هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

بالمكاتبة : أنّه كلّما (١) كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.

وفيه (٢) : أنّ المقصود جواز بيعه إذا أدّى بقاؤه إلى الخراب علما

______________________________________________________

(١) هذه الكلية مستفادة من العلية المنصوصة ، لأنّها كبرى للمورد بحسب الشكل الأول ، ومن المعلوم اعتبار كلية الكبرى فيه ، فكأنّه قيل : الاختلاف موجب لخراب الوقف ، وكل موجب له يجوّز بيعه ، فالاختلاف يجوّز بيعه.

(٢) ناقش المصنف قدس‌سره في الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في القسم الثاني من الصورة السابعة بوجوه ثلاثة :

الأوّل : عدم انطباق الدليل على المدّعى ، وبيانه : أنّ المقصود إثبات جواز البيع في صورة العلم أو الظن بتأدية بقاء الوقف إلى الخراب وقلّة منافعه ، كما تقدم في عنوان هذه الصورة ، وهو المعبّر عنه بالخشية تارة وبالخوف اخرى ، ومن المعلوم إناطة صدقهما بوجود أمارة مورثة للظن أو الاطمئنان بكون البقاء عرضة لتلف المال والنفس ، ولا يكفي مجرّد الاحتمال الموهوم.

والشاهد على اعتبار الأمارة الظنية ـ وعدم كفاية الوهم ـ ملاحظة بعض موارد إطلاق هذه الكلمة ، كقولهم بوجوب الإفطار مع خوف الضرر ، وبحرمة السفر مع خوف الهلاك.

ولكن الدليل ـ أعني به التعليل الوارد في المكاتبة ـ يفيد شيئا آخر ، وهو جواز البيع عند الاحتمال الموهوم بالتلف ، وذلك لظهور كلمة «ربما» في الأعم من الوهم والشك والظن ، ولا يختص بما إذا كان مدخولها مظنونا. ولازم الأعمية هو الحكم بجواز البيع حتى لو كان احتمال أداء بقاء الوقف إلى التلف مرجوحا ، واحتمال عدم أدائه إليه راجحا. مع أنه لا سبيل للالتزام بالجواز في الاحتمال الضعيف كما لم يلتزم المجوّزون به ، بل خصّصوه بالعلم والظن ، هذا.

والحاصل : أن المدّعى جواز البيع عند خوف أداء بقاء الوقف إلى الخراب وقلة المنفعة ، وعدم جوازه في الاحتمال الموهوم والشك. والتعليل ب «فإنه ربما»

١٦١

أو ظنّا (١) ، لا مجرّد كونه (٢) ربما يؤدّي إليه ـ المجامع (٣) للاحتمال المساوي أو المرجوح ، على ما هو الظاهر من لفظة «ربما» (٤) (*) كما لا يخفى على المتتبّع

______________________________________________________

يدل على الجواز في الجميع ، ولا يمكن الالتزام به ، فلا بد من رفع اليد عن المكاتبة والتماس دليل آخر على الحكم.

هذا توضيح الوجه الأوّل ، وسيأتي الوجهان الآخران.

(١) إذ الخوف حالة نفسانية تحصل بالعلم أو الظن بالمخوف ، لا بالأعم منهما ومن الشك والوهم.

(٢) أي : كون البقاء ربما يؤدي إلى الخراب ولو احتمالا موهوما.

(٣) صفة ل «مجرّد كونه». والمراد بمجرد الأداء مطلقه ، سواء أكان معلوما أو مظنونا أو مشكوكا فيه أو موهوما.

(٤) يعني : أن إرادة الاحتمال المساوي والمرجوح نشأت من ظهور «ربما» في الأعم. ولعلّ منشأه ما نسب إلى بعض النحاة من : «أنّ ربّ للتقليل وكم للتكثير ، فلا يقال : ربما رأيته كثيرا» (١).

__________________

(*) هذا في غاية الغرابة ، فإن كلمة «ربما» عند أهل العربية تدل على قلة مدخولها وجودا ، كما في قولك : «ربّ رجل كريم لقيته» يعنى أن الكرام الذين لقيتهم قليلون بالنسبة إلى الرجال الكرام الذين لم ألقهم. في مقابل «كم» الخبرية التي تدل على الكثرة. وقد تستعمل «ربّ» بالتشديد مع «ما» أو بدونها في الكثرة.

قال في شرح الجامي : «وربّ للتقليل أي لإنشاء التقليل ، ولهذا وجب لها صدر الكلام ، كما أن ـ كم ـ وجب لها صدر الكلام ، لكونها لإنشاء التكثير ...» (٢).

__________________

(١) لسان العرب ، ج ١ ، ص ٤٠٨.

(٢) شرح الجامي ، ص ٣٣٨ ، طبعة بمبئي ١٣١٩.

١٦٢

لموارد استعمالاته ـ ولا أظنّ (١) أحدا يلتزم بجواز البيع بمجرّد احتمال أداء بقائه إلى الخراب ، لأنّ (٢) كلمات من عبّر بهذا العنوان ـ كما عرفت ـ بين (٣)

______________________________________________________

(١) هذا هو الإشكال على الاستدلال ، يعني : أن ظهور المكاتبة معرض عنه ، لعدم التزامهم بجواز بيع الوقف عند الشك في أن بقاءه يفضي إلى الخراب ، فضلا عن الوهم. ومن المعلوم سقوط الرواية الصحيحة سندا عن الحجية بترك العمل بظاهرها.

(٢) تعليل لعدم الظن بالالتزام ، وحاصله : الاستشهاد بكلام المجوّزين على اختصاص جواز البيع بالعلم بالأداء أو خوفه ، وعدم شموله للاحتمال.

(٣) خبر «لأنّ» يعني : أنّ تعبير المجوزين يكون إمّا «الأداء» الظاهر في

__________________

هذا مضافا إلى التأمل في أصل الدعوى. قال ابن هشام : «وليس معناها التقليل دائما ، خلافا للأكثرين. ولا التكثير دائما ، خلافا لابن درستويه وجماعة ، بل ترد للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا ...» فراجع (١).

وعلى كل تقدير لا تدل «ربما» على الاحتمال المتساوي أو المرجوح ، بل تدل على وجود مدخولها قليلا أو كثيرا. فعليه يمكن دعوى العلم بتحقق مدخولها.

ولعلّ من عبّر بالخوف ـ كما تقدم في كثير من العبارات المتعلقة بالمقام ـ غرضه العلم بالخراب.

وكيف كان ، فمناقشة المصنف في معنى «ربّ» ضعيفة جدّا.

فالإنصاف أن كلمة «ربما» تدل على وقوع محذور تلف المال والنفس عند إختلاف أرباب الوقف.

ويمكن تأييد دلالتها على الوقوع بمجي‌ء الماضي وهو ـ جاء ـ بعدها ، حيث إن الماضي يدل على تحقق النسبة ، فكأنّ الفعل المحقق الوقوع نزّل منزلة الماضي ، فأخبر عن وقوعه كما هو كثير في المحاورات العرفية.

__________________

(١) مغني اللبيب ، ج ١ ، ص ١٨٠ ، طبعة ١٩٦٤ دمشق.

١٦٣

قولهم : «أدّى بقاؤه إلى خرابه» (١) وبين قولهم : «يخشى (٢) أو يخاف (٣) خرابه».

والخوف (٤) عند المشهور كما يعلم من سائر موارد إطلاقاتهم ـ مثل قولهم : «يجب الإفطار (٥) والتيمم مع خوف الضرر» و«يحرم السفر مع خوف الهلاك» (٦) ـ

______________________________________________________

العلم به ، وإمّا «الخوف».

(١) كما ورد في عبارة بيع الشرائع (١).

(٢) كما في وقف الشرائع والتحرير (٢).

(٣) كما في الوسيلة وفقه القرآن وجامع الشرائع (٣).

(٤) أراد قدس‌سره بيان معنى «الخوف» بعد أن كان المدار عليه ، لا على مطلق الاحتمال.

(٥) قال المحقق قدس‌سره : «المرض الذي يجب معه الإفطار : ما يخاف به الزيادة بالصوم ، ويبني في ذلك على ما يعلمه من نفسه أو يظنّه ، لأمارة كقول عارف» (٤).

وقال في التيمم : «ولا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصّا أو سبعا ، أو يخاف ضياع مال. وكذا لو خشي المرض الشديد أو الشّين باستعماله الماء جاز له التيمم. وكذا لو كان معه ماء للشرب ، وخاف العطش أن استعمله» (٥).

(٦) قال الشهيد قدس‌سره : «ولو سلك طريقا مخوفا على النفس يغلب معه ظنّ التلف فالأقرب أنه عاص بسفره فلا يترخّص» (٦) ، ونحوه كلام العلّامة قدس‌سره ، فراجع (٧).

وقال المصنف قدس‌سره : «وكذا لا خلاف بينهم ظاهرا في أن سلوك الطريق المظنون

__________________

(١) لاحظ المصادر في هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٥٦٤ ـ ٥٦٥.

(٢) لاحظ المصادر في هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٥٦٤ ـ ٥٦٥.

(٣) لاحظ المصادر في هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٥٦٤ ـ ٥٦٥.

(٤) شرائع الإسلام ، ج ١ ، ص ٢١٠.

(٥) المصدر ، ص ٤٧.

(٦) ذكرى الشيعة ، ج ٤ ، ص ٣١٤.

(٧) تذكرة الفقهاء ، ج ٤ ، ص ٤٠٠ ؛ قواعد الأحكام ، ج ١ ، ص ٣٢٥.

١٦٤

لا يتحقق (١) إلّا بعد قيام أمارة الخوف.

هذا ، مع أنّ (٢) مناط الجواز ـ على ما ذكر (٣) ـ تلف الوقف رأسا ، وهو القسم الأوّل من الصورة السابعة الذي جوّزنا فيه البيع ، فلا يشمل (٤) الخراب الذي لا يصدق معه التلف (*).

______________________________________________________

الخطر أو مقطوعه معصية يجب إتمام الصلاة فيه ولو بعد انكشاف عدم الضرر فيه» (١).

(١) خبر قوله : «والخوف عند المشهور».

(٢) هذا ثاني وجوه المناقشة ، وهو ناظر إلى منع المقدمة الرابعة. توضيحه : أنّه بناء على إرادة العين الموقوفة من المال ـ في قوله عليه‌السلام : «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال» كما استظهره الشهيد الثاني قدس‌سره ـ تكون المكاتبة أجنبية عن المدّعى ، وهو جواز البيع في القسم الثاني ، ومنطبقة على القسم الأوّل ، الذي قلنا بجوازه فيه ، وذلك لظهور «تلف المال» في سقوطه عن الانتفاع رأسا ، ولا يصدق تلفه ـ بقول مطلق ـ على الخراب الموجب لقلة نفعه. مع أنّ المقصود بالاستدلال تجويز البيع في صورة نقص المنفعة.

(٣) يعني : في تقريب ما اختاره قدس‌سره ، حيث قال : «والأقوى الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّ به عرفا ...».

(٤) يعني : أنّ مناط الجواز لا يشمل نقص المنفعة ، للفرق بين التلف والنقص.

__________________

(*) لا يخفى ما فيه ، فإن تلف بعض الوقف يصدق عليه أيضا تلف المال ، فإطلاقه يشمل تلف الكل والبعض. وعليه فيمكن التمسك بإطلاقه على المفروض وهو قلة المنفعة الناشئة عن التلف ، كصحة التمسك به على الصورة الاولى ، وهي تلف العين بحيث لا يبقى لها منفعة أصلا.

__________________

(١) فرائد الأصول ، ج ١ ، ص ٣٨ ، طبعة مجمع الفكر الإسلامي.

١٦٥

مع أنّه (١) لا وجه ـ بناء (٢) على عموم التعليل ـ للاقتصار على خوف خراب خصوص الوقف ، بل كلّما خيف تلف مال جاز بيع الوقف (٣).

وأمّا تقريب (٤) الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في الصورة الثامنة

______________________________________________________

(١) هذا ثالث وجوه المناقشة ، وغرضه إسقاط المكاتبة عن الحجية بالإعراض من جهة اخرى.

وتوضيحه : أن مقتضى عطف «النفوس» على «الأموال» والمقابلة بينهما أن يراد ب «تلف المال» ضياع مطلق المال ، لا خصوص الموقوفة. فلو أدّى النزاع إلى تلف مال آخر من الموقوف عليهم أو من غيرهم ـ مع الأمن من هلاك الموقوفة ـ لزم الحكم بجواز بيع الوقف تحفظا على الأموال الاخرى. ومن المعلوم عدم التزام المجوّز للبيع ـ استنادا إلى المكاتبة ـ بهذا الإطلاق ، كما لا يمكن الالتزام به لمخالفته للإجماع كما قيل. وهذا شاهد على إعراضهم عن الرواية ، ومعه لا مجال للتمسك بها في تجويز البيع في القسم الثاني.

(٢) الوجه في هذا البناء واضح ، إذ مع اختصاص «المال» ـ الوارد في التعليل ـ بالوقف لا وجه لجعل تلف مال آخر مسوّغا لبيع الوقف ، فيختص قوله عليه‌السلام : «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال» بتلف الوقف ، دون تلف سائر الأموال.

(٣) ولا يمكن الالتزام به ، لمخالفته للإجماع ، ومقتضاه رفع اليد عن ظهور المكاتبة.

وقد تحصل : عدم جواز بيع الوقف فيما عدا القسم الأوّل من الصورة السابعة.

(٤) معطوف على قوله : «حيث إنّه يمكن» والأولى إسقاط «أمّا» هنا وفيما

__________________

نعم ، إذا اسند التلف إلى الموقوف ـ كأن يقال : إذا تلف الموقوف جاز بيعه مثلا ـ كان ظاهرا في التلف المطلق الموجب لانتفاء المنفعة رأسا ، دون مطلق التلف كما لا يخفى.

١٦٦

ـ وهي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال والنفوس ـ فهو : أن الحكم بالجواز معلّق (١) على الاختلاف ، إلّا أن قوله : «فإنّه ربما» مقيّد بالاختلاف الخاص ، وهو الذي لا يؤمن معه (٢) من التلف (٣) ، لأنّ (٤) العلّة تقيّد المعلول ، كما في قولك : لا تأكل الرّمان لأنّه حامض (٥).

وفيه (٦) : أنّ اللازم

______________________________________________________

سيأتي في (ص ١٧٢) من تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة ، أو تصدير كلامه السابق ب «أما» بأن يقال : «أما تقريب الاستدلال في القسم الثاني من الصور السابعة ...».

وكيف كان فتقريب دلالة المكاتبة على حكم الصورة الثامنة هو : أنّ جوابه عليه‌السلام متضمن لجملتين : إحداهما : تجويز البيع عند ظهور الخلف والمنازعة بين الموقوف عليهم ، وكونه خيرا من إبقاء الوقف على حاله. ومقتضى الإطلاق جواز البيع بمجرد العلم بالاختلاف ، سواء خيف من بقائه تلف المال وإراقة الدماء أم لا.

ثانيتهما : تعليل الحكم بقوله عليه‌السلام : «فإنّه ربما» وظاهره موضوعية إختلاف خاصّ لجواز البيع ، وهو النزاع الذي لا يؤمن معه من ضياع الأموال وهلاك النفوس.

ومقتضى تقديم ظهور العلّة على المعلول تقييد الاختلاف المجوّز للبيع بما إذا خيف من بقاء الوقف تلف المال والنفس ، وبهذا يتم الحكم في الصورة الثامنة.

(١) يستفاد التعليق من إناطة «فليبع» بقوله : «إن كان قد علم الاختلاف».

(٢) أي : مع الاختلاف.

(٣) فيتعين التوفيق بين المعلول والعلّة بتقييد إطلاق جواز البيع في «فليبع».

(٤) تعليل لمحذوف ، وهو لزوم الأخذ بخصوص العلة لا بعموم المعلول.

(٥) فيختص النهي حينئذ بأكل الرمان الحامض.

(٦) محصل المناقشة في التقريب المتقدم هو : عدم وفاء المكاتبة بإثبات الجواز في

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الصورة الثامنة ، وذلك لأن تقديم العلّة على المعلول كما يوجب تقييد الاختلاف بما خيف منه تلف المال والنفس ، كذلك يقتضي رفع اليد عن خصوصية الاختلاف ، وتعميم جواز البيع لما إذا لم يكن خلف بين أرباب الوقف ، ولكن علم إفضاء بقائه إلى تلفها من جهة اخرى ، وتوقّف سدّ الفتنة على بيع الوقف ، فإنّ العلّة كما تخصّص تعمّم. ومن المعلوم عدم التزام أحد بجواز بيع الوقف مقدّمة لعلاج مفسدة اخرى أجنبية عنه. وهذا المحذور يوهن العمل بظاهر المكاتبة ، وتسقط حينئذ عن الدلالة على حكم الصورة الثامنة.

فإن قلت : يمكن الأخذ بموضوعية مطلق الاختلاف لجواز البيع ، وعدم تقييده بقوله عليه‌السلام : «فإنه ربما» وذلك لورود مثله في الأخبار مما يكون علّة للحكم تارة ، وحكمة اخرى ، ومن المعلوم أن ما يصلح للتقييد هو العلّة لا الحكمة.

قال المحقق الشوشتري قدس‌سره : «وأما التعليل فبناؤه على الكشف عن الحكمة في جواز البيع ، والغرض منه كون الاختلاف عرضة لذلك المحذور ، لا أنّ أداءه إليه شرط لجواز البيع. وبذلك نصّ الشهيدان ، وهو ظاهر الكفاية والمفاتيح ، ويشهد له التعليل ب ربما» (١).

وعليه فلا مانع من الأخذ بموضوعية الاختلاف ، وعدم تعميم الحكم لما إذا لم يكن منشأ التلف منازعة أرباب الوقف.

قلت : إن حمل «ربما» على الحكمة وإسقاطه عن العلية ـ ليبقى عموم الاختلاف على حاله ـ يوجب عدم صلاحيته لتقييد الجواز بخوف تلف المال أو النفس ، فإنّ الحكمة كما لا تعمّم لا تخصّص ، مع أن مفروض الصورة الثامنة هو الجواز لو أدّى بقاء الوقف إلى التلف لا مطلقا.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٥٩.

١٦٨

على هذا (١) تعميم الجواز في كلّ مورد لا يؤمن معه من تلف الأموال والنفوس (٢) وإن لم يكن من جهة إختلاف الموقوف عليهم ، فيجوز (٣) بيع الوقف لإصلاح كلّ فتنة وإن لم يكن لها دخل في الوقف.

اللهم إلّا أن يدّعى سوق العلّة مساق التقريب (٤) ، لا التعليل الحقيقي حتى يتعدّى (٥) إلى جميع موارده.

لكن (٦) تقييد الاختلاف حينئذ (٧) بكونه ممّا لا يؤمن ممنوع ،

______________________________________________________

والحاصل : إن كانت جملة «فإنه ربما» علة لزم تعميم الجواز لغير موارد الاختلاف ، ولا سبيل للقول به.

وإن كانت حكمة لزم تعميم الجواز لما إذا لم يؤدّ البقاء إلى التلف ، وهو غير الصورة الثامنة.

(١) أي : على كون «فإنه ربّما» علّة لجواز البيع عند الاختلاف.

(٢) أخذا بعموم العلّة لا بخصوصية المورد.

(٣) هذا نتيجة تعميم الجواز لكلّ مورد يخشى فيه تلف الأموال والنفوس.

(٤) لا التعليل ، يعني : فلا تكون العلّة مبيّنة لمطلب جديد ، بل بمنزلة عبارة اخرى لما قبلها ، فلا تزيد عما قبلها. فقوله عليه‌السلام : «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس» لا يكون مناطا وموضوعا للحكم حتى يدور جواز البيع مداره ، بل بيانا لأمر خارجي قد يترتب على الاختلاف. فالموضوع نفس الاختلاف سواء ترتب عليه مفسدة تلف المال والنفس أم لا.

(٥) لأن التعدي من شأن العلة المنصوصة التي يكون الحكم للمورد بسبب انطباقها عليه ، لا لخصوصية نفس المورد.

(٦) هذا ردّ قوله : «اللهم إلا أن يدّعى» وتقدم بقولنا : «قلت» كما تقدمت الدعوى في «إن قلت».

(٧) أي : حين عدم عليته بل كونه تقريبا لما قبله ، ووجه عدم التقييد به حينئذ

١٦٩

وهو (١) الذي فهمه الشهيد رحمه‌الله في الرّوضة كما تقدّم كلامه.

لكن الحكم على هذا الوجه (٢) مخالف للمشهور. فلا يبقى حينئذ (٣) وثوق بالرواية (٤) بحيث يرفع اليد بها

______________________________________________________

هو كونه توضيحا لما قبله.

(١) يعني : منع تقييد الاختلاف بما يوجب تلف المال أو النفس هو الذي فهمه الشهيد قدس‌سره ، حيث قال : «والظاهر أن خوف أدائه إليهما وإلى أحدهما ليس بشرط ، بل هو مظنة لذلك» (١). وحاصله : عدم اعتبار الاختلاف الخاص في جواز بيع الوقف ، فيجوز بيعه مطلقا باعتبار أن الاختلاف بحسب نوعه يؤدّي إلى تلف المال والنفس ، ولا ينظر إلى أشخاص الاختلاف في كل مورد مورد.

(٢) أي : بدون تقييد الاختلاف بعدم الأمن ، والحكم بجواز البيع بمجرد الاختلاف ، فإن جواز البيع حينئذ مخالف للمشهور ، حيث إنّهم قيّدوا جواز البيع بالاختلاف الخاص ، وهو ما لا يؤمن معه من تلف المال والنفس.

(٣) أي : حين كون عدم تقييد الاختلاف خلاف المشهور.

(٤) لكون فتوى المشهور مخالفة لظاهر الرواية ، حيث إن ظاهرها ـ بعد البناء على عدم تقييد الاختلاف بما لا يؤمن معه من المفسدة ـ هو كون الاختلاف بنفسه موضوعا لجواز البيع من دون تقييده بترتب محذور تلف المال أو النفس عليه.

وفتوى المشهور هي كون الاختلاف المقيد بعدم الأمن من ترتب المحذور المزبور عليه موضوعا للبيع.

فمضمون الرواية حينئذ لا ينطبق على فتوى المشهور ، فيصير موردا لإعراضهم المشهور عنه ، وهذا موهن لاعتبار الرواية على الأقوى.

__________________

(١) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٥٥ وتقدم في الأقوال أيضا ، راجع هدى الطالب ، ج ٦ ، ص ٥٧٠.

١٧٠

عن العمومات (١) والقواعد (٢) ، مع ما فيها من ضعف الدلالة (٣) ، كما سيجي‌ء إليه الإشارة.

وممّا ذكرنا (٤) يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة وردّه (٥).

______________________________________________________

إلّا أن يقال : إن الإعراض إن كان عن سند الرواية بحيث لم يعمل المشهور بها أصلا ، فهو يسقط الرواية عن الاعتبار. وأمّا إذا عملوا بها غايته أنهم استظهروا منها غير ما استظهرناه منها فهو لا يسقطها عن الاعتبار ، لأن مخالفتنا لهم ترجع إلى الاستظهار ، ومن المعلوم عدم حجية فهمهم علينا.

(١) الناهية عن بيع الوقف ، والتعبير بالعموم لشمولها لحالة خوف تلف المال والنفس وعدمه.

(٢) المراد به استصحاب منع البيع الثابت قبل طروء خوف التلف.

(٣) من جهة عدم ظهور المكاتبة في ما نحن فيه وهو الموقف المؤبد ، وكذا عدم ظهورها في لزوم الوقف وتماميته بإقباض العين للموقوف عليه ، وغيرهما مما سيأتي في (ص ١٩٢).

(٤) أي : من جعل قوله عليه‌السلام : «فإنّه ربما جاء في الاختلاف» علة منصوصة يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة ، وهي أداء الاختلاف إلى ضرر عظيم من دون تقييده بتلف المال.

وحاصل تقريبه : أن مقتضى العلّة كون موضوع جواز البيع هو الضرر من تلف المال أو النفس أو غيرهما بعد حمل النفس أو المال على المثال.

فالمتحصّل : أن مجوّز بيع الوقف هو الضرر العظيم من تلف المال أو غيره ، فينطبق على الصورة التاسعة.

(٥) وهو : أنّ لازم جعل قوله عليه‌السلام : «فإنّه ربما جاء الاختلاف ... الخ» علّة هو جواز البيع لكل فتنة وإن لم ترتبط بالوقف ، وهو مما لا يلتزم به أحد.

مضافا إلى : أن حمل تلف المال أو النفس على المثال لمطلق الضرر العظيم ممنوع

١٧١

وأمّا تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة فهو : أنّ (١) ضمّ تلف النفس إلى تلف الأموال ـ مع (٢) أنّ خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف المال غالبا (٣) ـ يدلّ على اعتبار بلوغ الفتنة في الشدّة إلى حيث يخاف منه تلف النفس ، ولا يكفي بلوغه إلى مادون ذلك (٤) ، بحيث يخاف منه تلف المال فقط.

وفيه (٥):

______________________________________________________

جدّا ، لتوقفه على القطع بعدم خصوصيتهما ، ودون إثباته خرط القتاد.

(١) توضيحه : أن الرواية وإن اشتملت على تلف المال والنفس معا ، وهو لا ينطبق على الصورة العاشرة التي هي «لزوم فساد يستباح منه الأنفس فقط». لكن مع ذلك يمكن الاستدلال بها على الصورة العاشرة بأن يقال : إن ذكر «تلف المال» في الرواية ليس لأجل دخله في الحكم بجواز البيع حتى يكون هو مع تلف النفس ـ جمعا ـ دخيلا في جواز البيع ، فلا ينطبق على الصورة العاشرة.

بل لأجل ملازمة تلف النفس لتلف المال غالبا. فذكر «تلف المال» مبني على الغالب ، لا لكونه دخيلا في جواز البيع. فالمجوّز للبيع هو خصوص تلف النفس واستباحتها ، وهذا المعنى ينطبق على الصورة العاشرة ، ويصح أن يكون دليلا عليها.

(٢) غرض المستدل من هذه الجملة المعترضة إسقاط موضوعية تلف المال ، وأن جواز البيع يدور مدار تلف الأنفس خاصة ، فذكر «الأموال» مبني على الملازمة الغالبية بين تلفهما ، لا للاحتراز حتى ينتفي جواز البيع لو أدى بقاء تلف الوقف إلى خصوص استباحة الأنفس.

(٣) إذ لا مفهوم للقب الوارد مورد الغالب كالوصف الغالبي ، كما قيل في آية حرمة الربائب.

(٤) أي : ما دون بلوغه إلى تلف النفس ، والمراد ب «مادون» تلف المال.

(٥) منع المصنف قدس‌سره التقريب المذكور بإشكالين :

١٧٢

أنّ اللازم على هذا (١) عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم ، بل يجوز حينئذ (٢) بيع الوقف لرفع كلّ فتنة (٣).

مع أنّ (٤) ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس.

______________________________________________________

أحدهما : أنّ مقتضى عموم العلّة التعدي عن المورد ـ وهو إختلاف الموقوف عليهم المؤدي إلى التلف ـ إلى كل ما يوحب تلف النفس ، لما قرر في محله من أن العلة كما تضيّق دائرة المعلول كذلك توسعها ، كما في المثال المعروف وهو «لا تأكل الرمان لأنّه حامض» كما لا يخفى.

وعليه فلا يدور جواز البيع مدار الاختلاف الخاص ، بل المناط مطلق الفتنة المفضية إلى استباحة النفس.

(١) أي : بناء على اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة إلى حدّ يخشى منه تلف النفس.

(٢) أي : حين عدم كون المناط خصوص الفتنة بين أرباب الوقف.

(٣) مع أنه لا يمكن الالتزام بهذا الإطلاق ، كما تقدم في منع الصورة الثامنة.

(٤) هذا هو الإشكال الثاني على الاستدلال بالمكاتبة على الصورة العاشرة.

توضيحه : أنّ ظاهر الرواية لا ينطبق على فتوى المشهور في الصورة العاشرة ، إذ ظاهرهم اعتبار العلم أو الظن بتحقق الفتنة ، وعدم كفاية الشك في ذلك ، وظاهر الرواية ـ بملاحظة لفظة «ربما» ـ كفاية مجرد الاحتمال فيه. فالدليل أعم من المدعى.

بل تمكن دعوى المباينة بينهما ، إذ ظاهر المشهور كون الاستباحة الواقعية سببا لجواز البيع ، حيث إنهم أخذوا العلم أو الظن في ذلك ، ومن المعلوم كونهما طريقين إلى الواقع ، وظاهر كلمة «ربما» في المكاتبة هو كون الاستباحة المحتملة مجوزة للبيع ، فتدبر.

١٧٣

والمقصود (١) ـ كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة ـ هو اعتبار الفتنة التي يستباح بها الأنفس.

والحاصل (٢) : أنّ جميع الفتاوى المتقدمة في جواز بيع الوقف ـ الراجعة إلى اعتبار أداء بقاء الوقف علما أو ظنّا أو احتمالا (٣)

______________________________________________________

(١) يعني : والحال أن المقصود كما يظهر من عبارة ابن سعيد قدس‌سره هو اعتبار الفتنة الواقعية التي يستباح بها الأنفس ، لقوله : «أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس» بناء على طريقية العلم والظن.

وعبارة المحقق الكركي قدس‌سره في تعليق الإرشاد أوفق بإرادة الفتنة الواقعية ، لقوله : «يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس» (١) لعدم أخذ الخوف في الفساد المجوّز للبيع ، وظاهره الفساد الواقعي.

هذا بناء على ما حكاه السيد الفقيه العاملي قدس‌سره (٢) عن تعليق الإرشاد ، ونقله المصنف في أوّل المسألة. ولكن الموجود في المطبوع أخيرا موافق لما في جامع المقاصد من أخذ «الخوف» في جواز البيع ، كما حكاه صاحب المقابس عنه ، ونصّ عبارة تعليق الإرشاد هو : «وثانيها : ما إذا حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه الإفضاء إلى تلف الأموال والأنفس» (٣) وهذا متحد مع عبارة ابن سعيد قدس‌سره.

هذا ما أفاده المصنف قدس‌سره في منع دلالة المكاتبة على الصورة العاشرة.

(٢) هذا حاصل ما أفاده في (ص ١٥٥) من انحصار مستند جواز البيع ـ في الصور الأربع الأخيرة ـ في مكاتبة ابن مهزيار. وهذه الصور وإن تعدّدت موضوعا ، ولكن إختلاف الفقهاء في الاستظهار من المكاتبة أوجب استناد الجميع إليها.

(٣) تقدم في (ص ١٦٤) نقل تعبيرهم بالخشية والخوف والعلم والظنّ. وأمّا

__________________

(١) لاحظ مصادر الأقوال في ج ٦ ، ص ٥٦٢ و ٥٦٨.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٩ ، ص ٨٦.

(٣) حاشية الإرشاد ، ص ٣٣٩.

١٧٤

إلى مطلق الفساد (١) ، أو فساد خاص (٢) ، أو اعتبار الاختلاف مطلقا (٣) ، أو إختلاف خاصّ (٤) ـ مستندة (٥) إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة.

والأظهر (٦) في مدلولها هو : إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه

______________________________________________________

الاحتمال فأضافه المصنف قدس‌سره هنا وفي الصورة الثامنة ، لتأثر النفس بالاحتمال الموهوم أيضا.

(١) وهو ما يعمّ نقص المنفعة وانتفاءها رأسا.

(٢) وهو انتفاء المنفعة رأسا.

(٣) يعني : سواء أدّى إلى تلف المال والنفس أم لا.

(٤) وهو المؤدي إلى تلف المال أو النفس.

(٥) خبر قوله : «ان جميع».

(٦) بعد أن منع قدس‌سره دلالة المكاتبة على القسم الثاني من الصورة السابعة وعلى ما بعدها ، استظهر منها أمرا مغايرا لما ذهب إليه المشهور ، ومحصله : دلالة الرواية على إناطة جواز البيع بالاختلاف الخاص ، وهو ما لو حظ فيه جهات ثلاث :

الاولى : أن يكون موجبا لتلف الأموال والنفوس ، فلا عبرة بمطلق الخلف والنزاع وإن لم يؤدّ إلى تلفها. وليس منشأ هذا التقييد حمل جملة «فإنه ربما» على التعليل ليكون مقيّدا لدائرة الاختلاف الوارد في السؤال ، لفرض عدم كون «فإنه» علة حقيقة لتعمّم أو تقيّد. بل منشؤه قرينية الذيل بحسب المتفاهم العرفي على ما يراد من السؤال.

الثانية : أن يحصل الخوف من أداء بقاء الوقف إلى هلاك النفس أو المال ، سواء نشأ من العلم بالأداء أو من الظن به ، أو من الاحتمال الموهوم.

والوجه في ضمّ الأخير إلى العلم والظن ورود كلمة «ربما» في الجواب ، وقد مرّ صدقه على الاحتمال.

الثالثة : أن يكون محذور تلف النفس والمال مترتبا على نزاع أرباب الوقف

١٧٥

تلف الأموال والنفوس (١) ، لا مطلق الاختلاف (٢) ، لأنّ الذيل (٣) مقيّد. ولا خصوص (٤) المؤدّي علما أو ظنّا ، لأنّ (٥) موارد استعمال لفظة «ربما» أعمّ من ذلك. ولا مطلق (٦) ما يؤدّي إلى المحذور المذكور ، لعدم ظهور الذيل في التعليل بحيث يتعدّى عن مورد النصّ ، وإن كان فيه (٧) إشارة إلى التعليل.

______________________________________________________

فيما يتعلق بحفظه وبالانتفاع به ، وتوقف حسم مادة الفساد على البيع.

فلو كان المحذور ناشئا من غير إختلاف الموقوف عليهم لم يجز البيع.

فإن قلت : مقتضى ظهور التعليل التعدي من الاختلاف إلى موجب آخر يؤدّي إلى هلاك المال والنفس ، إذ العلة كما تضيّق توسّع أيضا.

قلت : نعم لو استقرّ ظهور «فإنّه ربما» في التعليل حتى يتعدى عن مورد السؤال إلى غيره ، ولكن المفروض منع الظهور المزبور.

هذا ما استفاده المصنف من المكاتبة ، وسيأتي بيان النسبة بينه وبين مختار المشهور.

(١) وإن كانت الأموال غير الأعيان الموقوفة وكانت النفوس غير الموقوف عليهم. وإرادة التعميم من هذه العبارة تظهر من عبارة الآتية ، وهي قوله في (ص ١٩٥) : «لكن في النفس شي‌ء ... الخ».

(٢) هذا إشارة إلى الجهة الاولى.

(٣) بناء على ما تقدم في الاستدلال للصورة الثامنة ، ولكنه منع التقييد سابقا بقوله : «لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن ممنوع» فلاحظ (ص ١٦٩).

(٤) معطوف على «لا مطلق» وهذا إشارة إلى الجهة الثانية.

(٥) تعليل لقوله : «ولا خصوص».

(٦) معطوف أيضا على «لا مطلق» وهذا إشارة إلى الجهة الثالثة.

(٧) أي : في الذيل إشارة إلى التعليل ، لمكان «فإنّه» ، إلّا أنه لا عبرة بالإشارة ، لكون موضوع دليل الحجية هو الظهور المنتفي حسب الفرض.

١٧٦

وعلى ما ذكرنا (١) ، فالمكاتبة غير مفتى بها عند المشهور ، لأنّ (٢) الظاهر اعتبارهم العلم أو الظّنّ بأداء بقائه إلى الخراب غير (٣) الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الأموال والأنفس (٤) ، فيكون (٥) النسبة بين فتوى المشهور وبين مضمون الرواية عموما من وجه.

______________________________________________________

(١) يعني : يظهر من إناطة جواز بيع الموقوفة بالجهات الثلاث المتقدمة عدم عمل المشهور بالمكاتبة ، لمخالفتهم لها في جهتين منها :

إحداهما : اعتبار العلم أو الظن بأداء بقائه إلى الخراب ، وعدم كفاية الاحتمال عندهم.

ثانيتهما : أنّ المؤدّي إلى الخراب أعم من الفتنة الموجبة لاستباحة الأموال والأنفس. ومع هذه المخالفة لا مجال لدعوى استنادهم إليها في تجويز البيع في الصور المتقدمة. ولا يخفى أنّ ما ذكره قدس‌سره إشكال عام على الاستدلال بالمكاتبة في الصور الأربع ، ولا يختص بتوهين التمسك بها في خصوص الصورة العاشرة.

(٢) مقصوده بيان مورد مخالفة المشهور للمكاتبة ، وهما موردان تقدّما آنفا.

(٣) صفة ل «أداء» أي : لا يعتبر في إختلاف أهل الوقف أن يؤدّى إلى تلف المال والنفس.

(٤) هذا ثاني موردي المخالفة.

(٥) هذا نتيجة مخالفة فتوى المشهور للمكاتبة في الجهتين المزبورتين.

ووجه كون النسبة عموما من وجه هو كون فتوى المشهور أعم من المكاتبة من جهتين ، وأخص منها من جهة. كما أن المكاتبة أعم من فتاواهم من جهة وأخص منها من جهة اخرى.

أمّا أعمية الفتاوى من جهتين :

فالاولى منهما : شمول «تلف المال» لكل من الخراب وقلّة المنفعة ، بشهادة تجويز البيع في قسمي الصورة السابعة.

١٧٧

لكن الإنصاف (١):

______________________________________________________

والثانية : أنّ المؤدّي إلى الخراب أعم من الفتنة الموجبة لاستباحة الأموال والأنفس ، بشهادة تجويز البيع للضرر العظيم كما في الصورة التاسعة.

وأما أخصية الفتاوى من المكاتبة ، فلاعتبارهم حصول العلم أو الظن بأداء البقاء إلى الخراب ، بشهادة تعبيرهم بالخوف والخشية ، مع أنّ المكاتبة تعمّ الاحتمال الموهوم ، بشهادة كلمة «ربما».

وأما أعمية المكاتبة من فتوى المشهور ، فلعدم اعتبار العلم والظن ، والاكتفاء بمجرد الاحتمال. وأما أخصيتها منها فلاختصاص الجواز بالفتنة المبيحة للأموال والأنفس.

ومادة الاجتماع ـ بمعنى جواز البيع بمقتضى المكاتبة وفتوى المشهور ـ هي العلم أو الظن بأداء بقائه إلى الخراب مع الفتنة المبيحة للمال والنفس. ومادة الافتراق من طرف الرواية هو احتمال وقوع الفتنة المبيحة لهما ، فيجوز البيع فيها ، خلافا للمشهور.

ومن طرف فتوى المشهور موردان :

أحدهما : العلم بأدائه إلى الخراب بدون الفتنة الموجبة لاستباحة المال والنفس.

وثانيهما : خوف الخراب بمعنى قلة المنفعة. ففي هذين الموردين لا دلالة للرواية على الجواز.

وبالجملة : فمع هذه النسبة بين المكاتبة والفتاوى كيف يصحّ الاستدلال بها؟ فما دلّت عليه لم يعمل به ، وما عمل به لم تدل المكاتبة عليه.

(١) غرضه إصلاح التشبث بالمكاتبة وإثبات عدم إعراض المشهور عنها ، ومحصله : أنّهم تسالموا على جواز البيع في الجملة ، واختلفوا في خصوصيته ومناطه. وهذا المقدار كاف في إحراز عملهم بالرواية وجبر ضعف الدلالة بالنسبة إلى المتفق عليه.

١٧٨

أنّ هذا (١) (*) لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية (٢) ، وقصور (٣) مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة (٤) ، لأنّ (٥) (**) إختلاف فتاوى المشهور إنّما هو من

______________________________________________________

(١) أي : كون النسبة عموما من وجه.

(٢) أي : ضعف دلالتها على الجواز فيما عدا القسم الأوّل من الصورة السابعة وما بعدها من الصور.

(٣) معطوف على «ضعف» أي : جبر قصور مقاومتها لمثل قوله عليه‌السلام : «لا يجوز شراء الوقف».

ولا يخفى أن دعوى القصور مما أجاب به المانعون عن المكاتبة ، قال المحقق الشوشتري قدس‌سره : «وأما المانعون فلهم في الجواب عن الرواية وجوه : الأوّل : أنّها كانت كتابة مشتبهة المعنى ، وقد اضطربت فتاوى العاملين بها ، واختلفوا اختلافا فاحشا ، فلا يترك لها تلك الأدلة الجلية البيّنة ...» (١). فيكون مقصود المصنف قدس‌سره من جبر القصور بالعمل إثبات صلاحية المكاتبة لتخصيص عموم النهي عن بيع الوقف.

(٤) متعلق ب «جبر».

(٥) تعليل لقوله : «لا يمنع» وحاصله : إحراز استناد المشهور إلى المكاتبة وإن تعدّدت أنظارهم في مدلولها ، وهذا المقدار كاف في نفي دعوى الإعراض عنها.

__________________

(*) هذا لا يخلو من غرابة. أما أوّلا فلعدم جبر ضعف الدلالة بالشهرة كما حققه قدس‌سره في الأصول.

وأمّا ثانيا : فلأنّه بعد تسليم الجبر بها لا بدّ من الأخذ بما فهمه المشهور من الرواية وإن كان ما فهموه غير ظاهر الرواية ، إذ المفروض جبران ضعف هذا الظهور بفهمهم.

(**) لا مورد لهذا التعليل ، فإنّ مورده اتفاق المشهور على معنى تكون دلالة

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٠.

١٧٩

حيث الاختلاف في فهم المناط الذي انيط به الجواز ، من (١) قوله عليه‌السلام : «إن كان قد علم الاختلاف» المنضمّ إلى قوله : «فإنّه ربما جاء في الاختلاف».

وأمّا (٢) دلالة المكاتبة على كون مورد السؤال هو الوقف المؤبّد التام ،

______________________________________________________

(١) يعني : أن مثار إختلاف الاستظهار ومنشأه هو جملتا «إن كان قد علم ... فليبع» و«فإنه ربما جاء» من حيث كون مطلق الاختلاف موضوعا للجواز أو الاختلاف الخاص ، ومن كون «ربما» مفيدا لمعنى الخوف المختص بالعلم والظن ، أو لما يعم الاحتمال ، وهكذا.

(٢) بعد أن فرغ المصنف قدس‌سره من حجية المكاتبة دلالة بالجبر ـ كحجيتها سندا ـ على حكم الصور الأربع ، أراد التعرض لبعض وجوه الخلل في دلالتها على ما نحن فيه ، وهو جواز بيع الوقف المؤبّد.

وتوضيحه : أن المكاتبة ورد فيها سؤالان عن حكم الوقف ، والظاهر كون مورد السؤال في الصدر والذيل واحدا ، فكأنّ عليّ بن مهزيار سأل أوّلا من الإمام عليه‌السلام عن حكم ما صنعه الواقف من جعل خمس الضيعة له عليه‌السلام ، ثم سأل عمّا إذا وقع الخلف بين الموقوف عليهم بالنسبة إلى بقية الوقف ، وهي أربع أخماس الضيعة. وقد قيل في قصور دلالتها امور :

منها : أن الوقف منقطع لا مؤبد ، بقرينة اقتصار الواقف على ذكر البطن الموجود. وهو شخص الإمام الجواد عليه‌السلام بالنسبة إلى الخمس ، وسائر الموقوف عليهم بالنسبة إلى بقية الأخماس. ولم يتعرض لمن بعدهم ، وصرّح الصدوق قدس‌سره بهذا على

__________________

دلالة الرواية عليه ضعيفة حتى يكون فهمهم جابرا لهذا الضعف. والمفروض أنّه ليس كذلك ، لاختلاف فتاواهم في مناط الجواز ، وإختلاف أنظارهم في استفادة مناط الجواز من الرواية. فلم يتفق المشهور على مناط الجواز مع فرض ضعف دلالة الرواية عليه حتى نقول بجبران ضعفها به.

١٨٠