هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

في كلام بعض (١) ـ حاكيا له عن غيره ـ : أنّه لا يعتبر في العلوق أن يكون بالوطء (٢) ، فيتحقق بالمساحقة ، لأنّ (٣) المناط هو الحمل ، وكون ما يولد منها ولدا للمولى شرعا ، فلا عبرة بعد ذلك (٤) بانصراف الإطلاقات إلى الغالب من كون الحمل بالوطء (٥).

______________________________________________________

وبالجملة : المراد من العلوق كلّ ما يوجب لحوق الولد شرعا بالأب وإن لم يكن بالوطء.

(١) كصاحب الرياض قدس‌سره ، قال : «ثمّ إنّ إطلاق العبارة ... وبه صرّح من الأصحاب جملة : أنه لا يشترط الوطء ، بل يكفي مطلق العلوق منه ، ولا حلّ الوطء» (١). وممّن صرّح به من الأصحاب الشهيد الثاني قدس‌سره كما سيأتي.

(٢) قال المحقق : «وهو ـ أي الاستيلاد ـ يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه» (٢) ونحوه ما في اللمعة (٣). وفي الروضة : «ولا يشترط الوطء ، بل يكفي مطلق العلوق منه ، ولا حلّ الوطء إذا كان التحريم عارضا كالصوم والإحرام والحيض والرهن أمّا الأصلي بتزويج الأمة مع العلم بالتحريم فلا ، لعدم لحوق النسب» (٤).

(٣) تعليل لعدم إناطة العلوق بالوطء ، والمفروض أنّ المساحقة تلحق الولد بالمساحق أو بمن منه الماء ، وهو المولى.

(٤) أي : بعد كون المناط هو الحمل ولحوق الولد بالمولى.

(٥) لما قرّر في محلّه من عدم صلاحية الانصراف الناشئ من غلبة الوجود لتقييد الإطلاق ، إذ المدار في التقييد بالانصراف على ظهور اللفظ في المعنى المنصرف إليه ، ومجرد كون الحمل غالبا بالوطء لا يوجب الظهور.

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١٣ ، ص ١١٠.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٣٨.

(٣) اللمعة ، ص ٢٠٣.

(٤) الروضة البهية ، ج ٦ ، ص ٣٧٠.

٢٨١

نعم (١) ، يشترط في العلوق بالوطء (٢) أن يكون على وجه يلحق الولد بالواطئ وإن كان محرّما (٣) ، كما إذا كانت في حيض ، أو ممنوعة الوطء لعارض آخر (٤). أمّا الأمة المزوّجة فوطؤها زنا (٥) لا يوجب لحوق الولد.

ثم إنّ المشهور (٦) اعتبار الحمل في زمان الملك ، فلو ملكها بعد الحمل

______________________________________________________

(١) بعد أن نفى اشتراط اللحوق بخصوص المباشرة ، وكفاية الحمل بسبب آخر ، نبّه على اعتبار شرط فيه ، وهو كونه على وجه يلحق الولد ـ شرعا ـ بالمولى ، بأن تكون الأمة فراشا له ، ولا يمنع حرمة المباشرة ـ لعارض ـ عن لحوق الولد بالمولى ، كما إذا باشرها حائضا أو في نهار شهر رمضان أو في حالتي الإحرام والاعتكاف.

نعم لو زوّج أمته حرم وطؤها ، لعدم ملك البضع ، فلو باشرها وحملت لم يلحق به الولد ـ وإن كان مالكا لرقبتها ـ لنفي الولد عنه شرعا ، وثبوت الحدّ عليه.

(٢) ذكر «الوطء» من باب المثال ، لما تقدم من أنّ المناط هو لحوق الولد بالمولى سواء أكان بالوطء أم بالمساحقة أم بغيرهما.

(٣) أي : عارضا ، وإلّا فملك اليمين يقتضي حلية المباشرة أصالة.

(٤) كالرّهن المانع من تصرف المالك في العين.

(٥) لعدم كونه مالكا لوطئها مع كون البضع ملكا بالعقد للزوج.

المبحث الرابع : اعتبار كون الحمل في زمان الملك

(٦) غرضه تحقيق موضوع حكم الشارع بمنع البيع ـ أي : أمّ الولد ـ من جهة اخرى ، وهي اعتبار حدوث الحمل في ملك السيد ، فلا عبرة بتملكها بعده ، أم كفاية حملها منه لو تزوّجها ثم اشتراها.

وتوضيحه : أنّ الأمة قد تلد مملوكا ، كما إذا زوّجها مولاها من حرّ مع اشتراط رقيّة الولد ـ بناء على صحة هذا الشرط ـ ثم اشتراها. وقد تلد من حرّ ، كما إذا زوّجها مولاها منه ، فحملت ، ثم اشتراها الزوج من السيد. وقد تلد من

٢٨٢

لم تصر أمّ ولد ، خلافا للمحكيّ عن الشيخ وابن حمزة ، فاكتفيا بكونها أمّ ولد قبل الملك. ولعلّه (١) لإطلاق العنوان (*) ،

______________________________________________________

سيّدها.

ولا ريب في موضوعية هذا القسم الثالث لأحكام أمّ الولد. كما أن المشهور خروج القسم الأوّل. إنّما الكلام في القسم الثاني ، فحكي عن الطوسيين قدس‌سرهما صيرورتها أمّ ولد ، ففي المبسوط : «أن تعلق الأمة بحرّ في غير ملكه ، بأن يطأ أمة غيره بشبهة ، فتعلق منه بولد حرّ ، فلا تصير أمّ ولد في الحال. فإن ملكها قال قوم : لا تصير أمّ ولده. وقال بعضهم تصير أمّ ولده. وهو الأقوى عندي» (١).

والوجه فيه أمران ، الأوّل : إطلاق «أمّ الولد» عليها حقيقة عرفا ولغة ، وهي الموضوع لأحكامها في النصوص ، لعدم تقييدها بكون العلوق في زمان الملك.

الثاني : وجود علّة منع بيع «أمّ الولد» فيها ، وهي تشبثها بالحرية ، وانعتاقها مما يرثه ولدها ، ومن المعلوم عدم الفرق في هذا المناط بين كونها حال حدوث الحمل أمة للمولى ، وبين كونها زوجة له ، ثم دخلت في ملكه ، هذا.

لكن ناقش المصنف في كلا الوجهين كما سيأتي.

(١) أي : ولعلّ اكتفاءهما بكونها أمّ ولد ـ قبل الملك ـ لأجل صدق عنوان «أمّ الولد» عليها حقيقة بلا عناية ، لكونها ذات ولد.

__________________

(*) لا شبهة في إطلاق العنوان عليها ، لكنه ليس بهذا الإطلاق موضوعا لأحكام خاصة ، فالتشكيك في صدق عنوان أمّ الولد عرفا على المملوكة التي لم يكن حملها بالملك ـ بل بالتزويج ـ ضعيف.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٦ ، ص ١٨٦ ؛ الخلاف ، ج ٦ ، ص ٤٢٦ ؛ الوسيلة ، ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، والحاكي عنهما جماعة ، فلاحظ : رياض المسائل ، ج ١١ ، ص ١٠٩ ؛ مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٨ ؛ جواهر الكلام ، ج ٣٤ ، ص ٣٧٣.

٢٨٣

ووجود (١) العلّة ، وهي كونها في معرض الانعتاق من نصيب ولدها.

ويردّ الأوّل (٢) : منع إطلاق يقتضي ذلك (٣) ، فإنّ (٤) المتبادر من «أمّ الولد» صنف من أصناف الجواري باعتبار الحالات العارضة لها بوصف المملوكية ، كالمدبّر (٥) والمكاتب (*).

______________________________________________________

(١) معطوف على «إطلاق» وهو إشارة إلى العلّة المستنبطة التي يحتمل اعتماد الطوسيّين عليها. وهي التشبث بالحرية.

(٢) هذا ردّ الوجه الأوّل ، ومحصّله : منع إطلاق «أمّ الولد» على الأمة التي كان حملها سابقا على الملك ، فإنّ المتبادر من هذا العنوان هو الأمة التي حملت بالولد من مولاها في حال مملوكيتها له ، لا مطلقا ، وإن كانت زوجة له. فكما أنّ «المكاتب» و«المدبّر» وصفان لبعض المماليك باعتبار عروض حالة التدبير والكتابة عليهما ، واتصافهما بالعناوين المزبورين ، فكذا عنوان «أمّ الولد».

وعليه فلا يراد هنا معناها لغة وعرفا الصادق على مطلق الجارية ذات الولد ـ سواء أكان من مولاها أم من زوجها أم من غيرهما لشبهة ـ حتى يندرج المقام فيه ، ويقال بكفاية كون ولدها ابنا للسيد وإن حملت به قبل تملّكها.

(٣) أي : يقتضي شمول العنوان للأمة التي سبق حملها على الملك.

(٤) هذا تعليل لمنع الإطلاق ، قال في الرياض : «لانصرافه ـ أي إطلاق أمّ الولد ـ بحكم التبادر إلى التي علقت به في الملك ، لا في الأمرين» (١).

(٥) وهو الذي أنشأ المولى حريّته معلّقا على وفاته ، فقال له : «أنت حرّ بعد

__________________

(*) هذا لا يخلو من خفاء. وفرق واضح بين عنوان «أمّ الولد» وبين غيره من العناوين التي لا تنطبق على غير المملوك كالمكاتب والمدبّر ، لأنّ هذين الوصفين من

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١٣ ، ص ١٠٩ ـ ١١٠ ؛ ولاحظ المسالك ، ج ١٠ ، ص ٥٢٦ ؛ الجواهر ، ج ٣٢ ، ص ٣٢٣ ـ ٣٧٤.

٢٨٤

والعلّة المذكورة (١) غير مطّردة ولا منعكسة ، كما لا يخفى.

مضافا (٢) إلى

______________________________________________________

وفاتي» فلا يقال للمملوك «انه مدبّر» لو أوصى المولى بعتق عبده بعده.

وكذا لا يقال : «إنّه مكاتب» إلّا إذا عقد المولى معه الكتابة مشروطة أو مطلقة.

(١) هذا ردّ الوجه الثاني ، وحاصله : أنّ تشبّثها بالحرية ليست علّة منصوصة ، لتكون مناط الحكم ، بل هي مستنبطة ، ولذا لا تكون مطّردة بأن يقال : «كلّ أمة هي في معرض الانعتاق من نصيب ولدها أمّ ولد» ولا منعكسة بأن يقال : «كل أم ولد تكون في معرض الانعتاق من نصيب ولدها».

أما عدم اطّراد العلّة ، فلأنّ المستولدة التي مات قريبها وخلّف تركة ، ولم يكن له وارث سواها ، تشترى حينئذ من التركة وتعتق ، لترث قريبها ، على ما ذهب إليه جماعة ، بل ادّعى بعض الإجماع عليه ، فإنّ العلة ـ وهي معرضيّتها للانعتاق من نصيب ولدها ـ موجودة فيها ، ومع ذلك يجوز بيعها ، ولا تمنع العلة المزبورة عن بيعها ، فليست العلّة المذكورة مطردة ومقتضية للحكم بعدم جواز البيع في جميع مواردها.

وأمّا عدم انعكاس العلة فكما لو ارتدّ الولد ، فإنّ أمّ الولد حينئذ لا تباع ، مع أنّ الولد لارتداده لا يرث من أبيه حتى تنعتق امّه من نصيبه. فالعلة ـ وهي معرضية الأمة لانعتاقها من نصيب ولدها ـ مفقودة ، ومع ذلك لا يجوز بيعها. وشأن العلة دوران الحكم مدارها وجودا وعدما.

(٢) هذا وجه آخر لمنع كلام الشيخ وابن حمزة قدس‌سرهما ، وحاصله : أنّ رواية

__________________

الأوصاف المختصة بالمملوك. بخلاف «أمّ الولد» فإنّه غير مختصّ بالمملوكة ، ولذا لا يلاحظ فيه عنوان المملوكية ، دون غيره من الصفات المختصة بالمملوك ، فلا يكون أمّ الولد كغيره.

٢٨٥

صريح رواية محمد بن مارد المتقدمة (١).

ثمّ (١) إنّ المنع عن البيع [عن بيع أمّ الولد]

______________________________________________________

ابن مارد تحدّد الموضوع ، لقوله عليه‌السلام ـ في الأمة التي تزوجها الرجل وولدت له ، ثم تملكها ولم تحمل منه بعده ـ : «هي أمته» فلا يعبأ بصدق «أمّ الولد» عليها عرفا ولغة بعد صراحة الرواية في التقييد.

هذا تمام الكلام في المبحث الرابع.

المبحث الخامس : عموم منع نقل «أمّ الولد»

(١) هذا شروع في بيان حكم بيع أمّ الولد بعد الفراغ عما يتحقق به الموضوع. وهل أنّ الأصل فيه المنع إلّا ما ثبت جوازه؟ أم أنّ الأصل هو المنع عن البيع عدا ما خرج ، ليكون هو المرجع في موارد الشك في جواز البيع ومنعه.

فأفاد قدس‌سره : أنّ المستفاد من النصوص والإجماع ـ مؤيّدا بفهم الأصحاب ـ هو عموم منع التصرف الناقل لها عن ملك سيّدها إلى غيره ، ولا يخرج منه إلّا بدليل ، كالاضطرار إلى بيعها لوفاء ثمنها لو اشتراها السيد نسيئة ، ولم يكن له ما يؤدّيه به ، ونحوه من مواضع الاستثناء الآتية بالتفصيل إن شاء الله تعالى.

وبناء على استفادة القاعدة الكلّية يتعيّن الحكم بمنع البيع فيما لم يحرز جوازه ، خلافا لمن أنكر هذا العموم ، وتمسّك بآية حلّ البيع وقاعدة السلطنة على صحة بيع أمّ الولد في غير ما نهض الدليل على المنع ، كما سيأتي عن المحقق الأردبيلي والسيد المجاهد وصاحب المقابس قدس‌سرهم.

أمّا النصوص التي يستفاد منها عموم المنع ، فمنها : رواية السكوني المتقدمة في (ص ٢٤١) الدالة على كون بيع أمّ الولد الرضاعية من المنكرات ، فتدل بالأولوية على المنع في أمّ الولد الصلبي. ولو كان المنع عن بيعها ثابتا في بعض الموارد لم يتجه إنكاره

__________________

(١) تقدمت في ص ٢٦٥.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مطلقا.

ومنها : روايته الاخرى المتقدمة في (ص ٢٦٥) التي حكم عليه‌السلام بكون المكاتبة ـ العاجزة عن أداء مال الكتابة ـ أمّ ولد ، لإمكان اتّكاله عليه‌السلام على وضوح الحكم عند السائل ، وعلمه بافتراق «أمّ الولد» عن المكاتبة حكما ، ومنع بيعها ، ومقتضى الارتكاز عدم جواز نقلها مطلقا.

ومنها : رواية محمد بن مارد المتقدمة في (ص ٢٦٥) وفيها : «إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك» لظهور المفهوم ـ وهو : إن حدث عنده حمل بعد التملك لم يجز بيعها ـ في منع البيع بمجرّد حدوث الحمل في ملك السيّد ، ومقتضى إطلاق المفهوم عدم الجواز مطلقا.

ومنها : رواية عمر بن يزيد الآتية في (ص ٢٩٩) المتضمنة للسؤال عن وجه بيع مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام لأمّهات الأولاد ، ثم سأل الراوي عن جواز بيعهن فيما سوى الدين ، فقال أبو ابراهيم عليه‌السلام : «لا» فإنّها صدرا وذيلا تدل على المنع.

أمّا الصدر فلظهوره في كون المنع مسلّما ، ولذا استفسر عمر بن يزيد من الإمام الكاظم عليه‌السلام لرفع استبعاده عمّا أوجب إقدامه عليه‌السلام على البيع.

وأمّا الذيل فلصراحته في عدم جواز البيع في غير الدين ، وهذا هو العموم المدّعى.

وأمّا الإجماع ، فقد ادّعي على المنع أيضا ، ففي جامع المقاصد : «فإنّه لا يجوز بيع أمّ الولد ما دام حيّا ، اتفاقا ، إلّا في المواضع المستثناة من كلام الفقهاء» (١).

وفي الرياض : دعوى نفي الخلاف في منع البيع (٢).

وقال في الكفاية : «وظاهر كلام الأصحاب عدم جواز بيع أمّ الولد» (٣).

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ١٣ ، ص ١٣٢.

(٢) رياض المسائل ، ج ١٣ ، ص ١١١.

(٣) كفاية الأحكام ، ص ٢٢٥.

٢٨٧

قاعدة كلية (١) (*) مستفادة من الأخبار ـ كروايتي السكوني

______________________________________________________

ونقل فخر المحققين عن والده قدس‌سرهما الإجماع على منع البيع. لكن لم أجده في الطبعة الحديثة من المختلف ، فراجع (١).

والمتحصل : أنّ الأصل في بيع أمّ الولد هو المنع إلّا ما خرج بالدليل.

فإن قلت : يشكل دعوى الإجماع على عموم المنع مع ما سيأتي من اختلافهم في كثير من المواضع المستثناة ، والتزام جمع بجواز البيع في جملة منها. نعم لا بأس بدعوى الإجماع على المنع في الجملة ، لكنه لا يجدي للمرجعيّة في موارد الشك.

قلت : الظاهر عدم التنافي بين الإجماع عن المنع عن نقلها ، وبين كون جملة من المواضع خلافية ، وذلك لأن الاتفاق على المنع ناظر إلى حكم أمّ الولد بالعنوان الأوّلي ، وموارد الاختلاف من قبيل طروء عنوان ثانوي عليها ، ومن المعلوم أنّه لا تمانع بين كون حكم الشي‌ء بالعنوان الأوّلي متفقا عليه ، وبين كونه حين طروء العنوان الثانوي عليه مختلفا فيه.

وعليه فالمقام نظير حكمهم بحلية اكل لحم الغنم بما هو هو ، وبحرمته بعنوان المغصوب والمنذور التصدق ونحوهما. فامّ الولد يحرم بيعها بما هي أمّ ولد ، ويجوز عند بعض الطوارئ ، كأداء ثمن رقبتها.

(١) كما في الجواهر أيضا ، لقوله : «وبذلك ونحوه ظهر لك أنّ المهم حينئذ تحقيق كون مقتضى الأدلة عدم جواز نقلها إلّا ما خرج بالدليل ، أو جوازه إلّا ما خرج؟ والظاهر الأوّل» (٢).

__________________

(*) هذا هو التحقيق. ومنعه ضعيف ، إذ لا قصور في إطلاق مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيح ابن مارد : «إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل».

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٣ ، ص ٦٣٤ ؛ مختلف الشيعة ، ج ٨ ، ص ١٣٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٨٢.

٢٨٨

و[محمد] ابن مارد المتقدمتين ، وصحيحة عمر بن يزيد الآتية وغيرها (١) ـ ومن (٢) الإجماع على أنّها لا تباع إلّا لأمر يغلب ملاحظته على ملاحظة الحقّ

______________________________________________________

(١) كرواية السكوني المتقدمة أوّل المسألة ، فلاحظ (ص ٢٤١).

(٢) معطوف على «من الأخبار».

__________________

والتفكيك في الإطلاق ـ كما في حاشية المحقق الإيرواني قدس‌سره تبعا للمحقق الخراساني قدس‌سره (١) : «بأنّ قوله عليه‌السلام ـ ما لم يحدث عنده حمل ـ لا إطلاق فيه ، لكونه مسوقا لبيان حكم المغيّى ، وفي موضوع عدم حدوث الحمل ـ لا لبيان حكم الغاية وفي موضوع حدوث الحمل ، فلا يستفاد منها في موضوع الحمل إلّا المنع في الجملة ومهملا. والاختلاف بين الغاية وذي الغاية يتحقق بذلك» (٢). غير ظاهر ، إذ فيه :

أوّلا : أنّ الأصل العقلائي يقتضي كون المتكلم في مقام البيان من جهة شكّ في كونه في مقام بيانها ، وغاية ما ذكره هو الشكّ في كونه في مقام البيان.

وثانيا : أنّ مثل هذه التشكيكات يوجب سقوط الإطلاقات طرّا عن الاعتبار ، وحملها على التشريع فقط ، وهذا بمكان من الضعف.

وثالثا : أنّ التعرض في كلام الإمام عليه‌السلام لما ذكره السائل من عدم الحمل قرينة على كونه عليه‌السلام في مقام البيان من جهة حكم الغاية لا حكم المغيّى فقط ، لكفاية ذكر عدم الحمل في كلام الراوي في الجواب عنه بجواز البيع والعتق. فتكرير الإمام عليه‌السلام له دليل على كونه عليه‌السلام في مقام بيان حكم الحمل ، وهو الغاية. فالإطلاق ثابت بالنسبة إلى كلّ من حكم الغاية والمغيّى.

نعم لا بأس بالمناقشة في رواية السكوني ، إذ هي لا تدلّ على أزيد من أنّ لأمّهات الاولاد حكما خاصا بهنّ.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ١١٥.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني ، ج ١ ، ص ١٨٣.

٢٨٩

الحاصل منها بالاستيلاد ـ أعني تشبّثها بالحرّية (١) ـ ولذا (٢) كلّ من جوّز البيع في مقام ، لم يجوّزه إلّا بعد إقامة الدليل الخاص.

______________________________________________________

لكن لا يخفى عدم ثبوت الإجماع التعبدي هنا ، لقوة احتمال استنادهم في ذلك إلى النصوص المتقدمة ، فلاحظ.

(١) تقدم في (ص ٢٥٤) تكرر هذه الكلمة في كتب الأصحاب ، وإن رماها المصنف قدس‌سره بكونها علة مستنبطة لا منصوصة ، فلا تصلح للاستناد.

(٢) هذا تشبث بفهم الأصحاب لإثبات عموم المنع ، وهو مؤيّد ، لا دليل. يعني : ولأجل كون منع بيع أمّ الولد قاعدة كلية ـ خارجة من عموم الوفاء بالعقود وحلّ البيع ـ فكلّ من جوّز بيعها في موضع اعتمد على دليل يخصّص عموم المنع ، لا إلى العمومات المقتضية للصحة ، لفرض العلم بتخصيصها بالنصوص المانعة عن بيع أمّ الولد. ومن الواضح أنّ المرجع في مورد الشك في بيعها هو العام الثاني المانع ، لا العام الفوق المعلوم تخصيصه.

__________________

وبعبارة اخرى : لا تدلّ إلّا على صغروية هذه المكاتبة العاجزة عن أداء مال الكتابة لأمّ الولد. وأمّا حكم أمّ الولد من عدم جواز بيعها وغيره فلا يظهر من هذه الرواية.

إلّا أن يقال : بوضوح الحكم عند السائل ، إذ لو لم يكن منع بيع أمّ الولد معلوما له لم يجد مجرّد عدّ هذه المكاتبة من أمّهات الأولاد ، ولم يتلقّ السائل وظيفته الفعلية بالنسبة إلى هذه المكاتبة. مع أن ظاهر سكوته عليه علمه بالحكم بنفس جعلها أمّ ولد.

وكيف كان فالمناقشة مختصة برواية السكوني ، ولا تتأتى في صحيحة ابن مارد ، لما مرّ ، ولا في صحيح عمر بن يزيد ، لقوة ظهور قول السائل فيه : «لم باع أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمّهات الأولاد» في كون عدم جواز بيعهن مركوزا عند أذهان المتشرعة ، واقتضاء هذا العنوان لعدم جواز البيع ، والسؤال إنما يكون من وجود المانع الذى جوّز البيع ، كما يظهر من كلام الإمام عليه الصلاة والسلام.

٢٩٠

فلا بد (١) من التمسك بهذه القاعدة المنصوصة المجمع عليها حتى يثبت بالدليل ما هو أولى بالملاحظة (٢) في نظر الشارع من الحقّ المذكور. فلا يصغى (٣)

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة استفادة القاعدة الكلية ـ في بيع أمّ الولد ـ من النصوص والإجماع.

(٢) كتعلق حق الغير بها ، أو تعلق حقها بتعجيل العتق ، وغيرهما ممّا سيأتي في مواضع الاستثناء ، فلاحظ (ص ٢٩٥) وما بعدها.

(٣) هذا إشارة إلى القول المخالف في المسألة ، وهو إنكار عموم منع بيع أمّ الولد ، فيقتصر في تخصيص عمومات الصحة على ما نهض الدليل على منع البيع ، ويقال بجواز البيع في الموارد المشكوكة ، وقال به المحقق الأردبيلي والسيد المجاهد ونسب إلى فخر المحققين وصاحب المدارك أيضا.

ففي مجمع الفائدة : «ولكن لا يبعد أن يقال : إنّ الاستصحاب وأدلة العقل والنقل تدلّ على جواز التصرف في الأملاك مطلقا ، فيجوز مطلق التصرف في أمّ الولد ببيعها مطلقا وغيره إلّا ما خرج بدليل. وما ثبت الدليل ـ وهو الإجماع هنا ـ إلّا في منع البيع مع بقاء الولد وعدم إعسار المولى بثمنها ...» (١).

وقال السيد المجاهد ـ بعد الاستناد إلى عمومات صحة العقود والشروط ـ : «لا يقال : يعارض العمومات المذكورة عموم ما دلّ على النهي عن بيع أمّ الولد ، وهو أخصّ من تلك العمومات ، فينبغي تخصيصها به. لأنّا نقول : لم نجد عموما يدلّ على ذلك بحيث يكون أصلا يرجع إليه في موارد الشك ، وإن كان الشهيد الثاني ادّعى وجوده. فإذا : الأصل فيها العمومات المذكورة» (٢).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٧١.

(٢) المناهل ، ص ٣١٩ و ٣٢٠ ، ونسب إلى الإيضاح أصالة الجواز ، وهو كذلك في كتاب البيع ، ج ١ ، ص ٤٢٨ ، ولكن الموجود في باب الاستيلاد هو قوله : «والأقوى عندي : أنّه لا تباع أمّ الولد» وظاهره أصالة المنع ، فراجع ، ج ٣ ، ص ٦٣٦ ، ولا بد من مزيد التتبع.

٢٩١

إذا إلى منع الدليل على المنع كلّيّة ، والتمسك (١) بأصالة صحّة البيع من حيث قاعدة تسلّط الناس على أموالهم (٢) حتى يثبت المخرج (٣).

ثمّ (٤) إنّ المعروف بين العلماء ثبوت الاستثناء عن الكلّيّة المذكورة

______________________________________________________

(١) معطوف على «منع».

(٢) التمسك بقاعدة السلطنة مبني على كونها مشرّعة للأسباب كما يقتضيه استدلال المحقق الأردبيلي بها على مملّكية المعاطاة. وأمّا بناء على كون مدلولها نفي حجر المالك عن التصرفات المشروعة فيشكل الاستناد إليها في المقام ، لعدم إحراز قابلية أمّ الولد للنقل حتى يتجه صحة بيعها بها.

(٣) أي : ما يخصّص أصالة صحة بيع أمّ الولد.

(٤) غرضه قدس‌سره أن منع بيع أمّ الولد من العمومات الشرعية المخصّصة بمواضع سيأتي ذكرها. ولكن حكي عن السيد المرتضى قدس‌سره إنكار الاستثناء ، ولو تمّت الحكاية كان هذا القول مقابلا ـ بتمام المقابلة ـ لمن أنكر أصالة المنع ، وذهب إلى أصالة صحة البيع. وفي صحة ما نسبه ابن إدريس إلى السيّد تأمّل.

والأولى نقل كلامه المنقول في المقابس ـ في حكم بيع أمّ الولد إن كان ثمنها دينا على مولاها المعسر ـ وقوفا على حقيقة الأمر ، ففيه : «حيث قال ـ أي السيد ـ : ومما انفردت به الإمامية القول بجواز بيع امهات الأولاد بعد وفات أولادهن ، ولا يجوز بيع أمّ الولد وولدها حيّ. وهذا موضع الانفراد ، فإنّ من يوافق الإمامية في جواز بيع أمّهات الأولاد يخالفها في التفصيل الذي ذكرناه. ثم استدلّ ـ أي السيد ـ بإجماع الإمامية ، وأطال الكلام في الأدلة الدالة على جواز البيع ردّا على المخالفين» (١).

وقال في السرائر : «وقال السيد المرتضى : لا يجوز بيعها ما دام الولد باقيا ،

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٠ ؛ الانتصار ، ص ١٧٥ ، المسألة التاسعة من كتاب التدبير.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لا في الثمن ، ولا في غيره» (١).

والظاهر أن منشأ نسبة منع البيع إلى السيد مطلقا هو قوله : «ولا يجوز بيع أمّ الولد وولدها حيّ» إذ لم يفصّل قدس‌سره بين كون ثمنها دينا على السيد وعدمه.

لكن وجّه صاحب المقابس كلام السيد بما لا يكون مخالفا لإجماع الأصحاب على جواز البيع في الفرض المزبور ، قال قدس‌سره : «وعبارته ليست نصّا في المخالفة ، وإنّما قصد بها الرّد على المخالفين ، حيث لم يوافقوا على التفصيل بين بقاء الولد وموته. ولمّا كان التفصيل بذلك ـ أي بين حياة السيد وموته ـ مجمعا عليه بين الأصحاب ، فلذلك نقل الإجماع عليه» (٢).

ومحصّله : أنّ نظر السيد نفي مذهب المخالفين من منع البيع مطلقا ، سواء بقي الولد أم مات ، وليس مقصوده دعوى الإجماع على الجواز بعد وفاة الولد حتى يقال بمخالفته للأصحاب المفصّلين بين كون ثمنها دينا على مولاها ، وعدمه.

وارتضى المصنف قدس‌سره هذا الحمل. وعليه فالكليّة المزبورة مخصّصة عند جميع الإمامية. ولو فرض تمامية نسبة عموم المنع إلى السيد ، قلنا إنه لا عبرة به لمخالفته للنصوص المعتبرة ، وهي على طائفتين :

الاولى : ما دلّت على جواز بيعها في موضع خاص ، وهو ثمن رقبتها. وسيأتي التعرض لها قريبا ، فلاحظ (ص ٢٩٩).

الثانية : ما دلّت على أنّ أمّ الولد أمة ، ويجري عليها حكم سائر الإماء ، مع عدم سبق سؤال عن بيعها في خصوص الدين ولا في غيره ، ومن المعلوم جواز التصرف الناقل في مطلق الأمة ببيع وهبة ونحوهما. نعم يقيّد الإطلاق بمقدار قيام الحجة على المنع ، مثل كون الولد حيّا ، ولم يكن ثمنها دينا على مولاها.

__________________

(١) السرائر ، ج ٣ ، ص ٢١.

(٢) المقابس ، ص ٧١.

٢٩٣

في الجملة (١). لكن المحكيّ في السرائر عن السيد قدس‌سره عموم المنع وعدم الاستثناء.

وهو (٢) غير ثابت. وعلى تقدير الثبوت فهو ضعيف ، يردّه (٣) ـ مضافا إلى ما ستعرف من الأخبار ـ قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة وقد سأله عن أمّ الولد ، قال : «تباع وتورث ، وحدّها حدّ الأمة» (١) بناء على حملها (٤) على أنّها قد يعرض لها ما يجوّز ذلك.

______________________________________________________

فإن قلت : هذه الرواية لا تدل على جواز بيعها في الجملة ، لظهورها في اتحاد حكمها مع سائر الإماء ، فكما يصحّ نقلها كذا يصح نقل أمّ الولد ، وهذا ينافي تلك القاعدة التي استفادها المصنف من النصوص والإجماع من أصالة منع بيعها.

قلت : نعم ، وإن كان ظاهرها معارضا لتلك القاعدة ، إلّا أن الرواية محمولة على أنّ أمّ الولد قد يعرض عليها ما يجوّز البيع. وليس المراد مماثلة أمّ الولد لمطلق الأمة في جواز البيع متى شاء السيد.

(١) وهي القدر المتيقن من تخصيص عموم المنع ، وإن لم نقل بجواز بيعها في جميع المواضع الواردة في كلمات الفقهاء.

(٢) أي : وعموم المنع ـ عند السيد ـ غير ثابت ، لما تقدم من توجيه كلامه في المقابس.

(٣) هذه خدشة اخرى في عموم المنع ـ لو سلّم التزام السيد قدس‌سره به ـ ومحصّلها دلالة الأخبار المعتبرة على جواز البيع إمّا في خصوص الدين ، وإمّا من دون التقييد به.

(٤) إذ لو لم تحمل عليه لكان مقتضاها جواز البيع مطلقا لا في خصوص طروء المسوّغات ، فلا بد من هذا الحمل الذي هو جمع عرفي بين هذه الرواية وبين ما دلّ على عدم جواز بيعها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٥٢ ، الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث : ٣.

٢٩٤

وأمّا المواضع (١) القابلة للاستثناء ـ وإن [وقد] وقع التكلّم في استثنائها

______________________________________________________

إلّا أن يقال : إنّ قوله عليه‌السلام : «وحدّها حد الأمة» يأبى عن هذا الحمل ، لكونه كالنص في كون أمّ الولد كغيرها من الإماء من دون تفاوت بينهما. فلا بد حينئذ من معاملة التعارض ، وتقديم ما دلّ على المنع عن بيع أمّ الولد لأرجحيته ، فلاحظ.

المبحث السادس : المواضع القابلة للاستثناء من عموم المنع

(١) هذا شروع في ذكر موارد يمكن تخصيص عموم منع البيع فيها ، واختلفوا في ضبطها وعدّها ، فاقتصر الشهيد قدس‌سره في اللمعة على ثمانية مواضع ، وتنظّر في التاسع (١). وفي جامع المقاصد جواز بيعها في أربعة عشر موضعا (٢) ، وأضاف الشهيد الثاني قدس‌سره إلى ما في متن اللمعة ، فبلغ المجموع عشرين موضعا ، ثم قال : «وفي كثير من هذه المواضع نظر» (٣). وأنهاها صاحب المقابس قدس‌سره إلى ثمانية وثلاثين موضعا على ما فيها من الوفاق والخلاف (٤).

وأفاد المصنف قدس‌سره : أنّ الاستثناء ينشأ من وجود ما يصلح كونه أولى بالرعاية من حقّ الاستيلاد ، وجواز بيعها لا بدّ أن يكون لانطباق أحد عناوين أربعة :

أوّلها : تعلق حق الغير بها ، كما إذا مات مولاها مديونا بثمنها ، ولم يخلّف شيئا لأدائه ، فحقّ البائع أولى بالرعاية من حق أمّ الولد.

ثانيها : تعلق حقّها بتعجيل العتق ، كما إذا مات أحد أقارب أمّ الولد ، وليس له وارث سواها ، فتشترى من مولاها لتعتق ، ولو بقي شي‌ء من التركة كان إرثا لها.

ثالثها : تعلّق حقّ سابق على الاستيلاد ، كما إذا رهنها المولى في دين ، ثم

__________________

(١) اللمعة ، ص ٩٤.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٨ ـ ٩٩.

(٣) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٦٠ ـ ٢٦١.

(٤) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٧٠ ـ ٩٤.

٢٩٥

لأجل وجود ما يصلح أن يكون أولى بالملاحظة من الحقّ ـ فهي (١) صور ، يجمعها :

تعلّق حقّ للغير بها ، أو تعلّق حقّها بتعجيل العتق ، أو تعلّق حقّ سابق على الاستيلاد ، أو عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل.

فمن موارد القسم الأوّل : ما إذا كان على مولاها دين ، ولم يكن ما يؤدّي هذا الدّين (٢). والكلام في هذا المورد قد يقع فيما إذا كان الدّين ثمن رقبتها ، وقد يقع فيما إذا كان غير ثمنها.

وعلى الأوّل (٣) ، يقع الكلام تارة بعد موت المولى ، واخرى في حال حياته.

أمّا بعد الموت (٤) ، فالمشهور الجواز ، بل عن الروضة :

______________________________________________________

استولدها ، وتعذر الوفاء ، فيجوز بيعها ، لتقدم حق الارتهان على حق الاستيلاد.

رابعها : عدم تحقق الحكمة المانعة عن نقلها إلى الغير ، كما إذا ارتدّ ولدها قبل وفاة السيد ، فإنّ الحكمة من عدم بيعها ـ وهي الانعتاق من نصيب الولد ـ منتفية ، فيجوز بيعها.

(١) جواب الشرط في «وأمّا».

القسم الأوّل : تعلق حق الغير بامّ الولد

١ ـ أن يكون على مولاها دين

(٢) هذا هي المورد الأوّل ، وهو يتضمن صورتين ممّا ذكره في المقابس ، والجهة الجامعة بين الصورتين هو بيعها في الدين ، ففصّل المصنف قدس‌سره بين كون الدين ثمن رقبتها ، وبين كونه مالا آخر في ذمة السيّد ، فهنا مقامان. وعلى الأوّل فتارة يبحث عن جواز بيعها بعد وفاة السيد ، واخرى في حياته.

(٣) هذا شروع في المقام الأوّل ، وهو حكم بيع أمّ الولد مقدمة لأداء ثمنها إلى البائع.

(٤) أي : جواز بيعها إن كان ثمنها دينا على السيد ولم يؤدّه في حياته.

٢٩٦

أنّه موضع وفاق (١).

وعن جماعة (٢) «أنّه لا خلاف فيه». ولا ينافي ذلك (٣) مخالفة السيد في أصل المسألة ، لأنّهم (٤) يريدون نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء في بيع أمّ الولد ،

______________________________________________________

واستدلّ عليه ـ بعد الإجماع المتضافر نقله ـ بإطلاق قاعدة السلطنة ، وبصحيح عمر بن يزيد ، وإن ناقش في الاستناد إلى حديث السلطنة ، كما سيأتي.

(١) قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «أما مع الموت فموضع وفاق» (١).

(٢) الحاكي عن جماعة عدم الخلاف هو السيد العاملي (٢) ، وكذا في المسالك ومجمع الفائدة (٣) ، بل في جامع المقاصد : دعوى الإجماع عليه ، فراجع (٤).

(٣) أي : ولا ينافي عدم الخلاف ـ الذي ادّعاه جماعة ـ مخالفة السيد المرتضى ومنعه بيعها مطلقا ، سواء في دين ثمنها أو في دين آخر ممّا في ذمة مولاها.

وجه عدم التنافي : أنّ مقصود مدّعي الإجماع إمّا نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء ، لا عدم الخلاف بين جميع الفقهاء حتى تقدح مخالفة السيد في تحقق صغرى الإجماع من جهة إنكاره بيع أمّ الولد مطلقا. وإمّا نفي الخلاف بين الفقهاء المجوّزين لبيعها في ثمن رقبتها ، لإتفاقهم على الجواز بعد وفاة السيد ، وإن اختلفوا فيه حال حياته.

وبكلّ من الوجهين تتجه دعوى الإجماع على الجواز مع عدم معارضته بمخالفة السيد قدس‌سره له.

(٤) تعليل لقوله : «لا ينافي» وجه عدم المنافاة الالتزام بأحد الأمرين كما مرّ آنفا.

__________________

(١) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٦١.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٢ ، ولاحظ : نهاية المرام ، ج ٢ ، ص ٣١٥ ؛ كفاية الأحكام ، ص ٢٢٥ ؛ رياض المسائل ، ج ١٣ ، ص ١١١.

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٨ ، ص ٤٦ ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٧٠.

(٤) جامع المقاصد ، ج ١٣ ، ص ١٤٠.

٢٩٧

أو القائلين باستثناء بيعها في ثمن رقبتها ، في قبال صورة حياة المولى المختلف فيها.

وكيف كان (١) ، فلا إشكال في الجواز في هذه الصورة (٢) ، لا لما قيل : «من قاعدة تسلّط الناس على أموالهم» لما (٣) عرفت من انقلاب القاعدة إلى

______________________________________________________

(١) أي : سواء تمّ توجيه دعوى الإجماع أم لم يتم ، فالحكم بالجواز مما لا شبهة فيه ، لوفاء الدليل به. وهو إمّا عمومات صحة البيع وحليته ، وقاعدة السلطنة بتقريب : أن «أمّ الولد» مال من أموال السيّد ، ومقتضى سلطنة الملّاك على أموالهم جواز التصرف الناقل ، إلّا ما خرج بدليل ، ومن المعلوم أن إطلاق السلطنة يزيل الشك في جواز بيع أمّ الولد إن كان ثمنها دينا.

ونسب صاحب المناهل (١) إلى فخر المحققين الاستدلال بقاعدة السلطنة ، وارتضاه ، وذكره صاحب الجواهر قدس‌سره (٢) وجها لتردّد المحقق لا للاعتماد عليه بوجه.

قال في الإيضاح في شرح قول والده : «وفي اشتراط موت المولى نظر» ما لفظه : «والأوّل ـ أي عدم الاشتراط ـ أولى ، لأنّها مملوكة ، والأصل جواز التصرف في الملك بالبيع وغيره ، خرج المتفق على منعه ، بقي الباقي على الأصل» (٣).

لكن تقدم في (ص ٢٩١) ما ربما يستفاد عدوله في باب الاستيلاد عنه.

وناقش المصنف فيه بأنّ قاعدة السلطنة ونحوها مما يقتضي الصحة قد علم انقلابها ـ في أمّ الولد ـ إلى قاعدة المنع ، فلا بد في موارد الشك من الرجوع ـ في هذا المال الخاص ـ إلى عموم المنع ، لا إلى عمومات صحة العقود المفروض تخصيصها.

(٢) وهي صورة بيعها ـ بعد وفاة المولى ـ في ثمن رقبتها.

(٣) تعليل لقوله : «لا» وقد اتّضح وجهه آنفا.

__________________

(١) المناهل ، ص ٣١٩.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٦.

(٣) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢٨.

٢٩٨

المنع في خصوص هذا المال (١). بل (٢) لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عمر بن يزيد ، قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام (٣) : أسألك عن مسألة ، فقال : سل. قلت : لم باع أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أمّهات الأولاد؟ قال : في فكاك

______________________________________________________

(١) أي : أمّ الولد ، والمراد من الانقلاب هو تخصيص العموم وتقييد الإطلاق.

(٢) معطوف على «لا لما قيل» فكأنه قال : «لا إشكال في الجواز ، لما رواه المشايخ ... الخ».

(٣) هذا موافق لما في التهذيب والفقيه ، وفي الكافي : «قلت لأبي عبد الله أو لأبي إبراهيم» من تردد الراوي في أن المسؤول هو الإمام الصادق أو الكاظم عليهما‌السلام.

ثم إن هذه الصحيحة تضمّنت أسئلة ثلاثة ، والمقصود من ذكرها الاستدلال بجوابه عليه‌السلام عن السؤال الثاني من جواز بيع أمّ الولد في ثمنها بعد وفاة السيّد.

ولا بأس بتوضيح ما ورد فيها ، إذ الظاهر حصول شبهة لعمر بن يزيد نشأت ممّا وصل إليه من أنّ أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين باع أمّهات الأولاد ، وظاهره تكرّر بيعهن ، ولعلّ منشأ الشبهة حكم المخالفين بأنّ أمّ الولد حرّة ، وإنكارهم بيعها ، فاستجاز عمر بن يزيد من الإمام عن أن يسأل ويستعلم ، فأجازه عليه‌السلام. فسأل عن وجه فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأجابه الإمام عليه‌السلام بأنّ البيع كان في فكاك رقابهن.

وكأنّ السائل لم يقنع بهذا الجواب ، لعدم كون البيع في فكاك رقابهن بيّنا ، فسأل مرة اخرى «فكيف ذلك؟» فأجابه عليه‌السلام بما حاصله : أنه يجوز بيعها إذا اجتمعت امور ثلاثة :

الأوّل : أن يكون ثمن الجارية دينا في ذمة مولاها ، ولم يؤدّه إلى بائعها. وهذا مفاد قوله عليه‌السلام : «ولم يؤدّ ثمنها».

الثاني : موت المولى حال كونه مديونا لثمنها ، وهذا مدلول قوله عليه‌السلام : «ولم يدع من المال ما يؤدّي عنه» لظهور «لم يدع» في موت المولى ، وإلّا لعبّر بمثل «ولم يكن له من المال ...».

٢٩٩

رقابهنّ. قلت : فكيف ذلك؟ قال : أيّما رجل اشترى جارية فأولدها ولم (١) يؤدّ ثمنها ، ولم يدع من المال ما يؤدّي عنه (٢) ، اخذ منها ولدها وبيعت (٣) ، وادّي ثمنها. قلت : فيبعن (٤) فيما سوى ذلك من دين؟ قال (٥) : لا (٦)» (١).

وفي رواية (٧) اخرى لعمر بن يزيد

______________________________________________________

الثالث : عدم ترك مال لأداء الدين ، وتفريغ الذمة عن ثمن الجارية ، وهذا أيضا مفاد الجملة المتقدمة.

ثم سأل عمر بن يزيد عن جواز بيع أمّ الولد فيما عدا ثمنها من ديون اخرى لو كانت على السيّد. فنفى عليه‌السلام ذلك.

وبالجملة : فالصحيحة وافية بإثبات المدّعى ، وهو جواز بيع أمّ الولد بعد وفاة السيد إن كان مديونا بثمنها.

(١) كذا في النسخ ، وفي الوسائل والكافي والفقيه والتهذيب : «ثم لم يؤدّ».

(٢) كذا في النسخ ، وهو موافق لما في التهذيب والفقيه ، ولكن في الكافي «عنها» ، وفي الوسائل : «عند» وهذا الأخير غير ظاهر. فلعلّه من سهو النسّاخ.

(٣) كذا في الكافي والفقيه والتهذيب ، ولكن في الوسائل : «فبيعت».

(٤) كذا في نسختنا ، وهو موافق لما في الكافي والتهذيب والوسائل ، وفي بعض نسخ الكتاب «فتباع» وهو موافق لما في الفقيه.

(٥) الضمير المستتر في «قال» في المواضع الأربعة رجع إلى أبي إبراهيم عليه‌السلام.

(٦) أي : لا يجوز بيعهن في ما سوى أداء أثمانهن.

(٧) التعبير بالرواية لاشتمال السند على معلّى بن محمد ، وهو وإن كان من مشايخ الإجازة ، إلّا أنّه لا توثيق له بالخصوص ، ولكن ضعف السند منجبر بعمل

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٥١ ، الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث : ١ ؛ الكافي ، ج ٦ ، ص ١٩٣ ، الحديث : ٥ ؛ الفقيه ، ج ٣ ، ص ١٣٩ ، الحديث : ٣٥١٢ ؛ التهذيب ، ج ٨ ، ص ٢٣٨ ، الحديث : ٩٥ من كتاب العتق (المسلسل ٨٦٢).

٣٠٠