هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

فهي ـ على تقدير (١) قصورها ـ منجبرة بالشهرة ، فيندفع (٢) ما يدّعى من قصور دلالتها من جهات ، مثل : عدم ظهورها في المؤبّد (٣) ، لعدم ذكر البطن اللاحق ، وظهورها (٤) في عدم إقباض الموقوف عليهم ،

______________________________________________________

ما تقدم كلامه في الأقوال ، فراجع (١).

ومنها : أن البائع لمّا كان هو الواقف جاز البيع له من جهة عدم تمامية الوقف ، إذ لا قرينة في المكاتبة على تحقق القبول من الموقوف عليهم ، مع اعتباره في الوقف. قال الشهيد قدس‌سره : «لو سلمت المكاتبة فلا دلالة في الصدر ، إذ الوقف مشروط بالقبول إذا كان على غير الجهات العامة ، ولم ينقل أنّ الإمام عليه‌السلام قبل الوقف ، وإنّما قبل الجعل وأمر ببيعه. وحمله على هذا أولى ، لموافقته الظاهر» (٢).

ومنها : عدم تمامية الوقف من جهة عدم نحقق القبض ، وهو شرط فيه ، فجاز بيعه لبقائه على ملك الواقف. وهذا مختار جماعة كالعلّامة المجلسي وأصحاب الوسائل والحدائق والجواهر.

وهذه الجهات إن أمكن رفعها لم يكن قصور في دلالة المكاتبة على بيع الوقف المؤبّد في الصور الأربع. وإن أشكل حلّها لم تقدح في الاستدلال ، لأنّ غاية ما يلزم ضعف الدلالة ، وهو منجبر بعمل المشهور.

(١) هذه الكلمة تشهد بعدم تسلّم جهات الخلل ، وإمكان حلّها.

(٢) متفرع على وفاء المكاتبة بجواز بيع المؤبّد إمّا مع الجبر وإمّا بدونه.

(٣) هذه هي الجهة الاولى ، والقائل بعدم ظهورها في المؤبّد هو الصدوق قدس‌سره.

(٤) معطوف على «عدم» وهذه جهة ثانية ، أي : ومثل ظهورها في عدم تحقق الإقباض.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٥٥٢ ؛ من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٢٤١ ، ذيل الحديث : ٥٥٧٥.

(٢) غاية المراد ، ج ٢ ، ص ٢٨.

١٨١

وعدم (١) تمام الوقف ، كما عن الإيضاح ، وأوضحه (٢) الفاضل المحدّث المجلسي ، وجزم به (٣) المحدّث البحراني ، ومال إليه (٤) في الرياض.

قال الأوّل (٥) ـ في بعض حواشيه على بعض كتب الأخبار ـ : «إنّه يخطر

______________________________________________________

(١) معطوف على «عدم إقباض» وهذه هي الجهة الثالثة ، يعني : ومثل ظهور المكاتبة في عدم تمامية الوقف بعدم لحوق القبول بالإيجاب ، كما لعلّه مراد فخر المحققين قدس‌سره. حيث قال : «والجواب عن الرواية حملها على عدم تمام الوقف. وظاهرها يدل عليه» (١).

(٢) أي : وأوضح العلّامة المجلسي إشكال عدم إقباض الوقف من الموقوف عليهم.

(٣) أي : بظهورها في عدم الإقباض ، قال صاحب الحدائق قدس‌سره : «والمعتمد عندي في معنى هذه الرواية ما وقفت عليه في كلام شيخنا المجلسي ...» وقال بعد نقل تمام كلامه : «وإلّا فإنّه لا معنى للخبر غير ما ذكره ، فإنّه هو الذي ينطبق عليه سياقه. ويؤيّده ـ زيادة على ما ذكره ـ أنّ البيع في الخبر إنّما وقع من الواقف ، وهو ظاهر في بقاء الوقف في يده» (٢).

(٤) لقوله بعد كلام العلّامة المجلسي قدس‌سره : «ولنعم ما قاله» لكنه قدس‌سره تنظّر في دلالة المكاتبة ـ على عدم الاقباض ـ بما سيأتي من مناقشة المصنف قدس‌سره ، وعوّل في آخر كلامه على العمل بالمكاتبة من جهة اعتضادها بفهم الطائفة والشهرة والاجماعات المحكية ، فراجع (٣).

(٥) وهو العلّامة المولى المجلسي قدس‌سره ، أفاده في شرحه على تهذيب الأحكام

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٩٢.

(٢) الحدائق الناظرة ، ج ١٨ ، ص ٤٤٢ و ٤٤٣.

(٣) رياض المسائل ، ج ١٠ ، ص ١٧٥ ـ ١٧٦.

١٨٢

بالبال أنّه يمكن حمل الخبر (١) على ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم ، ولم يدفعها إليهم. وحاصل السؤال : أنّ الواقف يعلم أنّه إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف ويشتدّ ، لحصول (٢) الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم في (٣) تلك الضيعة أو في (٤) أمر آخر. فهل يدعها موقوفة ويدفعها إليهم ، أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد (٥) ،

______________________________________________________

لشيخ الطائفة ، وكذا في شرحه على الكافي. قال قدس‌سره : «والذي يخطر بالبال أنّه ... الخ».

(١) التعبير بالحمل من جهة عدم ذكر لفظ «القبض» في شي‌ء من السؤالين ، وإن أمكن استفادته من القرائن.

(٢) هذا منشأ علم الواقف ـ قبل الوقف ـ بحصول الاختلاف بين الموقوف عليهم ، والمختلف فيه إما التصدي لشئون الضيعة ، كما إذا اطّلعوا على أنّ مالك الضيعة وقفها عليهم وإن لم يدفعها إليهم بعد ، فرأى نزاعهم في ذلك ، بأن أراد كلّ منهم أن يكون أمرها بيده ، أو أراد أحدهم زراعتها ، وتوزيع غلّتها على الموقوف عليهم ، وأراد الآخر إجارتها. وهكذا.

وإمّا أمر آخر غير القيام بشأن الضيعة ، كما إذا كانت بينهم عداوة قديمة ، وخاف الواقف ـ من أمارات الحال ـ أن تشتد تدريجا ، فلم يأمن من إقباضهم إيّاها ، لأداء تلك الخصومة إلى نزاع في الوقف أيضا. فسأل مالك الضيعة عن أفضل الفردين ، هل هو البقاء على الوقف وتسليم الضيعة؟ أم بيعها وتوزيع الثمن عليهم.

(٣) متعلق ب «الاختلاف» وهذا أحد موردي إختلاف أهل الوقف.

(٤) هذا إشارة إلى ثاني موردي الاختلاف ، وتقدم بقولنا : «وإمّا أمر أخر غير القيام بشأن الضيعة».

(٥) من جهة عدم تسليم الموقوفة للموقوف عليهم.

١٨٣

ويدفع إليهم ثمنها؟ (١) (*) أيّهما أفضل؟» انتهى موضع الحاجة (١).

والإنصاف : أنّه توجيه حسن (٢) (**)

______________________________________________________

(١) إحسانا لمن أراد المالك وقف ضيعته عليهم ، إذ السؤال عن الفضل لا عمّا يجب على مالك الضيعة.

(٢) فإنّ المكاتبة وإن صارت أجنبية عن الصور الأربع المذكورة ، لفرض عدم تمامية الوقف في مورد السؤال ، ولكن تسلم بهذا التوجيه من السؤال عن أنّه كيف جاز بيع الحصص غير المقبوضة ، مع أن المتسالم عليه اعتبار القبض في الوقف؟

وقد يؤيّد هذا الحمل بما في الحدائق من : أن البائع هو الواقف ، ولو تمّ الوقف كان أجنبيّا عنه ولم يجز له البيع.

وقال صاحب المقابس : «ومن أعظم ما يدلّ عليه ـ أي على عدم تحقق القبض ـ وإن غفل عنه ولم يستند إليه : أنّ خمس الموقوف جعل للإمام عليه‌السلام بطريق

__________________

(*) لا وجه لدفع الثمن حينئذ إليهم بل الثمن ملك الواقف ، إذ القبض إمّا شرط الصحة وإما شرط اللزوم. وعلى التقديرين يكون الرجوع مبطلا للوقف وموجبا لرجوعه إلى ملك الواقف ، فيكون الثمن حينئذ ملكا لنفس الواقف لا للموقوف عليهم حتى يدفعه إليهم. فالحمل على ما قبل القبض بعيد غايته.

إلّا أن يراد السؤال عن الأفضل ، لا عن الواجب المتعيّن ، هذا.

(**) لكن الإنصاف أنّه لا داعي ـ مع فرض نقصان الوقف وعدم تماميته بعدم تحقق القبض ـ إلى تعليق جواز البيع بالاختلاف وأمثليته ، بل لا وجه لهذا التعليق ، ضرورة عدم إناطة جواز البيع به في صورة عدم تمامية الوقف كما لا يخفى.

__________________

(١) ملاذ الأخيار ، ج ١٤ ، ص ٤٠٠ ؛ ونحوه في مرآة العقول ، ج ٢٣ ، ص ٦١.

١٨٤

لكن (١) ليس في السؤال ما يوجب ظهوره

______________________________________________________

الإشاعة ، وكان الواقف ينتظر أمره عليه‌السلام في حصته حتى يبيعها أو يقوّمها على نفسه أو يدعها موقوفة. ومن هذا حاله كيف يسلّم الضيعة إلى الموقوف عليهم قبل أن يأتيه أمره؟ فعدم حصوله ـ أي حصول القبض ـ كالمقطوع به. وهو ظاهر لا مرية فيه ، ولا شبهة تعتريه ...» (١).

(١) غرضه المناقشة في حمل المكاتبة على عدم حصول القبض ، وهي مبتنية على مقدمتين :

الاولى : أن أمره عليه‌السلام في صدر المكاتبة ببيع حصته من الوقف ، وبيع سائر الحصص في الذيل ـ عند إختلاف أربابه ـ مبني على سؤال ابن مهزيار وناظر إليه. والمفروض أنّ السؤال صالح في نفسه لأن يراد منه استعلام حكم الضيعة مطلقا سواء أكان قبل دفعها إلى الموقوف عليهم أو إلى وكيلهم ، أم بعده. وليس فيه قرينة على عدم تحقق القبض ليختص الجواب بحكم هذه الحالة.

الثانية : أن الإمام الجواد عليه‌السلام لم يستفصل من السائل أنّ الموقوف عليهم تسلّموا الضيعة أم لا؟ وإنّما أمر بالبيع بلا قيد.

ونتيجة المقدمتين انعقاد الإطلاق في جوابه عليه‌السلام ، وهو حجة. ورفع اليد عنها بحمل السؤال على مورد لم يتحقق فيه القبض طرح لأصالة الإطلاق بلا قرينة على التقييد.

وهذا الإشكال أورده سيّد الرياض على العلّامة المجلسي قدس‌سرهما ، بقوله : «لعدم صراحته في عدم القبض ، بل ولا ظهوره فيه. وترك الاستفصال في الجواب عن حصول القبض وعدمه يقتضي عدم الفرق بينهما في الحكم» (٢).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٠.

(٢) رياض المسائل ، ج ١٠ ، ص ١٧٥ ؛ وحكاه عنه صاحب المقابس بعنوان بعض مشايخنا ، مقابس الأنوار ، ص ٦٠.

١٨٥

في ذلك (١) ، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى (٢) ترك الاستفصال في الجواب.

كما أنّ (٣) عدم ذكر البطن اللّاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع ، إذ كثيرا ما يقتصر ـ في مقام حكاية وقف مؤبّد ـ على ذكر بعض البطون ، فترك الاستفصال عن ذلك (٤) يوجب ثبوت الحكم للمؤبّد.

والحاصل (٥):

______________________________________________________

(١) أي : في عدم تحقق القبض ، وهو كذلك. ثم انّ هذا إشارة إلى عدم قصور المكاتبة من حيث الدلالة ، حيث إنه على تقدير ظهورها في عدم تحقق القبض لا تصلح لإثبات جواز بيع الوقف المؤبد التام بإختلاف أربابه.

(٢) وهو جواز البيع في الوقف المؤبّد.

(٣) هذا إشارة إلى ما تقدم بقوله في (ص ١٨١) : «مثل عدم ظهورها في المؤبّد» من قصور آخر في دلالة المكاتبة.

ملخّص القصور : أن عدم ذكر البطن اللاحق يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع ، فلا تكون المكاتبة دليلا على جواز بيع الوقف المؤبد الذي هو محل البحث.

ومحصل دفعه : أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب الظهور المذكور ، إذ الحكاية تكون بالنسبة إلى الجهة المبتلى بها ، وهي في المقام إختلاف البطن الموجود. فعدم ذكر سائر البطون حينئذ لا يدل على كون الوقف منقطعا حتى لا تنطبق الرواية على الوقف المؤبد. وحيث كان ذكر بعض البطون متعارفا في قسمي الوقف ، ولم يستفصل عليه‌السلام عن أن مورد السؤال دائم أو منقطع ، انعقد الإطلاق في أمره بالبيع لكلا القسمين ، كما انعقد بترك الاستفصال عن حصول القبض وعدمه.

(٤) أي : عن كون الوقف منقطعا أو مؤبّدا.

(٥) هذا حاصل ما تقدم بقوله في (ص ١٧٨) : «لكن الإنصاف أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية ...» ومحصله : أنّ هنا أمرين :

أحدهما : إحراز عمل المشهور بالمكاتبة لجبر ضعف دلالتها على جواز بيع

١٨٦

أنّ المحتاج إلى الانجبار بالشهرة (١) ثبوت حكم الرواية للوقف التام المؤبّد ، لا تعيين (٢) ما انيط به الجواز (*) من كونه مجرّد الفتنة أو ما يؤدّي الفتنة

______________________________________________________

الوقف المؤبّد الذي تمت وقفيته بالقبض والقبول. وهذا ثابت بشهادة مثل الشهيد الثاني قدس‌سره : «والقول بجواز البيع في الجملة للأكثر ، ومستنده صحيحة علي بن مهزيار» (١). فلا مجال لشبهة إعراض المشهور عن العمل بالمكاتبة.

ثانيهما : إحراز مناط جواز البيع ، وهو أمر اختلف المشهور فيه ، كما تقدم في الصورة السابعة إلى العاشرة ، فلم تتفق فتاواهم على استظهار مسوّغ واحد منها ، بل اختلفت أفهامهم فيها.

ومقصود المصنف قدس‌سره : أنّ المقدار اللازم في مقام التمسك بالمكاتبة هو إحراز استنادهم إليها في جواز بيع الوقف المؤبّد التام ، وهو حاصل كما مرّ. وأمّا استظهار مجوّز خاص فغير ثابت ، ولكن لا يقدح عدم ثبوته في تحقق الجبر بالعمل.

(١) ووجه الحاجة إلى الجبر هو ضعف دلالتها على جواز بيع المؤبد التام ، إما لشبهة انقطاع الوقف ، كما ذهب إليه الصدوق ومن تبعه. وإمّا لشبهة عدم تمامية الوقف كما استظهره فخر المحققين وغيره ، فلذا احتاج إلى الانجبار بالشهرة كما مرّ بقولنا : «أحدهما إحراز عمل المشهور ...».

(٢) معطوف على «المحتاج» يعني : أن تعيين مجوّز البيع غير محتاج إلى جبر ضعفه بالعمل ، بل يكفي فيه فهم الفقيه واستظهاره من الرواية.

__________________

(*) لا يخلو من غموض ، إذ ملاك الاحتياج إلى الجبر ـ وهو ضعف الدلالة بالنسبة إلى مناط الجواز كنفس الجواز ـ موجود أيضا. فبناء على جبر ضعف الدلالة بالشهرة لا فرق بين كون ضعفها بالنسبة إلى أصل الجواز ، وبين كون ضعفها بالنسبة إلى مناطه.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٩٨.

١٨٧

إليه (١) ، أو غير ذلك (٢) ممّا تقدم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين (٣).

نعم (٤) ، يحتاج إلى الاعتضاد بالشهرة من جهة اخرى ، وهي :

______________________________________________________

(١) من تلف خصوص الوقف ، أو مطلق المال ، أو المال والنفس.

(٢) من إحراز الأداء بالعلم أو الظن ، أو كفاية الاحتمال الموهوم.

(٣) وهما قوله عليه‌السلام في جواب المكاتبة : «وأعلمه أن رأيي إن كان قد علم الاختلاف ... الخ» وقوله عليه‌السلام : «فإنّه ربما جاء في الاختلاف ... الخ».

ففي الفقرة الأولى يحتمل موضوعية مطلق الاختلاف ، كما يحتمل موضوعية الاختلاف الخاص.

وفي الفقرة الثانية يحتمل كونه تعليلا حقيقيا أو مجرد تقريب للحكم ، كما تقدم تفصيل ذلك كله.

(٤) استدراك على قوله : «لا تعيين» من عدم الاحتياج إلى الاعتضاد بالشهرة في تعيين مناط الجواز. ومحصّله : وجود الحاجة إلى عمل المشهور بالرواية لأجل جبر ضعف دلالتها من جهة اخرى ، وهي ظهور تجويز البيع وتوزيع ثمنها على الموقوف عليهم في اختصاصه بالبطن الموجود. وهذا مخالف لما تقرّر في الصورة الاولى من اقتضاء بدلية الثمن عن المبيع كونه مشتركا بين جميع البطون لو كان الوقف مؤبّدا. والعمل بهذا الظاهر يتوقف على أحد امور :

الأوّل : التصرف في مفهوم «المعاوضة» كليّة ، بأن يقال بعدم اعتبار قيام العوض مقام المعوّض في جميع ما للمعوّض من خصوصية وإضافة ، فينتقل الوقف بالبيع إلى المشتري ، ولا ينتقل الثمن إلى الملّاك ، بل إلى خصوص المالك الفعلي ، لا الشأني. هذا بناء على اشتراك الجميع في الثمن.

ولكن يمكن إبقاء المعاوضة على معناها المعهود ، والالتزام بتكلّف في خصوص بيع الوقف ـ إن كان لسدّ الفتنة ـ وهو سقوط حقّ الطبقات المعدومة عن الوقف آنا مّا قبل البيع ، وصيرورته ملكا لخصوص الموجودين ، فيقع البيع في ملكهم ، ومن

١٨٨

أنّ مقتضى القاعدة (١) ـ كما عرفت (٢) ـ لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين جميع البطون ، وظاهر (٣) الرواية تقريره عليه‌السلام للسائل في تقسيم ثمن الوقف

______________________________________________________

المعلوم اقتضاء المعاوضة اختصاص الثمن بالموجودين ، لخروج المعوّض عن ملكهم خاصة.

الثاني : حمل السؤال على الحبس الذي لا يخرج المحبوس عن ملك الحابس ، ونتيجته أجنبية الرواية عما نحن فيه من الوقف المؤبّد.

الثالث : حمله على الوقف المؤبّد الذي لم يتحقق شرط صحته أو لزومه ، وهو إمّا القبض ، وإما صيغة الوقف ، وإن وطّن نفسه على إنشاء وقفية الضيعة بعد تلقّي جواب الإمام عليه‌السلام ، هذا.

ثم استشهد المصنف قدس‌سره ببعض ما يؤيّد انقطاع الوقف أو عدم تماميته.

وعلى كلّ فلا بدّ من جبر ضعف الدلالة ـ من هذه الجهة ـ بفهم المشهور الوقف المؤبّد وإن لم تكن المكاتبة ظاهرة فيه.

(١) يعني : أنّ ضعف الدلالة مبني على القول باشتراك الجميع في الثمن ، فلو قيل باختصاصه بالبطن الموجود في جميع المسوّغات لم يكن في المكاتبة ضعف من هذه الجهة.

(٢) يعني : في الصورة الاولى ، حيث قال : «ومما ذكرنا يظهر أنّ الثمن على تقدير البيع لا يخصّ به البطن الموجود ...» فراجع (١).

(٣) يعني : والحال أن ظاهر الرواية تقرير الإمام عليه‌السلام للسائل في اختصاص الثمن بالموجودين ، لقول السائل : «فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ، ويدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته» وقرّره عليه‌السلام بقوله : «إن كان قد علم الاختلاف بين أرباب الوقف ... فليبع».

وهذا التقرير أحد الوجوه الموجبة لظهور الرواية في الوقف غير التام.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٦٢٧.

١٨٩

على الموجودين ، فلا بدّ (١) : إمّا من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة إلّا (٢) بتكلّف سقوط حقّ سائر البطون عن الوقف آنا مّا قبل البيع ، لتقع المعاوضة في مالهم. وإمّا (٣) من حمل السؤال على الوقف المنقطع ، أعني الحبس (٤) الذي لا إشكال في بقائه على ملك الواقف (٥) ، أو (٦) على الوقف غير التام ، لعدم القبض ، أو لعدم تحقق صيغة الوقف وإن تحقّق التوطين عليه ، وتسميته (٧) وقفا بهذا الاعتبار.

______________________________________________________

(١) مقصوده علاج ضعف الدلالة ، وقوله : «إمّا» إشارة إلى ما تقدم بقولنا : «الأوّل : التصرف في مفهوم المعاوضة كليّة ...».

(٢) متعلق ب «رفع اليد» فبناء على هذا التكلف تبقى المعاوضة على معناها الحقيقي. وإن كان من الممكن تبديل «إلّا» ب «أو» أو «إما» ليكون المعنى : «إمّا برفع اليد ... وإمّا بالالتزام بسقوط حق سائر البطون عن الوقف ، حفظا لمفهوم المعاوضة الحقيقية».

(٣) معطوف على «إمّا» وتقدم توضيحه بقولنا : «الثاني حمل السؤال على الحبس».

(٤) يعني : أن المراد ليس هو الوقف المنقطع الذي اختلفوا في خروج الملك فيه عن ملك الواقف وعدمه ، بل المقصود من المنقطع هو الحبس.

(٥) فيكون تقسيم الثمن على الجماعة تفضلا عليهم وإحسانا لهم ، لا لكونه ملكا لهم.

(٦) معطوف على «على الوقف المنقطع» وتقدم آنفا بقولنا : «الثالث».

(٧) كأنّه أراد دفع توهم ، وهو : أنه لو لم يتم الوقف لم يكف مجرّد توطين النفس في صيرورة الضيعة وقفا ، لصحة سلب العنوان حقيقة ، مع أن الوارد في كلام الإمام والسائل هو «الوقف» فلا بدّ أن يكون قد تمّ الوقف حينئذ ، ولا يتجه الحمل الأخير.

١٩٠

ويؤيّده (١) : تصدّي الواقف بنفسه للبيع ، إلّا أن يحمل (٢) على كونه ناظرا ، أو يقال (٣) : إنّه أجنبي استأذن الإمام عليه‌السلام في بيعه حسبة.

بل يمكن (٤) أن يكون قد فهم الإمام عليه‌السلام من جعل السائل قسمة الثمن بين

______________________________________________________

فدفعه المصنف قدس‌سره بأنّه لا مانع من تسميته وقفا باعتبار ما يؤول إليه ، فإنّ التوطين يستتبع التلفظ بالصيغة.

(١) هذا ثاني الوجوه الموجبة لظهور الرواية في الوقف غير التام ، يعني : ويؤيّد حمل السؤال على الوقف غير التام تصدّي الواقف للبيع ، إذ لو تمّ الوقف وجاز بيعه لبعض المسوّغات جاز للموقوف عليه ، لا للواقف المفروض كونه أجنبيّا عن الموقوفة. وتقدم في (ص ١٨٢) أن صاحب الحدائق قدس‌سره أيّد بهذا المطلب كلام العلّامة المجلسي قدس‌سره.

والتعبير بالتأييد ـ دون الدلالة ـ لأعمية هذا التصدي من بقاء الضيعة على ملكه ، ولذا أورد عليه صاحب المقابس قدس‌سره بما في المتن من احتمال اشتراط النظارة والتولية لنفسه ، فجاز له البيع وإن لم يكن مالكا.

أو كون الواقف أجنبيا لكن استأذن من الإمام عليه‌السلام بيع الوقف قربة إليه تعالى لئلّا يؤدّي بقاؤه إلى الفتنة ، فأمره عليه‌السلام به. ولو باع بدون الاستيذان كان فضوليا غير نافذ كما هو واضح.

(٢) قال في المقابس : «فيمكن دفعه ـ أي دفع التأييد ـ باحتمال كون متولّي الوقف هو الواقف في حياته كما يتفق كثيرا» (١).

(٣) معطوف على «يحمل» والاستيذان منه منوط بعدم متولّ خاصّ له ، وإلّا فهو المتصدّي لذلك ، ولا يصير من الامور الحسبية.

(٤) الظاهر أن الداعي إلى بيانه هو سدّ باب ما يقتضيه ترك الاستفصال من

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦١.

١٩١

الموجودين مفروغا عنها ـ مع أنّ المركوز في الأذهان اشتراك جميع البطون في الوقف وبدله ـ أنّ (١) مورد السؤال هو الوقف الباقي على ملك الواقف (٢) ، لانقطاعه (٣) ، أو لعدم تمامه.

ويؤيّده (٤) : أنّ ظاهر صدره المتضمّن لجعل الخمس من الوقف للإمام عليه‌السلام

______________________________________________________

جواز بيع الوقف المؤبّد ، إذ المراد بقوله : «بل يمكن ... الخ» أن قاعدة البدلية وإن اقتضت كون الثمن مشتركا بين جميع البطون ، ولكن الإمام عليه‌السلام لمّا فهم من مفروغية قسمة الثمن بين البطن الموجود ـ عند السائل ـ أن مورد السؤال باق على ملك الواقف ، لم يحتج إلى الاستفصال. فترك الاستفصال حينئذ لفهم الإمام عليه‌السلام جهة السؤال ، فلا يحتاج إلى الاستفصال حتى يقال : إن تركه أمارة على عموم الجواب للوقف المؤبد ، والاحتياج إلى الاستفصال إنما يكون فيما لم يعلم جهة السؤال.

(١) الجملة منصوبة محلّا ، لكونها مفعولا ل «فهم».

(٢) لا خصوص المؤبّد ، ولا الأعم منه ومن المنقطع. والوجه في عدم احتمال شي‌ء منهما علمه عليه‌السلام بجهة السؤال وكون الوقف منقطعا ، أو غير تام.

(٣) علّة لبقاء الضيعة على ملك الواقف.

(٤) هذا ثالث الوجوه الموجبة لظهور الرواية في غير الوقف المؤبد التام.

وجه التأييد أنّ الواقف جعل خمس الضيعة لشخص الإمام عليه‌السلام ، ولم يذكر أنّه وقفه عليه عليه‌السلام وعلى أعقابه ، ومن المعلوم أنّ الوقف على الشخص ليس وقفا مؤبّدا. وتقدم في (ص ١٨٥) أن صاحب المقابس جعل عدم حصول القبض مقطوعا به ، هذا.

ولكن التعبير بالتأييد دون الدلالة والظهور لأجل إمكان ردّه ، بأن يقال : إن الخمس جعل وقفا على عنوان الإمام الذي هو كلي ، غاية الأمر أنّ مصداقه في كل عصر منحصر في واحد. وبلحاظ انطباق هذا العنوان على الإمام الجواد صلوات الله عليه قال السائل : «وجعل لك في الوقف الخمس».

١٩٢

هو هذا النحو (١) أيضا (٢).

إلّا أن يصلح (٣) هذا الخلل وأمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التّام ،

______________________________________________________

أو غير ذلك ممّا فصّل الكلام فيه صاحب المقابس قدس‌سره ، فراجعه (١).

(١) أي : كون الوقف منقطعا أو غير تام من جهة عدم القبض أو القبول.

(٢) يعني : كما أن ذيل المكاتبة ظاهر في انقطاع الوقف أو عدم تمامه.

قال المحقق الشوشتري قدس‌سره في عداد ما يوجّه به المكاتبة : «رابعها : ما ذكروه من عدم حصول القبول أو القبض ، فلم يكن ـ أي الوقف ـ لازما من طرف الإمام عليه‌السلام قطعا ، ولا من طرفه. لكن الرجوع في الوقف بعد التقرب به أمر مرغوب عنه شرعا مطلقا. وإذا كان ـ أي الوقف ـ على الإمام فالأمر فيه أشدّ ، بحيث إنّه يتلو اللازم ـ أي الوقف اللازم ـ في الحكم ...» (٢).

وقد تحصّل إلى الآن وجود الخلل في دلالة المكاتبة ، من جهة شبهة انقطاع الوقف أو عدم تماميته. ومع عدم ظهورها في المؤبّد يشكل الاستناد إليها في تخصيص عموم النهي عن شراء الوقف.

(٣) غرضه إصلاح الخلل وجبر ضعف الدلالة بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التام ، لانحصار مستندهم ـ في تجويز البيع في الصور الأربع المتقدمة ـ في المكاتبة ، ويقال : إنّ وهن ظهورها يرتفع بعمل المشهور بها في جواز بيع الوقف المؤبد بعروض الفتنة والاختلاف.

وبالنسبة إلى ظهورها في اختصاص الثمن بالموجودين : إمّا أن نلتزم بسقوط حق المعدومين آنا مّا قبل البيع ، وإمّا أن نمنع تقرير الإمام عليه‌السلام لجواز توزيع الثمن على الموجودين خاصة.

وتقريب المنع هو : أن دفع الثمن إلى الموقوف عليهم ورد في السؤال ، لا في

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٥٢ و ٥٣.

(٢) المصدر ، ص ٥٤.

١٩٣

ويقال (١) : إنّه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصّصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف ، وموجبا لتكلّف (٢) الالتزام بسقوط حقّ اللاحقين عن الوقف عند إرادة البيع ، أو (٣) نمنع تقرير الإمام عليه‌السلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين.

ويبقى الكلام في تعيين المحتملات (٤) في مناط جواز البيع ، وقد عرفت (٥) الأظهر منها.

______________________________________________________

الجواب ، ومن المعلوم أنّ العبرة بكلام المعصوم عليه‌السلام وتقريره ، وهو صلوات الله عليه وإن جوّز البيع ، لكنه لم يتعرض لحكم الثمن ، فيحتمل أنّه قرّر السائل في التوزيع على الموجودين. ويحتمل أنّه بيّن حكم البيع من دون نظر إلى ما يفعل بالثمن. ومع هذا الاحتمال يرتفع المحذور المتقدم أعني به ظهور الخبر في اختصاص الثمن بالموجودين.

(١) معطوف على «يصلح» ومفسّر له.

(٢) التعبير بالتكلّف لأجل أن الالتزام بسقوط حقّ اللاحقين مخالف لمفهوم المبادلة.

(٣) معطوف على قوله : «ويقال» ، يعني : يصلح هذا الخلل وأمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التام ، ونمنع تقرير الإمام عليه‌السلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين حتى يكون مخالفا لمفهوم المبادلة. وعليه فيتعين استفادة حكم الثمن من دليل آخر ، ولو كان ما يقتضيه حقيقة المعاوضة من اشتراك الكلّ فيه.

والمتحصّل إلى هنا : انجبار ضعف ظهور المكاتبة ـ في الوقف المؤبد ـ بعمل المشهور بها ، ويبقى تعيين مفادها في بعض الصور المتقدمة.

(٤) أي : محتملات المكاتبة ، حيث قال في (ص ١٧٤) : «والحاصل : أن جميع الفتاوى في جواز بيع الوقف ... مستندة إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة».

(٥) حيث قال في (ص ١٧٥) : «والأظهر في مدلولها هو إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس ...».

١٩٤

لكن في النفس شي‌ء (١) من الجزم بظهوره (٢). فلو اقتصر (٣) على المتيقّن من بين المحتملات ـ وهو الاختلاف المؤدّي علما أو ظنّا إلى تلف خصوص مال الوقف ، ونفوس الموقوف عليهم ـ كان (٤) أولى.

والفرق (٥) بين هذا القسم والقسم الأوّل من الصورة السابعة الذي جوّزنا

______________________________________________________

(١) وهو أن كلمة «ربما» تستعمل في الاحتمال والعلم والظن ، واستعمالها في الجميع شائع ، ولم تثبت أظهريته في الاحتمال حتى يكون الكلام ظاهرا فيه ، فيصير الكلام مجملا. ولا بدّ حينئذ من الأخذ بالمتيقن ، وهو العلم والظن ، بل العلم فقط ، إلّا أن يثبت إجماع عليه.

(٢) أي : بظهور الخبر في ما جعلناه سابقا أظهر محتملاته ، فهذا تأمّل في حسبان أظهرية الخبر في شموله للاحتمال الموهوم بأداء بقاء الوقف إلى الخراب ، حيث قال هناك : «ولا خصوص المؤدّي علما أو ظنّا».

(٣) هذا نتيجة الدغدغة في ما استظهره سابقا من المكاتبة. ومقصوده الاقتصار على المتيقن المستفاد منها وهو العلم أو الظن بأداء الاختلاف إلى تلف خصوص الوقف وخصوص أهله ، فلا عبرة بالاحتمال ، ولا بغير الاختلاف من موجبات الخراب والتلف ، ولا بتلف غير الوقف وغير الموقوف عليهم.

(٤) جواب قوله : «فلو اقتصر».

(٥) غرضه بيان الفرق بين ما ركن إليه أخيرا بقوله : «وهو الاختلاف المؤدي ...» وبين تجويزه البيع في أوّل قسمي الصورة السابعة.

ومحصل الفرق : أنّ المناط في القسم الأوّل هو الخراب المسقط لمنفعة الوقف رأسا. ولكن المناط المستفاد من المكاتبة ـ بقرينة مورد السؤال وهو الضيعة ـ تلف المال ، سواء صدق عليه تلف الوقف أم لا ، لوضوح عدم استلزام تلف الضيعة انعدام تمام منافعها ، فلو لم تصلح للزراعة ـ بسبب غور مائها مثلا ـ أمكن الانتفاع بها بإيجارها لأمر آخر.

١٩٥

فيه البيع : أنّ المناط في ذلك القسم العلم أو الظّنّ بتلف الوقف رأسا (١). والمناط (٢) هنا خراب الوقف الذي يتحقق به تلف المال وإن لم يتلف الوقف ، فإنّ (٣) الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف.

وليس المراد من التلف في الرواية (*) تلف الوقف رأسا حتى يتّحد مع ذلك القسم المتقدم ، إذ لا يناسب هذا (٤) ما هو الغالب في تلف الضيعة (٥) التي

______________________________________________________

فلو كانت عوائد الضيعة العامرة ألف دينار سنة ، وأدّى إختلاف أربابها إلى نقص العوائد بمقدار خمسمائة دينار ، صدق «أداء الاختلاف إلى تلف المال» لكون ما يعود منها مالا كنفس الضيعة ، وإن لم يصدق عنوان تلف الوقف بقول مطلق. والعبرة في المكاتبة بتلف المال ، لا بتلف الوقف حتى يختص مدلولها بالقسم الأوّل من الصورة السابعة.

(١) لأنه جعل عنوان القسم الأول : تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّ به عرفا.

(٢) معطوف على «المناط» والمشار إليه بقوله هنا : «ما استقرّ عليه رأيه أخيرا ، حيث قال : «فلو اقتصر على المتيقن من بين المحتملات ... كان أولى».

(٣) تعليل لوجه العدول عن تجويز البيع في خصوص أوّل قسمي الصورة السابعة ، وتقدم توضيحه آنفا.

(٤) المشار إليه هو تلف الوقف رأسا.

(٥) نعم ، قد يكون تلف غير الضيعة ـ كالدار والحمام والدكان الموقوفة ـ

__________________

(١) هذا صحيح إن لم يكن المراد بتلف المال تلف العين الموقوفة ، وإلّا فظاهر التلف المطلق هو تلف الوقف رأسا ، فيتحد مع القسم الأوّل من الصورة السابعة ، وإن لم يكن المراد بتلف المال تلف العين الموقوفة بل أعم منها ومن منافعها ، كان أعمّ مطلقا من القسم الأوّل.

١٩٦

هي مورد الرواية (١) ، فإنّ تلفها غالبا لسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها (٢).

ثمّ إنّ (٣) الظاهر من بعض (٤) العبائر المتقدمة ـ بل المحكي عن الأكثر (٥) ـ أنّ الثمن في هذا البيع (٦) للبطن الموجود. إلّا أنّ ظاهر كلام جماعة (٧)

______________________________________________________

بمعنى سقوطها عن الفائدة رأسا ، كما تقدم في الصورة الثانية والثالثة.

(١) ولا بد من أن يراد بتلف الضيعة قلة عوائدها لا الخراب بالمرّة ، لأنّ موردية الضيعة للسؤال توجب نصوصية جواز البيع فيها.

(٢) يعني : وليس تلفها بسقوطها عن المنفعة رأسا.

(٣) غرضه من هذه العبارة إلى آخر البحث تحقيق جهة اخرى مما يتعلق بالمكاتبة ، وهي تعيين حكم الثمن من حيث اختصاصه بالموجودين حال البيع ، أو شركة الجميع فيه ، وتوجيه كلام المحقق الثاني قدس‌سره ومن تبعه بوجهين كما سيأتي.

(٤) كقول الشيخ المفيد قدس‌سره : «فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه».

(٥) لم أقف على من حكاه عن الأكثر ـ بقول مطلق بعد ملاحظة مفتاح الكرامة والمقابس (١) والجواهر وبعض آخر. ولعلّ مراد الحاكي أن الاختصاص رأي أكثر القدماء ، وهو لا يخلو من وجه ، فإنّ السيدين ادّعيا الإجماع على ذلك ، ونقله السيد العاملي عن المفيد وأبي يعلي ، والشيخ في النهاية والمبسوط ، والقاضي في المهذّب (٢).

(٦) أي : بيع الوقف لدفع الخلف بين الموقوف عليهم ، في قبال بيعه لأجل الخراب الفعلي كما تقدم في الصورة الاولى ، فلقائل أن يقول بوجوب التبديل هناك دون ما نحن فيه.

(٧) وهم العلّامة ـ في التذكرة والمختلف ـ وأكثر من تأخّر عنه كالفاضل

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٦.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٤ ، وج ٩ ، ص ٨٨.

١٩٧

ـ بل صريح بعضهم كجامع المقاصد (١) ـ هو : أنّه يشترى بثمنه ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف ، تحصيلا (٢) لمطلوب الواقف بحسب الإمكان.

وهذا (٣) منه قدس‌سره مبني على منع ظهور الرواية في تقرير السائل في قسمة

______________________________________________________

السيوري وابن فهد والشهيد الثاني والفيض الكاشاني وغيرهم ، كما حكاه عنهم السيد العاملي قدس‌سره (٢).

(٢) تعليل لوجوب شراء البدل.

(٣) أي : وجوب شراء بدله إن أمكن ، وغرضه توجيه فتوى المحقق الثاني بعدم اختصاص الثمن بالبطن الموجود. وتوضيحه : أنه قدس‌سره استدلّ بمكاتبة ابن مهزيار على جواز البيع إذا حصل خلف بين أربابه ، كما أنه استدل برواية جعفر بن حيّان على جوازه إن لحقت حاجة شديدة بالموقوف عليهم. وحكمه بوجوب شراء البدل في الأوّل يمكن توجيهه بوجهين :

إمّا منع ظهور جواب الإمام عليه‌السلام ـ في المكاتبة ـ في تقرير السائل في قسمة الثمن على الموجودين خاصة ، بأن يكون الجواب ناظرا إلى أصل جواز البيع في مورد الاختلاف.

وإمّا منع العمل بهذا الظهور بعد تسليمه ، ووجه المنع معارضته بما هو أقوى منه من اقتضاء المعاوضة والمبادلة قيام الثمن مقام المثمن في ما كان له من اختصاص وإضافة ، وحيث إنّ المثمن ملك فعلي للموجودين ، وشأني للّاحقين ، كان الثمن مثله ، ولا يختص بالطبقة الحاضرة حال البيع. هذا مبنى نظر المحقق الثاني قدس‌سره.

لكن لا يتم شي‌ء منهما. أمّا الثاني فلمنافاته لقوله باختصاص الثمن بالموجودين لو بيع الوقف للحاجة الشديدة. وجه المنافاة : أن الدليل على اختصاص

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧ ، وتقدم كلامه في الأقوال ، فراجع ج ٦ ، ص ٥٦٩.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٢٥٤ وج ٩ ، ص ٨٨.

١٩٨

الثمن على الموجودين ، أو على (١) منع العمل بهذا التقرير في مخالفة مقتضى قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل كالمبدل.

لكن الوجه الثاني (٢) ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة ، تمسّكا برواية جعفر (*) ، فيتعيّن الأوّل ، وهو منع التقرير ،

______________________________________________________

الثمن بالبطن الموجود ـ فيما إذا كان مسوّغ البيع حاجة أرباب الوقف ـ هو تقرير رواية جعفر بن حيّان المتقدمة ، وهذا التقرير بعينه موجود في المقام وهو إختلاف الموقوف عليهم. فالبناء على حجية التقرير هناك بحيث تخصص به عمومات المنع عن بيع الوقف ينافي البناء على عدم حجية التقرير في المكاتبة في صورة خلف أرباب الوقف. فلا وجه للتفكيك في الحجية بين التقريرين ، بل لا بدّ من الالتزام بحجيته في المقامين أو الالتزام بعدمها فيهما ، ولا معنى للتفصيل بينهما.

وبالجملة : أن المعاوضة لو اقتضت اشتراك الجميع في البدل كالمبدل ، امتنع الحكم بصرف الثمن في حاجة الموجودين ، بل اللازم كونه مشتركا بين الكلّ ، فتصريح المحقق الثاني بعدم وجوب شراء البدل في هذا البيع مناف لمفهوم المبادلة.

وأمّا الأوّل ـ وهو منع التقرير ـ فيرده كونه خلاف مقتضى التأمل في المكاتبة ، لأنّ الظاهر مطابقة الجواب للسؤال بتمامه ، لا لجهة دون اخرى.

وعليه فينبغي جعل البيع للحاجة ولدفع الخلف من باب واحد ، وعدم وجوب التبديل في المقامين.

(١) معطوف على «على منع» وإشارة إلى الوجه الثاني المتقدم بقولنا : «وإمّا منع العمل ...».

(٢) غرضه إبطال الوجه الثاني بالمنافاة ، وتقدم توضيحه آنفا.

__________________

(١) هذا بناء على تصريحه في كتاب البيع ، ولكنه في باب الوقف أوجب شراء البدل في مورد الحاجة أيضا ، لقوله : «وإذا كان المجوّز للبيع حاجة الموقوف عليهم ،

١٩٩

لكنّه (١) خلاف مقتضى التأمل في الرواية.

______________________________________________________

(١) أي : لكنّ منع التقرير مخالف لظهور المكاتبة بعد التأمّل فيها.

هذا تمام الكلام في الوقف المؤبّد ، ويقع الكلام في المنقطع إن شاء الله تعالى.

__________________

وأمكن شراء ما تكفيهم غلته ويكون وقفا وجب» (١).

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٧١.

٢٠٠