الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ١

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5662-45-1
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٢

كتاب الصلاة

١٤١
١٤٢

«كتاب الصلاة»

«وفصوله أحد عشر» :

«الأوّل»

«في أعدادها»

«والواجب سبع» صلوات : «اليوميّة» الخمس الواقعة في اليوم والليلة. نُسبت إلى اليوم تغليباً ، أو بناءً على إطلاقه على ما يشمل الليل «والجُمعة والعيدان والآيات والطواف والأموات والمُلتزَم بنذرٍ* وشبهه».

وهذه الأسماء إمّا غالبةٌ عرفاً ، أو بتقدير حذف المضاف في ما عدا الاُولى ، والموصوف فيها.

وعدُّها سبعةً أسدُّ ممّا صنع مَن قَبله ، حيث عدّوها تسعةً بجعل الآيات ثلاثاً بالكسوفين (١).

____________________

*) في (س) : بالنذر.

١) لم نقف على مَن صنع ذلك ، وعبارة الفاضلين هكذا «... والكسوف ، والزلزلة ، والآيات» راجع الشرائع ١ : ٥٩ ، والقواعد ١ : ٢٤٥.

١٤٣

وفي إدخال صلاة الأموات اختيار إطلاقها عليها بطريق الحقيقة الشرعيّة ، وهو الذي صرّح المصنّف باختياره في الذكرى (١) ونفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها (٢) ولا طهور (٣) والحكم بتحليلها بالتسليم (٤) ينافي الحقيقة.

وبقي من أقسام الصلاة الواجبة صلاة الاحتياط والقضاء ، فيمكن دخولُهما في «الملتزم» ـ وهو الذي استحسنه المصنّف (٥) ـ وفي «اليوميّة» ؛ لأنّ الأوّل مكمِّلٌ لما يُحتمل فواته منها ، والثاني فعلها في غير وقتها. ودخول الأوّل في «الملتزم» والثاني في «اليوميّة» ، وله وجهٌ وجيه.

«والمندوب» من الصلاة «لا حصر له» فإنّ الصلاة خير (٦) موضوع ، فمن شاء استقلّ ومن شاء استكثر (٧).

«وأفضله الرواتب» : اليوميّة التي هي ضعفها (٨) «فللظهر ثمان»

____________________

١) الذكرى ١ : ٦٥.

٢) مستدرك الوسائل ٤ : ١٥٨ ، الباب الأوّل من أبواب القراءة في الصلاة ، الحديث ٥ و ٨. وراجع الوسائل ٤ : ٧٣٢ ، الباب الأوّل من أبواب القراءة في الصلاة ، الحديث ١ و ٢.

٣) الوسائل ١ : ٢٥٦ ، الباب الأوّل من أبواب الوضوء ، الحديث ١ و ٦.

٤) الوسائل ٤ : ١٠٠٣ ، الباب الأوّل من أبواب التسليم.

٥) لم نقف على التصريح بالاستحسان في كتبه قدس سره. نعم يمكن أن يستفاد ذلك من عبارة الذكرى (١ : ٦٦) حيث قال : «والملتزمة بسببٍ من المكلّف» فإنّ الاحتياط والقضاء بسبب منه.

٦) «خير» بالتنوين أو الإضافة ، اُنظر تفصيل ذلك في الفوائد المليّة : ١٤ ـ ١٥.

٧) كما ورد في الخبر ، راجع مستدرك الوسائل ٣ : ٤٢ ، الباب ١٠ ، الحديث ٨.

٨) فيه الاستخدام؛ لأنّ ضمير ضعفها يعود إلى اليوميّة ، والمراد بها الفريضة اليوميّة ، وبالاُولى المظهرة ، النافلة اليوميّة. (منه رحمه الله).

١٤٤

ركعاتٍ «قبلها ، وللعصر ثمان» ركعاتٍ «قبلها ، وللمغرب أربع بعدها».

«وللعشاء ركعتان جالساً» أي : الجلوس ثابت فيهما بالأصل لا رخصة؛ لأنّ الغرض منهما واحدةٌ ليكمل بها ضِعْف الفريضة ، وهو يحصل بالجلوس فيهما؛ لأنّ الركعتين من جلوس ثوابُهما ركعةٌ من قيام «ويجوز قائماً» بل هو أفضل على الأقوى ؛ للتصريح به في بعض الأخبار (١) وعدم دلالة ما دلّ على فعلهما جالساً (٢) على أفضليّته ، بل غايته الدلالة على الجواز ، مضافاً إلى ما دلّ على أفضليّة القيام في النافلة مطلقاً (٣) ومحلّهما «بعدها» أي بعد العشاء. والأفضل جعلهما بعد التعقيب وبعد كلّ صلاةٍ يريد فعلها بعدها.

واختلف كلام المصنّف في تقديمهما على نافلة شهر رمضان الواقعة بعد العشاء وتأخيرهما عنها ، ففي النفليّة قطع بالأوّل (٤) وفي الذكرى بالثاني (٥) وظاهره هنا الأوّل نظراً إلى البعديّة. وكلاهما حسن.

«وثمان *» ركعات صلاة «الليل ، وركعتا الشفع» بعدها «وركعة الوتر ، وركعتا الصبح قبلها».

هذا هو المشهور روايةً (٦) وفتوىً. وروي ثلاث وثلاثون بإسقاط

____________________

١) الوسائل ٣ : ٣٦ ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، الحديث ١٦.

٢) نفس المصدر ، الحديث ٢ و ٣ و ٧.

٣) الوسائل ٤ : ٦٩٦ ، الباب ٤ من أبواب القيام ، الحديث ٣.

٤) الألفية والنفليّة : ١٤٥ ـ ١٤٦.

٥) الذكرى ٤ : ٢٧٩.

*) في (ق) : ثماني.

٦) راجع الوسائل ٣ : ٣١ ـ ٣٣ ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، الحديث ٣ و ٧ و ٩.

١٤٥

الوتيرة (١) وتسع وعشرون (٢) وسبع وعشرون (٣) بنقص العصريّة أربعاً أو ستّاً (٤) مع الوتيرة ، وحُملَ على المؤكّد منها ، لا على انحصار السنّة فيها.

«وفي السفر» والخوف الموجبين للقصر «تتنصّف الرباعيّة ، وتسقط راتبة المقصورة» ولو قال : «راتبتها» كان أقصر ، فالساقط نصفُ الراتبة ـ سبع عشرة ركعة ـ وهو في غير الوتيرة موضع وفاقٍ ، وفيها على المشهور ، بل قيل : إنّه إجماعيٌّ أيضاً (٥).

ولكن روى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام عدم سقوطها معلِّلاً بأ نّها زيادةٌ في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بها بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع (٦) قال المصنّف في الذكرى : وهذا قويّ لأنّه خاصٌّ ومعلّل ، إلّاأن ينعقد الإجماع على خلافه (٧) ونبّه بالاستثناء على دعوى ابن إدريس الإجماع

____________________

١) الوسائل ٣ : ٣٣ ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، الحديث ٦ ، والباب ١٤ ، الحديث ٢.

٢) لم نقف على رواية مصرّحة بنقص النوافل أربعاً ، نعم يستفاد «تسع وعشرون» ممّا ورد عن الرضا عليه السلام من عدّه مجموع الفرائض والنوافل «ستّة وأربعون ركعة» راجع الوسائل ٣ : ٤٣ ، الباب ١٤ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، الحديث ٥.

٣) المصدر المتقدّم : ٤٢ ، الحديث ١ و ٢ و ٣.

٤) ظاهر العبارة : ورود الروايات بنقص خصوص العصريّة أربعاً أو ستّاً ، والموجود في الروايات نقص العصريّة أربعاً والمغرب اثنين. وقد أشرنا في التعليق السابق بعدم العثور بما يصرّح بنقص العصريّة أربعاً.

٥) قاله ابن إدريس في السرائر ١ : ١٩٤.

٦) الوسائل ٣ : ٧٠ ، الباب ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، الحديث ٣.

٧) الذكرى ٢ : ٢٩٨.

١٤٦

عليه (١) مع أنّ الشيخ في النهاية صرّح بعدمه (٢) فما قوّاه في محلّه.

«ولكلّ ركعتين من النافلة تشهّدٌ وتسليم» هذا هو الأغلب. وقد خرج عنه مواضع ، ذكر المصنّف منها موضعين بقوله : «وللوتر بانفراده» تشهّدٌ وتسليم «ولصلاة الأعرابي» من التشهّد والتسليم «ترتيب الظهرين بعد الثنائيّة» فهي عشر ركعات بخمس تشهّدات وثلاث تسليمات كالصبح والظهرين.

وبقي صلوات اُخر ، ذكرها الشيخ في المصباح (٣) والسيّد رضي الدين بن طاووس في تتمّاته (٤) يُفعل منها (٥) بتسليمٍ واحدٍ أزيد من ركعتين. تَرَكَ المصنّف والجماعة استثناءَها؛ لعدم اشتهارها وجهالة طريقها. وصلاة الأعرابي توافقها في الثاني دون الأوّل.

____________________

١) السرائر ١ : ١٩٤.

٢) النهاية : ٥٧.

٣) منها ما ذكره بقوله : روي عنه عليه السلام أنّه قال : «من صلّى ليلة الجمعة إحدى عشر ركعة بتسليمة واحدة ...» مصباح المتهجّد : ٢٢٩.

٤) أشار قدس سره في فلاح السائل (وهو المجلّد الأوّل من التتّمات) إلى صلاتين بين العشاءين : إحداهما أربع ركعات وثانيتهما عشر ركعات ، لم يُصرّح فيهما بكيفيّة التسليم ، والظاهر أنّهما تُفعلان بتسليمٍ واحد ، راجع فلاح السائل : ٢٤٧.

٥) يعني بعض من الصلوات المذكورة.

١٤٧
١٤٨

«الفصل الثاني»

«في شروطها»

«وهي سبعة» :

«الاوّل : الوقت»

والمراد هنا وقت اليوميّة ، مع أنّ السبعة شروطٌ لمطلق الصلاة غير الأموات في الجملة.

فيجوز عود ضمير «شروطها» إلى المطلق ، لكن لا يلائمه تخصيص الوقت باليوميّة ، إلّاأن يؤخذ كون مطلق الوقت شرطاً ، وما بعد ذِكْرِه مجملاً من التفصيل حكمٌ آخر لليوميّة.

ولو عاد ضمير «شروطها» إلى «اليوميّة» لا يحسن؛ لعدم المميِّز مع اشتراك الجميع في الشرائط بقولٍ مطلق.

إلّاأنّ عوده إلى «اليوميّة» أوفق لنظم الشروط ، بقرينة تفصيل الوقت وعدم اشتراطه للطواف والأموات والملتزم إلّابتكلّفٍ وتجوّز ، وعدم اشتراط الطهارة من الحدث والخبث في صلاة الأموات وهي إحدى السبعة. واختصاصُ اليوميّة بالضمير مع اشتراكه؛ لكونها الفرد الأظهر من بينها والأكمل ، مع انضمام قرائن

١٤٩

لفظيّة بعد ذلك.

«فللظهر» من الوقت «زوال الشمس» عن وسط السماء وميلها عن دائرة نصف النهار «المعلوم بزيد الظلّ» أي زيادته ـ مصدران ل‍ «زاد الشيء» ـ «بعد نقصه» وذلك في الظلّ المبسوط ، وهو الحادث من المقاييس القائمة على سطح الاُفق؛ فإنّ الشمس إذا طلعت وقع لكلّ شاخصٍ قائمٍ على سطح الأرض بحيث يكون عموداً على سطح الاُفق ظلُّ طويل إلى جهة المغرب ، ثمّ لا يزال ينقص كلّما ارتفعت الشمس حتى تبلغ وسط السماء ، فينتهي النقصان إن كان عرضُ المكان المنصوب فيه المقياس مخالفاً لميل الشمس في المقدار ، ويُعدم الظلّ أصلاً إن كان بقدره ، وذلك في كلّ مكانٍ يكون عرضه مساوياً للميل الأعظم للشمس أو أنقص عند ميلها بقدره وموافقته له في الجهة.

ويتّفق في أطول أيّام السنة تقريباً في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وما قاربها في العرض ، وفي مكّة قبل الانتهاء بستّة وعشرين يوماً ، ثم يحدث ظلٌّ جنوبيٌّ إلى تمام الميل وبعده إلى ذلك المقدار ، ثمّ يُعدم يوماً آخر.

والضابط : أنّ ما كان عرضه زائداً على الميل الأعظم لا يُعدم الظلّ فيه أصلاً ، بل يبقى عند زوال الشمس منه بقيّة تختلف زيادةً ونقصاناً ببُعد الشمس من مسامتة رؤوس أهله وقربها. وما كان عرضه مساوياً للميل يُعدم فيه يوماً وهو أطول أيّام السنة. وما كان عرضه أنقص منه ـ كمكّة وصنعاء ـ يُعدم فيه يومين عند مسامتة الشمس لرؤوس أهله صاعدةً وهابطة ، كلّ ذلك مع موافقته له في الجهة ، كما مرّ.

أمّا الميل الجنوبي فلا يُعدم ظلّه من ذي العرض مطلقاً ، لا كما قاله المصنّف رحمه الله في الذكرى ـ تبعاً للعلّامة ـ : من كون ذلك بمكّة وصنعاء في أطول

١٥٠

أيّام السنة (١) فإنّه من أقبح الفساد. وأوّل من وقع فيه الرافعيّ من الشافعيّة (٢) ثم قلّده فيه جماعة منّا (٣) ومنهم (٤) من غير تحقيقٍ للمحلّ ، وقد حرّرنا البحث في شرح الإرشاد (٥).

وإنّما لم يذكر المصنّف هنا حكم حدوثه بعد عدمه؛ لأنّه نادر ، فاقتصر على العلامة الغالبة ، ولو عبّر ب‍ «ظهور الظل في جانب المشرق» ـ كما صنع في الرسالة الألفيّة (٦) ـ لشمل القسمين بعبارةٍ وجيزة.

«وللعصر الفراغ منها ولو تقديراً» بتقدير أن لا يكون قد صلّاها ، فإنّ وقت العصر يدخل بمضيّ مقدار فعله الظهر بحسب حاله : من قصر وتمام ، وخفّة وبُطء ، وحصول الشرائط وفقدها ، بحيث لو اشتغل بها لأتمّها ، لا بمعنى جواز فعل العصر حينئذٍ مطلقاً ، بل تظهر الفائدة لو صلّاهاناسياً قبل الظهر ، فإنّها تقع صحيحة إن وقعت بعد دخول وقتها المذكور ، وكذا لو دخل قبل أن يُتمّها.

«وتأخيرها» أي العصر «إلى مصير الظلّ» الحادث بعد الزوال «مثله» * أي مثل ذي الظلّ وهو المقياس «أفضل» من تقديمها على ذلك الوقت. كما أنّ

____________________

١) الذكرى ٢ : ٣٢١ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٣٣.

٢) العزيز في شرح الوجيز ١ : ٣٦٧.

٣) مثل الماتن قدس سره في الدروس ١ : ١٣٨ ، والذكرى ٢ : ٣٢١ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ١٢.

٤) لم نقف عليهم فيما بأيدينا من كتبهم.

٥) روض الجنان ٢ : ٤٨١.

٦) الألفيّة : ٥١.

*) كذا في نسخ الروضة ، لكن في نسختي المتن : مثليه.

١٥١

فعل الظهر قبل هذا المقدار أفضل ، بل قيل بتعيّنه (١) بخلاف تأخير العصر.

«وللمغرب ذهاب الحمرة المشرقيّة» وهي الكائنة في جهة المشرق ، وحدّه قمّة الرأس.

«وللعشاء الفراغ منها» ولو تقديراً على نحو ما قُرّر للظهر ، إلّاأ نّه هنا لو شَرَع في العشاء تماماً تامّة الأفعال فلا بدّ من دخول المشترك وهو فيها ، فتصحّ مع النسيان ، بخلاف العصر.

«وتأخيرها إلى ذهاب» الحمرة «المغربيّة أفضل» بل قيل بتعيّنه (٢) كتقديم المغرب عليه. أمّا الشفق الأصفر والأبيض فلا عبرة بهما عندنا.

«وللصبح طلوع الفجر» الصادق ، وهو الثاني المعترض في الاُفق.

«ويمتدّ وقت الظهرين إلى الغروب» اختياراً على أشهر القولين (٣) لا بمعنى أنّ الظهر تشارك العصر في جميع ذلك الوقت ، بل يختصّ العصر من آخره بمقدار أدائها ، كما يختصّ الظهر من أوّله به.

وإطلاق «امتداد وقتهما» باعتبار كونهما لفظاً واحداً؛ إذ امتداد (٤) وقت

____________________

١) قاله الشيخ في الخلاف ١ : ٢٥٧ ـ ٢٥٩ ، المسألة ٤.

٢) قاله المفيد في المقنعة : ٩٣ ، والشيخ في النهاية : ٥٩ ، وقال العلاّمة في المختلف (٢ : ٢٤) : وهو اختيار ابن أبي عقيل وسلّار.

٣) قال الفاضل الإصفهاني : والقول الآخر عدم الامتداد اختياراً ، ولكن هذا القول متشعّب إلى قول المفيد بالامتداد إلى أن يتغيّر لون الشمس للاصفرار اختياراً والغروب اضطراراً ، وقول الشيخ في المبسوط والجمل والخلاف بالامتداد إلى المثلين اختياراً وإلى الغروب اضطراراً ، وقول علم الهدى رضى الله عنه بالامتداد إلى ستّة أسباع الشاخص ونصف (المناهج السويّة : ١٤).

٤) في (ع) : إذا امتدّ.

١٥٢

مجموعه (١) من حيث هو مجموع إلى الغروب لا ينافي عدم امتداد بعض أجزائه ـ وهو الظهر ـ إلى ذلك ، كما إذا قيل : «يمتدّ وقت العصر إلى الغروب» لا ينافي عدم امتداد بعض أجزائها ـ وهو أوّلها ـ إليه.

وحينئذٍ فإطلاق الامتداد على وقتهما بهذا المعنى بطريق الحقيقة لا المجاز ، إطلاقاً لحكم بعض الأجزاء على الجميع أو نحو ذلك.

«و» وقت «العشاءين إلى نصف الليل» مع اختصاص العشاء من آخره بمقدار أدائها ، على نحو ما ذكرناه في الظهرين.

«و» يمتدّ وقت «الصبح حتّى تطلع الشمس» على اُفق مكان المصلّي وإن لم تظهر للأبصار.

«و» وقت «نافلة الظهر من الزوال إلى أن يصير الفيء» وهو الظلّ الحادث بعد الزوال ـ سمّاه في وقت الفريضة «ظلّاً» وهنا «فيئاً» وهو أجود؛ لأنّه مأخوذ من «فاء» إذا رجع ـ مقدارَ «قدمين» أي سُبعي قامة المقياس؛ لأنّها إذا قُسّمت سبعة أقسام يقال لكلّ قسم : «قدمٌ». والأصل فيه : أنّ قامة الإنسان غالباً سبعة أقدام بقدمه.

«وللعصر * أربعة أقدام» فعلى هذا تُقدّم نافلة العصر بعد صلاة الظهر أوّلَ وقتها أو في هذا المقدار وتؤخّر الفريضة إلى وقتها ، وهو ما بعد المثل. هذا هو

____________________

١) اعتذر المصنّف في بعض تحقيقاته عن هذا الاعتراض حين أورد عليه بأنّ إطلاق الامتداد إلى الغروب مجاز. وما ذكرناه أجود في تحقيق المقام ، ومثله القول في امتداد العشاءين إلى نصف الليل. (منه رحمه الله).

*) في (ق) : والعصر.

١٥٣

المشهور رواية (١) وفتوىً.

وفي بعض الأخبار ما يدلّ على امتدادهما بامتداد وقت فضيلة الفريضة (٢) وهو زيادة الظلّ بمقدار مثل الشخص للظهر ومثليه للعصر. وفيه قوّة.

ويناسبه المنقول من فعل النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام وغيرهم من السلف : من صلاة نافلة العصر قبل الفريضة متّصلةً بها (٣).

وعلى ما ذكروه من الأقدام لا يجتمعان أصلاً لمن أراد صلاة العصر في وقت الفضيلة ، والمرويّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يُتبع الظهر بركعتين من سُنّة العصر ، ويؤخّر الباقي إلى أن يريد صلاة العصر ، وربّما أتبعها بأربع وستّ وأخّر الباقي (٤).

وهو السرّ في اختلاف المسلمين في أعداد نافلتيهما ، ولكن أهل البيت أدرى بما فيه.

ولو أخّر المتقدّمة على الفرض عنه لا لعذر نقص الفضل وبقيت أداءً ما بقي وقتها. بخلاف المتأخّرة ، فإنّ وقتها لا يدخل بدون فعله.

«وللمغرب إلى ذهاب» الحمرة «المغربيّة».

«وللعشاء كوقتها» فتبقى أداءً إلى أن ينتصف الليل. وليس في النوافل ما يمتدّ بامتداد وقت الفريضة على المشهور (٥) سواها.

____________________

١) الوسائل ٣ : ١٠٣ ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، الحديث ٣ و ٤.

٢) قال الفاضل الإصفهاني : وهو صحيحة زرارة ... بناءً على كون المراد بالذراع القامة ، المناهج السويّة : ١٧ وراجع الوسائل ٣ : ١٠٣ ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، الحديث ٣.

٣) لم نظفر به.

٤) لم نظفر به.

٥) مقابل المشهور امتداد وقت جميع النوافل الراتبة بامتداد الفريضة وبه رواية ، لكنّها معارضة بما هو أصحّ منها وأشهر. (منه رحمه الله).

١٥٤

«وللّيل* بعد نصفه» الأوّل «إلى طلوع الفجر» الثاني.

والشفع والوتر من جملة صلاة الليل هنا ، وكذا تشاركها في المزاحمة بعد الفجر لو أدرك من الوقت مقدار أربع. كما يُزاحَم بنافلة الظهرين لو أدرك من وقتها ركعة. أما المغربيّة فلا يُزاحَم بها مطلقاً ، إلّاأن يتلبّس منها بركعتين فيتمّهما مطلقاً.

«وللصبح حتّى تطلع الحمرة» من قبل المشرق ، وهو آخر وقت فضيلة الفريضة ، كالمثل والمثلين للظهرين والحمرة المغربية للمغرب. وهو يناسب رواية المثل ، لا القدم.

«وتُكره النافلة المبتدأة **» ـ وهي التي يُحدثها المصلّي تبرّعاً ، فإنّ «الصلاة قربان كلّ تقي» (١) واحترز بها عن ذات السبب ، كصلاة الطواف والإحرام وتحيّة المسجد عند دخوله والزيارة عند حصولها والحاجة والاستخارة والشكر وقضاء النوافل مطلقاً ـ في هذه الأوقات الخمسة : المتعلّق اثنان منها بالفعل «بعد صلاتي‌الصبح» إلى أن تطلع الشمس «والعصر» إلى أن تغرب «و» ثلاثة بالزمان «عند طلوع الشمس» أي بعده حتى ترتفع ويستولي شعاعها وتذهب الحمرة ، وهنا يتّصل وقت الكراهتين : الفعلي والزماني «و» عند «غروبها» أي ميلها إلى الغروب واصفرارها حتّى يكمل بذهاب الحمرة المشرقيّة ، وتجتمع هنا الكراهتان في وقت واحد «و» عند «قيامها» في وسط

____________________

*) في (س) : والليل.

**) لم ترد «المبتدأة» في (س).

١) كما ورد في الخبر ، راجع الوسائل ٣ : ٣٠ ، الباب ١٢ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، الحديث ١ و ٢.

١٥٥

السماء ووصولها إلى دائرة نصف النهار تقريباً إلى أن تزول.

«إلّايوم الجمعة» فلا تكره النافلة فيه عند قيامها؛ لاستحباب صلاة ركعتين من نافلتها حينئذٍ ، وفي الحقيقة هذا الاستثناء منقطع؛ لأنّ نافلة الجمعة من ذوات الأسباب ، إلّاأن يقال بعدم كراهة المبتدأة فيه أيضاً ، عملاً بإطلاق النصّ (١) باستثنائه (٢).

«ولا تقدّم» النافلة «الليليّة» على الانتصاف «إلّالعذرٍ» كتعب وبردٍ ورطوبة رأسٍ وجنابة ـ ولو اختياريّة ـ يشقّ معها الغسل ، فيجوز تقديمها حينئذٍ من أوّله بعد العشاء بنيّة التقديم أو الأداء ، ومنها الشفع والوتر «وقضاؤها أفضل» من تقديمها في صورة جوازه.

«وأوّل الوقت أفضل» من غيره «إلّا» في مواضع ترتقي إلى خمسة وعشرين ، ذكر أكثرَها المصنّف في النفلية (٣) وحرّرناها مع الباقي في شرحها (٤) وقد ذكر منها هنا ثلاثة مواضع :

«لمن يتوقّع زوالَ عذره» بعد أوّله ، كفاقد الساتر أو وصفه ، والقيام وما بعده من المراتب الراجحة على ما هو به إذا رجا القدرة في آخره ، والماء على القول بجواز التيمّم مع السعة ، ولإزالة النجاسة غير المعفوّ عنها.

«ولصائم يتوقّع» غيرُه «فِطرَه» ومثله من تاقت نفسه إلى الإفطار بحيث ينافي الإقبال على الصلاة.

____________________

١) في (ر) : النصوص.

٢) الوسائل ٥ : ١٨ ، الباب ٨ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ، الحديث ٦.

٣) النفليّة : ١٠٥.

٤) الفوائد المليّة : ١٢٢.

١٥٦

«وللعشاءين» للمُفيض من عرفة «إلى المشعر» وإن تثلّث الليل.

«ويعوَّل في الوقت على الظن*» المستند إلى وِرْدٍ (١) بصنعةٍ أو درسٍ ونحوهما (٢) «مع تعذّر العلم» أمّا مع إمكانه فلا يجوز الدخول بدونه.

«فإن» صلّى بالظنّ حيث يتعذّر (٣) العلم ثمّ انكشف وقوعها في الوقت أو «دخل وهو فيها أجزأ» على أصحّ القولين (٤) «وإن تقدّمت» عليه بأجمعها «أعاد» وهو موضع وفاقٍ.

«الثاني : القبلة»

«وهي» : عينُ «الكعبة للمُشاهد» لها «أو حكمه» وهو : مَن يقدر على التوجّه إلى عينها بغير مشقّةٍ كثيرة لا تُتحمّل عادةً ولو بالصعود إلى جبلٍ أو سطحٍ «وجهتها» وهي السمت الذي يُحتمل كونها فيه ويُقطع بعدم خروجها عنه لأمارةٍ شرعيّة «لغيره» أي غير المشاهد ومَن بحكمه (٥).

وليست الجهة للبعيد محصِّلةً عينَ الكعبة وإن كان البُعد عن الجسم

____________________

*) في (س) : غلبة الظنّ.

١) الوِرد بالكسر : الجزء ، والمراد به هو العمل المرتّب في كلّ يوم مثلاً.

٢) كتجاوب الديكة ، (المناهج السويّة : ٢٣).

٣) في (ش) : تعذّر.

٤) ويقابله القول بعدم الإجزاء ، ذهب إليه ابن أبي عقيل وابن الجنيد والسيّد المرتضى ، راجع المختلف ٢ : ٤٩.

٥) في (ر) زيادة : كالأعمى.

١٥٧

يوجب اتّساع جهة محاذاته؛ لأنّ ذلك لا يقتضي استقبال العين؛ إذ لو اُخرجت خطوطٌ متوازيةٌ من مواقف البعيد المتباعدة المتّفقة الجهة على وجهٍ يزيد على جرم الكعبة لم تتّصل الخطوط أجمع بالكعبة ضرورةً ، وإلّا لخرجت عن كونها متوازية.

وبهذا يظهر الفرق بين العين والجهة ، ويترتّب عليه بطلان صلاة بعض الصفّ المستطيل زيادةً عن قدر الكعبة لو اعتُبر مقابلة العين.

والقول بأنّ البعيد فرضه الجهة أصحّ القولين في المسألة ، خلافاً للأكثر (١) حيث جعلوا المعتبر للخارج عن الحرم استقباله ، استناداً إلى روايات ضعيفة (٢).

ثمّ إن علِمَ البعيد بالجهة بمحراب معصومٍ أو اعتبار رصديٍّ ، وإلّا عوَّل على العلامات المنصوبة لمعرفتها نصّاً أو استنباطاً.

«وعلامة» أهل «العراق ومن في سمتهم» كبعض أهل خراسان ممّن يقاربهم في طول بلدهم «جَعلُ المغرب على الأيمن والمشرق على الأيسر والجَدي (٣)» حال غاية ارتفاعه أو انخفاضه «خَلْفَ المنكب الأيمن».

____________________

١) كالشيخين في المقنعة : ٩٥ ، والنهاية : ٦٣ ، وسلّار في المراسم : ٦٠ ، وابن البرّاج في المهذّب ١ : ٨٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٨٥.

٢) راجع الوسائل ٣ : ٢٢٠ ، الباب ٣ من أبواب القبلة ، الحديث ١ و ٢ ، والصفحة ٢٢١ ، الباب ٤ من الأبواب ، الحديث ١ و ٢ ، اُنظر المناهج السويّة : ٢٦.

٣) المشهور بين أهل اللغة أنّه مكبَّر ، وقد يصغّر ليتميّز عن البرج ، وهو نجمٌ مضيءٌ معروف يدور مع الفرقدين حول القطب الشمالي كلّ يوم وليلة دورة كاملة ، وغاية ارتفاعه أن يكون على جهة السماء والفرقدان إلى الأرض ، وغاية انخفاضه عكسه ، الحواشي للمحقّق الخوانساري : ١٧٤.

١٥٨

وهذه العلامة ورد بها النصّ خاصّة علامةً للكوفة وما ناسبها (١) وهي موافقة للقواعد المستنبطة من الهيئة وغيرها (٢) فالعمل بها متعيّنٌ في أوساط العراق ـ مضافاً إلى الكوفة ـ كبغداد والمشهدين والحِلّة.

وأمّا العلامة الاُولى : فإن اُريد فيها بالمغرب والمشرق الاعتداليّان ، كما صرّح به المصنّف في البيان (٣) أو الجهتان اصطلاحاً ـ وهما المقاطعتان لجهتي الجنوب والشمال بخطّين بحيث يحدث عنهما زوايا قوائم ـ كانت مخالفة للثانية كثيراً؛ لأنّ الجَدي حال استقامته يكون على دائرة نصف النهار المارّة بنقطتي الجنوب والشمال ، فجعلُ المشرق والمغرب على الوجه السابق على اليمين واليسار يوجب جعل الجَدي بين الكتفين قضيّةً للتقاطع ، فإذا اعتُبر كون الجدي خَلْفَ المنكب الأيمن لزم الانحراف بالوجه عن نقطة الجنوب نحو المغرب كثيراً ، فينحرف بواسطته الأيمنُ عن المغرب نحوَ الشمال والأيسرُ عن المشرق نحوَ الجنوب ، فلا يصحّ جعلهُما معاً علامةً لجهةٍ واحدة. إلّاأن يُدّعى اغتفارُ هذا التفاوت ، وهو بعيدٌ خصوصاً مع مخالفة العلامة للنصّ (٤) والاعتبار ، فهي إمّا فاسدة

____________________

١) ليس في النصوص التصريح بأنّ «الجدي» علامة للكوفة وما ناسبها ، كما وأنّ بيانها في كيفيّة الوضع متفاوت ، ففي بعضها «ضع الجدي في قفاك» وفي الاُخرى «اجعله على يمينك» راجع الوسائل ٣ : ٢٢٢ ، الباب ٥ من أبواب القبلة.

٢) كأ نّه أشار بذلك إلى ما ذكروه : من أنّ محراب مسجد الكوفة نصبه أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليه ولم يتغيّر عن وضعه إلى الآن وأ نّه موافق لجعل الجدي خلف المنكب ، الحواشي للمحقّق الخوانساري : ١٧٤.

٣) البيان : ١١٤.

٤) وهو النصّ الوارد في جعل الجدي خلف المنكب الأيمن.

١٥٩

الوضع ، أو تختصّ ببعض جهات العراق ، وهي أطرافه الغربيّة ـ كالموصل وما والاها ـ فإنّ التحقيق أنّ جهتهم نقطة الجنوب ، وهي موافقةٌ لما ذُكر في العلامة.

ولو اعتُبرت العلامة المذكورة غير مقيّدةٍ بالاعتدال ولا بالمصطلح بل بالجهتين العرفيّتين انتشر الفسادُ كثيراً بسبب الزيادة فيهما والنقصان الملحِق لهما : تارةً بعلامة الشام ، واُخرى بعلامة العراق ، وثالثةً بزيادةٍ عنهما. وتخصيصُهما (١) حينئذٍ بما يوافق الثانية يُوجب سقوط فائدة العلامة.

وأمّا أطراف العراق الشرقيّة ـ كالبصرة وما والاها من بلاد خراسان ـ فيحتاجون إلى زيادة انحراف نحوَ المغرب عن أوساطها قليلاً ، وعلى هذا القياس.

«وللشام» من العلامات «جعلُه» أي الجَدْي في تلك الحالة «خلفَ الأيسر» الظاهر من العبارة كون «الأيسر» صفةً للمَنكِب بقرينة ما قبله ، وبهذا صرّح في البيان (٢) فعليه يكون انحراف الشامي عن نقطة الجنوب مشرقاً بقدر انحراف العراقي عنها مغرباً. والذي صرّح به غيره (٣) ووافقه المصنّف في الدروس (٤) وغيرها (٥) أنّ الشامي يجعل الجَدي خلفَ الكتف لا المَنكِب. وهذا هو الحقّ الموافق للقواعد؛ لأنّ انحراف الشامي أقلّ من انحراف العراقي المتوسّط ، وبالتحرير التامّ ينقص الشامي عنه جزأين من تسعين جزءاً ممّا بين

____________________

١) أي المشرق والمغرب. وفي (ع) : «تخصيصها».

٢) البيان : ١١٤.

٣) كالعلّامة في القواعد ١ : ٢٥١.

٤) الدروس ١ : ١٥٩.

٥) الذكرى ٣ : ١٦٣.

١٦٠