الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-45-1
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٢

بنفسه واستؤجر على المباشرة لم يصحّ ، وكذا لو كان لا يستطيع القيام في صلاة الطواف. نعم لو رضي المستأجر بذلك حيث يصحّ منه الرضا جاز.

«وعدالتُه» حيث تكون الإجارة عن ميّتٍ أو من يجب عليه الحجّ «فلا يُستأجر فاسق» أمّا لو استأجره ليحجّ عنه تبرّعاً لم تعتبر العدالة ، لصحّة حجّ الفاسق ، وإنّما المانع عدم قبول خبره.

«ولو حجّ» الفاسق عن غيره «أجزأ *» عن المنوب عنه في نفس الأمر وإن وجب عليه استنابة غيره لو كان واجباً ، وكذا القول في غيره من العبادات كالصلاة والصوم والزيارة المتوقّفة على النيّة.

«والوصيّة بالحجّ» مطلقاً من غير تعيين مالٍ «ينصرف إلى اُجرة المثل» وهو ما يُبذل غالباً للفعل المخصوص لمن استجمع شرائط النيابة في أقلّ مراتبها ، ويُحتمل اعتبار الأوسط. هذا إذا لم يوجد من يأخذ أقلّ منها وإلّا اقتصر عليه ، ولا يجب تكلّف تحصيله. ويعتبر ذلك من البلد أو الميقات على الخلاف.

«ويكفي» مع الإطلاق «المرّة ، إلّامع إرادة التكرار» فيكرّر حسب ما دلّ عليه اللفظ ، فإن زاد عن الثلث اقتصر عليه إن لم يُجز الوارث ، ولو كان بعضه أو جميعه واجباً فمن الأصل.

«ولو عيّن القدرَ والنائبَ تعيّنا» إن لم يزد القدر عن الثلث في المندوب وعن اُجرة المثل في الواجب ، وإلّا اعتبرت الزيادة من الثلث مع عدم إجازة الوارث. ولا يجب على النائب القبول ، فإن امتنع طلباً للزيادة لم يجب إجابته ، ثم يُستأجر غيره بالقدر إن لم يُعلم إرادة تخصيصه به ، وإلّا فباُجرة المثل إن لم يزد عنه أو يُعلم إرادته خاصّة ، فيسقط بامتناعه بالقدر أو مطلقاً.

____________________

*) في (ق) : أجزأه.

٤٦١

ولو عيَّن النائب خاصّة اُعطي اُجرة مثل من يحجّ مجزياً ، ويحتمل اُجرة مثله فإن امتنع منه أو مطلقاً استؤجر غيره إن لم يعلم إرادة التخصيص ، وإلّا سقط.

«ولو عيّن لكلّ سنة قدراً» مفصّلاً كألف ، أو مجملاً كغلّة بستان «وقصُر كمل من الثانية» فإن لم تسع الثانية «فالثالثة» فصاعداً ما يُتمّم اُجرة المثل ولو بجزءٍ وصُرف الباقي مع ما بعده كذلك.

ولو كانت السنون معيَّنة ففضل منها فضلة لا تفي بالحجّ أصلاً ففي عودها إلى الورثة أو صرفها في وجوه البرّ؟ وجهان ، أجودهما الأوّل إن كان القصور ابتداءً ، والثاني إن كان طارئاً. والوجهان آتيان فيما لو قصُر المعيَّن لحجّة واحدة ، أو قصُر ماله أجمع عن الحجّة الواجبة. ولو أمكن استنماؤه أو رُجي إخراجه في وقتٍ آخر وجب مقدّماً على الأمرين.

«ولو زاد» المعيّن للسنة عن اُجرة حجّة ولم يكن مقيّداً بواحدة «حُجّ» عنه به «مرتين» فصاعداً إن وسع «في عام *» واحد «من اثنين (١)» فصاعداً. ولا يضرّ اجتماعهما معاً في الفعل في وقت واحد؛ لعدم وجوب الترتيب هنا كالصوم ، بخلاف الصلاة. ولو فضل عن واحدة جزءٌ اُضيف إلى ما بعده إن كان ، وإلّا ففيه ما مرّ.

«والوَدَعيّ» لمال إنسانٍ «العالم بامتناع الوارث» من إخراج الحجّ الواجب عليه عنه «يستأجر عنه من يحجّ أو» يحجّ عنه هو «بنفسه» وغير الوديعة من الحقوق الماليّة حتى الغصب بحكمها. وحكمُ غيره من الحقوق التي تخرج من أصل المال ـ كالزكاة والخمس والكفّارة والنذر ـ حكمُه. والخبر (٢) هنا

____________________

*) في (ق) : في عام مرّتين.

١) أي نائبين اثنين.

٢) يعني قول الماتن : يستأجر.

٤٦٢

معناه الأمر ، فإن ذلك واجب عليه ، حتى لو دفعه إلى الوارث اختياراً ضمن.

ولو علم أنّ البعض يؤدّي ، فإن كان نصيبه يفي به بحيث يحصل الغرض منه وجب الدفع إليهم ، وإلّا استأذن من يؤدّي مع الإمكان ، وإلّا سقط.

والمراد بالعلم هنا ما يشمل الظنّ الغالب المستند إلى القرائن. وفي اعتبار الحجّ من البلد أو الميقات ما مرّ (١).

«ولو كان عليه حجّتان إحداهما نذر فكذلك» يجب إخراجهما (٢) فما زاد «إذ الأصحّ أنّهما من الأصل» لاشتراكهما في كونهما حقّاً واجباً ماليّاً. ومقابل الأصحّ إخراج المنذورة من الثلث ، استناداً إلى رواية (٣) محمولة على نذرٍ غير لازم ، كالواقع في المرض.

ولو قصر المال عنهما تحاصّتا فيه ، فإن قصرت الحصّة عن إخراج الحجّة بأقل ما يمكن ووسع الحجّ خاصّة أو العمرة صرف فيه (٤) فإن قصر عنهما ووسع أحدهما ، ففي تركهما والرجوع إلى الوارث ، أو البرّ ـ على ما تقدّم ـ أو تقديم حجّة الإسلام ، أو القرعة؟ أوجه. ولو وسع الحجّ خاصّة أو العمرة ، فكذلك.

____________________

١) مرّ في الصفحة ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

٢) في (ف) : إخراج الجميع.

٣) الوسائل ٨ : ٥١ ، الباب ٢٩ من أبواب وجوب الحجّ ، الحديث الأوّل.

٤) المراد بقوله «ووسع الحجّ خاصّة أو العمرة» أنّ الحصّة وسعت أحدهما من كلّ منهما. وقوله «فإن قصر عنهما ووسع أحدهما» أي قصرت الحصّة الحاصلة من التحاصّ عن إخراج حجّة أو عمرة لكلّ منهما ، ولكن وسع المجموع لإخراج حجّة كاملة مشتملة على العمرة لإحداهما خاصّة ففيه الأوجه. وقوله «ولو وسع الحجّ خاصّة أو العمرة» أي وسع المجموع لإحدى الحجّتين خاصّة أو إحدى العمرتين خاصّة ففيه الأوجه. (منه رحمه الله).

٤٦٣

ولو لم يسع أحدهما فالقولان. والتفصيل آتٍ فيما لو أقرّ بالحجّتين أو علم الوارث أو الوصي كونهما عليه.

«ولو تعدّدوا» من عنده الوديعة أو الحقّ وعلموا بالحقّ وبعضهم ببعض «وزّعت» اُجرة الحجّة وما في حكمها عليهم بنسبة ما بأيديهم من المال. ولو أخرجها بعضهم بإذن الباقين ، فالظاهر الإجزاء؛ لاشتراكهم في كونه مال الميّت الذي يُقدّم إخراج ذلك منه على الإرث. ولو لم يعلم بعضهم بالحقّ تعيّن على العالم بالتفصيل. ولو علموا به ولم يُعلم بعضهم ببعض فأخرجوا جميعاً أو حجّوا فلا ضمان مع الاجتهاد على الأقوى ، ولا معه ضمنوا ما زاد على الواحدة. ولو علموا في الأثناء سقط من وديعة كلّ منهم ما يخصّه من الاُجرة ، وتحلّلوا ما عدا واحد بالقرعة إن كان بعد الإحرام. ولو حجّوا عالمين بعضهم ببعض صحّ السابق خاصّة وضمن اللاحق ، فإن أحرموا دفعةً وقع الجميع عن المنوب وسقط من وديعة كلّ واحدٍ ما يخصّه من الاُجرة الموزّعة وغرم الباقي.

وهل يتوقّف تصرّفهم على إذن الحاكم؟ الأقوى ذلك مع القدرة على إثبات الحقّ عنده؛ لأنّ ولاية إخراج ذلك قهراً على الوارث إليه. ولو لم يمكن فالعدم أقوى ، حذراً من تعطيل الحقّ الذي يعلم من بيده المال ثبوته ، وإطلاق النصّ (١) إذنٌ له.

«وقيل : يفتقر إلى إذن الحاكم» مطلقاً (٢) بناءً على ما سبق. «وهو بعيد» لإطلاق النصّ وإفضائه إلى مخالفته حيث يتعذّر.

____________________

١) الوسائل ٨ : ١٢٨ ، الباب ١٣ من أبواب النيابة في الحجّ ، الحديث الأوّل.

٢) لم نظفر بقائله.

٤٦٤

«الفصل الثاني»

«في أنواع الحجّ»

«وهي ثلاثة : تمتّعٌ» وأصله التلذّذ سمّي هذا النوع به ، لما يتخلّل بين عمرته وحجّه من التحلّل الموجب لجواز الانتفاع والتلذّذ بما كان قد حرّمه الإحرام مع ارتباط عمرته بحجّه حتى أنّهما كالشيء الواحد شرعاً ، فإذا حصل بينهما ذلك فكأ نّه حصل في الحجّ.

«وهو فرض من نأى» أي بَعُد «عن مكّة بثمانية وأربعين ميلاً من كلّ جانب على الأصحّ» للأخبار الصحيحة الدالّة عليه (١) والقول المقابل للأصحّ اعتبار بُعده باثني عشر ميلاً (٢) حملاً للثمانية والأربعين على كونها موزّعة على الجهات الأربع ، فيخص (٣) كلّ واحدة اثني عشر.

ومبدأ التقدير منتهى عمارة مكّة إلى منزله ، ويُحتمل إلى بلده مع عدم سعتها جدّاً ، وإلّا فمحلّته.

____________________

١) راجع الوسائل ٨ : ١٨٦ ، الباب ٦ من أبواب أقسام الحجّ.

٢) اختاره ابن إدريس في السرائر ١ : ٥١٩ ، والعلّامة في القواعد ١ : ٣٩٨ ، والإرشاد ١ : ٣٠٩.

٣) في (ر) : فيختصّ.

٤٦٥

«و» يمتاز هذا النوع عن قسيميه أنّه «يقدّم عمرته على حجّه ناوياً بها التمتع» بخلاف عُمرتيهما فإنّها مفردة بنيّته.

«وقران وإفراد» ويشتركان في تأخير العمرة عن الحجّ وجملة الأفعال. وينفرد القران بالتخيير في عقد إحرامه بين الهدي والتلبية ، والإفراد بها (١) وقيل : القران : أن يقرن بين الحجّ والعمرة بنيّة واحدة (٢) فلا يحلّ إلّابتمام أفعالهما مع سوق الهدي. والمشهور الأوّل.

«وهو» أي كلّ واحد منهما «فرض من نقص عن ذلك» المقدار من المسافة مخيّراً بين النوعين ، والقران أفضل.

«ولو أطلق الناذر» وشبهه للحجّ «تخيّر في الثلاثة» مكّياً كان أم اُفقيّاً «وكذا يتخيّر من حجّ ندباً» والتمتّع أفضل مطلقاً وإن حجّ ألفاً وألفاً (٣).

«وليس لمن تعيّن عليه نوعٌ» بالأصالة أو العارض «العدول إلى غيره على الأصحّ» عملاً بظاهر الآية (٤) وصريح الرواية (٥) وعليه الأكثر (٦) والقول الآخر جواز التمتّع للمكّي (٧) وبه روايات (٨) حملُها على الضرورة

____________________

١) أي بالتلبية.

٢) نقله العلّامة عن ابن أبي عقيل في المختلف ٤ : ٢٤.

٣) راجع الوسائل ٨ : ١٨١ ، الباب ٤ من أبواب أقسام الحجّ ، الأخبار سيّما الحديث ٢١.

٤) وهو قوله تعالى : (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) البقرة : ١٩٦.

٥) راجع الوسائل ٨ : ١٨٦ ، الباب ٦ من أبواب أقسام الحجّ.

٦) منهم المحقّق في المعتبر ٢ : ٧٨٥ ، والعلّامة في القواعد ١ : ٣٩٩ ، والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ٤٢٩.

٧) قاله الشيخ في المبسوط ١ : ٣٠٦ ، والخلاف ٢ : ٢٧٢ ، المسألة ٤٢.

٨) راجع الوسائل ٨ : ١٨٩ ، الباب ٧ من أبواب أقسام الحجّ.

٤٦٦

طريقُ الجمع.

أمّا النائي فلا يجزئه غير التمتّع اتّفاقاً «إلّالضرورة» استثناء من عدم جواز العدول مطلقاً.

ويتحقّق ضرورة المتمتّع بخوف الحيض المتقدّم على طواف العمرة بحيث يفوت اختياريّ عرفة قبل إتمامها ، أو التخلّف عن الرفقة إلى عرفة حيث يحتاج إليها ، وخوفه من دخول مكّة قبل الوقوف لا بعدَه ، ونحوه (١).

وضرورة المكّي بخوف الحيض المتأخّر عن النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهّر ، وخوف عدوّ بعدَه ، وفوت الصحبة كذلك.

«ولا يقع» وفي نسخةٍ لا يصحّ (٢) «الإحرام بالحجّ» بجميع أنواعه أ«وعمرة التمتّع إلّافي» أشهر الحجّ «شوّال وذي القعدة وذي الحجّة» على وجهٍ يدرك باقي المناسك في وقتها ، ومن ثَمّ ذهب بعضهم إلى أنّ أشهر الحجّ الشهران وتسع من ذي الحجّة (٣) لفوات اختياري عرفة اختياراً بعدَها. وقيل : عشر (٤) لإمكان إدراك الحجّ في العاشر بإدراك المشعر وحده ، حيث لا يكون فوات عرفة اختياريّاً. ومن جعلها الثلاثة نظر إلى كونها ظرفاً زمانيّاً لوقوع أفعاله في الجملة. وفي جعل الحجّ أشهراً ـ بصيغة الجمع ـ في الآية (٥) إرشاد إلى

____________________

١) أي نحو الخوف ، مثل تضيّق الوقت للطواف والسعي.

٢) كما في نسخة (س).

٣) ذهب إليه الشيخ في الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٢٦ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٢١٣.

٤) قاله السيّد المرتضى في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٦٢ ، وسلّار في المراسم : ١٠٤ ، وحكاه العلّامة في المختلف ٤ : ٢٧ عن ابن أبي عقيل.

٥) وهو قوله تعالى : (اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ) ... البقرة : ١٩٧.

٤٦٧

ترجيحه. وبذلك يظهر أنّ النزاع لفظي.

وبقي العمرة المفردة ، ووقتها مجموع أيّام السنة.

«ويشترط في التمتّع جمع الحجّ والعمرة لعامٍ واحد» فلو أخّر الحجّ عن سنتها صارت مفردة ، فيتبعها بطواف النساء. أمّا قسيماه فلا يشترط إيقاعهما في سنة في المشهور ، خلافاً للشيخ حيث اعتبرها في القران (١) كالتمتّع.

«والإحرام بالحجّ له» أي للتمتّع «من مكّة» من أيّ موضع شاء منها «وأفضلها المسجد» الحرام «ثمّ» الأفضل منه «المقام ، أو تحت الميزاب» مخيّراً بينهما ، وظاهره تساويهما في الفضل. وفي الدروس : الأقرب أنّ فعله في المقام أفضل من الحِجر تحت الميزاب (٢) وكلاهما مرويّ (٣).

«ولو أحرم» المتمتّع بحجّه (٤) «بغيرها» أي غير مكّة «لم يجز إلّامع التعذّر» المتحقّق بتعذّر الوصول إليها ابتداءً ، أو تعذّر العود إليها مع تركه بها نسياناً أو جهلاً ، لا عمداً. ولا فرق بين مروره على أحد المواقيت وعدمه.

«ولو» تلبّس بعمرة التمتّع و «ضاق الوقت عن إتمام العمرة» قبلَ الإكمال وإدراك الحجّ «بحيض أو نفاس أو عذر*» مانعٍ عن الإكمال بنحو ما مرّ «عدل» بالنيّة من العمرة المتمتّع بها «إلى» حجّ «الإفراد» وأكمل

____________________

١) ظاهر عبارته اعتبارها في القران والإفراد ، راجع المبسوط ١ : ٣٠٧.

٢) الدروس ١ : ٤١٦.

٣) الوسائل ٩ : ٧١ ، الباب ٥٢ من أبواب الإحرام ، الحديث الأوّل.

٤) في (ع) و (ف) : لحجّه.

*) في مصحّحة (ق) زيادة : أو عدوّ.

٤٦٨

الحجّ بانياً على ذلك الإحرام «وأتى بالعمرة» المفردة «من بعد» إكمال الحجّ ، وأجزأه عن فرضه ، كما يجزئ لو انتقل ابتداءً للعذر. وكذا يعدل من الإفراد وقسيمه إلى التمتّع للضرورة ، أمّا اختياراً فسيأتي الكلام فيه (١) ونيّة العدول عند إرادته قصد الانتقال إلى النُسُك المخصوص متقرّباً.

«ويشترط في» حجّ «الإفراد النيّة» والمراد بها نيّة الإحرام بالنُسُك المخصوص. وعلى هذا يمكن الغنى عنها بذكر الإحرام ، كما يُستغنى عن باقي النيّات بأفعالها. ووجه تخصيصه أنّه الركن الأعظم باستمراره ومصاحبته لأكثر الأفعال وكثرة أحكامه. بل هو في الحقيقة عبارة عن النيّة؛ لأنّ توطين النفس على ترك المحرَّمات المذكورة لا يخرج عنها؛ إذ لا يعتبر استدامته. ويمكن أن يريد به نيّة الحجّ جملة ، ونيّة الخروج من المنزل كما ذكره بعض الأصحاب (٢) وفي وجوبهما نظر أقربه العدم. والذي اختاره المصنّف في الدروس الأوّل (٣).

«وإحرامه» به «من الميقات» وهو أحد الستّة الآتية وما في حكمها (٤) «أو من دويرة أهله ، إن كانت أقرب» من الميقات «إلى عرفات» اعتبر القرب إلى عرفات؛ لأنّ الحجّ بعد الإهلال به من الميقات لا يتعلّق الغرض فيه

____________________

١) سيأتي في الصفحة ٤٧١.

٢) قال في الدروس (١ : ٣٩١) : ويظهر من سلّار أنّها نيّة الخروج إلى مكّة ، راجع المراسم : ١٠٤.

٣) يعني نيّة الإحرام ، راجع الدروس ١ : ٣٣٩.

٤) وهو ما كان محاذياً لأحد المواقيت.

٤٦٩

بغير عرفات ، بخلاف العمرة ، فإنّ مقصدها بعد الإحرام مكّة ، فينبغي اعتبار القرب فيها إلى مكّة ، ولكن لم يذكره هنا. وفي الدروس أطلق القرب (١) وكذا أطلق جماعة (٢) والمصرَّح به في الأخبار الكثيرة هو القرب إلى مكّة مطلقاً (٣) فالعمل به متعيّن ، وإن كان ما ذكره هنا متوجّهاً.

وعلى ما اعتبره المصنّف من مراعاة القرب إلى عرفات فأهل مكّة يحرمون من منزلهم؛ لأنّ دويرتهم أقرب من الميقات إليها. وعلى اعتبار مكّة فالحكم كذلك ، إلّاأنّ الأقربيّة لا تتمّ لاقتضائها المغايرة بينهما. ولو كان المنزل مساوياً للميقات أحرم منه.

ولو كان مجاوراً بمكّة قبل مضيّ سنتين خرج إلى أحد المواقيت ، وبعدهما (٤) يساوي أهلَها.

«و» يشترط «في القران ذلك» المذكور في حجّ الإفراد «و» يزيد «عقده» لإحرامه «بسياق الهدي وإشعاره» بشقّ سنامه من الجانب الأيمن ، ولطخه بدمه «إن كان بدنة ، وتقليده إن كان» الهدي «غيرها» أي غير البدنة «بأن يعلِّق في رقبته نعلاً قد صلّى» السايق «فيه ولو نافلة. ولو قلّد الإبل» بدَلَ إشعارها «جاز».

____________________

١) الدروس ١ : ٣٤١.

٢) منهم : سلّار في المراسم : ١٠٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٦٠ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٢٣٩.

٣) راجع الوسائل ٨ : ٢٤٢ ، الباب ١٧ من أبواب المواقيت.

٤) في (ش) (ع) و (ف) : بعدها.

٤٧٠

«مسائل»

«الاُولى» :

«يجوز لمن حجّ ندباً مفرداً العدول إلى» عمرة «التمتّع» اختياراً وهذه هي المتعة التي أنكرها الثاني (١) «لكن لا يلبّي بعد طوافه وسعيه» لأنّهما محلّلان من العمرة في الجملة ، والتلبية عاقدة للإحرام فيتنافيان؛ ولأنّ عمرة التمتّع لا تلبية فيها بعد دخول مكّة.

«فلو لبّى» بعدهما «بطلت متعته» التي نقل إليها «وبقي على حجّه» السابق؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام (٢) ولأنّ العدول كان مشروطاً بعدم التلبية. ولا ينافي ذلك الطواف والسعي؛ لجواز تقديمهما للمفرد على الوقوف. والحكم بذلك هو المشهور وإن كان مستنده لا يخلو من شيء.

«وقيل» والقائل ابن إدريس (٣) «لا اعتبار إلّابالنيّة» إطراحاً للرواية وعملاً بالحكم الثابت من جواز النقل بالنيّة ، والتلبية ذكر لا أثر له في المنع.

«ولا يجوز العدول للقارن» تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه وآله حيث بقي على حجّه لكونه قارناً وأمر من لم يسق الهدي بالعدول (٤).

____________________

١) راجع الوسائل ٨ : ١٦٤ ، الباب ٢ من أبواب أقسام الحجّ ، الحديث ٢٥ ، ٢٧ و ٣٣ ، والجامع الصحيح (سنن الترمذي) ٣ : ١٨٥ ، وسنن النسائي ٥ : ١٥٢ ـ ١٥٣.

٢) الوسائل ٨ : ١٨٥ ، الباب ٥ من أبواب أقسام الحجّ ، الحديث ٩.

٣) السرائر ١ : ٥٣٦.

٤) راجع الوسائل ٨ : ١٥٠ ، الباب ٢ من أبواب أقسام الحجّ ، الحديث ٤ وغيره.

٤٧١

«وقيل» : لا يختصّ جواز العدول بالإفراد المندوب بل «يجوز العدول عن الحجّ الواجب أيضاً (١)» سواء كان متعيّناً أم مخيّراً بينه وبين غيره كالناذر مطلقاً وذي المنزلين المتساويين؛ لعموم الأخبار الدالّة على الجواز (٢) «كما أمر به النبي صلى الله عليه وآله من لم يَسُق من الصحابة (٣)» من غير تقييد بكون المعدول عنه مندوباً أو غير مندوب «وهو قويّ» لكن فيه سؤال الفرق بين جواز العدول عن المعيّن اختياراً وعدم جوازه ابتداءً (٤) بل ربّما كان الابتداء أولى ، للأمر بإتمام الحجّ والعمرة للّٰه (٥) ومن ثمّ خصّه بعض الأصحاب بما إذا لم يتعيّن عليه الإفراد وقسيمه (٦) كالمندوب والواجب المخيَّر ، جمعاً بين ما دلّ على الجواز مطلقاً (٧) وما دلّ على اختصاص كلّ قوم بنوع (٨) وهو أولى إن لم نقل بجواز العدول عن الإفراد إلى التمتّع ابتداءً.

____________________

١) لم نظفر بمصرّح بجواز العدول ، نعم يمكن أن يستفاد ذلك من إطلاق كلام الشيخ في المبسوط ١ : ٣٠٦ ، وابن سعيد في الجامع : ١٧٩.

٢) راجع الوسائل ٨ : ١٨٣ ، الباب ٥ من أبواب أقسام الحجّ.

٣) مرّ تخريجه في الهامش رقم ٤ من الصفحة المتقدّمة.

٤) اعتراض على الماتن حيث قال في الصفحة ٤٦٦ : «وليس لمن تعيّن عليه نوعٌ العدول إلى غيره على الأصحّ» وقوّى هنا جواز العدول في الأثناء.

٥) إشارة إلى قوله تعالى : (وأتمّوا الحجّ والعمرة للّٰه) البقرة : ١٩٦.

٦) نسبه الفاضل المقداد إلى العلّامة وتلاميذه ، راجع التنقيح الرائع ١ : ٤٤٣ ، لكن ظاهر إطلاق العلّامة عدم الاختصاص ، راجع المنتهى ٢ : ٦٦٣ ، س ٢٥.

٧) راجع الوسائل ٨ : ١٨٣ ، الباب ٥ من أبواب أقسام الحجّ.

٨) المصدر السابق : ١٨٦ ، الباب ٦ من أبواب أقسام الحجّ.

٤٧٢

«الثانية» :

«يجوز للقارن والمفرد إذا دخلا مكّة الطواف والسعي» للنصّ على جوازه مطلقاً (١) «إمّا الواجب أو الندب» يمكن كون ذلك على وجه التخيير؛ للإطلاق ، والترديد؛ لمنع بعضهم من تقديم الواجب (٢) والأوّل مختاره في الدروس (٣) وعليه فالحكم مختصّ بطواف الحجّ ، دون طواف النساء ، فلا يجوز تقديمه إلّالضرورة كخوف الحيض المتأخّر.

وكذا يجوز لهما تقديم صلاة طوافٍ يجوز تقديمه ، كما يدلّ عليه قوله : «لكن يجدّدان التلبية عقيب صلاة الطواف» يعقدان بها الإحرام لئلّا يحلّا. «فلو تركاها أحلّا على الأشهر» للنصوص الدالّة عليه (٤) وقيل : لا يحلّان إلّابالنيّة (٥) وفي الدروس جعلها أولى (٦) وعلى المشهور ينبغي الفوريّة بها عقيبها ، ولا يفتقر إلى إعادة نيّة الإحرام ، بناءً على ما ذكره المصنّف من أنّ التلبية كتكبيرة الإحرام لا تعتبر بدونها (٧) لعدم الدليل على ذلك ، بل إطلاق هذا دليل على ضعف

____________________

١) الوسائل ٨ : ٢٠٤ ، الباب ١٤ من أبواب أقسام الحجّ.

٢) كابن إدريس في السرائر ١ : ٥٧٥.

٣) الدروس ١ : ٣٣٢.

٤) الوسائل ٨ : ٢٠٦ ، الباب ١٦ من أبواب أقسام الحجّ ، و ١٨٤ ، الباب ٥ ، الحديث ٥.

٥) قاله ابن إدريس في السرائر ١ : ٥٣٦ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٢٤٠ ، والعلّامة في القواعد ١ : ٤٠١.

٦) الدروس ١ : ٣٣٢.

٧) نقله في الدروس (١ : ٣٤٧) عن ابن إدريس ، اُنظر السرائر ١ : ٥٣٦.

٤٧٣

ذاك. ولو أخلّا بالتلبية صار حجّهما عمرة وانقلب تمتّعاً ولا يجزئ عن فرضهما؛ لأ نّه عدول اختياري.

واحترز بهما عن المتمتّع فلا يجوز له تقديمهما على الوقوف اختياراً ، ويجوز (١) مع الاضطرار كخوف الحيض المتأخّر ، وحينئذٍ فيجب عليه التلبية ، لإطلاق النصّ. وفي جواز طوافه ندباً وجهان ، فإن فعل جدّد التلبية كغيره.

«الثالثة» :

«لو بَعُد المكّي» عن الميقات «ثم حجّ على ميقاتٍ أحرم منه وجوباً» لأنّه قد صار ميقاته بسبب مروره كغيره من أهل المواقيت إذا مرّ بغير ميقاته وإن كان ميقاته دويرة أهله.

«ولو» كان له منزلان بمكّة أو ما في حكمها وبالآفاق الموجبة للتمتّع و «غلبت إقامته في الآفاق تمتّع» وإن غلبت بمكّة وما في حكمها قرن أو أفرد. «ولو تساويا» في الإقامة «تخيّر» في الأنواع الثلاثة.

هذا إذا لم يحصل من إقامته بمكّة ما يوجب انتقال حكمه ، كما لو أقام بمنزله الآفاقي ثلاث سنين وبمكّة سنتين متواليتين وحصلت الاستطاعة فيها ، فإنّه حينئذٍ يلزمه حكم مكّة وإن كانت إقامته في الآفاقي أكثر ، لما سيأتي.

ولا فرق في الإقامة بين ما وقع منها حالَ التكليف وغيره ، ولا بين ما أتمّ الصلاة فيها وغيره ، ولا بين الاختيارية والاضطراريّة ، ولا بين المنزل المملوك عيناً ومنفعة والمغصوب ، ولا بين أن يكون بين المنزلين مسافة القصر وعدمه ،

____________________

١) في (ر) بعد قوله : «ويجوز» زيادة : له تقديم الطواف وركعتيه خاصّة.

٤٧٤

لإطلاق النصّ في ذلك كلّه (١) ومسافة السفر إلى كلٍّ منهما لا يحتسب عليهما.

ومتى حكم باللحوق بأحد المنزلين اعتبرت الاستطاعة منه ، ولو اشتبه الأغلب تمتّع.

«والمجاور بمكّة» بنيّة الإقامة على الدوام أو لا معها من أهل الآفاق سنتين «ينتقل» فرضُه «في الثالثة إلى الإفراد والقران ، وقبلها» أي قبل الثالثة «يتمتّع» هذا إذا تجدّدت الاستطاعة في زمن الإقامة ، وإلّا لم ينتقل ما وجب من الفرض. والاستطاعة تابعة للفرض فيهما (٢) إن كانت الإقامة بنيّة الدوام ، وإلّا اعتبرت من بلده.

ولو انعكس الفرض بأن أقام المكّي في الآفاق ، اعتبرت نيّة الدوام وعدمه في الفرض والاستطاعة إن لم تسبق الاستطاعة بمكّة كما مرّ (٣) كما يعتبر ذلك في الآفاقي لو انتقل من بلدٍ إلى آخر يشاركه في الفرض. ولا فرق أيضاً بين الإقامة زمن التكليف وغيره ، ولا بين الاختياريّة والاضطراريّة؛ للإطلاق (٤).

«ولا يجب الهدي على غير المتمتّع» وإن كان قارناً ، لأنّ هدي القران غير واجب ابتداءً وإن تعيّن بعد الإشعار أو التقليد للذبح.

«وهو» أي هدي التمتّع «نسكٌ» كغيره من مناسك الحجّ ـ وهي أجزاؤه من الطواف والسعي وغيرهما ـ «لا جبرانٌ» لما فات من الإحرام له من

____________________

١) الوسائل ٨ : ١٩١ ، الباب ٩ من أبواب أقسام الحجّ.

٢) أي في السنة الثالثة وقبلها.

٣) مرّ في عكسه بقوله : هذا إذا تجدّدت الاستطاعة في زمن الإقامة.

٤) لعلّ المقصود بالإطلاق هو إطلاق النصوص الواردة في حكم من أقام بمكّة سنتين ، راجع الوسائل ٨ : ١٩١ ، الباب ٩ من أبواب أقسام الحجّ.

٤٧٥

الميقات ، على المشهور بين أصحابنا.

وللشيخ رحمه الله قولٌ بأ نّه جبران (١). وجعله تعالى من الشعائر (٢) وأمره بالأكل منه (٣) يدلّ على الأوّل.

وتظهر الفائدة فيما لو أحرم به من الميقات أو مرّ به بعد أن أحرم من مكّة فيسقط الهدي على الجبران ، لحصول الغرض ، ويبقى على النسك. أمّا لو أحرم من مكّة وخرج إلى عرفات من غير أن يمرّ بالميقات وجب الهدي على القولين وهو موضع وفاق.

«الرابعة» :

«لا يجوز الجمع بين النسكين» الحجّ والعمرة «بنيّة واحدة» سواء في ذلك القران وغيره على المشهور «فيبطل» كلّ منهما؛ للنهي (٤) المفسد للعبادة كما لو نوى صلاتين. خلافاً للخلاف حيث قال : ينعقد الحجّ خاصّة (٥) وللحسن حيث جوّز ذلك وجعله تفسيراً للقران مع سياق الهدي (٦).

«ولا إدخال أحدهما على الآخر» بأن ينوي الثاني «قبلَ» كمال «تحلّله من الأوّل» وهو الفراغ منه ، لا مطلق التحلّل «فيبطل الثاني إن كان

____________________

١) قال قدس سره في المبسوط : وإذا أحرم المتمتّع بالحجّ من مكّة ومضى إلى الميقات ومنه إلى عرفات كان ذلك صحيحاً ، ويكون الاعتداد بالإحرام من عند الميقات ولا يلزمه دم ، المبسوط ١ : ٣٠٧.

٢) سورة الحجّ : الآية ٣٦.

٣) سورة الحجّ : الآية ٣٦.

٤) لم نظفر بنهي صريح ، راجع الوسائل ٨ : ٢٠٩ ، الباب ١٨ من أبواب أقسام الحجّ.

٥) الخلاف ٢ : ٢٦٤ ، المسألة ٣٠.

٦) نقل عنه العلّامة في المنتهى ٢ : ٦٨٥ (الحجريّة).

٤٧٦

عمرة» مطلقاً حتى لو أوقعها قبلَ المبيت بمنى ليالي التشريق «أو» كان الداخل «حجّاً» على العمرة «قبل السعي» لها.

«ولو كان» بعدَه و «قبلَ التقصير وتعمّد ذلك فالمرويّ» صحيحاً عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «أنّه يبقى على حجّة مفردة (١)» بمعنى بطلان عمرة التمتّع وصيرورتها بالإحرام قبلَ إكمالها حجّة مفردة فيكملها ثم يعتمر بعدها عمرة مفردة.

ونسبته إلى المرويّ يشعر بتوقّفه في حكمه من حيث النهي عن الإحرام الثاني ، وبوقوع خلاف ما نواه إن أدخل حجّ التمتّع ، وعدم صلاحيّة الزمان إن أدخل غيره ، فبطلان الإحرام أنسب. مع أنّ الرواية ليست صريحة في ذلك؛ لأ نّه قال : «المتمتّع إذا طاف وسعى ثمَّ لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس له متعة».

قال المصنّف في الدروس : يمكن حملها على متمتّعٍ عدل عن الإفراد ثمّ لبّى بعد السعي؛ لأنّه روي التصريح بذلك في رواية اُخرى (٢) والشيخ رحمه الله حملها على المتعمّد ، جمعاً بينها وبين حسنة عمّار المتضمّنة أنّ من دخل في الحجّ قبل التقصير ناسياً لا شيء عليه (٣).

وحيث حكمنا بصحّة الثاني وانقلابه مفرداً لا يجزئ عن فرضه؛ لأنّه عدول اختياري ولم يأت بالمأمور به على وجهه ، والجاهل عامد.

«ولو كان ناسياً صحّ إحرامه الثاني» وحجّه ، ولا يلزمه قضاء التقصير؛

____________________

١) الوسائل ٩ : ٧٣ ، الباب ٥٤ من أبواب الإحرام ، الحديث ٥.

٢) الدروس ١ : ٣٣٣. والرواية هي ما رواها الشيخ في التهذيب ٥ : ١٥٩ ، الحديث ٥٢٩.

٣) التهذيب ٥ : ١٥٩ ، الحديث ٥٣١ وذيله.

٤٧٧

لأ نّه ليس جزءاً بل محلّلاً «ويستحبّ جبره بشاة» للرواية (١) المحمولة على الاستحباب جمعاً. ولو كان الإحرام قبل إكمال السعي بطل ووجب إكمال العمرة.

واعلم أنّه لا يحتاج إلى استثناء من تعذّر عليه إتمام نسكه ، فإنّه يجوز له الانتقال إلى الآخر قبل إكماله؛ لأنّ ذلك لا يسمّى إدخالاً ، بل انتقالاً وإن كان المصنّف قد استثناه في الدروس (٢).

____________________

١) الوسائل ٩ : ٥٤٤ ، الباب ٦ من أبواب التقصير ، الحديث ٢.

٢) الدروس ١ : ٣٣٣.

٤٧٨

«الفصل الثالث»

«في المواقيت»

واحدها ميقات ، وهو لغةً : الوقت المضروب للفعل والموضع المعيّن له ، والمراد هنا الثاني.

«لا يصحّ الإحرام قبل الميقات إلّابالنذر وشبهه» من العهد واليمين «إذا وقع الإحرام في أشهر الحجّ» هذا شرط لما يشترط وقوعه فيها ، وهو الحجّ مطلقاً وعمرة التمتّع.

«ولو كان عمرة مفردة لم يشترط» وقوع إحرامها في أشهره ، لجوازها في مطلق السنة ، فيصحّ تقديمه على الميقات بالنذر مطلقاً. والقول بجواز تقديمه بالنذر وشبهه أصحّ القولين وأشهرهما ، وبه أخبارٌ (١) بعضها صحيح (٢) فلا يُسمع إنكار بعض الأصحاب له (٣) ؛ استضعافاً لمستنده.

____________________

١) اُنظر الوسائل ٨ : ٢٣٦ ، الباب ١٣ من أبواب المواقيت.

٢) وهو ـ كما صرّح به في المسالك ٢ : ٢١٨ ـ صحيح الحلبي ، اُنظر المصدر السابق ، الحديث الأوّل.

٣) العلّامة في المختلف [٤ : ٤٢] منعه ناقلاً في جوازه روايتين ضعيفتين ولم يذكر الصحّة ، وفي المنتهى [٢ : ٦٦٩] والتذكرة [٧ : ١٩٦] اختاره استناداً إلى الرواية الصحيحة وهذا غريب. (منه رحمه الله).

٤٧٩

«ولو خاف مريد الاعتمار في رجب تقضّيه جاز له الإحرام قبل الميقات» أيضاً ، ليدرك فضيلة الاعتمار في رجب الذي يلي الحجّ في الفضل (١). وتحصل بالإهلال فيه وإن وقعت الأفعال في غيره ، وليكن الإحرام في آخر جزءٍ من رجب تقريباً لا تحقيقاً.

«ولا يجب إعادته فيه» في الموضعين في أصحّ القولين (٢) للامتثال المقتضي للإجزاء ، نعم يستحبّ خروجاً من خلاف من أوجبها.

«ولا» يجوز لمكلّف أن «يتجاوز الميقات بغير إحرام» عدا ما استثني من : المتكرّر ، ومن دخلها لقتال؛ ومن ليس بقاصد مكّة عند مروره على الميقات.

ومتى تجاوزه غير هؤلاء بغير إحرام «فيجب الرجوع إليه» مع الإمكان «فلو تعذّر بطل» نسكه «إن تعمّده» أي تجاوزه بغير إحرام عالماً بوجوبه ، ووجب عليه قضاؤه وإن لم يكن مستطيعاً بل كان سببه إرادة الدخول ، فإنّ ذلك موجب له كالمنذور. نعم لو رجع قبل دخول الحرم فلا قضاء عليه وإن أثم بتأخير الإحرام. «وإلّا» يكن متعمّداً بل نسي أو جهل أو لم يكن قاصداً مكّة ثم بدا له قصدها «أحرم من حيث أمكن».

«ولو دخل مكّة» معذوراً ثم زال عذره بذكره وعلمه ونحوهما «خرج إلى أدنى الحلّ» وهو ما خرج عن منتهى الحرم إن لم يمكنه الوصول إلى أحد المواقيت «فإن تعذّر» الخروج إلى أدنى الحلّ «فمن موضعه» بمكّة «ولو أمكنه الرجوع إلى الميقات وجب» لأنّه الواجب بالأصالة ، وإنّما قام غيره مقامه للضرورة ، ومع إمكان الرجوع إليه لا ضرورة. ولو كمل غير المكلَّف بالبلوغ

____________________

١) كما ورد في الخبر ، الوسائل ١٠ : ٢٤١ ، الباب ٣ من أبواب العمرة ، الحديث ١٦.

٢) والقول الآخر للراوندي ، فإنّه أوجب تجديد الإحرام عند الميقات ، هامش (ر).

٤٨٠