الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-45-1
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٢

ويعتبر فيها القصد بحسب حالهم.

«وفي» وجوب «استنابة الممنوع» من مباشرته بنفسه «بكبر أو مرض أو عدوّ قولان ، والمرويّ» صحيحاً «عن عليّ عليه السلام ذلك» حيث أمر شيخاً لم يحجّ ولم يطقه من كبره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه ، وغيره من الأخبار (١) والقول الآخر عدم الوجوب لفقد شرطه الذي هو الاستطاعة (٢) وهو ممنوع. وموضع الخلاف ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب ، وإلّا وجبت قولاً واحداً.

وهل يشترط في وجوب الاستنابة اليأس من البرء أم يجب مطلقاً وإن لم يكن مع عدم اليأس فوريّاً؟ ظاهر الدروس الثاني (٣) وفي الأوّل قوّة ، فيجب الفوريّة كالأصل حيث يجب.

ثمّ إن استمرّ العذر أجزأ «ولو زال العذر» وأمكنه الحجّ بنفسه «حجَّ ثانياً» وإن كان قد يئس منه ، لتحقّق الاستطاعة حينئذٍ ، وما وقع نيابة إنّما وجب للنصّ؛ وإلّا لم يجب ، لوقوعه قبل شرط الوجوب.

«ولا يشترط» في الوجوب بالاستطاعة زيادة على ما تقدّم «الرجوع إلى كفاية» من صناعة أو حرفة أو بضاعة أو ضيعة ، ونحوها «على الأقوى» عملاً بعموم النصّ (٤) وقيل : يشترط (٥) وهو المشهور بين المتقدّمين ، لرواية

____________________

١) راجع الوسائل ٨ : ٤٣ ، الباب ٢٤ من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه.

٢) قاله ابن إدريس في السرائر ١ : ٥١٦ ، وابن سعيد في الجامع : ١٧٣ ، والعلّامة في القواعد ١ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

٣) الدروس ١ : ٣١٢.

٤) مثل قوله تعالى : ... (وَلِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران : ٩٧.

٥) قاله المفيد في المقنعة : ٣٨٤ ، والحلبي في الكافي : ١٩٢ ، والشيخ في الخلاف ٢ : ٢٤٥ ، المسألة ٢.

٤٤١

أبي الربيع الشامي (١) وهي لا تدلّ على مطلوبهم ، وإنّما تدلّ على اعتبار المؤونة ذاهباً وعائداً ، ومؤونة عياله كذلك ، ولا شبهة فيه.

«و» كذا «لا» يشترط «في المرأة» مصاحبة «المحرَم» وهو هنا الزوج ، أو من يحرم نكاحه عليها مؤبَّداً بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة وإن لم يكن مسلماً ، إن لم يستحلّ المحارم كالمجوسي «ويكفي ظنّ السلامة» بل عدم الخوف على البُضع أو العِرض (٢) بتركه وإن لم يحصل الظنّ بها عملاً بظاهر النصّ (٣) وفاقاً للمصنّف في الدروس (٤).

ومع الحاجة إليه يشترط في الوجوب عليها سفره معها ، ولا يجب عليه إجابتها إليه تبرّعاً ولا باُجرة ، وله طلبها فتكون جزءاً من استطاعتها.

ولو ادّعى الزوج الخوف عليها أو عدم أمانتها وأنكرته عُمل بشاهد الحال مع انتفاء البيّنة ، ومع فقدهما يقدَّم قولها. وفي اليمين نظر : من أنّها لو اعترفت نَفَعَه (٥). وقرّب في الدروس عدمه (٦) وله حينئذٍ منعها باطناً؛ لأنّه محقّ عند نفسه ، والحكم مبنيّ على الظاهر.

____________________

١) الوسائل ٨ : ٢٤ ، الباب ٩ من أبواب وجوب الحجّ ، الحديث الأوّل.

٢) «البُضع» يُطلق على عقد النكاح وعلى الجماع وعلى الفرج ، و «العِرض» موضع المدح والذمّ من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره. راجع مجمع البحرين (بضع) و (عرض).

٣) لعلّ المراد به ما ورد في عدّة روايات : «إن كانت مأمونة تحجّ» راجع الوسائل ٨ : ١٠٨ ، الباب ٥٨ من أبواب وجوب الحج.

٤) حيث قال : وتتحقّق الحاجة [إلى المَحْرم] بالخوف على البُضع ، الدروس ١ : ٣١٥.

٥) لم يذكر وجه عدم اليمين وفي هامش (ر) وأ مّا وجه عدم اليمين : فقد أفيد أنّه كونها أعرف بحالها.

٦) الدروس ١ : ٣١٥.

٤٤٢

«والمستطيع يجزيه الحجّ متسكّعاً» أي متكلّفاً له بغير زاد ولا راحلة ، لوجود شرط الوجوب وهو الاستطاعة. بخلاف ما لو تكلّفه غير المستطيع.

«والحجّ مشياً * أفضل» منه ركوباً «إلّامع الضعف عن العبادة فالركوب أفضل ، فقد ** حجّ الحسن عليه السلام ماشياً مراراً ، قيل : إنّها خمس وعشرون حجّة (١)» وقيل : عشرون ، رواه الشيخ في التهذيب (٢) ولم يذكر في الدروس غيره (٣) «والمحامل تُساق بين يديه» وهو أعلم بسنّة جده ـ عليه الصلاة والسلام ـ من غيره ، ولأ نّه أكثر مشقّة ، وأفضل الأعمال أحمزها (٤).

وقيل : الركوب أفضل مطلقاً (٥) تأسّياً بالنبي صلى الله عليه وآله فقد حجّ راكباً (٦) قلنا : فقد طاف راكباً ولا يقولون بأفضليّته كذلك ، فبقي أن فعله صلى الله عليه وآله وقع لبيان الجواز ، لا الأفضليّة.

والأقوى التفصيل الجامع بين الأدلّة بالضعف عن العبادة من الدعاء والقراءة ووصفها من الخشوع ، وعدمه.

____________________

*) في (ق) و (س) : ماشياً.

**) لم يرد «فقد» في (ق).

١) مستدرك الوسائل ٨ : ٣٠ ، الباب ٢١ من أبواب وجوب الحجّ ، الحديث ٤ ، نقلاً عن المناقب.

٢) التهذيب ٥ : ١١ ، الحديث ٢٩.

٣) الدروس ١ : ٣١٧.

٤) البحار ٧٠ : ١٩١ و ٢٣٧.

٥) لم نظفر بقائله.

٦) راجع الوسائل ٨ : ٥٧ ، الباب ٣٣ من أبواب وجوب الحجّ ، الحديث ١ و ٤.

٤٤٣

وألحق بعضهم بالضعف كون الحامل له على المشي توفير المال (١) لأنّ دفع رذيلة الشُحّ عن النفس من أفضل الطاعات. وهو حسن. ولا فرق بين حجّة الإسلام وغيرها.

«ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه» عن الحجّ ، سواء مات في الحلّ أم الحرم ، محرماً أم محلّاً كما لو مات بين الإحرامين ، في إحرام الحجّ أم العمرة. ولا يكفي مجرّد الإحرام على الأقوى. وحيث أجزأ لا يجب الاستنابة في إكماله.

وقبله (٢) تجب من الميقات إن كان مستقرّاً ، وإلّا سقط ، سواء تلبّس أم لا.

«ولو مات قبل ذلك وكان» الحجّ «قد استقرّ في ذمّته» بأن اجتمعت له شرائط الوجوب ومضى عليه بعده مدّة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحجّ فلم يفعل «قُضي عنه» الحجّ «من بلده في ظاهر الرواية» الأولى أن يراد بها الجنس؛ لأنّ ذلك ظاهر أربع روايات في الكافي (٣) أظهرها دلالة رواية أحمد ابن أبي نصر عن محمّد بن عبد اللّٰه ، قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يموت فيوصي بالحجّ من أين يُحجّ عنه؟ قال عليه السلام : على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم يسعه ماله من منزله فمن الكوفة ، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة» (٤).

وإنّما جعله ظاهرالرواية ، لإمكان أن يراد بماله ما عيّنه اُجرة للحجّ

____________________

١) اختاره ابن ميثم في شرح نهج البلاغة ١ : ٢٢٥ ، كما حكاه عنه السيّد العاملي في المدارك ٧ : ٨٢.

٢) أي قبل دخول الحرم.

٣) الكافي ٤ : ٣٠٨ ، الأحاديث ٢ ـ ٥.

٤) الكافي ٤ : ٣٠٨ ، الحديث ٣.

٤٤٤

بالوصيّة ، فإنّه يتعيّن الوفاء به مع خروج ما زاد عن اُجرته من الميقات من الثلث إجماعاً ، وإنّما الخلاف فيما لو أطلق الوصيّة أو عُلم أنّ عليه حجّة الإسلام ولم يوصَ بها.

والأقوى القضاء عنه من الميقات خاصّة؛ لأصالة البراءة من الزائد ، ولأنّ الواجب الحجّ عنه والطريق لا دخل لها في حقيقته ، ووجوب سلوكها من باب المقدّمة. وتوقّفه على مؤونة فيجب قضاؤها عنه ، يندفع بأنّ مقدّمة الواجب إذا لم تكن مقصودة بالذات لا تجب ، وهو هنا كذلك؛ ومن ثمَّ لو سافر إلى الحجّ لا بنيّته أو بنيّة غيره ثمّ بدا له بعد الوصول إلى الميقات الحجُّ أجزأ. وكذا لو سافر ذاهلاً أو مجنوناً ثم كمل قبل الإحرام ، أو آجر نفسه في الطريق لغيره ، أو حجّ متسكّعاً بدون الغرامة أو في نفقة غيره ، أو غير ذلك من الصوارف عن جعل الطريق مقدّمة للواجب. وكثيرٌ من الأخبار ورد مطلقاً في وجوب الحجّ عنه (١) وهو لا يقتضي زيادة على أفعاله المخصوصة.

والأولى حمل هذه الأخبار على ما لو عيّن قدراً. ويمكن حمل غير هذا الخبر (٢) منها على أمرٍ آخر (٣) مع ضعف سندها ، واشتراك «محمّد بن عبد اللّٰه» في سند هذا الخبر بين الثقة والضعيف والمجهول.

ومن أعجب العجب هنا أنّ ابن إدريس ادّعى تواتر الأخبار بوجوبه من البلد (٤) وردّه في المختلف بأ نّه لم يقف على خبر واحد فضلاً عن التواتر (٥) وهنا

____________________

١) اُنظر الوسائل ٨ : ٤٧ ، الباب ٢٦ ، والصفحة ٤٩ : الباب ٢٨.

٢) أي خبر أحمد بن أبي نصر.

٣) مثل ما لو ظهر من القرائن إرادته الحجّ من البلد ، أو صرّح به.

٤) السرائر ١ : ٥١٦.

٥) المختلف ٤ : ١٥.

٤٤٥

جعله ظاهرَ الرواية ، والموجود منها أربع ، فتأمّل.

ولو صحّ هذا الخبر لكان حمله على إطلاقه أولى؛ لأنّ ماله المضاف إليه يشمل جميع ما يملكه ، وإنّما حملناه لمعارضته للأدلّة الدالّة على خلافه مع عدم صحّة سنده. ونسبة الحكم هنا إلى ظاهر الرواية فيه نوع ترجيح مع توقّف. ولكنّه قطع به في الدروس (١).

وعلى القول به «فلو ضاقت التركة» عن الاُجرة من بلده «فمن حيث بلغت» إن أمكن الاستئجار من الطريق «ولو من الميقات» إن لم تحتمل سواه؛ وكذا لو لم يمكن بعد فوات البلد أو ما يسع منه إلّامن الميقات. ولو عيّن كونها من البلد فأولى بالتعيين من تعيين مالٍ يسعه منه ، ومثله ما لو دلّت القرائن على إرادته.

ويعتبر الزائد من الثلث مع عدم إجازة الوارث إن لم نوجبه من البلد ابتداءً ، وإلّا فمن الأصل.

وحيث يتعذّر من الميقات يجب من الأزيد ولو من البلد حيث يتعذَّر من أقرب منه من باب مقدّمة الواجب حينئذٍ ، لا الواجب في الأصل.

«ولو حجّ» مسلماً «ثم ارتدّ ، ثم عاد» إلى الإسلام «لم يعد» حجّه السابق «على الأقرب» للأصل ، والآية (٢) والخبر (٣).

____________________

١) الدروس ١ : ٣١٦.

٢) مثل قوله تعالى : (إِنّٰا لاٰ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) الكهف : ٣٠ ، وقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الزلزلة) : ٧.

٣) الوسائل ١ : ٩٦ ، الباب ٣٠ من أبواب مقدّمة العبادات.

٤٤٦

وقيل : يعيد (١) ؛ لآية الإحباط (٢) أو لأنّ المسلم لا يكفر. ويندفع باشتراطه بالموافاة عليه (٣) ـ كما اشتُرط في ثواب الإ يمان ذلك ـ ومنع عدم كفره للآية المثبتة للكفر بعد الإ يمان وعكسه (٤).

وكما لا يبطل مجموع الحجّ كذا بعضه ممّا لا يعتبر استدامته حكماً كالإحرام ، فيبني عليه لو ارتدّ بعده.

«ولو حجّ مخالفاً ثمّ استبصر لم يُعد ، إلّاأن يخلّ بركن» عندنا لا عنده ، على ما قيّده المصنّف في الدروس (٥) مع أنّه عكس في الصلاة فجعل الاعتبار بفعلها صحيحة عنده لا عندنا (٦) والنصوص خالية من القيد (٧) ولا فرق بين من حكم بكفره من فِرَق المخالفين وغيره في ظاهر النصّ (٨). ومن الإخلال بالركن حجّه قِراناً بمعناه عنده (٩) لا المخالفة في نوع الواجب المعتبر عندنا (١٠).

وهل الحكم بعدم الإعادة لصحّة العبادة في نفسها بناءً على عدم اشتراط

____________________

١) قوّاه الشيخ في المبسوط (١ : ٣٠٥) بعد أن حكم بعدم وجوب الإعادة ، ولم يستدل بآية الإحباط ، بل استدلّ بالدليل الثاني.

٢) المائدة : ٥.

٣) يستفاد الاشتراط من الآية ٢١٧ من سورة البقرة.

٤) النساء : ١٣٧.

٥) الدروس ١ : ٣١٥.

٦) اُنظر الذكرى ٢ : ٤٣٢.

٧) و (٨) راجع الوسائل ٨ : ٤٢ ، الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج.

٩) وهو الجمع بين الحجّ والعمرة بنيّة واحدة.

١٠) كما لو حجّ من فرضه التمتّع إفراداً.

٤٤٧

الإ يمان فيها ، أم إسقاطاً للواجب في الذمّة كإسلام الكافر؟ قولان (١) وفي النصوص ما يدلّ على الثاني (٢).

«نعم يستحبّ الإعادة» للنصّ (٣) وقيل : يجب (٤) بناءً على اشتراط الإ يمان المقتضي لفساد المشروط بدونه ، وبأخبار (٥) حملها على الاستحباب طريق الجمع.

____________________

١) صريح العلّامة في المختلف (٤ : ٢١) وظاهر الشهيد في الدروس (١ : ٣١٥) هو الأوّل ، والباقون حكموا بعدم وجوب الإعادة من غير تعرّض لوجهه.

٢) أشار في المسالك (٢ : ١٤٨) إلى رواية سليمان بن خالد ، وموضع السؤال فيها الصلاة ، راجع الوسائل ١ : ٩٨ ، الباب ٣١ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث ٤.

٣) الوسائل ٨ : ٤٢ ، الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحجّ ، الحديث ١ و ٢ و ٣.

٤) نقله العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف ٤ : ١٩ والقاضي في المهذّب ١ : ٢٦٨.

٥) راجع الوسائل ٨ : ٤٣ ، الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحجّ ، الحديث ٥ و ٦.

٤٤٨

«القول في حجّ الأسباب»

بالنذر وشبهه والنيابة

«لو نذر الحجّ وأطلق كفت المرّة» مخيّراً في النوع والوصف ، إلّاأن يعيّن أحدهما ، فيتعيّن الأوّل مطلقاً ، والثاني إن كان مشروعاً ، كالمشي والركوب ، لا الحِفاء (١) ونحوه (٢).

«ولا يجزئ» المنذور «عن حجّة الإسلام» سواء وقع حالَ وجوبها أم لا ، وسواء نوى به حجّة الإسلام أم النذر أم هما ، لاختلاف السبب المقتضي لتعدّد المسبّب.

«وقيل» والقائل الشيخ (٣) ومن تبعه (٤) «إن نوى حجّة النذر أجزأت» عن النذر وحجّة الإسلام على تقدير وجوبها حينئذٍ «وإلّا فلا» استناداً إلى رواية (٥) حُملت على نذر حجّة الإسلام.

«ولو قيّد نذره بحجّة الإسلام فهي واحدة» وهي حجّة الإسلام ، وتتأكّد بالنذر بناءً على جواز نذر الواجب. وتظهر الفائدة في وجوب الكفّارة مع تأخيرها

____________________

١) ظاهر العبارة عدم مشروعيّة الحِفاء ونحوه ، لكنّ المراد المرجوحيّة.

٢) مثل المشي على أربع ، أو المشي على رِجل واحدة.

٣) راجع النهاية : ٢٠٥.

٤) لم نظفر به.

٥) وهي رواية رفاعة عن الصادق عليه السلام ، راجع التهذيب ٥ : ٤٠٦ ، الحديث ١٤١٥. ورواه الوسائل ٨ : ٤٩ ، الباب ٢٧ من أبواب وجوب الحجّ ، الحديث ٣.

٤٤٩

عن العام المعيَّن أو موته قبل فعلها مع الإطلاق متهاوناً. هذا إذا كان عليه حجّة الإسلام حال النذر ، وإلّا كان مراعى بالاستطاعة ، فإن حصلت وجب بالنذر أيضاً. ولا يجب تحصيلها هنا على الأقوى. ولو قيّده بمدّة معيّنة فتخلّفت الاستطاعة عنها بطل النذر.

«ولو قيّد غيرها» أي غير حجّة الإسلام «فهما اثنتان» قطعاً. ثم إن كان مستطيعاً حالَ النذر وكانت حجّة النذر مطلقة أو مقيّدة بزمان متأخّر عن السنة الاُولى قدّم حجّة الإسلام ، وإن قيّده بسنة الاستطاعة كان انعقاده مراعى بزوالها قبل خروج القافلة ، فإن بقيت بطل ، لعدم القدرة على المنذور شرعاً ، وإن زالت انعقد.

ولو تقدّم النذر على الاستطاعة ثم حصلت قبل فعله قُدّمت حجّة الإسلام إن كان النذر مطلقاً أو مقيّداً بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها ، وإلّا قدّم النذر ورُوعي في وجوب حجّة الإسلام بقاء الاستطاعة إلى الثانية.

واعتبر المصنّف في الدروس في حجّ النذر الاستطاعة الشرعيّة (١) وحينئذٍ فتُقدّم حجّة النذر مع حصول الاستطاعة بعده وإن كان مطلقاً ، ويراعى في وجوب حجّة الإسلام الاستطاعة بعدها. وظاهر النصّ (٢) والفتوى كون استطاعة النذر عقليّة ، فيتفرّع عليه ما سبق.

ولو أهمل حجّة النذر في العام الأوّل ، قال المصنّف فيها (٣) تفريعاً على

____________________

١) الدروس ١ : ٣١٨.

٢) راجع الوسائل ١٦ : ١٩٢ ، الباب ٨ من أبواب النذر والعهد.

٣) أي في الدروس.

٤٥٠

مذهبه : وجبت حجّة الإسلام أيضاً. ويشكل بصيرورته حينئذٍ كالدين ، فيكون من المؤونة.

«وكذا» حكم «العهد واليمين».

«ولو نذر الحجّ ماشياً وجب» مع إمكانه ، سواء جعلناه أرجح من الركوب أم لا على الأقوى ، وكذا لو نذره راكباً. وقيل : لا ينعقد غير الراجح منهما (١).

ومبدؤه بلد الناذر على الأقوى عملاً بالعرف ، إلّاأن يدلّ على غيره فيُتّبع. ويحتمل أوّل الأفعال ، لدلالة الحال عليه ، وآخره منتهى أفعاله الواجبة ، وهي رمي الجمار؛ لأنّ المشي وصف في الحجّ المركّب من الأفعال الواجبة ، فلا يتمّ إلّا بآخرها. والمشهور ـ وهو الذي قطع به المصنّف في الدروس (٢) ـ أنّ آخره طواف النساء (٣).

«ويقوم في المعبر» لو اضطرّ إلى عبوره ، وجوباً على ما يظهر من العبارة

____________________

١) قاله العلّامة في كتاب النذر من القواعد ٣ : ٢٩١.

٢) الدروس ١ : ٣١٩.

٣) قد روى في الكافي (٤ : ٤٥٧ ، الحديث ٧) صحيحاً عن إسماعيل بن همام عن الرضا عليه الصلاة والسلام قال : قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام في الذي عليه المشي في الحجّ : إذا رمى الجمار زار البيت راكباً وليس عليه شيء. وهو يحتمل أمرين : أحدهما إرادة زيارة البيت لطواف الحجّ؛ لأنّه هو المعروف بطواف الزيارة. وهذا يخالف القولين معاً فيلزم اطراحها على القولين. والثاني أن يحمل رمي الجمار على الجمع فيكون كما قلنا : ويؤيّده أنّ الجمار إن اُريد بها موضع الرمي فالجمع لا يصدق إلّابإتمامها؛ لأنّ زيارة البيت لطواف الحجّ لا يكون إلّابعد رمي جمرة العقبة خاصّة. وإن اُريد بها الحصى المرميّة ، فقد وقعت جمعاً معرّفاً فيفيد العموم فلا يصدق الإتمام ، ويحمل زيارة البيت على معناه اللغوي أو على طواف الوداع ونحوه. وهذا هو الأظهر فيكون الخبر الصحيح دليلاً على ما اخترناه. (منه رحمه الله).

٤٥١

وبه صرّح جماعة (١) استناداً إلى رواية (٢) تقصر ـ لضعف سندها ـ عنه. وفي الدروس جعله أولى (٣) وهو أولى خروجاً من خلاف من أوجبه وتساهلاً في أدلّة الاستحباب. وتوجيهُه بأنّ الماشي يجب عليه القيام وحركة الرجلين ، فإذا تعذّر أحدهما لانتفاء فائدته بقي الآخر مشتركٌ؛ لانتفاء الفائدة فيهما وإمكان فعلهما بغير الفائدة.

«فلو ركب طريقه» أجمع «أو بعضَه قضى ماشياً» للإخلال بالصفة فلم يُجز. ثمّ إن كانت السنة معيّنة فالقضاء بمعناه المتعارف ، ويلزمه مع ذلك كفّارة بسببه. وإن كانت مطلقة فالقضاء بمعنى الفعل ثانياً ولا كفّارة. وفي الدروس : لو ركب بعضه قضى ملفّقاً ، فيمشي ما ركب ويتخيّر فيما مشى منه ، ولو اشتبهت الأماكن احتاط بالمشي في كلّ ما يجوز فيه أن يكون قد ركب (٤) وما اختاره هنا أجود.

«ولو عجز عن المشي ركب» مع تعيين السنة أو الإطلاق واليأس من القدرة ولو بضيق وقته لظنّ الوفاة ، وإلّا توقّع المكنة.

«و» حيث جاز الركوب «ساق بدنة» جبراً للوصف الفائت ، وجوباً على ظاهر العبارة ومذهبِ جماعة (٥) واستحباباً على الأقوى ، جمعاً بين

____________________

١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٣٠٣ ، والفاضل السيوري في التنقيح الرائع ١ : ٤٢٣ ، وابن سعيد في الجامع : ١٧٥ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٢٣١.

٢) وهي رواية السكوني ـ كما في المسالك ٢ : ١٦٠ ـ وراجع الوسائل ٨ : ٦٤ ، الباب ٣٧ من أبواب وجوب الحجّ.

٣) و (٤) الدروس ١ : ٣١٩.

٥) منهم الشيخ في النهاية : ٢٠٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٥٦.

٤٥٢

الأدلّة (١) وتردّد في الدروس (٢) هذا كلّه مع إطلاق نذر الحجّ ماشياً أو نذرهما لا على معنى جعل المشي قيداً لازماً في الحجّ بحيث لا يريد إلّاجمعهما ، وإلّا سقط الحجّ أيضاً مع العجز عن المشي.

«ويشترط في النائب» في الحج

«البلوغ والعقل والخُلوّ» أي خُلوّ ذمّته «من حجٍّ واجب» في ذلك العام «مع التمكّن منه ولو مشياً» حيث لا يشترط فيه الاستطاعة كالمستقرّ من حجّ الإسلام ثم يذهب المال ، فلا تصحّ نيابة الصبيّ ، ولا المجنون مطلقاً ، ولا مشغول الذمّة به في عام النيابة؛ للتنافي. ولو كان في عام بعده ـ كمن نذره كذلك أو استؤجر له ـ صحّت نيابته قبلَه ، وكذا المعيَّن حيث يعجز عنه ولو مشياً ، لسقوط الوجوب في ذلك العام للعجز وإن كان باقياً في الذمّة. لكن يراعى في جواز استنابته ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة عادة. فلو استؤجر كذلك ثم اتّفقت الاستطاعة على خلاف العادة لم ينفسخ ، كما لو تجدّدت الاستطاعة لحجّ الإسلام بعدها ، فيقدّم حجّ النيابة ، ويراعى في وجوب حجّ الإسلام بقاؤها إلى القابل.

«والإسلام» إن صحّحنا عبادةَ المخالف ، وإلّا اعتبر الإ يمان أيضاً ، وهو الأقوى. وفي الدروس حكى صحّة نيابة غير المؤمن عنه قولاً (٣) مشعراً بتمريضه ، ولم يرجّح شيئاً.

«وإسلام المنوب عنه واعتقاده الحقّ» فلا يصحّ الحجّ عن المخالف

____________________

١) مثل رواية الحلبي الدالّة على الوجوب ورواية عنبسة الدالّة على عدمه ، راجع الوسائل ٨ : ٦٠ ـ ٦١ ، الباب ٣٤ من أبواب وجوب الحجّ ، الحديث ٣ و ٦.

٢) و (٣) الدروس ١ : ٣١٩.

٤٥٣

مطلقاً «إلّاأن يكون أبا النائب» وإن علا للأب ـ لا للاُمّ ـ فيصحّ وإن كان ناصبياً. واستقرب في الدروس اختصاص المنع بالناصب ويستثنى منه الأب (١) والأجود الأوّل؛ للرواية (٢) والشهرة. ومنعه بعض الأصحاب مطلقاً (٣) وفي إلحاق باقي العبادات به وجه خصوصاً إذا لم يكن ناصبياً.

«ويشترط نيّة النيابة» بأن يقصد كونه نائباً. ولمّا كان ذلك أعمّ من تعيين من ينوب عنه نبّه على اعتباره أيضاً بقوله : «وتعيين * المنوب عنه قصداً» في نيّة كلّ فعل يفتقر إليها. ولو اقتصر في النيّة على تعيين المنوب عنه بأن ينوي أنّه عن فلان أجزأ؛ لأنّ ذلك يستلزم النيابة عنه. ولا يستحبّ التلفّظ بمدلول هذا القصد «و» إنّما «يستحبّ» تعيينه «لفظاً عند» باقي «الأفعال» وفي المواطن كلّها بقوله : «اللهمّ ما أصابني من تعب أو لغوب أو نصب فأْجرْ فلان بن فلان ، وأْجُرني في نيابتي عنه» وهذا أمر خارج عن النيّة ، متقدّم عليها أو بعدها.

«وتبرأ ذمّته» أي ذمّة النائب من الحجّ ، وكذلك ذمّة المنوب عنه إن كانت مشغولة «لو مات» النائب «مُحرِماً بعد دخول الحرم» ظرفٌ للموت لا للإحرام «وإن خرج منه» من الحرم «بعد» دخوله. ومثله ما لو خرج من الإحرام أيضاً ، كما لو مات بين الإحرامين ، إلّاأ نّه لا يدخل في العبارة؛ لفرضه الموت في حال كونه محرماً ولو قال : «بعد الإحرام ودخول

____________________

١) الدروس ١ : ٣١٩.

٢) لم نظفر برواية دالة على المنع عن الحجّ عن المخالف مطلقاً؛ ولذا قال قدس سره في المسالك (٢ : ١٦٢) : والذي دلّت عليه رواية وهب بن عبد ربّه عن الصادق عليه السلام المنع من الحجّ عن الناصب. راجع الوسائل ٨ : ١٣٥ ، الباب ٢٠ من أبواب النيابة في الحجّ.

٣) كابن ادريس في السرائر ١ : ٦٣٢ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٢٦٩.

*) في (ق) و (س) : تعيّن.

٤٥٤

الحرم» شملهما ، لصدق البعديّة بعدهما. وأولويّة الموت بعدَه منه حالتَه ممنوعة.

«ولو مات قبل ذلك» سواء كان قد أحرم أم لا لم يصحّ الحجّ عنهما. وإن كان النائب أجيراً وقد قبض الاُجرة «استُعيد من الاُجرة بالنسبة» أي بنسبة ما بقي من العمل المستأجر عليه ، فإن كان الاستئجار على فعل الحجّ خاصّة أو مطلقاً وكان موته بعد الإحرام استحقّ بنسبته إلى بقيّة أفعال الحجّ ، وإن كان عليه وعلى الذهاب استحقّ اُجرة الذهاب والإحرام واستُعيد الباقي ، وإن كان عليهما وعلى العود فبنسبته إلى الجميع. وإن كان موته قبلَ الإحرام ففي الأوّلين (١) لا يستحقّ شيئاً ، وفي الأخيرين (٢) بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي من المستأجر عليه.

وأمّا القول بأ نّه يستحقّ مع الإطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه ومن أفعال الحجّ والعود ـ كما ذهب إليه جماعة (٣) ـ ففي غاية الضعف؛ لأنّ مفهوم الحجّ لا يتناول غير المجموع المركَّب من أفعاله الخاصة ، دون الذهاب إليه وإن جعلناه مقدّمة للواجب ، والعود الذي لا مدخل له في الحقيقة ولا ما يتوقّف عليها بوجهٍ.

«ويجب» على الأجير «الإتيان بما شُرط عليه» من نوع الحجّ ووصفه «حتى الطريق مع الغرض» قيدٌ في تعيّن الطريق بالتعيين ، بمعنى أنّه لا يتعيّن به إلّامع الغرض المقتضي لتخصيصه ، كمشقّته وبُعده حيث يكون داخلاً في الإجارة لاستلزامهما زيادةَ الثواب ، أو بُعدَ مسافة الإحرام ، ويمكن كونه قيداً في وجوب الوفاء بما شرط مطلقاً ، فلا يتعيّن النوع كذلك إلّامع الغرض ، كتعيين

____________________

١) أي صورة الإجارة على فعل الحجّ فقط وصورة الإطلاق.

٢) أي صورة الإجارة على الذهاب وفعل الحج وصورة الإجارة على الحجّ والذهاب والإياب.

٣) كالمحقّق في الشرائع ١ : ٢٣٢ ، والعلّامة في الإرشاد ١ : ٣١٢.

٤٥٥

الأفضل أو تعيّنه على المنوب عنه ، فمع انتفائه كالمندوب والواجب المخيّر كنذر مطلق أو تساوي منزلي المنوب [عنه] (١) في الإقامة يجوز العدول عن المعيَّن إلى الأفضل ، كالعدول من الإفراد إلى القران ومنهما إلى التمتّع ، لا منه إليهما ، ولا من القران إلى الإفراد.

لكن يشكل ذلك في الميقات ، فإنّ المصنّف وغيره أطلقوا تعيَّنه بالتعيين (٢) من غير تفصيل بالعدول إلى الأفضل وغيره ، وإنّما جوّزوا ذلك في الطريق والنوع بالنصّ (٣) ولمّا انتفى في الميقات أطلقوا تعيَّنه به وإن كان التفصيل فيه متوجّهاً أيضاً ، إلّاأ نّه لا قائل به.

وحيث يعدل إلى غير المعيَّن مع جوازه يستحقّ جميع الاُجرة ، ولا معه لا يستحقّ في النوع شيئاً. وفي الطريق يستحقّ بنسبة الحجّ إلى المسمّى للجميع ، وتسقط اُجرة ما تركه من الطريق ، ولا يُوزَّع للطريق المسلوك؛ لأنّه غير ما استؤجر عليه. وأطلق المصنّف وجماعة الرجوع عليه بالتفاوت بينهما (٤) وكذا القول في الميقات. ويقع الحجّ عن المنوب عنه في الجميع وإن لم يستحقّ في الأوّل (٥) اُجرةً.

«وليس له الاستنابة إلّامع الإذن» له فيها «صريحاً» ممّن يجوز له الإذن فيها كالمستأجر عن نفسه أو الوصيّ ، لا الوكيل إلّامع إذن الموكِّل له في ذلك «أو إيقاع العقد مقيَّداً بالإطلاق» لا إيقاعه مطلقاً ، فإنّه يقتضي المباشرة

____________________

١) «عنه» من (ر).

٢) اُنظر الدروس ١ : ٣٢٤ ، ولم نظفر بالإطلاق في غيره.

٣) راجع الوسائل ٨ : ١٢٧ ، الباب ١١ من أبواب النيابة في الحج ، والباب ١٢ منها.

٤) اُنظر الدروس ١ : ٣٢٣ ، والمعتبر ٢ : ٧٧٠ ، والتنقيح الرائع ١ : ٤٢٩.

٥) وهو ما إذا عدل إلى غير المعيَّن في النوع مع عدم جوازه.

٤٥٦

بنفسه. والمراد بتقييده بالإطلاق أن يستأجره ليحجّ مطلقاً بنفسه أو بغيره أو بما يدلّ عليه كأن يستأجره لتحصيل الحجّ عن المنوب. وبإ يقاعه مطلقاً أن يستأجره ليحجّ عنه ، فإن هذا الإطلاق يقتضي مباشرته ، لا استنابته فيه. وحيث يجوز له الاستنابة يشترط في نائبه العدالة ، وإن لم يكن هو عدلاً.

«ولا يحجّ عن اثنين في عامٍ» واحد؛ لأنّ الحجّ وإن تعدّدت أفعاله عبادة واحدة فلا يقع عن اثنين. هذا إذا كان الحجّ واجباً على كلّ واحد منهما أو اُريد إ يقاعه عن كلٍّ منهما ، أمّا لو كان مندوباً واُريد إيقاعه عنهما ليشتركا في ثوابه ، أو واجباً عليهما كذلك ، بأن ينذرا الاشتراك في حجّ يستنيبان فيه كذلك فالظاهر الصحّة فيقع في العام الواحد عنهما ، وفاقاً للمصنِّف في الدروس (١).

وعلى تقدير المنع لو فعله عنهما لم يقع عنهما ، ولا عنه. أمّا استئجاره لعمرتين أو حجّة مفردة وعمرة مفردة فجائز ، لعدم المنافاة.

«ولو استأجراه لعام» واحد «ف‍» إن «سبق أحدهما» بالإجارة «صحّ» السابق وبطل اللاحق «وإن اقترنا» بأن أوجباه معاً فقبلهما ، أو وكّل أحدهما الآخر ، أو وكّلا ثالثاً فأوقع صيغة واحدة عنهما «بطلا» لاستحالة الترجيح من غير مرجِّح. ومثله ما لو استأجراه مطلقاً ، لاقتضائه التعجيل. أمّا لو اختلف زمان الإيقاع صحّ وإن اتّفق العقدان ، إلّامع فوريّة المتأخر وإمكان استنابة من يعجّله ، فيبطل.

«وتجوز النيابة في أبعاض الحجّ» التي تقبل النيابة «كالطواف» وركعتيه «والسعي والرمي» لا الإحرام والوقوف والحلق والمبيت بمنى «مع العجز» عن مباشرتها بنفسه ، لغيبةٍ أو مرضٍ يعجز معه ولو عن أن يُطاف أو يُسعى به. وفي إلحاق الحيض به فيما يفتقر إلى الطهارة وجه ، وَحَكَم الأكثر بعدولها إلى

____________________

١) الدروس ١ : ٣٢٢.

٤٥٧

غير النوع لو تعذّر إكماله لذلك (١).

«ولو أمكن حمله في الطواف والسعي وجب» مقدّماً على الاستنابة «ويحتسب لهما» لو نوياه ، إلّاأن يستأجره للحمل لا في طوافه أو مطلقاً ، فلا يحتسب للحامل؛ لأنّ الحركة مع الإطلاق قد صارت مستحقّة عليه لغيره ، فلا يجوز صرفها إلى نفسه. واقتصر في الدروس على الشرط الأوّل (٢).

«وكفّارة الإحرام» اللازمة بسبب فعل الأجير موجبَها «في مال الأجير» لا المستنيب؛ لأنّه فاعل السبب وهي كفّارة للذنب اللاحق به.

«ولو أفسد حجّه قضى في» العام «القابل» لوجوبه بسبب الإفساد ، وإن كانت معيّنة بذلك العام «والأقرب الإجزاء» عن فرضه المستأجر عليه بناءً على أنّ الاُولى فرضه والقضاء عقوبة (٣) «ويملك الاُجرة» حينئذٍ ، لعدم الإخلال

____________________

١) منهم الشيخ في الخلاف ٢ : ٢٦١ ، المسألة ٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٦٢٣ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٧٨٩ ، والعلّامة في التذكرة ٨ : ٤١٧ ، والشهيد في الدروس ١ : ٣٣٢.

٢) الدروس ١ : ٣٢٢.

٣) إنّما بنى هذا الحكم على أنّ الاُولى فرضه والثانية عقوبة؛ لأنّه أطلق الحكم في الأجير المفسد وأ نّه يستحقّ الاُجرة مع قضائه ، وهو شامل بإطلاقه الأجير المعيّن بسنة مخصوصة والمطلق. وهذا الحكم لا يتمّ في المعيّن إلّابالتعليل المذكور؛ لأنّا إن جعلنا الاُولى هي العقوبة لا يستحقّ لها اُجرة قطعاً ولا قضاءً؛ لعدم كونها المستأجر عليها ، بخلاف المطلق فإنّه يمكن تعليله لكون الثانية هي فرضه ويستحقّ لها الاُجرة بخلاف ما حكيناه عن الدروس [١ : ٣٢٣]. أمّا بناءً على منع اقتضاء الإطلاق الفوريّة أو على أنّه وإن دلّ عليها لكنّ التأخير إنّما أوجب الإثم خاصّة والإجارة صحيحة. ومن ثمّ وجب عليه الحجّ ثانياً حتّى عند المصنّف في الدروس مع إيجابه عدم استحقاقه الاُجرة حينئذٍ. والأجود في هذه المسألة على تقدير ردّ الرواية [الوسائل ٨ : ١٣٠ ، الباب ١٥ من أبواب النيابة ، الحديث ٢

٤٥٨

بالمعيّن والتأخير في المطلق.

ووجه عدم الإجزاء في المعيّنة بناءً على أن الثانية فرضه ظاهر ، للإخلال بالمشروط ، وكذا في المطلق ـ على ما اختاره المصنّف في الدروس : من أنّ تأخيرها عن السنة الاُولى لا لعذر يوجب عدمَ الاُجرة (١) ـ بناءً على أن الإطلاق يقتضي التعجيل ، فيكون كالمعيَّنة ، فإذا جعلنا الثانية فرضَه كان كتأخير المطلق فلا يجزئ ولا يستحقّ اُجرة.

والمرويّ في حسنة زرارة أنّ الاُولى فرضه ، والثانية عقوبة (٢) وتسميتها حينئذٍ فاسدة مجاز ، وهو الذي مال إليه المصنّف. لكن الرواية مقطوعة ، ولو لم نعتبرها لكان القول بأن الثانية فرضه أوضح ، كما ذهب إليه ابن إدريس (٣).

وفصَّل العلّامة في القواعد غريباً ، فأوجب في المطلقة قضاء الفاسدة في السنة الثانية والحجّ عن النيابة بعد ذلك (٤) وهو خارج عن الاعتبارين؛ لأنّ غايته أن تكون العقوبة هي الاُولى ، فتكون الثانية فرضه ، فلا وجه للثالثة. ولكنّه بنى على أن الإفساد يوجب الحجّ ثانياً ، فهو سبب فيه كالاستئجار ، فإذا جعلنا الاُولى هي الفاسدة لم تقع عن المنوب ، والثانية وجبت بسبب الإفساد وهو خارج

____________________

و ٣] أن يحكم بكون الثانية فرضه وأ نّه مع التعيين لا يستحقّ اُجرةً وإن وجب عليه القضاء؛ لأنّها غير المستأجر عليه ، ومع الإطلاق يجب عليه القضاء ويكون الثانية فرضه ويستحقّ الاُجرة عليها لا على الاُولى؛ لأنّ الفاسد غير مستأجر عليه والإجارة لم تبطل فيبرأ بالثانية ويستحقّ الاُجرة. (منه رحمه الله).

١) الدروس ١ : ٣٢٣.

٢) الوسائل ٩ : ٢٥٧ ، الباب ٣ من أبواب كفّارات الاستمتاع ، الحديث ٩.

٣) السرائر ١ : ٦٣٢.

٤) القواعد ١ : ٤١٤.

٤٥٩

عن الإجارة ، فتجب الثالثة. فعلى هذا ينوي الثانية عن نفسه ، وعلى جعلها الفرض ينويها عن المنوب ، وعلى الرواية ينبغي أن يكون عنه مع احتمال كونها عن المنوب أيضاً.

«ويستحبّ» للأجير «إعادةُ فاضل الاُجرة» عمّا أنفقه في الحجّ ذهاباً وعوداً «والإتمام له» من المستأجر عن نفسه أو من الوصيّ مع النصّ (١) لا بدونه «لو أعوز» وهل يستحبّ لكلّ منهما إجابة الآخر إلى ذلك؟ تنظّر المصنّف في الدروس (٢) : من أصالة البراءة ، ومن أنّه معاونة على البرّ والتقوى.

«وتركُ نيابة المرأة الصرورة» وهي التي لم تحجّ ، للنهي عنه في أخبار (٣) حتّى ذهب بعضهم إلى المنع (٤) لذلك. وحملُها على الكراهة طريق الجمع بينها وبين ما دلّ على الجواز (٥) «و» كذا «الخنثى الصرورة» إلحاقاً لها بالاُنثى ، للشكّ في الذكوريّة. ويحتمل عدم الكراهة ، لعدم تناول «المرأة» التي هي مورد النهي لها.

«ويشترط علمُ الأجير بالمناسك» ولو إجمالاً ، ليتمكّن من تعلّمها تفصيلاً (٦) ولو حجّ مع مرشد عدل أجزأ.

«وقدرته عليها» على الوجه الذي عُيّن ، فلو كان عاجزاً عن الطواف

____________________

١) أي نصّ الموصي المنوب عنه.

٢) الدروس ١ : ٣٢٣.

٣) راجع الوسائل ٨ : ١٢٥ ، الباب ٩ من أبواب النيابة في الحجّ.

٤) منهم الشيخ في الاستبصار ٢ : ٣٢٢ ، ذيل الحديث ١١٤١ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٢٦٩.

٥) راجع الوسائل ٨ : ١٢٣ ، الباب ٨ من أبواب النيابة في الحجّ.

٦) في (ف) : من فعلها تفضيلاً.

٤٦٠