الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-45-1
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٢

أمّا مع الجهل به ـ كصوم آخر شعبان بنيّة الندب ـ أو النسيان فيقع عن شهر رمضان.

«ويعلم» شهر رمضان :

«برؤية الهلال» فيجب على من رآه وإن لم يثبت في حقّ غيره.

«أو شهادة عدلين» برؤيته مطلقاً.

«أو شياعٍ» برؤيته ، وهو : إخبار جماعةٍ بها تأمن النفس من تواطئهم على الكذب ويحصل بخبرهم الظنّ المتاخم للعلم. ولا ينحصر في عدد ، نعم يشترط زيادتهم عن اثنين ليفرق بين العدل وغيره. ولا فرق بين الكبير والصغير والذكر والاُنثى والمسلم والكافر ، ولا بين هلال رمضان وغيره. ولا يشترط حكم الحاكم في حقّ من علم به أو سمع الشاهدين.

«أو مضيّ ثلاثين» يوماً «من شعبان».

«لا ب‍» الشاهد «الواحد في أوّله» خلافاً لسلّار رحمه الله حيث اكتفى به فيه بالنسبة إلى الصوم خاصّةً (١) فلا يثبت لو كان منتهى أجل دينٍ أو عدّةٍ أو مدّة ظهارٍ ونحوه. نعم ، يثبت هلال شوال بمضيّ ثلاثين منه تبعاً وإن لم يثبت أصالة بشهادته.

«ولا يشترط الخمسون مع الصحو» كما ذهب إليه بعضهم (٢) استناداً إلى روايةٍ (٣) حملت على عدم العلم بعدالتهم وتوقّف الشياع عليهم؛ للتهمة ـ كما يظهر

____________________

١) المراسم : ٩٤.

٢) كالشيخ وابني زهرة وحمزة ، اُنظر المبسوط ١ : ٢٦٧ ، والغنية : ١٣٥ ، والوسيلة : ١٤١.

٣) الوسائل ٧ : ٢٠٩ ، الباب ١١ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١٠.

٤٠١

من الرواية ـ لأنّ الواحد مع الصحو إذا رآه ، رآه جماعةٌ غالباً.

«ولا عبرة بالجدول» وهو : حسابٌ مخصوصٌ مأخوذٌ من تسيير القمر ، ومرجعه إلى عدّ شهرٍ تامّاً وشهرٍ ناقصاً في جميع السنة مبتدئاً بالتامّ من المحرّم؛ لعدم ثبوته شرعاً ، بل ثبوت ما ينافيه ، ومخالفته مع الشرع للحساب أيضاً ، لاحتياج تقييده ب‍ «غير السنة الكبيسيّة» (١) أمّا فيها فيكون ذو الحجّة تامّاً.

«والعدد» وهو : عدّ شعبان ناقصاً أبداً ورمضان تامّاً أبداً. وبه فسّره في الدروس (٢).

ويطلق على عدّ خمسةٍ من هلال الماضي وجعل الخامس أوّل الحاضر ، وعلى عدّ شهرٍ تامّاً وآخر ناقصاً مطلقاً ، وعلى عدّ تسعة وخمسين من هلال رجب ، وعلى عدّ كلّ شهرٍ ثلاثين. والكلّ لا عبرة به.

نعم ، اعتبره بالمعنى الثاني جماعةٌ (٣) ـ منهم المصنّف في الدروس (٤) ـ مع غُمّة (٥) الشهور كلِّها ، مقيّداً بعدّ ستّةٍ في الكبيسيّة ، وهو موافقٌ للعادة ، وبه (٦)

____________________

١) كبس البئرَ والنهرَ : طمّهما بالتراب وذلك التراب كبْسٌ ورأسه في ثوبه : أخفاه وأدخله فيه. والسنة الكبيسة التي يُسترق منها يوم ، وذلك في كلّ أربع سنين. راجع المناهج السويّة : ٢٢٠.

٢) الدروس ١ : ٢٨٥.

٣) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٦٨ ، والعلّامة في المختلف ٣ : ٤٩٨ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٢ : ٦٢.

٤) الدروس ١ : ٢٨٥.

٥) الغُمّة : كلّ شيء يستر شيئاً ، والمراد هنا ستر الاُفق بالغمام.

٦) قال الفاضل الإصفهاني : ينبغي أن يرجع [الضمير] إلى اعتبار الخمسة في الجملة؛ إذ لو رجع إلى اعتبارها مطلقاً لم يوافق العادة ، إلّاأن يقال : يكفي فيه كون غير الكبيسيّة

٤٠٢

روايات (١) ولا بأس به. أمّا لو غَمّ شهرٌ وشهران خاصّةً ، فعدّها ثلاثين أقوى ، وفي ما زاد نظرٌ : من تعارض الأصل والظاهر ، وظاهر الاُصول ترجيح الأصل.

«والعُلُوّ» وإن تأخّرت غيبوبته إلى بعد العشاء.

«والانتفاخ» وهو : عِظَم جِرمه المستنير حتّى رُئي بسببه قبل الزوال ، أو رُئي رأس الظلّ فيه ليلة رؤيته.

«والتطوّق» بظهور النور في جِرمه مستديراً. خلافاً لبعض (٢) حيث حكم في ذلك بكونه للّيلة الماضية.

«والخفاء ليلتين» في الحكم به بعدها (٣).

خلافاً لما روي في شواذّ الأخبار : من اعتبار ذلك كلّه (٤).

«والمحبوس» بحيث غُمّت عليه الشهور «يتوخّى» أي يتحرّى شهراً يغلب على ظنّه أنّه هو ، فيجب عليه صومه «فإن» وافق أو ظهر متأخّراً أو استمرّ الاشتباه أجزأ وإن «ظهر التقدّم أعاد».

____________________

أكثر من الكبيسيّة ، ولو رجع إلى اعتبارها في غير الكبيسيّة واعتبار ستّة في الكبيسيّة لم تكن به روايات ، إذ لم نقف إلّاعلى هذه الرواية [رواية السيّاري] ، المناهج السويّة : ٢٢٧.

١) راجع الوسائل ٧ : ٢٠٤ ، الباب ١٠ من أبواب أحكام شهر رمضان.

٢) قال الفاضل الإصفهاني : وهو الشيخ في كتابي الأخبار ... ورواه الصدوق في الفقيه والمقنع ، فظاهره الميل إليه ، المناهج السويّة : ٢٣٠. وراجع التهذيب ٤ : ١٧٨ ، الحديث ٤٩٥ ، والاستبصار ٢ : ٧٥ ، الحديث ٢٢٩ ، والفقيه ٢ : ١٢٤ ، الحديث ١٩١٦ ، والمقنع : ١٨٤.

٣) أي : بعد الليلة الثانية.

٤) راجع الوسائل ٧ : ١٨٩ ، الباب ٥ من أبواب أحكام شهر رمضان ، والباب ٨ و ٩ منها.

٤٠٣

ويلحق ما ظنّه حكمُ الشهر في وجوب الكفّارة في إفساد يومٍ منه ووجوب متابعته وإكماله ثلاثين ـ لو لم ير الهلال ـ وأحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة. ولو لم يظن شهراً تخيّر في كلّ سنةٍ شهراً مراعياً للمطابقة بين الشهرين.

«والكفّ» عن الاُمور السابقة وقته «من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب» الحمرة «المشرقيّة» في الأشهر.

«ولو قدم المسافر» بلده أو ما نوى فيه الإقامة عشراً ـ سابقةً على الدخول أو مقارنةً أو لاحقةً ـ قبل الزوال ، ويتحقّق قدومه برؤية الجدار أو سماع الأذان في بلده وما نوى فيه الإقامة قبله ، أمّا لو نوى بعده فمن حين النيّة «أو برأ المريض قبل الزوال» ظرفٌ للقدوم والبُرء «ولم يتناولا» شيئاً من مفسد الصوم «أجزأهما الصوم» بل وجب عليهما.

«بخلاف الصبيّ» إذا بلغ بعد الفجر «والكافر» إذا أسلم بعده «والحائض والنفساء» إذا طهرتا «والمجنون والمغمى عليه ، فإنّه يعتبر زوال العذر» في الجميع «قبل الفجر» في صحّته ووجوبه ، وإن استحبّ لهم الإمساك بعده ، إلّاأ نّه لا يسمّى صوماً.

«ويقضيه» أي : صوم شهر رمضان «كلُّ تاركٍ له عمداً أو سهواً أو لعذرٍ» من سفرٍ ومرضٍ وغيرهما «إلّاالصبيّ والمجنون» إجماعاً «والمغمى عليه» في الأصحّ (١) «والكافر الأصلي» أمّا العارضي ـ كالمرتدّ ـ فيدخل في الكلّية. ولا بدّ من تقييدها ب‍ «عدم قيام غير القضاء مقامه» ليخرج الشيخ

____________________

١) والقول الآخر هو وجوب القضاء فيما إذا اُغمي عليه قبل استهلال الشهر ومن دون سبق نيّة الصوم ، ذهب إلى ذلك المفيد في المقنعة : ٣٥٢ ، والسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٧ ، وسلّار في المراسم : ٩٦.

٤٠٤

والشيخة وذو العطاش ومن استمرّ به المرض إلى رمضان آخر ، فإنّ الفدية تقوم مقام القضاء.

«وتستحبّ المتابعة في القضاء» لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان (١) «وروايةُ عمّار عن الصادق عليه السلام تتضمّن استحباب التفريق (٢)» وعمل بها بعض الأصحاب (٣) لكنّها تقصر عن مقاومة تلك ، فكان القول الأوّل أقوى.

وكما لا تجب المتابعة لا يجب الترتيب ، فلو قدّم آخره أجزأ ، وإن كان أفضل. وكذا لا ترتيب بين القضاء والكفّارة وإن كانت صوماً.

«مسائل»

الاُولى :

«من نسي غسل الجنابة قضى الصلاة والصوم في الأشهر» أمّا الصلاة فموضع وفاق. وإنّما الخلاف في الصوم ، من حيث عدم اشتراطه بالطهارة من الأكبر إلّامع العلم ، ومن ثمّ لو نام جنباً أوّلاً فأصبح يصحّ صومه وإن تعمّد تركه طول النهار ، فهنا أولى. ووجه القضاء فيه صحيحة الحلبي (٤) عن الصادق عليه السلام وغيرها (٥).

____________________

١) الوسائل ٧ : ٢٤٩ ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ٤.

٢) المصدر السابق ، الحديث ٦.

٣) يلائمه كلام المفيد في المقنعة : ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

٤) الوسائل ٧ : ١٧١ ، الباب ٣٠ من أبواب من يصح منه الصوم ، الحديث ٣.

٥) المصدر السابق ، الحديثان الأوّل والثاني.

٤٠٥

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين اليوم والأيّام وجميع الشهر. وفي حكم الجنابة الحيض والنفاس لو نسيت غسلهما بعد الانقطاع ، وفي حكم رمضان المنذور المعين.

ويشكل الفرق على هذا بينه وبين ما ذكر : من عدم قضاء ما نام فيه وأصبح.

وربّما جمع بينهما : بحمل هذا على الناسي وتخصيص ذاك بالنائم عالماً عازماً فضعف حكمه بالعزم ، أو بحمله على ما عدا اليوم (١) الأوّل. ولكن لا يدفع إطلاقهم ، وإنّما هو جمعٌ بحُكم آخر. والأوّل أوفق ، بل لا تخصيص فيه لأحد النصّين؛ لتصريح ذاك بالنوم عامداً عازماً وهذا بالناسي.

ويمكن الجمع أيضاً : بأنّ مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتّى خرج الشهر ، فيفرق بين اليوم والجميع عملاً بمنطوقهما.

إلّاأ نّه يشكل : بأنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض؛ لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى.

ونسب المصنّف القول إلى الشهرة دون القوّة وما في معناها ، إيذاناً بذلك ، فقد ردّه ابن إدريس والمحقّق (٢) لهذا أو لغيره.

«ويتخيّر قاضي» شهر «رمضان» بين البقاء عليه والإفطار «ما بينه» الضمير يعود إلى «الزمان» الذي هو ظرف المكلف المخيّر ،

____________________

١) في (ر) : النوم. وفي هامش (ش) ما يلي : في عامّة النسخ : «اليوم» بالياء المثنّاة تحتاً ، وقد صحّحه سلطان العلماء بالنون ، وهو وإن كان ظاهر المعنى ، إلّاأ نّه لا يظهر فرق حينئذٍ بين الوجهين. وعلى قراءة «اليوم» ينبغي أن يراد به : اليوم الأوّل من حصول الجنابة؛ ومع هذا لا يخلو عن الإشكال.

٢) السرائر ١ : ٤٠٧ ، والشرائع ١ : ٢٠٤.

٤٠٦

و «ما» ظرفيّةٌ زمانيّة ، أي : يتخيّر في المدّة التي بينه حال حكمنا عليه بالتخيير «وبين الزوال» حتّى لو لم يكن هناك بينيّةٌ ، بأن كان فيه أو بعده فلا تخيير؛ إذ لا مدّة. ويمكن عوده إلى «الفجر» بدلالة الظاهر ، بمعنى تخييره ما بين الفجر والزوال.

هذا مع سعة وقت القضاء. أمّا لو تضيّق بدخول شهر رمضان المقبل لم يجز الإفطار. وكذا لو ظنّ الوفاة قبل فعله ، كما في كلّ واجبٍ موسّع ، لكن لا كفّارة هنا بسبب الإفطار ، وإن وجبت الفدية مع تأخيره عن رمضان المقبل.

واحترز ب‍ «قضاء رمضان» عن غيره ، كقضاء النذر المعيّن حيث أخلّ به في وقته ، فلا تحريم فيه. وكذا كلّ واجبٍ غير معيّن ، كالنذر المطلق والكفّارة ، إلّا قضاء رمضان ، ولو تعيّن لم يجز الخروج منه مطلقاً. وقيل : يحرم قطع كلّ واجب (١) عملاً بعموم النهي عن إبطال العمل (٢).

ومتى زالت الشمس حرم قطع قضائه «فإن أفطر بعده أطعم عشرة مساكين» كلّ مسكين مدّاً أو إشباعه «فإن عجز» عن الإطعام «صام ثلاثة أيّام» ويجب المضيّ فيه مع إفساده ، والظاهر تكرّرها بتكرّر السبب ، كأصله.

«الثانية» :

«الكفّارة في شهر رمضان والنذر المعيّن والعهد» في أصحّ

____________________

١) حكاه قدس سره في المسالك عن الحلبي ، راجع المسالك ٢ : ٦٧ ، والكافي في الفقه : ١٨٤ ـ ١٨٦.

٢) كما في قوله تعالى : (لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ) في سورة محمد : ٣٣.

٤٠٧

الأقوال (١) «عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً» وقيل : هي مرتّبة بين الخصال الثلاث (٢) والأوّل أشهر.

«ولو أفطر على محرّم» أي أفسد صومه به «مطلقاً» أصليّاً كان تحريمه ـ كالزنا ، والاستمناء ، وتناول مال الغير بغير إذنه ، وغبار ما لا يجوز تناوله ، ونُخامة الرأس إذا صارت في الفم ـ أم عارضيّاً ، كوطء الزوجة في الحيض ، وماله النجس «فثلاث» كفّارات وهي أفراد المخيّرة سابقاً مجتمعةً ، على أجود القولين (٣) للرواية الصحيحة عن الرضا عليه السلام (٤) وقيل : واحدة كغيره (٥) استناداً إلى إطلاق كثيرٍ من النصوص (٦) وتقييدها بغيره طريق الجمع.

____________________

١) في (ش) و (ر) زيادة : فيهما ، لكن شُطب عليها في الاُولى. قال الفاضل الإصفهاني قدس سره معلّقاً على «أصحّ الأقوال» : يحتمل التعلّق بالنذر والعهد ، فإنّ فيهما قولاً بأنّ كفّارتهما كفّارة الإفطار في رمضان ، وآخر بأ نّها كفّارة يمين ، وآخر بأ نّها كفّارة الظهار ... ، راجع المناهج السويّة : ٢٤٧.

٢) حكاه العلّامة عن ابن أبي عقيل في المختلف ٣ : ٤٣٨.

٣) ذهب إليه الصدوق في الفقيه ٢ : ١١٨ ، ذيل الحديث ١٨٩٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٤٦ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ١٥٦ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٢٩٦ ، وفخر المحقّقين في الإ يضاح ١ : ٢٢٣.

٤) الوسائل ٧ : ٣٥ ، الباب ١٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث الأوّل.

٥) قال المحقّق في الشرائع (١ : ١٩١) : وهو قول الأكثر حيث أطلقوا القول بالتخيير ولم يفصّلوا بين الإفطار بالمحلّل والمحرّم ، راجع المراسم : ١٩٠ ، والسرائر ١ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ، والغنية : ١٣٩ ، والانتصار : ١٩٦ ، والنهاية : ١٥٤.

٦) اُنظر الوسائل ٧ : ٢٨ ، الباب ٨ من أبواب ماذا يمسك عنه الصائم ، الأحاديث ٤ و ٦ و ١٠ و ١١.

٤٠٨

«الثالثة» :

«لو استمرّ المرض» الذي أفطر معه شهر رمضان «إلى رمضان آخر فلا قضاء» لما أفطره «ويُفدي عن كلّ يوم بمُدٍّ» من طعامٍ في المشهور والمرويّ (١) وقيل : القضاء لا غير (٢) وقيل : بالجمع (٣) وهما نادران. وعلى المشهور لا تتكرّر الفدية بتكرّر السنين. ولا فرق بين رمضان واحد وأكثر.

ومحلّ الفدية مستحقّ الزكاة لحاجته وإن اتّحد. وكذا كلّ فدية.

وفي تعدّي الحكم إلى غير المرض ـ كالسفر المستمرّ ـ وجهان ، أجودهما وجوب الكفّارة مع التأخير لا لعذر ، ووجوب القضاء مع دوامه.

«ولو برأ» بينهما «وتهاون» في القضاء بأن لم يعزم عليه في ذلك الوقت ، أو عزم في السعة فلمّا ضاق الوقت عزم على عدمه «فدى وقضى».

«ولو لم يتهاون» بأن عزم على القضاء في السعة وأخّر اعتماداً عليها فلمّا ضاق الوقت عرض له مانعٌ عنه «قضى لا غير» في المشهور.

والأقوى ما دلّت عليه النصوص الصحيحة (٤) : من وجوب الفدية مع القضاء على من قدر عليه ولم يفعل حتّى دخل الثاني ، سواء عزم عليه أم لا. واختاره

____________________

١) في عدّة أخبار ، اُنظر الوسائل ٧ : ٢٤٤ ، الباب ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان.

٢) حكاه في الدروس (١ : ٢٨٧) عن الحسن (ابن أبي عقيل) ، وفي المنتهى (٢ : ٦٠٣ الطبعة الحجرية) عن أبي جعفر ابن بابويه.

٣) حكاه الشهيد عن ابن الجنيد في الدروس ١ : ٢٨٧.

٤) كخبر زرارة ومحمّد بن مسلم وغيرهما ، راجع الوسائل ٧ : ٢٤٤ ، الباب ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١ و ٢ وغيرهما.

٤٠٩

المصنّف في الدروس (١) واكتفى ابن ادريس بالقضاء مطلقاً (٢) عملاً بالآية (٣) وطرحاً للرواية ـ على أصله ـ وهو ضعيف.

«الرابعة» :

«إذا تمكّن من القضاء ثمّ مات قضى عنه أكبر ولده الذكور» وهو من ليس له أكبر منه وإن لم يكن له ولدٌ متعدّدون ، مع بلوغه عند موته ، فلو كان صغيراً ففي الوجوب عليه بعد بلوغه؟ قولان (٤) ولو تعدّدوا وتساووا في السنّ اشتركوا فيه على الأقوى ، فيقسّط عليهم بالسويّة ، فإن انكسر منه شيءٌ فكفرض الكفاية. ولو اختصّ أحدهم بالبلوغ والآخر بكبر السنّ فالأقرب تقديم البالغ. ولو لم يكن له ولدٌ بالوصف لم يجب القضاء على باقي الأولياء وإن كانوا أولاداً؛ اقتصاراً في ما خالف الأصل على محلّ الوفاق ، وللتعليل بأ نّه في مقابل الحبوة.

«وقيل» : يجب القضاء على «الوليّ مطلقاً (٥)» من مراتب الإرث حتّى الزوجين والمعتق وضامن الجريرة ، ويقدّم الأكبر من ذكورهم فالأكبر ثمّ

____________________

١) الدروس ١ : ٢٨٧.

٢) السرائر ١ : ٣٩٧.

٣) وهي قوله تعالى : (فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ) ... البقرة : ١٨٤.

٤) اختار الوجوب المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد (مخطوط) : ١١٢ ، واختار عدم الوجوب الشهيد في الذكرى ٢ : ٤٤٩ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ٢٣٧.

٥) قاله الصدوق والمفيد ، اُنظر المقنع : ٢٠١ ، والمقنعة : ٣٥٣ ، وابن بابويه وابن الجنيد ، نقل عنهما العلّامة في المختلف ٣ : ٥٣٢.

٤١٠

الإناث. واختاره في الدروس (١) ولا ريب أنّه أحوط.

ولو مات المريض قبل التمكّن من القضاء سقط.

«وفي القضاء عن المسافر» لما فاته منه بسبب السفر «خلافٌ ، أقربه مراعاة تمكّنه من المُقام والقضاء» ـ ولو بالإقامة في أثناء السفر ـ كالمريض.

وقيل : يُقضى عنه مطلقاً (٢) لإطلاق النصّ (٣) وتمكّنه من الأداء ، بخلاف المريض. وهو ممنوعٌ؛ لجواز كونه ضروريّاً كالسفر الواجب. فالتفصيل أجود.

«ويُقضى عن المرأة والعبد» ما فاتهما على الوجه السابق كالحرّ؛ لإطلاق النصّ (٤) ومساواتهما للرجل الحرّ في كثيرٍ من الأحكام. وقيل : لا (٥) لأصالة البراءة وانتفاء النصّ الصريح. والأوّل في المرأة أولى وفي العبد أقوى. والوليّ فيهما كما تقدّم.

«والاُنثى» من الأولاد على ما اختاره «لا تقضي» لأصالة البراءة ، وعلى القول الآخر تقضي مع فقده.

____________________

١) الدروس ١ : ٢٨٩.

٢) قاله الشيخ في التهذيب ٤ : ٢٤٩ ، ذيل الحديث ٧٣٩ ، وابن سعيد في الجامع : ١٦٣ ، وهو ظاهر إطلاق الصدوق ، اُنظر المقنع : ٢٠١.

٣) راجع الوسائل ٧ : ٢٤٠ ، الباب ٢٣ ، الأحاديث ٤ و ١١ و ١٥ و ١٦.

٤) قال الفاضل الإصفهاني : واعلم أنّي لم أظفر بخبر يكون شاملاً للمرأة بإطلاقه ، بل الأخبار بين مختصٍّ بالمرأة ... ومختصّ بالرجل ... ، المناهج السويّة : ٢٦٢. وراجع الوسائل ٧ : ٢٤٠ ، الباب ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان.

٥) استشكل في القضاء عنهما العلّامة في القواعد ١ : ٣٨٠ ، والتزم بعدم القضاء عن المرأة ابن إدريس في السرائر ١ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ، وقوّى عدم القضاء عن العبد فخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ٢٤١.

٤١١

«و» حيث لا يكون هناك وليٌّ أو لم يجب عليه القضاء «يتصدّق من التركة عن اليوم بمدٍّ» في المشهور. هذا إذا لم يوص الميّت بقضائه ، وإلّا سقطت الصدقة حيث يقضى عنه.

«ويجوز في الشهرين المتتابعين صومُ شهرٍ والصدقة عن آخر» من مال الميّت على المشهور. وهذا الحكم تخفيفٌ عن الوليّ بالاقتصار على قضاء الشهر. ومستند التخيير روايةٌ في سندها ضعف (١) فوجوب قضاء الشهرين أقوى. وعلى القول به ، فالصدقة عن الشهر الأوّل والقضاء للثاني؛ لأنّه مدلول الرواية. ولا فرق في الشهرين بين كونهما واجبين تعييناً كالمنذورين ، وتخييراً ككفّارة رمضان. ولا يتعدّى إلى غير الشهرين؛ وقوفاً مع النصّ لو عمل به.

«الخامسة» :

«لو صام المسافر» حيث يجب عليه القصر «عالماً أعاد» قضاءً؛ للنهي المفسد للعبادة «ولو كان جاهلاً» بوجوب القصر «فلا» إعادة. وهذا أحد المواضع التي يعذر فيها جاهل الحكم.

«والناسي» للحكم أو للقصر «يلحق بالعامد» لتقصيره في التحفّظ. ولم يتعرّض له الأكثر مع ذكرهم له في قصر الصلاة بالإعادة في الوقت خاصّةً؛ للنصّ (٢) والذي يناسب حكمها فيه عدم الإعادة؛ لفوات وقته ومنع تقصير الناسي ، ولرفع الحكم عنه ، وإن كان ما ذكره أولى.

____________________

١) الوسائل ٧ : ٢٤٤ ، الباب ٢٤ من أبواب أحكام شهر رمضان ، وفيه حديث واحد. وضعف سندها بسهل بن زياد ، اُنظر المسالك ٧ : ٤٠٢ و ٤٥٤.

٢) الوسائل ٥ : ٥٣٠ ، الباب ١٧ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث ٢.

٤١٢

ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار أفطرا وقضيا قطعاً.

«وكلّما قَصُرت الصلاة قصر الصوم» للرواية (١) وفرقُ بعض الأصحاب (٢) بينهما في بعض الموارد ضعيفٌ «إلّاأ نّه يشترط» في قصر الصوم «الخروج قبل الزوال» بحيث يتجاوز الحدّين قبله ، وإلّا أتمّ وإن قصّر الصلاة على أصحّ الأقوال (٣) لدلالة النصّ الصحيح عليه (٤) ولا اعتبار بتبييت نيّة السفر ليلاً.

«السادسة» :

«الشيخان» ذكراً واُنثى «إذا عجزا» عن الصوم أصلاً أو مع مشقّةٍ شديدة «فديا بمُدٍّ» عن كلّ يومٍ «ولا قضاء» عليهما لتعذّره.

وهذا مبنيٌّ على الغالب من أنّ عجزهما عنه لا يرجى زواله؛ لأنّهما في نقصان ، وإلّا فلو فرض قدرتهما على القضاء وجب ، وهل يجب حينئذٍ الفدية معه؟ قطع به في الدروس (٥).

____________________

١) الوسائل ٧ : ١٣٠ ـ ١٣١ ، الباب ٤ من أبواب من يصحّ منه الصوم.

٢) منهم الشيخ في المبسوط (١ : ٢٨٤) والنهاية (١٢٢) : ففي الأوّل حكم بعدم جواز الإفطار لمن كان سفره أربعة فراسخ ولا يريد الرجوع من يومه ، وخيّره في التقصير في الصلاة. وفي الثاني ذهب إلى وجوب التمام في الصلاة والتقصير في الصوم لمن كان صيده للتجارة. ومنهم ابن حمزة ففرّق بينهما في المسألة الاُولى ، راجع الوسيلة : ١٠٨.

٣) قال سلطان العلماء قدس سره : قوله : «على أصحّ الأقوال» متعلّق بأصل المسألة ـ أي : مسألة الصوم ـ فإنّ فيه ثلاثة أقوال : أحدها : ما اختاره المصنّف. والثاني : اعتبار التبييت مطلقاً. والثالث : وجوب القصر مطلقاً ولو خرج قبل الغروب (هامش ر).

٤) راجع الوسائل ٧ : ١٣١ ، الباب ٥ من أبواب من يصحّ منه الصوم ، الأحاديث ١ ـ ٤.

٥) الدروس ١ : ٢٩١.

٤١٣

والأقوى أنّهما إن عجزا عن الصوم أصلاً فلا فدية ولا قضاء ، وإن أطاقاه بمشقّةٍ شديدةٍ لا يتحمّل مثلها عادةً فعليهما الفدية ، ثمّ إن قدرا على القضاء وجب. والأجود حينئذٍ ما اختاره في الدروس من وجوبها معه؛ لأنّها وجبت بالإفطار أوّلاً بالنصّ الصحيح (١) والقضاء وجب بتجدّد القدرة ، والأصل بقاء الفدية؛ لإمكان الجمع ، ولجواز أن تكون عوضاً عن الإفطار لا بدلاً من القضاء.

«وذو العُطاش» بضمّ أوّله ، وهو : داءٌ لا يروى صاحبه ولا يتمكّن من ترك شرب الماء طول النهار «المأيوس من برئه كذلك» يسقط عنه القضاء ، ويجب عليه الفدية عن كلّ يومٍ بمدّ «ولو برأ قضى» وإنّما ذكره هنا لإمكانه؛ حيث إنّ المرض ممّا يمكن زواله عادةً بخلاف الهَرَم.

وهل يجب مع القضاء الفدية الماضية؟ الأقوى ذلك ، بتقريب ما تقدّم ، وبه قطع في الدروس (٢) ويحتمل أن يريد هنا القضاء من غير فدية ، كما هو مذهب المرتضى (٣).

واحترز ب‍ «المأيوس من برئه» عمّن يمكن برؤه عادةً ، فإنّه يفطر ، ويجب القضاء حيث يمكن ـ كالمريض ـ من غير فدية. والأقوى أنّ حكمه كالشيخين يسقطان عنه مع العجز رأساً ، وتجب الفدية مع المشقّة.

«السابعة» :

«الحامل المُقْرِب والمرضع القليلة اللبن» إذا خافتا على الولد

____________________

١) وهو صحيح الحلبي ، راجع الوسائل ٧ : ١٥١ ، الباب ١٥ من أبواب من يصحّ منه الصوم ، الحديث ٩.

٢) الدروس ١ : ٢٩١.

٣) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٦.

٤١٤

«يفطران * ويفديان» بما تقدّم ، ويقضيان مع زوال العذر. وإنّما لم يذكر القضاء مع القطع بوجوبه؛ لظهوره ، حيث إنّ عذرهما آيلٌ إلى الزوال فلا تزيدان عن المريض.

وفي بعض النسخ «ويُعيدان» بدل «ويفديان» وفيه تصريحٌ بالقضاء وإخلالٌ بالفدية. وعكسه أوضح؛ لأنّ الفدية لا تستفاد من استنباط اللفظ بخلاف القضاء.

ولو كان خوفهما على أنفسهما فكالمريض تفطران وتقضيان من غير فدية. وكذا كلّ من خاف على نفسه.

ولا فرق في ذلك بين الخوف لجوعٍ وعطش ، ولا في المرتضع بين كونه ولداً من النسب والرضاع ، ولا بين المستأجرة والمتبرّعة. نعم ، لو قام غيرها مقامها متبرّعاً أو آخذاً مثلها أو أنقص ، امتنع الإفطار. والفدية من مالهما وإن كان لهما زوجٌ والولد له. والحكم بإفطارهما (١) خبرٌ معناه الأمر ، لدفعه الضرر.

«ولا يجب صوم النافلة بشروعه فيه» لأصالة عدم الوجوب. والنهي عن قطع العمل (٢) مخصوصٌ ببعض الواجب.

«نعم ، يكره نقضه بعد الزوال» للرواية المصرِّحة بوجوبه حينئذٍ (٣) المحمولة على تأكّد الاستحباب؛ لقصورها عن الإ يجاب سنداً (٤) وإن صرّحت به متناً.

____________________

*) في (س) زيادة : «ويعيدان» وعلى هذه لا إخلال بالفدية ولا بالقضاء.

١) أي : قول الماتن : يُفطران ويفديان.

٢) النهي المستفاد من قوله تعالى : وَلاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ محمّد : ٣٣ ، أو الإجماع المدّعى.

٣) الوسائل ٧ : ١١ ، الباب ٤ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ١١.

٤) رواها «مسعدة بن صدقة» وهو عامّي ، اُنظر المسالك ١١ : ٤٨٢.

٤١٥

«إلّالمن يُدعى إلى طعام» فلا يكره له قطعه مطلقاً ، بل يكره المضيّ عليه ، ورُوي أنّه أفضل من الصيام بسبعين ضعفاً (١) ولا فرق بين من هَيّأ له طعاماً وغيره ، ولا بين من يشقّ عليه المخالفة وغيره ، نعم يشترط كونه مؤمناً. والحكمة ليست من حيث الأكل ، بل إجابة دعاء المؤمن وعدم ردّ قوله. وإنّما يتحقّق الثواب على الإفطار مع قصد الطاعة به لذلك ونحوه ، لا بمجرّده؛ لأنّه عبادةٌ يتوقّف ثوابها على النيّة.

«الثامنة» :

«يجب تتابع الصوم» الواجب «إلّاأربعة : النذر المطلق» حيث لا يضيق وقته بظنّ الوفاة أو طروء العذر المانع من الصوم «وما في معناه» من العهد واليمين «وقضاء» الصوم «الواجب» مطلقاً كرمضان ، والنذر المعيّن وإن كان الأصل متتابعاً ـ كما يقتضيه إطلاق العبارة ـ وهو قولٌ قويّ. واستقرب في الدروس وجوب متابعته كالأصل (٢) «وجزاء الصيد» وإن كان بدل النعامة على الأشهر «والسبعة في بدل الهدي» على الأقوى. وقيل : يشترط فيها المتابعة كالثلاثة (٣) وبه روايةٌ حسنة (٤).

____________________

١) الوسائل ٧ : ١١٠ ، الباب ٨ من أبواب آداب الصائم ، الحديث ٦.

٢) الدروس ١ : ٢٩٦.

٣) قاله الحلبي في الكافي : ١٨٨ ، وحكى عنه وعن ابن أبي عقيل العلّامة في المختلف ٣ : ٥٠٩.

٤) الوسائل ٧ : ٢٨١ ، الباب ١٠ من أبواب بقيّة الصوم الواجب ، الحديث ٥ ، وفي طريقها «محمّد بن أحمد العلوي» ولم يُنصّ على توثيقه في كتب الرجال ، المناهج السويّة : ٢٧٧.

٤١٦

«وكلّما أخلّ بالمتابعة» حيث تجب «لعذرٍ» كحيضٍ ومرضٍ وسفرٍ ضروريٍّ «بنى» عند زواله ، إلّاأن يكون الصوم ثلاثة ، فيجب استئنافها مطلقاً ، كصوم كفّارة اليمين ، وكفّارة قضاء رمضان ، وثلاثة الاعتكاف ، وثلاثة المتعة حيث لا يكون الفاصل العيد بعد اليومين.

«ولا له» أي : لا لعذر «يستأنف ، إلّافي» ثلاثة مواضع : «الشهرين المتتابعين» كفّارةً ونذراً وما في معناه «بعد» صوم «شهرٍ ويومٍ من الثاني ، وفي الشهر» الواجب متتابعاً بنذرٍ أو في كفّارة على عبدٍ بظهارٍ أو قتل خطاً «بعد» صوم «خمسة عشر يوماً ، وفي ثلاثة المتعة» الواجبة في الحج بدلاً عن الدم «بعد» صوم «يومين ثالثهما العيد» سواء علم ابتداءً بوقوعه بعدهما أم لا ، فإنّ التتابع يسقط في باقي الأوّلين مطلقاً ، وفي الثالث إلى انقضاء أيّام التشريق.

«التاسعة» :

«لا يفسد الصيام بمصّ الخاتم» وشبهه ، وأمّا مصّ النواة فمكروه «وزقّ الطائر ، ومضغ الطعام» ، وذوق المَرَق ، وكلّ ما لا يتعدّى إلى الحلق.

«ويكره : مباشرة النساء» بغير الجماع ، إلّالمن لا يحرِّك ذلك شهوته.

«والاكتحال بما فيه مسك» أو صَبِرٌ (١).

«وإخراج الدم المضعف ، ودخول الحمّام» المضعف.

«وشمّ الرياحين وخصوصاً النَّرْجِس» بفتح النون فسكون الراء فكسر

____________________

١) الصَبِر ـ بفتح الصاد وكسر الباء ، ولا يسكن إلّافي ضرورة الشعر ـ هو الدواء المرّ.

٤١٧

الجيم ، ولا يكره الطيب ، بل روي استحبابه للصائم (١) وأ نّه تحفته (٢).

«والاحتقان بالجامد» في المشهور. وقيل : يحرم ويجب به القضاء (٣).

«وجلوس المرأة والخنثى في الماء» وقيل : يجب القضاء عليهما به (٤) ، وهو نادر «والظاهر أنّ الخَصِيّ الممسوح كذلك» لمساواته لهما في قرب المنفذ إلى الجوف.

«وبلّ الثوب على الجسد» دون بلّ الجسد بالماء وجلوس الرجل فيه وإن كان أقوى تبريداً.

«والهَذَر» وهو : الكلام بغير فائدة دينيّة ، وكذا استماعه ، بل ينبغي أن يَصُمّ سمعَه وبصرَه وجوارحَه بصومه إلّابطاعة اللّٰه تعالى : من تِلاوة القرآن أو ذكر أو دعاء.

«العاشرة» :

«يستحبّ من الصوم» على الخصوص «أوّل خميسٍ من الشهر ، وآخر خميسٍ منه ، وأوّل أربعاء من العشر الأوسط» فالمواظبة عليها تعدل صوم الدهر وتُذهب بوَحَر الصدر (٥) وهو : وسوسته. ويختصّ باستحباب قضائها لمن فاتته ،

____________________

١) الوسائل ٧ : ٦٤ ، الباب ٣٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٢) المصدر السابق ، الحديث ٣.

٣) قاله العلّامة ، اُنظر المختلف ٣ : ٤١٣.

٤) قاله أبو الصلاح وسلّار ، الكافي في الفقه : ١٨٣ والمراسم : ٩٦ ، وأوجب ابنا زهرة والبرّاج القضاء والكفّارة فيه ، الغنية : ١٣٨ والمهذّب ١ : ١٩٢ ، لكنّهم لم ينصّوا جميعاً على حكم الخنثى.

٥) راجع الوسائل ٧ : ٣٠٣ ، الباب ٧ من أبواب الصوم المندوب.

٤١٨

فإن قضاها في مثلها أحرز فضيلتهما.

«وأيّام البيض» بحذف الموصوف ، أي : أيّام الليالي البيض ، وهي : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر ، سمّيت بذلك؛ لبياض لياليها جُمَع (١) بضوء القمر ، هذا بحسب اللغة. وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنّ آدم عليه السلام لمّا أصابته الخطيئة اسودّ لونه فاُلهم صوم هذه الأيّام فابيضّ بكلّ يومٍ ثُلثه (٢) فسمّيت بيضاً لذلك ، وعلى هذا فالكلام جارٍ على ظاهره من غير حذف.

«ومولد النبيّ صلى الله عليه وآله» وهو عندنا (٣) سابع عشر من شهر ربيع الأوّل على المشهور (٤) «ومبعثه ويوم * الغدير والدحو» للأرض أي : بسطها من تحت الكعبة ، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة.

«وعرفة لمن لا يُضعفه عن الدعاء» الذي هو عازمٌ عليه في ذلك اليوم كمّيةً وكيفيّةً. ويستفاد منه أنّ الدعاء ذلك اليوم أفضل من الصوم «مع تحقّق الهلال» فلو حصل في أوّله التباسٌ لغيمٍ أو غيره كره صومه لئلّا يقع في صوم العيد.

«والمباهلة والخميس والجُمعة» في كلّ اُسبوع «وستّة أيّامٍ بعد عيد الفطر» بغير فصلٍ متواليةً ، فمن صامها مع شهر رمضان عدلت صيام السنة. وفي الخبر : أنّ المواظبة عليها تعدل صوم الدهر (٥) وعُلّل في بعض الأخبار : بأنّ

____________________

١) في (ع) و (ش) : أجمع.

٢) الوسائل ٧ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، الباب ١٢ من أبواب الصوم المندوب ، الحديث الأوّل ، نقلاً بالمعنى.

٣) شُطب على «عندنا» في (ع) و (ش).

٤) لم يرد «على المشهور» في (ف) ، وزيدت في (ع) و (ش) تصحيحاً.

*) لم يرد «يوم» في (س).

٥) السنن الكبرى ٤ : ٢٩٢.

٤١٩

الصدقة بعشر أمثالها ، فيكون رمضان بعشرة أشهر والستّة بشهرين وذلك تمام السنة (١) فدوام فعلها كذلك يعدل دهر الصائم. والتعليل وإن اقتضى عدم الفرق بين فعلها متواليةً ومتفرّقةً بعده بغير فصلٍ ومتأخّرةً ، إلّاأنّ في بعض الأخبار اعتبار القيد (٢) فيكون فضيلةً زائدةً على القدر. وهو إمّا تخفيفٌ للتمرين السابق ، أو عودٌ إلى العبادة للرغبة ودفع احتمال السأم.

«وأوّل ذي الحجّة» وهو مولد إبراهيم الخليل عليه السلام ، وباقي العشر غير المستثنى «ورجب كلّه وشعبان كلّه *».

«الحادية عشرة» :

«يستحبّ الإمساك» بالنيّة؛ لأنّه عبادة «في‌المسافر والمريض بزوال عذرهما بعد التناول» وإن كان قبل الزوال «أو بعد الزوال» وإن كان قبل التناول.

ويجوز للمسافر التناول قبل بلوغ محلّ الترخص وإن علم بوصوله قبله ، فيكون إيجاب الصوم منوطاً باختياره ، كما يتخيّر بين نيّة المقام المسوِّغة للصوم وعدمها.

«و» كذا يستحبّ الإمساك لكلّ «من سلف من ذوي الأعذار» التي «تزول في أثناء النهار» مطلقاً ، كذات الدم والصبيّ والمجنون والمغمى عليه والكافر يسلم.

____________________

١) كنز العمّال ٨ : ٥٦٩ ، الحديث ٢٤٢١٢ و ٢٤٢١٣ ، وورد فيها «الحسنة» بدل : الصدقة.

٢) كما في رواية أبي أيّوب الأنصاري ، راجع السنن الكبرى ٤ : ٢٩٢.

*) لم يرد «كلّه» في (ق). وفي نسخة (ش) من الروضة : وشعبان كلّها.

٤٢٠