الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-45-1
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٢

التعليقة الأنيقة لمحمّد عباس بن علي أكبر الموسوي التستري (ت ١٣٠٦ ه‍).

حاشية الملّا أحمد التوني (ت ١٠٧١ ه‍).

حاشية السيّد محمّد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة (ت ١٢٢٦ ه‍).

حاشية السيّد حسين بن محمّد المرعشي ، سلطان العلماء (ت ١٠٦٤ ه‍).

حاشية المؤلّف نفسه على الروضة وهي التي أدرجناها في هامش الكتاب.

حاشية محمّد صالح بن أحمد المازندراني (ت ١٠٨٦ ه‍) (١).

____________________

١) لمزيد من التفصيل تراجع الذريعة ٦ : ٩٠ ـ ٩٨ ، و ١٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٦ ، ومقدمه‌اى بر فقه شيعه : ١٨٤ ـ ١٩٤.

٢١

تحقيق الكتاب

اعتمد منهجنا في تحقيق شرح اللمعة الدمشقيّة على محاور أساسيّة هي :

مقابلة النسخ الخطّيّة ، وتخريج المصادر ، ومراجعتها ، وتقويم النصوص ، والمراجعة النهائيّة. وشكّلنا لجاناً تتولّى السير على النهج الذي ارتأيناه.

وفي السطور الآتية تفصيل لبعض ما أجملناه عن طريقة التحقيق :

أوّلاً ـ النسخ الخطّيّة :

قسّمنا مخطوطات الكتاب إلى قسمين : أحدهما يتعلّق بمتن اللمعة ، والآخر بشرحها. فقوبل المتن بنسختي مكتبة الإمام الرضا عليه السلام بمدينة مشهد ، وهما :

١ ـ المخطوطة المستنسخة بتاريخ ٨٤٩ ه‍ ، ورمزنا لها ب‍ «ق».

٢ ـ المخطوطة المستنسخة بتاريخ ٩٠٧ ه‍ ، ورمزنا لها ب‍ «س».

ولا تمتاز إحداهما على الاُخرى سوى أنّ «ق» متقدّمة بتاريخ استنساخها ، و «س» أوفق مع المتن المصاحب لنسخ الشرح.

وقوبل شرح المتن بثلاث نسخ خطّية وطبعة حجريّة واحدة. والتوضيح التالي يبيّن أهمّ خصائصها :

١ ـ مخطوطة مكتبة آية اللّٰه السيّد المرعشي العامّة في قم برقم ٨٩٠٣ ، وتاريخ استنساخها هو يوم السبت من العشرة الأخيرة لشهر ذي القعدة الحرام سنة ١٠٨٠ ه‍. ورمزنا لها ب‍ «ع». وتمتاز بأ نّها :

أ ـ كاملة وذات خطّ جيّد مقروء.

ب ـ مقابلة بدقّة مع نسخة المؤلّف استناداً إلى مواضع متعدّدة منها صرّحت

٢٢

بذلك ، ولا سيّما في الورقة ١٦٥ من آخر الجزء الأوّل؛ لذلك قلّت أخطاؤها ، واعتمدنا عليها أكثر من سائر النسخ.

ج ـ تحتوي هوامشها على حواشي المؤلّف بإنشائه مختومة برمز (منه رحمه الله) ، كما جاء فيها أحياناً حاشية سلطان العلماء وغيره.

٢ ـ مخطوطة مكتبة السيّد المرعشي العامّة برقم ١٠٠٩٣، ولا يُعلم تاريخ استنساخها ، واُشير في آخرها إلى تاريخين : أحدهما يتعلّق بكتابة شرح اللمعة ، وهو يوم الثلاثاء٦ جمادى الثانية سنة ٩٥٦ ه‍ ، والآخر يتعلّق بكتابة هوامشها ، وهو يوم السبت ٢٢ شهر رمضان سنة ١١٣٠ ه‍. ورمزنا لها ب‍ «ش». وتمتاز بأ نّها :

أ ـ تشتمل على الجزء الأوّل لشرح اللمعة من كتاب الطهارة إلى المساقاة.

ب ـ مكتوبة وفقاً لمخطوطة مستنسخة على الأصل ، ومقروءة على المؤلّف ، وقارئها ولده الشيخ حسن صاحب المعالم.

ج ـ تحتوي على خطأ وسهو في الاستنساخ؛ لأنّها غير مقابلة بنسخة المؤلّف ، وهي أقلّ اعتباراً ووثاقة من نسخة «ع».

٣ ـ مخطوطة مكتبة الإمام الرضا عليه السلام برقم ٢٧٦٩ ، مستنسخة في شهر جمادى الثانية سنة ١١٠٧ ه‍ ، ولم نعتبرها مخطوطة مستقلّة فهي مكمّلة للنسخة السابقة؛ لذلك رمزنا لها ب‍ «ش» أيضاً. وتمتاز بأ نّها :

أ ـ تشتمل على الجزء الثاني لشرح اللمعة من كتاب الإجارة إلى النهاية.

ب ـ مكتوبة وفقاً لنسخة معتمدة ، ومقابلة بها ، ومقروءة على العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي الذي أجاز لقارئها روايتها عنه.

٤ ـ مخطوطة مكتبة المدرسة الفيضيّة في قم المقدّسة ، وتاريخ استنساخ جزئها الأوّل هو يوم الثلاثاء غرّة جمادى الاُولى سنة ١٠٦٠ ه‍ ، ورمزنا لها

٢٣

ب‍ «ف». وتمتاز بأ نّها :

أ ـ كاملة ذات جزأين وبخطّ مقروء نسبيّاً وخالية من الهوامش إلّانادراً.

ب ـ مكتوبة وفقاً لنسخة مقروءة على المصنّف.

٥ ـ الطبعة الحجريّة المتداولة في الحوزات العلميّة ، وقد طبعت لأوّل مرّة بمدينة تبريز سنة ١٢٩١ ه‍ بالقطع الرحلي مشحونة بالحواشي وبخطّ عبد الرحيم ابن محمّد تقي. ورمزنا لها ب‍ «ر».

ثانياً ـ السمات الأساسيّة لخطّة العمل :

برزت بعض الملاحظات المهمّة خلال عمليّة تحقيق الكتاب ، تشكّل بمجموعها السمات الأساسيّة التي أضفت على عملنا طابعه الخاصّ به ، وهي :

١ ـ امتازت نسخ الكتاب بقلّة الاختلاف بينها ، وهو شيء لافت للنظر لم نعثر على نظيره طوال عملنا في تحقيق المصنّفات التراثيّة.

٢ ـ اكتفينا بالنسخ المذكورة لشرح اللمعة؛ لأنّها الأفضل على ما يبدو ، وأنّ تكثير النسخ ودرج الاختلاف بينها موجب لتحيّر القارئ وارتيابه ولإتلاف الوقت والجهد.

٣ ـ اتّخذنا الاعتدال منهجاً في الإشارة إلى اختلاف النسخ ، فتجنّبنا ذكر الاختلافات اليسيرة والأخطاء الواضحة أو المظنونة.

٤ ـ رجّحنا ما وافق النسخة «ق» و «س» عند العثور على اختلاف في المتن المصاحب لنسخ الشرح ، وذكرنا المرجوح في الهامش إذا لم يثبت خطؤه. وإن كان الاختلاف بين «ق» و «س» أنفسهما نستند إلى ما جاء في نسخ الشرح.

٥ ـ أشرنا إلى الاختلاف بين نسختي المتن وهما «ق» و «س» بعلامة * تمييزاً من نسخ الشرح المشار إليها بالأرقام.

٢٤

٦ ـ قلنا : إنّ نسخة «ع» هي الأصل المعتمد لدينا ، ورجّحنا في موارد كثيرة ما وافق هذه النسخة إلّافي الخطأ المظنون ومخالفة قواعد اللغة العربيّة السليمة ، فأثبتنا في المتن ما لم يخالفها.

كما رجّحنا أحياناً بعض ما جاء في سائر النسخ لأسباب أدبيّة وبلاغيّة. وأنزلنا إلى الهامش ما انفردت به وكان مرجوحاً لدينا.

٧ ـ لم نذكر ما انفردت النسخ الاُخرى به غير «ع» ، وإن كان صحيحاً ، إلّا إذا كان مغيّراً للمعنى.

٨ ـ ثبّتنا في هامش كتابنا حواشي المؤلّف الموجودة في «ع» مع رمزها وهو (منه رحمه الله) ؛ لأنّنا مطمئنّون بانتسابها إلى المؤلّف ، وأهملنا الحواشي المنسوبة إلى المؤلّف في الطبعة الحجريّة على كثرتها؛ لشكّنا في صدورها عنه.

٩ ـ فصّلنا بعض الموارد المجملة في الكتاب ، وذلك بالاعتماد على سائر كتب الشهيد الثاني أو على مصادر اُخرى ، ومن نماذجه المهمّة هي أنّ الشارح رمى كثيراً من الروايات بضعف السند دون بيان علّته ، فأثبتنا علّة ذلك ووضّحناها.

١٠ ـ ظفرنا ببعض ما كتبه الشيخ محمّد الفاضل الإصفهاني في المناهج السويّة من تعليقات على الشرح ابتداءً من بحث الطهارة إلى آخر الصوم ، وأدرجنا في هذا الكتاب قسماً منها.

١١ ـ زوّدنا نسختنا المحقّقة بهوامش توضيحيّة وفقاً لما تقتضيه الضرورة؛ تسهيلاً لفهم عبارات الكتاب.

ثالثاً ـ مراحل التحقيق والمتصدّون له :

١ ـ المقابلة والمشاركون فيها :

يتركّز العمل في هذه المرحلة على مقابلة المخطوطات ببعضها ، وتسجيل الاختلافات بينها في النسخة المعتمدة.

٢٥

وأنجزت هذه المهمّة اللجنة الآتية :

أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد جواد الشفيعي.

ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد تقي الراشدي.

ج ـ الشيخ صادق الحسّون.

د ـ الأخ رعد المظفّر.

٢ ـ تخريج المصادر والمشاركون فيه :

وهنا يتمّ تخريج مصادر النصوص من آياتٍ وروايات وأقوال مختلفة ، وتدوين عناوينها في الهامش.

وتشكّلت اللجنة التي اُوكل إليها هذا العمل من :

أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد علي الموسوي.

ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد جواد الشفيعي.

ج ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حافظ موسى زاده.

د ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد يحيى الحسيني الأراكي.

ه‍ ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ صادق الكاشاني.

و ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة اللّٰه الرحمتي الأراكي.

٣ ـ مراجعة التخريج والمشاركون فيها :

خلاصة العمل في هذه المحطّة هو مراجعة التخريجات المختلفة بدقّة للتأكّد من سلامتها ، وإكمال ما تبقّى منها.

وأعضاء لجنة المراجعة هم :

أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة اللّٰه الرحمتي.

ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ صادق الكاشاني.

ج ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد باقر حسن پور.

٢٦

د ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد جواد الشفيعي.

ه‍ ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد علي الموسوي.

و ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد حسين الأحمدي.

ز ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد يحيى الحسيني الأراكي.

ح ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حافظ موسى زاده.

ط ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمّد رضي الحسيني الإشكوري.

٤ ـ تقويم النصوص والمشاركون فيه :

والهدف الحسّاس في المرحلة الرابعة هو تقويم نصوص الكتاب ، وتصحيحها من خلال مجموع النسخ ، والإشارة إلى مواضع الاختلاف؛ كلّ ذلك للتوصّل إلى أقرب صورة للنصّ الأصلي.

وتأ لّفت لجنة التقويم من :

أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة اللّٰه الرحمتي الأراكي.

ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد حسين الأحمدي.

٥ ـ المراجعة النهائية للكتاب :

والمتوخّى هنا هو التأكّد من سلامة سير مراحل العمل ، ومن دقّة العمل نفسه كوحدة واحدة.

وتولّى ذلك حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ مجتبى المحمودي ، وساعده كلّ من :

أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حافظ موسى زاده.

ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمّد رضي الحسيني الإشكوري.

ج ـ الأخ صلاح العبيدي.

٢٧

كما نوجّه شكرنا الوافر إلى من قام بإعداد مقدّمة الكتاب ، وهم :

أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد علي الأنصاري.

ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ أمر اللّٰه الشجاعي.

ج ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة اللّٰه الرحمتي الأراكي.

د ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ صادق الكاشاني.

ه‍ ـ الأخ صلاح العبيدي.

في نهاية المطاف نشير إلى أنّ غايتنا الأساسيّة في عملنا هذا ـ بعد نيل رضا البارئ جلّ جلاله ـ هي عرض تراثنا الفقهي بأدقّ وأفضل صورة تتوصّل إليها جهودنا المحدودة ، ولا نحسب أنّنا بلغنا أقصى درجات الكمال والسلامة من النقص والخطأ ، فإن سُجّل علينا بعض ما يخلّ بتلك الدقّة فنرجو تنبيهنا إليه لنتفاداه في الطبعات اللاحقة إن شاء اللّٰه.

كما نرجو من المولى القدير سبحانه أن يتقبّل شكرنا الجزيل لتوفيقه إيّانا ، ويتقبّل هذا العمل بقبول حسن ، ويظلّلنا وكلّ المؤمنين برحمته ، إنّه سميع الدعاء.

مجمع الفكر الإسلامي

٢٨

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

الحمد للّٰه‌الذي شرح صدورنا بلُمعةٍ (١) من شرائع الإسلام ، كافيةٍ في بيان

____________________

١) أشار قدس سره بهذه العبارة إلى أنّ هذا الكتاب شرح لكتاب «اللمعة الدمشقيّة». وقد جرى ديدن المؤلّفين على أن يشيروا في مقدّمة مؤلّفاتهم إلى أهمّ الكتب المدوّنة في ذلك الفنّ أو المطالب المبحوث عنها في الكتاب رعايةً لبراعة الاستهلال؛ ولذا فقد أشار في هذه الخطبة إلى أكثر الكتب المدوّنة في الفقه إلى عصره ، وهي :

١ ـ شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي.

٢ ـ الكافي في الفقه لأبي الصلاح الحلبي.

٣ ـ البيان للشهيد الأوّل.

٤ ـ اللوامع في الفقه لأبي الصلاح الحلبي.

٥ ـ الدروس الشرعيّة للشهيد الأوّل.

٦ ـ تذكرة الفقهاء للعلّامة الحلّي.

٧ ـ ذكرى الشيعة للشهيد الأوّل.

٨ ـ منتهى المطلب للعلّامة الحلّي.

٩ ـ النهاية للشيخ الطوسي ، أو نهاية الإحكام للعلّامة الحلّي.

١٠ ـ إرشاد الأذهان للعلّامة الحلّي.

٢٩

الخطاب ، ونوّر قلوبنا من لوامع دروس الأحكام ، بما فيه تذكرةٌ وذكرى لاُولي الألباب ، وكرّمنا بقبول منتهى نهاية الإرشاد وغاية المراد في المعاش والمآب.

والصلاة على من اُرسل لتحرير قواعد الدين وتهذيب مدارك الصواب ، محمّدٍ الكامل في مقام الفخار ، الجامع من سرائر الاستبصار للعجب العُجاب ، وعلى آله الأئمّة النجباء ، وأصحابه الأجلّة الأتقياء ، خير آلٍ وأصحاب.

ونسألك اللّهم أن تنوّر قلوبنا بأنوار هدايتك ، وتلحظ وجودنا بعين عنايتك ، إنّك أنت الوهّاب.

وبعد ، فهذه تعليقةٌ لطيفة وفوائد خفيفة ، أضفتها إلى المختصر الشريف والمولَّف المنيف ، المشتمل على اُمّهات المطالب الشرعيّة ، الموسوم ب‍ «اللُمعة الدمشقيّة» من مصنّفات شيخنا وإمامنا المحقّق البَدل (١) النحرير (٢) المدقّق ، الجامع بين منقبة العلم والسعادة ومرتبة العمل والشهادة ، الإمام السعيد أبي عبد اللّٰه

____________________

١١ ـ غاية المراد للشهيد الأوّل.

١٢ ـ تحرير الأحكام للعلّامة الحلّي.

١٣ ـ قواعد الأحكام للعلّامة الحلّي.

١٤ ـ تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي.

١٥ ـ المدارك أو مدارك الأحكام للعلّامة الحلّي.

١٦ ـ الكامل في الفقه للقاضي ابن البرّاج.

١٧ ـ الجامع للشرائع ليحيى بن سعيد الحلّي.

١٨ ـ السرائر لابن إدريس الحلّي.

١٩ ـ الاستبصار للشيخ الطوسي.

١) البَدْل والبَدَل : الكريم ، الشريف.

٢) النحرير : الحاذق الفطن العاقل ، وقيل : العالم بالشيء المجرّب ، بمعنى أنّه ينحر العلم نحراً.

٣٠

الشهيد (١) محمّد بن مكّي ، أعلى اللّٰه درجته ، كما شرّف خاتمته.

جعلتها جاريةً له مجرى الشرح الفاتح لمغلقه ، والمقيِّد لمطلقه ، والمتمِّم لفوائده ، والمهذِّب لقواعده ، ينتفع به المبتدئ ، ويستمدّ منه المتوسّط والمنتهي ، تقرّبت بوضعه إلى ربّ الأرباب ، وأجبت به ملتمس بعض فضلاء الأصحاب ـ أيّدهم اللّٰه‌تعالى بمعونته ، ووفّقهم لطاعته ـ اقتصرت فيه على بَحْت (٢) الفوائد ، وجعلتهما ككتابٍ واحد ، وسمّيته : «الروضة البهيّة في شرح اللُمعة الدمشقيّة» سائلاً من اللّٰه جلّ اسمه أن يكتبه في صحائف الحسنات ، وأن يجعله وسيلةً إلى رفع الدرجات ، ويُقرنه برضاه ، ويجعله خالصاً من شَوْب سواه ، فهو حسبي ونعم الوكيل.

قال المصنّف ـ قدّس اللّٰه لطيفه (٣) وأجزل تشريفه ـ :

(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم) «الباء» للملابسة ، والظرف مستقرٌّ حالٌ من ضمير «أبتدئ الكتاب» ، كما في «دخلتُ عليه بثياب السفر» أو للاستعانة والظرف لغوٌ (٤) كما في «كتبتُ بالقلم» والأوّل أدخل في التعظيم ، والثاني لتمام

____________________

١) لم يرد «الشهيد» في (ع) وفي نسخة بدل (ش) : الشيخ.

٢) البَحْت : الصِرف.

٣) أي : طهّر روحه.

٤) الظرف المستقرّ ـ بفتح القاف ـ ما كان متعلّقه عامّاً واجب الحذف ، كالواقع خبراً أو صفة أو صلة أو حالاً ، سُمّي بذلك لاستقرار الضمير فيه ، والأصل «مستقرّ فيه» حُذف «فيه» تخفيفاً ، أو لتعلّقه بالاستقرار العامّ. واللغو ما كان متعلّقه خاصّاً سواء ذُكر أم حُذف ، سُمّي بذلك لكونه فارغاً من الضمير فهو لغو؛ كذا ذكره جماعة من النحاة. وبذلك يظهر الفرق بين جعل الباء للملابسة والاستعانة؛ لأنّ متعلَّق الأوّل عامّ واجب الحذف ، لكونه حالاً ، والثاني خاصّ غير متعيّن للحاليّة ، كما في مثال الكتابة. (منه رحمه الله).

٣١

الانقطاع؛ لإشعاره بأنّ الفعل لا يتمّ بدون اسمه تعالى.

وإضافة «اسم» إلى «اللّٰه» تعالى دون باقي أسمائه؛ لأنّها معانٍ وصفات ، وفي التبرّك بالاسم أو الاستعانة به كمال التعظيم للمسمّى ، فلا يدلّ على اتّحادهما ، بل ربّما دلّت الإضافة على تغايرهما.

و «الرحمن الرحيم» اسمان بُنيا للمبالغة من «رَحِمَ» ك‍ «الغضبان» من «غَضِبَ» ، و «العليم» من «عَلِمَ». والأوّل أبلغ؛ لأنّ زيادة اللفظ تدلّ على زيادة المعنى ، ومختصٌّ به تعالى ، لا لأنّه من الصفات الغالبة؛ لأنّه يقتضي جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع وليس كذلك ، بل لأنّ معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها.

وتعقيبه ب‍ «الرحيم» من قبيل التتميم ، فإنّه لمّا دلّ على جلائل النعم واُصولها ، ذكر «الرحيم» ليتناول ما خرج منها.

(اللّٰهَ أحمَدُ) جَمَع بين التسمية والتحميد في الابتداء جرياً على قضيّة الأمر في كلّ أمرٍ ذي بال (١) فإنّ الابتداء يعتبر في العرف ممتدّاً من حين الأخذ في التصنيف إلى الشروع في المقصود ، فيقارنه التسمية والتحميد ونحوهما؛ ولهذا يقدّر الفعل المحذوف في أوائل التصانيف «أبتدئ» سواء اعتبر الظرف مستقرّاً أم لغواً؛ لأنّ فيه امتثالاً للحديث لفظاً ومعنىً ، وفي تقدير غيره معنىً فقط.

وقدّم التسمية اقتفاءً لما نطق به الكتاب واتّفق عليه اُولو الألباب.

وابتدأ في اللفظ باسم «اللّٰه» لمناسبة مرتبته في الوجود العيني؛ لأنّه الأوّل فيه ، فناسب كون اللفظي ونحوه كذلك ، وقدّم ما هو الأهمّ وإن كان حقّه التأخّر

____________________

١) إشارة إلى الحديث المشهور : «كلّ أمرٍ ذي بال لم يذكر فيه بسم اللّٰه فهو أبتر» بحار الأنوار ٧٦ : ٣٠٥ ، باب الافتتاح بالتسمية ، الحديث الأوّل.

٣٢

باعتبار المعموليّة؛ للتنبيه على إفادة الحصر على طريقة : (إِيّٰاكَ نَعْبُدُ).

ونَسَبَ الحمد إليه تعالى باعتبار لفظ «اللّٰه» لأنّه اسمٌ للذات المقدّسة ، بخلاف باقي أسمائه تعالى؛ لأنّها (١) صفات كما مرّ؛ ولهذا يُحمل عليه ولا يُحمل على شيءٍ منها ، ونسبة الحمد إلى الذات باعتبار وصف تُشعر بعلّيّته.

وجَعَلَ جملة الحمد فعليّةً لتجدّده حالاً فحالاً بحسب تجدّد المحمود عليه. وهي خبريّة لفظاً إنشائيّةٌ معنىً للثناء على اللّٰه تعالى بصفات كماله ونعوت جلاله ، وما ذكر فردٌ من أفراده.

ولمّا كان المحمود مختاراً مستحقّاً للحمد على الإطلاق اختار الحمد على المدح والشكر.

(استتماماً لنعمته) نصب على المفعول له ، تنبيهاً على كونه من غايات الحمد. والمراد به هنا الشكر؛ لأنّه رأسُه (٢) وأظهر أفراده ، وهو ناظر إلى قوله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (٣) لأنّ الاستتمام طلب التمام ، وهو مستلزم للزيادة ، وذلك باعث على رجاء المزيد ، وهذه اللفظة مأخوذةٌ من كلام عليّ عليه السلام في بعض خطبه (٤).

و «النعمة» هي المنفعة الواصلة إلى الغير على جهة الإحسان إليه ، وهي موجبة للشكر المستلزم للمزيد. ووحّدها للتنبيه على أن نعم اللّٰه تعالى أعظم من

____________________

١) في (ر) : لأنّه.

٢) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله : «الحمد رأس الشكر ، ما شكر اللّٰه عبدٌ لم يحمده». كنز العمّال ٣ : ٢٥٥ ، الحديث ٦٤١٩.

٣) إبراهيم : ٧.

٤) نهج البلاغة : ٤٦ ، خطبته عليه السلام بعد انصرافه من صفّين.

٣٣

أن تُستتمّ على عبدٍ؛ فإنّ فيضه غير متناهٍ كمّاً ولا كيفاً ، وفيها يتصوّر طلب تمام النعمة التي تصل إلى القوابل بحسب استعدادهم.

«والحمد فضله» أشار (١) إلى العجز عن القيام بحقّ النعمة؛ لأنّ الحمد إذا كان من جملة فضله فيستحقّ عليه حمداً وشكراً ، فلا ينقضي ما يستحقّه من المحامد؛ لعدم تناهي نعمه.

و «اللام» في «الحمد» يجوز كونه : للعهد الذكري وهو المحمود به أوّلاً ، والذهني الصادر عنه أو عن جميع الحامدين ، وللاستغراق لانتهائه مطلقاً إليه بواسطةٍ أو بدونها فيكون كلّه قطرة من قطرات بحار فضله ونفحة (٢) من نفحات جوده ، والجنس وهو راجع إلى السابق باعتبار.

«وإ يّاه أشكر» على سبيل ما تقدّم من التركيب المفيد لانحصار الشكر فيه ، لرجوع النعم كلّها إليه وإن قيل للعبد فعل اختياريّ؛ لأنّ آلاته وأسبابه التي يقتدر بها على الفعل لا بدّ أن ينتهى إليه ، فهو الحقيق بجميع أفراد الشكر. وأردف الحمد بالشكر مع أنّه لامحٌ له أوّلاً؛ للتنبيه عليه بالخصوصيّة ولمح تمام الآية (٣).

«استسلاماً» أي انقياداً «لعزّته» وهي غايةٌ اُخرى للشكر كما مرّ ، فإنّ العبد يستعدّ بكمال الشكر لمعرفة المشكور ، وهي مستلزمة للانقياد لعزّته والخضوع لعظمته.

وهو ناظر إلى قوله تعالى : (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ) (٤) لما تشتمل

____________________

١) في (ر) : إشارة.

٢) في (ع) ونسخة بدل (ش) : لمحة.

٣) تمام الآية : (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ).

٤) إبراهيم : ٧.

٣٤

عليه الآية من التخويف المانع من مقابلة نعمة اللّٰه بالكفران ، فقد جمع صدرها وعجزها بين رتبتي الخوف والرجاء. وقدّم الرجاء؛ لأنّه سوط النفس الناطقة المحرّك لها نحو الطماح ، والخوف زمامها العاطف بها عن الجماح.

«والشكر طَوْله» أي : من جملة فضله الواسع ومنّه السابغ ، فإنّ كلّ ما نتعاطاه من أفعالنا مستندٌ إلى جوارحنا وقدرتنا وإرادتنا وسائر أسباب حركاتنا ، وهي بأسرها مستندةٌ إلى جوده ومستفادة من نعمه ، وكذلك ما يصدر عنّا من الشكر وسائر العبادات نعمة منه ، فكيف نقابل (١) نعمته بنعمته؟

وقد روي أنّ هذا الخاطر خطر لداود عليه السلام وكذلك لموسى عليه السلام فقال : «يا ربّ كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلّابنعمةٍ ثانيةٍ من نعمك؟» وفي روايةٍ اُخرى : «وشكري لك نعمةٌ اُخرى توجب عليّ الشكر لك» فأوحى اللّٰه تعالى إليه : «إذا عرفت هذا فقد شكرتني» وفي خبرٍ آخر : «إذا عرفت أنّ النعم منّي رضيتُ منك بذلك شكراً» (٢).

«حمداً وشكراً كثيراً كما هو أهله» يمكن كون «الكاف» في هذا التركيب زائدة ، مثلها في (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٣) لأنّ الغرض حمده بما هو أهله ، لا بحمدٍ يشابه الحمد الذي هو أهله. و «ما» موصولةٌ ، و «هو أهله» صلتها وعائدها ، والتقدير : الحمد والشكر الذي هو أهله ، مع منافرة تنكيرهما لجعل الموصول صفة لهما. أو نكرةٌ موصوفةٌ بدلاً من «حمداً وشكراً» لئلّا يلزم التكرار. وقد تجعل

____________________

١) في (ع) : تقابل.

٢) أوردها الغزالي بتعدّد الخبر واللفظ في إحياء العلوم ٤ : ٨٣ ، وكأنّ المؤلّف قدس سره راجَعَه. وانظر البحار ٧١ : ٣٦ و ٥١ و ٥٥ ، الأحاديث ٢٢ ، ٧٥ ، ٨٦.

٣) الشورى : ١١.

٣٥

«ما» أيضاً زائدة ، والتقدير : حمداً وشكراً هو أهله.

ويمكن كون «الكاف» حرف تشبيه؛ اعتباراً بأنّ الحمد الذي هو أهله لا يقدر عليه هذا الحامد ولا غيره ، بل لا يقدر عليه إلّااللّٰه تعالى ، كما أشار إليه النبيّ صلى الله عليه وآله بقوله : «لا اُحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» (١) وفي التشبيه حينئذٍ سؤال أن يلحقه اللّٰه تعالى بذلك الفرد الكامل من الحمد تفضّلاً منه تعالى ، مثله في قولهم : «حمداً وشكراً مِلء السماوات والأرض» (٢) و «حمداً يفوق حمد الحامدين» (٣) ونحو ذلك.

واختار الحمد بهذه الكلمة؛ لما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : «من قال : الحمد للّٰه كما هو أهله ، شغل كُتّاب السماء ، فيقولون : اللّهم إنّا لا نعلم الغيب ، فيقول تعالى : اكتبوها كما قالها عبدي وعليّ ثوابها» (٤).

«وأسأله تسهيل ما» أي الشيء ، وهو العلم الذي «يلزم حمله وتعليم ما لا يسع» أي لا يجوز «جهله» وهو العلم الشرعيّ الواجب.

«وأستعينه على القيام بما يبقى أجره» على الدوام؛ لأنّ ثوابه في الجنّة (أُكُلُهٰا دٰائِمٌ وَظِلُّهٰا) (٥).

«ويحسن في الملأ الأعلى ذكره» أصل الملأ : الأشراف والرؤساء الذين

____________________

١) المستدرك ٥ : ٣٩٨ ، الباب ٤٣ من أبواب الذكر ، الحديث ٢ ، نقلاً عن مصباح الشريعة.

٢) كما ورد في الحديث «فلك الحمد يا إلهي ... ملء السماوات وملء الأرض» الكافي ٢ : ٥٣٠ ، كتاب الدعاء ، الحديث ٢٣.

٣) راجع البحار ٩٥ : ٢٦٨ ، باب الأدعية والأحراز ، الحديث ٣٤.

٤) الوسائل ٤ : ١١٩٦ ، الباب ٢٠ من أبواب الذكر ، الحديث الأوّل.

٥) الرعد : ٣٥.

٣٦

يُرجع (١) إلى قولهم ، ومنه قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى اَلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ) (٢) قيل لهم ذلك؛ لأنّهم مِلاءٌ بالرأي والغنا ، أو أنّهم يملؤون العين أو القلب (٣) والمراد ب‍» الملأ الأعلى» الملائكة.

«وتُرجى مثوبته وذخره» وفي كلّ ذلك إشارةٌ إلى الترغيب فيما هو بصدده : من تصنيف العلم الشرعيّ وتحقيقه وبذل الجهد في تعليمه.

«وأشهد أن لا إله إلّااللّٰه» تصريحٌ بما قد دلّ عليه الحمد السابق بالالتزام : من التوحيد. وخصّ هذه الكلمة؛ لأنّها أعلى كلمةٍ وأشرف لفظةٍ نُطق بها في التوحيد ، منطبقةٍ على جميع مراتبه.

و «لا» فيها هي النافية للجنس ، و «إله» اسمها.

قيل : والخبر محذوف تقديره «موجود» ، ويضعّف : بأ نّه لا ينفي إمكان إلهٍ معبودٍ بالحقّ غيره تعالى؛ لأنّ الإمكان أعمّ من الوجود. وقيل : «ممكن» ، وفيه : أنّه لا يقتضي وجوده بالفعل. وقيل : «مستحقٌّ للعبادة» ، وفيه : أنّه لا يدلّ على نفي التعدّد مطلقاً (٤).

وذهب المحقّقون إلى عدم الاحتياج إلى الخبر وأنّ «إلّااللّٰه» مبتدأٌ وخبره «لا إله» (٥) إذ كان الأصل «اللّٰه إله» فلمّا اُريد الحصر زيد «لا» و «إلّا» ومعناه : اللّٰه إله ومعبودٌ بالحقّ لا غيره. أو أنّها نقلت شرعاً إلى نفي الإمكان والوجود عن

____________________

١) في (ر) : يرجع الناس.

٢) البقرة : ٢٤٦.

٣) في (ر) : والقلب.

٤) لا بالإمكان ولا بالفعل؛ لجواز وجود إله غيره تعالى لا يستحقّ العبادة. (هامش ر).

٥) ذهب إليه الزمخشري على ما نقله عنه ابن هشام في مغني اللبيب ٢ : ٧٤٦.

٣٧

إلهٍ سوى اللّٰه مع الدلالة على وجوده تعالى وإن لم تدلّ عليه لغةً.

«وحده لا شريك له» تأكيدٌ لما قد استفيد من التوحيد الخالص ، حَسُنَ ذكره في هذا المقام لمزيد الاهتمام.

«وأشهد أنّ محمّداً نبيٌّ أرسله» قرن الشهادة بالرسالة بشهادة التوحيد؛ لأ نّها بمنزلة الباب لها ، وقد شرّف اللّٰه نبيّنا صلى الله عليه وآله بكونه لا يُذكر إلّاويذكر معه.

وذكر الشهادتين في الخطبة؛ لما روي عنه صلى الله عليه وآله : من أنّ «كلّ خطبةٍ ليس فيها تشهّدٌ فهي كاليد الجذماء» (١).

و «محمّد» عَلَمٌ منقول من اسم المفعول المضعّف ، وسمّي به نبيّنا صلى الله عليه وآله إلهاماً من اللّٰه تعالى وتفاؤلاً بأ نّه يَكثر حمدُ الخلق له لكثرة خصاله الحميدة. وقد قيل لجدّه عبد المطّلب ـ وقد سمّاه في يوم سابع ولادته ، لموت أبيه قبلها ـ : لِمَ سمّيت ابنك محمّداً وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ فقال : «رجوتُ أن يُحمد في السماء والأرض» (٢) وقد حقّق اللّٰه رجاءه.

و «النبيء» بالهمز من «النبأ» وهو الخبر؛ لأنّ النبيّ مخبرٌ عن اللّٰه تعالى. وبلا همز ـ وهو الأكثر ـ إمّا تخفيفاً من المهموز بقلب همزته ياءً ، أو أنّ أصله من «النَّبْوة» ـ بفتح النون وسكون الباء ـ أي الرفعة؛ لأنّ النبيّ مرفوع الرتبة على غيره من الخلق.

ونبّه بقوله : «أرسله» على جمعه بين النبوّة والرسالة. والأوّل أعمّ مطلقاً؛ لأ نّه إنسانٌ اُوحي إليه بشرعٍ وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإن اُمر بذلك فرسولٌ أيضاً. أو اُمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب أو نسخٌ لبعض شرع مَنْ قبله ـ كيوشع عليه السلام ـ

____________________

١) سنن أبي داود ٤ : ٢٦١ ، الحديث ٤٨٤١.

٢) راجع السيرة الحلبيّة ١ : ١٢٨ ، وفيه بدل «رجوت» : أردت.

٣٨

فإن كان له ذلك فرسولٌ أيضاً. وقيل : هما بمعنى (١) وهو معنى الرسول على الأوّل.

«وعلى العالمين» جمع «العالَم» وهو اسمٌ لما يعلم به ـ كالخاتم والقالب (٢) ـ غُلّب في ما يُعلم به الصانع ، وهو كلّ ما سواه من الجواهر والأعراض ، فإنّها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثّرٍ واجبٍ لذاته تدلّ على وجوده. وجَمَعَه ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة ، وغلّب العقلاء منهم فجمعه ب‍ «الياء والنون» كسائر أوصافهم.

وقيل : اسمٌ وضع لذوي العلم من الملائكة والثقلين (٣) وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع.

وقيل : المراد به الناس ها هنا (٤) فإنّ كلّ واحدٍ منهم عالَمٌ أصغر ، من حيث إنّه يشتمل على نظائر ما في العالَم الأكبر : من الجواهر والأعراض التي يعلم بها الصانع ، كما يعلم بما أبدعه في العالم الأكبر.

«اصطفاه» أي اختاره «وفضّله» عليهم أجمعين.

«صلّى اللّٰه عليه» من الصلاة المأمور بها في قوله تعالى : (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥) وأصلها الدعاء ، لكنّها منه تعالى مجاز في الرحمة. وغاية

____________________

١) قالته المعتزلة ، راجع التفسير الكبير للفخر الرازي ١٢ : ٤٩ ، ذيل الآية ٥٢ من سورة الحجّ.

٢) في (ع) و (ر) : الغالب.

٣) قاله الزمخشري في الكشّاف ١ : ١٠ ، ذيل الآية ٢ من سورة الحمد.

٤) نسبه الراغب إلى الإمام جعفر بن محمّد عليه السلام ، المفردات : ٣٤٥ (علم).

٥) الأحزاب : ٥٦.

٣٩

السؤال بها عائدٌ إلى المصلّي؛ لأنّ اللّٰه تعالى قد أعطى نبيّه صلى الله عليه وآله من المنزلة والزلفى لديه ما لا تؤثّر فيه صلاةُ مصلٍّ ، كما نطقت به الأخبار (١) وصرّح به العلماء الأخيار (٢).

وكان ينبغي إتباعها بالسلام عملاً بظاهر الأمر (٣) وإنّما تركه للتنبيه على عدم تحتّم إرادته من الآية ، لجواز كون المراد به الانقياد ، بخلاف الصلاة.

«وعلى *آله» وهم ـ عندنا ـ : عليٌّ وفاطمة والحسنان ، ويطلق تغليباً على باقي الأئمّة عليهم السلام.

ونبّه على اختصاصهم عليهم السلام بهذا الاسم بقوله : «الذين حفظوا ما حَمَله» ـ بالتخفيف ـ من أحكام الدين «وعقلوا عنه ** صلى الله عليه وآله ما عن جبرئيل عقله» ولا يتوهّم مساواتهم له بذلك في الفضيلة؛ لاختصاصه صلى الله عليه وآله عنهم بمزايا اُخر تصير بها نسبتهم إليه كنسبة غيرهم عليهم السلام من الرعيّة إليهم؛ لأنّهم عليهم السلام في وقته صلى الله عليه وآله من جملة رعيّته.

ثم نبّه على ما أوجب فضيلتهم وتخصيصهم بالذكر بعده صلى الله عليه وآله بقوله :

«حتّى قَرَن» الظاهر عود الضمير المستكن إلى النبيّ صلى الله عليه وآله لأنّه قرن «بينهم وبين محكم الكتاب» في قوله صلى الله عليه وآله : «إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتابَ اللّٰهِ وعترتي أهل بيتي ... الحديث» (٤).

____________________

١) لم نعثر عليهما.

٢) لم نعثر عليهما

٣) في قوله تعالى : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) في الآية الشريفة المتقدّمة.

*) لم يرد «على» في (س).

**) لم يرد «عنه» في (ق).

٤) الجامع الصحيح ٥ : ٦٦٢ ، الحديث ٣٧٨٦ ، الكافي ٢ : ٤١٥ ، وقد ورد متواتراً في كتب الفريقين باختلاف في بعض الألفاظ.

٤٠