هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

مثل ما روي (١) من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام لمن سأله عن بيع أمة أرضعت ولده ، قال له : «خذ بيدها ، وقل : من يشتري أمّ ولدي؟» (١).

وفي حكم البيع (٢)

______________________________________________________

(١) هذا خبر السكوني عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما‌السلام : «أنّ عليّا عليه‌السلام أتاه رجل ، فقال : انّ أمتي أرضعت ولدي ، وقد أردت بيعها؟ فقال : خذ بيدها ، فقل ... الخ».

وتقريب الدلالة : أنّ مورد السؤال وإن كان بيع الأمة المرضعة ، لا بيع الأمة التي ولدت من سيّدها ، إلّا أنّه لا مجال لتوهم تعدّد الموضوع ، وذلك لأنّ إطلاق «أمّ الولد» فيه على الأمة المرضعة إمّا لكونها أمّ الولد حقيقة ، وإن كان خلاف الظاهر. وإمّا لثبوت الحكم في الامّ الرضاعية أيضا. وحينئذ يكون الاستدلال به على الامّ النسبية بالأولوية. هذا.

والمناقشة في دلالتها على كون بيعها من المنكرات الإسلامية ـ كما في بعض الحواشي ـ ضعيفة جدّا ، فلاحظ وتأمّل.

وكذا يدلّ على إنكار بيعها ما ورد في صحيح عمر بن يزيد الآتي في (ص ٢٩٩) من قوله : «لم باع أمير المؤمنين عليه‌السلام أمّهات الأولاد؟».

المبحث الأوّل : عموم المنع لكل ناقل عن ملك المولى

(٢) هذا شروع في المبحث الأوّل ، وهو : اختصاص المنع بالبيع ، أو عمومه للعقود الاخرى ، إمّا لكونها ناقلة كالهبة والصلح ، وإمّا لاستلزامها للنقل كالرهن لو توقّف استيفاء الدين على بيع أمّ الولد. ذهب السيد المجاهد قدس‌سره إلى الاختصاص ، والمصنف قدس‌سره إلى العموم ، مستشهدا بكلمات الفقهاء في مواضع أربعة ، كما سيظهر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٠٩ ، الباب ١٩ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث : ١.

٢٤١

كلّ تصرف ناقل للملك غير المستعقب بالعتق (١) أو مستلزم (٢) للنقل كالرّهن ، كما يظهر (٣) من تضاعيف كلماتهم في جملة من الموارد :

منها (٤) : جعل أمّ الولد ملكا غير طلق ،

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ الممنوع منه هو العقد الناقل للأمة إلى ملك الغير مع عدم ترتب عتقها عليه ، كما إذا باعها من أجنبي ، أو صالحه عليها ، أو أقرضها منه ، أو وقفها عليه ، إذ لو صحّ هذا النقل بقيت على رقيّتها ولم تتحرّر.

وأمّا إذا كان النقل إلى الغير مستلزما لتحرّرها فلا مانع منه ، كما إذا وهبها لولدها ، أو صالحه عليها ، فإنّ امتناع تملك العمودين يوجب عتقها بمجرد القبول.

وكذا لو نقلها إلى أجنبي بشرط العتق ، إمّا بنحو شرط الفعل ، وإمّا بنحو شرط النتيجة على القول بصحته في مثل التحرير. فالعقد الناقل في هذه الموارد صحيح ، ولا يندرج في الدليل المانع عن بيع أمّ الولد ، بناء على عمومه لجميع نواقل الأعيان.

(٢) معطوف على «ناقل» فإنّ الرهن قد ينتهي إلى نقل الوثيقة ، كما إذا لم يؤدّ المديون دينه ، وقد لا يفضي إلى النقل ، بل ينفك الرهن ويبقى على ملك الراهن ، كما إذا وفى دينه. ونظير الرهن ما إذا ضمن مولاها دينا ، واشترط كون الأمة مال الضمان.

(٣) يعني : يظهر أنّ حكم كل تصرف ناقل أو مستلزم للنقل يكون حكم البيع في المنع.

(٤) يعني : من جملة الموارد التي يظهر منها عدم جواز التصرف الناقل أو المستلزم للنقل ـ في أمّ الولد ـ وإن لم يكن بيعا هو عدّ الفقهاء «أمّ الولد» ملكا غير طلق كالوقف والرهن ، اللذين لا يستقلّ المالك بالتصرف فيهما.

وتوضيحه : أنّ ملاحظة معنى «الطّلق» ومانعية الاستيلاد عنه توجب الجزم بإرادة المنع عن جميع التصرفات الناقلة ، وذلك لأنّ «الطلق» عبارة عن تمامية الملك

٢٤٢

كالوقف والرّهن (١). وقد عرفت (٢) أنّ المراد من «الطّلق» تمامية الملك ، والاستقلال في التصرف. فلو جاز (٣) الصلح عنها وهبتها لم تخرج عن كونها طلقا بمجرّد عدم جواز إيقاع عقد البيع عليها (٤). كما أنّ المجهول (٥) الذي يجوز

______________________________________________________

والسلطنة في التصرف ، فإذا جاز الصلح عن شي‌ء وهبته مثلا خرج عن الطلقية بمجرّد عدم جواز بعض التصرفات الآخر كالبيع للجهالة أو غيرها.

وبالجملة : فلا يخرج الملك عن الطلق إلّا بالمنع عن جميع التصرفات الناقلة ، والمفروض أنّ الاستيلاد عدّ من موجبات خروج الملك عن الطلق ، فلا بدّ أن يكون مانعا من جميع التصرفات ، لا خصوص البيع.

(١) قال المحقق قدس‌سره : «الثاني ـ يعني من شرائط البيع ـ أن يكون طلقا ، فلا يصح بيع الوقف ... ولا بيع أمّ الولد ... ولا بيع الرهن إلّا مع الإذن» (١).

(٢) يعني : قبيل بحث بيع الوقف ، حيث قال : «والمراد بالطّلق تمام السلطنة على الملك ...» فراجع (٢).

(٣) متفرع على كون «الطلق» بمعنى السلطنة على التصرف ، ويقابله «عدم الطّلق» وهو ـ بقول مطلق ـ لا يصدق إلّا بسلب أنحاء التصرفات.

(٤) بل يكون عدم طلقيته بلحاظ البيع مثلا ، ولازمه بقاء طلقيته بالنسبة إلى الهبة ونحوها ، مع أنّهم عدّوا «أمّ الولد» غير طلق بقول مطلق من دون تقييد بعقد دون آخر. وعليه فلا بدّ من منع مطلق التصرف الناقل لها.

(٥) غرضه إقامة الشاهد على أنّ المناط في عدم الطلقية ليس مجرد منع البيع ، بل لا بدّ من المنع عن كل عقد ناقل الملك. فلو كان البيع ممنوعا شرعا وجاز نقله بالصلح مثلا ، كان المال طلقا.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧.

(٢) هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٤٨٤.

٢٤٣

الصلح عنه وهبته والإبراء (١) عنه ـ ولا يجوز (٢) بيعه ـ لا يخرج (٣) عن كونه طلقا.

______________________________________________________

وتوضيحه : أنّهم حكموا باعتبار العلم بالعوضين في البيع ، فلا يصحّ بيع المجهول ، للغرر المنهي عنه ، سواء أكان المال عينا خارجية ، كصبرة من طعام مجهولة الكيل والوزن ، فلا يصحّ بيعها وإن صحّ هبتها أو الصلح عليها. أم دينا غير منضبط المقدار ، فإنّه يجوز للدائن الصلح عليه ، وإبراء المديون ، ولم يجز بيعه من المديون أو من شخص آخر. ومجرد منع بيع المجهول لا يقتضي جعل «المال المجهول» في عداد ما ليس بطلق (*).

وعليه فلا تدور الطلقية مدار خصوص جواز البيع ، كما لا يدور عدم الطلقية مدار منع خصوص البيع ، بل يتوقف صدق «عدم الطلق» على منع كافة النواقل ، فالوقف والرهن وأمّ الولد لا يقع عليها شي‌ء من التصرفات ، لكونها غير طلق.

(١) هذه الكلمة قرينة على أن مراد المصنف بالمال المجهول هو الأعم من العين الشخصية والكلّية.

(٢) معطوف على «يجوز» والضمائر البارزة راجعة إلى المجهول.

(٣) خبر «أن المجهول» وضميره راجع إليه ، والمراد به المال المجهول.

__________________

(*) اورد عليه بعدم تمامية الاستشهاد بمنع بيع المجهول ، وذلك لأنّ الكلام فعلا في موانع الطّلق ، الذي هو صفة في المبيع يمنع من استقلال المالك في التصرف فيه ، مثل كونه وقفا أو رهنا ، فلو كان المنع لخصوصية في البيع مثل كونه غرريا ، أو في المتعاملين كعدم البلوغ ، أو في الأسباب ، كان أجنبيّا عما نحن فيه ، إلّا أن تكون الجهالة قائمة بالعوضين لا بالمتعاملين (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ٢٧٦.

٢٤٤

ومنها (١) : كلماتهم في رهن أمّ الولد ، فلاحظها.

ومنها (٢) : كلماتهم في استيلاد المشتري في زمان خيار البائع ،

______________________________________________________

(١) هذا هو المورد الثاني ، ولا يخفى أنّ مسألة جواز رهن أمّ الولد خلافية ، كما يظهر بمراجعة مفتاح الكرامة والجواهر ، وهي غير معنونة بالاستقلال في بعض الكتب كالشرائع ، إلّا أن ظاهر المتن الإشارة إلى الإجماع المحكي على المنع.

قال العلّامة قدس‌سره : «وفي رهن أمّ الولد في ثمن رقبتها مع إعسار المولى إشكال ، ومع يساره أشكل. و[في] غير الثمن أشد إشكالا» (١).

وقال السيد العاملي ـ في شرح الفقرة الاولى منه ـ ما لفظه : «نسب في الإيضاح وحواشي الكتاب للشهيد إلى الأصحاب : المنع من رهن أمّهات الأولاد. وظاهرهما الإجماع على ذلك. ولعلّهما فهما ذلك من اشتراطهم في الرهن أن يكون ممّا يجوز بيعه. وهو محلّ تأمّل ...» فراجع (٢).

(٢) أي : ومن جملة الموارد التي تشهد بمنع مطلق التصرف الناقل للملك هو كلمات الفقهاء في موضعين : أحدهما في خيار الغبن ، والآخر في أحكام مطلق الخيار.

فقالوا في الأوّل : لو باع جارية دون قيمتها السوقية وأولدها المشتري ، ثم تبيّن للبائع غبنه ، فرجع إلى المشتري للفسخ ، لم ينفذ ذلك بالنسبة إلى العين وانتقل حقّه إلى قيمتها ، بمعنى أنّه يرد الثمن المسمّى إلى المشتري ، ويأخذ منه قيمة الأمة.

وهذا الحكم شاهد على مانعية الاستيلاد عن تأثير الفسخ في عود كلّ من العوضين إلى صاحبه.

قال المحقق قدس‌سره : «ولا يسقط ذلك الخيار ـ أي : خيار الغبن ـ بالتصرف ، إذا لم يخرج عن الملك ، أو يمنع مانع من ردّه كالاستيلاد في الأمة» (٣).

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١١٠.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٨٤ ، ولاحظ : جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ١٣٩.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٢.

٢٤٥

فإنّ المصرّح به (١) في كلام الشهيدين (٢) في خيار الغبن : أنّ البائع لو فسخ يرجع

______________________________________________________

ونحوه عبارة القواعد (١).

وقال السيد العاملي في شرحها : «كما صرّح بجميع ذلك في الشرائع والتحرير والتذكرة وغاية المراد والمهذب البارع والتنقيح وغاية المرام وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد والروضة والمسالك. ونقله الشهيد في حواشيه عن شمس الدين. وفي الروضة والمفاتيح : أنه المشهور ...» (٢).

وقالوا في الموضع الثاني ـ أعني به أحكام مطلق الخيار ـ : إنّ المشتري لو باع أو وقف أو وهب في مدة خيار البائع لم ينفذ إلّا بإجازته. واستثنوا الاستخدام ، وعدم مانعيته عن الفسخ إلّا إذا استولد الأمة.

قال العلّامة قدس‌سره : «نعم ، له الاستخدام والمنافع والوطء ، فإن حبلت فالأقرب الانتقال إلى القيمة مع فسخ البائع» (٣) وعقّبه السيد العاملي قدس‌سره بقوله : «كما هو خيرة التحرير والإيضاح وجامع المقاصد. وهو قضية كلام السرائر والمختلف ، وظاهر كنز الفوائد» (٤).

والمتحصل من كلماتهم في الموضعين : مانعية الاستيلاد عن استرداد العين ، وانتقال حق سيّدها إلى القيمة. فيعلم منه أنه لا خصوصية في البيع ، بل نقل العين غير نافذ وإن كان بفسخ البيع الخياري.

(١) هذا هو الموضع الأوّل ، وهو خيار الغبن.

(٢) في اللمعة وشرحها. قال في اللمعة : «وكذا ـ أي لا يسقط الخيار ـ لو تلف العين أو استولد الأمة» ويرجع إلى القيمة كما صرّح به الشهيد الثاني في الشرح (٥) ،

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٦٧.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٥٧٢.

(٣) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٧٠.

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٦٠٤.

(٥) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٤٦٦ و ٤٧٠.

٢٤٦

إلى القيمة ، لامتناع انتقال أمّ الولد. وكذا في كلام العلّامة وولده وجامع المقاصد ذلك (١) أيضا (٢) في زمان مطلق الخيار (٣).

ومنها (٤) : كلماتهم في مستثنيات بيع أمّ الولد ردّا وقبولا (٥) ، فإنّها كالصريحة في أنّ الممنوع مطلق نقلها ، لا خصوص البيع.

______________________________________________________

ويستفاد من اللمعة أيضا ، ولم يتعرض الشهيد لهذا الفرع في خيار الغبن في الدروس (١) ولا صرّح بالرجوع إلى القيمة في غاية المراد (٢) ، نعم صرح به الشهيد الثاني في تعليق الإرشاد والروضة والمسالك (٣) ، فراجع.

(١) هذا هو الموضع الثاني. يعني : وكذا المصرّح به في كلام العلّامة وغيره : أنّ البائع لو فسخ العقد يرجع إلى القيمة دون العين ، لصيرورتها أمّ ولد ، وقد امتنع نقلها عمّن استولدها. ومن المعلوم أنّ التعليل ب «امتناع انتقال أمّ الولد» يشمل كل ناقل ، سواء أكان بيعا أم غيره.

(٢) يعني : كحكمهم بالرجوع إلى القيمة لو كان البائع مغبونا وفسخ.

(٣) كما إذا باعها وشرط الخيار لنفسه شهرا ، فحملت من المشتري ، وفسخ البائع ، فلا رجوع إلى العين بل إلى القيمة.

(٤) أي : ومن جملة الموارد ، وهذا رابعها وأخيرها ، مثل ما يأتي في المتن في ما لو جنت على مولاها بما يوجب صحة استرقاقها : «فيجوز له التصرف الناقل فيها ، كما هو المحكي في الروضة عن بعض» حيث عبّروا بالتصرف الناقل لا خصوص البيع ، فراجع (ص ٤٠٨).

(٥) أي : سواء بنينا على ردّ المستثنيات أم على قبولها ، لكونها محلّ النزاع ،

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ص ٢٧٥ ؛ وكذا اقتصر على نقل الأقوال في حكم خيار الشرط من دون ترجيح ، فلاحظ ، ص ٢٧١.

(٢) غاية المراد ، وكذا حاشية الإرشاد ، ج ٢ ، ص ٩٩.

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٢٠٦.

٢٤٧

وبالجملة (١) : فلا يبقى للمتأمّل شكّ في ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل. ومع ذلك كلّه (٢) ، فقد جزم بعض سادة مشايخنا بجواز غير البيع من

______________________________________________________

والمهم عدم الاقتصار على «البيع» لاقتضاء مناسبة الحكم والموضوع تعميم المنع والجواز لمطلق الناقل.

(١) هذا ملخص ما أفاده من قوله : «وفي حكم البيع كل تصرف ناقل للملك ...» إلى هنا ، وتوطئه للرد على صاحب المناهل.

(٢) أي : ومع عدم بقاء شكّ للمتأمّل فقد جزم السيّد المجاهد بجواز نقل أمّ الولد بغير البيع ، قال قدس‌سره : «هل يلحق بالبيع الصلح ، فلا يصح للمولى نقل أمّ الولد ـ مع وجود ولدها ـ منه إلى غيره بطريق الصلح ، أو لا يلحق ، بل لا يجوز النقل بطريق الصلح في جميع الصور؟ ظاهر الدروس الأوّل. والتحقيق أن يقال : إن كان الصلح فرعا على البيع فلا إشكال في الإلحاق. وإن كان عقدا مستقلا غير فرع ـ كما هو المختار ـ فلا يلحق. وأنّ المعتمد جواز نقلها بكل ناقل عدا البيع ، للعمومات الدالة على لزوم الوفاء بالعقود ، وبالشروط ، وعلى تسلّط المالك على ملكه ، خرج منها خصوص البيع بالدليل. ولا دليل على خروج غيره ، فيبقى مندرجا تحتها. ويؤيّد ذلك عدم التنبيه على المنع من غير البيع في الروايات ومعظم الفتاوى» (١).

ومحصّله : جواز تمليك أمّ الولد للغير بما عدا البيع ، لوجود المقتضي ، وفقد المانع. أمّا المقتضي فامور :

أحدها : عموم الأدلة الإمضائية كالأمر بالوفاء بكل عقد إلّا ما خرج ، ويشك في خروج الصلح على أمّ الولد وهبتها عنه ، وأصالة العموم تنفي التقييد بغيرها.

ثانيها : عموم أدلة الشروط ، وظاهره صدق الشرط ـ بنظر السيد المجاهد قدس‌سره ـ على الالتزام الابتدائي كالهبة والصلح.

__________________

(١) المناهل ، ص ٣٢٠ ، التنبيه السادس.

٢٤٨

النواقل ، للأصول (١) ، وخلوّ (٢) كلام المعظم عن حكم غير البيع.

وقد عرفت (٣) ظهوره (٤) من تضاعيف كلمات المعظم في الموارد المختلفة.

______________________________________________________

ثالثها : إطلاق حديث السلطنة ، فإنّ منع الصلح والهبة تحديد لها ، مع أنّ إطلاق السلطنة المجعولة شرعا يقتضي جواز كل تصرف خارجي واعتباري في المال ، الصادق على أمّ الولد قطعا.

وأمّا عدم المانع من الشمول ، فلاختصاص الدليل المانع عن التصرف بالبيع ، فهو الخارج عن العموم المقتضي للصحة ، ويبقى غيره من النواقل مندرجا فيه.

(١) يحتمل إرادة الأصل العملي ، مثل عدم اشتراط عقدي الصلح والهبة بعدم كون المتصالح عليه والموهوب أمّ ولد. لكن لا مجال لإرادة هذا الأصل هنا ، لتصريح السيد المجاهد بالأصل اللفظي ، وهو العموم المراد به الشمول ، لا خصوص المستند إلى الوضع في قبال ما يستند إلى مقدمات الحكمة.

(٢) ظاهر عطفه على «الأصول» كون خلوّ كلمات القوم دليلا آخر ، لكن السيد قدس‌سره جعل اختصاص الفتاوى بمنع البيع مؤيّدا لجواز النقل بالصلح والهبة.

(٣) هذا إيراد المصنف قدس‌سره على كلام المناهل ، وغرضه منع ما أفاده ثانيا من خلوّ الفتاوى عن حكم غير البيع ، وجه المنع ما تقدم من تعبيرهم بالنقل ـ دون خصوص البيع ـ في الموارد الأربعة. وهذه الكلمات إن بلغت حدّ الإجماع القطعي صلحت لتخصيص العمومات المقتضية للصحة كما لا يخفى.

واستشهد المصنف ـ مضافا إلى الموارد الأربعة المتقدمة ـ بكلام شيخ الطائفة والحلي وبإجماع فخر المحققين ، وبإرساله إرسال المسلمات في الرياض ، وبظهور عبارة المقابس ، ثم استظهر كونه ممّا اتفق عليه المسلمون. ومع هذا كيف تتجه دعوى خلو كلام المعظم عن حكم غير البيع؟

(٤) أي : ظهور ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل.

٢٤٩

ومع ذلك (١) فهو الظاهر من المبسوط والسرائر ، حيث قالا : «إذا مات ولدها جاز بيعها وهبتها والتصرف فيها بسائر أنواع التصرف (٢)» (١).

وقد ادّعى (٣) في الإيضاح الإجماع صريحا على المنع عن كلّ ناقل ، وأرسله (٤) بعضهم ـ كصاحب الرياض وجماعة ـ إرسال المسلّمات ، بل عبارة

______________________________________________________

(١) أي : مضافا إلى ظهور كلمات الفقهاء في عموم الحكم ـ لغير البيع ـ يكون ثبوت الحكم لغير البيع ظاهر المبسوط والسرائر ، لدلالة منطوق الجملة الشرطية على جواز غير البيع لو مات ولدها حال حياة السيّد ، فيكون مفهومها ظاهرا في منع البيع والهبة وسائر التصرفات لو لم يمت الولد.

(٢) كالصلح عليها ووقفها ، وإقراضها بناء على صحة إقراض الجواري كما ادّعي عدم الخلاف فيه (٢).

(٣) هذا هو الشاهد الثاني ، وحاصله : أنّ اتحاد البيع والهبة في المنع ليس ممّا انفرد به شيخ الطائفة والحلي قدس‌سرهما ، بل ادّعى فخر المحققين الإجماع على المنع عن جميع نواقل الملك من هبة وصلح وغيرهما.

قال قدس‌سره : «للاستيلاد أحكام : أحدها : إبطال كل تصرف ناقل للملك عنه إلى غيره ـ غير مستلزم للعتق بذاته ـ بلا شرط يرتقب ، إجماعا» (٣).

(٤) هذا هو الشاهد الثالث على تعرض الفقهاء لحكم غير البيع ، ومنعهم عن مطلق التصرف الناقل للملك. وعبارة الرياض قريبة من كلام الإيضاح ، لكنها خالية عن دعوى الإجماع (٤) ، كخلوّ كلام الشهيد الثاني قدس‌سره عنه (٥). وعدم الإشارة إلى

__________________

(١) المبسوط ، ج ٦ ، ص ١٨٥ ؛ السرائر ، ج ٣ ، ص ٢١.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٥ ، ص ٢١.

(٣) إيضاح الفوائد ، ج ٣ ، ص ٦٣١.

(٤) رياض المسائل ، ج ١٣ ، ص ١٠٩.

(٥) الروضة البهية ، ج ٦ ، ص ٣٦٩.

٢٥٠

بعضهم (١) ظاهرة في دعوى الاتّفاق (٢) ، حيث قال : «إنّ الاستيلاد مانع من صحة

______________________________________________________

خلاف في المسألة ظاهر في كون المنع عن كل تصرف ناقل من مسلّمات الفقه.

وتعبير صاحب الحدائق قدس‌سره ظاهر في تسالمهم على عدم الفرق في النقل بين المعاوضي وغيره ، لقوله : «والحق بالبيع هنا سائر ما يخرجها عن الملك أيضا كالهبة والصلح وغيرهما للاشتراك في العلّة» (١).

وادّعى في الجواهر الإجماع بقسميه على منع كل تصرف ، فلاحظ (٢).

(١) وهو صاحب المقابس قدس‌سره ، والعبارة هكذا : «وإذا تحقق الاستيلاد بشرائطه المعتبرة ـ سواء وقع في حال الصحة أو المرض ـ فهو مانع ... الخ».

ثم إن الظهور الذي ادّعاه المصنف قدس‌سره مبني على رجوع قول المقابس : «على خلاف في ذلك» إلى خصوص التصرفات المعرّضة لأمّ الولد للدخول في ملك الغير كما هو الظاهر ، خصوصا بقرينة تصريحه بالإجماع في الجملة على الحكم بعده. وإلّا فلو رجع قوله : «على خلاف في ذلك» إلى قوله : «فهو مانع من صحة التصرفات الناقلة للأمة» كان صريحا في عدم الاتّفاق.

(٢) الظاهر أنّ المراد من الاتفاق هو إطباق المسلمين ـ لا خصوص الفرقة المحقة ـ كما يظهر من المقابس ، لقوله بعد العبارة المتقولة في المتن : «وهذا من الموانع التي لا تقبل التدارك ، ولا ترتفع برضا الجارية ، ولا بموت ولدها بعد التصرف. بل يطرد الحكم في جميع الصور إلّا في المواضع المستثناة. وكلّ من الحكمين إجماعي في الجملة بين الأصحاب ، وإن خالف العامة في الثاني ، فلم يستثنوا شيئا ، كما هو المنقول عن المذاهب الأربعة» (٣).

وبهذا يتجه الإتيان بكلمة «بل» إذ لو كان غرض المصنف استظهار اتفاق

__________________

(١) الحدائق الناظرة ، ج ١٨ ، ص ٤٤٨.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٤.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٩.

٢٥١

التصرفات الناقلة (١) من ملك المولى إلى ملك غيره ، أو المعرّضة لها للدخول في ملك غيره كالرهن ، على خلاف في ذلك (٢)».

ثم إنّ (٣) عموم المنع لكلّ ناقل ،

______________________________________________________

خصوص الإمامية عليه لم يزد كلام المقابس على الإيضاح ـ المدّعي للإجماع صريحا ـ ولم يحتج إلى الاضراب ب «بل».

(١) سواء أكانت معاوضية كالبيع والصلح المعاوضي ، أم غير معاوضية كالهبة والوقف ، والقرض إن لم يعدّ من العقود المعاوضية المصطلحة.

(٢) أي : في الرهن مما لا يوجب النقل ، ولكنه يجعل أمّ الولد عرضة للخروج عن ملك الراهن.

(٣) غرضه استظهار إطباق المسلمين على عموم منع نقل أمّ الولد ، وعدم اختصاصه بالبيع ، فيكون موافقا لما ادعاه صاحب المقابس قدس‌سره بناء على ظهور «الاتفاق» في الإجماع عند الكلّ. واستند المصنف قدس‌سره في هذه الدعوى إلى وجوه ثلاثة ، اثنان منها طائفتان من النصوص ، وثالثها تعليل الحكم في كلمات الأصحاب.

فالطائفة الاولى هي رواية السكوني المتقدمة في (ص ٢٤١) الظاهرة في كون بيع «أمّ الولد» من المنكرات ، بناء على إرادة مطلق المملّك ، بشهادة فهم الفقهاء عدم خصوصية للمنع عن البيع ، فيكون النهي عن الشراء من باب التنبيه على العام بذكر الخاص.

والطائفة الثانية : ما سيأتي في (ص ٢٩٩) من النصوص الدالة على جواز بيعها لو لم يؤدّ مولاها ثمنها إلى البائع ، وعدم جواز بيعها فيما عدا ذلك ، كصحيحة عمر بن يزيد عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، إذ التأمل فيها يورث الاطمئنان بأنّ المنع عن البيع من جهة كونه مملّكا للعين ، لا لخصوصية في عنوان البيع والشراء.

والوجه الثالث هو التعليل الوارد في كلام جماعة من أنّ ملاك المنع عن البيع هو تشبثها بالحرية ، ورجاء انعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها ، فلو جاز

٢٥٢

وعدم اختصاصه بالبيع قول جميع المسلمين (١) (*).

والوجه فيه (٢) : ظهور أدلة المنع (**) المعنونة بالبيع في (٣) إرادة مطلق النقل ، فإنّ (٤) مثل قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في الرواية السابقة : «خذ بيدها ، وقل :

______________________________________________________

نقلها إلى الغير بهبة أو صلح أو قرض كان منافيا للحكمة المزبورة. قال المحدث البحراني قدس‌سره في تعليل عموم المنع : «ولأنّه لو جوّز غيره ـ أي غير البيع ـ لانتفى فائدة منعه وتحريمه ، وهي بقاؤها على الملك لتعتق على ولدها» (١).

(١) يعني : فضلا عن المؤمنين ، وإلّا كان تكرارا لما ذكره من استظهار الإجماع من الكلمات.

(٢) أي : في كون المنع قول جميع المسلمين.

(٣) متعلق ب «ظهور».

(٤) تعليل لظهور أدلة منع البيع في إرادة كل تصرف ناقل للملك ، وهذا هو

__________________

(*) لكن كون ذلك قول المؤمنين ـ فضلا عن المسلمين ـ لا يخلو من تأمّل ، لما في مفتاح الكرامة من قوله : «وقد ألحق جماعة بالبيع سائر ما يخرجها عن الملك لظهور الاشتراك في العلة ، ولأنّه لو جوّز غيره لانتفى فائدة منعه ، وهي بقائها على الملك لتعتق» (٢) ولا بد من مزيد التتبع.

ثم إنّ ذلك إجماع منقول وموهون بجزم السيد المجاهد بجواز غير البيع من سائر النواقل ، وليس إجماعا تعبديا ، للاستدلال ببعض الوجوه المذكورة في المتن وغيره ، والإجماع التقييدي ليس بحجة.

(**) أي : بحسب المناط ، وإلّا فلا ظهور في الكلام أصلا ، وكذا في الظهور الآتي.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٤٤٨ و ٤٥٦.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٢.

٢٥٣

من يشتري أمّ ولدي؟» يدلّ (١) على أنّ مطلق نقل أمّ الولد إلى الغير كان من المنكرات. وهو (٢) مقتضى التأمّل فيما سيجي‌ء من أخبار بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها ، وعدم جوازه فيما سوى ذلك (٣).

هذا ، مضافا إلى ما اشتهر (٤) ـ وإن لم نجد نصّا عليه ـ من أنّ الوجه في المنع هو بقاؤها رجاء لانعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها (*).

______________________________________________________

الوجه الأوّل.

(١) خبر قوله : «فإنّ مثل».

(٢) يعني : وعموم المنع لكلّ ناقل مقتضى التأمل في أخبار بيع أمّ الولد ، وهذا هو الوجه الثاني المتقدم آنفا.

(٣) أي : سوى ثمن رقبتها.

(٤) هذا هو الوجه الثالث ، وتقدم في كلام صاحب الحدائق ، وقال في المقابس : «وإنّما منع من التصرف الناقل لتشبثها بالحرية ، من حيث إنّها لو بقيت وبقي ولدها بعد المولى ، وكان ممّن يستحق إرثا اعتقت ـ كلّا أو بعضا ـ من نصيب الولد ، لعدم استقرار ملكه على امّه» (١) وظاهر العبارة كون التعليل مسلّما عندهم ، لا مجرّد اشتهاره. لكن ليس دليلا ، لكونه ـ مع عدم النص عليه ـ من العلّة المستنبطة التي ليست بحجة.

__________________

(*) تكرر التعليل بتشبثها بالحرية في كلماتهم ، كالمحقق والشهيد الثانيين وأصحاب المدارك والرياض والمقابس والجواهر قدس‌سره (٢) ، واستدلّ في موضع من

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٩.

(٢) جامع المقاصد ، ج ١٣ ، ص ١٣٤ ؛ مسالك الأفهام ، ج ٨ ، ص ٤٥ ؛ الروضة البهية ، ج ٦ ، ص ٣٧١ ؛ نهاية المرام ، ج ١ ، ص ٢٩٢ ؛ رياض المسائل ، ج ١٣ ، ص ١١١ ؛ مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٩ ؛ جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٨١ ، وج ٣٢ ، ص ٣١٩.

٢٥٤

والحاصل (١) : أنّه لا إشكال في عموم المنع لجميع النواقل.

ثمّ إنّ المنع (٢) مختصّ بعدم هلاك الولد ،

______________________________________________________

(١) هذا نتيجة ما أفاده في ردّ كلام السيد المجاهد قدس‌سره من اختصاص المنع بالبيع ، وبه تمّ المبحث الأوّل.

المبحث الثاني : اختصاص المنع بحياة الولد

(٢) هذا إشارة إلى اشتراط منع بيع أمّ الولد بعدم هلاك الولد في حياة سيّدها ، فلو مات الولد ولم يخلّف ولدا كما إذا مات صغيرا ، أو كبيرا ولكنه لم يجنب كانت

__________________

المسالك على اشتراط كون الولد حرّا بالنبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعتقها ولدها» (١).

واستدل السيد العاملي على ذلك بمفهوم قوله عليه‌السلام في خبر زرارة الآتي في (ص ٢٩٤) : «حدّها حدّ الأمة إذا لم يكن لها ولد». فإنّ مفهومها «أنّها إذا كانت لها ولد» ليست على حدّ الأمة التي يباح التصرف فيها بتلك الأنواع (٢) ، هذا.

ولعلّ المصنف قدس‌سره تبع في منع هذا المفهوم السيد المجاهد قدس‌سره من حمل الحدّ على حدّ الجناية. ولعلّه بقرينة نقل الصدوق خبر زرارة في باب الحدود.

قال في المناهل : «وأما ثانيا فلاحتمال أن يكون المراد ما يترتب على المعصية ، ويكون المقصود بيان اشتراك أمّ الولد والأمة في الحدود الشرعية تارة واختلافهما اخرى» (٣).

ولكن الظاهر بعد حمل الحد على حدّ الجناية ، والمراد منه عدم مساواتها للأمة في التصرفات الناقلة ، وحينئذ فلا قصور في مفهوم خبر زرارة عن إثبات العلّة المتكررة في الكلمات من كونها متشبثة بالحرية بالولد ، ولا بد من مزيد التأمّل.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ١٠ ، ص ٥٢٥.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٣.

(٣) المناهل ، ص ٣١٩.

٢٥٥

فلو هلك جاز (١) اتفاقا نصّا وفتوى.

ولو مات (٢) الولد وخلّف ولدا :

______________________________________________________

أمّ الولد ملكا طلقا. قال في الجواهر ـ في اشتراط منع البيع بعدم موت الولد ـ ما لفظه : «بلا خلاف أجده فيه ، بل لعلّ الإجماع بقسميه عليه. مضافا إلى النصوص ... وإلى عموم تسليط الناس على أموالهم ، المقتصر في الخروج عنه على أمّ الولد ، التي لا تشمل الفرض ـ أي فرض موت الولد في حياة السيد ـ حقيقة كما هو واضح» (١).

ويدل عليه من النصوص ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل اشترى جارية يطأها ، فولدت له ولدا ، فمات ولدها. قال : إن شاءوا باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها. وإن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه» (٢) بناء على كون قوله عليه‌السلام : «باعوها في الدين» خارجا مخرج التمثيل (٣) ، فيجوز بيعها مطلقا ، بل نقلها بغيره كالهبة. فالحكم ـ كما أفاده المصنف قدس‌سره ـ مسلّم فتوى ونصّا.

إنّما الكلام لو ترك ولدا ، بمعنى أنّه خلّف ولد الأمة ولدا ، فمات الولد في حياة أبيه ، وبقي ولده ـ وهو حفيد السيد ـ بعد وفاة جدّه ، فهل يمنع من بيعها حينئذ أم لا؟ فيه وجوه ، بل أقوال ، سيأتي التعرض لها.

(١) أي : جاز بيعها ونقلها كما دلّ عليه النصّ والفتوى. ومقصوده من الفتوى إجماعهم على الحكم. قال في المقابس : «ولما ذكرنا أجمعوا أيضا على أنّ الحكم بالمنع مطلقا مشروط ببقاء ولدها» (٤).

(٢) يعني : لو مات ولد الأمة في حياة أبيه ، وخلّف ولدا ، ففي إجراء حكم ولد

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٧٥ ، وقريب منه في ج ٣٤ ، ص ٣٧٨.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ١٠٥ ، الباب ٥ من أبواب الاستيلاد ، الحديث : ٢.

(٣) الحدائق الناظرة ، ج ١٨ ، ص ٤٥٠.

(٤) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٩.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمة على ولد الولد ـ من منع بيعها ونقلها إلى الغير ـ أقوال ثلاثة :

الأوّل : اللحوق مطلقا ، لوجوه ثلاثة :

أحدها الاستصحاب ، بتقريب : أنّ منع بيعها كان ثابتا حال حياة ولدها البطني ، ويشك في بقائه وارتفاعه بموته ، فيستصحب المنع ، لكونه من الشك في الرافع.

ثانيها : صدق الاسم ، فإنّ «الولد» كما يصدق على الصلبي المتكوّن من السيد والمملوكة ، كذلك يصدق على الحفيد ، لكونه ولدهما بالواسطة ، فيندرج في إطلاق الأدلة المانعة من التصرفات الناقلة لأمّ الولد.

ثالثها : تغليب جانب الحرية على الرّقية ، إذ لو لم يكن ولد الوالد بحكم أبيه لزم بقاء أمّ الولد على الرقية إلى أن يحصل موجب آخر لانعتاقها. ولو كان بحكم أبيه أمكن تحررها بعد وفاة السيد. ومقتضى تغليب جانب الحرية إلحاق ولد الولد بالولد الصلبي.

القول الثاني : عدم اللحوق مطلقا ، لوجهين :

أحدهما : أن المتبادر من «الولد» عند الإطلاق هو الصّلبي ، فيكون إطلاق «الولد» على «ولد الولد» مجازا لا يصار إليه بلا قرينة.

ثانيهما : أنه لو سلّم كون «الولد» مشتركا معنويا بين المولود بلا واسطة ومعها ، قلنا بظهور «الولد» في نصوص المسألة ومعاقد الإجماعات ـ من أنّه يجوز بيعها بعد موت ولدها ـ في خصوص الصلبي ، هذا.

واختار هذا القول جماعة منهم أصحاب الرياض والمناهل والجواهر ، ومال إليه في المقابس (١).

القول الثالث : التفصيل بين كون ولد الولد وارثا لجدّه ـ وهو السيّد ـ لفقد

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١٣ ، ص ١١٣ ؛ المناهل ، ص ٣٢٠ ؛ مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٨ ؛ جواهر الكلام ، ج ٣٤ ، ص ٣٧٨.

٢٥٧

ففي (١) إجراء حكم الولد عليه (٢) ، لأصالة (٣) بقاء المنع (*) ، ولصدق (٤) الاسم (**) ، فيندرج في إطلاق الأدلة ، وتغليبا (٥) للحرية [للحرمة].

______________________________________________________

الولد الصّلبي من غير هذه الأمة ، فيكون ولد الولد بحكم الولد في انعتاق جدّته عليه من نصيبه من الإرث. وبين عدم كونه وارثا ـ لوجود الولد الصلبي ـ فلا تكون الأمة محكومة بحكم أمّ الولد.

وحكى صاحب المقابس هذا القول عن ابن فهد وصاحب المدارك قدس‌سرهم (١).

وتردّد بعضهم في حكم المسألة ولم يختصر شيئا ، كالعلّامة في القواعد ، والشهيد في الدروس (٢).

(١) خبر مقدم لقوله : «وجوه» والجملة جواب الشرط في : «ولو مات».

(٢) أي : على ولد الولد ، وهذا إشارة إلى القول الأوّل.

(٣) إشارة إلى الوجه الأول وهو الاستصحاب.

(٤) معطوف على «لأصالة» وهذا إشارة إلى الوجه الثاني. قال فخر المحققين قدس‌سره : «إن حكمه حكم الولد مطلقا ، وهذا هو الأقوى عندي ، لأنّه ولد» (٣).

(٥) معطوف على «لأصالة» أي : ولتغليب الحرية كما تكرر في المقابس (٤)

__________________

(*) لا يخفى أنّه على تقدير صدق «أمّ الولد» عليها يشملها إطلاق أدلة المنع ، ولا مجال معه للاستصحاب. وكذا على فرض عدم الصدق أو الشك فيه ، لعدم إحراز بقاء الموضوع.

(**) نعم ، لكن ليس مطلق الصدق كافيا وموضوعا ، إذ مورد كثير من الأدلة هو الولد البطنى للأمة ، ويشهد له أخبار الحمل ، لقيامه بنفس الأمة لا بولدها.

__________________

(١) نهاية المرام ، ج ٢ ، ص ٣١٨ ؛ المهذب البارع ، ج ٤ ، ص ١٠٦.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ٢٥٩ ؛ الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٢٢٣.

(٣) إيضاح الفوائد ، ج ٣ ، ص ٦٣٦.

(٤) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٩ و ٧٥ و ٧٦.

٢٥٨

أو العدم (١) ، لكونه (٢) حقيقة في ولد الصّلب ، وظهور (٣) إرادته من جملة من الأخبار (٤)

______________________________________________________

وغيره (*) ، والموجود في بعض نسخ الكتاب «تغليبا للحرمة».

وكيف كان فالمراد واحد. فعلى تقدير كون النسخة «للحرمة» فالمقصود تغليب منع نقل أمّ الولد على جوازه.

(١) معطوف على «إجراء» أي : ففي عدم إجراء حكم الولد على ولد الولد. وهذا إشارة إلى القول الثاني.

(٢) أي : لكون «الولد» حقيقة في خصوص الصلبي ، ومجازا في الولد مع الواسطة.

(٣) معطوف على «كونه» أي : لظهور إرادة الولد الصلبي ، وهذا هو الوجه الثاني ، وهو إشارة إلى طائفتين من الأخبار :

إحداهما : ما دلّ على منع بيع أمّ الولد كخبر السكوني المتقدم في (ص ٢٤١) وفيها : «من يشتري أمّ ولدي؟» إذ المراد بالولد هو المرتضع الذي يكون بحكم الولد الصلبي ، ولا يصدق على ولد الولد.

ثانيتهما : الأخبار المجوّزه لبيع أمّ الولد بعد موت ولدها في حياة السيد ، كرواية أبي بصير المتقدمة في (ص ٢٥٦) وغيرها من أخبار الباب ، فإنّ إطلاق جواز بيعها بعد موت الولد الصّلبي ينفي صدق «أمّ الولد» عليها لو خلّف الولد ولدا ، وإلّا لم يجز بيعها ، لأنّها لا زالت أم ولد.

هذا مضافا إلى الإجماع على الجواز بعد موت الولد.

(٤) أي : الأخبار المتكفلة لأحكام أمّ الولد ، في قبال الطائفة الثانية المجوّزة لبيعها.

__________________

(١) لا دليل عليه إن اريد بذلك غير أدلة الاحتياط التي تمسك بها المحدثون في الشبهة التحريمية الحكمية. وإن اريد به أخبار الاحتياط فقد ثبت في محله ضعفها.

٢٥٩

وإطلاق (١) ما دلّ من النصوص والإجماع على الجواز بعد موت ولدها.

أو التفصيل (٢) بين كونه وارثا ، لعدم (٣) ولد الصلب للمولى ، وعدمه (٤) ، لمساواة (٥) الأوّل مع ولد الصلب في الجهة المقتضية للمنع (*) ، وجوه (**).

______________________________________________________

(١) معطوف أيضا على «كونه» قال في الرياض : «لو مات الولد جاز بيعها ، مضافا إلى الاتفاق ، والنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : وإن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة إن شاءوا أعتقوا ، وإن شاءوا استرقّوا».

(٢) معطوف أيضا على «إجراء» وإشارة إلى القول الثالث المنسوب إلى ابن فهد الحلّي وصاحب المدارك قدس‌سرهما.

(٣) يعني : أنّ منشأ كون ولد الولد وارثا للسيد هو انتفاء الولد الصّلبي.

(٤) معطوف على «كونه» أي : بين عدم كون ولد الولد وارثا من جهة وجود الولد الصّلبي.

(٥) هذا وجه التفصيل بين كونه وارثا وعدمه ، فوجه كونه بحكم الولد هو مساواته للولد الصلبي في الجهة المقتضية لمنع بيعها ، وهي انعتاقها من نصيب ولدها من الإرث.

هذا إذا كان ولد الولد وارثا ، وأمّا لو لم يكن وارثا ـ بأن كان للميت ولد صلبي آخر يرثه ـ فالجهة المقتضية لمنع البيع مفقودة في ولد الولد ، فتبقى الأمة مملوكة.

__________________

(١) لكن لم تثبت عليتها بحيث يدور الحكم مدارها ، فالمتّبع ظواهر الأدلة ، وعدم العبرة بالعلل المستنبطة.

(٢) أوسطها أوسطها ، لما عرفت. ولأنّ المرجع في المخصص المجمل المفهومي ـ لتردده بين الأقل والأكثر ـ هو عموم العام أعني به في المقام عمومات البيع وغيره من النواقل.

٢٦٠