مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

وخُرّجت على تضمين «تهوى» معنى «تميل» أو أنّ الأصل «تهوي» بالكسر ، فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفاً كما يقال في «رَضِيَ» : «رَضا» قاله ابن مالك.

وفيه نظر؛ لأنّ شرط هذه اللغة تحرّك الياء في الأصل.

تنبيه

مذهب البصريين أنّ أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس ، كما أنّ أحرف الجزم والنصب كذلك.

وما أوهم ذلك فهو عندهم إما مؤوّل تأويلاً يقبله اللفظ ، كما قيل في (ولاُصَلّبَنّكُمْ في جُذُوع النَّخلِ) (طه /٧١) : إنّ «في» ليست بمعنى «على» ولكن شبّه المصلوب لتمكّنه من الجذع بالحالّ في الشيء ، وإما على تضمين معنى فعل يتعدى بذلك الحرف ، كما ضمن بعضهم «تهوى» في الآية معنى «تميل» وإما على شذوذ إنابة كلمة عن اُخرى ، وهذا الأخير هو محمل الباب كلّه عندالكوفيين وبعض المتأخرين ، ولايجعلون ذلك شاذاً ، ومذهبهم أقلّ تعسّفاً.

(أم)

على أربعة أوجه :

أحدها : أن تكون متصلة وهي منحصرة في نوعين ، وذلك لأنها إما أن تتقدم عليها همزة التسوية ، نحو : (سواء عَلينا أجزِعْنا أم صَبَرْنا) (إبراهيم /٢١).

أو تتقدم عليها همزة يطلب بها وبـ «أم» التعيين ، نحو البيت المنسوب إلى الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) :

٤١

٣٢ ـ فزادي قليل لا أراه مُبلغي

أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي (١)

وإنّما سمّيت في النوعين متصلة ، لأنّ ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر ، وتسمىّ أيضاً معادِلة؛ لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأوّل والاستفهام في النوع الثاني.

ويفترق النوعان من أربعة أوجه :

أولها وثانيها : أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جواباً؛ لأن المعنى معها ليس على الاستفهام ، وأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب؛ لأنه خبر ، وليست تلك كذلك؛ لأن الاستفهام معها على حقيقته (٢).

الثالث والرابع : أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين ، ولاتكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين كما تقدم ، و «أم» الاُخرى تقع بين المفردين ، وذلك هو الغالب فيها ، نحو : (أأنتم أشَدُّ خَلْقاً أمِ السَماء) (النازعات /٢٧) وبين جملتين ليستافي تأويل المفردين ، نحو : (أأنْتُم تَخلُقونَهُ أم نَحنُ الخالِقُونَ) (الواقعة /٥٩).

مسائل

الاُولى : أنّ «أم» المتصلة التي تستحق الجواب إنّما تجاب بالتعيين ؛

__________________

١ ـ الصحيفة السجادية الجامعة : ٧٨٦.

٢ ـ المراد بالاستفهام على حقيقته هنا ما يحتاج إلى جواب سواء كان حقيقياً أم مجازياً ؛ لاستشهادهم بقوله تعالى : «أأنتم أشدّ خلقاً أم السماء» (النازعات / ٢٧) وليس الانكار ، بمراد لما سيأتي من اختصاص الهمزة التي للإنكار بالمنقطعة.

ومن قولنا : «ما يحتاج إلى جواب» يعرف الوجه في التعبير بالاستفهام على حقيقته.

٤٢

لأنها سؤال عنه ، فإذا قيل : أزيد عندك أم عمرو؟ قيل في الجواب : «زيد» أو قيل : «عمرو» ولا يقال : «لا» ولا «نعم».

الثانية : أن العطف بعد همزة التسوية بـ «أو» لم يجز قياساً ، والصواب : العطف بـ «أم» وبعد همزة الاستفهام جاز ، ويكون الجواب بـ «نعم» أو بـ «لا» وذلك أنه إذا قيل : «أزيد عندك أو عمرو؟» فالمعنى : أأحدهما عندك؟ وإن أجبت بالتعيين صح؛ لأنه جواب وزيادة ، ويقال : «آلحسنُ أو الحسين (عليهما السلام) أفضل أم ابن الحنفيّة؟» فتعطف الأول بـ «أو» والثاني بـ «أم» ويجاب عندنا بقولك : أحدهما ، وعند الكيسانية : بابن الحنفية ، ولا يجوز أن تجيب بقولك : الحسن (عليه السلام) أو بقولك : الحسين (عليه السلام)؛ لأنه لم يسأل عن الأفضل من الحسن (عليه السلام) وابن الحنفية ولا من الحسين (عليه السلام) وابن الحنفية ، وإنما جعل واحداً منهما لا بعينه قريناً لابن الحنفية ، فكأنه قال : «أأحدهما أفضل أم ابن الحنفية؟».

الثالثة : أنه سمع حذف «أم» المتصلة ومعطوفها ، نحو : (أمَنْ هُوَ قانِتٌ آناء الّيل) (الزّمر /٩) تقديره : خير أم هذا الكافر؟ وفيه بحث كمامرّ.

وأجاز بعضهم حذف معطوفها بدونها ، فقال في قوله تعالى : (أفَلا تُبْصِرُونَ أمْ) (الزخرف /٥١) : إنّ الوقف هنا ، وإن التقدير : أم تبصرون ، ثم يبتدأ «أنا خير».     

وهذا باطل؛ إذ لم يسمع حذف معطوف بدون عاطفه ، وإنّما المعطوف جملة «أنا خير».

ووجه المعادلة بينها وبين الجملة قبلها أن الأصل : أم تبصرون ، ثم اُقيمت الاسمية مقام الفعلية والسبب مقام المسبب؛ لأنهم إذا قالوا له : أنت خير ، كانوا عنده بُصراء.

وأجاز الزمخشري حذف ما عطفت عليه «أم» فقال في (أمْ كُنْتُم شُهداء)

٤٣

(البقرة /١٣٣) : يجوز كون «أم» متصلة ، على أن الخطاب لليهود ، وحذف معادلها ، أي : أتدّعونَ على الأنبياء اليهوديّة أم كنتم شهداء؟.

الوجه الثّاني : أن تكون منقطعة ، وهي ثلاثة أنواع :

مسبوقة بالخبر المحض ، نحو : (تَنْزيلُ الكتابِ لا رَيبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ العالَمينَ أم يَقُولُونَ افتراهُ) (السجدة /٢ و ٣).

ومسبوقة بهمزة لغير استفهام ، نحو : (ألهُمْ أرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أمْ لَهُمْ أيد يَبْطِشُونَ بِها) (الأعراف /١٩٥) ؛ إذالهمزة في ذلك للإنكار ، فهي بمنزلة النفي ، والمتصلة لاتقع بعده.

ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة ، نحو قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوي الأعمى وَالبَصِيرُ أمْ هَل تَسْتَوي الظلُماتُ والنُور) (الرعد /١٦) وقول الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «وهل ينجيني منك اعترافي لك بقبيح ما ارتكبت؟ أم أوجبت لي في مقامي هذا سخطك؟» (١).

ومعنى «أم» المنقطعة الذي لا يفارقها : الإضرابُ ، ثمّ تارة له مجرداً ، وتارة تتضمن مع ذلك استفهاماً إنكارياً ، أو استفهاماً طلبياً.

فمن الأول : (هَلْ يَسْتَوي الأعمى والبَصيرُ أمْ هَلْ تَسْتَوي الظلُماتُ والنُورُ أمْ جَعلَوا لِلّهِ شُرَكاء) (الرعد /١٦). أما الاُولى : فلأنّ الاستفهام لايدخل على الاستفهام. وأما الثانية : فلأن المعنى على الإخبار عنهم باعتقاد الشركاء.

ومن الثاني : (أمْ لَهُ البَناتُ وَلَكُمُ البَنُونَ) (الطور /٣٩) تقديره : بل أله البنات ولكم البنون؟ ، إذ لو قدرت للإضراب المحض لزم الُمحال.

__________________

١ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء الثاني عشر : ٩٦.

٤٤

ومن الثالث قولهم : «إنها لإبل أم شاء؟» التقدير : بل أهي شاء؟

وقيل : إنها قد تأتي بمعنى الاستفهام المجرد ، نحو : (أمْ تُرِيدُونَ أنْ تَسْألُوا رَسُولَكُمْ) (البقرة /١٠٨).

ولاتدخل «أم» المنقطعة على مفرد ، ولهذا قدّروا المبتدأ في «إنها لإبل أم شاء».

وخرق ابن مالك في بعض كتبه إجماع النحويين ، فقال : لا حاجة إلى تقدير مبتدأ ، وزعم أنها تعطف المفردات كـ «بَلْ» وقدرها هنا بـ «بل» دون الهمزة ، واستدل بقول بعضهم : «إنّ هناك لإبلاً أم شاء» بالنصب. فإن صحت روايته فالأولى أن يقدّر لـ «شاء» ناصب ، أي : أم أرى شاء.

تنبيه

قد ترد «أم» محتملة للاتصال والانقطاع ، فمن ذلك قوله تعالى : (قُل أتّخذْتُمْ عِنْدالله عَهْداً فَلَنْ يُخلِفَ الله عَهْدَهُ أمْ تَقُولُونَ عَلَى الله ما لا تَعْلَمُونَ) (البقرة /٨٠).

قال الزمخشري : يجوز في «أم» أن تكون معادلة بمعنى أيّ الأمرين كائن ، على سبيل التقرير؛ لحصول العلم بكون أحدهما ، ويجوز أن تكون منقطعة.

الثالث : أن تقع زائدة ، ذكره أبو زيد ، وقال في قوله تعالى : (أفَلا تُبْصِرُونَ أمْ أنَا خَيرٌ) (الزخرف /٥١ و ٥٢) : إن التقدير : أفلا تبصرون أنا خير.

والزيادة ظاهرة في قول ساعدة بن جؤيَّة :

٤٥

٣٣ ـ ياليت شعري ولامنجى من الهرم

أم هل على العيش بعدالشيب من ندم؟ (١)

الرابع : أن تكون للتعريف ، نقلت عن طيّئ وعن حمير ، كقول بجير بن غنمة الطّائي :

٣٤ ـ ذاك خليلي وذو يواصِلني

يَرمي ورائي بامْسهَمِ وامْسَلِمه (٢)

وفي الحديث النّبوي : «ليس من امبر امصيام في امسفر» (٣).

(أَما)

على وجهين :

أحدهما : أن تكون حرف استفتاح بمنزلة «ألا» ، كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «أما لو أُذِن لَهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزّاد التقوى» (٤).

وتكثر قبل القسم ، كقول حاتم الطائي :

٣٥ ـ أماوالذي لا يعلَم الغيبَ غيرُهُ

ويُحيِي العِظامَ البيضَوهي رميم (٥)

وقد تبدل همزتها هاءً أو عيناً قبل القسم ، وكلاهما مع ثبوت الألف وحذفها أو تحذف الألف مع ترك الإبدال.

__________________

١ـ شرح شواهد المغني : ١/ ١٥٦.

٢ـ شرح شواهد المغني : ١/ ١٥٩.

٣ـ كنز العمال ٨ / ح ١٣٨٥٦.

٤ـ نهج البلاغة : ح ١٢٥/١١٤٧.

٥ـ وجواب القسم قوله بعد ذلك :

لقد كنت أختار القرى طاوي الحشا

محاذرة من أن يقال لئيم

شرح شواهد المغني : ١/٢٠٧.

٤٦

وإذا وقعت «انّ» بعد «أما» هذه كسرت كما تكسر بعد «ألا» الاستفتاحية.

الثّاني : أن تكون بمعنى «حقّا أو أحقّا» ، على خلاف في ذلك سيأتي.

وهذه تفتح «انّ» بعدها كما تفتح بعد «حقّاً».

وهي حرف عند ابن خروف ، وجعلها مع «أنّ» ومعموليها كلاماً تركّب من حرف واسم كما قاله الفارسي في «يا زيد».

وقال بعضهم : هي اسم بمعنى «حقّا». وقال آخرون : هي كلمتان : الهمزة للاستفهام ، و «ما» اسم بمعنى «شيء» وذلك الشيء حق ، فالمعنى : أحقّا ، وهذا هو الصواب. وموضع «ما» النصب على الظرفيّة كما انتصب «حقّا» على ذلك في نحو قوله (١) :

٣٦ ـ أحقّاً أنّ جيرتنا استقلّوا

فنيّـتنا ونيّـتهم فريق

وهو قول سيبويه ، و «أنّ» وصلتها مبتدأ ، والظرف خبره وقال المبرّد : «حقّاً» مصدرا «حَقَّ» محذوفاً و «أنّ» وصلتها فاعل.

وزاد المالقي لـ «أما» معنى ثالثا ، وهو أن تكون حرف عرض ، نحو : «أما تقوم ، أما تقعد».

وقد يُدّعى في ذلك أن الهمزة للاستفهام التقريري وأن «ما» نافية.

__________________

١ ـ قال السيوطي : «هو مطلع للمفضل السكري ...» وقال صاحب الحماسة البصرية : هو لعامر بن أسحم بن عدي الكندي ، شاعر جاهلي.

وقد أنشده صاحب الحماسة البصرية بلفظ : «ألم تَرَ أنّ جِيـرَتَنا استقلّوا فلا شاهد فيه». شرح شواهد المغني : ١/١٧١ و ١٧٢.

٤٧

(أمّا)

أمّا وقد تبدل ميمها الاُولى ياء ، وهو حرف شرط وتفصيل وتوكيد.

أما أنها شرط : فبدليل لزوم الفاء بعدها ، نحو : (فَأمّا الّذينَ آمنُوا فَيَعْلمُونَ أنّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّهِمْ وأمّا الّذينَ كَفَرُوا فَيَقُولونَ) (البقرة /٢٦) الآية ، ولو كانت الفاء للعطف لم تدخل على الخبر؛ إذ لا يعطف الخبر على مبتدأه ، ولو كانت زائدة لصح الاستغناء عنها ، ولما لم يصح ذلك وقد امتنع كونها للعطف ، تعيّن أنها فاء الجزاء.

وقد تحذف الفاء للضرورة (١) كقول الحارث بن خالد :

٣٧ ـ فأما القتال لاقتال لدَيكم

ولكنّ سيراً في عِراض المواكب (٢)

فإن قلت : فقد حذفت في قوله تعالى : (فَأمّا الّذينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفرتُمْ بَعْد إيمانِكُمْ) (آل عمران /١٠٦).

قلنا : الأصل : فيقال لهم أكفرتم ، فحذف القول استغناء عنه بالمقول ، فتبعته الفاء في الحذف ، وربّ شيء يصح تبعاً ولايصح استقلالاً.

وأمّا التفصيل : فهو غالب حالها كما تقدّم في آية البقرة ، ومن ذلك قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «ألا وقد أمرني الله بقتال أهل الْبَغْي والنكث والفساد في الأرض فأمّا الناكثون فقد قاتلتُ ، وأمّا القاسطونَ فقد جاهدتُ ، وأمّا المارقة فقد دَوَّختُ» (٣).

__________________

١ ـ صرح جماعة منهم ابن هشام وابن مالك بحذفها في غير الضرورة ندورا. راجع أوضح المسالك والألفية ، بحث «أمّا».

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ١/١٣٩ وشرح شواهد المغني : ١/١٧٧.

٣ ـ نهج البلاغة : ط ٢٣٤/٨١٠.

٤٨

وقد يترك تكرارها استغناءً بذكر أحد القسمين عن الآخر ، أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك القسم.

فالأول نحو : (يا أيُّها النّاسُ قَدْ جاءكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ وَأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً ، فَأمّا الّذينَ آمَنُوا بِالله وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ في رَحْمَة مِنْهُ وَفَضْل) (النّساء/١٧٤ و ١٧٥) أي : وأما الذين كفروا بالله فلهم كذا وكذا.

والثّاني نحو : (هُوَالّذي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ اُمُّ الكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ، فَأمّا الّذينَ في قُلُوبِهِمْ زيغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاء الفِتْنَةِ وَابْتِغاء تأوِيلِهِ) (آل عمران /٧). أي : وأما غيرهم فيؤمنون به ، ويدل على ذلك (يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (١) (آل عمران /٧).

وقد تأتي لغير تفصيل أصلاً ، نحو قول الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) : «أمّا بعد فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أوْفى ولا خيراً مِنْ أصحابي» (٢).

وأمّا التوكيد : فقال الزمخشري في توضيحه : فائدة «أمّا» في الكلام أن تعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد (٣) الذهاب وأنه منه عزيمة ، قلت : «أما زيد فذاهب» ولذا قال سيبويه في

__________________

١ ـ (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران).

٢ ـ الكامل في التاريخ : ٤/٥٧.

٣ ـ قال الصبان : هذا يوهم أن الذهاب لم يحصل بالفعل وهو خلاف ظاهر «ذاهب» حاشية الصبان : ٤/٣٦.

٤٩

تفسيره : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب. انتهى.

ويفصل بين «أمّا» والفاء بواحد من اُمور ستّة :

أحدها : المبتدأ كالآيات السابقة.

الثاني : الخبر ، نحو : «أمّا في الدار فزيد».

الثّالث : جملة الشرط ، نحو : (فَأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوحٌ) (الواقعة /٨٨ و ٨٩) الآيات.

الرّابع : اسم منصوب لفظاً أو محلاً بالجواب ، نحو : (وَأَمّا السّائلَ فَلا تَنْهَرْ وَأمّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى /١٠ و ١١).

الخامس : اسم كذلك معمول لمحذوف يفسره ما بعد الفاء ، نحو : «أمّا زيدا فاضربه» ويجب تقدير العامل بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه؛ لأن «أمّا» نائبة عن الفعل ، فكأنها فعل والفعل لايلي الفعل؛ وأما «ليس خَلَقَ الله مثله» ففي «ليس» ضميرُ شأن فاصلٌ في التقدير.

السّادس : ظرف معمول لـ «أمّا» لما فيها من معنى الفعل الّذي نابت عنه أو للفعل المحذوف ، نحو : «أمّا اليوم فإني ذاهب» ولا يكون العامل ما بعد الفاء؛ لأن خبر «إنّ» لا يتقدم عليها فكذلك معموله ، هذا قول الجمهور وخالفهم المبرّد وابن درستويه والفراء ، فجعلوا العامل نفس الخبر.

فإن قلت : «أمّا اليوم فأنا جالس» احتمل كون العامل «أمّا» وكونه الخبر؛ لعدم المانع ، وإن قلت : «أمّا زيداً فإنّي ضارب» لم يجز أن يكون العامل واحداً منهما وامتنعت المسألة عندالجمهور؛ لأنّ «أمّا» لا تنصب المفعول ومعمول خبر «إنّ» لايتقدّم عليها ، وأجاز ذلك المبرّد ومن وافقه على تقدير إعمال الخبر.

٥٠

تنبيهان

الأول : أنه سمع : «أمّا العبيدَ فذو عبيد» بالنصب «وأمّا قريشا فأنا أفضلها» وفيه دليل على اُمور :

أحدها : أنه لا يلزم أن يقدر «مهما يكن من شيء» بل يجوز أن يقدر غيره مما يليق بالمحل؛ إذالتقدير هنا : مهما ذكرت.

الثّاني : أنّ «أمّا» ليست العاملة ، إذ لا يعمل الحرف في المفعول به.

الثالث : أنه يجوز «أمّا زيدا فإني اُ كرم» على تقدير العمل للمحذوف.

التنبيه الثاني : أنه ليس من أمثلة «أمّا» التي في قوله تعالى : (أمّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النمل /٨٤) بل هي كلمتان : «أم» المنقطعة و «ما» الاستفهامية.

(إمّا)

قد تفتح همزتها وقد تبدل ميمها الاُولى ياءً. و «إمّا» عاطفة عند الأكثر ومرادهم «إمّا» الثانية في نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «فإنّهم صنفان إمّا أخ لك في الدين ، وإمّا نظير لك في الخلق» (١).

وزعم يونس والفارسي وابن كيسان أنها غير عاطفة كالاُولى ، ووافقهم ابن مالك ؛ لملازمتها غالباً الواو العاطفة.

ولاخلاف في أن «إمّا» الاُولى غير عاطفة؛ لاعتراضها بين العامل والمعمول في نحو : «قام إمّا زيد وإمّا عمرو» وبين أحد معمولي العامل ومعموله الآخر في نحو «رأيت إمّا زيداً وإمّا عمراً» وبين المبدل منه وبدله ، نحو قوله تعالى : (حَتّى إذا

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ك ٥٣ / ٩٩٣.

٥١

رأوْا ما يُوعَدُونَ إمّا العَذابَ وَإمّا السّاعَةَ) (مريم /٧٥) فإن ما بعد الاُولى بدل مما قبلها.

ولـ «إمّا» خمسة معان :

أحدها : الشك ، نحو : «جاءني إمّا زيد وإمّا عمرو» إذا لم تعلم الجائي منهما.

الثاني : الإبهام ، نحو : (وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ الله إمّا يُعَذّبُهُمْ وَإمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) (التوبة /١٠٦).

الثالث : التخيير ، نحو : (إمّا أنْ تُعذّبَ وَإمّا أنْ تتّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) (الكهف /٨٦).

الرابع : الإباحة ، نحو : «تعلّم إمّا فقهاً وإمّا نحواً».

الخامس : التفصيل ، نحو : (إنّا هدَيْناهُ السّبيلَ إمّا شاكِراً وَإمّا كَفُوراً) (الإنسان /٣).

وهذه المعاني لـ «أو» كما سيأتي ، إلاّ أنّ «إمّا» يبنى الكلام معها من أول الأمر على ما جيء بها لأجله من شك وغيره ، ولذلك وجب تكرارها في غير ندور ، و «أو» يفتتح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الشك أو غيره ، ولهذا لم تتكرر.

وقد يستغنى عن «إمّا» الثانية بذكر ما يغني عنها ، نحو : «إمّا أن تتكلّم بخير وإلاّ فاسكت».

وقد يستغنى عن الاُولى لفظاً كقوله : (١)

٣٨ ـ تُلمّ بدار قد تقادم عهدُها

وإمّا بأموات ألمّ خيالُها

__________________

١ ـ نسبه البغدادي إلى الفرزدق. شرح أبيات مغني اللبيب : ٢ / ١٨ ، ونسبه السيوطي إلى ذي الرّمة باختلاف يسير في الرواية. شرح شواهد المغني : ١ / ١٩٣.

٥٢

أي : إمّا بدار. والفراء يقيسه ، فيجيز «زيد يقوم وإمّا يقعد» كما يجوز «أو يقعد».

تنبيه

ليس من أقسام «إمّا» التي في قوله تعالى : (فَإمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشرِ أَحَدَاً فَقُولي إنّي نَذَرْتُ لِلرّحْمنِ صَوْماً) (مريم /٢٦) ؛ بل هذه «إن» الشرطية و «ما» الزائدة.

(أنْ)

على وجهين : اسم وحرف.

والاسم على قسمين : ضمير المتكلم في قول بعضهم : «أنْ فعلتُ» بسكون النون ، والأكثرون على فتحها وصلاً وعلى إلاتيان بالألف وقفاً.

وضمير المخاطب في نحو : «أنت» على قول الجمهور : إن الضمير هو «أن» والتاء حرف خطاب.

والحرف على أربعة أوجه :

أحدها : أن تكون حرفاً مصدرياً ناصباً للمضارع ، وتقع في موضعين :

الأول : في الابتداء ، فتكون في موضع رفع ، نحو : (وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (النساء /٢٥).

الثاني : بعد لفظ دال على معنى غير اليقين ، فتكون في موضع رفع ، نحو : (ألَمْ يَأنِ لِلّذينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ) (الحديد /١٦) ونصب ، نحو قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٥٣

«إنّ من السرف أن تأكل كلّ ما اشتهيت» (١) وخفض ، نحو : (وَأنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يأتِيَ أحَدَكُمُ المُوتُ) (المنافقون /١٠) ومحتملة لهما ، نحو : (وَالّذي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَلي) (الشعراء /٨٢) أصله : في أن يغفرلي.

واختلف في محل «أن» وصلتها بعد حذف الجار ، فذهب الخليل والأكثرون إلى أنّه نصب بالفعل المذكور وجوّز سيبويه خفضه بالجار المحذوف.

و «أن» هذه موصول حرفي ، وتوصل بالفعل المتصرف ، مضارعا كان كما مر ، أو ماضيا ، نحو : (لَولا أنْ مَنَّ الله عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) (القصص /٨٢) أو أمراً كحكاية سيبويه : «كتبت إليه بأن قم» ، هذا هوالصحيح.

وقد اختلف من ذلك في أمرين :

الأول : كون الموصولة بالماضي والأمرهي الموصولة بالمضارع ، والمخالف في ذلك ابن طاهر ، زعم أنها غيرها بدليلين :

أحدهما : أن الداخلة على المضارع تخلّصه للاستقبال فلا تدخل على غيره ، كالسين و «سوف».

ثانيهما : أنها لو كانت الناصبة لحكم على موضعهما بالنصب كما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد «إن» الشرطية ، ولاقائل به.

والجواب عن الأول : أنه منتقض بنون التوكيد؛ فإنها تخلص المضارع للاستقبال وتدخل على الأمر باطراد.

وعن الثاني : أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد «إن» الشرطية؛ لأنها أثرت القلب إلى الاستقبال في معناه ، فأثرت الجزم في محلّه ، كما أنها لما أثرت

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ٢ / ١١٢.

٥٤

التخليص إلى الاستقبال في معنى المضارع أثرت النصب في لفظه.

الأمر الثانى : كونها توصل بالأمر ، والمخالف في ذلك أبوحيان ، زعم أنها لاتوصل به وأن كل شيء سمع من ذلك فـ «أن» فيه تفسيرية ، واستدل بدليلين :

أحدهما : أنهما إذا قُدِّرا بالمصدر فات معنى الأمر.

الثاني : أنهما لم يقعا فاعلاً ولا مفعولاً ، لا يصح «أعجبني أن قُم» ولا «كرهتُ أن قُمْ» كما يصح ذلك مع الماضي والمضارع.

والجواب عن الأول : أن فوات معنى الأمرية في الموصولة بالأمر عندالتقدير بالمصدر كفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالماضي والمضارع عند التقدير المذكور.

وعن الثاني : أنه إنما امتنع ما ذكره؛ لأنـّه لامعنى لتعليق الإعجاب والكراهية بالإنشاء ، لا لما ذكر ، ثم ينبغي له ألاّ يسلم مصدرية «كي» ؛ لأنها لاتقع فاعلاً ولامفعولاً ، وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل.

ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه : «كتبت إليه بأن قُمْ» وأجاب عنها بأن الباء محتملة للزيادة وهذا وهم فاحش؛ لأن حروف الجر ـ زائدة كانت أو غير زائدة ـ لاتدخل إلاّ على الاسم أو ما في تأويله.

تنبيه

ذكر بعض الكوفيين وأبو عبيدة أن بعضهم يجزم بـ «أن» ، نحو قول امرئ القيس :

٥٥

٣٩ ـ إذا ما غَدَونا قال وِلدانُ أهلنا

تعالَوا إلى أن يأتنا الصيد نحْطب (١)

وقد يرفع الفعل بعدها كقراءة ابن مُحيْصن : (لِمَنْ أرادَ أنْ يُتِمُّ الرّضاعَة) (البقرة /٢٣٣) وزعم الكوفيون أنّ «أن» هذه هي المخففة من الثقيلة شذّ اتصالها بالفعل ، والصواب : قول البصريين : إنها «أن» الناصبة اُهملت حملاً على اُختها «ما» المصدرية.

الوجه الثاني : أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين (٢) أو ما نزل منزلته ، نحو قوله تعالى : (عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) (المزمل /٢٠) وقول جرير :

٤٠ ـ زعم الفرزدق أن سيقتل مربَعاً

أبْشِرْ بطول سلامة يا مرْبَعُ (٣)

و «أن» هذه ثلاثية الوضع وهي مصدرية أيضاً ، وتنصب الاسم وترفع الخبر خلافاً للكوفيين ، زعموا أنها لا تعمل شيئاً ، وشرط اسمها أن يكون ضميراً محذوفاً وربما ثبت وهو مختص بالضرورة على الأصح ، وشرط خبرها أن يكون جملة ، ولايجوز إفراده ، إلاّ إذا ذكر الاسم فيجوز الأمران وقد اجتمعا في قوله (٤) :

__________________

١ ـ قال السيوطي «والبيت أورده المصنّف (ابن هشام) مستشهداً به على أن «أن» قد تجزم المضارع. وقد أنكر ذلك الفارسي وقال : الرواية «إلى أن يأتي الصيد» وكذا أورده وصاحب منتهى الطلب. وأورده ابن الأنباري في شرح المفضليات بلفظ : إلى ما يأتنا الصيد».

شرح شواهد المغني : ١/٩٣.

٢ ـ جعل ابن هشام من موارد «أن» المخففة ، نحو قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (يونس /١٠) مما ليس قبله فعل اليقين. شرح شذور الذهب : ٢٨٢ ، أوضح المسالك : ١/٢٦٦ ، شرح قطر الندى : ١٥٤.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/١٠٣.

٤ ـ نسب لعمرة بنت العجلان بن زهير ورواه صاحب منتهى الطلب «بأنّك كنت الربيع المغيث» فلا شاهد فيه حينئذٍ. شرح شواهد المغني : ١/١٠٦ ـ ١٠٨.

٥٦

٤١ ـ بأنك ربيع وغيث مريع

وأنك هناك تكون الثِّمالا

الوجه الثالث : أن تكون مفسرة بمنزلة «أي» ، نحو : (فَأوْحَينا إلَيْهِ أنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) (المؤمنون /٢٧) (ونُودُوا أنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) (الأعراف /٤٣) وتحتمل المصدرية بأن يقدر قبلها حرف الجرّ فتكون في الاُولى «أن» الثنائية؛ لدخولها على الأمر ، وفي الثانية المخففة؛ لدخولها على الاسمية.

وعن الكوفيين : إنكار «أن» التفسيرية البتة وهو متجه؛ لأنه إذا قيل : «كتبت إليه أن قم» لم يكن «قم» نفس «كتبت» (١) كما كان الذهب نفس العسجد في قولك : هذا عسجد أي ذهب. ولهذا لوجئت بـ «أي» مكان «أن» في المثال لم تجده مقبولاً في الطبع.

ولها عند مثبتها شروط :

أحدها : أن تقع بين الجملتين كما تقدم.

الثاني : أن يكون في الجملة السابقة معنى القول كما مر ، ومنه : (وانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أن امْشُوا) (ص /٦) ؛ إذ ليس المراد بالانطلاق المشي ، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام ، كما أنه ليس المراد بالمشي ، المشي المتعارف ، بل الاستمرار على الشيء.

الثالث : أن لا يكون في الجملة السابقة أحرف القول إلاّ والقول مؤوّل

__________________

١ ـ هذا الكلام منبي على أن «قم» مفسر لـ «كتبت» وأمّا إذا قلنا : إنه مفسر للمفعول فلا يلزم محذور. قال المحقق الرضي : «أن» لا تفسر إلاّ مفعولاً مقدرا ، نحو : «كتبت إليه أن قم» أي : كتبت إليه شيئاً هو «قم» وقد يفسر المفعول به الظاهر ، نحو : (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ) (المائدة /١١٧) وقوله اعبدوا الله تفسير للضمير في «به» انتهى ملخصاً.

شرح الكافية : ٢/٣٨٥.

٥٧

بغيره (١) ، كما ذكر الزمخشري في قوله تعالى : (ما قلتُ لَهُمْ إلاّ ما أمَرتَني بِهِ أنْ اعْبُدُوا الله) (المائدة /١١٧) : أنه يجوز أن تكون مفسرة لفعل القول على تأويله بالأمر ، أي : ما أمرتهم إلاّ بما أمرتني به أن اعبدوا الله (٢).

الرابع : ألا يدخل عليها جار ، فلو قلت : «كتبتُ إليه بأن افعل» كانت مصدرية.

مسألة

إذا ولي «أن» الصالحة للتفسير مضارع معه «لا» ، نحو : «أشرت إليه أن لاتفعل» جاز رفعه على تقدير «لا» نافية ، وجزمه على تقديرها ناهية ، وعليهما فـ «أن» مفسّرة ، ونصبه على تقدير «لا» نافية و «أن» مصدرية ، فإن فُقدت «لا» امتنع الجزم ، وجاز الرفع والنصب.

الوجه الرابع : أن تكون زائدة ، ولها أربعة مواضع :

أحدها : ـ وهو الأكثر ـ أن تقع بعد «لمّا» التوقيتية ، نحو : (ولَمّا أنْ جاءتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيء بِهِم) (العنكبوت /٣٣).

الثاني : أن تقع بين «لو» وفعل القسم ، مذكورا كقول المسيب :

٤٢ ـ فاُقسم أن لو التقينا وأنتُم

لكان لكم يوم من الشرّ مظلمُ (٣)

__________________

١ ـ قال السيوطي : قلت : وهذا من الغرائب ، كونهم يشرطون أن يكون فيها معنى القول فإذا جاء لفظه أوّلوه بما فيه معناه مع صريحه! الإتقان : ٢/٢٠٤.

٢ ـ الكشاف : ١/٦٩٥.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/١٠٩.

٥٨

أو متروكا كقوله (١) :

٤٣ ـ أما والله أن لو كنت حُرّاً

وما بالحرِّ أنت ولا العتيق

الثالث : ـ وهو نادر ـ أن تقع بين الكاف ومخفوضها كقول مجمع بن هلال :

٤٤ ـ عَبَأتُ له رُمْحاً طويلاً وألَّةً

كأن قَبَس يُعْلى بِها حينَ تُشرَعُ (٢)

في رواية من جرّ «قبس».

الرابع : بعد «إذا» كقول أوس بن حجر :

٤٥ ـ فأمهَلَهُ حتى إذا أن كأنّه

مُعاطي يد من جَمَّةِ الماء غارِف (٣)

وزعم الأخفش أنها تزاد في غير ذلك ، وأنها تنصب المضارع كما تجر «من» والباء الزائدتان الاسمَ ، وجعل منه (وَمالَنا أن لا نَتَوكّلَ عَلَى الله) (إبراهيم /١٢) ، (وَما لَنا أنْ لا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ الله) (البقرة /٢٤٦) ، وقال غيره : هي في ذلك مصدرية ، ثم قيل : ضمّن «مالنا» معنى «ما منعنا» وفيه نظر؛ لأنه لم يثبت إعمال الجار والمجرور في المفعول به ، ولأن الأصل ألا تكون «لا» زائدة ، والصواب : قول بعضهم : إن الأصل : ومالنا في أن لا نفعل كذا ، وإنما لم يجز للزائدة أن تعمل ؛ لعدم اختصاصها بالأفعال بدليل دخولها على الحرف وهو «لو» و «كأنّ» وعلى الاسم وهو «قبس».

__________________

١ ـ لم يسم قائله. شرح أبيات مغني اللبيب : ١/ ١٥٧.

٢ ـ الإنصاف في مسائل الخلاف : ١ ـ ٢/٢٠٣.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/١١٤ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ١/١٦٤.

٥٩

تنبيه

ذكر لـ «أن» معان أربعة اُخر :

أحدها : الشرطية ، وإليه ذهب الكوفيون ويرجّحه اُمور :

الأول : توارد المفتوحة ، والمكسورة على المحل الواحد ، والأصل التوافق ، فقرئ بالوجهين قوله تعالى : (أفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذّكْرَ صَفْحاً انْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفينَ) (الزخرف / ٥).

الثاني : مجيء الفاء بعدها كثيراً كقول عباس بن مرداس :

٤٦ ـ أبا خُراشة أمّا أنتَ ذانفر

فإنّ قوميَ لم تأكلهُم الضّبُعُ (١)

الثالث : عطفها على «إن» المكسورة في قوله (٢) :

٤٧ ـ إمّا أقمتَ وأمّا أنت مرتحلاً

فالله يكلأُ ما تأتي وما تذرُ

الرواية بكسر «ان» الاُولى وفتح الثانية ، فلو كانت المفتوحة مصدرية لزم عطف المفرد على الجملة.

ثانيها : النفي ، قاله بعضهم في قوله تعالى : (ولا تؤمنُوا إلاّ لِمَنْ تَبِعَ دينَكُمْ قُلْ إنّ الهُدى هُدَى الله أنْ يُؤْتى أحَدٌ مِثْلَ ما اُوتيتُمْ) (آل عمران /٧٣) وقيل : إن المعنى : ولاتؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما اُوتيتم من الكتاب إلاّ لمن تبع دينكم ، وجملة القول اعتراض.

ثالثها : معنى «إذ» قاله بعضهم في قوله تعالى : (بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءهُمْ مُنْذِرٌ

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ١١٦.

٢ ـ قال البغدادي : «البيت مع شهرته في كتب النحو وغيرها لم أظفر بقائله». شرح أبيات مغني اللبيب : ١ / ١٨٠.

٦٠