الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

الدكتور حسن حطيط

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

المؤلف:

الدكتور حسن حطيط


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-75-031-9
الصفحات: ١٤٤

فيروس الثألول البشري في عنق الرحم والشرج والمهبل. هذا بالإضافة إلى ما يعرف الآن وما يكتشف حاليا من إشكالات خطرة على حياة الإنسان تنتج عن داء نقص المناعة المكتسبة وفيروس الإيدز الذي يفتك ، بشكل خاص ، بجماعات المنحرفين والشاذين جنسيا.

* ظاهرة الخمول البدني : تعتبر ظاهرة الخمول البدني مع ما تشمله من مظاهر مختلفة كانعدام الرياضة وحياة «القعدة» والجلوس ساعات طويلة أمام التلفاز والحاسوب ووراء المكتب ، والاستعمال الدائم للسيارات والحافلات وقلة الحركة والنشاط البدني ، أهم أسباب الأمراض المعروفة حاليا بأمراض العصر الفتاكة ، كالسكري والبدانة المفرطة وأمراض القلب والأوعية الدموية.

وبينت الإحصاءات أن ستا من كل عشر وفيات ناتجة عن السكري ، وأمراض القلب والشرايين ، والأورام الخبيثة ، ترتبط بانعدام الرياضة ، خاصة في الدول المتقدمة والغنية. كما أصبح من الواضح حاليا أن أهم تحد تواجهه البشرية جمعاء ، لتسببه بأكثر الأمراض نسبا في الوفيات في عصرنا الحاضر ، هو نمط الحياة الجلوسية المفرطة مع ما يصاحبها من بدانة وخمول وانعدام النشاط والحركة.

* ظاهرة الاكتئاب المفرط : تصف منظمة الصحة العالمية الاكتئاب بأنه اضطراب عقلي يصيب حوالي ٣٤٠ مليون شخص في العالم ، تشمل أعراض الاكتئاب فقدان الاهتمام بالأشياء والإحساس بعدم الأهمية وبعدم السعادة وضعف المزاج وعدم القدرة على التركيز وإحساس عام بالخمول.

يعد الاكتئاب من الأمراض القاتلة حيث إن ١٥ خ من المصابين ينتهي بهم الأمر إلى الانتحار ، كما أن الإحصائيات أظهرت أن ٥٠ خ من

٨١

المنتحرين يمرون بفترة من الاكتئاب في وقت من الأوقات ، هذا عدا وجود علاقة مباشرة بين الاكتئاب وازدياد نسب الوفيات نتيجة الإصابة بأمراض أخرى كالسرطان وأمراض القلب والشرايين.

لهذا كله ، يعتقد أن الاكتئاب سيشكل السبب الرئيس للإعاقة في العالم ، ومن أهم الأعباء التي ستواجهها البشرية عند حلول سنة ٢٠٢٠ م.

في المقابل ، نجد أن الإنسان نسي نفسه وتناسى ماضيه وحاضره ومستقبله ، بعد ما نسي معالم الحياة المثلى وأساليب العيش الكريم وأنماط العلاقات المتوازنة التي حددها له خالقه الكريم ، جل وعلا ، وضبطها ضمن موازين وأسس ومنظومات واضحة منسقة مترابطة ، لا إفراط فيها ولا تفريط ، ولا طغيان فيها ولا نقصان ، مبنية على العدل والقسط والتوازن :

بسم الله الرحمن الرحيم : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) (٩) [الرحمن : ٧ و ٨ و ٩].

(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف : ٣١].

(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) [الأنعام : ١٥١].

(يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (٥١) [المؤمنون : ٥١].

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (٧) [المؤمنون : ٥ و ٦ و ٧].

(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (٣٢) [الإسراء : ٣٢].

٨٢

(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥].

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٢٨) [الرعد: ٢٨].

* ظاهرة الإفساد البيئي :

يعاني عالمنا الحاضر ، في عصرنا الحالي ، وبشكل متزايد من وجود هواء ملوث بجميع أنواع الإشعاعات النووية والغازات المنبعثة السامة والملوثات الكيميائية والصناعية والعضوية ، هذا عدا نشوء ظاهرتي «الاحتباس الحراري» و«تآكل طبقة الأوزون» الشديدتي الخطورة على الحياة بجميع أشكالها على كرتنا الأرضية.

وقد أفادت الدراسات الحديثة أن هواء المدن الملوث يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان ، هذا بالإضافة إلى أمراض القلب والرئتين ، كما برهنت الدراسات عن وجود علاقة مباشرة بين التعرض المتزايد للهواء الملوث بجسيمات دقيقة شديدة الصغر صادرة عن الانبعاثات الصناعية ووقود الحافلات والمبيدات الزراعية ، وغيرها من الملوثات ، وزيادات ملحوظة في نسب وفيات السرطان خاصة في حالة سرطان الرئة.

وفي الوقت نفسه ، ثبت للباحثين المختصين وبعد تتبع ودراسة آثار التجارب النووية على الإنسان والحيوان أن الإشعاعات المؤينة تخترق الأنسجة والخلايا وتشوه محتويات نواتها من الكروموزومات والأحماض الأمينية لتتسبب في ظهور أورام خبيثة ومتنوعة.

كما أظهرت دراسات أخرى نتائج متشابهة بعد تتبع وإحصاء وإحصاء ودراسة الآثار الناتجة عن استهلاك أطعمة ملوثة إشعاعيا أو معالجة نوويا بطريقة خاطئة بهدف حفظها وتعليبها.

٨٣

كما يجب أن لا ننسى ، أخيرا ، الآثار المدمرة والقاتلة للأسلحة النووية التي استخدمت قديما وحديثا في حروب عالمية وإقليمية وتسببت في ازدياد هائل في نسب وفيات السرطان.

وفي هذا المجال ، أقر خبراء من منظمة الصحة العالمية ، منذ مدة قريبة ، أن التلوث البيئي يؤدي إلى مقتل ٣ ملايين طفل سنويا دون سن الخامسة في الدول النامية والفقيرة ، خصوصا في قارة آسيا. وكان من أبرز المخاطر البيئية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال قيام بعض الدول برمي نفاياتها السامة في السهول والأنهار حيث يستحم ويشرب الأطفال في الأرياف ، وانبعاثات الرصاص في المدن والأماكن القريبة من مكبات النفايات ، والتلوث الجوي الناتج عن الاستخدام الكثيف للطاقة والتوسع الصناعي.

في نهاية المطاف ، لا يسعنا إلا أن نؤكد على أن الإنسان هو الذي أوقع نفسه في هذا المأزق المريع ، وهو الذي ألقى بنفسه وجعلها بين مطرقة هذا الوحش الذي ركبه من إسرافه الفردي وبغيه النمطي وإفراطه الاستهلاكي وخسرانه النفسي ، وبين سندان الرمضاء الموحشة التي جعلها مرتعا له بعد إفساده بيئته ، وتدميره العبثي للنعم التي اؤتمن عليها ، ونسيانه مهمة إعمار الكون التي كلف به وجعل على أساسها خليفة الخالق على الأرض. لذلك كله ، لا سبيل للإنسان في هذا الليل المظلم ولا خلاص له من هذه الكارثة المحتمة إلا بالرجوع إلى خالقه والعودة إلى التمسك بالأمانة التي قبلها في مهمته وتحمل المسئولية في إعادة إعمار ما خربت يداه ، حتى لا يفوت الأوان.

بسم الله الرحمن الرحيم : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٤١) [الروم : ٤١].

٨٤

آفة المخدّرات

لا زال الغرب بكافة أجهزته ومقوّماته الاجتماعية والاقتصادية والأمنية يعاني من الآثار التي أنتجتها ولا تزال تنتجها أزمات التجارة والتعاطي بالمخدّرات والإدمان على تناولها ، بين أجياله الشابّة على الأخص.

وقد تفجرت تلك الأزمات ، بشكل علني وفاضح ، وعلى جميع الصعد الاجتماعية والصحية والاقتصادية والأمنية ، في أواخر الخمسينات ، عند ما أخذت تروّج للتعاطي ب ثقافة» المخدّرات بعض من أشهر الفرق الموسيقية ك «البيتلز» و«الرولينغ ستونز» و«الهو» و«الكوين» والكثير من الشخصيات البارزة في الأوساط الثقافية من ممثلين وكتّاب وشعراء ورسامين وموسيقيين ، على أساس أنها مواد تساعد على تنمية وتفجير الطاقات الفنية والأدبية المختزنة ، وضمن مبدأ الانطلاق عبر عوالم وأجواء سحرية وخيالية مخفية على باقي البشر!!

وانتشرت تلك الآفة بشكل أوسع وأسرع بين الأجيال الغربية الشابّة ، وبين الأجيال الصاعدة من الشعوب التي استعمرها الغرب بنماذجه الثقافية (كجنوب أميركا وجنوب آسيا وأستراليا) ، دون التمييز بين طبقاتها الاجتماعية أو بين مقوّماتها العلمية والثقافية ، إذ أنها انتشرت وبشكل متساو في معظم الأحيان ، بين المجتمعات الجامعية والمثقفة وبين الجماعات الشاذّة والخارجة عن القانون. وأصبح من «العيب» و«المكروه» و«المشئوم»

٨٥

في الستينات والسبعينات ، وخاصة في فرنسا وإسبانيا وإنكلترا ، أن لا يشارك شاب زملاءه (خاصة إن كانوا ضمن مجموعات سياسية «حرة» وليبرالية) في الندوات التي كانت تفتتح وتختتم بتعاطي المخدرات «المنعشة للفكر والخيال والمشاعر» كالDSL والكوكايين والأمفتامين وغيرها.

١ ـ آثار الإدمان على المخدرات على الصعيد الاقتصادي :

ارتبطت أزمة التجارة والتعاطي بالمخدّرات منذ البداية بأزمة البطالة بشكل مباشر ، حيث كان هذا العامل الاقتصادي من أهمّ الدوافع الأساسية إلى التعاطي والاتّجار بالمخدّرات. وكانت هذه الأخيرة وما زالت من أهمّ العوامل المؤدية إلى البطالة ، وأصبح من المستحيل على الأجهزة الاقتصادية الغربية الفصل بين هذه الأزمة وتلك من دون أن تصطدم بالعلائق والوشائج التي تجمع ما بينها ، فعصابات المخدّرات بكل فروعها وأقسامها من الاستيراد إلى التهريب إلى التوزيع إلى التصدير ، تعتمد اعتمادا كاملا على جماعات العاطلين عن العمل. أما تعاطي المخدرات فيؤدي بدوره وبشكل تدريجي إلى فقدان الوظائف وأماكن العمل ، وإلى تدني نسبة اليد العاملة ومستواها وخاصة الشابة منها. وتدور حول هذه النتيجة عوامل ومؤثرات أخرى تساعد في تعميق الأزمة اقتصاديا وبأشكال مختلفة ، كالحوادث التي تصيب المدمنين على المخدرات في أماكن عملهم وعلى الطرقات ، أو كفقدانهم لطاقاتهم الجسدية والفكرية بشكل مبكر ، أو كتكاثر حالات الوفيات المفاجئة بينهم.

٢ ـ آثار الإدمان على المخدّرات على الصعيد الاجتماعي :

إن الأمراض الاجتماعية الناتجة عن تعاطي المواد المخدّرة صعبة الحصر والاستجلاء ، وتتوزع على جميع الأوجه والأصعدة : على الصعيد

٨٦

الفردي وبناء الذات والشخصية ، وعلى الصعيد العام والأخلاق العامة ، على صعيد العلاقات العائلية والأسرية والزوجية والاجتماعية الخاصة ، إلى آخره ... وتجرّ هذه الآفة الطبقات المدمنة وخاصة الشابة منها إلى ويلات أخرى يصعب حصرها اجتماعيا ، كالدعارة التي تقوم بها الشابات ، ومن جميع الطبقات الاجتماعية ، لجمع الأموال اللازمة لشراء «الوجبات اليومية» ، والسرقة التي يقوم بها الأفراد أو الجماعات من فتيان في مقتبل أعمارهم ، وكحالات التفكك العائلي (من طلاق وترك للواجبات وخاصة التحصيل العلمي ، والهرب من المنزل) التي تصيب الشرائح الاجتماعية التي يقع أحد أفرادها في شرك المخدّرات.

٣ ـ آثار الإدمان على المخدّرات على الصعيد الصحي :

تعتبر الإحصائيات الطبية أنّ الإدمان على المخدّرات هو أول وأهمّ وأعظم أسباب الوفاة على الإطلاق في مدينة نيويورك الأميركية ، وخاصة بين المجموعات التي تتراوح أعمارها بين ال ٢٥ وسن ال ٣٣. وتجتمع آراء هذه الإحصائيات على المبدأ القائل بأنّ جميع أنواع هذه المواد السامّة هي «قاتلة» بكل معنى الكلمة ، وإن كان بعضها أسرع في هدفه من الآخر! وكثرت الدراسات الطبية على هذه المواد بأنواعها وميزاتها ونتائجها ، وتركزت خاصة على بحث خصائص المواد المخدّرة الثلاث المشهورة عالميا : الكوكايين والهيرويين والماريجوانا ، وسنحاول بشكل موجز استعراض هذه الخصائص للتدليل على عمق وخطر وشراسة هذه الآفة على المجتمع بكل خصائصه :

١ ـ الكوكايين : وهي المخدّر الأكثر شهرة وانتشارا بين الشباب من ذوي الطبقات المتدنية اقتصاديا في الغرب ، ومنه اشتقّ مؤخرا مخدّر

٨٧

«الكراك» الذي ينتشر بين أوساط الزنوج الأميركيين وبشكل «وبائي» قاتل. وتشمل آثار هذه المادة السامة على الجسم الإنساني : الارتفاع المفاجئ لضغط الدم ، سرعة خفقان القلب ، تعطيل انتظام الدورة الدموية ، واحتمال إصابة القلب بالذبحة أو التضخم. وللمادة أيضا آثار وخيمة على الجهاز التنفسي ، إذ أنها تعرض الرئتين للفشل المفاجئ ، وبسبب ذلك حظيت مؤخرا بتسمية «أتوستراد نحو السماء» في الأوساط الطبية ، بعد أن كانت تعتبر الأخف والأقل ضررا ، بين المواد المخدّرة في الستينات.

٢ ـ الهرويين : وهي أخطر المواد المخدّرة ، يتعرض متعاطيها للإدمان الدائم ، حيث تؤدي إلى حالات من الهلوسة والنشوة الدائمة ممزوجة بنعاس ورقاد ثقيل يصعب إيقاظ المدمن منه. وقد ارتبط اسم هذه المادة السامة بحالات الموت المفاجئ ، التي تحدث عبر طرق ثلاث : السكتة القلبية ، أو التلف الرئوي ، أو الفشل التنفسي الحاد. ومن نتائجها المباشرة أيضا ، الالتهابات الجرثومية : الجلدية والقلبية والكبدية والصدرية والعظمية وإصابة الكليتين بالفشل والتلف ، بالإضافة إلى آثار مهلكة على العضلات والأعصاب والشرايين.

٣ ـ الماريجوانا : وقد انتشرت بين الأوساط الثقافية الغربية في الستينات وأوساط الفرق الموسيقية الشابّة ، والرسامين والنحاتين والممثلين. تتميّز عن غيرها من المواد المخدّرة بأن لها آثار عميقة ودقيقة بنفس الوقت على أجهزة الجسم «الأساسية» مما أخّر اكتشاف آثارها ، ودفع البعض إلى الاعتقاد بأنها غير ضارّة. وأهمّ هذه الآثار فقدان المناعة المكتسبة الذي يعرّض الإنسان إلى الكثير من الالتهابات والخلل الوراثي في الكروموزومات الذي يؤدي إلى عاهات وتشوّهات جسدية في أجنّة الشابات المدمنات ، كما

٨٨

أنها تؤدي إلى ازدياد كبير في احتمالات حدوث انفصام الشخصية. والجدير بالذكر أن إحدى الإحصائيات الغربية الأميركية المتداولة قدّرت أنّ ٧٠ خ من الشباب ما بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين تعاطوا هذه المادة أو أدمنوا عليها في المدارس أو الجامعات ، وأنّ الذين لم يقلّدوهم بذلك اعتبروا خارجين عن المألوف!

أخيرا ، حري بنا أن نلفت النظر إلى أنّ الشرع الإسلامي بأحكامه الإلهية الصارمة والحاسمة في موضوع الاتجار والتعاطي بالمخدّرات ، ساعد بشكل أساس على عدم تفشّي هذه الآفة في معظم مجتمعاتنا الإسلامية ، وعلى الرغم من عدم التزام معظم الحكومات والأنظمة بالتشريعات المقدّسة. ومن الملاحظ في المدة الأخيرة أنه كلما اقتربت دولة من التشريع الإسلامي كلما ابتعدت عنها هذه الآفة ، وقلّ تأثيرها وتناقصت آثارها.

٨٩
٩٠

آفة الكحول

تعاني المجتمعات الغربية بشكل عام ، من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تسببها بشكل مباشر أو غير مباشر ، آفة تناول الكحول واستهلاكها. ورغم ازدياد الحملات التوجيهية الداعية إلى التخفيف من تناول واستهلاك المشروبات الروحية ، فإن تناولها يزداد يوما بعد يوم ويتفشى في جميع طبقات المجتمع دون تمييز بين الأعمار والمستويات الاجتماعية والطبقية. أما الذي يقلق السلطات والمراجع الصحية والاجتماعية ، حاليا ، فهو استهلاك المراهقين وحتى بعض الأطفال لكميات شديدة الضرر والأذى بالنمو والصحة والتربية والوعي الاجتماعي بشكل عام. وتشير الإحصائيات المتداولة في السنين الأخيرة إلى أنه حوالي ال ٩٠ خ من الأشخاص (رجالا ونساء) الذين تتجاوز أعمارهم ال ١٨ سنة يقومون بتناول الكحول بشكل مستمر واعتيادي في المجتمعات الغربية ، وكأن ذلك عادة اجتماعية طبيعية وأمر واقع لا محالة فيه ، حتى أنه بات من الغريب والمستغرب ومن الشذوذ أيضا أن يبادر الشخص إلى الامتناع عن ذلك لغير سبب صحي ويخالف بذلك القاعدة العامة السائدة.

وعلى سبيل المثال وللدلالة على المدى الذي بلغه تفشي هذه الآفة في المجتمعات الغربية المتحضرة ، تقدر بعض الإحصائيات الأمريكية أنه هناك ، الآن ، حوالي العشرة ملايين مصاب بداء الكحولية المزمن ، في

٩١

الولايات المتحدة فقط ، وأكثر من سبعة ملايين يتناولون الكحول بشكل يؤدي إلى ضرر أكيد بالصحة وبالعلاقات الاجتماعية ..

نظريات حول أسباب الإدمان :

تتحدث بعض النظريات السيكولوجية عن بعض الأسباب المتعلقة بأمور نفسية بحتة كمحاولة الهرب من الواقع المؤلم المليء بالمشاكل والمصاعب اليومية ، أو محاولة الابتعاد عن الروتين الدائم والتخلص من الضغط النفسي ، والبحث عن حالات الارتخاء والراحة والنشوة التي يظن المدمنون أنهم بالغوها عبر تناولهم هذه السموم ، أو مما نشهده حاليا ، عند المراهقين من اعتقادات باطلة ، تجعلهم متوهمين بأن تناول الكحول هو انطلاقة تحررهم من قيود العائلة والمجتمع وبدء تبلور قدراتهم على جميع الأصعدة!

وتتحدث بعض النظريات الطبية عن عوامل وراثية وبيئية تساعد على دفع الإنسان إلى حالة الإدمان على الكحول عبر خلل وراثي في الجينات أو عبر خلل بيئي في العائلة والمحيط الاجتماعي. لكن تلك النظريات بقيت من دون تحديد مكان الخلل في الجينات المصابة مثلا ، من دون تحديد أسباب الخلل وكيفية نشوئه.

نتائج الإدمان على المجتمعات الغربية :

١ ـ نتائجه على اقتصاد الدول :

يعود تناول الكحول والإدمان عليها على اقتصاد المجتمعات الغربية بأزمات عديدة ، بشكل مباشر وغير مباشر. ونستطيع إيجاز هذه الأزمات المتعددة الأوجه والمدلولات بالأمور التالية :

٩٢

أ ـ التغيب المتقطع أو المستمر عن العمل ، وخاصة بعد انتهاء العطلة الأسبوعية أو الأعياد السنوية ؛

ب ـ فقدان التركيز والوعي والمراقبة وهبوط مستوى الإنتاج الفكري والمادي بشكل مستمر وتصاعدي عند المدمنين ، وبشكل متقطع ومتزايد عند الذين يتناولون الكحول ولم يدمنوا عليه بعد ، مما يؤدي إلى الكثير من حالات الطرد من العمل والبطالة ؛

ج ـ ازدياد حالات الحوادث داخل العمل وخارجه بسبب عدم التركيز وحالة التخدير التي يعيشها المدمن وتمنعه من مراقبة أعماله وأقواله وتحركاته ، مما يؤدي إلى ازدياد الدعاوى والشكاوى وطلبات التعويض وغيرها ؛

د ـ حوادث السير وهي أهم هذه الأزمات وأكثرها تأثيرا على جميع الأصعدة الاقتصادية المتعلقة بالسياحة والأشغال العامة والنقل والأجهزة الصحية والقضائية والأمنية والإعلامية. والملفت للنظر أن هذه الأزمات رغم كل الحملات التربوية والإعلامية لمحاولة تفادي تناول الكحول قبل قيادة السيارات والحافلات أو عندها ، لم تتراجع بل تزداد تضخما يوما بعد يوم ، ولا تخلو الوسائل الإعلامية عند نهاية كل عطلة أسبوع من الحديث عن ذلك ونتائجه على الأرض. والجدير بالذكر أن تناول الكحول (وليس فقط الإدمان عليها) هو السبب المباشر لحوالي ال ٧٠ خ من حوادث السير المستمرة في المجتمعات الغربية (في بعض الدول كإسبانيا مثلا تصل النسبة إلى حوالي ال ٩٠ خ من حوادث السير).

٢ ـ آثاره على العلاقات والعوامل الاجتماعية :

تناول الكحول والإدمان عليها من أهم الأسباب المذكورة في كل

٩٣

لوائح الأمراض الاجتماعية على جميع أصنافها. فآفة الكحول ، في المجتمعات الغربية ، هي من أكثر العوامل الهدامة وأكبرها على صعيد العلاقات العائلية والزوجية ، ومن أعتى السموم فتكا على صعيد العوامل النفسية وأمراضها وانحرافاتها وشذوذها. وعلى سبيل المثال يعرف في الغرب أن الكحول هي السبب الأول لحالات الخلل والتفكك العائلي ، من مشاكل بين الأب وأولاده أو بين الولد وأبويه أو بين الرجل وزوجته أو بين الأولاد ببعضهم البعض. ويعرف أيضا أن الكحول هي الدافع المباشر لمعظم حالات اليأس والانهيار النفسي والمعنوي وما يسببه ذلك من محاولات انتحار أو هروب من البيت أو العمل أو الواقع ، أو انحرافات نفسية مرضية كانفصام الشخصية والشذوذ والضياع.

ومن أكثر آثار الكحول أهمية وأعظمها واقعا على المجتمعات الغربية بشكل عام هي مساهمتها المباشرة وغير المباشرة في تفشي الأمراض الاجتماعية الأكثر ضررا بالقيم والأخلاق والتربية والمجتمع بشكل كامل ، كالسرقة والقتل والاغتصاب والدعارة وغيرها.

٣ ـ آثاره على الصحة :

قبل البدء بالحديث عن هذا القسم ، لا بد لنا أن نذكر أن الكحول مادة سامة في المفهوم الطبي ، وتناولها والإدمان عليها يعرضان الجسم الإنساني لحالات تسمم تتراوح ما بين الحالات الحادة والحالات المزمنة. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نقسم الآثار والعوارض والإصابات بين القسمين التاليين :

أ ـ حالات التسمم الحاد : وتؤدي إلى حد انهيار تام وكامل في وظائف الجهاز العصبي المركزي ، كما تؤدي إلى خلل وتلف في المعدة

٩٤

والكبد (من التهابات متعددة وقروح مختلفة). وهذه الحالات الحادة بالذات هي السبب المباشر لأكثر من ٧٠ خ من حوادث السير في المجتمعات الغربية بالإضافة إلى أنها عبر إصابتها الجهاز العصبي المركزي بشكل شامل ، يمكن أن تؤدي إلى الموت المفاجئ عبر وقف الحركة التنفسية وانقطاعها.

ب ـ حالات التسمم المزمن : وتؤدي إلى خلل بطيء في جميع أنسجة الجسم وأعضائه ، وبالأخص في الكبد والمعدة والقلب. وتؤدي إصابة الكبد إلى تلفه شيئا فشيئا وتليفه وتعرضه حينئذ لاحتمالات نشوء أورام خبيثة ، علما بأن تليف الكبد أو الCIRRHOSIS هو السبب التاسع للوفاة في الولايات المتحدة مثلا ، وهذا يعني أن الكبد لا ينتظر حتى تنشأ الأورام الخبيثة ليقضي على صاحبه وينهى حياته. ويمكن أن تؤدي إصابة المعدة وتلفها إلى الموت مباشرة عبر نزيف حاد ناشئ عن التهاب أو قرحة فيها. أما القلب فيصاب بحالة من التضخم تؤدي عبر الأيام إلى الإضرار بوظائفه وإيقافها في النهاية. وعلى سبيل الذكر والتنبيه تكثر هذه الأيام نصيحة طبية مزيفة مفادها أن تناول كميات قليلة من الكحول تزيد من مادة الHDL الدهنية التي تحمي القلب والأوعية الدموية من الإصابة بالنشفان والتكلس ، وهذا صحيح! لكن الحقيقة المقابلة لها تفيد أن هذه الكميات بالتحديد تؤدي عبر إيذائها الكبد إلى نقصان هذه المادة وإلى ازدياد حالة الإصابة بالنشفان والتكلس كنتيجة لذلك ، هذا بالإضافة إلى أن هذه الكميات تساعد في ارتفاع الضغط الدموي وتساهم عبر ذلك بالمزيد من الضرر والأذى للقلب والأوعية الدموية.

ومن العوارض الأخرى نذكر نقصان وافتقاد الفيتامين ١ B في المدمنين المزمنين ، مما يؤدي إلى خلل الأعصاب. وهناك ازدياد احتمال الإصابة

٩٥

بالتهاب البنكرياس وتلف العضلات المزمن. والنتائج الأكثر ضررا وإيذاء ، نراها عند تناول المرأة الحامل للكحول وعندها تزداد احتمالات التخلف في النمو والتخلف العقلي في المواليد.

أما علاقة الكحول بالسرطان فهي أكثر وأكبر من أن تذكر وأن تعرّف لأنها علاقة مباشرة وبشكل خاص ، خاصة مع سرطان الشفة والفم والمريء والبلعوم والرئة والأمعاء الغليظة والبنكرياس والكبد والمرارة.

وفي الختام نذكر ما قاله أحد العلماء يوما ما حول موضوع تناول الكحول والإدمان عليها ، ومفاده أنه إذا كان التسمم الحاد بالكحول يؤدي إلى فقدان الباخرة لقبطانها فإن التسمم المزمن يغرقها.

نظرة الإسلام حول الموضوع :

أمّن الإسلام بتحريمه تناول الكحول ، كثيره وقليله ، تحصين المجتمع بجميع طبقاته من الأمراض الناتجة عن هذه الآفة ، واقتلع ، بجعله رجسا ، كل الأوهام والاعتبارات المختلفة حول ذلك ، من جذورها. وبذلك قام الإسلام عبر قوانينه الإلهية الحاسمة الحازمة بعزل العاصين لذلك النهي ، وأقام الحدود عليهم ليمنع تفشي هذه الآفة ويزيل عدواها الاجتماعية ، من دون شروط أو اعتبارات ، ومن دون تلكؤ في إصدار الأحكام الشرعية.

٩٦

الانحرافات الخلقية في المجتمعات الغربية

تتعدد الانحرافات الخلقية وتتنوّع متخذة أشكالا ووجوها مختلفة في المجتمعات الغربية وفي غيرها من المجتمعات التي قلّدت ثقافاتها وعاداتها ومعتقداتها تقليدا أعمى. وقد أصبحت هذه الانحرافات بجميع أشكالها علنية أو معلنة ، بشكل فردي وجماعي ، وصارت تتمحور حول حركات ومجموعات ثقافية واجتماعية ، في معظمها فاعلة اجتماعيا وحاضرة سياسيا بشكل باتت معظم الأحزاب الغربية تأخذ قوتها الانتخابية بعين الاعتبار (كما حصل مؤخرا في حملة الرئيس بيل كلينتون الانتخابية في الولايات المتحدة). وسنعالج في هذا البحث بعضا من وجوه الآثار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والصحية لهذه الانحرافات على المجتمعات الغربية ، وغيرها من المجتمعات المستعمرة ثقافيا (كمجتمعات دول شرقي آسيا وشرقي أوروبا وأميركا الجنوبية).

أولا : آثار الانحرافات والشذوذ على الصعيد الصحّي :

تنعكس هذه الانحرافات والأفعال الشاذّة على هذه المجتمعات بشكل متفاقم ومأساوي جدا ، كانت حصيلتها الأخيرة ظهور مرض «الإيدز» أو «نقص المناعة المكتسب» الذي اختار مجموعة لتكون هدفه الأول والأسهل.

وقد أصيبت هذه المجموعات بنكسة عميقة وكبيرة عند ما اكتشفت

٩٧

هشاشة حالتها المزرية وازدياد نمو معدلات الوفاة فيها بشكل تصاعدي بارز. وأخذت تكثر الدراسات العلمية الوقائية التي ركزت على سبل الوقاية ودفع الأخطار في المجموعات الشاذة من دون نتيجة فعالة إلى الآن سوى النصح بتجنب وتفادي الأفعال الشاذة دفعا لأخطار العدوى والانتقال الوبائي.

وتنقسم الأمراض في المجموعات الشاذة إلى نوعين : الأول جرثومي بحت ، والثاني نفسي متنوع ومختلط تشترك عوارضه وتختلط مع عوارض القسم الأول وتتطور أحيانا لتتسبّب بأمراض عضوية حادة ومزمنة في الجهازين العصبي والتنفسي خاصة. وتتشعب الأمراض الجرثومية إلى أنواع عديدة ومختلفة وتنقسم إلى أربع مجموعات كبيرة هي :

أولا : الفيروسات : كفيروس الإيدزHIV ، والHERPES ، والHPV والCMV.

ثانيا : البكتيريا : كالTREPONEMA (باكتيريا السفلس) ، والNEISSERIA والMYCOPLASMA والCHLAMYDIA.

ثالثا : الطفيليات : كالTRICHOMONA والGIARDIA.

رابعا : الفطريات : كالCANDIDA.

أما الأمراض النفسية فتتصاعد وتتدرج من حال الكآبة والاكتئاب النفسي إلى أحوال الانفصام الشخصي والهوس والميل إلى تعاطي مواد الإدمان والميل إلى الانتحار ، وتتسبب أيضا بخلل عصبي هام يمكن أن يؤدي إلى ضعف ووهن في جميع الأجهزة الحيوية. ويؤدي نقص المناعة ووهنها في الأشخاص المنتسبين إلى المجموعات الشاذة ، إلى أورام خبيثة

٩٨

في الجهاز أو النسيج اللمفاوي LYMPHOMA (كما لوحظ مؤخرا في مجموعات المنحرفين المصابين بمرض الإيدز حيث إنهم أصيبوا بأورام خبيثة جدا في الدماغ) وفي الأنسجة الجلدية ـ في الأطراف السفلى ـ KAPOSY ,S SARCOMA.

ثانيا : على الصعيدين الثقافي والاجتماعي :

تنتشر الانحرافات الخلقية والعادات الشاذة في أوساط النخبة الثقافية والفنية في الغرب. ويتغنى المنحرفون بوجود «رواد» لهم في أوساط الشعراء الكبار في أوروبا (كلوركا ، رامبو ، فيرلين ، وأوسكار وايلد) وفي أوساط الممثلين المشهورين (كروك هيدسون الذي توفي مؤخرا بسبب إصابته بالإيدز ، وايرول فلين) ، وفي أعضاء الحركات الموسيقية والأدبية والفنية بشكل عام. وكثيرا ما يلجأ المنحرفون إلى «روّادهم» و«عرّابيهم» في الأوساط العامة البارزة لكي ينظّموا معهم حملات دعم وتأييد ومطالبة بالحقوق والمساعدة (كالحملات التي أقيمت لجمع تبرعات لمرضى الإيدز) وتسبب هذه الأمور حالات من الإحراج والاضطراب للحكومات والأوساط التربوية والكنسية ، فالأطفال والمراهقون يستدرجون إلى الانحراف والشذوذ عبر محاولة «الولاء والتقليد» و«المحاكاة» لهؤلاء المشهورين والمحبوبين لديهم ، وكثيرا ما تتأثر الحركات الطلابية والشبابية الداعية إلى التمرد والتغلب على التقاليد والعادات والأطر العائلية والاجتماعية ، بهذه الانحرافات ، معتقدة أنها بذلك تسعى لتحقيق أهدافها الثورية و«مقلدة» بعض أعلام الشعر والفكر والفن الغربي المعاصرين.

وتتنوع الآثار على الصعيد الاجتماعي ، فمن الخلل والاضطراب في الأطر العائلية إلى حالات التشرذم والتسكع والتسول والبطالة السلبية (حينما

٩٩

يرفض الشاذون مجالات العمل ، ويهيمون وينتظمون ضمن مجموعات ضالة مضادة للمجتمع). وينعكس ذلك سلبا على الأمن الاجتماعي فتزداد معدلات الجريمة والأخص المنظمة منها ، وتزداد أرقام معدلات الانتحار والتشرد والإدمان.

ثالثا : على الصعيدين الاقتصادي والسياسي

تتأثر المؤشرات الاقتصادية بكل ما يزيد من معدلات البطالة والتشرد والتغيب عن أماكن العمل بسبب المرض أو غيره ، وبنقص النشاط الجسدي والعقلي في مراكز العمل ، وكل هذه من العوامل التي أشرنا إليها سابقا تتفاقم عبر السنين ، وتزداد خطرا وشراسة (وخاصة بعد ظهور مرض الإيدز) في المجموعات المنحرفة والشاذة. وقد بدأت الحكومات تأخذ بعين الاعتبار التخلص أو التخفيف من أعباء هذه الآثار لما تجلبه من ويلات على الصعيدين العام والخاص على الخزينة الحكومية والميزانية العامة (وخاصة ميزانية الشئون الاجتماعية والصحة والضمان الصحي والعمل وشئون العاطلين عنه). ولأجل ذلك ، بدأت تقوم بحملات وقائية وإرشادية صحية واجتماعية صارت تختلف معاييرها من دولة إلى دولة ، ومن حزب حاكم إلى حزب حاكم آخر ، بظل المعتقدات والمبادئ الأخلاقية فيها (يسارية كانت أم يمينية) والعلاقة مع الكنيسة (سلبية كانت أم إيجابية).

ولكن ، وبالوقت نفسه ، بدأت هذه الحكومات وعبر أحزابها الحاكمة بالتأثر والاهتمام بالقوة الانتخابية لهذه المجموعات ، وأخذت تهتم أكثر فأكثر بمطالبها ، وصارت تسعى لإرضائها بإدراج «حقوقها» في برامجها الانتخابية ، وبضمّ «مرشحيها» إلى لوائحها ، مما أحدث خللا وتضاربا في الأهداف الصحية والاجتماعية من جهة ، والمصالح السياسية من جهة أخرى.

١٠٠