مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

مِنْهُمْ) (ق /٢) (يُخْرِجُونَ الرّسُولَ وَإيّاكُمْ أنْ تُؤْمِنُوا) (الممتحنة / ١) وقول الفرزدق :

٤٨ ـ أتغضَبُ أن اُذنا قُتَيْبَةَ حُزّتا

جِهاراً ، ولم تغضَب لقتل ابن حازم (١)

والصواب : أنها في ذلك كله مصدرية ، وقبلها لام العلة مقدرة.

رابعها : أن تكون بمعنى «لئلا» ، قيل به في قوله تعالى : (يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا) (النساء /١٧٦) وقول عمرو بن كلثوم :

٤٩ ـ نزلتم منزل الأضياف منّا

فعجَّلْنا القِرى أن تَشتِمونا (٢)

والصواب : أنها مصدرية ، والأصل : كراهية أن تضلوا ، ومخافة أن تشتمونا ، وهو قول البصريين.

(إنْ)

ترد على أربعة أوجه :

أحدها : أن تكون شرطية ، نحو قوله تعالى : (إنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْلَهُمْ) (الأنفال /٣٨) وقول الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «إن أعطيتَ لم تَشُبْ عطاءك بِمَنّ» (٣).

الثاني : أن تكون نافية ، وتدخل على الجملة الاسمية ، نحو : (إنِ الكافِرُونَ إلاّ في غُرُور) (الملك /٢٠) (إنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلطان بهذا) (يونس /٦٨) ومن ذلك :

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٨٦.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ١١٩.

٣ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء الخامس والأربعون : ٢٩٥.

٦١

(وَإنْ مِنْ أهلِ الكِتابِ إلا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) (النساء /١٥٩) أي : وما أحد من أهل الكتاب إلاّ ليؤمِنَنّ به ، فحذف المبتدأ ، وبقيت صفته ، وعلى الجملة الفعلية ، نحو : (إنْ أردنا إلاّ الْحُسْنى) (التوبة /١٠٧).

وخرّج جماعة على «إن» النافية قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكّـنّاهُمْ فِيما إنْ مَكّـنّاكُمْ فِيهِ) (الأحقاف /٢٦) أي : في الذي ما مكناكم فيه ، وقيل : زائدة ، ويؤيد الأول (مَكّـنّاهُمْ في الأرضِ ما لَمْ نُمَكّنْ لَكُمْ) (الأنعام/ ٦) وكأنه إنما عدل عن «ما» ، لئلا يتكرر فيثقل اللفظ ، وقيل : بل هي في الآية بمعنى «قد» وإنّ من ذلك : (فَذَكّرْ إنْ نَفَعَتِ الذّكرى) (الأعلى / ٩).

وقيل في هذه الآية : إنّ التقدير : وإن لم تنفع ، مثل : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ) (النحل /٨١) أي : والبَرْد ، وقيل : إنما قيل ذلك بعد أن عمّهم بالتذكير ولزمتهم الحجة ، وقيل : ظاهره الشرط ومعناه : ذمهم واستبعاد لنفع التذكير فيهم ، كقولك : «عظ الظالمين إن سَمِعُوا منك» ، تريد بذلك الاستبعاد لا الشرط.

وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله تعالى : (ولَئنْ زالَتا إنْ أمْسَكَهُما مِنْ أحَد مِنْ بَعْدِهِ) (فاطر /٤١) الاُولى شرطية ، والثانية نافية ، جوابٌ للقسم الذي آذنت به اللام الداخلة على الاُولى ، وجواب الشرط محذوف وجوباً.

وإذا دخلت على الجملة الاسميّة لم تعمل عند سيبويه والفراء ، وأجاز الكسائي والمبرّد إعمالها عملَ «ليس» ، وسمع من أهل العالية : «إنْ أحدٌ خيراً من أحد إلاّ بالعافية» و «إنْ ذلك نافعَك ولا ضارّك».

ومما يتخرج على الإهمال الذي هو لغة الأكثرين قول بعضهم : «إنَّ قائمٌ» وأصله : إنْ أنا قائمٌ ، فحذفت همزة «أنا» اعتباطا ، واُدغمت نون «إنْ» في نونها ، وحذفت ألفها في الوصل ، وسمع : «إنّ قائما» على الإعمال.

٦٢

وقول بعضهم : «نقلت حركة الهمزة إلى النون ثم اُسقطت على القياس في التخفيف بالنقل ثم سكنت النون واُدغمت» مردود؛ لأن المحذوف لعلة كالثابت ، ولهذا تقول : «هذا قاض» بالكسر لا بالرفع؛ لأن حذف الياء لالتقاء الساكنين ، فهي مقدرة الثبوت ، وحينئذ فيمتنع الإدغام؛ لأن الهمزة فاصلة في التقدير. ومثل هذا البحث في قوله تعالى : (لكِنّا هُوَ الله رَبّي) (الكهف /٣٨).

الثالث : أن تكون مخففة من الثقيلة ، وعن الكوفيين : إنكار ذلك كما سيأتي وتدخل على الجملتين فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها كقراءة الحرميين وأبي بكر : (وإنْ كُـلاًّ) (١) (هود /١١١) ويكثر إهمالها ، نحو : (وَاِنْ كُلُّ ذلِكَ لَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا) (الزخرف /٣٥).

وإن دخلت على الفعل اُهملت وجوبا ، والأكثر كون الفعل ماضياً ناسخاً نحو : (وَإنْ كانَتْ لَكَبيرةً) (البقرة /١٤٣) ودونه أن يكون مضارعاً ناسخاً ، نحو : (وإنْ يَكادُ الّذينَ كَفَرُوا لَيُزلِقُونَك) (القلم /٥١) ويقاس على النوعين اتفاقاً ، ودون هذا أن يكون ماضيا غير ناسخ ، نحو قول عاتكة :

٥٠ ـ شلّت يمينك إنْ قتلتَ لمسلماً

حلّت عليك عُقُوبةُ المتعمّدِ (٢)

ولايقاس عليه خلافاً للأخفش ، أجاز «إن قام لأنا ، وإن قعد لأنت» ودون هذا أن يكون مضارعاً غير ناسخ كقول بعضهم : «إن يزينك لنفسُك ، وإن يشينُك لَهِيَه» ولا يقاس عليه إجماعاً.

وحيث وجدت «إنْ» وبعدها اللام المفتوحة كما في هذه الأمثلة فاحكم

__________________

١ ـ تتمّتها : «لم ليوفينهم» قرأها الحرميان بتخفيف «لما» وأبوبكر بتشديدها. راجع مجمع البيان.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٧١.

٦٣

عليها بأن أصلها التشديد.

الرابع : أن تكون زائدة وأكثر ما زيدت بعد «ما» النافية إذا دخلت على جملة فعلية كقول عبيدالله بن الحرّ الجعفي في رثاء أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) :

٥١ ـ وما إن رأى الرّاؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزُهر قَماقِمَة (١)

أو اسمية كقول فروة بن مُسَيك :

٥٢ ـ فما إن طِبُّـنا جُبن ، ولكن

منايانا ودولةُ آخرينا (٢)

وفي هذه الحالة تكفّ عمل «ما» الحجازية كما في البيت ، وأمّا قوله (٣) :

٥٣ ـ بني غُدانةَ ما إن أنتم ذهبا

ولا صريفاً ولكن أنتُم الخزف

في رواية من نصب «ذهباً وصريفاً» فخرّج على أنها نافية مؤكدة لـ «ما».

وزيد على هذه المعاني الأربعة معنيان آخران ، فزعم قُطرُب أنها قد تكون بمعنى «قد» كما مر في (إنْ نَفَعَتِ الذِّكرى) (الأعلى /٩) وزعم الكوفيّون أنها تكون بمعنى «إذ» وجعلوا منه : (وَاتَّقُوا الله إنْ كُنْتُمْ مُؤمنينَ) (المائدة /٥٧) (لتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرام إنْ شاء الله آمِنينَ) (الفتح /٢٧) ونحوهما ممّا الفعل فيه محقّق الوقوع. وأجاب الجمهور عن الاُولى بأنها شرط جيء بها للتهييج والإلهاب ، كما تقول لابنك : «إن كنت ابني فلا تفعل كذا». وعن آية المشيئة بوجوه :

منها : أنها تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل.

ومنها : أنّ أصل ذلك الشرط ثم صار يذكر للتبرك.

__________________

١ ـ أدب الطف : ١ / ٩٨.

٢ ـ شرح شواهد المغني ١ / ٨١ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ١ / ١٠٢.

٣ ـ لم يسمّ قائله. شرح شواهد المغني : ١ / ٨٤ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ١ / ١٠٦.

٦٤

ومنها : أن ذلك من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه حين أخبرهم بالمنام ، فحُكي ذلك لنا.

(أنّ)

على وجهين :

أحدهما : أن تكون حرف توكيد ، تنصب الاسم وترفع الخبر كقول اُم البنين فاطمة بنت حزام :

٥٤ ـ ياليت شعري أكما أخبروا

بأنّ عبّاساً قطيع الوَتين؟ (١)

والأصح : أنها فرع عن «إنّ» المكسورة ، ومن هنا صحّ للزمخشري أن يدّعي أنّ «أنّما» بالفتح تفيد الحصر كـ «إنّما». وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (قُلْ إنّما يُوحى إلَيّ أنَّما إلهُكُم إلهٌ واحِدٌ) (الأنبياء /١٠٨).

ودعوى أن الحصر هنا باطلة؛ لاقتضائها أنه لم يوح إليه غير التوحيد مردود؛ بأنه حصر مقيّد؛ إذ الخطاب مع المشركين ، فالمعنى : ما اُوحي إليّ في أمر الربوبية إلاّ التوحيد لا الإشراك.

والأصح أيضاً : أنها موصول حرفي مؤوّل مع معموليه بالمصدر ، فإن كان الخبر مشتقّاً فالمصدر المؤول به من لفظه ، فتقدير (ألم تر أنّ الله أنزل من السماء ماءً) (الحج / ٦٣) و «وعلمت أنّ كثير ما أسألك يسير في وجدك» (٢) : «ألم تر إنزال الله من السماء ماء» و «وعلمت يُسر كثير ما أسألك في وُجدك»

__________________

١ ـ أدب الطف : ١ / ٧١.

٢ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء الثالث عشر : ١٠٣.

٦٥

ومنه : «واعلموا أن مَجازكم على الصراط» (١) التقدير : واعلموا استقرار مجازكم على الصراط ، لأن الخبر في الحقيقة هو المحذوف من «إستقر أو مستقر».

وإن كان جامدا قدّر بالكون ، نحو : (وأنّ هذا صِراطي مُستَقيماً فَاتَّبِعُوهُ) (الأنعام /١٥٣) تقديره : وكون هذا صراطي مستقيما فاتبعوه؛ لأن كل خبر جامد يصح نسبته إلى المخبر عنه بلفظ الكون ، تقول : «هذا زيد» وإن شئت قلت : «هذا كائن زيدا» ومعناهما واحد.

وتخفف «أنّ» بالاتفاق ، فيبقى عملُها على الوجه الذي تقدم شرحه في «أن» الخفيفة.

الثاني : أن تكون لغة في «لعلّ» كقول بعضهم : «ائْتِ السوق أنّك تشتري لنا شيئا».

(إنّ)

على وجهين :

أحدهما : أن تكون حرف توكيد ، تنصب الاسم وترفع الخبر ، نحو قول كعب ابن زهير :

٥٥ ـ إنّ الرّسولَ لَسَيفٌ يُسْتَضاء به

مُهنَّدٌ منْ سُيُوف الله مَسْلُولُ (٢)

قيل : وقد تنصبهما في لغة ، كقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ قعر جهنّم سبعين

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ٨٢ /١٩٢.

٢ ـ شرح مختارات أشعار العرب : ١٠٥.

٦٦

خريفاً» (١) وخرّج على أن القعر مصدر «قَعَرْت البئر» إذا بلغت قَعْرَها ، و «سبعين» ظرف ، أي : إن بلوغ قعرها يكون في سبعين عاماً.

وقد يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوفاً كقول الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون» (٢) الأصل : إنه أي الشأن كما قال الأعشى :

٥٦ ـ إنّ من لامَ في بَني بنت حسّا

نَ ألُمْه وأعْصِهِ في الخُطوب (٣)

وإنما لم تجعل «مَنْ» اسمها؛ لأنها شرطية ، بدليل عملها الجزم ، والشرط له الصدر فلايعمل فيه ما قبله.

وتخريج الكسائي الحديث على زيادة «من» في اسم «إنّ» يأباه غير الأخفش من البصريين؛ لأن الكلام إيجاب ، والمجرور معرفة على الأصح ، والمعنى أيضاً يأباه ، لأنهم ليسوا أشد عذاباً من سائر الناس.

وتخفف فتعمل قليلاً ، وتهمل كثيراً ، وعن الكوفيين : أنها لا تخفف ، وأنه إذا قيل : «إن زيد لمنطلق» فـ «إن» نافية ، واللام بمعنى «إلاّ» ، ويردّه أن منهم من يعملها مع التخفيف ، حكى سيبويه : «إن عمراً لمنطلق» وقرأ الحرميان وأبوبكر (وإنْ كُـلاًّ) (٤) (هود /١١١).

__________________

١ ـ أورده ابن هشام في ا لمغني ولم نجده بهذا اللفظ في مصادر الحديث.

٢ ـ أورده ابن هشام في المغني بهذا اللفظ ، وماوجدناه في مصادر الحديث : «إن من أشد أهل النار يوم القيامة عذاباً ، المصورون». صحيح مسلم : ٣/١٦٧٠.

٣ ـ الإنصاف : ١ ـ ٢/١٨٠.

٤ ـ تتمّتها : «لما ليوفينهم» قرأها الحرميان بتخفيف «لما» وأبوبكر بتشديدها. راجع مجمع البيان.

٦٧

الثاني : أن تكون حرف جواب بمعنى «نعم» خلافاً لأبي عبيدة ، كقول ابن الزُّبير لمن قال له : لعن الله ناقة حملتني إليك : «إنّ وراكبَها» أي : نعم ولعن راكبها.

وعن المبرّد : أنه حمل على ذلك قراءة من قرأ : (إنّ هذانِ لَساحِرانِ) (طه /٦٣) واعترض بأمرين :

أحدهما : أنّ مجيء «إنّ» بمعنى «نعم» شاذ ، حتى قيل : إنه لم يثبت ، فكيف يصح حمل التنزيل عليه؟!

الثاني : أن اللام لا تدخل في خبر المبتدأ ، واُجيب عن هذا بأنها لام زائدة ، وليست للابتداء ، أو بأنها داخلة على مبتدأ محذوف ، أي : لهما ساحران ، أو بأنها دخلت بعد «إنّ» هذه لشبهها بـ «إنّ» المؤكدة لفظاً كما قال المعلوط القريعيّ :

٥٧ ـ ورَجِّ الْفَتى للخير ما إنْ رأيْتَهُ

عَلى السِّنّ خيراً لايزالُ يَزيدُ (١)

فزاد «إنْ» بعد «ما» المصدرية؛ لشبهها في اللفظ بـ «ما» النافية.

ويضعّف الأول : أن زيادة اللام في الخبر خاصة بالشعر ، والثاني : أن الجمع بين لام التوكيد وحذف المبتدأ كالجمع بين متنافيين.

وقيل : اسم «إنّ» ضميرالشأن وهذا أيضاً ضعيف؛ لأن الموضوع لتقوية الكلام لايناسبه الحذف ، والمسموع من حذفه شاذ إلاّ في باب «أنّ» المفتوحة إذا خففت ، فاستسهلوه؛ لوروده في كلام بني على التخفيف ، فحذف تبعاً لحذف النون ، ولأنه لو ذكر لوجب التشديد؛ إذالضمائر تردّ الأشياء إلى اُصولها ، ألا ترى أن من يقول : «لدُ ولم يَكُ ووالله» ، يقول : «لدُنك ، ولم يكنه ، وبك لأفعلن»؟ ثم يرد إشكال دخول اللام.

__________________

١ ـ شرح شوهد الغني : ١/٨٥ و ٨٦.

٦٨

وقيل : «هذان» اسمها ، ثم اختلف ، فقيل : جاءت على لغة بَلْحارث بن كعب في إجراء المثنى بالألف دائما ، واختاره ابن مالك.

وقيل : «هذان» مبنيّ؛ لدلالته على الإشارة ، وإن قول الأكثرين : «هذين» جراً ونصباً ليس إعراباً أيضاً ، واختاره ابن الحاجب.

وقيل : لما اجتمعت ألف «هذا» وألف التثنية في التقدير قدّر بعضهم سقوط ألف التثنية فلم تقبل ألف «هذا» التغيير.

تنبيه

تأتي «إنّ» فعلاً ماضياً مسنداً لجماعة المؤنث من الأين ـ وهو التعب ـ تقول : «النساء إنّ» أي : تعبن ، أو من «آن» بمعنى «قرب» أو مسنداً لغير هن على أنه من الأنين وعلى أنه مبني للمفعول على لغة من قال في «رُدّ وحُبّ» : «رِدَّ وحِبَّ» ، بالكسر تشبيهاً له بـ «قيل وبيع» والأصل مثلاً : «أنّ زيد يوم الخميس» ثم قيل : «إنّ يوم الخميس» أو فعل أمر للواحد من الأنين ، أو لجماعة الإناث من الأين أو من «آن» بمعنى «قرب» أو للواحدة مؤكداً بالنون من «وَأى» بمعنى «وَعَد» ومركبة من «إن» النافية و «أنا» كقول بعضهم : «إنّ قائم» وقد مضى شرحه.

تنبيه

في الصحاح : الأين : الإعياء. قال أبو زيد : «لايبنى منه فعل» وقد خولف فيه. انتهى ، فعلى قول أبي زيد يسقط بعض الأقسام.

٦٩

(أو)

حرف عطف ، ذكر له المتأخرون معاني انتهت إلى اثني عشر :

أحدها : الشك ، نحو : (لَبِثنا يوماً أوْ بَعْضَ يوْم) (المؤمنون /١١٣).

الثاني : الإبهام ، نحو قوله تعالى : (وَإنّا أوْ إيّاكُمْ لَعَلى هُدىً) (سبأ /٢٤) وقول الشاعر (١) :

٥٨ ـ نحن أو أنتم الاُْلى ألفَوا الحَـ

ـقَّ ، فبُعداً للمبطلين وسُحقاً

الثالث : التخيير ، وهي الواقعة بعد الطلب ، وقبل ما يمتنع فيه الجمع ، نحو : «تزوّج هندا أو اُختها».

الرابع : الإباحة ، وهي الواقعة بعدالطلب وقبل ما يجوز فيه الجمع ، نحو : «جالس العلماء أو الزهاد».

ومنه قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «اُغْدُ عالماً أو متعلّماً أو مستمعاً أو محبّاً لاتكن الخامس فتَهْلِك» (٢) وإذا دخلت «لا» الناهية امتنع فعل الجميع ، نحو : (ولاتُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أوْ كَفُوراً) (الإنسان /٢٤) ؛ إذالمعنى : لا تطع أحدهما ، فأيهما فعله فهو أحدهما ، وكذا حكم النهي الداخل على التخيير ، وفاقاً للسيرافي.

وذكر ابن مالك أن أكثر ورود «أو» للإباحة في التشبيه ، نحو : (فَهِيَ كَالحِجارَةِ أوْ أشَدُّ قَسْوَةً) (البقرة /٧٤) والتقدير ، نحو : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى) (النجم /٩) فلم يخصها بالمسبوقة بالطلب.

الخامس : الجمع المطلق كالواو ، قاله الكوفيون والأخفش والجرمي ، واحتجوا بقول أبي ذؤيب الهذلي :

__________________

١ ـ لم يسمّ قائله. شرح شواهد المغني : ١/١٩٤.

٢ ـ المحجّة البيضاء : ١/٢٤.

٧٠

٥٩ ـ وكانَ سِيّانِ أنْ لا يسرحُوا نَعَماً

أو يسرحُوهُ بها واغبرّت السُوحُ (١)

أي : وكان الشأن : ألا يرعوا الإبل وأن يرعوها سيان؛ لوجود القحط ، وإنما قدرنا «كان» شأنية؛ لئلا يلزم الإخبار عن النكرة بالمعرفة ، وقول النابغة :

٦٠ ـ قالت : ألا ليتما هذا الحمامُ لنا

إلى حمامتنا أو نصفُه فَقَدِ

فحَسبوه فألْفَوه كما ذكرت

تسعاًوتسعين لم تنقُص ولم تَزِدِ (٢)

ويقويه أنه روي «ونصفه».

السادس : الإضراب كـ «بل» فعن سيبويه : إجازة ذلك بشرطين : تقدم نفي أو نهي ، وإعادة العامل ، نحو : «ما قام زيد أو ما قام عمرو» ، و «لا يقم زيد أو لايقم عمرو» ، وقال الكوفيون وأبو علي وأبوالفتح وابن برهان ، تأتي للإضراب مطلقاً احتجاجاً (٣) بقراءة أبي السمّـال : (أو كُلّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) (البقرة /١٠٠) بسكون الواو.

السابع : التقسيم ، نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وإنّه لابُدَّ للناس من أمير

__________________

١ ـ روي البيت :

وقال رائدهم سيّانِ سيركم

وأن تُقيموا به واغبرت السُوح

ولا شاهد فيه على ذلك. راجع شرح شواهد المغني : ١/١٩٨ و ١٩٩.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٢٠٠.

٣ ـ احتجاج اُدباء العامة بالقراءات التي لا تتداول بين الناس كقراءة «أو» في الآية مبني على حجيتها ولكن الحق عدم حجيتها ولو نقلت من القراء السبعة ، فلا يستدل بها على حكم أدبي أوشرعي. والدليل على ذلك : أن كل واحد من القراءات يحتمل فيه الغلط والاشتباه ولم يرد دليل من العقل ولا من الشرع على وجوب اتباع قارئ منهم بالخصوص. راجع لتحقيق المطلب : البيان في تفسير القرآن ، نظرة في القراءات.

٧١

بَرٍّ أو فاجر» (١).

ذكره ابن مالك في منظومته الصغرى وفي شرح الكبرى ، ثمّ عدل عنه في التسهيل وشرحه فقال : تأتي للتفريق المجرد من الشك والإبهام والتخيير ، وأمّا هذه الثلاثة فإنّ مع كل منها تفريقاً مصحوباً بغيره ، ومثّل بنحو : (إنْ يَكُنْ غَنيّاً أوْ فَقيراً) (النساء /١٣٥) (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أوْ نصارى تَهْتَدُوا) (البقرة /١٣٥) وغيره عدل عن العبارتين ، فعبّر بالتفصيل (٢) ومثّل بقوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أوْ نَصارى) (البقرة /١٣٥) (قالُوا ساحِرٌ أوْ مَجْنُونٌ) (الذاريات /٥٢) ؛ إذالمعنى : وقالت اليهود كونوا هوداً وقالت النصارى كونوا نصارى ، وقال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : مجنون ، فـ «أو» فيهما لتفصيل الإجمال في «قالوا».

الثامن : أن تكون بمعنى «إلاّ» في الاستثناء ، وهذه ينتصب المضارع بعدها بإضمار «أن» كقول زياد الأعجم :

٦١ ـ وكنتُ إذا غَمَزتُ قناة قوم

كَسَرتُ كعُوبها أو تستقيما (٣)

وحمل عليه بعض المحققين قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمُ النّساء ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَريضَةً) (البقرة /٢٣٦) فقدر «تفرضوا» منصوباً

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ٤٠/١٢٥.

٢ ـ وقع البحث عن الفرق بين التقسيم والتفصيل وكذلك بين التقسيم والتفريق ، أمّا الأولان فقال بعض بترادفهما والظاهر أن التقسيم بـ «أو» تبيين أقسام الكلي والتفصيل بها تبيين ما تقدم من المجمل وتشريحه كلّاً كان أم كلّياً وأمّا الأخيران فقال الدماميني : أنا لم أتحقق إلى الآن الفرق بينهما. تحفة الغريب : ١٤٢ ، فافهم.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٢٠٥. قال البغدادي : روي القصيدة التي هذا البيت منها بالإقواء

وخو اختلاف القوافي بالرفع والجر. وسيبويه أنشد البيت الشاهد منها بالنصب ، لأنه سمعه كذلك ممن يستشهد بقوله ، وتبعه من جاء بعده من النحويين. شرح أبيات مغني اللبيب : ٢/٧١.

٧٢

بـ «أن» مضمرة لامجزوماً بالعطف على «تمسوهن» لئلا يصير المعنى لاجناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء إن طلقتموهن في مدة انتفاء أحد هذين الأمرين ، مع أنه إذا انتفى الفرضُ دون المسيس لزم مهر المثل ، وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمّى ، فكيف يصح نفي الجناح عند انتفاء أحد الأمرين؟

وأجاب ابن الحاجب بمنع كون المعنى : مدة انتفاء أحدهما ، بل مدة لم يكن واحد منهما ، وذلك بنفيهما جميعاً؛ لأنه نكرة في سياق النفي الصريح بخلاف الأول ، فإنه لا ينفي إلاّ أحدهما.

وقيل : «أو» بمعنى الواو ، ويؤيده قول المفسرين : إنها نزلت في رجل أنصاري طلّق امرأته قبل المسيس وقبل الفرض. وفيها قول آخر سيأتي.

التاسع : أن تكون بمعنى «إلى» وهي كالتي قبلها في انتصاب المضارع بعدها بـ «أن» مضمرة كقوله (١) :

٦٢ ـ لأستسهِلنّ الصعبَ أو اُدرك المُنى

فما انقادت الآمال إلاّ لصابِر

ومن قال في «أو تفرضوا» : إنه منصوب ، جوّز هذا المعنى فيه ، ويكون غاية لنفي الجناح ، لا لنفي المسيس.

العاشر : التقريب ، نحو : «ما أدري أسلّمَ أو ودَّع» قاله الحريري وغيره.

الحادي عشر : الشرطية ، نحو : «لأضربنّه عاش أو ماتَ» أي : إن عاش بعد الضرب وإن مات ، ومثله : «لآتينّك أعطيتني أو حرمتني» قاله ابن الشجري.

الثاني عشر : التبعيض ، نحو : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أو نَصارى) (البقرة / ١٣٥) نقله ابن الشجري عن بعض الكوفيين ، والذي يظهر أنه إنّما أراد معنى

__________________

١ ـ لم يسم قائله. شرح شواهد المغني : ١/٢٠٦.

٧٣

التفصيل السابق؛ فإن كل واحد مما قبل «أو» التفصيلية وما بعدها بعض لما تقدم عليهما من المجمل.

تنبيه

التحقيق : أن «أو» موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء ، وهو الذي يقوله المتقدمون ، وقد تخرج إلى معنى «بل» وإلى معنى الواو ، وأما بقية المعاني فمستفادة من غيرها ، ومن العجب أنهم ذكروا أن من معاني صيغة «إفْعَلْ» التخيير والإباحة ، ومثّلوا بنحو : «خذ من مالي درهماً أو ديناراً» و «جالس الحسن أو ابن سيرين» ثم ذكروا أن «أو» تفيدهما ، ومثلوا بالمثالين المذكورين لذلك ، ومن البين فساد المعنى العاشر ، و «أو» فيه إنما هي للشك على زعمهم ، وإنما استفيد معنى التقريب من إثبات اشتباه السلام بالتوديع؛ إذ حصول ذلك ـ مع تباعد ما بين الوقتين ـ ممتنع أو مستبعد. وينبغي لمن قال : إنها تأتي للشرطية ، أن يقول : «وللعطف» لأنه قدر مكانها «وإن». والحق أن الفعل الذي قبلها دال على معنى حرف الشرط كما قدّره هذا القائل وأن «أو» على بابها ، ولكنها لمّا عطفت على ما فيه معنى الشرط دخل المعطوف في معنى الشرط.

(أي)

على وجهين :

حرف لنداء البعيد أو القريب أوالمتوسط على خلاف في ذلك ، قال الإمام علي ابن الحسين (عليهما السلام) : «وبكرمك ، أي ربّ أستفتح دعائي» (١) وقد تمدّ همزتها.

__________________

١ ـ المصباح : ٥٩٧.

٧٤

وحرف تفسير ، تقول : «عندي عسجد أى : ذهب» وما بعدها عطف بيان على ما قبلها ، أو بدل ، لا عطف نسق ، خلافاً للكوفيين وصاحبي المستوفى والمفتاح؛ لأنا لم نر عاطفاً يصلح للسقوط دائماً ، ولا عاطفاً ملازماً لعطف الشيء على مرادفه وتقع تفسيراً للجمل أيضاً ، كقولك : «اُريق رَفده أي : مات».

وإذا وقعت بعد «تقول» وقبل فعل مسند للضمير حكي الضمير ، نحو : «تقول : استكتمتُه الحديث أي : سألتُه كتمانه» يقال ذلك بضم التاء ، ولو جئت بـ «إذا» مكان «أي» فتحت التاء فقلت : «إذا سألته» ؛ لأن «إذا» ظرف لـ «تقول».

(إيْ)

حرف جواب بمعنى «نعم» فيكون لتصديق المخبر ، ولإعلام المُستخبر ، ولوعد الطالب. وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام ، نحو (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أحَقٌّ هُوَ قُل إي وَرَبّي إنّهُ لَحَقٌّ) (يونس /٥٣) ولاتقع عند الجميع إلاّ قبل القسم. وإذا قيل : «إي والله» ثم اُسقطت الواو ، جاز إسكان الياء وفتحها وحذفها وعلى الأول فيلتقي ساكنان على غير حدّهما.

(أيا)

حرف لنداء البعيد وفي الصحاح : أنه حرف لنداء القريب والبعيد ، وليس كذلك ، قال طالب بن أبي طالب :

٦٣ ـ أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا

اُعيذكما بالله أن تحدثا حربا (١)

وقد تبدل همزتها هاء ، فيقال : «هيا».

__________________

١ ـ شرح قطر الندى ، باب عطف البيان : ٣٠٠.

٧٥

(أيمن) (١)

المختص بالقسم اسم لا حرف ، خلافاً للزجاج والرماني ، مفرد مشتق من الُيمن وهوالبركة ، وهمزته وصل ، لا جمع يمين وهمزته قطع ، خلافاً للكوفيين ، ويرده جواز كسر همزته ، وفتح ميمه ، ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو : «أفلس» وقولُ نُصيب :

٦٤ ـ فقال فريق القومِ لمّا نشدتهم

نعم ، وفريق : لَيْمُنُ الله ما ندري (٢)

فحذف ألفها في الدرج.

ويلزمه الرفع بالابتداء ، وحذف الخبر ، وإضافته إلى اسم الله سبحانه ، خلافاً لابن درستويه في إجازة جرّه بحرف القسم ، ولابن مالك في جواز إضافته إلى «الكعبة» وكاف الضمير ، وجوّز ابن عصفور كونه خبراً والمحذوف مبتدأ ، أي : قسمي أيمن الله.

(أيّ)

اسم يأتي على خمسة أوجه :

الأول : أن تكون للشرط ، نحو : (أيّاً ما تَدْ عُوا فَلَهُ الأسماء الحُسنى) (الإسراء /١١٠).

الثاني : أن تكون للاستفهام ، نحو قوله تعالى : (أيُّكُم زادَتْهُ هذِهِ إيماناً)

__________________

١ ـ قد تحذف منه النون فيقال : أيم ، صرح به ابن منظور ، نحو قول أميرالمؤمنين عليه السلام : «وأيم الله إنّي لأظنّ بكم أن لو حَمِسَ الوغى واستحرّ الموت قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس». نهج البلاغة : ط ٣٤/ ١١٣.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/ ٢٩٩.

٧٦

(التوبة/١٢٤) وقول الكميت :

٦٥ ـ بأيّ كتاب أم بأيّة سنة

ترى حبّهم عاراً عليّ وتحسب (١)

وقد تخفف كقول الفرزدق :

٦٦ ـ تَنَظّرتُ نصراًوالسماكَين أيْهُما

عليّ من الغيث استَهَلّت مَواطِرُه (٢)

الثالث : أن تكون موصولة ، نحو : (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَة أيُّهُمْ أَشَدُّ) (مريم /٦٩) التقدير : لننزعن الذي هو أشد ، قاله سيبويه وخالفه الكوفيون وجماعة من البصريين؛ لأنهم يرون أن «أيّاً» الموصولة معربة دائماً كالشرطية والاستفهامية ، قال الزجاج : ما تبين لي أن سيبويه غلط إلاّ في موضعين هذا أحدهما ، فإنه يسلم أنها تعرب إذا اُفردت ، فكيف يقول ببنائها إذا اُضيفت؟.

وزعم هؤلاء أنها في الآية استفهامية ، وأنها مبتدأ ، و «أشدّ» خبر ، ثم اختلفوا في مفعول «نَـنْزِعُ» فقال الخليل : محذوف ، والتقدير : لننزعنّ الّذين يقال فيهم أيهم أشد ، وقال يونس : هوالجملة ، وعُلّقت «ننزع» عن العمل كما في (لِنَعْلَمَ أيُّ الْحِزْبَيْنِ أحصى) (الكهف /١٢) وقال الكسائي والأخفش : كل شيعة ، و «من» زائدة ، وجملة الاستفهام مستأنفة ، وذلك على قولهما في جواز زيادة «مِن» في الإيجاب.

ويردّ أقوالهم أن التعليق مختص بأفعال القلوب ، وأنه لا يجوز «لأضربنّ الفاسقُ» بالرفع بتقدير : الذي يقال فيه هوالفاسق وأنه لم يثبت زيادة «مِنْ» في الإيجاب ، وقول الشاعر (٣) :

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٥.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٢٣٦.

٣ ـ قال السيوطي : «هو رجل من غسان». شرح شواهد المغني : ١/٢٣٦.

٧٧

٦٧ ـ إذا ما لقيتَ بني مالك

فسلّم على أيُّهم أفضلُ

يُروى بضم «أيّ» وحروف الجر لا تعلّق ، ولايجوز حذف المجرور ودخول الجار على معمول صلته ، ولايستأنف ما بعد الجار.

وجوّز الزمخشري وجماعة كونها موصولة مع أن الضمة إعراب ، فقدّروا متعلق النزع «من كلّ شيعة» وكأنه قيل : «لننزعنّ بعض كل شيعة» ثم قدر أنه سئل : «من هذا البعض؟» فقيل : «هو الذي هو أشد» ، ثم حذف المبتدأان المكتنفان للموصول ، وفيه تعسف ظاهر ، ولا أعلمهم استعملوا «أيّاً» الموصولة مبتدأ.

الرابع : أن تكون دالة على معنى الكمال فتقع صفةً للنكرة ، نحو : «زيدٌ رجل أيّ رجل» أي : كامل في صفات الرجال ، وحالاً للمعرفة كـ «مررت بعبدالله أيّ رجل».

الخامس : أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه «أل» ، نحو قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا أيّها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فعلّي مولاه» (١).

ولاتكون «أيّ» غير مذكور معها مضاف إليه البتة إلاّ في النداء والحكاية ، يقال : جاءني رجل ، فتقول : «أيٌّ يا هذا؟» وجاءني رجلان ، فتقول : «أيّان؟» وجاءني رجال ، فتقول : «أيّون؟».

__________________

١ ـ الغدير : ١/٣٠.

٧٨

حرف الباء

الباء المفردة : حرف جر لأربعة عشر معنى :

أولها : الإلصاق ، وهو حقيقي كـ «أمسكتُ بزيد» إذا قبضتَ على شيء من جسمه أو على ما يحبسه من ثوب ونحوه ، ولو قلت : أمسكته ، احتمل ذلك وأن تكون منعته من التصرف ، ومجازيّ ، نحو : «مررت بزيد» أي : ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد.

الثاني : التعدية ، وتسمى باء النقل أيضاً ، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولاً ، وأكثر ما تعدّي الفعل القاصر ، تقول في «ذهب زيد» : «ذهبت بزيد ، وأذهبته» ومنه : (ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ) (البقرة /١٧) وقرئ في الشواذ «أذهب الله نورهم» وهي بمعنى القراءة المشهورة.

وقول المبرّد والسهيلي : «إنّ بين التعديتين فرقاً ، وإنك إذا قلت : ذهبتُ بزيد ، كنت مصاحباً في الذهاب» مردود بالآية.

ولأن الهمزة والباء متعاقبتان لم يجز «أقمت بزيد» وأمّا (تُنْبِت بالدّهْنِ) (المؤمنون /٢٠) فيمن ضم أوله وكسر ثالثه ، فخرّج على زيادة الباء ، أو على أنها

٧٩

للمصاحبة ، فالظرف حال من الفاعل ، أي : مصاحبة للدهن ، أو المفعول ، أي : تنبت الثمر مصاحباً للدهن ، أو أن «أنبت» يأتي بمعنى «نبت» كقول زهير :

٦٨ ـ رأيت ذوي الحاجاتِ حولَ بُيُوتهم

قطيناً لهم حتىّ إذا أنبتَ البقلُ (١)

ومن ورودها مع المتعدي قوله تعالى : (دَفْعُ الله النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعض) (البقرة /٢٥١) والأصل : دفع بعض الناس بعضاً.

الثالث : الاستعانة ، وهي الداخلة على آلة الفعل ، نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من مِيتة على الفراش في غير طاعة الله» وقول عبيدالله بن الحرّ الجعفي في رثاء أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) :

٦٩ ـ تآسَوا على نَصر ابن بنت نبيّهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمة

قيل : ومنه باء البسملة؛ لأن الفعل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلاّ بها.

الرابع : السببيّة ، نحو قوله تعالى : (إنّكُمْ ظَلَمْتُمْ أنْفُسَكُمْ بِاتّخاذكُمُ الْعِجْلَ) (البقرة /٥٤) وقول أبي طالب في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٧٠ ـ وأبيضَ يُستَسْقى الغَمامُ بوجهه

ثِمال اليتامى عصمةٌ للأراملِ (٤)

ومنه : «لقيت بزيد الأسد» أي : بسبب لقائي إيّاه.

الخامس : المصاحبة ، نحو قوله تعالى : (اهْبِطْ بسَلام) (هود /٤٨) أي : معه ، وقول الزينب الصغرى سلام الله عليها خطاباً للمدينة :

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣١٤.

٢ ـ نهج البلاغة : ط ١٢٢ /٣٨٠.

٣ ـ أدب الطف : ١/٩٨.

٤ ـ شرح شواهد المغني : ١/ ٣٩٥.

٨٠