معجم البلدان - ج ٥

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي

معجم البلدان - ج ٥

المؤلف:

شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

مُكَشَّحَةُ : بضم أوله ، وفتح ثانيه ، وشين معجمة مشددة مفتوحة ، وحاء مهملة : موضع باليمامة ، قال الحفصي : هو نخل في جزع الوادي قريبا من أشيّ ، قال زياد بن منقذ العدوي :

يا ليت شعري عن جنبي مكشّحة ،

وحيث تبنى من الحنّاءة الأطم

عن الأشاءة هل زالت مخارمها ،

وهل تغيّر من آرامها إرم؟

مَكْمِنٌ : بفتح أوله ، وسكون ثانيه ، وكسر الميم الثانية ، ونون ، اسم الموضع من كمن يكمن ، قال أبو عبد الله السكوني : المكمن ماء غربيّ المغيثة والعقبة على سبعة أميال من اليحموم ، واليحموم على سبعة أميال من السندية ، وهو ماء عذب ، ودارة مكمن : في بلاد قيس ، قال الراعي :

بدارة مكمن ساقت إليها

رياح السيف آراما وعينا

مِكْنَاسَةُ : بكسر أوله ، وسكون ثانيه ، ونون ، وبعد الألف سين مهملة : مدينة بالمغرب في بلاد البربر على البرّ الأعظم ، بينها وبين مرّاكش أربع عشرة مرحلة نحو المشرق ، وهي مدينتان صغيرتان على ثنيّة بيضاء بينهما حصن جواد ، اختطّ إحداهما يوسف ابن تاشفين ملك المغرب من الملثمين والأخرى قديمة وأكثر شجرها الزيتون ومنها إلى فاس مرحلة واحدة ، وقال أبو الإصبع سعد الخير الأندلسي : مكناسة حصن بالأندلس من أعمال ماردة ، قال : وبالمغرب بلدة أخرى مشهورة يقال لها مكناسة الزيتون حصينة مكينة في طريق المار من فاس إلى سلا على شاطئ البحر فيه مرسى للمراكب ومنها تجلب الحنطة إلى شرق الأندلس.

مَكْنُونَةُ : بالفتح ثم السكون ، ونونان بينهما واو ساكنة ، كأنه من كننت الشيء وأكننته إذا سترته وصنته : وهو من أسماء زمزم.

مَكَّةُ : بيت الله الحرام ، قال بطليموس : طولها من جهة المغرب ثمان وسبعون درجة ، وعرضها ثلاث وعشرون درجة ، وقيل إحدى وعشرون ، تحت نقطة السرطان ، طالعها الثريّا ، بيت حياتها الثور ، وهي في الإقليم الثاني ، أما اشتقاقها ففيه أقوال ، قال أبو بكر بن الأنباري : سميت مكة لأنها تمكّ الجبّارين أي تذهب نخوتهم ، ويقال إنما سميت مكة لازدحام الناس بها من قولهم : قد امتكّ الفصيل ضرع أمّه إذا مصه مصّا شديدا ، وسميت بكة لازدحام الناس بها ، قاله أبو عبيدة وأنشد :

إذا الشريب أخذته أكّه

فخلّه حتى يبكّ بكّه

ويقال : مكة اسم المدينة وبكة اسم البيت ، وقال آخرون : مكة هي بكة والميم بدل من الباء كما قالوا : ما هذا بضربة لازب ولازم ، وقال أبو القاسم : هذا الذي ذكره أبو بكر في مكة وفيها أقوال أخر نذكرها لك ، قال الشرقيّ بن القطاميّ : إنما سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول لا يتم حجّنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمكّ فيه أي نصفر صفير المكّاء حول الكعبة ، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا بها ، والمكّاء ، بتشديد الكاف : طائر يأوي الرياض ، قال أعرابيّ ورد الحضر فرأى مكّاء يصيح فحنّ إلى بلاده فقال :

ألا أيّها المكّاء ما لك ههنا

ألاء ولا شيح فأين تبيض

فاصعد إلى أرض المكاكي واجتنب

قرى الشام لا تصبح وأنت مريض

١٨١

والمكاء ، بتخفيف الكاف والمد : الصفير ، فكأنهم كانوا يحكون صوت المكّاء ، ولو كان الصفير هو الغرض لم يكن مخفّفا ، وقال قوم : سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها وهي في هبطة بمنزلة المكّوك ، والمكوك عربيّ أو معرب قد تكلمت به العرب وجاء في أشعار الفصحاء ، قال الأعشى :

والمكاكيّ والصّحاف من الف

ضّة والضامرات تحت الرحال

قال وأما قولهم : إنما سميت مكة لازدحام الناس فيها من قولهم : قد امتكّ الفصيل ما في ضرع أمه إذا مصّه مصّا شديدا فغلط في التأويل لا يشبّه مص الفصيل الناقة بازدحام الناس وإنما هما قولان : يقال سميت مكة لازدحام الناس فيها ، ويقال أيضا : سميت مكة لأنها عبّدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف من قولهم : امتكّ الفصيل أخلاف الناقة إذا جذب جميع ما فيها جذبا شديدا فلم يبق فيها شيئا ، وهذا قول أهل اللغة ، وقال آخرون : سميت مكة لأنها لا يفجر بها أحد إلا بكّت عنقه فكان يصبح وقد التوت عنقه ، وقال الشرقيّ : روي أن بكة اسم القرية ومكة مغزى بذي طوى لا يراه أحد ممن مرّ من أهل الشام والعراق واليمن والبصرة وإنما هي أبيات في أسفل ثنية ذي طوى ، وقال آخرون : بكة موضع البيت وما حول البيت مكة ، قال : وهذه خمسة أقوال في مكة غير ما ذكره ابن الأنباري ، وقال عبيد الله الفقير إليه : ووجدت أنا أنها سمّيت مكة من مك الثدي أي مصه لقلة مائها لأنهم كانوا يمتكون الماء أي يستخرجونه ، وقيل : إنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقي فيه شيئا ، وقيل : سميت مكة لأنها تمك من ظلم أي تنقصه ، وينشد قول بعضهم :

يا مكة الفاجر مكي مكّا ،

ولا تمكّي مذحجا وعكّا

وروي عن مغيرة بن إبراهيم قال : بكة موضع البيت وموضع القرية مكة ، وقيل : إنما سميت بكة لأن الأقدام تبك بعضها بعضا ، وعن يحيى بن أبي أنيسة قال : بكة موضع البيت ومكة هو الحرم كله ، وقال زيد بن أسلم : بكة الكعبة والمسجد ومكة ذو طوى وهو بطن الوادي الذي ذكره الله تعالى في سورة الفتح ، ولها أسماء غير ذلك ، وهي : مكة وبكة والنسّاسة وأم رحم وأم القرى ومعاد والحاطمة لأنها تحطم من استخفّ بها ، وسمّي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة ، والرأس لأنها مثل رأس الإنسان ، والحرم وصلاح والبلد الأمين والعرش والقادس لأنها تقدس من الذنوب أي تطهر ، والمقدسة والناسّة والباسّة ، بالباء الموحدة ، لأنها تبسّ أي تحطم الملحدين وقيل تخرجهم ، وكوثى باسم بقعة كانت منزل بني عبد الدار ، والمذهب في قول بشر بن أبي خازم :

وما ضمّ جياد المصلّى ومذهب

وسماها الله تعالى أم القرى فقال : لتنذر أم القرى ومن حولها ، وسماها الله تعالى البلد الأمين في قوله تعالى : والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ، وقال تعالى : لا أقسم بهذا البلد وأنت حلّ بهذا البلد ، وقال تعالى : وليطّوّفوا بالبيت العتيق ، وقال تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ ،) وقال تعالى على لسان إبراهيم ، عليه السّلام : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ،) وقال تعالى أيضا على لسان إبراهيم ، عليه السلام : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي

١٨٢

زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) (الآية) ، ولما خرج رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، من مكة وقف على الحزورة قال : إني لأعلم أنك أحبّ البلاد إليّ وأنك أحب أرض الله إلى الله ولو لا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت ، وقالت عائشة ، رضي الله عنها : لو لا الهجرة لسكنت مكة فإني لم أر السماء بمكان أقرب إلى الأرض منها بمكة ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة ، وقال ابن أم مكتوم وهو آخذ بزمام ناقة رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، وهو يطوف :

يا حبّذا مكة من وادي ،

أرض بها أهلي وعوّادي

أرض بها ترسخ أوتادي ،

أرض بها أمشي بلا هادي

ولما قدم رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، المدينة هو وأبو بكر وبلال فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول :

كلّ امرئ مصبّح في أهله ،

والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا انقشعت عنه رفع عقيرته وقال :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بفخّ وعندي إذخر وجليل؟

وهل أردن يوما مياه مجنّة ،

وهل يبدون لي شامة وطفيل؟

اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة!

ووقف رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، عام الفتح على جمرة العقبة وقال : والله إنك لخير أرض الله وإنك لأحب أرض الله إليّ ولو لم أخرج ما خرجت ، إنها لم تحلّ لأحد كان قبلي ولا تحلّ لأحد كان بعدي وما أحلّت لي إلا ساعة من نهار ثم هي حرام لا يعضد شجرها ولا يحتش خلالها ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد ، فقال رجل : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا ، فقال ، صلّى الله عليه وسلّم : إلا الإذخر ، وقال ، صلى الله عليه وسلم : من صبر على حرّ مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام وتقربت منه الجنة مائتي عام ، ووجد على حجر فيها كتاب فيه : أنا الله رب بكة الحرام وضعتها يوم وضعت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزال أخشابها مبارك لأهلها في الحمإ والماء ، ومن فضائله أنه من دخله كان آمنا ومن أحدث في غيره من البلدان حدثا ثم لجأ إليه فهو آمن إذا دخله فإذا خرج منه أقيمت عليه الحدود ، ومن أحدث فيه حدثا أخذ بحدثه ، وقوله تعالى : وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا ، وقوله : لتنذر أم القرى ومن حولها ، دليل على فضلها على سائر البلاد ، ومن شرفها أنها كانت لقاحا لا تدين لدين الملوك ولم يؤدّ أهلها إتاوة ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان ، تحج إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس من قريش ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما ، وكان أهله آمنين يغزون الناس ولا يغزون ويسبون ولا يسبون ولم تسب قرشيّة قط فتوطأ قهرا ولا يجال عليها السّهام ، وقد ذكر عزهم وفضلهم الشعراء فقال بعضهم :

أبوا دين الملوك فهم لقاح

إذا هيجوا إلى حرب أجابوا

وقال الزّبر قان بن بدر لرجل من بني عوف كان قد هجا أبا جهل وتناول قريشا :

١٨٣

أتدري من هجوت أبا حبيب

سليل خضارم سكنوا البطاحا

أزاد الركب تذكر أم هشاما

وبيت الله والبلد اللّقاحا؟

وقال حرب بن أميّة ودعا الحضرميّ إلى نزول مكة وكان الحضرمي قد حالف بني نفاثة وهم حلفاء حرب ابن أميّة وأراد الحضرمي أن ينزل خارجا من الحرم وكان يكنّى أبا مطر فقال حرب :

أبا مطر هلمّ إلى الصلاح

فيكفيك الندامى من قريش

وتنزل بلدة عزّت قديما ،

وتأمن أن يزورك ربّ جيش

فتأمن وسطهم وتعيش فيهم ،

أبا مطر هديت ، بخير عيش

ألا ترى كيف يؤمّنه إذا كان بمكة؟ ومما زاد في فضلها وفضل أهلها ومباينتهم العرب أنهم كانوا حلفاء متألفين ومتمسكين بكثير من شريعة إبراهيم ، عليه السلام ، ولم يكونوا كالأعراب الأجلاف ولا كمن لا يوقره دين ولا يزينه أدب ، وكانوا يختنون أولادهم ويحجون البيت ويقيمون المناسك ويكفنون موتاهم ويغتسلون من الجنابة ، وتبرأوا من الهربذة وتباعدوا في المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت غيرة وبعدا من المجوسية ، ونزل القرآن بتوكيد صنيعهم وحسن اختيارهم ، وكانوا يتزوجون بالصداق والشهود ويطلّقون ثلاثا ولذلك قال عبد الله بن عباس وقد سأله رجل عن طلاق العرب فقال : كان الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم هو أحق بها فإن طلّقها ثنتين فهو أحق بها أيضا فإن طلقها ثلاثا فلا سبيل له إليها ، ولذلك قال الأعشى :

أيا جارتي بيني فإنك طالقه ،

كذاك أمور الناس غاد وطارقه

وبيني فقد فارقت غير ذميمة ،

وموموقة منّا كما أنت وامقه

وبيني فإنّ البين خير من العصا

وأن لا تري لي فوق رأسك بارقه

ومما زاد في شرفهم أنهم كانوا يتزوجون في أي القبائل شاءوا ولا شرط عليهم في ذلك ولا يزوجون أحدا حتى يشرطوا عليه بأن يكون متحمسا على دينهم يرون أن ذلك لا يحلّ لهم ولا يجوز لشرفهم حتى يدين لهم وينتقل إليهم ، والتّحمّس : التشدّد في الدين ، ورجل أحمس أي شجاع ، فحمّسوا خزاعة ودانت لهم إذ كانت في الحرم وحمّسوا كنانة وجديلة قيس وهم فهم وعدوان ابنا عمرو بن قيس بن عيلان وثقيفا لأنهم سكنوا الحرم وعامر بن صعصعة وإن لم يكونوا من ساكني الحرم فإن أمّهم قرشية وهي مجد بنت تيم بن مرّة ، وكان من سنّة الحمس أن لا يخرجوا أيام الموسم إلى عرفات إنما يقفون بالمزدلفة ، وكانوا لا يسلأون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة ولا يغزلون صوفا ولا وبرا ولا يدخلون بيتا من الشّعر والمدر وإنما يكتنّون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحلّ إذا دخلوا الحرم وأن يخلّوا ثياب الحل ويستبدلوها بثياب الحرم إما شرى وإما عارية وإما هبة فإن وجدوا ذلك وإلا طافوا بالبيت عرايا وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك إلا أن المرأة كانت تطوف في درع مفرّج المقاديم والمآخير ، قالت امرأة وهي تطوف بالبيت :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه ،

وما بدا منه فلا أحلّه

١٨٤

أخثم مثل القعب باد ظلّه

كأنّ حمّى خيبر تملّه

وكلفوا العرب أن تفيض من مزدلفة وقد كانت تفيض من عرفة أيام كان الملك في جرهم وخزاعة وصدرا من أيام قريش ، فلو لا أنهم أمنع حيّ من العرب لما أقرّتهم العرب على هذا العزّ والإمارة مع نخوة العرب في إبائها كما أجلى قصيّ خزاعة وخزاعة جرهما ، فلم تكن عيشتهم عيشة العرب ، يهتبدون الهبيد ويأكلون الحشرات وهم الذين هشموا الثريد حتى قال فيهم الشاعر :

عمرو العلى هشم الثريد لقومه ،

ورجال مكة مسنتون عجاف

حتى سمي هاشما ، وهذا عبد الله بن جدعان التيمي يطعم الرّغو والعسل والسمن ولبّ البرّ حتى قال فيه أمية بن أبي الصّلت :

له داع بمكة مشمعلّ ،

وآخر فوق دارته ينادي

إلى ردح من الشّيزى ملاء

لباب البرّ يلبك بالشّهاد

وأول من عمل الحريرة سويد بن هرميّ ، ولذلك قال الشاعر لبني مخزوم :

وعلمتم أكل الحرير وأنتم

أعلى عداة الدهر جدّ صلاب

والحريرة : أن تنصب القدر بلحم يقطّع صغارا على ماء كثير فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق فإن لم يكن لحم فهو عصيدة وقيل غير ذلك ، وفضائل قريش كثيرة وليس كتابي بصددها ، ولقد بلغ من تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجّون البيت ويعتمرون ويطوفون فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرا من حجارة الحرم فنحته على صورة أصنام البيت فيحفى به في طريقه ويجعله قبلة ويطوفون حوله ويتمسحون به ويصلّون له تشبيها له بأصنام البيت ، وأفضى بهم الأمر بعد طول المدة أنهم كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه فذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة في منازلهم شغفا منهم بأصنام الحرم ، وقد ذكرت كثيرا من فضائلها في ترجمة الحرم والكعبة فأغنى عن الإعادة ، وأما رؤساء مكة فقد ذكرناهم في كتابنا المبدإ والمآل وأعيد ذكرهم ههنا لأن هذا الموضع مفتقر إلى ذلك ، قال أهل الإتقان من أهل السير : إن إبراهيم الخليل لما حمل ابنه إسماعيل ، عليهما السلام ، إلى مكة ، كما ذكرنا في باب الكعبة من هذا الكتاب ، جاءت جرهم وقطوراء وهما قبيلتان من اليمن وهما ابنا عمّ وهما جرهم بن عامر بن سبإ بن يقطن بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ، عليه السّلام ، وقطوراء ، فرأيا بلدا ذا ماء وشجر فنزلا ونكح إسماعيل في جرهم ، فلما توفي ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل ما شاء الله أن يليه ثم تنافست جرهم وقطوراء في الملك وتداعوا للحرب فخرجت جرهم من قعيقعان وهي أعلى مكة وعليهم مضاض ابن عمرو ، وخرجت قطوراء من أجياد وهي أسفل مكة وعليهم السّميدع ، فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وانهزمت قطوراء فسمي الموضع فاضحا لأن قطوراء افتضحت فيه ، وسميت أجياد أجيادا لما كان معهم من جياد الخيل ، وسميت فعيقعان لقعقعة السلاح ، ثم تداعوا إلى الصلح واجتمعوا في الشعب وطبخوا القدور فسمي المطابخ ، قالوا : ونشر الله ولد إسماعيل فكثروا وربلوا ثم انتشروا في البلاد لا يناوئون قوما إلا ظهروا عليهم بدينهم ، ثم إن جرهما

١٨٥

بغوا بمكة فاستحلّوا حراما من الحرمة فظلموا من دخلها وأكلوا مال الكعبة وكانت مكة تسمى النّسّاسة لا تقرّ ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد على أحد إلا أخرجته فكان بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة بن غسان وخزاعة حلولا حول مكة فآذنوهم بالقتال فاقتتلوا فجعل الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر يقول :

لا همّ إنّ جرهما عبادك ،

الناس طرف وهم تلادك

فغلبتهم خزاعة على مكة ونفتهم عنها ، ففي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم يتربّع واسطا فجنوبه

إلى السرّ من وادي الأراكة حاضر

بلى ، نحن كنّا أهلها فأبادنا

صروف الليالي والجدود العواثر

وأبدلنا ربي بها دار غربة

بها الجوع باد والعدوّ المحاصر

وكنّا ولاة البيت من بعد نابت

نطوف بباب البيت والخير ظاهر

فأخرجنا منها المليك بقدرة ،

كذلك ما بالناس تجري المقادر

فصرنا أحاديثا وكنا بغبطة ،

كذلك عضّتنا السنون الغوابر

وبدّلنا كعب بها دار غربة

بها الذئب يعوي والعدوّ المكاثر

فسحّت دموع العين تجري لبلدة

بها حرم أمن وفيها المشاعر

ثم وليت خزاعة البيت ثلاثمائة سنة يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشيّة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء الخزاعي وقريش إذ ذاك هم صريح ولد إسماعيل حلول وصرم وبيوتات متفرقة حوالي الحرم إلى أن أدرك قصيّ بن كلاب بن مرّة وتزوّج حبّى بنت حليل بن حبشية وولدت بنيه الأربعة وكثر ولده وعظم شرفه ثم هلك حليل بن حبشيّة وأوصى إلى ابنه المحترش أن يكون خازنا للبيت وأشرك معه غبشان الملكاني وكان إذا غاب أحجب هذا حتى هلك الملكاني ، فيقال إن قصيّا سقى المحترش الخمر وخدعه حتى اشترى البيت منه بدنّ خمر وأشهد عليه وأخرجه من البيت وتملّك حجابته وصار ربّ الحكم فيه ، فقصيّ أول من أصاب الملك من قريش بعد ولد إسماعيل وذلك في أيام المنذر ابن النعمان على الحيرة والملك لبهرام جور في الفرس ، فجعل قصي مكة أرباعا وبنى بها دار النّدوة فلا تزوّج امرأة إلا في دار الندوة ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرّع جارية إلا فيها ، وسميت الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها للخير والشر فكانت قريش تؤدّي الرفادة إلى قصي وهو خرج يخرجونه من أموالهم يترافدون فيه فيصنع طعاما وشرابا للحاج أيام الموسم ، وكانت قبيلة من جرهم اسمها صوفة بقيت بمكة تلي الإجازة بالناس من عرفة مدة ، وفيهم يقول الشاعر :

ولا يريمون في التعريف موقعهم

حتى يقال أجيزوا آل صوفانا

ثم أخذتها منهم خزاعة وأجازوا مدة ثم غلبهم عليها بنو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيّارة أحد بني سعد بن وابش ابن زيد بن عدوان ، وله يقول الراجز :

١٨٦

خلّوا السبيل عن أبي سيّاره

وعن مواليه بني فزاره

حتى يجيز سالما حماره

مستقبل الكعبة يدعو جاره

وكانت صورة الإجازة أن يتقدمّهم أبو سيّارة على حماره ثم يخطبهم فيقول : اللهمّ أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا ، وأوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم واقروا ضيفكم ، ثم يقول : أشرق ثبير كيما نغير ، ثم ينفذ ويتبعه الناس ، فلما قوي أمر قصيّ أتى أبا سيّارة وقومه فمنعه من الإجازة وقاتلهم عليها فهزمهم فصار إلى قصيّ البيت والرفادة والسقاية والندوة واللواء ، فلما كبر قصيّ ورقّ عظمه جعل الأمر في ذلك كله إلى ابنه عبد الدار لأنه أكبر ولده وهلك قصيّ وبقيت قريش على ذلك زمانا ، ثم إن عبد مناف رأى في نفسه وولده من النباهة والفضل ما دلّهم على أنهم أحق من عبد الدار بالأمر ، فأجمعوا على أخذ ما بأيديهم وهمّوا بالقتال فمشى الأكابر بينهم وتداعوا إلى الصلح على أن يكون لعبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار ، وتعاقدوا على ذلك حلفا مؤكّدا لا ينقضونه ما بلّ بحر صوفة ، فأخرجت بنو عبد مناف ومن تابعهم من قريش وهم بنو الحارث بن فهر وأسد بن عبد العزّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرّة جفنة مملوءة طيبا وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسمّوا المطيبين ، وأخرجت بنو عبد الدار ومن تابعهم وهم مخزوم بن يقظة وجمح وسهم وعدي بن كعب جفنة مملوءة دما وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة فسمّوا الأحلاف ولعقة الدم ولم يل الخلافة منهم غير عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، والباقون من المطيّبين فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وقريش على ذلك حتى فتح النبي ، صلّى الله عليه وسلّم ، مكة في سنة ثمان للهجرة فأقرّ المفتاح في يد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى ابن عثمان بن عبد الدار وكان النبي ، صلّى الله عليه وسلّم ، أخذ المفاتيح منه عام الفتح فأنزلت : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، فاستدعاه ورد المفاتيح إليه وأقر السقاية في يد العباس فهي في أيديهم إلى الآن ، وهذا هو كاف من هذا البحث ، وأما صفتها ، يعني مكة ، فهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جميع النواحي محيطة حول الكعبة ، وبناؤها من حجارة سود وبيض ملس وعلوها آجرّ كثيرة الأجنحة من خشب الساج وهي طبقات لطيفة مبيّضة ، حارّة في الصيف إلا أن ليلها طيّب وقد رفع الله عن أهلها مؤونة الاستدفاء وأراحهم من كلف الاصطلاء ، وكل ما نزل عن المسجد الحرام يسمونه المسفلة وما ارتفع عنه يسمونه المعلاة ، وعرضها سعة الوادي ، والمسجد في ثلثي البلد إلى المسفلة والكعبة في وسط المسجد ، وليس بمكة ماء جار ومياهها من السماء ، وليست لهم آبار يشربون منها وأطيبها بئر زمزم ولا يمكن الإدمان على شربها ، وليس بجميع مكة شجر مثمر إلا شجر البادية فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل وأما الحرم فليس به شجر مثمر إلا نخيل يسيرة متفرقة ، وأما المسافات فمن الكوفة إلى مكة سبع وعشرون مرحلة وكذلك من البصرة إليها ونقصان يومين ، ومن دمشق إلى مكة شهر ، ومن عدن إلى مكة شهر ، وله طريقان أحدهما على ساحل البحر وهو أبعد والآخر يأخذ على طريق صنعاء وصعدة ونجران والطائف حتى ينتهي إلى مكة ، ولها طريق آخر على البوادي وتهامة وهو أقرب من الطريقين المذكورين أولا على أنها على أحياء

١٨٧

العرب في بواديها ومخالفها لا يسلكها إلا الخواصّ منهم ، وأما أهل حضرموت ومهرة فإنهم يقطعون عرض بلادهم حتى يتصلوا بالجادّة التي بين عدن ومكة ، والمسافة بينهم إلى الأمصار بهذه الجادة من نحو الشهر إلى الخمسين يوما ، وأما طريق عمان إلى مكة فهو مثل طريق دمشق صعب السلوك من البوادي والبراري القفر القليلة السكان وإنما طريقهم في البحر إلى جدّة فإن سلكوا على السواحل من مهرة وحضرموت إلى عدن بعد عليهم وقلّ ما يسلكونه ، وكذلك ما بين عمان والبحرين فطريق شاقّ يصعب سلوكه لتمانع العرب فيما بينهم فيه.

مُكَيْمِنٌ : تصغير مكمن ، يقال له مكيمن الجمّاء : في عقيق المدينة ، وقد رده إلى مكبره سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت في قوله :

عفا مكمن الجمّاء من أم عامر ،

فسلع عفا منها فحرّة وأقم

وجاء به عدي بن الرقاع على لفظه فقال :

أطربت أم رفعت لعينك غدوة

بين المكيمن والزّجيج حمول

رجلا تراوحها الحداة فحبسها

وضح النهار إلى العشيّ قليل

باب الميم واللام وما يليهما

المَلا : بالفتح ، والقصر ، وهو المتسع من الأرض ، والبصريون يكتبونه بالألف وغيرهم بالياء ، وينشد :

ألا غنّياني وارفعا الصوت بالملإ ،

فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا

وقد ذكر بعضهم أن الملا موضع بعينه ، وأنشد قول ذي الرمّة ، وقيل لامرأة تهجو ميّة :

ألا حبذا أهل الملا ، غير أنه

إذا ذكرت ميّ فلا حبذا هيا

على وجه ميّ مسحة من ملاحة ،

وتحت الثياب الخزي لو كان باديا

وقال ابن السكيت : الملا موضع بعينه في قول كثير :

ورسوم الديار تعرف منها

بالملإ بين تغلمين فريم

وقال ابن السكيت في فسر قول عدي بن الرقاع :

نسيتم مساعينا الصوابح فيكم ،

وما تذكرون الفضل إلا توهّما

فإن تعدونّا الجاهليّة إننا

لنحدث في الأقوام بؤسا وأنعما

فلا ذاك منا ابن المعدّل مرّة

وعمرو بن هند عام أصعد موسما

يقود إلينا ابني نزار من الملا

وأهل العراق ساميا متعظّما

فلما ظننّا أنه نازل بنا

ضربنا وولّيناه جمعا عرمرما

قال : وسمعت الطائي يقول : الملا ما بين نقعاء وهي قرية لبني مالك بن عمرو بن ثمامة بن عمرو بن جندب من ضواحي الرمل متصلة هي والجلد إلى طرف أجإ ، وملتقى الرمل والجلد هنالك يقال له الخرانق ، وضربنا أي جمعنا ، قال الأصمعي : الملا برث أبيض ليس برمل ولا جلد ليست فيه حجارة ينبت العرفج والبركان والعلقى والقصيص والقتاد والرّمث والصّلّيان والنصيّ ، والملا : مدافع السّبعان ، والسبعان : واد لطيّء يجيء بين الجبلين ، والأجيفر : في أسفل هذا الوادي وأعلاه الملا وأسفله الأجفر وهو لسواءة ونمير من بني أسد وكانت الأجفر لبني

١٨٨

يربوع فحلّت عليها بنو جذيمة وذلك في أول الإسلام فانتزعتها منهم.

مِلاحٌ : بالكسر ، جمع ملح ، من قولهم : ماء ملح ولا يقال مالح إلا في لغة ردية : موضع ، قال الشّويعر الكناني واسمه ربيعة بن عثمان :

فسائل جعفرا وبني أبيها

بني البرزي بطخفة والملاح

غداة أتتهم حمر المنايا

يسقن الموت بالأجل المتاح

وأفلتنا أبو ليلى طفيل

صحيح الجلد من أثر السلاح

مِلاصُ : بالصاد المهملة ، وأوله مكسور : قلعة حصينة في سواحل جزيرة صقلية ، وإياها أراد ابن قلاقس بقوله :

كيف الخلاص إلى ملاص وسورها

من حيث درت به يدور قريني؟

ملاظ : بالظاء المعجمة : موضع في شعر عنترة العبسي حيث قال :

يا دار عبلة حول بطن ملاظ

فالغيقتين إلى بطون أراظ

من حبّ عبلة إذ رأته بدلّها

أمسى يلذّع قلبه بشواظ

مَلاعِ : بوزن قطام ، ويروى ملاع معرب لا ينصرف ، فأما الأول فهو اسم الفعل من الملع وهو سرعة سير الناقة ، والثاني من الأرض المليع وهي الواسعة لا نبات بها ، ومن أمثالهم : ذهبت به عقاب ملاع ، وقال أبو عبيد : من أمثالهم في الهلاك طارت به العنقاء وأودت به عقاب ملاع ، قال : ملاع أرض أضيف إليها العقاب ، وقيل هو من نعت العقاب ، وقيل هو اسم موضع ، وقيل اسم هضبة ، وقيل اسم صحراء ، وقال أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي : الملع السرعة في العدو ومنه اشتقّ ملاع ، قال أبو محمد بن الأعرابي الأسود : هذا غلط وإنما هي ملاع مثل حذام وقطام ، وهي هضبة عقبانها أخبث العقبان ، وإياها عنى المسيب بن علس حيث قال :

أنت الوفيّ فما تذمّ ، وبعضهم

يودي بذمته عقاب ملاع

وقال أبو زياد : ومن مياه بني نمير الملاعة ولها هضبة لا نعلم بنجد هضبة أطول منها وهي تذكّر وتؤنث فيقال ملاع وملاعة ، قال : والملاع الجبل ، والملاعة الماءة التي عنده ، قال : وفيها مثل من أمثال العرب يقولون : أبصر من عقاب ملاع.

مُلاقُ : بالضم والتخفيف ، والقاف : اسم نهر.

مَلّالَةُ : بالفتح ثم التشديد : قرية قرب بجاية على ساحل بحر المغرب.

مُلْبَرَانُ : بالضم ثم السكون ثم باء موحدة مفتوحة ، وراء ، وآخره نون : قرية من قرى بلخ.

المِلْبَطُ : بالكسر ثم السكون ، وفتح الباء الموحدة ، وطاء مهملة ، من لبط فلان بفلان الأرض إذا صرعه صرعا عنيفا ، ويوم الملبط : من أيام العرب.

مُلْتَانُ : بالضم ، وسكون اللام ، وتاء مثناة من فوقها ، وآخره نون ، وأكثر ما يكتب مولتان ، بالواو : هي مدينة من نواحي الهند قرب غزنة أهلها مسلمون منذ قديم ، وقد ذكرنا في مولتان بأبسط من هذا.

مُلْتَذٌ : بالضم ثم السكون ، وتاء مثناة من فوقها ، وذال معجمة ، ذكره الذّهيم في كتاب العقيق وأنشد لعروة بن أذينة :

فروضة ملتذّ فجنبا منيرة

فوادي العقيق انساح فيهنّ وابله

١٨٩

المُلْتَزِمُ : بالضم ثم السكون ، وتاء فوقها نقطتان مفتوحة ، ويقال له المدعى والمتعوّذ ، سمي بذلك لالتزامه الدعاء والتعوّذ : وهو ما بين الحجر الأسود والباب ، قال الأزرقي : وذرعه أربعة أذرع ، وفي الموطّإ : ما بين الركن والباب الملتزم ، كذا قال الباجي والمهلّبي وهي رواية ابن وضاح ، ورواه يحيى : ما بين الركن والمقام الملتزم ، وهو وهم إنما هو الحطيم ما بين الركن والمقام ، قال ابن جريج : الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر ، وقال ابن حبيب : ما بين الركن الأسود إلى باب المقام حيث يتحطم الناس للدعاء ، وقيل : بل كانت الجاهلية تتحالف هنالك بالأيمان فمن دعا على ظالم أو حلف إثما عجلت عقوبته ، وقال أبو زيد : فعلى هذا الحطيم الجدار من الكعبة والفضاء الذي بين الباب والمقام ، وعلى هذا اتفقت الأقاويل والروايات.

مُلْتَوَى : موضع ، قال ثعلب في تفسير قول الحطيئة :

كأن لم تقم أظعانُ هند بمُلتَوى

ولم ترع في الحيّ الحلال ثرور

مَلَّجَانُ : بفتح أوله ، وتشديد ثانيه ، وجيم ، وآخره نون : ناحية بفارس بين أرّجان وشيراز ذات قرى وحصون.

مُلْجُ : بالضم ثم السكون ، وجيم ، والملج : نوى المقل ، والملج : الجداء الرضّع ، والملج : السّمر من الناس ، وملج : ناحية من نواحي الأحساء بين الستار والقاعة ، عن ابن موسى ، قال الحفصي : ملج واد لبني مالك بن سعد.

مُلْجَكَانُ : بالضم ثم السكون ، وفتح الجيم ، وآخره نون : قرية من قرى مرو.

مَلْحَاء : بالفتح ، والحاء مهملة ، تأنيث الأملح وهو الذي فيه بياض وسواد : واد من أعظم أودية اليمامة ، ومدفع الملحاء : موضع أظنه غيره ، وقال الحفصي : الملحاء من قرى الخرج واد باليمامة.

مِلْحَانُ : بالكسر ثم السكون ، وحاء مهملة ، وآخره نون ، وشيبان وملحان في كلام العرب اسم لكانون كأنهم يريدون بياض الأرض حتى تصير كالملح والشيب : وهو مخلاف باليمن. وملحان أيضا : جبل في ديار بني سليم بالحجاز. وملحا صعائد : موضع في شعر مزاحم العقيلي حيث قال :

وسارا من الملحين قصد صعائد

وتثليث سيرا يمتطي فقر البزل

فما قصّرا في السير حتى تناولا

بني أسد في دارهم وبني عجل

يقودون جردا من بنات مخالس

وأعوج تفضي بالأجلّة والرسل

وقال ابن الحائك : ملحان بن عوف بن مالك بن يزيد ابن سدد بن حمير وإليه ينسب جبل ملحان المطلّ على تهامة والمهجم واسم الجبل ريشان فيما أحسب.

مِلْحَتَانِ : بالكسر ، والسكون ، تثنية ملحة : من أودية القبيلة ، عن جار الله عن عليّ.

مَلَحٌ : بالتحريك ، وهو داء وعيب في رجل الدّابّة : موضع من ديار بني جعدة باليمامة ، وقيل : قرية بمسكن ، وقيل : بسواد الكوفة موضع يقال له ملح ، وإيّاه عنى أبو الغنائم بن الطيّب المدائني شاعر عصري فيما أحسب :

حننت وأين من ملح الحنين؟

لقد كذبتك ، يا ناق ، الظّنون

وشاقك بالغوير وميض برق

يلوح كما جلا السيف القيون

١٩٠

فأنت تلفّتين له شمالا

ودون هواك من ملح يمين

فهلّا كان وجدك مثل وجدي ،

وما منّا به إلا ضنين

وعندي ما علائقه غرام

له في كل جارحة دفين

فسقّى الدار من ملح ملثٌ

تحصحص في أسرّته الحصون

إلى أن تكتسي زهرا قشيبا

معالمها وتعتمّ الحزون

فكم أهدت لنا خلسات عيش ،

وكم قضيت لنا فيها ديون!

وقال السكري : ملح ماء لبني العدوية ، ذكر ذلك في شرح قول جرير :

يا أيها الراكب المزجي مطيّته ،

بلّغ تحيتنا ، لقّيت حملانا

تهدي السلام لأهل الغور من ملح ،

هيهات من ملح بالغور مهدانا!

أحبب إليّ بذاك الجزع منزلة

بالطلح طلحا وبالأعطان أعطانا

مِلْحٌ : بكسر أوله ، بلفظ الملح الذي يصلح به الطعام : موضع بخراسان. وقصر الملح : على فراسخ يسيرة من خوار الرّي ، والعجم يسمّونه ده نمك أي قرية الملح. وذات الملح : موضع آخر ، قال زيد الخيل الطائي :

ولو كانت تكلّم أرض قيس

لأضحت تشتكي لبني كلاب

ويوم الملح يوم بني سليم

جددناهم بأظفار وناب

وقد علمت بنو عبس وبدر

ومرّة أنّني مرّ عقابي

وقال الأخطل :

بمرتجز داني الرّباب كأنه

على ذات ملح مقسم لا يريمها

مُلْحَةُ : بالضم وهو في اللغة البركة والشيء المليح.

مَلْحُوبٌ : بالفتح ثم السكون ، وحاء مهملة ، وواو ساكنة ، وباء ، وطريق ملحوب أي واضح وسهل : وهو اسم موضع ، قال الكلبي عن الشرقي : سمي ملحوب ومليحيب بابني تريم بن مهيع بن عردم بن طسم. وملحوب : اسم ماء لبني أسد بن خزيمة. ومليحيب علم على تلّ ، وقال الحفصي : ملحوب ومليحيب قريتان لبني عبد الله بن الدئل بن حنيفة باليمامة ، وقال عبيد :

أقفر من أهله ملحوب

فالقطّبيّات فالذّنوب

وقال لبيد بن ربيعة :

وصاحب ملحوب فجعنا بموته ،

وعند الرّداع بيت آخر كوثر

وصاحب ملحوب هو عوف بن الأحوص بن جعفر ابن كلاب مات بملحوب ، والرداع : موضع مات فيه شريح بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، وقال عامر ابن عمرو الحصني ثم المكاري :

بسهلة دار غيّرتها الأعاصر

تراوحها والعاديات البواتر

قطار وأرواح فأضحت كأنها

صحائف يتلوها بملحوب وابر

وأقفرت العبلاء والرّس منهم ،

وأوحش منهم يشقب فقراقر

١٩١

مَلْزَقٌ : بالفتح ، والزاي ، والقاف ، والأكثر على كسر الميم : موضع كان فيه يوم من أيامهم ، قال سلامة بن جندل :

ونحن قتلنا من أتانا بملزق

وقال الفرزدق :

ونحن تركنا عامرا يوم ملزق

فباتت ، على قبل البيوت ، هجومها

ونجّى طفيلا من علالة قرزل

قوائم يحمي لحمه مستقيمها

وقال أوس بن مغراء السعدي :

ونحن بملزق يوما أبرنا

فوارس عامر لما لقونا

مَلْشُونُ : من قرى بسكرة من ناحية إفريقية القصوى ، ينسب إليها أبو عبد الملك الملشوني وابنه إسحاق عالمان يحمل عنهما العلم ، سمع أبا عبد الله بن ميمون ومقاتل وغيرهما ، ذكرهما أبو العرب في تاريخ إفريقية قال : حدثني أحمد بن يزيد عن إسحاق عن أبيه عن مقاتل وعن غيره وحديثه يدلّ على ضعفه.

مِلْطَاطٌ : بالكسر ثم السكون ، وتكرير الطاء المهملة ، قال الليث : الملطاط حرف من الجبل في أعلاه ، والملطاط : طريق على ساحل البحر ، وقال ابن دريد : ملطاط الرأس جملته ، وقال ابن النجّار في كتاب الكوفة : وكان يقال لظهر الكوفة اللسان وما ولي الفرات منه الملطاط ، وأنشد لعدي بن زيد :

هيّج الداء في فؤادك حور

ناعمات بجانب الملطاط

آنسات الحديث في غير فحش ،

رافعات جوانب الفسطاط

ثانيات قطائف الخزّ والدي

باج فوق الخدور والأنماط

موقرات من اللحوم وفيها

لطف في البنان والأوساط

شدّ ما ساءنا حداة تولوا

حين حثّوا نعالها بالسياط

فرّق الله بينهم من حداة ،

واستفادوا حمّى مكان النشاط

مثل ما هيّجوا فؤادي فأمسى

هائما بعد نعمة واغتباط

وقال عاصم بن عمرو في أيام خالد بن الوليد لما فتح السواد وملك الحيرة :

جلبنا الخيل والإبل المهارى

إلى الأعراض أعراض السّواد

ولم تر مثلنا كرما ومجدا ،

ولم تر مثلنا شنخاب هاد

شحنّا جانب الملطاط منا

بجميع لا يزول عن البعاد

لزمنا جانب الملطاط حتى

رأينا الزرع يقمع بالحصاد

لنأتي معشرا ألبوا علينا

إلى الأنبار أنبار العباد

مِلْطَمَةُ : بالكسر : ماءة لبني عبس ، ولا أبعّد أن تكون التي لطم عندها داحس في السباق.

مَلَطْيَةُ : بفتح أوله وثانيه ، وسكون الطاء ، وتخفيف الياء ، والعامّة تقوله بتشديد الياء وكسر الطاء ، هي من بناء الإسكندر وجامعها من بناء الصحابة : بلدة من بلاد الروم مشهورة مذكورة تتاخم الشام وهي للمسلمين ، قال خليفة بن خيّاط : في سنة ١٤٠ وجّه

١٩٢

أبو جعفر المنصور عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لبناء ملطية فأقام عليها سنة حتى بناها وأسكنها الناس وغزا الصائفة ، ذكرها المتنبي فقال :

ملطية أمّ للبنين ثكول

وقال أبو فراس :

وألهبن لهبي عرقة وملطية ،

وعاد إلى موزار منهنّ زائر

قال بطليموس : مدينة ملطية طولها إحدى وتسعون درجة وخمس دقائق ، وعرضها تسع وثلاثون درجة وست دقائق ، في الإقليم الخامس ، طالعها سعد الذابح ، بيت حياتها ثماني عشرة درجة من الدلو تحت طالعها سبع عشرة درجة من السرطان ، يقابلها مثلها من الجدي ، بيت ملكها مثلها من الحمل ، وقال صاحب الزيج : طولها إحدى وستون درجة ، وعرضها تسع وثلاثون درجة ، وقال أبو غالب همّام ابن الفضل بن مهذب المعري في تاريخه : سنة ٣٢٢ فيها فتحت ملطية الوقعة الأولى ، فتحها الدمستق وهدم سورها وقصورها ، وقيل فيها أشعار كثيرة منها قول بعضهم :

فلأبكينّ على ملطية كلما

أبصرت سيفا أو سمعت صهيلا

هدم الدمستق سورها وقصورها ،

فسمعت فيها للنساء عويلا

والعلج يسحبها وتلطم كفّه

متورّدا يقق البياض جميلا

قالوا الصليب بها بأمر ثابت

قد أظهروا الصلبان والإنجيلا

وينسب إلى ملطية من الرواة محمد بن علي بن أحمد ابن أبي فروة أبو الحسين الملطي المقرئ ، روى عن محمد بن شمر وابن مخلد الفارسي وأبي بكر وهب بن عبد الله الحاج وعبيد الله بن عبد الرحمن بن الحسين الصابوني وأبي عبد الله الحسين بن علي بن العباس الشطبي والمظفر بن محمد بن بشران الرّقي وإبراهيم بن حفص العسكري وأبي النهي ميمون بن أحمد المغربي ، روى عنه تمّام بن محمد وأبو الحسن علي بن الحسن الربعي وعلي بن محمد الحنّائي وأبو نصر بن الجبان وإبراهيم بن الخضر الصائغ ، توفي سنة ٤٠٤ ، وسليمان بن أحمد ابن يحيى بن سليمان بن أبي صلابة أبو أيوب الملطي الحافظ ، حدث عن أحمد بن القاسم بن علي بن مصعب النخعي الكوفي والحسن بن علي بن شبيب المعمري وأبي قضاعة ربيعة بن محمد الطائي ، روى عنه السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين العلوي الهمذاني وأبو الفضل نصر بن محمد بن أحمد الطوسي وأبو بكر محمد بن إبراهيم المقري ، قدم دمشق وحدّث بها ، وروى عنه أبو الحسين محمد بن عبد الله الرازي وابنه تمّام.

مَلْفُون : بالفتح ثم السكون ، والفاء ، وآخره نون : مدينة بالمغرب ، عن العمراني.

مُلْقَاباذ : بالضم ثم السكون ، والقاف ، وآخره ذال معجمة : محلة بأصبهان ، وقيل بنيسابور ، ينسب إليها أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن محمد البختري الملقاباذي النيسابوري من بيت العدالة والتزكية ، سمع أبا الحسن أحمد بن محمد بن إسماعيل الشجاعي وأبا سعد محمد بن المظهّر بن يحيى العدل البحتري وغيرهما ، ذكره أبو سعد في التحبير ، وكانت ولادته في سنة ٤٧٠ ، ومات في شوال سنة ٥٥١ ، وعبد الله بن مسعود بن محمد بن منصور الملقاباذي أبو سعيد النسوي العثماني حفيد عميد خراسان كان قد انقطع إلى العبادة ، ١٣ ـ ٥ معجم البلدان دار صادر

١٩٣

سمع أبا بكر أحمد بن علي الشيرازي وأبا المظفر موسى ابن عمران الأنصاري ، سمع منه أبو سعد وأبو القاسم ، وكانت ولادته سنة ٤٦٢ بنيسابور ، وتوفي في سنة ٥٤٠ أو ٥٤١.

مَلَّقَس : بالفتح ، وتشديد ثانيه وفتحه ، وقاف ، وآخره سين مهملة : قرية على غربي النيل من ناحية الصعيد.

مَلَقُونِيَةُ : بفتح أوله وثانيه ، وقاف ، وواو ساكنة ، ونون مكسورة ، وياء تحتها نقطتان خفيفة : بلد من بلاد الروم قريب من قونية ، تفسيره مقطع الرحى لأن من جبلها يقطع رحى تلك البلاد.

مَلَكَانُ : بلفظ تثنية الملك واحد الملائكة : جبل بالطائف ، وقيل ملكان ، بكسر اللام ، واد لهذيل على ليلة من مكة وأسفله لكنانة ، وحكى الأسود عن أبي النّدى أن ملكان جبل في بلاد طيّء وكان يقال له ملكان الروم لأن الروم كانت تسكنه في الجاهلية ، وأنشد لبعضهم :

أبى ملكان الروم أن يشكروا لنا

ويوم بنعف القفر لم يتصرّم

وقال عامر بن جوين الطائي :

أأظعان هند تلكم المتحمّله

لتحزنني أم خلّتي المتدلّله؟

فما بيضة بات الظليم يحفّها

ويفرشها زفّا من الريش مخمله

ويجعلها بين الجناح وزفّه

إلى جوّ جوجان بميثاء حومله

بأحسن منها يوم قالت : ألا ترى؟

تبدّل خليلا إنني متبدّله

ألم تر كم بالجزع من ملكاننا ،

وما بالصعيد من هجان مؤبّله؟

فلم أر مثلينا جباية واحد ،

ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله

الجباية : الغنيمة.

مِلْكٌ : بالكسر ثم السكون ، والكاف : واد بمكة ولد فيه ملكان بن عدي بن عبد مناة بن أدّ فسمي باسم الوادي ، وقيل : هو واد باليمامة بين قرقرى ومهب الجنوب أكثر أهله بنو جشم من ولد الحارث بن لؤي ابن غالب حلفاء بني زهران ومن ورائه وادي نساح.

مَلْكُومٌ : اسم المفعول ، قال السّهيلي : ملكوم مقلوب والأصل ممكول من مكلت البئر إذا استخرجت ماءها ، والمكلة : ماء الركية ، وقد قالوا بئر عميقة ومعيقة فلا يبعد أن يكون هذا اللفظ كذلك يقال فيه ممكول وملكوم في اللغة من لكمه إذا لكزه في صدره : اسم ماء بمكة ، قال بعضهم :

سقى الله أمواها عرفت مكانها

جرابا وملكوما وبذّر والغمرا

مَلَلٌ : بالتحريك ، ولامين ، بلفظ الملل من الملال : وهو اسم موضع في طريق مكة بين الحرمين ، قال ابن السكيت في قول كثير :

سقيا لعزّة خلّة ، سقيا لها

إذ نحن بالهضبات من أملال!

قال : أراد ملل وهو منزل على طريق المدينة إلى مكة على ثمانية وعشرين ميلا من المدينة. وملل : واد ينحدر من ورقان جبل مزينة حتى يصب في الفرش فرش سويقة وهو مبتدأ ملك بني الحسن بن علي بن أبي طالب وبني جعفر بن أبي طالب ثم ينحدر من الفرش حتى يصبّ في إضم ، وإضم واد يسيل حتى يفرغ في البحر ، فأعلى إضم القناة التي تمرّ دوين المدينة ، قال ابن الكلبي : لما صدر تبّع عن المدينة

١٩٤

يريد مكة بعد قتال أهلها نزل ملل وقد أعيا وملّ فسمّاها ملل ، وقيل لكثير : لم سمي ملل مللا؟ فقال : ملّ المقام ، وقيل : فالروحاء؟ قال : لانفراجها وروحها ، قيل : فالسقيا؟ قال : لأنهم سقوا بها عذبا ، قيل : فالأبواء؟ قال : تبوأوا بها المنزل ، قيل : فالجحفة؟ قال : جحفهم بها السيل ، قيل : فالعرج؟ قال : يعرج بها الطريق ، قيل : فقديد؟ ففكر ساعة ثم قال : ذهب به سيله قدّا ، وقيل : إنما سمي ملل لأن الماشي إليه من المدينة لا يبلغه إلا بعد جهد وملل ، قال أبو حنيفة الدينوري : الملل مكان مستو ينبت العرفط والسّيال والسّمر يكون نحوا من ميل أو فرسخ ، وإذا أنبت العرفط وحده فهو وهط كما يقال ، وإذا أنبت الطلح وحده فهو غول وجمعه غيلان ، وإذا أنبت النّصيّ والصّلّيان وكان نحوا من ميلين قيل لمعة ، وبين ملل والمدينة ليلتان ، وفي أخبار نصيب : كانت بملل امرأة ينزل بها الناس فنزل بها أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فقال نصيب :

ألا حيّ قبل البين أمّ حبيب ،

وإن لم تكن منّا غدا بقريب

لئن لم يكن حبيّك حبّا صدقته

فما أحد عندي إذا بحبيب

تهام أصابت قلبه ملليّة

غريب الهوى ، يا ويح كل غريب!

وقرأت في كتاب النوادر الممتعة لابن جني : أخبرني أبو الفتوح علي بن الحسين الكاتب ، يعني الأصبهاني ، عن أبي دلف هاشم بن محمد الخزاعي رفعه إلى رجل من أهل العراق أنه نزل مللا فسأله عنه فخبر باسمه ، فقال : قبح الله الذي يقول على ملل :

يا لهف نفسي على ملل

أي شيء كان يتشوّق من هذه وإنما هي حرّة سوداء! قال : فقالت له صبية تلفظ النّوى : بأبي أنت وأمي إنه كان والله له بها شجن ليس لك!

مَلْمار : بالفتح وميمين ، وآخره راء : من إقليم أكشونية بالأندلس.

مِلَنْجَةُ : بالكسر ثم الفتح ، ونون ساكنة ، وجيم : محلة بأصبهان ، ينسب إليها أحمد بن محمد بن الحسن ابن البرد الملنجي أبو عبد الله المقرئ الأصبهاني ، حدث عن أبي بكر عبد الله بن محمد القيّار وأبي الشيخ الحافظ ، سمع منه جماعة ، منهم : أبو بكر الخطيب ، وتوفي سنة ٤٣٧ ، ومحمد بن محمد بن أبي القاسم المؤذن أبو عبد الله الملنجي ، سمع أبا الفضائل بن أبي الرجاء الضبابي وأبا القاسم إسماعيل بن علي الحمّامي وأبا طاهر المعروف بهاجر وغيرهم ، وقدم بغداد حاجّا وحدث بها في سنة ٥٨٨ فسمع منه محمد بن المبارك وغيره بدمشق وعاد إلى بلده ، ومات في سنة ٦١٢.

المَلُّوحة : بالفتح ثم تشديد اللام وضمها ، وحاء مهملة : قرية كبيرة من قرى حلب.

مَلُود : بالفتح ثم الضم ، وسكون الواو : من قرى أوزجند من نواحي تركستان بما وراء النهر.

مُلُونْدَة : بضم أوله وثانيه ، وسكون الواو والنون ، ودال مهملة : حصن من حصون سرقسطة بالأندلس.

مَلْوِيَّة : اسم عقبة قرب نهاوند ، سميت بذلك لأن المسلمين وجدوا طريقها يدور بصخرة فسموها بذلك.

مَلْهَمُ : بالفتح ثم السكون ، وفتح الهاء ، قالوا : الملهم في اللغة الكثير الأكل ، قال أبو منصور : ملهم وقرّان قريتان من قرى اليمامة معروفتان ، وقال السّكوني : هما لبني نمير على ليلة من مرّة ، وقال غيره : ملهم قرية باليمامة لبني يشكر وأخلاط

١٩٥

من بني بكر وهي موصوفة بكثرة النخل ، ويوم ملهم : من أيامهم ، قال جرير :

كأنّ حمول الحيّ زلن بيانع

من الوارد البطحاء من نخل ملهما

وقال أيضا :

أتبعتهم مقلة إنسانها غرق ،

هل يا ترى تارك للعين إنسانا؟

كأنّ أحداجهم تحدى مقفّية

نخل بملهم أو نخل بقرّانا

يا أمّ عثمان! ما تلقى رواحلنا

لو قست مصبحنا من حيث ممسانا

وقال داود بن متمم بن نويرة في يوم كان لهم على ملهم :

ويوم أبي حرّ بملهم لم يكن

ليقطع حتى يدرك الذّحل ثائره

لدى جدول النيرين حتى تفجّرت

عليه نحور القوم واحمرّ حائرة

المَلّةُ العُلْيَا والمَلّةُ السُّفْلَى : قريتان من قرى ذمار باليمن.

مِلْيَانَةُ : بالكسر ثم السكون ، وياء تحتها نقطتان خفيفة ، وبعد الألف نون : مدينة في آخر إفريقية ، بينها وبين تنس أربعة أيام ، وهي مدينة رومية قديمة فيها آبار وأنهار تطحن عليها الرحى جددها زيري ابن مناد وأسكنها بلكّين.

مَلِيبَار : إقليم كبير عظيم يشتمل على مدن كثيرة ، منها : فاكنور ومنجرور ودهسل ، يجلب منها الفلفل إلى جميع الدنيا وهي في وسط بلاد الهند يتصل عمله بأعمال مولتان ، ووجدت في تاريخ دمشق : عبد الله بن عبد الرحمن المليباري المعروف بالسندي ، حدث بعذنون مدينة من أعمال صيداء على ساحل دمشق عن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد الخشاب الشيرازي ، روى عنه أبو عبد الله الصوري.

مَلِيجُ : بالفتح ثم الكسر ، وياء تحتها نقطتان ساكنة ، وجيم : قرية بريف مصر قرب المحلّة ، منها أبو القاسم عمران بن موسى بن حميد يعرف بابن الطيب المليجي ، روى عن يحيى بن عبد الله بن بكير وعمرو ابن خالد ومهدي بن جعفر ، روى عنه أبو سعيد بن يونس وأبو بكر النقاش المقري البغدادي ، وذكر ابن يونس أنه مات بمصر في سنة ٢٧٥ ، ومنها أيضا عبد السلام بن وهيب المليجي كان من قضاة مصر وكان عارفا باختلاف الفقهاء متكلما.

مَلِيحٌ : بالفتح ثم الكسر ، بلفظ ضد القبيح : ماء باليمامة لبني التيم ، عن أبي حفصة. ومليح أيضا : قرية من قرى هراة ، منها أبو عمر عبد الواحد بن أحمد بن أبي القاسم المليحي الهروي ، حدث عن أبي منصور محمد بن محمد بن سمعان النيسابوري والخفّاف والمخلدي وأبي عمرو أحمد بن أبي الفراتي وأبي زكرياء يحيى بن إسماعيل الحيري وغيرهم ، أخبرني عنه الإمام الحسين بن مسعود البغوي الفرّاء.

مُلَيْحٌ : تصغير الملح : واد بالطائف مرّ به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عند انصرافه من حنين إلى الطائف ، ذكره أبو ذؤيب في قوله :

كأنّ ارتجاز الخثعميّات وسطهم

نوائح يشفعن البكا بالأرامل

غداة المليح يوم نحن كأننا

غواشي مضرّ تحت ريح ووابل

مُلَيْحَةُ : تصغير ملحة : اسم جبل في غربي سلمى أحد جبلي طيّء وبه آبار كثيرة وملح ، وقيل :

١٩٦

مليحة موضع في بلاد تميم ، قال مرّة بن همّام بن مرة بن ذهل بن شيبان :

يا صاحبيّ ترحّلا وتقرّبا ،

فلقد أنى لمسافر أن يطربا

طال الثواء فقرّبا لي بازلا

وجناء تقطع بالرداف السبسبا

أكلت شعير السّيلحين وعضّة

فتحلّبت لي بالنّجاء تحلّبا

فكأنها بلوى مليحة خاضب

شقّاء نقنقة تباري غيهبا

وكان بمليحة يوم بين بني يربوع وبسطام بن قيس الشيباني ، فقال عميرة بن طارق اليربوعي :

حلفت ، فلم تأثم يميني ، لأثأرن

عديّا ونعمان بن فيل وأيهما

وغلمتنا الساعين يوم مليحة

وحومل في الرمضاء يوما مجرّما

مُلَيْحيب : علم على تلّ ذكر في ملحوب خبره.

مُلَيْصٌ : موضع في ديار بكر ، بلفظ التصغير ، ذكره ابن حبيب عن ابن الأعرابي وأنشد :

حضرن روض مليص واتّبعن به

أنف الربيع حمى من كلّ مغتشم

مَلِيع : بالفتح ثم الكسر ، هو الفضاء الواسع ، قال العمراني : اسم طريق.

المُلَيْل : موضع في قول الجميح بن الطمّاح الأسدي يخاطب عامر بن الطفيل :

أعامر إنّا لو نشاء لغرتم

كما غار من شمس النهار نجومها

إلى أيّما الحيين تركوا فإنكم

ثفال الرحى من تحتها لا يريمها

وإنّ بأطراف المليل لنسوة

ذلولا بأرداف ثقال رسيمها

تركوا أي تعزوا وتنسبوا ، ورسيمها : رهزها.

مَلِيلَةُ : بالفتح ثم الكسر ، وياء تحتها نقطتان ، ولام أخرى : مدينة بالمغرب قريبة من سبتة على ساحل البحر.

باب الميم والميم وما يليهما

المَمَالِحُ : في ديار كلب فيها روضة ، ذكر شاهدها في الرياض.

مَمدُودَاباذ : قرية كبيرة قرب الزاب الأعلى بين إربل والموصل وهي من أعمال إربل.

المَمْدُور : مفعول من المدر ، وهو حجارة من الطين : موضع في ديار غطفان ، قال ابن ميّادة الرّمّاح :

ألا حيّيا رسما بذي العشّ دارسا ،

وربعا بذي الممدور مستعجما قفرا

فأعجب دار دارها غير أنني

إذا ما أتيت الدار ترجعني صفرا

عشيّة أثني بالرداء على الحشا ،

كأنّ الحشا من دونها أسعرت جمرا

فبهرا لقومي إذ يبيعون مهجتي

بجارية ، بهرا لهم بعدها بهرا!

يدعو عليهم أن ينزل بهم ما يبهرهم كما يقال : جدعا وعقرا.

مَمْرُوخٌ : كأنه مفعول من المرخ الشجر الذي يضرب المثل بناره : موضع ببلاد مزينة يضاف إليه ذو ، قال معن بن أوس المزني :

وردت طريق الجفر ثم أضلّها

هواه وقالوا : بطن ذي البئر أيسر

١٩٧

وأصبح سعد حيث أمست كأنه

برابغة الممروخ زقّ مقيّر

فما نوّمت حتى ارتمى بثقالها

من الليل قصوى لابة والمكسّر

مَمْسَى : بالفتح ثم السكون ، والسين مهملة ، مقصور : قرية بالمغرب.

مَمْطِيرُ : مدينة بطبرستان ، قال محمد بن أحمد الهمذاني : مدينة طبرستان آمل وهي أكبر مدنها ثم ممطير وبينهما ستة فراسخ من السهل وبها مسجد ومنبر ، وبين ممطير وآمل رساتيق وقرى وعمارات كثيرة.

المُمَنَّعُ : بفتح النون وتشديدها : موضع في شعر الحطيئة.

المِمْهَى : بكسر الميم الأولى ، وسكون الثانية ، وفتح الهاء ، والمهي : ترقيق الشّفرة ، والمها : بقر الوحش ، والمهي : إرخاء الحبل ونحوه ، فيصحّ أن يكون مفعلا من هذا كله : وهو ماء لبني عبس ، قال الأصمعي : من مياه بني عميلة بن طريف ابن سعد الممهى وهي في جوف جبل يقال له سواج ، وهو الذي يقول فيه الراجز :

يا ليتها قد جاوزت سواجا ،

وانفرج الوادي بها انفراجا

وسواج : من أخيلة الحمى.

باب الميم والنون وما يليهما

مِنى : بالكسر ، والتنوين ، في درج الوادي الذي ينزله الحاجّ ويرمي فيه الجمار من الحرم ، سمّي بذلك لما يمنى به من الدماء أي يراق ، قال الله تعالى : (مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) ، وقيل : لأن آدم ، عليه السّلام ، تمنّى فيها الجنّة ، قيل : منى من مهبط العقبة إلى محسّر وموقف المزدلفة من محسّر إلى أنصاب الحرم وموقف عرفة في الحلّ لا في الحرم ، وهو مذكر مصروف ، وقد أمتني القوم إذا أتوا منى ، عن يونس ، وقال ابن الأعرابي : أمنى القوم ومنى الله الشيء قدّره وبه سمي منى ، وقال ابن شميل : سمي منى لأن الكبش مني به أي ذبح ، وقال ابن عيينة : أخذ من المنايا : وهي بليدة على فرسخ من مكة ، طولها ميلان ، تعمّر أيام الموسم وتخلو بقية السنة إلا ممن يحفظها ، وقلّ أن يكون في الإسلام بلد مذكور إلا ولأهله بمنى مضرب ، وعلى رأس منى من نحو مكة عقبة ترمى عليها الجمرة يوم النحر ، ومنى شعبان بينهما أزقّة والمسجد في الشارع الأيمن ومسجد الكبش بقرب العقبة وبها مصانع وآبار وخانات وحوانيت وهي بين جبلين مطلّين عليها ، وكان أبو الحسن الكرخي يحتج بجواز الجمعة بها لأنها ومكة كمصر واحد ، فلما حج أبو بكر الجصّاص ورأى بعد ما بينهما استضعف هذه العلة وقال : هذه مصر من أمصار المسلمين تعمّر وقتا وتخلو وقتا وخلوها لا يخرجها عن حد الأمصار ، وعلى هذه العلة يعتمد القاضي أبو الحسن القزويني ، قال البشّاري : وسألني يوما كم يسكنها وسط السنة من الناس؟ قلت : عشرون إلى ثلاثين رجلا قلّما تجد فيه مضربا إلا وفيه امرأة تحفظه ، فقال : صدق أبو بكر وأصاب فيما علّل ، قال : فلما لقيت الفقيه أبا حامد البغوي بنيسابور حكيت له ذلك فقال : العلة ما نص به الشيخ أبو الحسن ، ألا ترى إلى قول الله عز وجل : ثم محلّها إلى البيت العتيق ، وقال تعالى : هديا بالغ الكعبة ، وإنما يقع النحر بمنى؟ وقد ذكر منى الشعراء فقال بعضهم : ولما قضينا من منى كلّ حاجة ،

ومسّح بالأركان من هو ماسح

١٩٨

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ،

وسألت بأعناق المطيّ الأباطح

وقال العرجي :

نلبث حولا كلّه كاملا

لا نلتقي إلا على منهج

الحج إن حجّت ، وما ذا منى

وأهله إن هي لم تحجج؟

وقال الأصمعي وهو يذكر الجبال التي حول حمى ضريّة فقال : ومنى جبل ، وأنشد :

أتبعتهم مقلة إنسانها غرق

كالفصّ في رقرق بالدمع مغمور

حتى تواروا بشعف والجمال بهم

عن هضب غول وعن جنبي منى زور

مَنَابِضُ : موضع بنواحي الحيرة ، قال المسيب بن علس ، وقيل المتلمس :

ألك السدير وبارق

ومنابض ولك الخورنق

والقصر من سنداد ذي

الشرفات والنخل المنبّق

والثعلبيّة كلها ،

والبدو من عان ومطلق

مَنَاذِرُ : بالفتح ، والذال معجمة مكسورة ، وإن كان عربيّا فهو جمع منذر ، وهو من أنذرته بالأمر أي أعلمته به ، وقد روي بالضم فيكون من المفاعلة كأن كلّ واحد ينذر الآخر ، والأصح أنه أعجميّ ، قال الأزهري : مناذر ، بالفتح ، اسم قرية واسم رجل ، وهو محمد بن مناذر الشاعر ، وذكر الغوري في اسم الرجل الفتح والضم وفي اسم البلد الفتح لا غير ، وهما بلدتان بنواحي خوزستان : مناذر الكبرى ومناذر الصّغرى ، أول من كوّره وحفر نهره أردشير بن بهمن الأكبر بن إسفنديار بن كشتاسب ، ومما يؤكد الفتح ما ذكره المبرّد أن محمد بن مناذر الشاعر كان إذا قيل ابن مناذر ، بفتح الميم ، يغضب ويقول : أمناذر الكبرى أم مناذر الصغرى؟ وهي كورتان من كور الأهواز ، إنما هو مناذر على وزن مفاعل من ناذر يناذر فهو مناذر مثل ضارب فهو مضارب ، والمناذر ذكر في الفتوح وأخبار الخوارج ، قال أهل السير : ووجّه عتبة بن غزوان حين مصّر البصرة في سنة ١٨ سلمى بن القين وحرملة بن مريطة كانا من المهاجرين مع النبي ، صلّى الله عليه وسلّم ، وهما من بلعدوية من بني حنظلة ونزلا على حدود ميسان ودستميسان حتى فتحا مناذر وتيرى في قصة طويلة ، وقال الحصين بن نيار الحنظلي :

ألا هل أتاها أن أهل مناذر

شفوا غللا لو كان للناس زاجر؟

أصابوا لنا فوق الدّلوث بفيلق

له زجل ترتدّ منه البصائر

قتلناهم ما بين نخل مخطّط

وشاطي دجيل حيث تخفى السرائر

وكانت لهم فيما هناك مقامة

إلى صيحة سوّت عليها الحوافر

مَنَارَةُ الإسْكَنْدَرِيّة : بالفتح ، وأصله من الإنارة وهي الإشعال حتى يضيء ، ومنه سميت منارة السراج ، والمنار : الحد بين الأرضين ، وقد استوفيت خبرها في الإسكندرية.

منارة الحوافِرِ : وهي منارة عالية في رستاق همذان في ناحية يقال لها ونجر في قرية يقال لها أسفجين ، قرأت خبرها في كتاب أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني قال : كان

١٩٩

سبب بنائها أن سابور بن أردشير الملك قال له منجموه : إن ملكك هذا سيزول عنك وإنك ستشقى أعواما كثيرة حتى تبلغ إلى حدّ الفقر والمسكنة ثم يعود إليك الملك ، قال : وما علامة عوده؟ قالوا : إذا أكلت خبزا من الذهب على مائدة من الحديد فذلك علامة رجوع ملكك ، فاختر أن يكون ذلك في زمان شبيبتك أو في كبرك ، قال : فاختار أن يكون في شبيبته وحدّ له في ذلك حدّا فلما بلغ الحدّ اعتزل ملكه وخرج ترفعه أرض وتخفضه أخرى إلى أن صار إلى هذه القرية فتنكّر وآجر نفسه من عظيم القرية وكان معه جراب فيه تاجه وثياب ملكه فأودعه عند الرجل الذي آجر نفسه عنده فكان يحرث له نهاره ويسقي زرعه ليلا فإذا فرغ من السقي طرد الوحش عن الزرع حتى يصبح ، فبقي على ذلك سنة فرأى الرجل منه حذقا ونشاطا وأمانة في كل ما يأمره به فرغب فيه واسترجح عقل زوجته واستشارها أن يزوّجه إحدى بناته وكان له ثلاث بنات فرغبت لرغبته فزوّجه ابنته فلما حوّلها إليه كان سابور يعتزلها ولا يقربها ، فلما أتى على ذلك شهر شكت إلى أبيها فاختلعها منه وبقي سابور يعمل عنده ، فلما كان بعد حول آخر سأله أن يتزوّج ابنته الوسطى ووصف له جمالها وكمالها وعقلها فتزوّجها فلما حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها ، فلما تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فاختلعها منه ، فلما كان حول آخر وهو الثالث سأله أن يزوّجه ابنته الصغرى ووصف له جمالها ومعرفتها وكمالها وعقلها وأنها خير أخواتها فتزوّجها ، فلما حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها ، فلما تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فأخبرته أنها معه في أرغد عيش وأسرّه ، فلما سمع سابور بوصفها لأبيها من غير معاملة له معها وحسن صبرها عليه وحسن خدمتها له رقّ لها قلبه وحنّ عليها ودنا منها ونام معها فعلقت منه وولدت له ابنا ، فلما أتى على سابور أربع سنين أحبّ رجوع ملكه إليه ، فاتفق أنه كان في القرية عرس اجتمع فيه رجالهم ونساؤهم ، وكانت امرأة سابور تحمل إليه طعامه في كل يوم ففي ذلك اليوم اشتغلت عنه إلى بعد العصر لم تصلح له طعاما ولا حملت إليه شيئا ، فلما كان بعد العصر ذكرته فبادرت إلى منزلها وطلبت شيئا تحمله إليه فلم تجد إلّا رغيفا واحدا من جاورس فحملته إليه فوجدته يسقي الزرع وبينها وبينه ساقية ماء فلما وصلت إليه لم تقدر على عبور الساقية فمدّ إليها سابور المرّ الذي كان يعمل به فجعلت الرغيف عليه فلما وضعه بين يديه كسره فوجده شديد الصّفرة ورآه على الحديد فذكر قول المنجمين وكانوا قد حدّوا له الوقت فتأمله فإذا هو قد انقضى فقال لامرأته : اعلمي أيتها المرأة أني سابور ، وقصّ عليها قصته ، ثم اغتسل في النهر وأخرج شعره من الرباط الذي كان قد ربطه عليه وقال لامرأته : قد تم أمري وزال شقائي ، وصار إلى المنزل الذي كان يسكن فيه وأمرها بأن تخرج له الجراب الذي كان فيه تاجه وثياب ملكه ، فأخرجته فلبس التاج والثياب ، فلما رآه أبو الجارية خرّ ساجدا بين يديه وخاطبه بالملك ، قال : وكان سابور قد عهد إلى وزرائه وعرفهم بما قد امتحن به من الشقاوة وذهاب الملك وأن مدة ذلك كذا وكذا سنة وبيّن لهم الموضع الذي يوافونه إليه عند انقضاء مدة شقائه وأعلمهم الساعة التي يقصدونه فيها فأخذ مقرعة كانت معه ودفعها إلى أبي الجارية وقال له : علّق هذه على باب القرية واصعد السور وانظر ما ذا ترى ، ففعل ذلك وصبر ساعة ونزل وقال : أيها الملك أرى خيلا كثيرة يتبع بعضها بعضا ، فلم يكن بأسرع مما وافت الخيل أرسالا فكان الفارس إذا رأى مقرعة سابور نزل عن فرسه وسجد حتى اجتمع خلق من

٢٠٠