت السيد من نصيب ولدها.

كما لا ريب في جواز بيعها ـ إن كان ثمنها دينا على السيد ـ ولم يكن له مال أصلا حتى من المستثنيات ليوفي دينه.

إنّما الكلام فيما لو انحصر ماله ـ الوافي بأداء الدين ـ في المستثنيات من الدار والمركوب والخادم ونحوها ، فهل يجوز بيعها في ثمن رقبتها وبقاء مستثنيات الدين في ملكه ، فينتفي تحرّرها بعد موت السيد ، أم لا يجوز بيعها ، فيصرف شي‌ء من المستثنيات في تفريغ ذمة المولى من ثمنها؟ فيه قولان ، المنسوب إلى الأكثر الثاني ،

٣١٨

المستثنيات كما هو ظاهر إطلاق كثير (١) ، أو ممّا عداها (٢) كما عن جماعة (٣)؟

______________________________________________________

وإلى جماعة كالمحقق والعلّامة والشهيدين قدس‌سره الأوّل ، وقوّاه المصنف قدس‌سره ، وسيأتي.

(١) كما في المقابس أيضا «وهذا هو الظاهر من فتاوى معظم الأصحاب هنا ، حيث اعتبروا عدم تملكه لشي‌ء آخر غيرها ممّا يوفي ثمنها ، ولم يستثنوا شيئا» (١).

(٢) أي : ممّا عدا مستثنيات الدّين ، فيتحقق الإعسار بفقد ما عداها ، وملكه للمستثنيات لا يوجب كونه موسرا حتى لا تباع أمّ ولده.

(٣) كالمحقق والعلّامة والشهيدين قدس‌سرهم ، ممّن اعتبر في جواز بيعها إعسار المولى ، وهو ـ شرعا ـ عدم تملك ما يفضل على مستثنيات الدين. قال في بيع الشرائع : «أو ـ أي يجوز بيعها ـ في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها» (٢). وقال في نكاحه : «ويجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها غيرها» (٣).

ومثله في الموضعين عبارة القواعد (٤).

ولعل مراده من «غيرها» ما يفضل عن مستثنيات الدّين. وصرّح أصحاب مجمع الفائدة والحدائق والمناهل (٥) باعتبار ذلك ، خلافا لصاحب الجواهر ، ففيه : «وحينئذ لا وجه لاعتبار الإعسار المفسّر بما سمعت ، ضرورة عدم الفرق بين المستثنيات وغيرها في الدين ، فيكون المعتبر حينئذ عدم شي‌ء غيرها يؤدي عنه كما في الصحيح» (٦).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٦.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧.

(٣) المصدر ، ص ٣١٢.

(٤) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣ وج ٣ ، ص ٢٥٩ ؛ الدرس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٢٢ ؛ الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٧ ؛ مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٧٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٧٠ ؛ الحدائق الناظرة ، ج ١٨ ، ص ٤٤٨ ؛ المناهل ، ص ٣١٩

(٦) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٧.

٣١٩

الأقوى هو الثاني (١) (*) ، بل لا يبعد أن يكون ذلك مراد من أطلق (٢) ، لأنّ (٣) الحكم بالجواز

______________________________________________________

(١) وهو جواز بيعها في ثمن رقبتها وإن كان السيد مالكا لمستثنيات الدين.

(٢) يعني : لم يقيّد جواز البيع بالإعسار ، بل قال : «لم يكن للمولى غيرها» إذ «الغير» شامل لمستثنيات الدين وغيرها. قال شيخ الطائفة : «لا يجوز بيعها إلّا في ثمنها إذا كان دينا على مولاها ولم يكن له غيرها» (١).

(٣) تعليل لقوله : «الأقوى» ومحصّله : أنّ رواية عمر بن يزيد ـ الدالة على جواز بيعها في ثمن رقبتها في حياة المولى ـ ناظرة إلى أنّ مانعية الاستيلاد عن البيع ترتفع لو كان ثمنها دينا ، وتصير ملكا طلقا ، ويتعيّن بيعها في هذا الدّين ، كما يؤخذ المديون في سائر الموارد ببيع أمواله ـ عدا المستثنيات ـ لأداء دينه.

وعليه فلا إطلاق في قوله : «ولم يدع من المال ما يؤدّي عنه» ليشمل ما لو خلّف السيد دار السكنى ونحوها من المستثنيات ، ليقال بإناطة جواز بيع أمّ الولد بعدم ترك شي‌ء من الأموال وإن كانت ممّا استثناه الشارع للمديون ، ولم يلزمه ببيعها ، هذا.

__________________

(*) بل الأقوى هو الأوّل ، لشمول قوله : «ولم يدع من المال ما يؤدى عنه» للمستثنيات ، فإن تركها صدق أنّه ترك من المال ما يؤدى عنه ، إذ المراد ب «ما يؤدى عنه» الواقع في كلام السائل هو المال الذي يمكن أداء الدين به وإن كان من المستثنيات ، إذ ليس الحكم فيها عدم جواز بيعها حتى يكون وجود هذا المال كعدمه نظير الوقف ، والإمام عليه الصلاة والسلام قرّره على ذلك ، وحكم صلوات الله عليه بجواز بيعها في ثمن رقبتها ، فتكون طلقيّة أمّ الولد بعد عدم مال للمولى حتى المستثنيات.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٦ ، ص ١٨٥.

٣٢٠