هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

اللهم إلّا أن يكون على وجه الإسقاط (١) لو (٢) صحّحناه منهم.

______________________________________________________

(١) هذا أحد الوجهين المصحّحين لبيع الواقف مع عدم انتقال حق الموقوف عليهم إليه قبله ، ومحصّله : أن يكون إذن الموقوف عليهم إسقاطا لحق الانتفاع بالموقوفة ، لأن لكل ذي حق إسقاط حقه ، ومع هذا الإسقاط يخلص المال للموقوف عليه عينا ومنفعة ، فلا جهل ولا غرر في البين ، ويصح بيعه حينئذ ، ويكون تمام الثمن له.

ويستفاد قابلية المنفعة المملوكة للإسقاط من صاحب المقابس قدس‌سره ، لقوله : «فإنّ المنفعة مملوكة للمحبوس عليه قطعا ، ويجوز المعاوضة عليها بشرائطها. وحينئذ فيجوز إسقاطها قطعا» (١).

ولكن يردّه امتناع إسقاط المنفعة ، إذ القابل للإسقاط ـ مع العوض أو بدونه ـ هو مقولة الحق المقابل للملك ، كحق الخيار والشفعة والتحجير. وأمّا الملك ـ عينا كان أو منفعة ـ فنقله إلى الغير يكون بالنواقل الشرعية المعهودة.

فإن كان موجودا خارجا صحّ نقله إلى الغير بالهبة المختصة بتمليك الأعيان.

وإن كان كليّا ذميّا كالديون كان قابلا للإبراء الذي لم يستبعد المصنف قدس‌سره في أوّل البيع كونه تمليكا.

وإن كان منفعة ـ كالمقام ـ انتقلت إلى الغير بالإجارة والصلح المفيد فائدتها.

وعلى هذا فلا يكون إذن الموقوف عليهم في البيع إسقاطا للمنفعة المملوكة كما لا يكون تمليكا لها للمشتري ، لعدم السبب المملّك من إجارة أو صلح. ونتيجته كون بيع الواقف تمليكا للعين مجرّدا عن المنفعة ، ويعود محذور الغرر حينئذ.

(٢) يعني : لو صحّحنا الإسقاط منهم ، وغرضه التأمل في المصحّح الأوّل. وتقدم آنفا عدم قابلية المنفعة للإسقاط ، وأنّ انتقالها يكون بالناقل المملّك.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٦ ، وكذا عبّر بالإسقاط في ص ٦٥ ، فراجع.

٢٢١

أو يكون (١) المعاملة مركّبة من نقل العين من طرف الواقف ، ونقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم ، فيكون العوض موزّعا عليهما (٢).

______________________________________________________

ولعلّ وجه التأمل : أنّ المنفعة إذا كانت ملكا للموقوف عليهم فإسقاطها إعراض عن ملكيتها ، وخروج المال عن الملكية يسبب الإعراض محل الإشكال.

نعم ، إذا كان للموقوف عليهم حقّ الانتفاع بالعين الموقوفة من دون أن يكونوا مالكين للمنفعة فلإسقاط حقّهم مجال.

(١) معطوف على «يكون» وهذا ثاني وجهي التصحيح ، وحاصله : أن يكون بيع الواقف للموقوفة ـ مع رضا الموقوف عليهم ـ معاملة مركّبة من تمليك العين من قبل نفسه ، وتمليك المنفعة من طرف الموقوف عليهم ، بحيث يكون كلاهما مصبّ العقد ، وتصير المنفعة كالعين معوّضا ، ويكون الثمن مبذولا بازائهما معا.

وبعبارة اخرى : تكون المنفعة حينئذ في عرض العين في مقام إنشاء المعاملة ، وتعلق القصد بتمليك كلّ منهما.

لكن لمّا لم يكن في العقود المعاوضية المعهودة ما ينقل به العين والمنفعة معا ، كان الإنشاء القابل لنقلهما منحصرا في الصلح ، فالواقف يصالح على العين ـ أصالة ـ ببعض العوض ، وعلى مقدار من المنفعة ـ وكالة عن الموقوف عليه ـ ببعضه الآخر.

وهذا الوجه نقله صاحب المقابس وغيره عن الشهيد الثاني قدس‌سره ، لقوله : «وليس ببعيد جواز الصلح عليها ـ أي على المنفعة ـ لاحتماله من الجهالة ما لا يحتمله البيع ، وصحته على العين والمنفعة. فعلى هذا لو كان مشتري العين غيره ـ أي غير الموقوف عليه ـ وجوّزناه ، جاز له أن يصالح المشتري على تلك المنفعة المستحقة له مدة عمره بمال معلوم ، ويصير المشتري حينئذ مالكا للجميع ، كما لو كان هو المعمر» (١).

(٢) أي : على الواقف والموقوف عليهم ، وتثنية الضمير باعتبار الطرفين ،

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٤٣٠ ؛ المقابس ، ص ٦٥ ـ ٦٦.

٢٢٢

ولا بدّ أن يكون ذلك على وجه الصلح ، لأنّ غيره (١) لا يتضمّن نقل العين والمنفعة كليهما ، خصوصا (٢) مع جهالة المنفعة (*).

وممّا ذكرنا (٣) يظهر وجه التأمّل فيما حكي عن التنقيح : من «أنّه لو اتّفق

______________________________________________________

لا أشخاص الموقوف عليهم.

(١) أي : غير الصلح لا يتضمّن نقلهما معا ، لوضوح كون البيع ناقلا للأعيان ، والإجارة للمنافع ، وهكذا غيرهما.

(٢) يعني : أنّ جهالة المنفعة مانع آخر ، فإنّ الإنشاء المتضمن لنقل العين والمنفعة معا بنحو العرضية لا يكون بيعا ، لما عرفت من أنّه تمليك للعين.

مضافا إلى : أنّ جهالة المنفعة مانعة عن صحة الإنشاء البيعي. فينحصر التخلص ـ من جهتي المنع ـ في الإنشاء بعنوان الصلح.

(٣) يعني : ومن عدم جواز نقل العين والمنفعة بإنشاء واحد غير الصلح ـ وعدم كفاية مجرد رضا الموقوف عليهم ببيع العين ـ يظهر وجه التأمّل فيما حكاه صاحب المقابس عن الفاضل المقداد قدس‌سرهما من تجويز بيع الوقف المنقطع عند توافق الواقف والموقوف عليه.

__________________

(*) قد يورد على هذه الخصوصية بأنّ المحذور أمر واحد ، وهو جهالة المنفعة ، فلو كانت معلومة أمكن نقل العين ومنافعها بإنشاء واحد ، بأن يبيع العين بمنافعها ، فيفيد فائدة البيع بالنسبة إلى العين ، وفائدة الإجارة بالنسبة إلى المنفعة. والمانع عن هذا البيع هو الجهل بقدر المنفعة.

والحاصل : أن التعبير ب «خصوصا» ظاهر في تعدد جهة الإشكال ، أوّلهما : فقد العقد الناقل للعين والمنفعة ، وثانيهما : الجهالة ، مع أن المحذور هو الجهالة فحسب (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ٢٧٦.

٢٢٣

الواقف والموقوف عليه على البيع في المنقطع جاز»

______________________________________________________

قال المحقق الشوشتري : «وأمّا السيوري فجوّز بيع الموقوف عليه إذا اتفق على ذلك مع الواقف أو وارثه ، معلّلا بأنّه باق على ملك الواقف ووارثه. والظاهر اعتبر الاتفاق لجواز بيع الموقوف عليه. وأمّا الواقف فلا يتوقف بيعه على إذن الموقوف عليه ، إلّا إذا جعل المنافع داخلة ـ أي منضمة إلى العين ـ فيتوقّف من هذه الجهة. وقد صرّح هو في السكنى بأنّه إن أسكنه مطلقا كان بيع المالك رجوعا. وإن كان موقّتا لم يجز رجوع المالك في المنفعة الموقتة ... بل إن كان المشتري عالما لزم البيع ... وإلّا تخيّر بين الصبر والفسخ» (١).

ومحصل كلام التنقيح في بيع الوقف المنقطع جواز بيع كلّ من الواقف والموقوف عليه برضا الآخر ، لكون الأوّل مالكا للعين ، والآخر للمنفعة. واستظهر المحقق الشوشتري منه أن مقصوده إناطة جواز بيع الموقوف عليه برضا الواقف. وأما بيع الواقف فلا يعتبر فيه إذن الموقوف عليه. واستشهد بكلامه في باب السكنى من جواز تصدّي المسكن للبيع وصحته ، وإن كان خياريا في فرض جهل المشتري.

ولا فرق في منع البيع بين الاحتمالين ، وهما : أن يكون مقصوده إناطة بيع الموقوف عليه برضا الواقف ، وأن يكون مراده توقف بيع الواقف على إذن الموقوف عليه. والوجه في عدم الفرق ما تقدم في (ص ٢١١) من أن بيع الموقوفة لا يتكفّل نقل المنفعة المملوكة إلى المشتري ، وحيث إنه لا ناقل آخر للمنفعة فتبقى في ملك الموقوف عليهم ، ويعود محذور الغرر.

نعم ، يتجه ما أفاده الفاضل المقداد قدس‌سره ـ من جواز البيع ـ بتسليم أمرين :

أحدهما : أن يكون عقد السكنى مفيدا لإباحة الانتفاع والسلطنة عليه ، لا تمليك المنفعة. ولعلّه لهذا ذهب الأكثر إلى أنه لا يجوز للساكن إجارة الدار التي

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٥ ؛ التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، ولاحظ باب السكنى ، ص ٣٣٦

٢٢٤

سواء (١) أراد بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه ، كما يدلّ عليه (٢) كلامه المحكيّ عنه في مسألة السّكنى ،

______________________________________________________

جعل له سكناها ، إذ لو كان مدلول الإنشاء جعل منفعة الدار ـ وهي طبيعي السكنى فيها ـ للساكن من دون لحاظ قيامها بشخصه لزم صحة إيجارها.

ثانيهما : أن يكون ثمرة الوقف المنقطع مجرد حق الانتفاع بالعين ، فلم ينتقل إليه العين ولا المنفعة.

فإن تمّ الأمران اتجه جواز بيع الموقوفة ، لأن رضا الموقوف عليه إسقاط لحقّ انتفاعه ، ومن المعلوم أن لكل ذي حق إسقاط حقه ، فيزول تعلق الموقوف عليه بالوقف ، ويجوز للواقف بيعه حينئذ ، لصيرورته ملكا خالصا له.

لكنّ في قابلية حق الانتفاع للإسقاط تأمّلا سيأتي.

(١) يعني : يعني : أن للتأمل في كلام التنقيح مجالا ، سواء أكان مقصوده بيع الواقف مع رضا الموقوف عليه ، أم بيع الموقوف عليه مع رضا الواقف.

(٢) يحتمل في مرجع هذا الضمير وجهان :

الأوّل : ما أفاده العلّامة الشهيدي قدس‌سره (١) من أنه «تجويز البيع عند اتفاق الواقف والموقوف عليه. ولعلّ نظره في موضع الدلالة إلى قوله ـ أي : قول الفاضل المقداد قدس‌سره : ولو من دون نظر مالك الانتفاع أو المنفعة ، حيث إنّه يدل على جواز البيع مع رضا الواقف والموقوف عليه بطريق أولى».

ووجه الأولوية : أنّ جواز البيع مع استقلال مالك العين ـ وعدم رضا الموقوف عليهم ـ يدلّ على جوازه مع رضا مالك المنفعة أو الانتفاع بطريق أولى.

وبناء على هذا يكون مقصود المصنف قدس‌سره من الاستشهاد بعبارة التنقيح تثبيت ما نسبه إليه من جواز البيع ، بلا نظر إلى خصوصية كون البائع هو الواقف أو الموقوف عليه.

__________________

(١) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ، ص ٣٥٨.

٢٢٥

حيث (١) أجاز استقلال مالك العين بالبيع ولو (٢) من دون رضا مالك الانتفاع أو المنفعة.

نعم (٣) لو كان للموقوف عليه

______________________________________________________

الثاني : ما يخطر بالبال من أنّ مرجع الضمير «كون البائع هو الموقوف عليه» فكأنّ المصنف ساق كلامه هكذا : «سواء أراد التنقيح بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه ، وإن كان الظاهر أنه أراد بيع الموقوف عليه. ويدل على هذا الظهور كلامه في باب السكنى». وبناء على هذا الاحتمال يكون المصنف موافقا لصاحب المقابس قدس‌سره في ما استظهره من عبارة التنقيح.

ولعلّ هذا الاحتمال أنسب بما أفاده الفاضل المقداد قدس‌سره في شرح قول المحقق : «ولو باع المالك الأصل لم تبطل السكنى» من أنّ مفروض الكلام هو بيع المالك لا الساكن ، حيث قال : «بخلاف الأوّل ـ أي كون السكنى مؤقتة بأمد ـ فإن الساكن ملك منفعة العين بالعقد ، ثم المشتري إن كان عالما فلا خيار له ، ووجب عليه الصبر ، وإلّا تخيّر بين الفسخ والصبر ، وهو إجماع ...» (١) فإنّ المفهوم من هذا الكلام أنّ من يتوقف بيعه على الرضا هو الساكن لا المسكن. فليكن الأمر كذلك في الوقف المنقطع.

(١) هذا موضع الاستظهار من كلام التنقيح.

(٢) يستفاد هذا الإطلاق من عدم تقييد جواز بيع المالك بكونه عن رضا الساكن.

(٣) استدراك على قوله : «يظهر وجه التأمل» وغرضه توجيه كلام الفاضل السيوري ، وتقدم توضيحه بقولنا : «نعم يتجه ما أفاده الفاضل المقداد ...» فلاحظ (ص ٢٢٤).

__________________

(١) التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٣٦.

٢٢٦

حقّ الانتفاع (١) من دون تملّك للمنفعة ـ كما في السكنى على قول (٢) ـ صحّ (٣) ما ذكره ، لإمكان سقوط الحقّ بالإسقاط ، بخلاف المال (٤) ، فتأمّل (٥).

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الأمر الثاني المتقدم بقولنا : «ثانيهما : أن يكون ثمرة الوقف المنقطع ... الخ».

(٢) لعلّ نظره قدس‌سره إلى ما عزاه صاحب المقابس إلى ظاهر الشيخ والقاضي ، بل الأكثر ، من أن فائدة عقد السكنى هو ملك الانتفاع بالسكنى ونحوها ـ لا ملك المنفعة كما اختاره الحلّي ، ولذا جوّز للساكن إيجار دار السكنى (١) ـ فقال في الإيراد على جواز الصلح عليه ـ كما تقدّم في (ص ٢٢٢) عن المسالك ـ ما لفظه : «ولا يخفى أنّه إن كان مالكا للانتفاع بالسّكنى ونحوها ـ لا المنفعة ـ ففي جواز المعاوضة عليه نظر ، لأنّها تختص بالعين والمنافع. نعم يجوز إسقاط الحق ولو بعد أن يبذل له شي‌ء لذلك ، كما يجوز إسقاط الخيار والشفعة .... وإن كان مالكا للمنفعة كما هو اختيار الحلّي صحّ ما ذكره» (٢).

(٣) جواب الشرط في «لو كان» أي : صحّ ما ذكره صاحب التنقيح من جواز بيع الوقف المنقطع بالرضا.

(٤) المراد به المنفعة ، فإنّها كالعين مملوكة ، ونقلها إلى الغير بالإجارة والصلح ، لا بالإسقاط. فالأولى ـ كما افيد ـ تبديل المال بالملك ، إذ لا ريب في صدق «المال» على بعض الحقوق كحق التحجير ، ولذا يجوز المصالحة عليه بعوض.

لكن لا يبعد أن يكون المال هو الملك ، بناء على ما تقدم في أوّل البيع من التأمل في صدق المال على الحقوق مطلقا حتى ما يقبل النقل والانتقال (٣).

(٥) لعلّه إشارة إلى : إمكان دعوى عدم سقوط حق انتفاع الموقوف عليهم

__________________

(١) السرائر ، ج ٣ ، ص ١٦٩.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٦.

(٣) راجع هدى الطالب ، ج ١ ، ص ١٠٩.

٢٢٧

وتمام الكلام في هذا المسائل (١) في باب السكنى والحبس إن شاء الله تعالى.

وعلى الثاني (٢) : فلا يجوز البيع للواقف ، لعدم الملك ، ولا للموقوف عليه لاعتبار الواقف بقاءه في يدهم إلى انقراضهم (٣).

______________________________________________________

بالإسقاط ، لعدم كون سقوطه بالإسقاط لازما مساويا للحق ، فيمكن أن يكون حقّا غير قابل للإسقاط كحق الولاية والحضانة. وإن أبيت إلّا عن ملازمة الحق للسقوط بالإسقاط فلا مانع من تسميته بالحكم.

وعلى كل حال فلم يثبت سقوطه بالإسقاط لو لم يثبت عدم سقوطه به. والشك فيه مجرى استصحاب بقائه ، فلاحظ وتأمل.

(١) مثل : كون أثر السكنى ملك المنفعة ، أو ملك الانتفاع ، أو التسليط على الانتفاع كما في العارية. و : أن المجعول لو كان حقّ الانتفاع فهل هو من الحقوق القابلة للإسقاط أم لا؟

و : هل يجوز للمالك المسكن الاستقلال بالبيع ، أم يلزم الاستيذان من الساكن؟

هذا تمام الكلام في حكم بيع الوقف المنقطع بناء على القول ببقائه على ملك الواقف.

(٢) معطوف على قوله في (ص ٢٠٩) : «فعلى الأوّل» والمراد بالثاني هو انتقال المال ـ بالملك المستقر ـ إلى الموقوف عليهم.

وحاصل ما أفاده : عدم جواز بيعه ، لا للواقف ، لانتفاء المقتضي ، وهو الملك ، ومن المعلوم أنه لا بيع إلّا في ملك. ولا للموقوف عليه ، فإنّ الوقف وإن كان ملكا له لكنه ليس طلقا ، وذلك للزوم مراعاة ما أنشأه الواقف كون العين مملوكة للموقوف عليهم إلى زمان الانقراض ، ثم انتقالها إلى ورثتهم بالإرث ، وصيرورتها ملكا طلقا لهم. ولا ريب في منافاة البيع لهذا المنشأ.

(٣) يعني : فلا يكون ملكا طلقا للموقوف عليهم حتى يجوز بيعه.

هذا بناء على بعض كلمات المصنف في الوقف المؤبّد من كون منع البيع من

٢٢٨

وعلى الثالث (١) : فلا يجوز البيع للموقوف عليه وإن أجاز الواقف ،

______________________________________________________

اعتبارات الواقف الممضاة شرعا.

وأمّا بناء على ما تكرّر منه من عدم دخل منع البيع في حقيقة الوقف ، بل هو أمر اعتبره الشارع تعبدا ، فقد يشكل ما أفاده هنا من لزوم رعاية مجعول الواقف.

(١) معطوف أيضا على قوله : «فعلى الأوّل» والمراد بالثالث تملك الموقوف عليه موقّتا ببقائه ، وانتقال الوقف بعد الانقراض إلى الواقف.

ومحصّل ما أفاده قدس‌سره : أنه لا يجوز البيع أصلا. أما عدم جوازه للموقوف عليه فلأنه وإن كان مالكا فعلا ، إلا أن الواقف اشترط بقاء العين في يده لانتفاعه بها ورجوعها إليه بعد الانقراض.

ولا فرق في منع البيع بين إجازة الواقف له ، وعدمه. أما مع عدم الإجازة فواضح. وأمّا معها فلعدم العبرة بها من جهة منافاة الإجازة لما اعتبره في إنشاء الوقف وأمضاه الشارع من كونه أجنبيا عن الموقوفة مدّة حياة الموقوف عليه.

وأما عدم جوازه للواقف فلعدم الملك فعلا ، سواء أجاز المالك الفعلي وهو الموقوف عليه أم لا. أما مع عدم الإجازة فواضح ، وأمّا مع الإجازة فلعدم سلطنته على بيع المال ، فلا يكون أهلا للإجازة ، وإن كان مالكا بالفعل ، ضرورة كون الملكية الحاصلة بالوقف غير قابلة للانتقال إلى غير الموقوف عليه حتى يتمشى منه إنفاد بيع الواقف.

نعم ، بناء على الالتزام بصحة البيع في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» ـ المتقدمة في بيع الفضول ـ يمكن القول بصحة بيع الواقف هنا ، فإنّه وإن لم يكن مالكا للموقوفة حال حياة الموقوف عليه ، فيكون فضوليا ، إلّا أنه يوصف بالصحة واللزوم بعد انقراض الموقوف عليه ، وانتقال المال إليه ، لفرض عدم اشتراط البيع الفضولي بوجود مجيز حال العقد على مال الغير ، وكفاية وجوده حال الإجازة.

٢٢٩

لمنافاته (١) لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين. كما لا يجوز (٢) للواقف غير المالك فعلا وإن أجاز الموقوف عليه ، إلّا (٣) إذا جوّزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له في الحال ، بناء على أنّ الموقوف عليه الذي هو المالك فعلا ليس له الإجازة ، لعدم تسلّطه على النقل (٤) ، فإذا انقرض الموقوف عليه وملكه الواقف لزم البيع (٥) (*).

ثمّ إنّه (٦)

______________________________________________________

(١) يعني : أن بيع الموقوف عليه ينافي ما اعتبره الواقف من بقاء العين.

(٢) أي : لا يجوز البيع ، وتقدم وجهه بقولنا : «وأما عدم جوازه للواقف فلعدم ... الخ».

(٣) هذا استثناء من عدم جواز البيع للواقف ، وتقدم بقولنا : «نعم بناء على الالتزام بصحة البيع في مسألة ... الخ».

(٤) أي : لعدم تسلط الموقوف عليه على إجازة البيع والتصرفات الناقلة ، بمقتضى إنشاء الواقف.

(٥) كما يلزم البيع في سائر موارد «من باع ثم ملك» بناء على القول بالصحة كما إذا باع زيد مال عمرو ثم تملكه منه بالشراء أو بالإرث ، فراجع (١).

(٦) توضيحه : أنه نسب إلى القاضي ابن البراج قدس‌سره فتويان :

__________________

(*) قد يقال : بعدم الجواز هنا وإن جوّزنا بيع ملك الغير مع عدم مجيز له حال العقد ، لعموم أدلة المنع عن بيع الوقف. هذا.

لكنه غير ظاهر ، لأنّ أدلة المنع لا تخرج الوقف عن صلاحيته للبيع كالخمر والخنزير ، بل تدل على مانعية الوقف ، ولذا يصح البيع بارتفاع هذا المانع.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٥ ، ص ٢٤٢ وما بعدها.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

إحداهما : بقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف ، ورجوعه بعد الانقراض إلى الواقف أو ورثته.

والاخرى : جواز البيع للموقوف عليه في مورد وجود المسوّغ.

وأورد المحقق الشوشتري قدس‌سره عليه بالتنافي بين الفتويين ، لتوقف جواز بيع الموقوف عليه على كونه مالكا للموقوفة ، ومع فرض بقائها على ملك الواقف لا سلطنة لغيره على البيع ، فكيف جاز للموقوف عليه؟

قال في المقابس : «وقد وافق القاضي على رجوعه بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف وورثته ، وحكم مع ذلك بصحة بيع الوقف في جملة من الصور المذكورة ، وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم ... وهذا عجيب منه ، لأنّ الوقف المؤبّد مملوك للموقوف عليه الموجود ، وما عداه معدوم ، فلجواز البيع حينئذ وجه ، لانحصار المالك الموجود في البائع. وأمّا المنقطع فليس ملكا له ، والمالك الموجود غيره ، فلا وجه لصحة البيع حينئذ. والذي يظهر منهم في مسائل السكنى وتوابعها عدم جواز بيع المحبوس عليه أصلا ...» (١).

ومحصل استعجاب صاحب المقابس منه هو : أن الوقف المنقطع يكون كالحبس باقيا على ملك الواقف ، كبقاء المحبوس على ملك الحابس. ومع عدم دخوله في ملك الموقوف عليهم لا مقتضي للبيع ، فلا معنى لتجويزه.

وذبّ المصنف عن مقالة القاضي قدس‌سرهما باحتمال أن يكون مسلكه في المسألة الأولى ـ وهي من يملك الوقف المنقطع ـ مالكية الموقوف عليهم للموقوفة ماداميّا ومحدودا بالانقراض ، لا مجرّد ملكية المنفعة أو الانتفاع كما التزموا به في الحبس. فالفرق ـ بنظر ابن البرّاج ـ بين الوقف المنقطع والحبس هو صيرورة الوقف ملكا لأهله ، دون المحبوس الباقي على ملك الحابس.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٤ ؛ المهذب ، ج ٢ ، ص ٩٢.

٢٣١

قد اورد (١) على القاضي قدس‌سره حيث جوّز للموقوف عليه بيع الوقف المنقطع مع قوله ببقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف.

ويمكن دفع التنافي بكونه (٢) (*) قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة ،

______________________________________________________

وعلى هذا فلا يترتب على تجويز البيع للموقوف عليهم محذور ، وذلك لوجود المقتضي وهو الملك المؤقت ، وفقد المانع ، إذ المانع هو الوقفية ، والمفروض عدم مانعيتها ، لفرض طروء المسوّغ.

نعم قد يشكل هذا الذّب بتوقفه على التزام القاضي قدس‌سره بأن مالك الوقف المنقطع هو الموقوف عليه لا الواقف ، فإن احرز تمّ التوجيه ، وإلّا لم يتم ، ويتجه إيراد صاحب المقابس عليه حينئذ.

(١) الوارد هو التنافي والتهافت بين الفتويين ، فلو قيل «اورد بالتنافي» كان أولى ، وإن كان حذف ما يعلم بقرينة «دفع التنافي» جائزا.

وكيف كان فقد تقدم توضيح التنافي بقولنا : «وأورد المحقق الشوشتري قدس‌سره عليه بالتنافي ...».

(٢) أي : بكون ابن البراج قدس‌سره قائلا بالوجه الثالث الذي هو مورد الكلام فعلا ،

__________________

(*) هذا عين الالتزام بالتنافي لا دفع له إن كان القاضي قائلا بجواز البيع للموقوف عليهم مع بقاء الوقف على ملك الواقف. ولا يندفع هذا التنافي برفع اليد عن المبنى.

نعم يندفع لأجل عدم الموضوع للتنافي. ولعل المراد بيع الموقوف عليهم برضا الواقف. نظير ما ذكره في التنقيح على ما عرفت. وهذا وإن كان خلاف الظاهر ، لكنه أولى من توجيه المصنف.

وعليه فإيراد صاحب المقابس مبني على مالكية الواقف ، وتنظر المصنف قدس‌سره فيه مبني على مالكية الموقوف عليه ، فلم يردا على مورد واحد ، وإلّا فكلاهما يمنعان البيع على الأوّل ، ويجوّزانه على الثاني ، ومثله أشبه بالنزاع اللفظي.

٢٣٢

وهو ملك الموقوف عليهم ، ثم عوده (١) إلى الواقف. إلّا أن الكلام في ثبوت هذا القول (٢) بين من اختلف في مالك الموقوف في الوقف المنقطع ، ويتّضح ذلك (٣) بمراجعة المسألة في كتاب الوقف (٤).

وعلى الرابع (٥):

______________________________________________________

ولأجل هذا الاحتمال ناسب التعرض لكلامه وللإيراد عليه في هذا القسم الثالث.

(١) التعبير بالعود إلى الواقف هو منشأ الإيراد ودفعه. أما كونه منشأ الإيراد فلأنّ صاحب المقابس استفاد منه عود منافعها إلى ورثة الواقف ، ومعناه عدم انتقال نفس العين ، وإنّما خرجت منافعها بالوقف عن ملكه ، فيكون كالحبس. وهذا قول الأكثر كما في المسالك. والتعبير بالعود والرجوع حينئذ مسامحة كما نبّه عليها المحقق الثاني قدس‌سره (١) واستحسنها السيد العاملي قدس‌سره (٢).

وأما كونه منشئا للدفع فلأنّ المصنف احتمل إرادة رجوع العين ومنافعها معا إلى الواقف بعد انقراض الموقوف عليهم لينطبق على القسم الثالث ، كما تقدم الإشارة إلى الأقوال في (ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦).

(٢) أي : القول بتملّك الموقوف عليه للعين في الوقف المنقطع ، والظاهر ثبوت هذا القول ، وإن لم تكن المسألة صافية من الإشكال.

(٣) أي : ثبوت القول بمالكية الموقوف عليه يتّضح بالمراجعة إلى كتاب الوقف.

(٤) مثل ما في المسالك والجواهر في شرح «فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف» فراجع (٣).

(٥) معطوف أيضا على «فعلى الأوّل» والمراد بالوجه الرابع هو تملك الموقوف عليه ، وصرفه في سبل الخير بعد الانقراض. لا عوده إلى الواقف ولا دخوله في ملك

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٢٠.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٢١.

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٥٦ ؛ جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٥٤ ـ ٥٩.

٢٣٣

فالظاهر (*) أنّ حكمه (١) حكم الوقف المؤبّد ـ كما صرّح به المحقق الثاني على

______________________________________________________

ورثة الموقوف عليهم.

وحكم الوقف المنقطع ـ على هذا ـ حكم الوقف المؤبّد ، والفارق بينهما التصريح في الإنشاء وعدمه ، لكون المعهود من صيغة الوقف المؤبّد هو «وقفته على كذا ، ثم يوضع في سبل الخير إلى أن يرث ... الأرض ومن عليها» ولم يؤخذ هذا القيد في الوقف المنقطع ، لكونه حبسا على من ينقرض غالبا. فلو عقّبه بذلك كان مؤبّدا ، كما لو قال : «هذه الدار وقف على فقهاء البلد ، ثمّ هي في وجوه البرّ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها».

وحيث كان الوقف المنقطع بناء على الاحتمال الرابع ـ وهو المنسوب إلى السيد ابن زهرة وغيره ـ مؤبّدا حكما لم يجز بيعه إلّا في موارد بيع المؤبّد.

هذا ما يتعلق بالقول الرابع. وبه تم الكلام في ما يختص بكل واحد من الأقوال والاحتمالات ، وسيأتي بيان الحكم المشترك بينها.

(١) أي : حكم الوقف المنقطع ـ بناء على الاحتمال الرابع ـ حكم المؤبّد.

__________________

(*) يمكن أن يقال : بجواز بيعه بعد انقراض الموقوف عليهم ، إذ المفروض أنّ الوقف منقطع الآخر ، وبانقراض الموقوف عليهم ينتهي أمد الوقف ، فيبطل. وصيرورته بحكم الوقف المؤبد في عدم جواز البيع بدون أحد مسوّغاته أوّل الكلام ، لأنّ هذا التأبيد لم ينشأ بإنشاء الواقف ، بل المنشأ خلافه ، فالتأبيد محتاج إلى دليل مفقود ، ومجرّد صيرورته مال الله ليصرف في سبيل الله لا يصلح لإثبات التأبيد له ، بل غايته عدم جواز تملكه ، لا عدم جواز بيعه وصرف ثمنه في الامور البريّة. فالعمومات المقتضية لصحة البيع محكّمة هنا.

لا يقال : إنّ مقتضى الاستصحاب عدم جواز بيعه.

فإنّه يقال : إنّ الموضوع ـ وهو الوقفية ـ قد ارتفع بانقراض الموقوف عليهم ، ومعه لا وجه للاستصحاب.

٢٣٤

ما حكي عنه (١) ـ لأنّه (١) حقيقة وقف مؤبّد (*) كما لو صرّح بكونه في سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليه الخاص.

ثم إنّ ما ذكرنا (٢) في حكم الوقف المنقطع فإنّما هو بالنسبة إلى البطن الذي

______________________________________________________

(١) أي : لأن الوقف المنقطع ـ المحكوم بصرفه في وجوه البر ـ وقف مؤبّد حقيقة ، غايته أنه لم يصرح فيها بالتأبيد ، ولا بمصرفه بعد انقراض المسمّين.

(٢) أي : من بيان محتملات من يكون مالكا للوقف المنقطع ، وحكم كل واحد منها.

__________________

فإن قلت : إنّ هذا في استصحاب الشخص ، وأمّا استصحاب الكلّي فلا بأس به.

قلت : انّه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، وهو التقارني ، لأنّه يشك في طروء المنع عن البيع مقارنا لارتفاعه ، فيستصحب المنع ، وقد قرر في محله عدم حجية الاستصحاب فيه.

(*) هذا وجيه إذا قام دليل على عموم التنزيل ، وأنّ آثار الوقف المؤبد تترتب على الوقف المنقطع بعد انقراض الموقوف عليهم. وأين هذا الدليل؟ فليس هذا وقفا مؤبّدا بإنشاء الواقف ، ولا تعبّدا. فمقتضى عمومات صحة البيع جواز بيعه ، لأنّ الشك يرجع إلى ضيق دائرة المخصّص وسعتها ، وفي مثله يرجع إلى عموم العام ما لم يتردّد مفهوم الخاص بين المتباينين كما حقق في محله.

لا يقال : إنّ مقتضى عمومات منع بيع الوقف هو عدم جواز البيع هنا.

فإنّه يقال : إنّ الحكم تابع لموضوعه ، فإن عدم جواز بيع الوقف منوط ببقاء موضوعه أعني الوقف ، وأمّا إذا خرج عن الوقفية ـ كما هو المفروض في الوقف المنقطع ، حيث إنّ الوقفية محدودة ببقاء الموقوف عليهم ـ لم يصح التمسك بالعمومات المانعة عن بيع الوقف.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٧٠.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وغرضه من هذا الكلام التنبيه على بعض ما يفترق فيه الوقف المنقطع عن الدائم ، مثل من يجوز له البيع إن كان الموقوف عليه بطونا ، كما إذا وقف داره على زيد وأولاده وأحفاده خاصة.

وتوضيحه : أنّه لو قيل بجواز البيع في بعض الوجوه الأربعة ـ كما حكي عن القاضي في الوجه الثالث من جوازه للموقوف عليه ـ فهل يعمّ الجواز جميع البطون ، كصحته في الوقف المؤبّد للكلّ عند طروء المسوّغ ، أم يختص الحكم بالبطن الأخير كأولاد الأولاد في المثال المزبور؟ اختار شيخنا الأعظم قدس‌سره الثاني ، وفصّل في جواز بيع ما عدا البطن الأخير. فهنا دعويان :

الاولى : اختصاص الجواز في المحتملات المتقدمة بالأخير ، ولعلّ وجهه : أن المانع عن بيع الوقف اجتماع حقه تعالى وحق الواقف وحق الموقوف عليهم ، وهذا مختص بالوقف المؤبد ، وكذا بما عدا البطن الأخير في المنقطع. وأمّا البطن الأخير فينحصر المانع فيه في الحقّين الأوّلين ، ولا حقّ من ناحية الموقوف عليهم ، لفرض كونه آخر السلسلة ، وعدم وجود مالك شأني حتى يجب مراعاة حقه بإبقاء الوقف مقدّمة للانتفاع. وعليه فلا مانع من بيعه من هذه الجهة.

نعم لو بقي انتقل إلى الوارث ، لأدلة الإرث ، ولكن لا يلزم حفظ الموضوع ، كوضوح عدم كون الانتقال إلى الورثة غرضا عقديا للواقف كي يلزم رعايته.

الثانية : أنّه إن قلنا بعدم كون الوقف المنقطع ملكا للموقوف عليه ـ كما هو الحال في الاحتمال الأوّل من بقائه على ملك الواقف ـ لم يجز لشي‌ء من البطون البيع ، لعدم المقتضي وهو الملك.

وإن قلنا بتملكهم له ، لم يجز للبطون المتقدمة على البطن الأخير البيع من جهة تعلق الحقوق الثلاثة بالعين. فيشترك الوقف المنقطع مع المؤبّد في هذا الحكم جوازا ومنعا ، فإطلاق النهي في معتبرة ابن راشد شامل للمنقطع ، كما أنّ مسوّغات بيع

٢٣٦

لا بطن بعده (١) يتلقى (٢) الملك من الواقف.

وأمّا حكم بيع بعض البطون (٣) مع وجود من بعدهم ، فإن قلنا بعدم تملكهم للمنقطع (٤) فهو (٥) كما تقدم. وأما (٦) على تقدير القول بملكهم ، فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون في الوقف المؤبّد ، فيشترك (٧) معه في المنع في الصور التي منعنا ، وفي الجواز في الصور الّتي جوّزنا ، لاشتراك (٨) دليل المنع ،

______________________________________________________

الوقف كالخراب وخوف الفتنة تجوّز البيع في كلا القسمين.

ويترتب على جواز البيع كون الثمن مشتركا بين البطن البائع وما بعده إلى البطن الأخير ، كاشتراك ثمن الوقف المؤبّد إن كان البيع للخراب ، فيجب شراء شي‌ء يكون وقفا ، كما تقدم تفصيله في اولى صور بيع الوقف. وإن كان للصرف في الحاجة اختص بالموجودين ، على الخلاف في المسألة.

(١) يعني : حتى يلاحظ حق البطن اللاحق الذي له حق في الموقوفة ، بل مورد البحث هو الوقف الذي يختص بالبطن الموجود.

(٢) صفة ل «بطن بعده» والبطن الذي لا بطن بعده هو البطن الأخير.

(٣) يعني : غير البطن الأخير.

(٤) بأن يختلف حكم المنقطع والمؤبد ، فالمؤبد ملك فعلي لكلّ طبقة وجدت ، وشأني لمن لم يوجد. والمنقطع ملك للواقف وورثته ، ولم ينتقل عنه إلى الموقوف عليهم.

(٥) جواب «وأما» والمراد بالموصول عدم جواز البيع ، المتقدم في حكم بيع ما عدا البطن الأخير.

(٦) معطوف على «فإن قلنا» وعدل له ، والأولى تبديله ب «وإن قلنا».

(٧) يعني : فيشترك بيع غير الأخير ـ في المنقطع ـ مع المؤبّد.

(٨) تعليل لقوله : «فيشترك» وحقّ العبارة أن تكون هكذا : «لاشتراك دليلي المنع والجواز» لعدم كون المشترك فيه خصوص المنع عن البيع.

٢٣٧

ويتشاركان أيضا (١) في حكم الثمن بعد البيع (٢).

______________________________________________________

(١) يعني : كاشتراكهما في البيع منعا وجوازا ، وعليه فجهة الاشتراك أمران.

(٢) في اختصاص الثمن بالبطن الموجود ، أو لزوم شراء عين به لتكون وقفا كالمثمن. هذا بناء على عدم انصراف أدلة منع بيع الوقف وجوازه إلى المؤبّد ، وإلّا فالمتجه جواز البيع بناء على مالكية الموقوف عليهم للموقوفة في المنقطع ، وصرف ثمنه في حوائجهم.

هذا تمام الكلام في بيع الوقف ، الذي هو من موانع طلقية الملك ، وسيأتي الكلام في سائر الموانع إن شاء الله تعالى.

٢٣٨

مسألة

ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقا : صيرورة المملوكة أمّ ولد لسيّدها (١) ،

______________________________________________________

بيع أمّ الولد

(١) يعني : أن الجارية التي صارت أمّ ولد لسيّدها لا تكون ملكا طلقا له حتى يصح نقلها إلى الغير ، لكونها متشبثة بالحرية ، إذا تحقق الاستيلاد بشرائطه المعتبرة ، قال المحقق قدس‌سره : «أمّ الولد مملوكة ، لا تتحرر بموت المولى ، بل من نصيب ولدها. لكن لا يجوز للمولى بيعها ، ما دام ولدها حيّا ، إلّا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على المولى ، ولا وجه لأدائه إلّا منها» (١).

ثمّ إنّ المصنف قدس‌سره ـ بعد ما أشار إلى كون منع بيع أمّ الولد من المسلّمات في الجملة ـ تعرّض في هذه المسألة لمباحث :

الأوّل : اختصاص المنع بالبيع ، أو عمومه لسائر العقود ، سواء أكانت ناقلة للملك مع عدم تعقبها بالتحرر ، أم معرّضة للنقل إلى الغير كالرهن.

الثاني : اشتراط منع بيعها بحياة الولد بعد وفاة السيد. ولو مات الولد وكان له ولد فهل يمنع من بيعها ، أم يختص المنع ببقاء نفس الولد الصّلبي؟

الثالث : هل تصير الأمة أمّ ولد ولو بعلوقها بالنطفة؟ أو بمطلق الحمل؟ و

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٣٩.

٢٣٩

فإنّ ذلك (١) يوجب منع المالك عن بيعها ، بلا خلاف بين المسلمين ، على الظاهر المحكيّ عن مجمع الفائدة (٢).

وفي بعض الأخبار دلالة على كونه (٣) من المنكرات في صدر الإسلام ،

______________________________________________________

يعتبر انفصال الولد بالوضع؟

الرابع : إناطة صدق «أمّ الولد» بكون الحمل في زمان تملك المولى لها ، فلا عبرة بالحمل منه قبل ذلك.

الخامس : أن منع بيعها قاعدة كلية مستفادة من النصوص والإجماع ، فالعمومات المقتضية لصحة نقلها مخصّصة. وجواز بيعها في كل موضع منوط بدليل عليه.

السادس : مواضع الاستثناء من عموم منع البيع.

وسيأتي التعرض للجميع بتبع المتن.

(١) أي : فإنّ صيرورة الأمة أمّ ولد لسيّدها يوجب منع سيدها عن بيعها ، فلا تكون ملكا طلقا.

(٢) قال المحقق الأردبيلي قدس‌سره فيه : «وعدم جواز بيعها ما دام ولدها حيّا ـ مع إيفاء ثمنها أو القدرة عليه ـ مما لا خلاف فيه بين المسلمين» (١) فدعوى عدم الخلاف قطعية بنظر المحقق الأردبيلي لا مظنونة ، إذ لم يقل «لا خلاف فيه بين المسلمين ظاهرا» كما لا ريب في حكاية عدم الخلاف عنه في مفتاح الكرامة.

وعليه فتقييد المصنف بقوله : «على الظاهر» مبني على اعتقاده. ولعلّه لأجل ما حكي عن الصدوق وابن ميثم شارح النهج من أنّ أمّ الولد كسائر التركة تنتقل إلى الورثة.

(٣) أي : كون بيع أمّ الولد من المنكرات.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٩ ؛ والحاكي عنه وعن الغنية والحدائق هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٦٢.

٢٤٠