الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

الدكتور حسن حطيط

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

المؤلف:

الدكتور حسن حطيط


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-75-031-9
الصفحات: ١٤٤

آثار الرضاعة الطبيعية على صحة الطفل الرضيع :

تقول إحدى الوثائق الصادرة عن منظمة الصحة العالمية : «ليس هناك شيء يماثل حليب ثدي الأم في توفير الغذاء الأفضل والأنسب للطفل الرضيع ، وإن حليب الأم فيه من الفوائد الإضافية التي تقوي الجهاز المناعي للرضيع ضد العديد من الأمراض التي يصاب بها الأطفال ، وهو نظيف وآمن ، ويكون في درجة حرارية مناسبة وغير مكلف ، وكل الأمهات تقريبا لديهن ما هو أكثر من كاف لإرضاع أطفالهن».

أما مجلس الصحة العالمي التابع لمنظمة الصحة العالمية ، فقد أقر مؤخرا قرارا يقضي برفع «الفترة النموذجية الدنيا» للرضاعة الطبيعية دون أي مصدر غذائي آخر من أربعة أشهر كما كان في السابق ، إلى ستة أشهر على الأقل.

كما أكدت الدراسات الطبية الحديثة التي اعتمدت على الإحصائيات «المسحية» في الدول النامية على أن الأطفال الذين يتناولون الحليب الصناعي يتعرضون للأمراض ويصابون بالوفاة بفارق ١٥ ضعفا مقارنة بالأطفال الذين تغذوا على حليب أمهاتهم في أول عامين من حياتهم.

أما أهم آثار الرضاعة الطبيعية على صحة الطفل الرضيع ، والتي لا يحصل عليها بشكل كامل وفعال عبر البدائل الحيوانية والصناعية ، فتتلخص بالمحاور العامة التالية :

ـ اكتساب القدرة على هضم الغذاء بسهولة ، وبشكل يتناسب مع النمو ومع الاحتياجات المتغيرة ؛ ـ

اكتساب القدرة على امتصاص المعادن والأحماض وغيرها من المواد الأساسية بشكل يتناسب مع حاجة الطفل وسرعة نموه ؛

٦١

ـ اكتساب القدرة على مقاومة الفطريات والباكتيريا والفيروسات ؛

ـ الوقاية من أمراض الحساسية كالربو والأكزيما وأمراض أخرى كالسكري.

لقد ظهرت في المدة الأخيرة دراسات طبية جديدة كشفت عن وجود ميزات للرضاعة الطبيعية لم تكن معروفة من قبل ، وأهمها :

ـ الرضاعة الطبيعية تساعد على نمو أنسجة المخ والشبكية وتطورها بسبب وجود نوع من الأحماض الدهنية غير المشبعة ؛

ـ الرضاعة الطبيعية تزيد معدل الذكاء والكثير من الوظائف الحيوية ؛

ـ الرضاعة الطبيعية تساعد على نمو العظام والأسنان وكريات الدم الحمراء ؛

ـ الرضاعة الطبيعية تساعد على منع انتقال مرض الإيدز من الأم إلى الطفل كما أنها تساعد على مقاومة العدوى إزاء الكثير من الأمراض الجرثومية ؛

ـ الرضاعة الطبيعية تحمي الطفل من التعرض لمخاطر ارتفاع ضغط الدم.

وهكذا يتبين أن الرضاعة الطبيعية كانت وستبقى هدية سماوية خالصة تتكشف معالمها وآثارها يوما بعد يوم ، على صعيدي صحة الأم وصحة الطفل على السواء.

وستظهر بالتأكيد علامات جديدة تواكب تطور العلوم وتقدمها عبر الزمن ، ليتعرف الإنسان على عظمة وإعجاز الآية الباهرة من آيات الخالق.

٦٢

كما ستتجلى جميع جوانب المهمة العظيمة التي أوكلت إلى الأم وتحملتها «حملا» و«وضعا» و«إرضاعا» بالرغم من الوهن والتعب والآلام والمكاره ؛ لتعطي جنينها ووليدها ورضيعها ، بنعمة من الله جلّ وعلا وببركته ، كل الحب والرعاية والعطف والحنان.

بسم الله الرحمن الرحيم : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (١٤) [لقمان : ١٤].

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف : ١٥].

٦٣
٦٤

القواعد الذهبية في الوقاية

من الأورام السرطانية

عرفت البشرية داء السرطان منذ قديم الزمان ، فقد اكتشفت آثار لأورام سرطانية في بقايا الجثث البشرية والحيوانية القديمة ، وأشهرها : أثر ورم سرطاني خبيث في فك بقايا إنسان قديم ، وورم حميد في عظام إحدى جثث الديناصورات القديمة. كما وجدت شروحات مستفيضة عن الأورام وعوارضها وآثارها في بعض المخطوطات الإغريقية والفرعونية.

أطلق الأطباء القدامى اسم السرطان أو Cancer (الاسم اللاتيني لكلمة سلطعون) لتشابه جذوره أو امتداداته مع قوائم حيوان السلطعون البحري الذي يتميّز بعناده في تحدّي الحواجز واختراقها والزحف الدائم في كل الاتجاهات. لقد شاع هذا الاسم وانتشر هذا الداء البغيض ، وإن آثاره البغيضة أثارت منذ مراحل اكتشافه ومعرفة خطورته ، خوفا ورعبا لدى أوساط الخاصة والعامة ، حتى تداخلت فيه مشاعر «اللعنة السماوية» أو «الغضب الإلهي» أو «انتقام القدر» لصعوبة المرض وصعوبة علاجه واستحالته في معظم الأحيان.

شغلت أنواع السرطان وآثاره وأسبابه وطرق علاجه الأوساط الطبية والعلمية منذ القديم ، وأخذ هذا الداء حيزا كبيرا من اهتمام الباحثين والمكتشفين والعلماء على جميع الصعد العلمية (الطبية ، الفيزيائية ،

٦٥

الكيميائية ، البيولوجية) ، وشهدت مراحل النهضة العلمية المتعددة تطورا بارزا في فهم هذا الداء وطرق تصنيفه وعلاجه وتشخيصه ، وما زالت الأبحاث مستمرة إلى الآن في كل مجالات وطرق وأساليب الوصول إلى معرفة أوسع مدى عن هذا الداء وأسراره الكثيرة وعلائقه المتعددة بالنمو الصناعي والتطور المديني ، وانعكاسات التقدم التكنولوجي على حساب البيئة والطبيعة.

وفي السنوات الأخيرة ظهرت أبحاث مفصلة عن علاقة السرطان بالكثير من العوامل والمواد والأساليب الصناعية والتكنولوجية الحديثة ، حيث تبيّن أن الكثير من أنواع هذا الداء الخبيث تتكاثر وتنمو بسرعة هائلة في المجتمعات التي تتعرض لإشعاعات نووية ، أو تستهلك مواد صناعية ، أو تصاب بعوامل بيولوجية وكيميائية وفيزيائية ناتجة عن تقدم الصناعات بأنواعها المختلفة وازدهارها ، وإضرارها المستمر في كل جوانب الطبيعة والبيئة الطبيعية. كما تبيّن أن هنالك علاقة واضحة ومؤكدة بين أنواع السرطان المختلفة وبعض العادات السيئة المكتسبة حديثا والمنتشرة بمساعدة «حمّى الاستهلاك» التي أصابت جميع المجتمعات ، كالتدخين بجميع أنواعه والإفراط في تناول السكاكر والحلويات والدهون ، والتعرّض الدائم لأشعة الشمس بداعي الاستجمام والتزيّن ، وغيرها من العادات الخبيثة التي فرضتها الثقافات الاستهلاكية الخبيثة.

وفي خضم المعمعة العلمية والإعلامية الدائرة حول موضوع السرطان وطرق تشخيصه وعلاجه والوقاية منه ، نستعرض القواعد الذهبية التي أجمع عليها الأطباء والباحثون في الوقاية من هذا الداء بعد التعرّض لأسبابه المباشرة وغير المباشرة ، وبعد التمكن من فهم بعض أسرار هذا الداء وطرق

٦٦

عمله وانتشاره وامتداده من عضو إلى عضو ، ومن جهاز إلى جهاز في الجسم البشري.

القاعدة الأولى : عدم الإفراط أو التفريط في الغذاء

ارتبطت بعض أنواع السرطان بما يسمّى بالإفراط الغذائي أوOvernutrition وبالأخص عند ما تزداد كمية الدهون والسكريات في الغذاء ، وعند ما تتناقص كمية الألياف فيه. فالإكثار من اللحوم والنشويات والبروتينيات والإقلال من الخضار والفاكهة الغنية بالألياف والفيتامينات والمعادن ، يساعدان على ظهور أنواع معينة من السرطان ، وخاصة في الجهاز الهضمي. كما لوحظ أن أنواعا معينة من الخضار كالملفوف والقنبيط تقي من ظهور سرطان القولون أو الأمعاء الغليظة ، وأن الغذاء الغني بالفيتامين «س» و«أ» يمنع من ظهور أنواع متعددة من السرطان ، وخاصة سرطان المعدة.

وأظهرت بعض الأبحاث أن المجتمعات الفقيرة التي تتناول كميات قليلة من الغذاء الفقير بالمعادن والفيتامينات ، وخاصة معدني الزنك والسيلينيوم تتعرّض أكثر من غيرها لأنواع من السرطان ، تشترك في ظهورها أيضا عوامل أخرى كضعف المناعة وكثرة الالتهابات الفيروسية والبكتريائية.

القاعدة الثانية : الإقلاع عن العادات الاستهلاكية السيئة

يدخل في هذا المضمار جميع العادات والتقاليد المستحدثة التي تكاثر الإدمان عليها بعد ظهور مراحل النمو الصناعي والتطور المديني ، وأهمّ هذه العادات السيئة على الإطلاق ، التدخين بجميع أنواعه ، وتناول السكريات عند الأطفال والمراهقين ، والتعرّض الزائد للشمس للاستجمام ، وتناول الأطعمة المدخّنة.

٦٧

ـ التدخين ومضاره : ارتبط تدخين التبغ بالسرطان منذ بداية الانتشار المفاجئ لهذه العادة السيئة في عصر النهضة الصناعية الحديثة ، بعد ما أحضر كريستوف كولومبس معه هذه النبتة من أرض أميركا المكتشفة حديثا. وللتدخين أثر مباشر ومؤكد في ظهور سرطان الفم والبلعوم والمريء والرئة والحنجرة والبنكرياس والمثانة والكلى ، وتتعاون مواده السامة مع المواد السامة الأخرى كالمواد الكحولية أو الصناعية المساعدة في نمو بعض الأنواع الأخرى من السرطان. وأضرار التدخين لا تحصى ولا تعدّ ، وهي لا تؤذي الشخص المستهلك فقط ، بل الأشخاص المحيطين به كالزوجة والأولاد ورفاق المسكن والعمل ووسائل النقل. وفي مادة التبغ مواد سامة متعددة تساهم بشكل مباشر وفعال في نمو الخلايا السرطانية وانتشارها.

ـ تناول السكاكر والحلوى عند الأطفال : لمعرفة مدى الضرر والأذى الذي تسبّبه هذه العادة السيئة ، يكفي أن تتناول لوحا أو قطعة من الشوكولاتة أو حلوى الأطفال لتعرف مدى الخطورة التي تمثلها المواد الاستهلاكية ، فمعظم هذه المواد المركبة والصناعية المستعملة في صناعة هذه الأنواع البرّاقة والجذابة لكل طفل ومراهق ، تدخل في نطاق المواد الصناعية الحافظة أو الملونة أو المنكّهة التي تحمل في طياتها خطر التراكم في جسم الطفل والتسبب المباشر أو غير المباشر في ظهور السرطان بمختلف أنواعه ، هذا عدا ما يمكن أن تسببه للطفل من أضرار أخرى في جهازه الهضمي والعصبي والتنفسي.

ـ التعرض الزائد لأشعة الشمس : ثبت علميا أن التعرض الزائد لأشعة الشمس هو السبب المباشر والمطلق في ظهور السرطان الجلدي بأنواعه المختلفة وخاصة النوع القاتل منه الملانوماMelanoma.

٦٨

ـ تناول الأطعمة المجففة أو المدخنة أو المقددة : من الثابت علميا أن المواد الحافظة المستعملة في «تدخين» أو «تقديد» أو «تجفيف» الأسماك وغيرها من اللحوم وخاصة مواد النيترات والنيتريت Nitrites وNitrates ، هي مواد مسببة للسرطان ، وخاصة سرطان المعدة المنتشر في اليابان والصين ودول شرق آسيا ، حيث ينتشر تناول الأسماك المقددة أو المدخنة.

كما تنتشر في دول شرقي آسيا أنواع من سرطان الكبد تسببه الفطريات من نوع Aflatoxins التي «تستعمر» المخازن التي تخزّن فيها الحبوب كالفستق الذي يستعمل في صناعة الخبز اليومي. والجدير بالذكر أن الأطعمة المدخنة أو المقددة أو المجففة هي من الأطعمة المعرضة بسهولة للإصابة بالتلوث البيئي بيولوجيا كان أم كيميائيا.

ـ تناول المشروبات الكحولية : أكدت الأبحاث الطبية الحديثة أن للسرطان وخاصة سرطان الكبد والمريء والمعدة علاقة مع تناول المشروبات الكحولية ، إما بطريقة مباشرة وإما بطريقة غير مباشرة ، عبر ظهور ما يسمّى بالتليّف الكبدي أوCirrhosis الذي يساعد هو أيضا في ظهور الأورام الخبيثة. كما تشترك المواد الكحولية مع عوامل أخرى كالتدخين والفيروسات في تسريع عملية نمو الخلايا السرطانية ، وتحطيم الجهاز المناعي المتصدي لها. والجدير بالذكر أن المواد الحافظة المستعملة في صنع المواد الكحولية المختلفة هي أيضا مواد مساعدة على ظهور مواد مدمرة للجهاز المناعي الحامي لخلايا الجسم وأنسجته من أي تأثير خارجي أو داخلي ذي طبيعة سلبية.

ـ العادات الاجتماعية والتقاليد الموروثة السيئة : ومن هذه التقاليد عادة بعض الشعوب ـ كالشعوب الآسيوية في إيران والصين مثلا ـ في تناول

٦٩

الشاي أو الحساء أو غيرها من الأطعمة وهي ساخنة جدا من غير تبريدها أو تخفيف حرارتها الأمر الذي يسبب ظهور سرطان الفم والمريء المنتشر بشكل خاص ومثير للاهتمام في شمالي إيران والصين. ومن التقاليد الموروثة في الباكستان والهند تناول ومضغ قطعة من «العلكة» مكونة من عدة عناصر يدخل فيها التبغ والبهارات والليمون ، والإبقاء عليها ممضوغة ومعلوكة طيلة النهار من دون توقف ، ما يسبب في ظهور أنواع خاصة من السرطان في الفم والغشاء الداخلي لجوف الفم أو سقفه. هذه العادة السيئة والمنتشرة خاصة في مجموعات العمّال ، أثارت اهتمام الأوساط الطبية لدرس العلاقة بين البهارات والكحول من جهة ، والسرطان من جهة أخرى ، كما أثارت موضوع العلاقة بين ازدياد نسبة سرطان المعدة في المجتمعات التي يكثر فيها تناول البهار الحار كالهند والباكستان.

القاعدة الثالثة : الابتعاد عن المناطق الملوثة إشعاعيا وتفادي الأطعمة المعرّضة للإشعاعات النووية

برهنت الدراسات العلمية أن الإشعاعات النووية هي من أهمّ الأسباب المباشرة في ظهور سرطان الدم المعروف ب «اللوكيميا» وسرطان الغدد اللمفاوية المعروف ب «الليمفوما». وأكدت هذه العلاقة المباشرة ظهور أعداد هائلة من المصابين بهذه الأنواع من السرطان بعد انفجاري هيروشيما وناغازاكي في اليابان ، وبعد حادث «شيرنوبيل» في بلاد ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي. كما أثبتت الدراسات ظهور حالات معينة من سرطان الغدة الدرقية بعد تعرضها للأشعة السينية ، وظهور حالات أخرى بعد تناول الأشخاص المصابين أطعمة ملوثة إشعاعيا ، إما بسبب قربها من مناطق تجارب نووية أو مفاعل صناعية ، وإما بسبب معالجتها نوويا بطريقة خاطئة

٧٠

(لحفظها وتعليبها). وتظهر حاليا في الوسائل الإعلامية تصريحات رسمية وغير رسمية عن تزايد مخيف في أعداد المصابين بسرطان الدم في العراق بعد حرب الخليج الثانية مع الإيحاءات والاتهامات بأن هنالك أسلحة ذات طبيعة نووية قد استعملت هناك في تلك الفترة.

القاعدة الرابعة : الاهتمام بالعامل الوراثي والأخذ بالنصيحة والوراثة

صار من الواضح الآن أن هنالك عاملا وراثيا ثابتا في ظهور أنواع عديدة من السرطان وأهمها سرطان الثدي ، فعلى سبيل المثال إذا أصيبت امرأة بسرطان الثدي (وخاصة إذا كانت شابة أو في عمر مبكر) فعلى بناتها وبنات إخوتها وأخواتها أن يأخذن جانب الحيطة والحذر ويداومن على الوسائل التشخيصية المبكرة كالفحص الإشعاعي أو النسيجي واستئصال أي ورم مشكوك في أمره. وتكثر حاليا حالات السرطان «العائلي» حيث يشترك عدة أفراد من العائلة في النوع نفسه والفصيلة ذاتها كبعض أنواع سرطان الدماغ والغدد اللمفاوية والثدي وغيرها ...

القاعدة الخامسة : تحاشي الالتهابات الفيروسية ومواجهتها

ازدادت الأبحاث الطبية المتخصصة في الآونة الأخيرة والتي تحاول ربط أنواع معينة من السرطان بأنواع معينة من الالتهابات الفيروسية وخاصة المزمنة منها. فقد ثبت حاليا أن هنالك علاقة مباشرة بين بعض أنواع التهابات فيروس الثألول البشري Human Papilloma Virus ، وسرطان عنق الرحم وغيره من أنواع السرطان في الأعضاء التناسلية ، وبين فيروس «إبستاين بار» Epstein Barr وبعض أنواع سرطان الغدد اللمفاوية وأنواع من سرطان المنطقة الخلفية للأنف والحنجرة.

٧١

القاعدة السادسة : تحاشي الاضطرابات الهرمونية ومعالجتها

لاحظت بعض الدراسات العلمية الحديثة ارتباطا مباشرا وغير مباشر بين الاضطرابات الهرمونية التي تحصل خاصة عند النساء اللواتي يتأخر عندهن سن الزواج أو اللواتي لم يقدّر لهن الحياة الزوجية ، بما فيها من تكامل هرموني عبر مراحل الزواج من حمل ورضاعة وغيرها من الوظائف الطبيعية التي تشغّل الأجهزة الهرمونية المعقدة والمترابطة في جسم المرأة ، وأهم هذه الهرمونات هو هرمون «الإستروجين» الذي ارتبط اسمه بالكثير من الاضطرابات الهرمونية المصاحبة أو المسببة لبعض أنواع السرطان عند المرأة ، وخاصة عند ما يكون هنالك إفراط أو تفريط في «تحريكه» وتوظيفه في ظروف غير طبيعية وفي نواح غير طبيعية.

وهكذا نرى ونستشف بعد استعراض هذه القواعد الست ، أن داء السرطان المخيف يدخل ويتداخل مع الأمراض والعاهات المرضية الأخرى ضمن ما يمكن أن يوصف ب «الضرر» الناتج عن أسباب ومسببات معروفة في معظمها ، ومترابطة فيما بينها ومرتبطة بالخلل أو الجهل أو الإفساد المقصود أو غير المقصود الذي يتميز به الإنسان في نطاقه الخاص والعام. فالإنسان بكل غروره وصلفه وجهله وتعنته هو الذي أصرّ على إيذاء نفسه والإضرار بها وبالآخرين ، عبر استخدام المسببات المباشرة وغير المباشرة لهذا الداء بكل أنواعه ، وهو الذي استهتر بالعامل الوراثي وأهمله وتراخى وكسل في معالجته ومنع انتقال الداء من جيل إلى جيل ، وهو الذي أفسد «الطبيعة» والبيئة الطبيعية بصناعاته «الملغومة» ومواده الحافظة والملونة ، والمستغلة لمتعة قريبة الأجل فيها من الإضرار التي يمكن أن تقرّب أجله ، وهو الذي كان عليه أن يلتفت ويلتزم ويتعظ ويسير على خطى التعاليم السامية التي

٧٢

أوصت بها الأديان السماوية في الحفاظ على النفس والحفاظ على الطبيعة واحترام الخلق والمخلوقات ، والابتعاد عمّا يهلكها أو يضرّها أو يعيبها أو يشوّه صفحة وجودها الداخلية أو الخارجية. وما أعظم الإسلام حينما يؤكد ويحث ويصر على تطبيق تعاليم الوقاية الصحية وتعاليم الحفاظ على البيئة الطبيعية ومبادئ الحفظ والابتعاد عما يضر والالتزام بالخير والطيبات ، وعدم الإفراط أو التفريط ، وإلزام الناس بالنظافة والطهارة والأغسال ، والأمر بعدم الإسراف في الأكل والشرب ، والحثّ على الحمية ومراعاة البدن والنفس ، والحث على الزواج والحمل والرضاعة ، والابتعاد عن الضرر والإضرار بالناس والحيوان والنبات.

بسم الله الرحمن الرحيم : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) [الأعراف : ٣١].

(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [الروم : ٤١].

«إن في صحة البدن فرح الملائكة ومرضاة الرب وتثبيت السنّة».

«لا خير في الحياة إلا مع الصحة».

«من أخلاق الأنبياء التنظيف».

«الطهر نصف الإيمان».

«المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عوّدته».

«الذي أنزل الداء أنزل الشفاء».

«كل وأنت تشتهي وأمسك وأنت تشتهي».

«برّد الطعام فإن الحار لا بركة فيه».

«تخللوا على أثر الطعام وتمضمضوا فإنها مصحة الناب والنواجذ».

٧٣

«كثرة الأكل شؤم».

«من قل أكله قلّ حسابه».

«تخلّلوا فإنه من النظافة ، والنظافة من الإيمان ، والإيمان مع صاحبه في الجنّة».

«من تعوّد كثرة الطعام والشراب قسا قلبه».

وفي طب الإمام الرضا عليه‌السلام ورد خطاب منه عليه‌السلام إلى المأمون يصف له الداء والدواء ، وصحة البدن والوقاية من الأمراض بطريقة لا مثيل لها ، وبإعجاز فريد وبطريقة خلابة عجيبة ، نقتطف منه المبادئ والتعاليم التالية :

«الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعودت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق ، ولا ينقص منه فتعطش ، دامت عمارتها وكثر ريعها وزكا زرعها ، وإن تغوفل عنها فسدت ولم ينبت فيها العشب. فالجسد بهذه المنزلة ، وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح ويصح وتزكو العافية فيه.

فانظر ما يوافقك ويوافق معدتك ويقوي عليه بدنك ويستمرئه من الطعام فقدره لنفسك واجعله غذاءك ..

واعلم أن كل واحدة من هذه الطبائع تحب ما يشاكلها ، فاغتذ ما يشاكل جسدك. ومن أخذ من الطعام زيادة لم يغذه ومن أخذ بقدر لا زيادة عليه ولا نقص في غذائه نفعه ..

كل البارد في الصيف والحار في الشتاء والمعتدل في الفصلين على قدر قوتك وشهوتك ، وابدأ في أول الطعام بأخف الأغذية التي يغتذي بها بدنك بقدر عادتك وبحسب طاقتك ونشاطك وزمانك .. وليكن ذلك بقدر لا يزيد ولا ينقص ، وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه».

٧٤

المحور الثالث :

إضاءات على الإعجاز العلمي في النهي والتحذير

ـ حياة الإنسان المهددة بين مطرقة الإسراف وسندان الإفساد.

ـ آفة المخدرات ؛

ـ آفة الكحول ؛

ـ الانحرافات الخلقية في المجتمعات الغربية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ)

يونس : ٢٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم

(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ)

الأنعام : ١٥١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ)

الرحمن : ٩

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

الروم : ٤١

٧٥
٧٦

حياة الإنسان المهددة ... بين مطرقة الإسراف

الاستهلاكي وسندان الإفساد البيئي

بسم الله الرحمن الرحيم : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) [يونس : ٢٣].

برزت في عصرنا الحاضر إشكالية المخاطر الحالية والمستقبلية التي تحيط بحياة الإنسان من جميع جوانبها الاجتماعية والصحية والبيئية ، وتبين أن الكثير من هذه المخاطر الداهمة تزداد وضوحا وبروزا في المجتمعات والجماعات التي تتعرض لآثار الإفساد أو التلوث البيئي من جهة ، أو لظهور أنماط وعادات اجتماعية وغذائية واستهلاكية سيئة ، اتخذت الإسراف والإفراط والبغي سمات دائمة.

الإسراف أو الإفراط والبغي في العادات والأنماط الفردية والجماعية :

تتكاثر يوما بعد يوم العادات والأنماط الاستهلاكية والغذائية والاجتماعية السيئة التي يتعرض لها الفرد ويدمن عليها دون إدراك أضرارها المتعددة عليه وعلى محيطه ، ودون معرفة مخاطرها القاتلة على المدى القريب والمدى البعيد. وتأخذ هذه العادات والأنماط السيئة في معظم الأحيان طابعا جماعيا تفرض به نفسها على المجتمعات وتحجب عن العيان آثارها الخبيثة القاتلة إلى أن يفوت الأوان.

٧٧

تتنوع العوامل الخطرة والأنماط السيئة والمؤثرات السلبية المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه الأمراض القاتلة ، كما تتعدد وتختلف كيفية ظهورها ونوعية آثارها من حالة إلى أخرى ، ويصعب حصر نتائجها على الصعد والميادين كافة.

ظواهر الإسراف والعادات الاستهلاكية والأنماط الغذائية والاجتماعية السيئة :

تشمل كل العادات والأنماط المضرة بصحة الإنسان والمؤدية إلى الإصابة بأمراض خطيرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، عبر الإدمان عليها أو الإسراف والإفراط فيها ، وأهمها :

* الإفراط الغذائي والاستهلاكي والسلوكي : يشمل الإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالدهون والبروتينيات والنشويات ، وبالمقابل الإقلال من تناول الأطعمة الغنية بالألياف والفيتامينات والمعادن (كأحد أهم الأسباب الرئيسة لسرطان الجهاز الهضمي ، وارتفاع نسبة الدهون في الدم والبدانة المفرطة وغيرها من الإشكالات الخطيرة).

كما يشمل ظواهر الإفراط في تناول السكاكر والحلويات (وخاصة عند الأطفال) والأطعمة المجففة والمدخنة والمقددة (كأحد أسباب سرطان المعدة) ، وبعض العادات الاجتماعية التقليدية والموروثة السيئة كتناول المشروبات الساخنة جدا (كأحد أسباب سرطان المريء) أو كمضغ بعض المركبات الكيميائية المخلوطة (كأحد أسباب التقرحات المزمنة وسرطان الفم) ، أو كظاهرة الإفراط في التعرض لأشعة الشمس لأسباب ترفيهية وتجميلية (كسبب رئيسي في ظهور سرطان الجلد).

* التدخين بأنواعه المختلفة : الدخان هو خليط مركب من أكثر من ٤

٧٨

آلاف مادة كيميائية ، صنّف أكثر من ٥٠ منها على أنّها مسببة للسرطان ، وتمكث هذه المواد الضارة في الهواء وتسبب ما يسمى بالدخان الثانوي الذي يعتبر أهم ملوثات الهواء في الأماكن المغلقة ، والذي هو مسئول ، على سبيل المثال لا الحصر ، عن ٣٠٠٠ حالة وفاة سنويا في الولايات المتحدة الأميركية نتيجة الإصابة بسرطان الرئة فقط.

كما أكدت الدراسات العلمية أنه بالإضافة إلى علاقة التدخين المباشرة بأمراض واضطرابات خطيرة كأمراض القلب والصدر والأوعية الدموية والإجهاض المفاجئ ، ثبتت علاقة التدخين بأنواع مختلفة ومتنوعة من السرطان الخبيث كسرطان الفم والحنجرة والبلعوم والمريء والرئة والبنكرياس والمثانة والكلى وعنق الرحم وغيرها.

* المشروبات الكحولية بأنواعها : ثبتت علاقة المشروبات الكحولية بأنواعها المختلفة بظهور أمراض متعددة وآفات عصبية ونفسية واجتماعية خطيرة ، هذا بالإضافة إلى أنواع كثيرة من السرطان كسرطان الكبد والمريء والمعدة والأمعاء الغليظة والمستقيم والفم والحنجرة والبلعوم. كما لا يسعنا إلا أن نذكر دور الكحول في ظهور إشكالات خطيرة يصعب التعامل معها كالنزف الهضمي والإجهاض المفاجئ وهشاشة العظام والكسور والعجز الجنسي.

* آفة المخدرات بأنواعها : تتكاثر المخدرات بأنواعها المختلفة في عصرنا الحاضر ، بسرعة هائلة ، وتجتاح بآفاتها وأخطارها المتعددة الدول الفقيرة والغنية على السواء.

تتنوع المواد المخدرة من دولة إلى دولة وتختلف من طبقة اجتماعية إلى أخرى ، فمنها ما هو مصنع ومستحضر من مركبات كيميائية ، ومنها ما

٧٩

هو طبيعي ومستخرج من النباتات والأشجار ، ومنها ما يجمع بين النوعين. كما تتنوع آثار المخدرات وتتوزع على مجالات وصعد عديدة ، منها ما هو صحي بدني أو عقلي أو نفسي ، ومنها ما هو اجتماعي أو تربوي أو اقتصادي.

تنقسم المخدرات إلى مجموعات عدة تتألف بدورها من أنواع مختلفة ، يتغير شكل الإدمان عليها من حالة إلى أخرى. نذكر منها : عقاقير الهلوسة (كعقار الأل ـ أس ـ دي) ، والمنومات (كالفينوباربيتال) ، ومثبطات الجهاز العصبي (كالأفيون والهيرويين) ، والمنشطات (كالكوكائين والقات والأمفيتامينات) ، والمهدئات (كالفاليوم) ، والحشيش ، والمستنشقات التي تعتبر حاليا ، أهم أنواع المخدرات على الإطلاق ، وأكثرها تفتكا بالإنسان لما تسببه من اضطرابات خطيرة وأضرار بالغة في الجهاز العصبي والقلب والكبد والكلى ، هذا بالإضافة إلى حالات الغيبوبة والموت المفاجئ. لقد بلغ الإنسان ، في هذا المجال حدا لا يصدق ولا يوصف من البغي والإفراط والانهيار ، إذ صار يتعاطى ، في حال عدم وجود مبتغاه ، استنشاق مواد غريبة كالبنزين ومزيل طلاء الأظافر ، وسائل وقود القداحات ، ومخفف الطلاء وروث البقر ولاصق الغراء وعوادم اشكمانات السيارات.

* الانحرافات والعادات الجنسية السيئة : ترتبط الانحرافات الجنسية بشكل عام والعلاقات الجنسية المتعددة خارج الزواج والممارسات الجنسية المحرمة باضطرابات اجتماعية ونفسية وعصبية وجسدية سيئة الأبعاد والنتائج. وأهم هذه الاضطرابات على الإطلاق هي الأمراض الجرثومية وما يترتب عليها من أعراض وإشكالات ، وخاصة ما ينتج عن بعضها من تغيرات سرطانية في الخلايا ونشوء أورام خبيثة ، كالتي تصاحب التهابات

٨٠