الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-45-1
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٢

ويمكن عوده إلى اللّٰه تعالى؛ لأنّ إخبار النبيّ صلى الله عليه وآله بذلك مستندٌ إلى الوحي الإلهي؛ لأنّه (وَمٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ * إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ) (١) وهو الظاهر من قوله : «وجعلهم قدوةً لاُولي الألباب» فإنّ جاعل ذلك هو اللّٰه تعالى ، مع جواز أن يراد به النبيّ صلى الله عليه وآله أيضاً. والألباب : العقول. وخصّ ذويهم؛ لأنّهم المنتفعون بالعبر المقتفون لسديد الأثر.

«صلاةً دائمةً بدوام الأحقاب» جمع «حُقُب» بضمّ الحاء والقاف ، وهو الدهر ، ومنه قوله تعالى : (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (٢) أي : دائمةً بدوام الدهور. وأمّا «الحُقْب» بضمّ الحاء وسكون القاف ـ وهو ثمانون سنة ـ فجمعه «حِقاب» بالكسر ، مثل قُفٍّ وقِفاف ، نصّ عليه الجوهري (٣).

«أمّا بعد» الحمد والصلاة ، و «أمّا» كلمةٌ فيها معنى الشرط؛ ولهذا كانت الفاء لازمةً في جوابها ، والتقدير : «مهما يكن من شيءٍ بعد الحمد والصلاة فهو كذا» فوقعت كلمة «أمّا» موقع اسمٍ هو المبتدأ وفعلٍ هو الشرط ، وتضمّنت معناهما ، فلزمها لصوق الاسم اللازم للمبتدأ للأوّل؛ إبقاءً له بحسب الإمكان ، ولزمها الفاء للثاني. و «بعد» ظرفٌ زمانيّ (٤) وكثيراً ما يحذف منه المضاف إليه ويُنوى معناه ، فيبنى على الضمّ.

«فهذه» إشارةٌ إلى العبارات الذهنيّة التي يريد كتابتها إن كان وضع الخطبة قبل التصنيف ، أو كَتَبها إن كان بعده ، نزّلها منزلة الشخص المشاهَد

____________________

١) النجم : ٣ و ٤.

٢) الكهف : ٦٠.

٣) الصحاح ١ : ١١٤ ، (حقب).

٤) في (ر) : ظرف زمان.

٤١

المحسوس ، فأشار إليه ب‍ «هذه» الموضوع للمشار إليه المحسوس.

«اللُمْعة» بضمّ اللام ، وهي لغةً : البقعة من الكلأ (١) إذا يبست وصار لها بياض ، وأصلها من «اللمعان» وهو الإضاءة والبريق؛ لأنّ البقعة من الأرض ذات الكلأ المذكور كأ نّها تضيء دون سائر البقاع. وعُدّي ذلك إلى محاسن الكلام وبليغه ، لاستنارة الأذهان به ، ولتميّزه عن سائر الكلام ، فكأ نّه في نفسه ذو ضياءٍ ونور.

«الدمَشقِيّة» بكسر الدال وفتح الميم ، نسبها إلى «دمشق» المدينة المعروفة (٢) لأنّه صنّفها بها في بعض أوقات إقامته بها «في فقه الإماميّة» الاثني عشريّة ، أيّدهم اللّٰه تعالى.

«إجابةً» منصوبٌ على المفعول لأجله ، والعامل محذوف ، أي صنّفتها إجابةً «لالتماس» وهو : طلب المساوي من مثله ولو بالادّعاء كما في أبواب الخطابة «بعض الديّانين» أي المطيعين للّٰه‌في أمره ونهيه.

وهذا البعض هو شمس الدين محمّد الآوي (٣) من أصحاب السلطان عليّ ابن مؤيّد (٤) ملك خراسان وما والاها في ذلك الوقت ، إلى أن استولى على بلاده

____________________

١) في (ر) : من الأرض ذات الكلأ.

٢) في (ر) زيادة : بالشام.

٣) الآوي : نسبة إلى مدينة «آوه» الواقعة في قرب مدينة «ساوه» بفرسخين. اُنظر معجم البلدان ٣ : ١٧٩.

٤) السلطان عليّ بن المؤيّد هو آخر حاكم تزعّم السربداريّين في سنة ٧٦٦ ه‍ ، وفي سنة ٧٨٣ دخل تيمورلنك السفّاك التتري مدينة سبزوار منتصراً ، وقد استقبله عليّ المؤيّد ، فأبقاه تيمور في بلاطه وأكرمه واعترف بسلطانه ، ولكن لم يسمح له بالعودة إلى سبزوار ، إلى أن أمر بقتله. اُنظر مستدرك أعيان الشيعة : ١٨١ ـ ١٨٢.

٤٢

«تيمور لنك» فصار معه قَسراً ، إلى أن توفّي في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمئة ، بعد أن استشهد المصنّف قدس سره بتسع سنين.

وكان بينه وبين المصنّف قدس سره مودّة ومكاتبة على البُعد إلى العراق ثمّ إلى الشام ، وطلب منه أخيراً التوجّه إلى بلاده في مكاتبة شريفة (١) أكثر فيها من

____________________

١) وإليك نصّ المكاتبة :

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

سلامٌ كَنشْرِ العَنْبَرِ المتَضَوِّع

يُخَلِّفُ رِيحَ المِسْكِ في كُلِّ موضعِ

سلامٌ يُباهِي البَدْرَ في كُلِّ منزلٍ

سلامٌ يُضاهِي الشَمْسَ‌في كُلِّ مَطْلَعِ

على شمس دِينِ الحقِّ دام ظلالُه

بجدّ سعيدٍ في نعيم مُمَتِّعِ

أدام اللّٰه مجلسَ المولى الإمام ، العالِم العامل ، الفاضل الكامِل ، السالِكِ الناسِك ، رضيّ الأخلاقِ ، وفيّ الأعراقِ ، علّامة العالَم ، مُرشِد طوائف الاُمم ، قُدْوة العلماء الراسخين ، اُسْوة الفضلاء المحقِّقين ، مُفتي الفِرَق ، الفاروق بالحقّ ، حاوي فُنون الفضائل والمعالي ، حائز قَصَبِ السَبْقِ في حَلْبَةِ الأعاظم والأعالي ، وارث علومِ الأنبياء المرسلين ، مُحيي مَراسِم الأئمة الطاهرين ، سرّ اللّٰهِ في الأرضين ، مولانا شمس الملّة والحقّ والدين ، مَدَّ اللّٰه أطنابَ ظِلالِهِ بمحمّدٍ وآله في دولةٍ راسيةِ الأوْتادِ ، ونعمةٍ متّصلةِ الاْمدادِ إلى يَوْم التَنادِ.

وبعدُ ، فالمحبُّ المشتاقُ مُشتاقٌ إلى كريم لِقائه غايةَ الاشتياقِ ، وأنْ يتشرّف بُعد البعاد بقُربِ التلاق.

حَرُمَ الطرفُ من مَحْياك لكنْ

حَظِيَ القلبُ من حُمَيّاك رَيّا

يُنْهِي إلى ذلك الجناب ، لا زالَ مَرْجِعاً لاُولي الاْلباب : أنّ شيعةَ خراسانَ صانَها اللّٰه تعالى عن الحَدثانِ ، مُتَعطِّشون إلى زلالِ وِصاله ، والاغتراف من بحار فضله وإفضاله. وأفاضلُ هذه الديار قد مَزَّقَتْ شَمْلَهم أيدي الأدوار ، وفَرَّقَتْ جُلّهم بل كلَّهم صُنوفُ صُروفِ الليل والنهار. وقال أمير المؤمنين عليه سلام ربِّ العالمين : «ثلْمة الدين موت العلماء» وإنّا لا نجدُ فينا من يُوثَقُ بعلمه في فُتياه ، أو يَهْتَدِي الناسُ برُشْده وهُداه ، فيسألون اللّٰه تعالى شرفَ

٤٣

التلطّف والتعظيم والحثّ للمصنّف رحمه الله على ذلك ، فأبى واعتذر إليه ، وصنّف له هذا الكتاب بدمشق في سبعة أيّام لا غير ، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمّد.

وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل ، ولم يتمكّن أحدٌ من نسخها منه لضنّه بها ، وإنّما نسخها بعض الطلبة (١) وهي في يد الرسول تعظيماً لها ، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ، ثمّ أصلحه المصنّف بعد ذلك بما يناسب

____________________

حضورِه ، والاستضاءة بأشعَّة نوره ، والاقتداءَ بعلومه الشريفة والاهتداءَ بِرسُومه المنيفة. واليقينُ بكرمه العميم وفضله الجسيم أنْ لا يُخَيِّبَ رجاءَهم ولا يَرُدَّ دعاءهم ، ويُسْعِف مسؤولَهم ، ويُنْجِحَ مأمولَهم.

إذا كان الدعاءُ لِحْضِ خيرٍ

على يَدَيِ الكريم فلا يُرَدُّ

امتثالاً لما قاله اللّٰه تعالى : (وَاَلَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اَللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)

ولا شكّ أنّ أوْلَى الأرحام بالصلةِ الرَحِمُ الإسلاميةُ الروحانيةُ ، وأحْرَى القَراباتِ بالرعاية القَرابة الإ يمانيةُ ثم الجسمانيةُ ، فهما عُقْدتانِ لا تَحُلُّهما الأدوار والأطوارُ ، بل شُعْبتانِ لا يَهْدمُهما إعصار الأعصار ، ونحن نخافُ غَضَبَ اللّٰهِ على هذه البلاد ، لِفِقدان المرشِدِ وعدمِ الإرشاد.

والمسؤول من إنعامه العامِّ ، وإكرامه التامّ أنْ يَتَفَضَّلَ علينا ، ويَتَوَجَّه إلينا ، مُتوكِّلاً على اللّٰه القدير ، غير مُتَعَلِّلٍ بنوع من المعاذير؛ فإنّا بحمد اللّٰه نَعْرِفُ قَدْرَه ، ونَسْتَعْظِمُ أمرَه ، إنْ شاء اللّٰه تعالى.

والمتوقّعُ مِن مَكارِمِ صفاته ومَحاسِنِ ذاته إسْبال ذَيْل العفوِ على هذا الهَفْوِ.

والسلامُ على أهل الإسلام

المحبُّ المشتاقُ عليّ بن مؤيِّد (شهداء الفضيلة : ٨٩).

١) وهو شمس الدين الزابلي. (منه رحمه الله).

٤٤

المقام ، وربّما كان مغايراً للأصل بحسب اللفظ ، وذلك في سنة اثنين وثمانين وسبعمئة.

ونقل عن المصنّف رحمه الله أن مجلسه بدمشق في ذلك الوقت ما كان يخلو غالباً من علماء الجمهور لخلطته بهم وصحبته لهم ، قال : «فلمّا شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل عليّ أحدٌ منهم فيراه ، فما دخل عليّ أحدٌ منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه ، وكان ذلك من خفيّ الألطاف» وهو من جملة كراماته ، قدّس اللّٰه روحه ونوّر ضريحه.

«وحسبنا اللّٰه» أي محسبنا وكافينا.

«ونعم الوكيل *» عطفٌ إمّا على جملة «حسبنا اللّٰه» بتقدير المعطوفة خبريّة ، بتقدير المبتدأ مع ما يوجبه أي «مقول في حقّه ذلك» أو بتقدير المعطوف عليها إنشائيّة. أو على خبر المعطوف عليها خاصّة ، فتقع الجملة الإنشائيّة خبر المبتدأ ، فيكون عطفَ مفرد متعلّقه جملة إنشائيّة. أو يقال : إنّ الجملة التي لها محلٌّ من الإعراب لا حرج في عطفها كذلك. أو تجعل الواو معترضة لا عاطفة ، مع أنّ جماعةً من النحاة أجازوا عطف الإنشائيّة على الخبريّة وبالعكس (١) واستشهدوا عليه بآيات قرآنيّة وشواهد شعريّة (٢).

____________________

*) في (س) ونسخة (ر) من الشرح بدل «الوكيل» : المعين.

١) أجازه الصفّار ـ تلميذ ابن عصفور ـ وجماعة ، اُنظر مغني اللبيب ٢ : ٦٢٧ ـ ٦٢٨.

٢) الآيات التي استدلّوا بها هي قوله تعالى : (وَبَشِّرِ اَلَّذِينَ آمَنُوا) في سورة البقرة : [٢٥] (وَبَشِّرِ اَلْمُؤْمِنِينَ) في سورة الصفّ : [١٣]. ذكر ذلك ابن هشام في مغني اللبيب [٢ : ٦٢٧] ونقله عن ابن عصفور. قال أبو حيّان : وأجاز سيبويه «جاءني زيد ومَن عمرو العاقلان» على أن يكون العاقلان خبراً لمحذوف. قال : ويؤيّده قوله :

٤٥

«وهي مبنيّةٌ» أي مرتّبة ، أو ما هو أعمّ من الترتيب «على كتب» بضمّ التاء وسكونها جمع «كِتاب» وهو فِعال من «الكَتْب» بالفتح ، وهو : الجمع ، سمّي به المكتوب المخصوص لجمعه المسائل المتكثّرة ، والكتاب أيضاً : مصدرٌ مزيدٌ مشتقٌّ من المجرّد ، لموافقته له في حروفه الأصليّة ومعناه.

____________________

وإنّ شِفائي عَبرةٌ مُهراقَةٌ

وهل عند رسمٍ دارسٍ مِن معوَّلِ؟

وقوله :

تُناغي غزالاً عند باب ابن عامر

وكَحِّلْ أماقَيك الحِسانَ بإثْمِد

واستدلّ الصفّار أيضاً بقوله : وقائلةٍ خولانُ فانكح فتاتَهم ، فإنّ تقديره عند سيبويه : هذه خولان. وأوضح من ذلك دلالة قوله تعالى : (إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ اَلْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاِنْحَرْ) الكوثر : ١ و ٢. وناهيك بقوله تعالى : (وَقٰالُوا حَسْبُنَا اَللّٰهُ وَنِعْمَ اَلْوَكِيلُ) آل عمران : ١٧٣. وباب التأويل من الجانبين متّسع. (منه رحمه الله).

٤٦

كتاب الطهارة

٤٧
٤٨

«كتاب الطهارة»

مصدر «طهر» بضمّ العين وفتحها ، والاسم الطُهر بالضمّ «وهي لغةً : النظافة» والنزاهة من الأدناس «وشرعاً» بناءً على ثبوت الحقائق الشرعيّة «استعمالُ طهورٍ مشروطٌ بالنيّة» فالاستعمال بمنزلة الجنس ، والطهور مبالغةٌ في الطاهر ، والمراد منه هنا : «الطاهر في نفسه المطهِّر لغيره» جُعل بحسب الاستعمال متعدّياً وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازماً ، كالأكول.

وخرج بقوله : «مشروط بالنيّة» إزالة النجاسة عن الثوب والبدن وغيرهما ، فإنّ النيّة ليست شرطاً في تحقّقه وإن اشترطت في كماله وترتّب الثواب على فعله.

وبقيت الطهارات الثلاث مندرجة في التعريف ، واجبةً ومندوبة ، مبيحةً وغير مبيحة إن اُريد بالطهور مطلق الماء والأرض ، كما هو الظاهر.

وحينئذٍ ، ففيه : اختيار أنّ المراد منها ما هو أعمّ من المبيح للصلاة ، وهو خلاف اصطلاح الأكثرين (١) ـ ومنهم المصنّف في غير هذا الكتاب (٢) ـ أو ينتقض في طرده : بالغسل المندوب ، والوضوء غير الرافع منه ، والتيمّم بدلاً منهما

____________________

١) كالشيخ في النهاية : ١ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ١١ ، والعلّامة في التذكرة ١ : ٧.

٢) اُنظر الدروس ١ : ٨٦ ، والبيان : ٣٥ ، والذكرى ١ : ٧٠ ، والألفيّة : ٤١.

٤٩

إن قيل به (١).

وينتقض في طرده أيضاً : بأبعاض كلّ واحدٍ من الثلاثة مطلقاً؛ فإنّه استعمال طهورٍ (٢) مشروطٌ بالنيّة مع أنّه لا يسمّى طهارة ، وبما لو نذر تطهيرَ الثوب ونحوه من النجاسة (٣) ناوياً ، فإنّ النذر منعقدٌ؛ لرجحانه.

ومع ذلك فهو من أجود التعريفات؛ لكثرة ما يرد عليها من النقوض في هذا الباب.

«والطَّهور» بفتح الطاء «هو الماء والتراب».

«قال اللّٰه تعالى : (وَأَنْزَلْنٰا مِنَ اَلسَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) (٤)» وهو دليل طهوريّة الماء ، والمراد ب‍ «السماء» هنا جهة العلو.

«وقال النبيّ صلى الله عليه وآله : «جُعلتْ لي الأرض مسجِداً و (٥) طهوراً» (٦)» (٧) وهو دليل طهوريّة التراب.

____________________

١) أي قيل : بأنّ التيمّم يشرع بدلاً من الغسل المندوب مطلقاً ، ومن الوضوء المندوب وإن لم يرفع. (منه رحمه الله).

٢) في (ع) و (ر) : للطهور.

٣) في (ش) و (ف) : النجاسات.

٤) الفرقان : ٤٨.

٥) في (س) زيادة : ترابها.

٦) الوسائل ٢ : ٩٧٠ ، الباب ٧ من أبواب التيمّم ، الحديث ٣ و ٤.

٧) هذا الحديث رواه الأكثر كما ذكره المصنّف ولا يطابق ما أسلفه من جعل أحد الطهورين هو التراب؛ لأنّ الأرض أعمّ منه لشمولها الحجر والرمل وغيرهما من أصنافها. فزاد بعض الرواة فيه «وترابها طهوراً» وكان الأولى للمصنّف ذكره كذلك ليوافق مطلوبه ، أو تبديل التراب أوّلاً بالأرض ليطابق ما رواه كما لا يخفى. (منه رحمه الله).

٥٠

وكان الأولى إبداله بلفظ «الأرض» كما يقتضيه الخبر ، خصوصاً على مذهبه : من جواز التيمّم بغير التراب من أصناف الأرض (١).

«فالماء» بقولٍ مطلق «مطهِّرٌ من الحدث» وهو الأثر الحاصل للمكلّف وشبهه (٢) عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل ، المانعِ من الصلاة ، المتوقّفِ رفعه على النيّة «والخبث» وهو النجَس ـ بفتح الجيم ـ مصدر قولك : «نجِس الشيء» بالكسر ينجَس (٣) فهو نجِس بالكسر.

«وينجس» الماء مطلقاً «بالتغيّر بالنجاسة» في أحد أوصافه الثلاثة ـ اللون والطعم والريح ـ دون غيرها من الأوصاف.

واحترز ب‍ «تغيّره بالنجاسة» عمّا لو تغيّر بالمتنجّس خاصّةً ، فإنّه لا ينجس بذلك ، كما لو تغيّر طعمه بالدبس النجس (٤) من غير أن تؤثّر نجاسته فيه. والمعتبر من (٥) التغيّر : الحسّي لا التقديري على الأقوى.

«ويطهر بزواله» أي بزوال التغيّر ولو بنفسه أو بعلاج «إن كان» الماء «جارياً» وهو : النابعُ من الأرض مطلقاً غيرُ البئر على المشهور. واعتبر المصنّف في الدروس فيه دوامَ نبعه (٦).

____________________

١) كما يأتي في الصفحة ١٣٢ ـ ١٣٣.

٢) مثل الصبيّ والنائم والسكران.

٣) ويجوز ضمّ العين فيهما ككرم يكرُم. نصّ عليه في القاموس [٢ : ٢٥٣ ، (نجس)]. (هامش ر).

٤) في (ر) : المتنجّس.

٥) في (ف) شطب على «من» ، وفي نسخة بدل (ر) : فيه.

٦) الدروس ١ : ١١٩.

٥١

وجعله العلّامة (١) وجماعة (٢) كغيره في انفعاله بمجرّد الملاقاة مع قلّته ـ والدليل النقلي يعضده (٣) ـ وعدمِ (٤) طهره بزوال التغيّر مطلقاً ، بل بما نبّه عليه بقوله : «أو لاقى كرّاً» والمراد أنّ غير الجاري لا بدّ في طهره مع زوال التغيّر : من ملاقاته كرّاً طاهراً بعد زوال التغيّر أو معه ، وإن كان إطلاق العبارة قد يتناول ما ليس بمراد ، وهو طهره مع زوال التغيّر وملاقاته الكرّ كيف اتّفق ، وكذا الجاري على القول الآخر (٥).

ولو تغيّر بعض الماء وكان الباقي كرّاً طهر المتغيّر بزواله أيضاً كالجاري عنده ، ويمكن دخوله في قوله : «لاقى كرّاً» لصدق ملاقاته للباقي.

ونبّه بقوله : «لاقى كرّاً» على أنّه لا يشترط في طهره به وقوعه عليه دفعةً ـ كما هو المشهور بين المتأخّرين (٦) ـ بل تكفي ملاقاته له مطلقاً؛ لصيرورتهما بالملاقاة ماءً واحداً ، ولأنّ الدفعة لا يتحقّق لها معنى؛ لتعذّر الحقيقيّة وعدم الدليل

____________________

١) اُنظر التذكرة ١ : ١٧ ، والمنتهى ١ : ٢٨ ـ ٢٩ ، والقواعد ١ : ١٨٢ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٢٨.

٢) كالسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) ٣ : ٢٢ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٣٨ ، ولم نقف على غيرهما.

٣) المراد من الدليل النقلي عموم الأدلّة الدالّة على اعتبار الكريّة ، اُنظر روض الجنان ١ : ٣٦٢ ، وراجع الوسائل ١ : ١١٧ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١ و ٢.

٤) عطف على «انفعاله».

٥) وهو انفعاله بمجرّد الملاقاة.

٦) كالمحقّق في الشرائع ١ : ١٢ ، والعلّامة في المنتهى ١ : ٦٤ ـ ٦٥ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٣٣.

٥٢

على العرفيّة.

وكذا لا يعتبر ممازجته له ، بل يكفي مطلق الملاقاة؛ لأنّ ممازجة جميع الأجزاء لا تتّفق ، واعتبار بعضها دون بعض تحكّمٌ ، والاتّحاد مع الملاقاة حاصل.

ويشمل إطلاق الملاقاة ما لو تساوى سطحاهما واختلف ، مع علوّ المطهِّر على النجس وعدمه.

والمصنّف رحمه الله لا يرى الاجتزاء بالإطلاق في باقي كتبه (١) بل يعتبر الدفعة ، والممازجة ، وعلوّ المطهّر أو مساواته. واعتبار الأخير ظاهرٌ دون الأوّلين ، إلّامع عدم صدق الوحدة عرفاً.

والكرّ المعتبرُ في الطهارة وعدم الانفعال بالملاقاة «هو * ألف ومئتا رِطلٍ» بكسر الراء على الأفصح وفتحها على قلّة «بالعراقي» وقدره مئة وثلاثون درهماً على المشهور فيهما (٢) (٣).

وبالمساحة ما بلغ مكسّره اثنين وأربعين شبراً وسبعة أثمان شبر مستوي

____________________

١) فقد اعتبر في الدروس : الدفعة ، وفي الذكرى : الممازجة ، وفيهما وفي البيان : علوّ المطهّر أو مساواته ، اُنظر الدروس ١ : ١١٨ ـ ١١٩ ، والذكرى ١ : ٨٥ ، والبيان : ٩٩ ، واعتبر الدفعة أيضاً في غاية المراد ١ : ٦٥.

*) في (ق) بدل «هو» : قدره.

٢) في العراقي وقدره.

٣) مقابل المشهور أمران : أحدهما أنّه بالمدني وهو مئة وخمسة وتسعون.

والثاني : أنّ العراقي مئة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم ، وقد اختاره العلّامة في التحرير [١ : ٣٧٤] في تقدير نصاب زكاة الغلّة. (منه رحمه الله).

٥٣

الخلقة (١) على المشهور والمختار عند المصنّف (٢) وفي الاكتفاء بسبعةٍ وعشرين قولٌ قويّ (٣).

«وينجس» الماء «القليل» وهو ما دون الكرّ «والبئر» وهو : مجمع ماءٍ نابعٍ من الأرض لا يتعدّاها غالباً ولا يخرج عن مسمّاها عرفاً «بالملاقاة» على المشهور فيهما بل كاد أن يكون إجماعاً.

«ويطهر القليل بما ذكر» وهو ملاقاته الكرّ على الوجه السابق ، وكذا يطهر بملاقاة الجاري مساوياً له أو عالياً عليه وإن لم يكن كرّاً عند المصنّف ومن يقول بمقالته فيه وبوقوع الغيث عليه إجماعاً.

«و» يطهر «البئر» بمطهِّر غيره مطلقاً و «بنزح جميعه للبعير» وهو من الإ بل بمنزلة الإنسان يشمل الذكر والاُنثى ، الصغير والكبير. والمراد من نجاسته المستندةُ إلى موته «و» كذا «الثور» قيل : هو ذكر البقر (٤) والأولى اعتبار اطلاق اسمه عرفاً مع ذلك «والخمر» قليله وكثيره «والمسكر» المائع بالأصالة «ودم الحدث» وهو الدماء الثلاثة على المشهور «والفُقّاع» بضمّ الفاء. وألحق به المصنّف في الذكرى العصير العنبي بعد اشتداده بالغليان قبل ذهاب ثلثيه (٥) وهو بعيد.

ولم يذكر هنا المنيّ ممّا له نفسٌ (٦) والمشهور فيه ذلك ، وبه قطع المصنّف في

____________________

١) لم يرد «الخلقة» في (ع) و (ف).

٢) اُنظر الذكرى ١ : ٨٠ ، والدروس ١ : ١١٨ ، والبيان : ٩٨.

٣) قاله الصدوق في الفقيه ١ : ٦ ، ذيل الحديث ٢ ، والعلّامة في المختلف ١ : ١٨٤.

٤) قاله الجوهري في الصحاح ٢ : ٦٠٦ ، (ثور).

٥) الذكرى ١ : ٩٩.

٦) في (ر) : نفس سائلة.

٥٤

المختصرين (١) ونسبه في الذكرى إلى المشهور معترفاً فيه بعدم النصّ (٢) ولعلّه السبب في تركه هنا ، لكن دم الحدث كذلك ، فلا وجه لإفراده. وإ يجاب الجميع لما لا نصّ فيه يشملهما. والظاهر هنا حصر المنصوص بالخصوص.

«و» نزح «كرٍّ للدابّة» وهي الفرس «والحمار والبقرة» وزاد في كتبه الثلاثة البغل (٣) والمراد من نجاستها المستندة إلى موتها.

هذا هو المشهور ، والمنصوص منها مع ضعف طريقه (٤) : الحمار والبغل (٥) وغايته أن يُجبر (٦) ضعفه بعمل الأصحاب ، فيبقى إلحاق الدابّة والبقرة بما لا نصّ فيه أولى.

«و» نزح «سبعين دلواً معتادة» على تلك البئر ، فإن اختلفت فالأغلب «للإنسان» أي لنجاسته المستندة إلى موته ، سواء في ذلك الذكر

____________________

١) الدروس ١ : ١١٩ ، والبيان : ٩٩.

٢) الذكرى ١ : ٩٣.

٣) الذكرى ١ : ٩٤ ، والدروس ١ : ١١٩ ، والبيان : ١٠٠.

٤) الظاهر أنّ ضعفه ب‍ «عمرو بن سعيد بن هلال» إذ لم يرد فيه مدح ولا ذمّ. اُنظر جامع الرواة ١ : ٦٢٢.

٥) اُنظر الوسائل ١ : ١٣٢ ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥ ، والتهذيب ١ : ٢٣٥ ، الحديث ٦٧٩ ، وفيهما بدل «البغل» : «الجمل» وقال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة : ظاهر أو صريح المعتبر وكشف الالتباس والمهذّب والمقتصر والذكرى والروض والروضة : أنّ البغل موجود فيها ، بل هو ظاهر الذكرى جزماً ، ونصّ الفاضل في شرحه : أنّ البغل موجود في موضع من التهذيب ، والاُستاذ في شرح المفاتيح وحاشية المدارك : أنّه في بعض نسخ التهذيب ذكر فيها «البغل» بعنوان النسخة ، مفتاح الكرامة ١ : ١٠٩.

٦) في (ع) و (ف) : ينجبر.

٥٥

والاُنثى والصغير والكبير والمسلم والكافر إن لم نوجب الجميع لما لا نصّ فيه ، وإلّا اختصّ بالمسلم.

«وخمسين» دلواً «للدم الكثير» في نفسه عادةً ـ كدم الشاة المذبوحة ـ غير الدماء الثلاثة؛ لما تقدّم. وفي إلحاق دم نجس العين بها وجه مخرَّج (١) «والعذرة الرطبة» وهي فضلة الإنسان. والمرويّ اعتبار ذوبانها (٢) وهو تفرّق أجزائها وشيوعها في الماء. أمّا الرطوبة فلا نصّ على اعتبارها ، لكن ذكرها الشيخ (٣) وتبعه المصنّف وجماعة (٤) واكتفى في الدروس بكلٍّ منهما (٥) وكذلك تعيّن الخمسين ، والمرويّ : أربعون أو خمسون (٦) وهو يقتضي التخيير ، وإن كان اعتبار الأكثر أحوط أو أفضل.

«وأربعين» دلواً «للثعلب والأرنب والشاة والخنزير والكلب والهرّ»

____________________

١) وجه التخريج : أنّه يلحق بالدماء الثلاثة في تغليظ حكمه ، حيث لا يعفى عن قليله ولا كثيره في الصلاة ، فإذا استثني الدماء الثلاثة هنا من مطلق الدم لقوّة نجاستها استثني منها دم نجس العين؛ لما ذكر. وفيه منع كلّ من الحكمين؛ فإنّ الدم في النصّ مطلق ، وإخراج الدماء الثلاثة أيضاً في محلّ النظر حيث لا نصّ. ولو سُلّم فإلحاق غيرها بها ممنوع. وأيضاً فإنّهم لم يلحقوه بها في نزح الجميع مع وجود العلّة ، فالأولى أن لا يلحق هنا ، والقول بإلحاقه بها ثمّة ـ كما قال المصنّف في الذكرى [١ : ١٠١] ـ شكّ في شكّ. (منه رحمه الله).

٢) الوسائل ١ : ١٤٠ ، الباب ٢٠ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١ و ٢.

٣) في النهاية : ٧ ، والمبسوط ١ : ١٢.

٤) كابن حمزة في الوسيلة : ٧٥ ، والكيدري في الإصباح : ٢٤ ، والعلّامة في المنتهى ١ : ٧٩ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٥٩.

٥) الدروس ١ : ١١٩ ـ ١٢٠.

٦) تقدّم تخريجه آنفاً.

٥٦

وشبه ذلك ، والمراد من نجاسته بالموت (١) كما مرّ. والمستنَد ضعيف (٢) والشهرة جابرة على ما زعموا «و» كذا في «بول الرجل» سنداً (٣) وشهرةً. وإطلاق «الرجل» يشمل المسلم والكافر ، وتخرج المرأة والخنثى ، فيلحق بولهما بما لا نصّ فيه ، وكذا بول الصبيّة ، أمّا الصبي فسيأتي. ولو قيل فيما لا نصّ فيه بنزح ثلاثين أو أربعين وجب في بول الخنثى أكثر الأمرين منه ومن بول الرجل ، مع احتمال الاجتزاء بالأقلّ؛ للأصل.

«و» نزح «ثلاثين» دلواً «لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخُرء الكلب» في المشهور ، والمستند روايةٌ مجهولة الراوي (٤).

وإ يجاب خمسين للعذرة وأربعين لبعض الأبوال والجميع للبعض ـ كالأخير منفرداً ـ لا ينافي وجوب ثلاثين له مجتمعاً مخالطاً للماء؛ لأنّ مبنى حكم البئر على جمع المختلف وتفريق المتّفق (٥) فجاز إضعاف ماء المطر لحكمه وإن لم تذهب أعيان هذه الأشياء.

____________________

١) في (ر) : المستندة بالموت.

٢) قال في روض الجنان (١ : ٤٠١) بعد إسناده الحكم إلى المشهور : «ورواه عليّ بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام». انظر الوسائل ١ : ١٣٤ ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

٣) قال قدس سره في روض الجنان (١ : ٤٠١) : رواه عليّ بن أبي حمزة أيضاً عن الصادق عليه السلام. راجع الوسائل ١ : ١٣٣ ، الباب ١٦ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

٤) وهو «كردويه» كما صرّح به في المسالك ١ : ١٩ ، راجع المصدر السابق ، الحديث ٣.

٥) كالجمع بين الشاة والخنزير في الحكم مع اختلافهما. وتفريق المتّفق ، كالتفريق بين الخنزير والكافر مع اتّفاقهما في النجاسة. (منه رحمه الله).

٥٧

ولو خالط أحدها كفت الثلاثون إن لم يكن له مقدّر ، أو كان وهو أكثر أو مساوٍ ، ولو كان أقلّ اقتصر عليه. وأطلق المصنّف : أنّ حكم بعضها كالكلّ (١) وغيرُه : بأنّ الحكم معلّق (٢) بالجميع (٣) فيجب لغيره مقدّره أو الجميع. والتفصيل أجود.

«و» نزح «عشر» دلاء «ليابس العذرة» وهو غير ذائبها ، أو رطبها ، أو هما على الأقوال (٤) «وقليل الدم» كدم الدجاجة المذبوحة في المشهور. والمرويّ : «دلاء يسيرة» (٥) وفسّرت بالعشر؛ لأنّه أكثر عددٍ يضاف إلى هذا الجمع ، أو لأنّه أقلّ جمع الكثرة (٦) وفيهما نظر.

____________________

١) اُنظر البيان : ١٠٠ ، والذكرى ١ : ١٠٠.

٢) في (ع) و (ف) : متعلّق.

٣) اُنظر الشرائع ١ : ١٤ ، والتذكرة ١ : ٢٦ ، وكشف الالتباس ١ : ٦٩ ـ ٧٠.

٤) الأوّل للصدوق في الهداية : ٧١ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٦٥. والثاني للشيخ في النهاية : ٧ ، وسلّار في المراسم : ٣٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٧٥. والثالث للمفيد في المقنعة : ٦٧ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٧٩.

٥) الوسائل ١ : ١٤١ ، الباب ٢١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث الأوّل.

٦) القائل بأنّ العشرة أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع : الشيخ في التهذيب [١ : ٢٤٥ ، ذيل الحديث ٧٠٥] وهو يدلّ على أنّه جمع قلّة ، والنظر في الأمرين معاً ، أمّا الجمع فظاهر أنّه جمع كثرة كما هو معلوم من قواعد العربيّة ، وأمّا الحمل على أكثره على تقدير تسلّمه فمنعه ظاهر ، فإنّ إطلاق الحكم بالجمع محمول على الاجتزاء بأقلّه كما هو معلوم من حال الشارع في جميع أبواب الفقه فحمله على الاجتزاء بالأقلّ أولى. والقائل بأ نّه جمع كثرة والاجتزاء بالعشرة العلّامة في المنتهى [١ : ٨١] والمختلف [١ : ١٩٩] وقد أصاب في الجمع دون مدلوله ، فإنّ أقلّ جمع الكثرة أحد عشر بلا خلاف ، فحمله على العشرة التي هي

٥٨

«و» نزح «سبع» دلاءٍ «للطير» وهو الحمامة فما فوقها ، أي لنجاسة موته «والفأرة مع انتفاخها» في المشهور. والمرويّ (١) ـ وإن ضعف ـ : اعتبارُ تفسّخها «وبول الصبيّ» وهو : الذكر الذي زاد سنّه عن حولين ولم يبلغ الحُلُم. وفي حكمه : الرضيع الذي يغلب أكله على رضاعه أو يساويه «وغسل الجنب» الخالي بدنه من نجاسةٍ عينيّة.

ومقتضى النصّ نجاسة الماء بذلك لا سلب الطهوريّة ، وعلى هذا فإن اغتسل مرتمساً طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث. وإن اغتسل مرتّباً ففي نجاسة الماء بعد غسل الجزء الأوّل مع اتّصاله به أو وصول الماء إليه ، أو توقفه على إكمال الغسل ، وجهان. ولا يلحق بالجنب غيره ممّن يجب عليه الغسل؛ عملاً بالأصل ، مع احتماله.

«وخروج الكلب» من ماء البئر «حيّاً» ولا يلحق به الخنزير ، بل بما لا نصّ فيه.

«و» نزح «خمسٍ لذرق الدجاج» مثلّث الدال في المشهور. ولا نصّ عليه ظاهراً ، فيجب تقييده ب‍ «الجلّال» كما صنع المصنّف في البيان (٢) ليكون

____________________

أكثر جمع القلّة ليس بسديد ، ومع ذلك لا يخفى أنّ الفرق بين الجمعين اصطلاح خاصّ يأباه العرف ، والحكم الشرعي منوط به كما يعلم ذلك في أبواب الأقارير والوصايا وغيرها وبذلك يظهر وجه النظر في القولين بل فسادهما رأساً. (منه رحمه الله).

١) وهي رواية أبي سعيد المكاري ، اُنظر روض الجنان ١ : ٤٠٩ ، والوسائل ١ : ١٣٧ ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، ذيل الحديث الأوّل. وأبو سعيد المكاري ملعون ، اُنظر المسالك ٨ : ١٢.

٢) البيان : ١٠٠.

٥٩

نجساً. ويحتمل حينئذٍ : وجوب نزح الجميع إلحاقاً له بما لا نصّ فيه إن لم يثبت الإ جماع على خلافه ، وعشرٍ إدخالاً له في العذرة ، والخمسِ للإ جماع على عدم الزائد إن تمّ. وفي الدروس صرّح بإرادة العموم ـ كما هنا ـ وجعل التخصيص ب‍ «الجلّال» قولاً (١).

«وثلاث» دلاءٍ «للفأرة» مع عدم الوصف «والحيّة» على المشهور ، والمأخذ فيها ضعيف (٢) وعُلّل : بأنّ لها نفساً فتكون ميتتها نجسة (٣) وفيه : ـ مع الشكّ في ذلك ـ عدم استلزامه للمدّعى.

«و» اُلحق بها «الوَزَغَة» بالتحريك. ولا شاهد له كما اعترف به المصنّف في غير البيان (٤) وقطع بالحكم فيه (٥) كما هنا. واُلحق بها العقرب ، وربّما قيل بالاستحباب (٦) لعدم النجاسة ، ولعلّه لدفع وَهْم السمّ.

«ودلو للعُصفور» بضمّ عينه ، وهو ما دون الحمامة ، سواء كان مأكول اللحم أم لا. وألحق به المصنّف في الثلاثة (٧) بولَ الرضيع قبل اغتذائه بالطعام في

____________________

١) الدروس ١ : ١٢٠.

٢) قال قدس سره في روض الجنان (١ : ٤٠٣) : وكذا الحيّة على المشهور إحالةً على الفأرة ، وهو مأخذ ضعيف.

٣) علّله المحقّق في المعتبر ١ : ٧٥.

٤) اعترف في الدروس (١ : ١٢٠) بعدم الشاهد للحيّة ، وفي الذكرى (١ : ٩٨) بعدم النصّ صريحاً في العقرب ، واستشهد فيها للوزغة بقول الصادق عليه السلام.

٥) البيان : ١٠٠.

٦) قال به العلّامة في القواعد ١ : ١٨٨.

٧) بل ألحق العصفورَ ببول الرضيع ، راجع الذكرى ١ : ٩٨ ، والدروس ١ : ١٢٠ ، والبيان : ١٠٠.

٦٠