هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

وأمّا (١) الوقف المنقطع ، وهو : ما إذا وقف على من ينقرض ـ بناء على

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «أمّا الأوّل» وكان المناسب التعبير هنا ب «وأما الثاني» ثم إنّ «الوقف المنقطع» يطلق تارة على ما إذا جعل المال على من ينقرض ـ سواء أكان شخصا معيّنا كزيد. أم جمعا معينين كأولاده ـ والسكوت عمّا يصنع به بعد الانقراض.

وأخرى على الوقف المقترن بمدّة كعشرين سنة مثلا ـ إن لم يرد به الحبس ـ وهو مورد تسالمهم على البطلان.

قال السيد العاملي في شرح قول العلّامة قدس‌سرهما : «أو قرنه بمدّة لم يقع» ما لفظه : «كما في الغنية والسرائر والشرائع ، وكذا الإستبصار ، وهو معنى إجماع الخلاف والغنية والسرائر وغيرها ، إذ هو تفريع على اشتراط الدوام» (١). وفي الجواهر : «فلو وقفه وقرنه بمدة بطل قطعا مع فرض إرادته وقفا» (٢).

وبالجملة : فالمقصود بالمنقطع الآخر هو المعنى الأوّل أي الوقف على من ينقرض غالبا. والمعروف في حكمه الصحة ، على خلاف بينهم في مآل الوقف بعد انقراض الموقوف عليه ، كما سنشير إليه. ولم يعرف القول بالبطلان إلّا من بعض

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٦.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٥١.

٢٠١

صحته كما هو المعروف (١) ـ

______________________________________________________

الأصحاب على ما حكاه شيخ الطائفة عنه ، حيث قال قدس‌سره : «فإذا علّقه بما ينقرض ، مثل أن يقول : وقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي ، وسكت على ذلك. أو وقف على رجل بعينه ، أو على جماعة بأعيانهم ، وسكت على ذلك ، فهل يصحّ ذلك أم لا؟ من أصحابنا من قال : يصحّ. ومنهم من قال : لا يصحّ ...» (١).

(١) التعبير بالمعروف ـ دون المجمع عليه ـ في قبال القول بالبطلان رأسا كما حكي في المبسوط. قال في الجواهر في شرح عبارة المحقق : «وقيل : يجب إجراؤه حتى ينقرض المسمّون ، وهو أشبه» ما لفظه : «بمعنى أنه يصحّ وقفا ، كما هو صريح جماعة ، بل في جامع المقاصد نسبته إلى الشيخين والمختلف والتذكرة وأكثر الأصحاب. بل قد عرفت احتمال كونه مذهب الجميع بناء على احتمال إرادة المساواة في الحكم من التصريح بكونه حبسا» (٢) (*).

__________________

(*) غرضه قدس‌سره أن جمعا كثيرا من القائلين بصحة الوقف على من ينقرض عبّروا بكونه حبسا كما نقله السيد العاملي عن صريح جماعة وظاهر آخرين كابني حمزة وسعيد والمحقق والعلّامة وفخر المحققين والشهيدين وابن فهد والفاضل المقداد والمحقق الثاني وغيرهم. ومن يظهر منه كونه وقفا هو الشيخ المفيد وابن إدريس ومحتمل كلام بعض آخر. وعليه لا يكون القول بصحة الوقف المنقطع ـ بعنوانه لا بعنوان الحبس ـ معروفا ، بل ولا مشهورا.

ولعلّه لهذا اقتصر صاحب الرياض قدس‌سره على نقل قولين في الوقف على من ينقرض غالبا ، أحدهما البطلان ، والآخر صحته حبسا لا وقفا ، وأن القول بصحته وقفا نادر جدّا غير معروف أصلا (٣).

__________________

(١) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٢٩٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٥٤.

(٣) رياض المسائل ، ج ١٠ ، ص ١٠٦.

٢٠٢

.................................................................................................

__________________

إلّا أن صاحب الجواهر قدس‌سره ذهب إلى إرادتهم الوقف المنقطع من الحبس ، عند من يرى رجوع المال بعد انقراض المسمّين إلى الواقف أو ورثته ، بقرينة ما يفهم من أدلتهم ، وأن الحبس عقد آخر غير الوقف المنقطع آخره ، إذ المقصود منه التسليط على العين لاستيفاء منفعتها لا تمليك الرقبة ، فلا معنى لإنشاء الوقف ووقوع الحبس. واستشهد ببعض كلماتهم لذلك ، كقول المحقق الثاني قدس‌سره بعد نقل عبارة التذكرة : «فعلى هذا تكون بعض أقسام الوقف حبسا ، وحينئذ فالنزاع يرجع إلى التسمية فقط» ، فراجع (١).

ولا بأس بالإشارة إلى ما استدل به على صحة الوقف المنقطع. وهو وجوه :

فمنها : الأصل ، المراد به إما أصالة عدم اشتراط الوقف بالتأبيد ، إذ مفهومه «تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة» الصادق عليه كصدقه على المؤبد ، فلو اعتبر فيه كان منشؤه اشتراطه شرعا ، وهو مشكوك فيه ، فينفى بالأصل.

وإمّا أصالة عدم مانعية الانقطاع بناء على جريان الأصل في شرائط المركبات وأجزائها وموانعها ، وكذا في الامور الاعتبارية الإنشائية. ومعه لا مجال لأصالة الفساد المقتضية لعدم ترتب الأثر على فاقد الشرط المشكوك الدخل ، أو واجد المانع كذلك. وتقدم بعض الكلام فيه في مقدمة ألفاظ العقود (٢).

لكن لا تصل النوبة إلى الأصل العملي إلّا مع عدم الإطلاق اللفظي والمقامي ، في أدلّة العقود ، وفي خصوص الوقف كما سيظهر.

ومنها : الأمر بالوفاء بالعقود ، إمّا لكون الوقف من العقود لاعتبار القبول فيه مطلقا ، وإمّا لكون المراد بالعقد في الآية مطلق العهد كما في صحيحة ابن سنان ، والوقف عهد وإن أنشئ بالإيجاب خاصة ، فيكون نافذا.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٥٥ ؛ جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٢٠.

(٢) راجع هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٣١٨ ـ ٣٢٥.

٢٠٣

.................................................................................................

__________________

ومنها : عموم قوله عليه‌السلام في مكاتبة الصفار : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» لظهوره في إمضاء الوقف الموقت بكلا تفسيريه الواردين في سؤال المكاتب ، وهو قوله : «قال قوم : إنّ الموقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان وعقبه ، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقال آخرون : هذا موقّت إذا ذكر أنّه لفلان وعقبه ما بقوا ، ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين والذي هو غير موقت أن يقول : هذا وقف ولم يذكر أحدا» (١).

لدلالته على أنّ المعهود من عنوان «الوقف الموقت» في عرف المكاتب ـ وهو الصفار ـ ما يذكر فيه الموقوف عليه ، إمّا مع قرينة التأبيد كالوقف على أشخاص أو جهة ، ثم تعقيبه بكونه للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، كما هو رأي قوم. وإمّا بالاقتصار على شخص وعقبه ما بقوا ، وعدم تعيين مآل الوقف بعد انقراضهم. والأوّل مؤبّد ، والثاني منقطع الآخر بحسب مصطلح الفقهاء. ويقابلهما غير الموقت أي ما لم يذكر الموقوف عليه أصلا ، وهو باطل.

وبالجملة : فالقرينة الداخلية ـ وهي قول الصفار : «قال قوم ... وقال آخرون» ـ تشهد بأنّ المراد بالموقت ليس هو المقترن بمدّة وأجل ، وإن كان المتبادر منه هو المحدود بزمان ، بل المراد التصريح بالموقوف عليهم.

ومنه يظهر متانة ما أفاده شيخ الطائفة قدس‌سره من تفسير إجمال صحيحة ابن مهزيار بصحيحة الصفار ، حيث قال : «ومعنى هذا الذي رواه علي بن مهزيار من قوله : كل وقف إلى وقت معلوم واجب ، معناه : أنّه إذا كان الموقوف عليه مذكورا ، لأنّه إن لم يذكر في الوقف موقوف عليه بطل الوقف. ولم يرد بالوقت الأجل ، وكان هذا تعارفا بينهم. والذي يدل على ذلك ما رواه محمد بن الحسن الصفار ...» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، الباب ٧ من أبواب الوقوف والصدقات ، الحديث : ٢.

(٢) تهذيب الأحكام ، ج ٩ ، ص ١٣٢ ؛ الإستبصار ، ج ٤ ، ص ١٠٠.

٢٠٤

.................................................................................................

__________________

لكن قد يشكل هذا التفسير بذكر «الورثة» في كلتا الكليتين في صحيحة ابن مهزيار من قوله : «واجب على الورثة ... باطل مردود علي الورثة» مع عدم الدخل في الصحة والبطلان.

ولعلّه قد يوجّه تارة بما ذهب إليه جمع من المحدثين والفقهاء من إبقاء «الوقت» على ظاهره وهو المدة ، وإرادة الحبس من الوقف.

قال العلّامة المجلسي الأوّل قدس‌سره : «اعلم أن ظاهر الجواب : أنّ الوقف بحسب ما يوقف. فإن كان مؤبّدا بأيّ وجه كان سواء ضمّ الفقراء والمساكين ... أو لم يضمّ فهو وقف مؤبّد. وإن كان موقّتا بأن يكون إلى مدة معلومة أو على شخص معيّن ـ والغالب انقراضه ـ فليس بوقف بالمعنى الأخص ، ولكنه حبس صحيح ، لا يجوز بيعه ما دام المحبوس عليه حيّا ، وبعده يرجع إلى ورثة الواقف. وهذا معنى قوله عليه‌السلام : باطل مردود على الورثة ، أي يبطل بعد المدة ، لا أنّه باطل عند الصيغة ...» (١).

لكن الحمل على الحبس مع تصريحهم بكون الوقف مجازا فيه منوط بقرينة مفقودة. ومجرّد إنشاء الوقف لمن ينقرض لا يصلح قرينة على إرادة الحبس ، لتوقفها على المنافاة عرفا بين مفهوم الوقف والتقييد المزبور حتى يكون التقييد قرينة على إرادة خلاف الظاهر ، والمفروض عدم دخل التأبيد ـ بهذا المعنى ـ في مفهوم الوقف. ومنافاة ظهور صدر مكاتبة ابن مهزيار للإجماع على بطلان الوقف الموقّت بمدّة ، لا توجب الحمل على الحبس ما لم تنهض قرينة عليه.

واخرى بما اختاره صاحب الجواهر قدس‌سره بعد إبقاء «الوقف» على معناه المقابل للحبس ، من أنّ الصحة تكون باعتبار بقاء الموقوف عليه الموقت ، والفساد بلحاظ

__________________

(١) روضة المتقين ، ج ١١ ص ١٥٠ ، وأفاد نحوه نجله العلّامة في ملاذ الأخيار ، ج ١٤ ، ص ٤٠٣ ، وغيرهما ، فلاحظ الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٣٠٨ ؛ الحدائق الناظرة ، ج ٢٢ ، ص ١٣٥ ؛ رياض المسائل ، ج ١٠ ، ص ١٠٦ ؛ مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٦ و ١٧.

٢٠٥

.................................................................................................

__________________

انقراضه. قال قدس‌سره : «ففي مثل المفروض هو موقّت ما دام الموقوف عليه موجودا ، وغير موقت إذا انقرضوا ، فيثبت له حكم كلّ منهما من الصحة والفساد ، ضرورة أن قوله عليه‌السلام في الصحيح الأوّل : ـ هو كذلك عندي ـ تقرير للكليتين المفسّرين بالصحيح الآخر ـ أي صحيح الصفار ـ الذي هو كالصريح في صحة الوقف بالتفسير الثاني منهما ، وهو مفروض مسألتنا» (١) واستشهد على ذلك بما ورد في الذيل من كونه مردودا على الورثة ، إذ لو كان باطلا من أوّل الأمر لكان مردودا على الواقف الذي لم ينتقل المال عنه حتى يرد عليه مرة اخرى.

ولكن يمكن التأمل فيه بأن ظاهر المكاتبة التفصيل بين الموقت وغير الموقت ، بالصحة في الأوّل والبطلان في الثاني ، لا أنّ الموقت يصح في مدة بقاء الموقوف عليه ، ويبطل بعده ، حتى يكون إنشاء وقف متصفا بالصحة في زمان حياة الموقوف عليه وبالفساد بانقضائه.

وبعبارة اخرى : انّ توصيف «الوقف» بالصحة والفساد تارة يكون بلحاظ حالات الوقف ، بمعنى أنّه يحكم على فرد واحد من طبيعي الوقف بالصحة في مدة ، وبالبطلان في مدة اخرى.

واخرى يكون المتصف بهما هو الطبيعي بلحاظ حصصه ، فبعضها محكوم بالصحة من أوّل الأمر ، وما دام عنوان «الوقف» وبعضها محكوم بالبطلان كذلك ، لفقد شرط أو اقتران مانع ، فلا ينقلب الصحيح باطلا. والظاهر من الصحيحة هو الثاني ، فالموقت صحيح ، سواء أكان الموقوف عليه دائما أم منقرضا ، وغير الموقّت باطل.

وانتهاء الوقف في المنقطع بانقراض الموقوف عليه لا يوجب توصيفه بالباطل ، إذا البطلان بانتفاء الموقوف عليه نظير انتفاء الوقف بانتفاء الموقوفة في كونه من انتفاء

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٥٦ و ٥٧.

٢٠٦

فإمّا (١) أن نقول ببقائه

______________________________________________________

(١) اعلم : أن محتملات مآل العين ـ بعد انقراض الموقوف عليه ـ ثلاثة ، كما في كتب الأصحاب :

أوّلها : العود إلى الواقف أو ورثته ، وهو قول الأكثر كما في المسالك.

ثانيها : الانتقال إلى ورثة الموقوف عليهم ، نسب إلى الشيخ المفيد وابن إدريس قدس‌سرهما.

ثالثها : الصرف في وجوه البرّ ، نسب إلى السيد أبي المكارم قدس‌سره.

قال المحقق الثاني قدس‌سره : «ثم على بالقول بصحته وقفا ، فهل يرجع إلى ورثة

__________________

العارض بانتفاء موضوعه ، وهو ضروري.

وقوله عليه‌السلام : «مردود على الورثة» لا يكون قرينة على إرادة الوقف المنقطع ، كما لا يكون قرينة على إرادة الحبس ، فلعلّ ذكره بالخصوص لأمر ما يقتضيه ، وإلّا فالوقف إن كان صحيحا فقد وجب على الواقف ، وإن كان باطلا فقد ردّ إليه.

إلّا أنّ إبهام جملة «النفوذ على الورثة والرّد عليهم» لا يقدح في الاستدلال بالمكاتبة على مشروعية الوقف المنقطع ومضيّه على الواقف ، وعدم دلالتها على صحة الحبس كما ورد في كلمات من اشير إليهم ، مع تصريح مثل الشهيد الثاني قدس‌سره بكون الوقف مجازا فيه ، وعدم ما يصلح للقرينية عليه.

فلو كان تبادر المدة من «الوقت» مانعا عن إرادة الموقوف عليهم ، كان تبادر «الوقف» المصطلح مانعا عن الحمل على الحبس ، وليست قرينية التعارف المستفادة من مكاتبة الصفار أضعف من قرينية انقراض الموقوف عليهم حتى نلتجئ إلى إرادة الحبس.

والمتحصل : وفاء المكاتبة بإثبات صحة الوقف المنقطع ، ويقع الكلام في ما أفاده المصنف قدس‌سره من تعيين المالك له ، وجواز بيعه وعدمه.

٢٠٧

على ملك الواقف (١) ، وإمّا أن نقول بانتقاله إلى الموقوف عليهم (٢).

______________________________________________________

الواقف أم إلى ورثة الموقوف عليه ، أم يصرف في وجوه البرّ؟ أقوال أيضا» (١).

وأمّا الاحتمال الرابع ـ وهو المذكور أوّلا في المتن من بقائه على ملك الواقف ـ فمبنيّ على كون الوقف المنقطع حبسا حقيقة كما في المسالك وغيره ، لبقائه على ملك الحابس.

وأمّا بناء على مفروض الكلام من كون المنقطع كالمؤبّد وقفا حقيقة ، فيظهر من بعض القول به.

ففي الجواهر : «والمصرّح ببقاء العين هنا ـ مع ندرته ـ مدّع أنّ هذا الوقف له حكم الحبس ، وإنّما الذي يخالفه ـ أي يخالف بقاء الموقوفة على ملك الواقف ـ الوقف المؤبّد ، دونه أي دون المنقطع» (٢).

وقال في المقابس : «كل وقف منقطع يجري عليه حكم الحبس على الأصحّ ، فيكون باقيا على ملك الواقف» (٣).

وعليه فلا بدّ أن يقال في توجيه بقاء مالكية الواقف : إنّ الوقف إما يوجب زوال ملك الواقف وهو الدائم ، وإمّا يوجب سلب سلطنته الفعلية على التصرف ، وإن كان مالكا.

وبالجملة : فالغرض توجيه ما صنعه المصنف قدس‌سره من تربيع الاحتمالات ، وعدم اقتصاره على الثلاثة المعروفة في كلمات الأصحاب.

(١) كما نقله صاحب الجواهر عن بعض ، ويظهر من صاحب المقابس أيضا.

(٢) كما هو المعروف ، لأن وزان الوقف المنقطع وزان المؤبّد في كونه تمليكا ، وصيرورة الواقف أجنبيا عن المال بالمرّة.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ١٦ ، وكذا في مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٥٦.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ٥٦.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٤.

٢٠٨

وعلى الثاني (١) ، فإمّا أن يملكوه ملكا مستقرّا (٢) بحيث ينتقل منهم إلى ورثتهم عند انقراضهم ، وإمّا (٣) أن يقال بعوده إلى ملك الواقف ، وإمّا (٤) أن يقال بصيرورته في سبيل الله.

فعلى الأوّل (٥) : لا يجوز للموقوف عليهم البيع ، لعدم الملك.

______________________________________________________

والفارق بينهما أنّ خروج المال عن الملك في المؤبد دائمي ، وفي الموقّت ما دامي أي ما دامت حياة الموقوف عليه ، وهو منوط بقابلية الملك للتحديد ، وعدم اعتبار إرساله.

(١) وهو انتقال المال إلى ملك الموقوف عليه إلى أن ينقرض ، وفيه أقوال ثلاثة ، تقدّمت آنفا.

(٢) لا مؤقّتا ، فالمراد بالاستقرار هنا عدم عوده إلى الواقف ، وعدم صرفه في وجوه البرّ. فصيرورته ملكا مستقرا هو كونه كسائر أموال الموقوف عليه التي تنتقل إلى ورثته بعد انقراضه ، كما إذا وقف دارا على ثلاثة بطون من أولاده ، فينتقل ـ بعد انقراض البطن الثالث ـ إلى ورثتهم ، لا إلى خصوص البطن الرابع.

(٣) هذا هو الاحتمال الثاني بناء على تملك الموقوف له مدّة الوقف ، فيكون تملكه مؤقتا لا دائما ، فيعود إلى الواقف أو ورثته.

(٤) هذا ثالث الاحتمالات ، وقد نسب إلى السيد أبي المكارم والعلّامة في المختلف.

(٥) لا يخفى أن الغرض الأصلي من التعرض للوقف المنقطع هنا ـ أي في موانع كون الملك طلقا من الوقف والرهن ونحو هما ـ هو بيان حكم بيعه جوازا ومنعا بالنظر إلى الاحتمالات الأربع المتقدمة.

فبناء على الاحتمال الأوّل ـ أعني به بقاء المال على ملك الواقف ، وكون ثمرة هذا الوقف تملك الموقوف عليه للمنفعة ، كما أن فائدة السكنى مجرد تسليطه عليها ـ إمّا أن يكون البائع هو الموقوف عليه ، وإما الواقف.

٢٠٩

وفي جوازه (١) للواقف مع جهالة مدّة استحقاق الموقوف عليهم إشكال ،

______________________________________________________

فإن كان هو الموقوف عليه لم يصحّ ، لانتفاء المقتضي ، وهو الملك.

فلو باع ، فإن قلنا بصحته من الواقف ـ كما سيأتي في بعض الصور الأربع ـ كان بيع الموقوف عليه فضوليا منوطا بإجازة الواقف ، وإن قلنا بعدم جوازه من الواقف بطل رأسا.

وإن كان البائع هو الواقف فقد فصّل المصنف قدس‌سره بين صور أربع ، فتارة يكون المشتري أجنبيا ، والمراد به أن لا يكون له مساس بمنفعة الموقوفة ، فليس هو الموقوف عليه ، ولا من انتقل حق الموقوف عليه إليه بصلح.

وهذا على نحوين ، إذ قد يبيع الواقف ، وهو غير مالك للمنفعة أصلا. وهذا محل البحث في الصورة الاولى. وقد يبيع بعد أن تملّك المنفعة مرة اخرى ، كأن تصالح عليها مع أرباب الموقوفة ، وهذه هي الصورة الرابعة في كلام المصنف.

واخرى يكون المشتري مستحقا لمنفعة الموقوفة ، وهو على نحوين أيضا ، فقد يكون هو الموقوف عليه ، فتنضمّ العين إلى المنفعة ، وكونهما معا ملكا له. وهذه هي الصورة الثانية.

وقد يكون غير الموقوف عليه ، كما إذا تصالح أجنبي مع الموقوف عليه على منفعة الوقف ، فانتقلت إليه ، فأراد شراء العين من الواقف. وهذه هي الصورة الثالثة.

(١) أي : في جواز البيع. وهذا شروع في حكم الصورة الاولى ، والأصحاب بين مستشكل في جواز البيع ، ومآله إلى المنع ، وبين مصرّح بصحته ، وبين متوقف ومتردّد.

واستشكل المصنف وفاقا لصاحب المقابس قدس‌سرهما (١) في جواز البيع. ومنشأ الإشكال هو الغرر اللازم من الجهل بقدر الانتفاع المستثنى ، ويتضح وجهه بالنظر إلى أمرين :

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٥

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : أنّ العين الموقوفة على من ينقرض وإن كانت ملكا للواقف حسب الفرض ، ولكنها مسلوبة المنفعة ، لكونها مستحقة للموقوف عليه مدة حياته. ولمّا لم يكن أمد استحقاق المنفعة مضبوطا بالأعوام لم يعلم المشتري أن عوض الثمن هل هو المبيع المسلوب منفعته سنة أو مسلوبها عشر سنين؟ فيصدق «البيع الغرري» عليه ، لدخل قصر المدة وطولها في مالية المبيع زيادة ونقصا.

والشاهد على أن الجهل بزمان تسليم المنفعة يوجب غررية البيع ما ذكروه في بطلان بيع مسكن المطلّقة بالأقراء ، لجهالة وقت انتفاع المشتري بدلك المسكن ، لدوران زمان عدّتها بين ستة وعشرين يوما ولحظتين ، وتسعة أشهر ، وسنة ، وخمسة عشر شهرا (١). فلو باع المالك هذا المسكن فلا بدّ أن يبيعه مسلوب المنفعة ، فإن علم أمد العدة ـ كما إذا كانت بالأشهر ـ صحّ البيع ، فهو نظير بيع دار مؤجّرة سنة. وإن لم يعلم لزم الجهل بوقت تسليم المنفعة ـ وهي السكنى ـ للمشتري ، فيبطل البيع.

قال المحقق قدس‌سره : «لو طلّقها ثم باع المنزل ، فإن كانت معتدة بالأقراء لم يصح البيع ، لأنّها تستحق سكنى غير معلومة ، فيتحقق الجهالة ... ولو كانت معتدة بالشهور صحّ ، لارتفاع الجهالة» (٢).

والمقام أولى بالبطلان ، لإمكان استثناء البائع ـ لمسكن المعتدّة ـ أطول مدة يقطع بعدم زيادة العدة عليها ، وهي خمسة عشر شهرا ، بخلاف ما نحن فيه ، إذ لا سبيل للعلم بمدة حياة الموقوف عليه حتى يستثنيها الواقف.

الثاني : أنّه لا فرق في مانعية الغرر في البيع بين الجهل بذات العوضين وبين الجهل بشأنهما من وصف أو خصوصية كما في المقام ، لكون وقت القدرة على تسليم

__________________

(١) كما في مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٤١ وجواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ١٢٨ ، ولاحظ شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٣٦.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٤٣.

٢١١

من (١) حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التّام على وجه ينتفع به ، ولذا (٢) منع الأصحاب ـ كما في الإيضاح ـ (١) بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء ، لجهالة مدّة العدّة مع عدم كثرة التفاوت (٣).

نعم (٤) ، المحكيّ عن جماعة

______________________________________________________

المنفعة للمشتري مجهولا.

والمتحصل من هذين الأمرين : فساد بيع الوقف لو كان المشتري أجنبيا عن الموقوف عليه ، ولم يستحق المنفعة.

هذا تقريب المنع. ولعلّ التعبير عنه بالإشكال ـ دون المنع ـ للشبهة في إطلاق الغرر المنهي عنه في البيع لمثل الجهل بوقت التسليم مع معلومية ذات المبيع ومنفعتها كما سيأتي تفصيله في (ص ٥٨٧). وكذا منع قياس المقام ببيع مسكن المطلقة ، فراجع المقابس والجواهر وغيرهما.

(١) هذا وجه منع البيع ، ولم يذكر المصنف قدس‌سره وجها للجواز ، فيظهر منه ترجيح المنع.

(٢) أي : ولأجل لزوم الغرر من الجهل بزمان التسليم التام منع الأصحاب من بيع المكان الذي تسكنه المطلقة المعتدة بالأقراء. وأمّا المعتدة بالأشهر فلا مانع من البيع ، للعلم بأمد عدّتها واستثناء تلك المدة ، كصحته لو كان المبيع مستأجرا مدّة مضبوطة كسنة مثلا.

(٣) إذ التفاوت بين أقصر العدد ـ وهو ستة وعشرون يوما ولحظتين ـ وبين أطولها ـ وهو خمسة عشر شهرا ـ يكون معلوما ومضبوطا بالأيام والأشهر. بخلاف وقت انقضاء المنفعة بانقراض الموقوف عليه في المقام ، فيفسد البيع للغرر.

(٤) استدراك على قوله : «إشكال» وغرضه الإشارة إلى القول الثاني ، وهو

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤٠٩ ، وحكاه عن الأصحاب في مفتاح الكرامة عن إيضاح النافع ، فراجع ج ٩ ، ص ١٤٠.

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ما ذهب إليه جمع في الحبس الذي هو نظير الوقف المنقطع ، من : أنّ المالك لو حبس داره لسكنى شخص فيها أي سلّطه على الانتفاع بها مع بقائها على ملكه ـ سواء قدّر السكنى بعمر نفسه ، فيقول : «أسكنتك داري مدة حياتي» أو بعمر الساكن ، فيقول : «أسكنتكها مدّة حياتك» جاز له بيع الدار ، وذلك لوجوه تدل على الجواز من القاعدة والنص الخاص والإجماع.

أمّا الأوّل فهو إطلاق حلّ البيع المقتضي صحته ، وانتفاء المانع منه سوى الغرر الناشئ من الجهل بوقت تسليم المنفعة للمشتري ، إذ لا سبيل لإحراز مدّة استحقاقها للساكن.

ووجه انتفاء الغرر هو أنّ هذه الجمالة غير قادحة في صحة البيع ، إذ الغرر المانع عنها هو ما ينشأ من جهالة العوضين اللّذين هما ركنا المعاملة ، أو جهالة أحدهما. وأمّا إذا كان الغرر ناشئا من جهالة غير العوضين لم يكن مانعا عن صحة المعاملة كالمقام ، فإنّ الغرر ناش عن الجهالة بمدة حياة الموقوف عليهم ، ومن المعلوم أنّ هذه الجهالة لا تمنع عن صحة البيع ، إذ المبيع معلوم لكلّ من المتعاملين ، والغرر إنّما يكون في منفعتها ، للجهل بزمان حياة الساكن. ومن الواضح أنّ المنفعة ليست طرفا في المعاوضة.

وهذا نظير شراء البستان المشاهد المعلوم الذي لا يعلم بمقدار عوائده السنوية كما لا يخفى.

وأمّا الثاني فهو معتبرة الحسين بن نعيم عن الإمام الكاظم عليه‌السلام حيث سأله أوّلا عن حكم حبس الدار على رجل وعلى عقبه من بعده ، فأجابه عليه‌السلام بنفوذه ولزومه ، ويستحق المحبوس له وذريته السكنى فيها. ثم سأله ثانيا عن جواز بيعها ، فأجابه بجوازه وعدم مانعية الحبس عن صحة البيع ، ولا ينتقض عقد السكنى بالبيع ،

٢١٣

ـ كالمحقق (١) والشهيدين في المسالك (١) والدروس (٢)

______________________________________________________

ولكن لا تدخل منفعة الدار في ملك المشتري حتى ينقضي السكنى بانقراض الساكن وعقبه.

والمستفاد من تجويزه عليه‌السلام للبيع أنّ جهالة وقت تسليم الدار للمشتري لا تمنع عن الصحة إمّا مطلقا ، أو في خصوص المورد ونظائره كالوقف المنقطع بعد اتحاده حكما مع الحبس (*) ، فلا مانع من بيع الواقف وإن كانت مدة استحقاق الموقوف عليهم مجهولة. ولم يستفصل الإمام عليه‌السلام عن أن الحابس يريد بيعها من خصوص الساكن ، أو من أجنبي ، ومقتضى ترك الاستفصال جوازه مطلقا.

وأمّا الثالث ، فهو الإجماع المدّعى في كلام الفاضل المقداد.

والنتيجة : أنه يجوز للواقف البيع ، ولا يستحق المشتري استيفاء المنفعة إلّا بعد انقراض الموقوف عليهم.

(١) قال قدس‌سره : «ولا تبطل ـ أي السكنى ـ بالبيع ، بل يجب أن يوفى المعمّر ما شرط له» (٣).

__________________

(*) هذا بناء على اتحاد حكم الحبس والمنقطع بإلقاء خصوصية مورد السؤال ، وإلّا فيقتصر في العمل بالصحيحة على الحبس ، وبها يقيد إطلاق النهي عن بيع الغرر في خصوص دار السكنى. وتبقى شبهة سفهية البيع لو فرض سلب منفعة الدار عشرات السنين كما وردت في كلام السيد العاملي وغيره ، فراجع (٤).

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٤٢٧ ـ ٤٢٩ ، والحاكي عنهم السيد العاملي وصاحب المقابس ، لاحظ : مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٤٠ ، مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٥

(٢) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٨٢

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٢٥ ونحوه في المختصر النافع ، ص ١٥٩

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٤٠ ، آخر الصفحة

٢١٤

وغيرهم (١) ـ صحة البيع في السّكنى الموقتة بعمر أحدهما (٢) ، بل (٣) ربما يظهر من محكي التنقيح (١) : الإجماع عليه (٤).

ولعلّه (٥) إمّا لمنع الغرر ، وإمّا للنّص ، وهو ما رواه المشايخ الثلاثة ـ في الصحيح (٦) أو الحسن (٧) ـ عن الحسين بن نعيم ، قال : «سألت أبا لحسن عليه‌السلام عن رجل جعل داره سكنى لرجل زمان حياته ، ولعقبه من بعده. قال : هي له ولعقبه من بعده ، كما شرط.

______________________________________________________

(١) كأصحاب الكفاية والمفاتيح والرياض على ما حكاه السيد العاملي عنهم قدس‌سره (٢).

(٢) أي : الساكن أو المسكن.

(٣) إشارة إلى دليل آخر على الصحة ، والوجه في الإضراب ب «بل» واضح ، لأنّ المصرّح بأسمائهم لا يتحقق بهم شهرة فضلا عن الاتفاق ، فدعوى الفاضل السيوري قدس‌سره ترقّ من فتوى تلك العدة إلى إطباق الكلّ عليه.

(٤) أي : على الصحة ، فالأولى تأنيث الضمير. وإرجاعه إلى «المحكي» لا يخلو عن سماجة.

(٥) أي : ولعلّ الصحة لوجود المقتضي وعدم مانعية الغرر. وجملة «إما ...

وإما» خبر «ولعلّه».

(٦) بطريق الصدوق قدس‌سره ، لأنه رواه بسنده عن محمد بن أبي عمير عن الحسين بن نعيم ، والإسناد صحيح ، وابن نعيم الصحّاف ثقة.

(٧) بسند الكليني وشيخ الطائفة عنه ، لأنه رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه

__________________

(١) التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٣٣٦ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٣٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٤٠ ، ولاحظ : كفاية الأحكام ، ص ١٤٣ ؛ مفاتيح الشرائع ، ج ٣ ، ص ٢٢٠ ؛ رياض المسائل ، ج ١٠ ، ص ١٩١ ـ ١٩٢.

٢١٥

قلت : فإن احتاج إلى بيعها؟ قال : نعم. قلت : فينقض البيع السكنى؟ قال : لا ينقض البيع السكنى. كذلك سمعت أبي يقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى ، ولكن يبيعه على أنّ الذي يشتريه لا يملك ما اشتراه حتى ينقضي السكنى على ما شرط ...» الخبر (١).

ومع ذلك (٢) فقد توقّف في المسألة العلّامة (٣)

______________________________________________________

عن ابن أبي عمير. وعدّه حسنا لمكان إبراهيم بن هاشم. وإن تقرّر ـ في محلّه ـ وثاقته.

(١) تتمّة الخبر هو : «وكذلك الإجارة. قلت : فإن ردّ على المستأجر ماله وجميع ما لزمه من النفقة والعمارة فيما استأجر؟ قال : على طيبة النفس ، ويرضى المستأجر بذلك لا بأس» (١).

(٢) أي : ومع عدم مانعية الغرر ـ ووجود النص على جواز البيع ودعوى الإجماع عليه ـ فقد توقّف العلّامة وغيره ، ومن المعلوم أنّ هذا التوقف يقدح في الإجماع ، فليست صحة البيع في السكنى الموقتة بعمر الساكن أو المالك مسلّمة حتى تكون نقضا بما هو مسلّم عند الأصحاب ، وتكون وجها لصحة بيع الواقف للوقف المنقطع.

(٣) يعني : في بعض كتبه كالقواعد والمختلف وموضع من التذكرة (٢) ، وإلّا فنسبة التوقف إلى العلّامة بقول مطلق لا تخلو من شي‌ء ، لدلالة قوله في الإرشاد : «ولا يبطل بالبيع» على الجواز وكذا في موضع من التذكرة ، ورجّح في التحرير

__________________

(١) الكافي ، ج ٧ ، ص ٣٨ ، الحديث : ٣٨ ؛ من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٢٥١ ، الحديث : ٥٥٩٥ ؛ التهذيب ، ج ٩ ، ص ١٤١ ؛ الإستبصار ، ج ٤ ، ص ١٠٤ ، الباب ٦٥ (باب السكنى والعمرى) الحديث : ٤ عنها : وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢٦٧ ، الباب ٢٤ من أبواب أحكام الإجارة ، الحديث : ٣

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٠٣ ؛ مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٣٦ ؛ تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ، السطر ٢٠ و ٢١ (الحجرية)

٢١٦

وولده (١) والمحقق الثاني (٢).

ولو باعه (٣) من الموقوف عليه

______________________________________________________

المنع ، لقوله : «الأقرب أنه لا يجوز البيع» (١).

ولعلّ المصنف قدس‌سره اعتمد على حكاية فخر المحققين قدس‌سره من قوله : «قال والدي دام ظله : لا افتي فيها بشي‌ء» فإنّه موهم لتوقفه في المسألة في جميع كتبه.

(١) قال : «وعندي في هذه المسألة إشكال» (٢).

(٢) قال بعد نقل وجهي الإشكال : «وللنظر في كلّ من الطرفين مجال» (٣).

هذا تمام الكلام في الصورة الاولى ، وهي أن يبيع الواقف الوقف المنقطع من أجنبي. وظاهر المصنف ترجيح المنع.

(٣) أي : لو باع الواقف الوقف المنقطع من الموقوف عليه ، وهذا إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة في (ص ٢١٠). وفيها وجهان بل قولان ، أحدهما الجواز ، والآخر المنع.

واستظهر المصنف قدس‌سره الجواز أوّلا ، لوجود المقتضى وهو الملك ، وفقد المانع ، إذ ما يتصور كونه مانعا هو الغرر ، بتقريب : أن منفعة العين تنقسم ـ باعتبار اختصاصها بالموقوف عليه ـ إلى قسمين ، فقسم منها مملوكة له ، وهي مدة حياته ، وقسم منها مملوكة للواقف ، وهي ما بعد انقراض الموقوف عليه ، من جهة تبعيتها لملك العين ، وحيث إن مدّة حياة الموقوف عليه مجهولة فلم يعلم مقدار المنفعة التي يتملكها المشتري بالبيع ، فيبطل.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ١٤٠ ؛ إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٤٥٦. لكن نفى صاحب المقابس ظهور عبارة الإرشاد في جواز البيع فضلا عن صراحته فيه ، وإن نسبه إليه جمع منهم العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار ، ج ١٤ ، ص ٤٢٤.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٤٠٩.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ١٢٥.

٢١٧

المختصّ بمنفعة (١) الوقف ، فالظاهر جوازه ، لعدم الغرر.

ويحتمل العدم (٢) ، لأنّ معرفة المجموع المركّب من ملك البائع وحقّ

______________________________________________________

ونفى المصنف قدس‌سره شبهة الغرر هنا ، ووجهه : أنّ ما يعتبر العلم به في صحة البيع ـ وهو العلم بالمبيع ذاتا وصفة ـ حاصل ، والجهل بخصوصية المنفعة وإن كان محقّقا ، لكنه غير قادح في صحته ، ولذا جوّزوا بيع الشاة ذات اللبن مع الجهل بقدر ما يحلب منها.

وفي المقام لمّا كانت المنفعة مملوكة للموقوف عليه قبل شراء الرقبة وبعده ، لم يقدح الجهل بمدّة حياته ـ المستتبع للجهل بزمان تملك المنفعة بتبعيتها لملك الرقبة ـ في صحة البيع. نعم لو كان المشتري أجنبيا غير مستحق للمنفعة كان تملك العين مسلوبة الفائدة مدّة غير مضبوطة موجبا لثبوت الخيار له بين الإمضاء والفسخ ـ في صورة الجهل ـ دفعا للضرر.

وهذا القول نقله صاحب المقابس قدس‌سره عن الفاضل الصيمري حاكيا له عن مشايخه في بيع العين المحبوسة على المحبوس عليه والمعمّر ، واستحسنه. فراجع (١).

(١) هذه الكلمة ظاهرة في أن الموقوف عليه مختص بالمنفعة لا بالانتفاع ، ولذا يجوز له تفويضها إلى الغير ، كما سيأتي.

(٢) أي : عدم الجواز ، وهذا ثاني الوجهين ، وتقدم تقريب الغرر آنفا ، والمقصود سراية الجهالة من المنفعة المملوكة للواقف إلى المبيع ، بدعوى كونها موزّعة على الواقف والموقوف عليه ، ولم يعلم حصة كل منهما منها ، فالعين وإن كانت معلومة ، إلا أن مقدارا من المنافع تابعة لها ومنضمة إليها ، وحيث إن هذه الضميمة مجهولة المقدار سرى الجهل إلى المبيع من حيث المجموع ، فيبطل بيعه.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٥.

٢١٨

المشتري لا يوجب معرفة المبيع (١).

وكذا (٢) لو باعه ممّن (٣) انتقل إليه حقّ الموقوف عليه.

نعم (٤) ، لو انتقل إلى الواقف ثم باع صحّ جزما.

وأمّا (٥) مجرّد رضا الموقوف عليهم ، فلا يجوّز البيع من الأجنبي ، لأنّ

______________________________________________________

(١) فيصر مجهولا فيبطل البيع.

لكن فيه ما تقدم في تقريب عدم الغرر في بيع السكنى الموقتة بعمر أحدهما ، فإن مقتضاه صحة البيع من الموقوف عليهم وغيرهم ، إذ الغرر الناشئ في المنفعة من الجهل بمدة الحياة ليس مانعا عن البيع ، لعدم كونه في شي‌ء من العوضين.

(٢) يعني : أن الظاهر جواز البيع كما يحتمل عدمه.

وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة ، وهي ما إذا انتقل حق الموقوف عليه ـ بالصلح ـ إلى أجنبي ، فصار هو المستحق للمنفعة ، ثم اشترى الموقوفة. والوجه في جواز البيع وجود المقتضي وفقد المانع ، كما تقدم في الصورة الثانية.

(٣) ليس المراد بمن انتقل إليه الحق البطن اللاحق للموقوف عليه ، إذ لو كان كذلك لم يصح التعبير بالانتقال ، لأنّه يتلقّى ملك المنفعة من الواقف بمجرد انقضاء من قبله.

(٤) ظاهره الاستدراك على قوله : «فالظاهر جوازه» يعني : أن احتمال منع البيع المتطرق في الصورة الثانية والثالثة لا مجال لها في الصورة الرابعة ، وهي التي ينتقل حق الموقوف عليه إلى الواقف. ومنشأ الجزم بالصحة كون المنفعة بتمامها ملكا له حال البيع ، فلا يبقى منشأ لشبهة الغرر من جهة تبعض المنفعة ـ بين الواقف والموقوف عليه ـ في فترة من الزمان.

(٥) هذا كالاستدراك على قوله : «صحّ جزما» وتمهيد للنظر في ما حكاه صاحب المقابس عن الفاضل المقداد قدس‌سرهما. وتوضيحه : أنّه لمّا جزم المصنف قدس‌سره بصحة بيع الواقف بعد انتقال حق الموقوف عليهم إليه ، اتّجه السؤال بأنّ المعتبر في صحة بيع

٢١٩

المنفعة مال (١) لهم ، فلا تنتقل (٢) إلى المشتري بلا عوض.

______________________________________________________

الواقف هل هو الصلح على المنفعة التي هي حقّ للموقوف عليهم كي ينتقل إليه ، فيكون المبيع ـ عينا ومنفعة ـ مملوكا له ، أم أنّه يكفي إذن الموقوف عليهم في صحة تصرفات الواقف وإن لم تدخل المنفعة في ملكه؟

اختار شيخنا الأعظم الأوّل ، مستدلّا عليه بما حاصله : أنّ المقصود من بيع الواقف انتقال العين بجميع منافعها إلى المشتري لئلّا يلزم الغرر.

لكن إذن الموقوف عليه لهذا البيع مشكل ، سواء أكان المأذون فيه بيع العين أو المنفعة. أمّا الإذن في بيع العين ، فلا معنى له ، لكونها ملكا للواقف. وأمّا الرضا بنقل المنافع إلى المشتري فلا معنى له أيضا ، وذلك لأنّ انتقالها إليه لا بدّ أن يكون بعقد ناقل لها وهو الإجارة والصلح المفيد فائدتها ، والمفروض عدم تحقق شي‌ء منهما. ومعه لا موجب لتملّك المشتري للمنفعة المختصة بالموقوف عليهم ، ويكون المنتقل إليه هو العين المسلوبة منفعتها.

نعم ، يمكن تصحيح انتقال المنفعة إلى المشتري بأحد وجهين سيأتي بيانهما.

(١) مراده قدس‌سره من كون المنفعة مالا للموقوف عليهم هو عدم قبولها للانتقال إلى المشتري بلا عوض ، فيتوقف تملكها على نواقل المنفعة. وليس المراد أنّ هذه المنفعة الخاصة مال غير قابل للدخول في ملك الغير. وذلك لأنّ شأن المال ـ بما هو مال ـ ليس عدم الانتقال إلى الغير بلا عوض ، فالهبة والصلح المفيد فائدتها ناقلان للمال ، والمفروض عدم تحقق ناقل المنفعة بعد.

(٢) يعني : أنّ المنفعة لا تنتقل إلى المشتري ، لأن البيع تمليك العين لا تمليك المنفعة ، بل المنفعة تملك في البيع بتبعية العين ، والمفروض فقدان قاعدة التبعية هنا ، إذ المنفعة ملك لغير مالك العين ، فلا تجري فيها قاعدة التبعية. فرضا الموقوف عليهم ـ لو أثّر ـ يصحّح البيع بالنسبة إلى نفس العين ، فتنتقل العين مسلوبة المنفعة إلى المشتري ، وانتقال المنفعة إليه منوط بناقل آخر ، ولم يتحقق بعد.

٢٢٠