الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-45-1
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٢

«الفصل الرابع»

«في زكاة الفطرة»

وتطلق على الخلقة ، وعلى الإسلام. والمراد بها على الأوّل زكاة الأبدان مقابل المال ، وعلى الثاني زكاة الدين والإسلام ، ومن ثمّ وجبت على من أسلم قبل الهلال.

«ويجب على البالغ العاقل الحرّ» لا على الصبيّ والمجنون والعبد ، بل على من يعولهم إن كان من أهلها. ولا فرق في العبد بين القِنّ والمدبَّر والمكاتب ، إلّا إذا تحرّر بعض المطلق فيجب عليه بحسابه. وفي جزئه الرقّ والمشروط قولان ، أشهرهما وجوبها على المولى ما لم يَعُله غيره (١) «المالك قوت سنته» فعلاً أو قوّةً ، فلا تجب على الفقير ، وهو من يستحقّ الزكاة لفقره. ولا يشترط في مالك قوت السنة أن يفضل عنه أصواعٌ بعدد من يُخرج عنه.

فيخرجها «عنه وعن عياله» من ولدٍ وزوجةٍ وضيفٍ «ولو تبرّعاً» والمعتبر في الضيف وشبهه صدق اسمه قبل الهلال ولو بلحظة. ومع وجوبها عليه تسقط عنهم وإن لم يخرجها ، حتّى لو أخرجوها تبرّعاً بغير إذنه لم يبرأ من وجبت

____________________

١) ذهب إليه الشيخ في الخلاف ٢ : ١٤٢ ، المسألة ١٧٦ ، والعلّامة في المختلف ٣ : ٢٧٠. والقول الآخر استحبابها على المولى إذا لم يعله ، حكاه في البيان : ٣٢٧ عن ابن البرّاج.

٣٦١

عليه ، وتسقط عنه لو كان بإذنه.

ولا يشترط في وجوب فطرة الزوجة والعبد العيلولة ، بل تجب مطلقاً ما لم يَعُلْهما غيره ممّن تجب عليه. نعم ، يشترط كون الزوجة واجبة النفقة ، فلا فطرة للناشز والصغيرة.

«وتجب» الفطرة «على الكافر» كما يجب عليه زكاة المال «ولا تصحّ منه» حال كفره ، مع أنّه لو أسلم بعد الهلال سقطت عنه وإن استحبّت قبل الزوال ، كما تسقط الماليّة لو أسلم بعد وجوبها. وإنّما تظهر الفائدة في عقابه على تركها لو مات كافراً ، كغيرها من العبادات.

«والاعتبار بالشروط * عند الهلال» فلو اُعتق العبد بعده أو استغنى الفقير أو أسلم الكافر أو أطاعت الزوجة لم تجب.

«وتستحبّ» الزكاة «لو تجدّد السبب» الموجب «ما بين الهلال» وهو الغروب ليلة العيد «إلى الزوال» من يومه.

«وقدرها صاع» عن كلّ إنسان «من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأرز» منزوع القشر الأعلى «أو الأقِط» وهو لبنٌ جافّ «أو اللبن» وهذه الاُصول مجزيةٌ وإن لم تكن قوتاً غالباً. أمّا غيرها فإنّما يُجزئ مع غلبته في قوت المُخرج.

«وأفضلها التمر» لأنّه أسرع منفعةً وأقلّ كلفةً ، ولاشتماله على القوت والإدام (١) «ثمّ الزبيب» لقربه من التمر في أوصافه «ثمّ ما يغلب على قوته» من الأجناس وغيرها.

____________________

*) في (ق) : بالشرط.

١) الإدام : كلّ موافق وملائم ، ومنه «إدام الطعام» وهو ما يجعل مع الخبز فيطيّبه.

٣٦٢

«والصاع تسعة أرطالٍ ولو من اللبن في الأقوى» هذا غايةٌ لوجوب الصاع لا لتقديره ، فإنّ مقابل الأقوى إجزاء ستّة أرطالٍ منه أو أربعة (١) لا أنّ الصاع منه قدرٌ آخر.

«ويجوز إخراج القيمة بسعر الوقت» من غير انحصارٍ في درهمٍ عن الصاع أو ثلثي درهم. وما ورد منها مقدّراً (٢) منزّل على سعر ذلك الوقت.

«وتجب النيّة فيها وفي الماليّة» من المالك أو وكيله عند الدفع إلى المستحقّ ، أو وكيله عموماً كالإمام ونائبه عامّاً أو خاصّاً ، أو خصوصاً كوكيله. ولو لم ينو المالك عند دفعها إلى غير المستحقّ ووكيله الخاصّ فنوى القابض عند دفعها إليه أجزأ.

«ومن عزل إحداهما» بأن عيّنها في مالٍ خاصٍّ بقدرها بالنيّة «لعذرٍ» مانعٍ من تعجيل إخراجها «ثمّ تلفت» بعد العزل بغير تفريط «لم يَضمن» لأنّه بعد ذلك بمنزلة الوكيل في حفظها. ولو كان لا لعذرٍ ضمن مطلقاً إن جوّزنا العزل معه. وتظهر فائدة العزل في انحصارها في المعزول ، فلا يجوز التصرّف فيه ، ونماؤه تابع ، وضمانه كما ذكر.

«ومصرفها مصرف الماليّة» وهو الأصناف الثمانية.

«ويستحبّ أن لا يقصر العطاء» للواحد «عن صاعٍ» على الأقوى ،

____________________

١) قال الفاضل الإصفهاني قدس سره : القول بأنّ الواجب في اللبن ستّة أرطال عراقيّة للشيخ في المبسوط والمصباح ومختصره والاقتصاد ، ووافقه ابنا حمزة وإدريس والعلّامة في التذكرة والتبصرة. والقول بأنّ الواجب فيه أربعة عراقيّة للشيخ في الجمل والنهاية ، وكتابي الأخبار ظاهراً ... وهو صريح الفاضلين في الشرائع والنافع والقواعد ... ، المناهج السويّة : ١١٥.

٢) الوسائل ٦ : ٢٣٦ ، الباب ٧ من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث ١ و ٤.

٣٦٣

والمشهور أنّ ذلك على وجه الوجوب ، ومال إليه في البيان (١) ولا فرق بين صاع نفسه ومن يعوله «إلّامع الاجتماع» أي اجتماع المستحقّين «وضيق المال» فيسقط الوجوب أو الاستحباب ، بل يُبسَط الموجود عليهم بحسبه. ولا تجب التسوية وإن استحبّت مع عدم المرجِّح.

«ويستحبّ أن يخصّ بها المستحقّ من القرابة والجار» بعده ، وتخصيص أهل الفضل بالعلم والزهد وغيرهما وترجيحهم في سائر المراتب.

«ولو بان الآخذ غير مستحقٍّ ارتجعت» عيناً أو بدلاً مع الإمكان ، «ومع التعذّر تُجزئ إن اجتهد» الدافع بالبحث عن حاله على وجهٍ لو كان بخلافه لظهر عادةً ، لا بدونه بأن اعتمد على دعواه الاستحقاق مع قدرته على البحث «إلّاأن يكون» المدفوع إليه «عبده» فلا يُجزئ مطلقاً؛ لأنّه لم يخرج عن ملك المالك.

وفي الاستثناء نظر؛ لأنّ العلّة في نفس الأمر مشتركةٌ ، فإنّ القابض مع عدم استحقاقه لا يملك مطلقاً وإن برئ الدافع ، بل يبقى المال مضموناً عليه ، وتعذّر الارتجاع مشتركٌ ، والنصّ مطلقٌ (٢).

____________________

١) البيان : ٣٣٤.

٢) فإنّ كلمة «غير أهلها» في النصّ مشترك بين الجميع ، اُنظر الوسائل ٦ : ١٤٧ ، الباب ٢ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث الأوّل.

٣٦٤

كتاب الخمس

٣٦٥
٣٦٦

«كتاب الخمس»

«ويجب في» سبعة أشياء :

الأول : «الغنيمة» :

وهي ما يحوزه المسلمون بإذن النبي أو الإمام عليهم السلام من أموال أهل الحرب بغير سَرِقَةٍ ولا غِيلةٍ (١) من منقول وغيره. ومن مال البغاة إذا حواها العسكر عند الأكثر ، ومنهم المصنّف في خمس الدروس (٢) وخالفه في الجهاد (٣) وفي هذا الكتاب (٤) ومن الغنيمة فداء المشركين وما صولحوا عليه.

وما أخرجناه من الغنيمة بغير إذن الإمام والسرقة والغيلة من أموالهم فيه الخمس أيضاً ، لكنّه لا يدخل في اسم الغنيمة بالمعنى المشهور؛ لأنّ الأوّل

____________________

١) الغيلة : الخديعة.

٢) الدروس ١ : ٢٥٨.

٣) الدروس ٢ : ٤٢.

٤) يأتي في الجزء الثاني في الفصل الرابع من كتاب الجهاد.

٣٦٧

للإمام خاصّةً ، والثاني لآخذه. نعم ، هو غنيمة بقولٍ مطلق ، فيصحّ إخراجه منها (١).

وإنّما يجب الخمس في الغنيمة «بعد إخراج المُؤَن *» وهي ما اُنفق عليها بعد تحصيلها بحفظٍ وحملٍ ورعيٍ ونحوها. وكذا يُقدّم عليه الجعائل على الأقوى.

«و» الثاني : «المعدِن» :

بكسر الدال وهو ما استُخرج من الأرض ممّا كانت أصله ثمّ اشتمل على خصوصيةٍ يعظم الانتفاع بها ، كالملح والجصّ وطين الغَسل وحجارة الرحى ، والجواهر : من الزبرجد والعقيق والفيروزج وغيرها.

«و» الثالث : «الغوص» :

أي : ما اُخرج به : من اللؤلؤ والمرجان والذهب والفضّة ـ التي ليس عليها سكّة الإسلام ـ والعنبر ، والمفهوم منه الإخراج من داخل الماء ، فلو اُخذ شيءٌ من ذلك من الساحل أو عن وجه الماء لم يكن غوصاً ، وفاقاً للمصنّف في الدروس (٢) وخلافاً للبيان (٣) وحيث لا يلحق به يكون من المكاسب ، وتظهر الفائدة في الشرائط.

وفي إلحاق صيد البحر بالغوص أو المكاسب؟ وجهان ، والتفصيل حسنٌ ، إلحاقاً لكلٍّ بحقيقته.

____________________

١) أي من الغنيمة بالمعنى المشهور.

*) في (س) : المؤونة.

٢) الدروس ١ : ٢٦١.

٣) البيان : ٣٤٥.

٣٦٨

«و» الرابع : «أرباح المكاسب»

من تجارةٍ وزراعةٍ وغرسٍ وغيرها ممّا يكتسب من غير الأنواع المذكورة قسيمها ولو بنماءٍ وتولّدٍ وارتفاع قيمةٍ وغيرها ، خلافاً للتحرير حيث نفاه في الارتفاع (١).

«و» الخامس : «الحلال المختلط بالحرام»

«ولا يتميّز ولا يُعلم صاحبه» ولا قدره بوجه ، فإنّ إخراج خمسه حينئذٍ يطهّر المال من الحرام.

فلو تميّز كان للحرام حكم المال المجهول المالك حيث لا يعلم.

ولو علم صاحبه ولو في جملة قومٍ منحصرين فلا بدّ من التخلّص منه ولو بصلحٍ ، ولا خمسَ. فإن أبى ، قال في التذكرة : دفع إليه خمسه إن لم يعلم زيادته ، أو ما يغلب على ظنّه إن علم زيادته أو نقصانه (٢).

ولو علم قدره ـ كالربع والثلث ـ وجب إخراجه أجمع صدقةً لا خمساً.

ولو علم قدره جملةً لا تفصيلاً ، فإن علم أنّه يزيد عن الخُمس خمّسه وتصدّق بالزائد ولو ظنّاً ، ويحتمل قويّاً كون الجميع صدقة. ولو علم نقصانه عنه اقتصر على ما يتيقّن به البراءة صدقةً على الظاهر ، وخُمساً في وجهٍ. وهو أحوط.

ولو كان الحلال الخليط ممّا يجب فيه الخمس خمّسه بعد ذلك بحسبه.

____________________

١) التحرير ١ : ٤٣٩.

٢) التذكرة ٥ : ٤٢٢.

٣٦٩

ولو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس ففي الضمان له وجهان ، أجودهما ذلك.

«و» السادس : «الكنز»

وهو المال المذخور تحت الأرض قصداً في دار الحرب مطلقاً ، أو دار الإسلام ولا أثر له عليه ، ولو كان عليه أثره فلقطةٌ على الأقوى.

هذا إذا لم يكن في ملكٍ لغيره ولو في وقت سابق ، فلو كان كذلك عرّفه المالك ، فإن اعترف به فهو له بقوله مجرّداً ، وإلّا عرّفه مَن قبله من بائع وغيره ، فإن اعترف به وإلّا فمَن قَبلَه ممّن يمكن. فإن تعدّدت الطبقة وادّعوه أجمع قسّم عليهم بحسب السبب. ولو ادّعاه بعضهم خاصّةً فإن ذكر سبباً يقتضي التشريك سُلّمت إليه حصّته خاصّةً وإلّا الجميع. وحصّة الباقي (١) كما لو نفوه أجمع ، فيكون للواجد إن لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلّا فلقطة.

ومثله الموجود في جوف دابّةٍ ولو سَمَكَةٍ مملوكةٍ بغير الحيازة ، أمّا بها فلواجده؛ لعدم قصد المحيز إلى تملّك ما في بطنها ولا يعلمه ، وهو شرط الملك على الأقوى.

وإنّما يجب في الكنز «إذا بلغ عشرين ديناراً» عيناً أو قيمةً. والمراد ب‍ «الدينار» المثقال كغيره ، وفي الاكتفاء بمئتي درهم وجهٌ احتمله المصنّف في البيان (٢) مع قطعه بالاكتفاء بها في المعدن ، وينبغي القطع بالاكتفاء بها هنا؛ لأنّ صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام تضمّن : أنّ ما يجب الزكاة منه في مثله

____________________

١) في (ش) : النافي.

٢) البيان : ٣٤٣ و ٣٤٢.

٣٧٠

ففيه الخمس (١).

«قيل : والمعدن كذلك» يشترط بلوغه عشرين ديناراً (٢) ونسبته إلى القول تدلّ على توقّفه فيه ، مع جزمه به في غيره (٣) وصحيح البزنطي دالٌّ عليه (٤) فالعمل به متعيّن.

وفي حكمها بلوغه مئتي درهم ـ كما مرّ ـ عند المصنّف ، مع أنّ الرواية هنا لا تدلّ عليه.

«وقال الشيخ في الخلاف : لا نصاب له (٥)» بل يجب في مسمّاه ، وهو ظاهر الأكثر نظراً إلى الاسم. والرواية حجّةٌ عليهم.

«واعتبر أبو الصلاح» التقيّ الحلبي «فيه ديناراً (٦) كالغوص» استناداً إلى روايةٍ قاصرة (٧) نعم ، يعتبر الدينار أو قيمته في الغوص قطعاً. واكتفى المصنّف عن اشتراطه فيه بالتشبيه هنا.

ويعتبر النصاب في الثلاثة (٨) بعد المؤونة التي يغرمها على تحصيله : من

____________________

١) الوسائل ٦ : ٣٤٥ ، الباب ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٢.

٢) قاله الشيخ في النهاية : ١٩٧ ، والمبسوط ١ : ٢٣٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٣٨ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٦٢٦ ، والعلّامة في التحرير ١ : ٤٣٤.

٣) وهو البيان : ٣٤٢ ، والدروس ١ : ٢٦٠.

٤) الوسائل ٦ : ٣٤٤ ، الباب ٤ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث الأوّل.

٥) الخلاف ٢ : ١١٩ ، المسألة ١٤٢ من كتاب الزكاة.

٦) الكافي في الفقه : ١٧٠.

٧) أي سنداً؛ لأنّ في طريقه «محمّد بن عليّ» وهو مجهول ، كما في المناهج السويّة : ١٣٨ ، اُنظر الوسائل ٦ : ٣٤٣ ، الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٥.

٨) الغوص والكنز والمعدن.

٣٧١

حفرٍ ، وسبكٍ في المعدن ، وآلة الغوص أو أرشها ، واُجرة الغوّاص في الغوص ، واُجرة الحفر ونحوه في الكنز. ويعتبر النصاب بعدها مطلقاً في ظاهر الأصحاب.

ولا يعتبر اتّحاد الإخراج في الثلاثة ، بل يضمّ بعض الحاصل إلى بعضٍ وإن طال الزمان أو نوى الإعراض ، وفاقاً للمصنّف (١) واعتبر العلّامة عدم نيّة الإعراض (٢) وفي اعتبار اتّحاد النوع وجهان ، أجودهما اعتباره في الكنز والمعدن دون الغوص ، وفاقاً للعلّامة (٣).

ولو اشترك جماعةٌ اعتبر بلوغ نصيب كلٍّ نصاباً بعد مؤونته.

«و» السابع : «أرض الذمّي المنتقلة إليه من مسلم»

سواء انتقلت إليه بشراءٍ أم غيره ، وإن تضمّن بعض الأخبار لفظ «الشراء» (٤) وسواء كانت ممّا فيه الخمس ـ كالمفتوحة عنوةً حيث يصحّ بيعها ـ أم لا ، وسواء اُعدّت للزراعة أم لغيرها ، حتّى لو اشترى بستاناً أو داراً اُخذ منه خمس الأرض؛ عملاً بالإطلاق. وخصّها في المعتبر بالاُولى (٥).

____________________

١) في البيان : ٣٤٣ ـ ٣٤٥ ، والدروس ١ : ٢٦٠ ـ ٢٦١.

٢) راجع التذكرة ٥ : ٤٢٨ ، والتحرير ١ : ٤٣٤ و ٤٣٨.

٣) قال الفاضل الإصفهاني : لم أظفر في شيء من كتبه بما يوافقه ، ولا سمعت نقله عنه من أحد ، وإنّما وجدت نصّه في المنتهى والتذكرة والتحرير على عدم اعتباره في المعدن ... ولم يتعرّض في الكنز والغوص بإثبات ولا نفي ، المناهج السويّة : ١٤٠ ، وراجع المنتهى (الحجريّة) ١ : ٥٤٩ ، والتذكرة ٥ : ٤٢٨ ، والتحرير ١ : ٤٣٥.

٤) الوسائل ٦ : ٣٥٢ ، الباب ٩ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١ و ٢.

٥) المعتبر ٢ : ٦٢٤.

٣٧٢

وعلى ما اخترناه فطريق معرفة الخمس : أن تُقَوَّم مشغولةً بما فيها باُجرةٍ للمالك. ويتخيّر الحاكم بين أخذ خمس العين والارتفاع.

ولا حول هنا ولا نصاب ولا نيّة. ويحتمل وجوبها عن الآخذ لا عنه ، وعليه المصنّف في الدروس (١) والأوّل في البيان (٢).

ولا يسقط ببيع الذمّي لها قبل الإخراج وإن كان لمسلمٍ ، ولا بإقالة المسلم له في البيع الأوّل. مع احتماله هنا؛ بناءً على أنّها فسخٌ ، لكن لما كان من حينه ضعف.

«و» هذه الأرض «لم يذكرها كثير» من الأصحاب ، كابن أبي عقيل وابن الجنيد والمفيد وسلّار والتقيّ. والمتأخّرون أجمع والشيخ (٣) من المتقدّمين على وجوبه فيها ، ورواه أبو عبيدة الحذّاء في الموثّق عن الباقر عليه السلام (٤).

«وأوجبه أبو الصلاح في الميراث والصدقة والهبة» محتجّاً بأ نّه نوع اكتسابٍ وفائدةٍ (٥) فيدخل تحت العموم (٦) «وأنكره ابن ادريس» (٧) والعلّامة (٨)

____________________

١) الدروس ١ : ٢٥٩.

٢) أي : عدم النيّة ، اُنظر البيان : ٣٤٦.

٣) النهاية : ١٩٧ ، والمبسوط ١ : ٢٣٧.

٤) الوسائل ٦ : ٣٥٢ ، الباب ٩ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث الأوّل.

٥) الكافي في الفقه : ١٧٠.

٦) عموم قوله تعالى وَاِعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... الأنفال : ٤١ ، وعموم مثل خبر سماعة قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس ، فقال : «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» الوسائل ٦ : ٣٥٠ ، الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٦.

٧) السرائر ١ : ٤٩٠.

٨) المختلف ٣ : ٣١٥ ، والتحرير ١ : ٤٣٩.

٣٧٣

للأصل ، والشكّ في السبب.

«والأوّل حسن» لظهور كونها غنيمة بالمعنى الأعمّ فتلحق بالمكاسب؛ إذ لا يشترط فيها حصوله اختياراً ، فيكون الميراث منه. وأمّا العقود المتوقّفة على القبول فأظهر؛ لأنّ قبولها نوعٌ من الاكتساب ، ومن ثمّ يجب القبول حيث يجب كالاكتساب للنفقة ، وينتفي حيث ينتفي كالاكتساب للحجّ ، وكثيراً ما يذكر الأصحاب أنّ قبول الهبة ونحوها اكتساب (١) وفي صحيحة عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني (٢) ما يرشد إلى الوجوب فيها.

والمصنّف لم يرجّح هذا القول إلّاهنا ، بل اقتصر في الكتابين على مجرّد نقل الخلاف (٣) وهو يشعر بالتوقّف.

«واعتبر المفيد (٤) في الغنيمة والغوص والعنبر» ذِكره بعد الغوص تخصيصٌ بعد التعميم ، أو لكونه أعمّ منه من وجه لإمكان تحصيله من الساحل أو عن وجه الماء ، فلا يكون غوصاً كما سلف «عشرين ديناراً عيناً أو قيمةً».

«والمشهور أنّه لا نصاب للغنيمة» لعموم الأدلّة ، ولم نقف على ما أوجب إخراجه لها منه (٥) فإنّه ذكرها مجرّدةً عن حجّة. وأمّا الغوص فقد عرفت

____________________

١) لم نعثر على من صرّح بذلك. نعم ، أوجب الحلبي في الهبة الخمس ، واحتجّ له العلّامة بأ نّه نوع اكتساب ، راجع الكافي : ١٧٠ ، والمختلف ٣ : ٣١٥.

٢) الوسائل ٦ : ٣٤٩ ، الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٥.

٣) الدروس ١ : ٢٥٨ ، البيان : ٣٤٨.

٤) حكاه عنه العلّامة في المختلف ٣ : ٣٢٠.

٥) يعني أوجب إخراجَ المفيد للغنيمة من العموم.

٣٧٤

أنّ نصابه دينار (١) للرواية عن الكاظم عليه السلام (٢) وأمّا العنبر فإن دخل فيه فبحكمه ، وإلّا فبحكم المكاسب. وكذا كلّ ما انتفى فيه الخمس من هذه المذكورات لفقد شرطٍ ولو بالنقصان عن النصاب.

«ويعتبر» في وجوب الخمس «في الأرباح» إخراج «مؤونته ومؤونة عياله» الواجبي النفقة وغيرهم حتّى الضيف «مقتصداً» فيها ، أي : متوسّطاً بحسب اللائق بحاله عادةً ، فإن أسرف حُسب عليه ما زاد ، وإن قَتَرَ حُسب له ما نقص.

ومن المؤونة هنا : الهديّة والصلة اللائقان بحاله ، وما يؤخذ منه في السنة قهراً ، أو يصانع به الظالم اختياراً ، والحقوق اللازمة له بنذرٍ وكفّارةٍ ومؤونة تزويج ودابّةٍ وأمةٍ وحجٍّ واجبٍ إن استطاع عام الاكتساب ، وإلّا وجب في الفضلات السابقة على عام الاستطاعة. والظاهر أنّ الحجّ المندوب والزيارة وسفر الطاعة كذلك. والدين المتقدّم والمقارن لحول الاكتساب من المؤونة.

ولا يُجبر التالف من المال بالربح وإن كان في عامه. وفي جبر خسران التجارة بربحها في الحول وجهٌ ، قطع به المصنّف في الدروس (٣).

ولو كان له مالٌ آخر لا خمس فيه ففي أخذ المؤونة منه ، أو من الكسب ، أو منهما بالنسبة ، أوجه. وفي الأوّل احتياط ، وفي الأخير عدل ، وفي الأوسط قوّة.

____________________

١) راجع الصفحة ٣٧١.

٢) الوسائل ٦ : ٣٤٧ ، الباب ٧ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث (٢).

٣) الدروس ١ : ٢٥٩.

٣٧٥

ولو زاد بعد تخميسه زيادةً متّصلةً أو منفصلة وجب خمس الزائد ، كما يجب خمسه ممّا لا خمس في أصله ، سواء اُخرج الخمس أوّلاً من العين أم القيمة.

والمراد ب‍ «المؤونة» هنا مؤونة السنة. ومبدؤها ظهور الربح ، ويتخيّر بين تعجيل إخراج ما يعلم زيادته عليها والصبر به إلى تمام الحول ، لا لأنّ الحول معتبرٌ فيه ، بل لاحتمال زيادة المؤونة ونقصانها ، فإنّها مع تعجيله تخمينيّة.

ولو حصل الربح في الحول تدريجاً اعتبر لكلّ خارجٍ حولٌ بانفراده. نعم ، توزّع المؤونة في المدّة المشتركة بينه وبين ما سبق عليهما ، ويختصّ بالباقي ، وهكذا ...

وكما لا يعتبر الحول هنا لا يعتبر النصاب ، بل يخمّس الفاضل وإن قلّ ، وكذا غير ما ذكر له نصاب. أمّا الحول فمنفيٌّ عن الجميع.

والوجوب في غير الأرباح مضيّق.

«ويقسّم» الخمس «ستّة أقسام»

على المشهور؛ عملاً بظاهر الآية (١) وصريح الرواية (٢) «ثلاثة» منها «للإمام عليه السلام» وهي سهم اللّٰه ورسوله وذي القربى. وهذا السهم وهو نصف الخمس «يصرف إليه» إن كان «حاضراً ، وإلى نوّابه» وهم : الفقهاء العدول الإماميّون الجامعون لشرائط الفتوى؛ لأنّهم وكلاؤه.

____________________

١) الأنفال : ٤١.

٢) المراد بها جنس الرواية ، اُنظر الوسائل ٦ : ٣٥٥ ، الباب الأوّل من أبواب قسمة الخمس.

٣٧٦

ثمّ يجب عليهم فيه ما يقتضيه مذهبهم ، فمن يذهب منهم إلى جواز صرفه إلى الأصناف على سبيل التتمّة ـ كما هو المشهور بين المتأخّرين منهم (١) ـ يصرفه على حسب ما يراه من بسطٍ وغيره ، ومن لا يرى ذلك يجب عليه أن يستودعه له إلى ظهوره ، فإذا حضرته الوفاة أودعه من ثقة ، وهكذا ما دام «غائباً ، أو يُحفظ» أي يحفظه من يجب عليه بطريق الاستيداع ، كما ذكرناه في النائب وليس له أن يتولّى إخراجه بنفسه إلى الأصناف مطلقاً ولا لغير الحاكم الشرعي ، فإن تولّاه غيره ضمن.

ويظهر من إطلاقه صرف حقّه عليه السلام إلى نوّابه : أنّه لا يحلّ منه حال الغيبة شيءٌ لغير فريقه.

والمشهور بين الأصحاب ـ ومنهم المصنّف في باقي كتبه (٢) وفتاواه ـ استثناء المناكح والمساكن والمتاجر من ذلك ، فتباح هذه الثلاثة مطلقاً (٣) والمراد من الأوّل : الأمة المسبيّة حال الغيبة وثمنها ، ومهر الزوجة من الأرباح. ومن الثاني : ثمن المسكن منها أيضاً. ومن الثالث : الشراء ممّن لا يعتقد الخمس ، أو ممّن لا يخمّس ، ونحو ذلك. وتركه هنا إمّا اختصاراً أو اختياراً؛ لأنّه قولٌ لجماعةٍ من الأصحاب (٤) والظاهر الأوّل؛ لأنّه ادّعى في البيان إطباق الإماميّة

____________________

١) كالمحقّق في المختصر النافع : ٦٤ ، والعلّامة في المختلف ٣ : ٣٥٤ ، والقواعد ١ : ٣٦٥ ، وابن فهد في المهذّب البارع ١ : ٥٧١ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٥٦.

٢) البيان : ٣٥١ ، والدروس ١ : ٢٦٣.

٣) أي من غير إخراج شيء منها ، لا حصّة الإمام ولا سائر الحصص. أو سواء كانت بأجمعها للإمام أو خمسها. أو أي في حضور الإمام وغيبته ، المناهج السويّة : ١٥١.

٤) كالحلبي في الكافي : ١٧٤ ، وحكاه العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف ٣ : ٣٤٠.

٣٧٧

عليه (١) نظراً إلى شذوذ المخالف.

«وثلاثة» أقسام وهي بقيّة الستّة «لليتامى» وهم الأطفال الذين لا أب لهم «والمساكين» والمراد بهم هنا ما يشمل الفقراء ، كما في كلّ موضعٍ يذكرون منفردين «وأبناء السبيل» على الوجه المذكور في الزكاة «من الهاشميّين» المنتسبين إلى هاشم «بالأب» دون الاُمّ ودون المنتسبين إلى المطّلب ـ أخي هاشم ـ على أشهر القولين (٢).

ويدلّ على الأوّل استعمال أهل اللغة ، وما خالفه يحمل على المجاز؛ لأنّه خيرٌ من الاشتراك. وفي الرواية عن الكاظم عليه السلام ما يدلّ عليه (٣) وعلى الثاني أصالة عدم الاستحقاق ، مضافاً إلى ما دلّ على عدمه من الأخبار (٤) واستضعافاً لما استدلّ به القائل منها (٥) وقصوره عن الدلالة.

«وقال المرتضى» رضى الله عنه : يستحقّ المنتسب إلى هاشم «و» لو «بالاُمّ» استناداً إلى قوله صلى الله عليه وآله عن الحسنين عليهما السلام : «هذان ابناي إمامان ...» (٦)

____________________

١) البيان : ٣٥١.

٢) أي : فيهما ، وسيأتي خلاف السيّد المرتضى في المنتسب بالاُمّ ، والمفيد وابن الجنيد في المطّلبي.

٣) الوسائل ٦ : ٣٥٨ ، الباب الأوّل من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٨.

٤) نفس المصدر ، سائر أحاديث الباب.

٥) وهو خبر عليّ بن الحسن بن فضّال ، الوسائل ٦ : ١٩١ ، الباب ٣٣ من أبواب المستحقّين للزكاة ، الحديث الأوّل. وضعفها بابن فضّال ، فإنّه فطحي. اُنظر المسالك ٩ : ٣٦٩.

٦) استند إليه في مسألة من مسائل الإرث ، راجع رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٢٦٤ ، وأمّا في خصوص الخمس فلم نقف عليه. نعم ، حكى عنه الحكم المذكور المحقّق في المعتبر ٢ : ٢٦٤.

٣٧٨

والأصل في الإطلاق الحقيقة. وهو ممنوعٌ ، بل هو أعمّ منها ومن المجاز ، خصوصاً مع وجود المعارض. وقال المفيد وابن الجنيد : يستحقّ المطّلبي أيضاً (١) وقد بيّنّاه.

«ويشترط فقر شركاء الإمام عليه السلام» أمّا المساكين فظاهر. وأمّا اليتامى فالمشهور اعتبار فقرهم؛ لأنّ الخمس عوض الزكاة ، ومصرفها الفقراء في غير من نُصّ على عدم اعتبار فقره ، فكذا العوض ، ولأنّ الإمام عليه السلام يقسّمه بينهم على قدر حاجتهم ، والفاضل له والمُعْوِز عليه ، فإذا انتفت الحاجة انتفى النصيب.

وفيه نظرٌ بيّن ، ومن ثمّ ذهب جماعة إلى عدم اعتباره فيهم (٢) لأنّ اليتيم قسيمٌ للمسكين في الآية (٣) وهو يقتضي المغايرة. ولو سلّم عدمه ـ نظراً إلى أنّها لا تقتضي المباينة ـ فعند عدم المخصّص يبقى العموم. وتوقّف المصنّف في الدروس (٤).

«ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم» وإن كان غنيّاً في بلده ، بشرط أن يتعذّر وصوله إلى المال على الوجه الذي قرّرناه في الزكاة (٥) وظاهرهم هنا عدم الخلاف فيه ، وإلّا كان دليل اليتيم آتياً فيه.

«ولا تعتبر العدالة» لإطلاق الأدلّة. «ويعتبر الإ يمان» لاعتباره في

____________________

١) حكاه عنهما المحقّق في المعتبر ٢ : ٦٣١ ، والعلّامة في المختلف ٣ : ٣٢٩.

٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٦٢ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٤٩٦ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٥٠.

٣) سورة الأنفال : ٤١.

٤) الدروس ١ : ٢٦٢.

٥) راجع الصفحة ٣٥٤.

٣٧٩

المعوّض بغير خلافٍ مع وجوده ، ولأ نّه صلةٌ وموادّة والمخالف بعيد عنها (١) وفيهما نظرٌ ، ولا ريب أنّ اعتباره أولى.

وأمّا الأنفال

فهي المال الزائد للنبيّ صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام بعده على قبيلهما ، وقد كانت لرسول اللّٰه صلى الله عليه وآله في حياته بالآية الشريفة (٢) وهي بعده للإمام القائم مقامه.

وقد أشار إليها بقوله : «ونفل الإمام عليه السلام» الذي يزيد به عن قبيله ، ومنه سُمّي نفلاً :

«أرضٌ انجلى عنها» أهلها وتركوها «أو سُلّمت *» للمسلمين «طوعاً» من غير قتال ، كبلاد البحرين «أو باد أهلها» أي هلكوا ، مسلمين كانوا أم كفّاراً ، وكذا مطلق الأرض الموات التي لا يعرف لها مالك.

«والاجام» بكسر الهمزة وفتحها مع المدّ ، جمع «أجمة» بالتحريك المفتوح ، وهي : الأرض المملوءة من القصب ونحوه في غير الأرض المملوكة.

«ورؤوس الجبال ، وبطون الأودية» والمرجع فيهما إلى العرف «وما يكون بها» من شجرٍ ومعدنٍ وغيرهما ، وذلك في غير أرضه المختصّة به.

«وصوافي ملوك الحرب» وقطائعهم ، وضابطه : كلّ ما اصطفاه ملك

____________________

١) في (ر) : عنهما.

٢) سورة الأنفال : ١.

*) في (ق) : تسلّمت.

٣٨٠