الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

الدكتور حسن حطيط

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

المؤلف:

الدكتور حسن حطيط


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-75-031-9
الصفحات: ١٤٤

قال الله العزيز القدير في كتابه الكريم :

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) [الروم : ٨].

(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الأحقاف : ٣].

(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد: ٢].

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٦٧) [غافر : ٦٧].

وهكذا تتجلى العظمة الإلهية بكل أبعادها المتناهية في الإبداع والدقة والإعجاز والجمال في أصغر الأشياء حجما ودورا ووظيفة ، كما هي متجلية في أعظم المخلوقات اتساعا وقوة وعلوا ، وبنفس النوعية في الهدف والصورة والصيرورة ، وبنفس الشكل في البهاء والإتقان والقدرة.

وكأنما الخالق العظيم المتعال يريد من مخلوقه السفلي الضعيف ، هذا الإنسان الذي كرمه بالعقل وبالتعقل أن ينتبه لحكمته تعالى في الخلق ، ويتأمل في طريقته في الخلق ، ويتفكر في إبداعه المعجز ، ويعقل الأهداف الكامنة وراء ذلك ، ويوقن به ، ويشهد له بالربوبية كما تشهد له جميع الأشياء وكل سلسلة المخلوقات بذلك ، من أسفلها إلى أعلاها ، ومن أولها إلى آخرها ، ومن أصغرها إلى أكبرها.

١٢١
١٢٢

الخاتمة :

إضاءات على الإعجاز العلمي

في علاقة الإنسان بالكون

ـ الحركة الكونية للإنسان .. في الحج ؛

ـ النظر والتفكر في المشهد الكوني.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)

النور : ٤١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)

آل عمران : ١٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ)

آل عمران : ١٩٠

١٢٣
١٢٤

الحركة الكونية للإنسان .. في الحج

لو تسنى للإنسان يوما ما أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض ويصل إلى مكان يستطيع منه مراقبة الكون المتسع بانتظام ورصد حركته العجيبة في أصغر مكوناته حجما وفي أكبرها مساحة ؛ لذهل عقله لشدة التناسق ودقة التناغم ، وانفرط لبه لعظمة الإبداع والترابط والإعجاز.

فالكون كل الكون بكل أجزائه ومكوناته وأطيافه يتحرك في أفلاك دائرية بالاتجاه نفسه من يسار ليمين أو عكس عقارب الساعة بانتظام موزون وبسرعة غير مضطربة تفاجئ المتأملين في حركة الإلكترونات حول النواة ، وتدهش الباحثين في حركة المجرات حول بعضها البعض وفي الاتجاه نفسه. ولو تسنى للإنسان في موسم الحج أن يرصد حركة الطائفين حول الكعبة المشرفة ويستشرف السماوات من حول الأرض ليرقب حركة الشمس والقمر وحركة الكواكب والنجوم وحركة المنظومات والمجرات لوقع بصره على أعظم مشهد كوني وأجمل سر تكويني مكتشف إلى الآن.

يطوف الحاج حول الكعبة المشرفة في أشواطه السبعة وعكس عقارب الساعة بكل جوارحه وأعضائه وحواسه ومشاعره وبكل خلاياه وجزيئياته وذراته ومكنوناته. ولو تسنى لهذا الحاج أن يستشعر ما يجري من حوله ومن فوقه ومن تحته على الأرض التي يطوف فيها وفي السماوات التي تحيط به لأدرك سرا من أسرار عبادته المتناغمة والمترابطة مع حركة الكون

١٢٥

كله من أصغر مكوناته إلى أعظم مجراته. ففي أصغر الأشياء حجما وأدقها إنشاء تدور الإلكترونات حول نواة الذرة في سبع مدارات وعكس عقارب الساعة ، وتدور الأرض بكل ما فيها من يابسة وبحار وجبال وطبقات وغلاف جوي حول نفسها وحول الشمس في حركة دائرية وعكس عقارب الساعة.

ولو تمكن الحاج في أشواط طوافه السبعة وعكس عقارب الساعة من إدراك ما يجري من حوله في السماء الدنيا لوجد أن القمر أيضا يدور حول الأرض وحول نفسه وحول الشمس بأطواره السبعة وبالاتجاه نفسه ، كما تدور الكواكب السيارة حول نفسها وحول الشمس وبالاتجاه ذاته ، وتدور الشمس حول نفسها وبنفس الاتجاه أيضا ، وكذلك نجوم المجرة وكذلك المجرة نفسها وكذلك المجرات كلها .... ولاكتشف أخيرا أن الكون من حوله يدور معه ويطوف ويسبح في أفلاك دائرية وبالاتجاه نفسه من يسار إلى يمين وفي نفس الوقت بأقصى تناغم وانسجام وأجمل ترابط وائتلاف.

(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٤٠) [يس : ٤٠].

الإعجاز العلمي للطواف :

الطواف حركة دائرية متوازنة ومرتبطة بمحور وسطي بالغ الأهمية يشد الطائف حوله بقوة جاذبة هادئة متزنة ، ويفرض عليه مشاعر الهيبة والاحترام ممزوجة بمشاعر الرجاء والطمأنينة. فالطائف حول الكعبة المشرفة يشعر في أعماق نفسه بالانشداد القوي لما هو على يساره من مكان مشرف عامر بالقداسة والآيات البينات ، ويستشعر الهيبة والخشوع والسلام وينغمر في جو من الطمأنينة الخالصة تنسيه كل آلامه وهمومه وأحزانه.

١٢٦

وهكذا بالإضافة إلى كل ما يعرف إلى الآن عن المؤثرات الدينية والتاريخية والبيئية والاجتماعية والعلمية البالغة الأهمية للمكان (كتوسط مكة المكرمة لليابسة على الكرة الأرضية ، ووقوعها على خط الطول الحقيقي أو الأساس الذي يقسم العالم إلى قسمين متماثلين) التي تضفي عليه وعلى الطائفين فيه هالات عظيمة من الأمن والأمان والسلام والسعادة الروحية والاستقرار ، تأتي ظاهرة الحركة الدائرية للكون الحديثة الاكتشاف لتعطي بعدا واسعا آخر لهذه العبادة المتناغمة مع الأفلاك ، يجعلها على مستوى من الإعجاز العلمي تحار فيه العقول والألباب وتفتح أمام الإنسان المتعبد آفاقا لا حدود لها من السعادة واليقين.

لم يعرف الإنسان قبل هذا الاكتشاف نشاطا عباديا كالطواف ، يمنحه إمكانية التآلف والانسجام المطلق مع حركة الكون ويعطيه القدرة على محاكاة ما عرف حتى الآن من السنن الكونية وأعظمها جمالا وسحرا وإعجازا. ولذلك ورغم ضآلة حجم الإنسان وصغر أبعاده الدنيوية أمام أبعاد الكون المديدة وأحجامه اللامتناهية ينتقل هذا المخلوق البشري الضعيف بواسطة هذه العبادة العظيمة إلى أرفع مستويات المعرفة الكونية فيتناغم مع كل أجزاء هذا الكون الرحب ليشهد على أن خالقه وخالق كل هذا الكون من أصغر أجزائه إلى أكبرها ...... هو ذاته تعالى واحد أحد صمد.

الإعجاز العلمي للعدد سبعة :

يتكرر ذكر العدد سبعة في معظم المراحل الأساسية من عبادة الحج ، كأشواط الطواف السبع وأشواط السعي السبع والحصيات السبع في المرات السبع من رمي الجمار ، كما يتكرر العدد نفسه في الكثير من المفاهيم العبادية والآيات القرآنية والسماوات السبع والأرضين السبع والمثاني السبع

١٢٧

والمسبحات السبع ومواضع السجود السبع. والمعجز في الأمر أن العدد نفسه يتواجد ويتكرر في كثير من مفاصل الحياة والخلق والعالم والكون بشكل عام ومن أصغر مستوى في الخلق إلى أعلى مستويات الوجود. فالمدارات التي تستعملها الإلكترونات للدوران حول نواة الذرة سبعة ، وألوان الضوء الأبيض سبعة وإشعاعات الضوء غير المرئي سبعة. وأنواع الموجات الكونية الكهرومغناطيسية سبعة وأيام الأسبوع سبعة. أما الكرة الأرضية فإنها تكون من سبع طبقات وسبع قارات وسبع محيطات وفيها سبع معادن رئيسية ولغلافها الجوي الخارجي سبع طبقات ويمر القمر في سبع مراحل أو أطوار وللنجوم سبعة أنواع.

وهكذا يقف الإنسان بمؤلفاته الجسمية السبعة (الذرة ، الجزيء ، الجين ، الكروموسوم ، الخلية ، النسيج ، العضو) وبأطواره الجنينية السبعة (السلالة ، النطفة ، العلقة ، المضغة ، خلق العظام ، كسو اللحم ، الخلق الآخر) وبمراحله أو أحواله السبعة (الجنين ، الطفل ، الشاب ، الكهل ، الشيخ ، الميت ، المبعوث) ليتأمل في خلقه وفي خلق الكون من حوله ، فيكتشف الأسرار والسنن والقوانين والأنماط التي لا تدل إلا على حقيقة مطلقة واحدة هي وحدانية الخالق وإبداعه المعجز في كل الصعد وعلى كل المستويات.

الإعجاز العلمي لمكة والكعبة المشرفة :

تقع مكة المكرمة ، كما أثبت العلماء الجيولوجيون والجغرافيون المسلمون المعاصرون ، في وسط اليابسة على سطح الكرة الأرضية كما تقع على خط الطول الأساسي أو الحقيقي الذي يقسم العالم إلى قسمين متماثلين. وتتميز أيضا بحرارتها الأرضية العالية وصخورها البركانية القادرة

١٢٨

على امتصاص الصدمات والزلازل. كما تتواجد فيها آيات وظواهر وميزات مختلفة وفريدة يصعب حصرها ويصعب فهم دلالاتها الكاملة لإعجازها الكامن في أبعادها المتعددة. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر هنا الموقع المتميز والفريد للكعبة المشرفة حيث تقع الأركان الأربعة في الاتجاهات الأصلية تماما وبدقة فائقة (الركن الشمالي في الشمال ، والركن الجنوبي في الجنوب ، والركن الشرقي في الشرق حيث تسطع الشمس على الحجر الأسود ، والركن الغربي في الغرب) ، وحركة الطيور حولها وعدم اعتلائها لها ، ومقام إبراهيم عليه‌السلام الذي انغرزت فيه قدماه في صخر أصم شديد القسوة ، والخصائص الشفائية والبيولوجية العجيبة لبئر زمزم الفريدة والمستديمة منذ القدم ورغم مرور آلاف السنين. وأخيرا وليس بآخر ظاهرة الحجر الأسود وطبيعته النيزكية الفريدة.

وهكذا تجتمع هذه الظواهر الإعجازية ، ما نعرفه منها وما لا نعرفه ، وما نراه فيها وما لا نراه ، لتلتقي جميعا مع حركة الإنسان العبادية في الحج ومع حركة الكون التوحيدية ، وتشهد مع بعضها البعض وفي كل بعد من أبعادها المتعددة المهام والوظائف ، وفي نفس الوقت وبكل تناغم وتآلف وترابط ، على أن خالقها وخالق ما حولها وما قبلها وما بعدها هو الذي جعلها على هذا النمط من الإعجاز والجمال والفرادة لتسبح كل الأشياء من حولها بحمده تعالى وتشكر له.

١٢٩
١٣٠

النظر والتفكر في المشهد الكوني ...

جسر العبور إلى الحقيقة

خلق الله ـ جل وعلا ـ الإنسان وجعله عاقلا ناطقا مدركا ومنحه القدرة على تحسس الأشياء ومراقبتها وتدبر تفاعلاتها وأسبابها وعلائقها ، مستجيبا لنداء داخلي فطري دائم. كما منحه المقدرة على السيطرة ـ بإذنه تعالى ـ على بعض مكنونات الأشياء ومحاكاة بعض سننها وقوانينها والعمل على استغلال مكتشفاته في هذا المجال ، شيئا فشيئا ، في تطوير نظم حياته وتحسين ظروف عيشه والسعي دوما لتحقيق الأحسن والأفضل والأكمل والأمثل.

نظر الإنسان إلى الكون منذ بدء الخليقة وتأمل بالنجوم والكواكب التي سحرته وأثارت فيه الكثير من الأسئلة ، وشاهد الظواهر الكونية التي أذهلته كالرياح والشهب والرعد والبرق والأمطار. كما راقب الحوادث والأهوال التي أخافته وأرعبته كالزلازل والبراكين والأعاصير ، وأخذ يبحث عن الأجوبة لأسئلته المضطربة وراح يرصد الأشياء ويدقق فيها وفي تفاعلاتها ويفحص ويمحص ويتدبر ويستخلص النتائج والدلائل والبراهين وصار يجرب ويعيد التجربة ويكررها ويستدل بها ليصل إلى ما يزيل قلقه واضطرابه وخوفه وجهله ، معتمدا على ما جبل عليه من تطلع لمعرفة الحقيقة والبحث عن نفسه وعن آثار خلقه في كل شيء حوله.

١٣١

الدعوة إلى التأمل في الخلق والحث على النظر والتفكر في مكونات وظواهر المشهد الكوني :

قال الله تعالى في كتابه الكريم : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [يونس : ١٠١]. وقال عز من قائل : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٨٥].

أمر الله جل وعلا الإنسان بشكل صريح ومباشر بالسير في الأرض والنظر في الخلق والتفكر والتأمل والتدبر والتثبت والتمحيص والتدقيق في الفحص والرصد والمراقبة ، كل ذلك في سبيل استخلاص العبر واستنباط النتائج واستخراج الدلائل ومحاولة الإجابة عن الأسئلة واكتشاف القوانين والسنن والأسرار المحيطة بالخلق والمخلوقات والحياة والموت وأبعاد ومكنونات الكون. قال الله عزوجل : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت : ٢٠]. وقال في سورة الغاشية : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (٢٠) [الغاشية : ١٧ ـ ٢٠].

لقد وردت في سورة الواقعة عدة آيات متتابعات بدأت بعبارة (أَفَرَأَيْتُمْ) وحثت بشكل قوي وحاسم وبكلمات حملت فيما حملت معاني التذكير والتنبيه والتحدي والأمر بالتفكر وتحليل وتقدير العوامل والظروف والظواهر الحياتية والطبيعية والكونية المحيطة بالإنسان ، للوصول تباعا إلى استنباط النتائج والقوانين والتثبت من حقيقتها والقبول بها بعد تدبرها ، ومن ثم بلوغ درجة التسليم والرضى مع ما يستتبع ذلك من الشكر والتنزيه والتسبيح:

١٣٢

(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤) [الواقعة : ٥٨ ـ ٧٤].

أما في سورة آل عمران فقد ورد ذكر أولي الألباب الذين بلغوا أعلى درجات الإيمان ومقامات العبادة والذكر والتسليم عبر التفكر في الآيات المحسوسة في نظم خلق السموات والأرض وحركة اختلاف الليل والنهار ليصلوا بعدها إلى فهم الغاية من الخلق واكتشاف عظمة الخالق وإدراك الحقائق المتعلقة بالحياة والإيمان والرسالات والموت والآخرة :

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) (١٩٤) [آل عمران : ١٩٠ ـ ١٩٤].

معالم المشهد الكوني ... محطات للعابرين على جسر الحقيقة :

يزخر المشهد الكوني منذ بدء الخليقة بمظاهر ومعالم ومضامين

١٣٣

متعددة الأبعاد والأوزان والوظائف ، ومن شتى الأنواع والسبل والفعاليات وعلى مختلف الصعد والنسب والجوانب. وحفل الكون باتساعه المستمر وتمدده الهائل في جميع أبعاده المعروفة والمجهولة بخصائص وروابط ومراحل ودورات متتابعة ومنتظمة ومتداخلة ومتناسقة ضمن حركة عجيبة لا تحد ولا تحدد ، مضبوطة على إيقاع بديع فريد فهي في نفس الوقت عظيمة السرعة وعظيمة الثبات وشديدة القوة وشديدة التوازن وهائلة الطاقة وهائلة التقدير ، لا حدود لمساراتها ولا تحديد لكنهها ولا راصد لأبعادها.

وللعابرين على جسر الحقيقة محطات لا متناهية للنظر والتأمل والتفكر والتعقل في حدود ما أدركه الحس والعقل من البعدين المرئي والمعقول لأبعاد الكون المحتملة أو المتوقعة أو المتصورة دون الأبعاد الأخرى غير المدركة أو المجهولة. فالأرض التي يحيا عليها الإنسان ويتحرك ويتفكر ويسعى لمراقبة ما حوله من عوالم وأسرار ، جزء متناهي الصغر من مجموعة تعج بالكواكب والكويكبات والأقمار عرفت بالمجموعة الشمسية التي تشكيل بدورها جزءا بسيطا من المجرة التي تحتوي على أكثر من أربعمائة ألف مليون نجم مشابه أو مماثل لكوكب الشمس في المجموعة الشمسية ، مع ما يتبع ذلك من كواكب وكويكبات وأقمار. وهذه المجرة جزء متناهي الصغر من عنقود مجري محلي يشكل بدوره جزءا بسيطا من العناقيد المجرية العظمى البالغة الكبر والسرعة والاتساع والتباعد والتي تسبح وتدور وتطوف حول محاورها في جزء بسيط من السماء الدنيا!

لقد وردت في الكثير من آيات القرآن الكريم إشارات لطيفة وبديعة وصريحة حول بعض من هذه المظاهر والمعالم والسنن الكونية ، بطريقة تنبيهية وتذكيرية وتحفيزية لمشاعر الإنسان وأحاسيسه وأفكاره ، ولتدفعه

١٣٤

لسلوك طريق التفكر والتدبر والتعقل والتأمل بكل أبعاد وآثار وآفاق هذا الكون الرحيب ، جاعلة من ذلك الأمر عبادة خاصة وعالية الشأن لذوي الإيمان المطلق من أولي الألباب :

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [آل عمران : ١٩٠].

ولهذه المحطات التي تأسر لب الواقف على جسر العبور إلى الحقيقة والتي استطاع الإنسان حتى يومنا هذا سبر بعض من أغوارها المرئية أو المحسوسة أو المعقولة ، مظاهر ومشاهد زاهية زاهرة باهرة تشد الأبصار والعقول والقلوب والأنفس والأرواح إلى عوالم لا متناهية ولا حدود لها من الجمال والبهاء والروعة.

المحطة الأولى : الوحدة المتجانسة والتماثل الشمولي :

قال الله جل وعلا في سورة الملك ، في الآيتين ٣ و ٤ : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) (٤).

يتميز الكون بوحدة متكاملة متجانسة وبتوحد خصائصه المترابطة كما يتمتع بصفات متماثلة وشاملة ، فالمجرات تنتشر بصورة متجانسة من دون تجمعات في أماكن محددة دون غيرها ، وهي متناسقة في حركاتها ومتماثلة في خواصها وتنطبق عليها نفس السنن والقوانين والمبادئ الشاملة التي يخضع لها الكون ، وهي تشهد بذلك بكل أجزائها الموحدة وبكلها المتجانس المتماثل على وجود خالق واحد ورب واحد ومدبر واحد.

١٣٥

المحطة الثانية : الاتقان بجمال والتقدير بإحصاء :

قال عز من قائل : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل : ٨٨].

وقال الله جل وعلا في سورة السجدة ، الآية ٧ : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) ، وفي سورة الفرقان ، الآية ٢ : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) ، وفي سورة الجن ، الآية ٢٨ : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).

كل شيء في الكون مخلوق بإتقان ومصبوغ بجمالية لا حد لها من شدة الدقة والإبداع وكل شيء في الكون أيضا مقدر بتقدير محكم ومحصى لا حد له من شدة الإحكام والإحصاء.

برزت مظاهر هذا الإبداع المحكم أو الإحكام المبدع في الكثير من الدراسات الفلكية والأبحاث الجيولوجية والمناخية المعاصرة والتي لم تستكمل بعد ولم تغطي إلا القليل القليل من ظواهر الكون المعروفة حتى الآن ، فالتبادل بين الظلمة والنور على سبيل المثال أو ما يعرف بالمصطلح القرآني ب «آيتي الليل والنهار» فيه من الإتقان والتقدير والإحصاء ما يذهل العقول ، فهو «جهاز تحكم» شديد الدقة يضبط درجات الحرارة والرطوبة وكميات الضوء الضرورية وحركات الأمواج والسحب والرياح ونزول المطر وتكون التربة والصخور وتخزين الثروات الأرضية وغيرها من العمليات الحياتية الأساسية والكثير الكثير من الأمور المجهولة إلى الآن.

المحطة الثالثة : الحركة النمطية في الكون :

(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس : ٣٩].

كل شيء في الكون يتحرك والكون كله بدوره يتحرك بجميع أجزائه

١٣٦

ومكوناته وأشكاله ومقوماته من أصغرها حجما إلى أكبرها مساحة ومن أرقها دقة إلى أعظمها أثرا ، ومن أقلها أهمية إلى أكثرها فعالية. وكل ما في الكون «يسبح» في أفلاك دائرية وفي مستويات ومدارات و«طرائق» و«طبقات» متماثلة وبنفس النمطية المتكررة في سلسلة الأجزاء الكونية من أصغر المكونات إلى أكبرها لتشهد على صنع خالق واحد أحد وتسبح لوحدانية الخالق.

هكذا وفي نفس اللحظة التي ترصد فيها المراصد الفلكية العظيمة دوران الكواكب السيارة حول الشمس وحول نفسها من يسار إلى يمين (عكس عقارب الساعة) ودوران الشمس حول نفسها وحول مركز مجرة «درب التبانة» من يسار إلى يمين أيضا ، ودوران نجوم المجرة والمجرة نفسها وبالاتجاه ذاته وكذلك دوران المجرات حول بعضها البعض ، تكشف أدق التقنيات المجهرية الذرية عن دوران الإلكترونات حول نفسها وحول نواة الذرة من يسار إلى يمين عكس عقارب الساعة.

المحطة الرابعة : نسبية الزمن وزوجية الطاقة والمادة :

قال الله عزوجل : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤]. وقال في سورة الحج في الآية ٤٧ : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).

أشار القرآن إلى اختلاف الزمن في الحالات المختلفة ، وهكذا هو ، فهو في الأرض غيره في الكواكب الأخرى وغيره في النجوم وهكذا دواليك ، وهو واحد من أزمنة أخرى مختلفة منتشرة في الكون ومرتبطة بظروف أمكنتها وكتلتها ومحيطها الخارجي وسرعة حركتها.

١٣٧

إن مادة الكون ليست ميتة بل تكمن فيها طاقة يمكن أن تكون هائلة إذا تهيأت لها الظروف والأسباب. وهذا الاقتران أو الزوجية أو الطبيعة الثنائية نجده أيضا في الذرة حيث تدور إلكترونات ذات شحنة سالبة حول نواة فيها بروتونات ذات شحنة موجبة. وهكذا في غير ذلك من الأسس والأشياء والمضامين والظواهر في الخلق والمخلوقات.

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات : ٤٩].

المحطة الخامسة : الخلق بالحق والأجل المسمى :

قال الله جل وعلا في سورة الأحقاف في الآية ٣ : (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى). وقال في سورة الروم في الآية ٨ : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) وفي سورة الزمر في الآية ٥ : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ).

بعد ازدهار وتوسع مدى الأبحاث والدراسات الفيزيائية والفلكية حول مبدأي «بداية الكون» و«نهاية الكون» المترابطين بنظرية «الانفجار الكوني» الذائعة الصيت في الأوساط العلمية وبعد تأكيد الدراسات الرياضية والفيزيائية والفلكية لظاهرة توسع الكون وتباعد المجرات عن مجرتنا وعن بعضها البعض ، تبين للباحثين وللساعين لكشف الحقائق الكونية أن القوانين التي تحكم الكون بكل أجزائه وحركته وقواه وكتلته المرئية وغير المرئية تدير كل ذلك ب «الحق» و«أجل مسمى». فالكون مصمم بتصميم مسبق من غير صدفة ، وبتنظيم منسق من غير فوضى وبإحكام وانسجام من غير تنافر ، والقوانين التي تحكمه شديدة الدقة لا زيغ فيها ولا عبثية ولا تضارب ولا

١٣٨

اختلاف. وقد برهنت الحسابات الفلكية والفيزيائية أن الانفجار الكوني الذي أسس لبداية الكون قدر له وصمم بشكل ما وبطريقة ما جعلته وقضت عليه أن لا يكون مخربا أو مدمرا أو مشتتا أو مبعثرا للمواد والطاقات والإشعاعات بل جعلته وقضت عيه أن يكون منظما ومهندسا ومبرمجا وجامعا ومتآلفا ليقدر على تأليف المجرات وأجزائها. ولقد صرح في هذا المجال أحد أبرز الباحثين في موضوع الانفجار الكوني العالم البريطاني المعروف «بول ديفز» قائلا : «لقد دلت الحسابات أن سرعة توسع الكون تسير في مجال حرج للغاية ، فلو توسع الكون بشكل أبطأ بقليل جدا عن السرعة الحالية لتوجه إلى الانهيار الداخلي بسبب قوة الجاذبية ، ولو كانت هذه السرعة أكثر بقليل عن السرعة الحالية لتناثرت مادة الكون وتشتت الكون ، ولو كانت سرعة الانفجار تختلف عن السرعة الحالية بمقدار جزء من مليار مليار جزء لكان هذا كافيا للإخلال بالتوازن الضروري ، لذا فالانفجار الكبير ليس انفجارا اعتياديا ، بل عملية محسوبة جيدا من جميع الأوجه وعملية منظمة جدا».

ولأن الكون يتوسع باستمرار وبسرعة كبيرة ، لأن مادة الكون انتشرت في كل اتجاه بعد حدوث الانفجار الكوني الهائل ، فإن الكون سيواجه الفناء أو النهاية عند حلول «الأجل المسمى» عند ما ستتباطأ سرعة التوسع بفعل قوة الجاذبية فتنكمش وتتقلص أجزاء الكون وأجسامه ومجراته وتعود لتتركز ، كما كانت ، في النقطة المركزية الكونية الأولى ، أو عند ما يستنفذ الكون وقوده عبر عمليات الإشعاع ، وتتحول النجوم والمجرات إلى قبور عظيمة وثقوب هائلة.

خلق الكون لكي يعرف ويكتشف ويستكشف ولكي يعرف أيضا من

١٣٩

خلاله ومن خلال تقصي تكويناته وتركيباته وتشكيلاته إبداع خالقه وجلاله وجماله ، حتى تتحقق في النهاية شروط الوصول إلى جسر الحقيقة وتنعقد في قلب وعقل العارف المستكشف مسببات الإيمان وومضات الإقرار ومشاعر التسليم واليقين. ولكي يقف الإنسان الباحث عن المعرفة على محطات هذا الجسر ويبدأ بعملية بحثه وتقصيه واستشرافه واستنباطه ، عليه أن يعرف نفسه أولا ويتسلق درجات السلم المعرفي معتمدا على فطرته وتفكره وتعقله ومتأملا بالآفاق حوله ، سابرا أغوار كل مجهول أمامه مستقرئا كل سر من الأسرار حوله ومستشرفا أنوار شمس الحقيقة المحتجبة خلف الغيوم فوقه.

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت : ٢٠].

١٤٠