مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

وإذا قيل : «خرجت فإذا الأسدُ» صح كونها عندالمبرد خبراً ، أي : فبالحضرة الأسدُ ، ولم يصح عندالزجّاج؛ لأن الزمان لا يخبر به عن الجثة ، ولا عندالأخفش ، لأن الحرف لايخبر به ولا عنه ، فإذا قلت : «فإذا القتالُ» صحت خبريتها عند غير الأخفش.

وتقول : «خرجت فإذا زيد جالس أو جالساً» فالرفع على الخبرية ، و «إذا» نصب به ، والنصب على الحالية والخبر «إذا» إن قيل : بأنها مكان ، وإلاّ فهو محذوف. نعم يجوز أن تقدّرها خبراً عن الجثّة مع قولنا : إنها زمان إذا قدّرت حذف مضاف كأن تقدّر في نحو : «خرجت فإذا الأسد» : فإذا حضور الأسد.

الثانى : أن تكون لغير المفاجأة ، والغالب أن تكون ظرفاً للمستقبل مضمّنة معنى الشرط وتختصّ بالدخول على الجملة الفعلية ، عكس الفجائية ، كقول الفرزدق في مدح الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) :

٩ ـ إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم (١)

وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (ثُمَّ إذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنْ الأرض إذا أنتُمْ تَخْرُجوُن) (الروم /٢٥).

ويكون الفعل بعدها ما ضياً كثيراً كما تقدم وقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «إذا سألت فاسأل تفقّها ولا تسأل تعنّتا» (٢) ومضارعاً دون ذلك ، كقول العباس بن مرداس في مدح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :

١٠ ـ ياخيرَ مَنْ رَكِبَ المطيّ ومن مَشى

فوق التّراب إذا تعدّ الأنفس (٣)

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢ / ٧٣٣.

٢ ـ غرر الحكم : ١ / ٣٢٣ باب «إذا».

٣ ـ لسان العرب : مادّة أذذ.

٢١

وقد اجتمعا في قول أبي ذؤيب :

١١ ـ والنفسُ راغِبةٌ إذا رَغّبْتَها

وإذا تُردُّ إلى قليل تَقنع (١)

وإنما دخلت الشرطية على الاسم في نحو قوله تعالى : (إذا السَّماء انْشَقّتْ) (الانشقاق /١) وقول خزيمة بن ثابت :

١٢ ـ إذا نحن بايعنا عليّاً فحسبنا

أبو حسن مما تخاف من الفتن (٢)

؛ لأنه فاعل بفعل محذوف على شريطة التفسير ، لامبتدأ ، خلافاً للأخفش.

ولاتعمل «إذا» الجزم (٣) إلاّ في الضرورة ، كقول أعشى هَمْدان :

١٣ ـ وإذا تُصِبْك من الحوادث نكبة

فاصبر ، فكل مصيبة ستكشّف (٤)

تنبيه

قيل : قد تخرج عن كلّ من الظرفية والاستقبال ومعنى الشرط.

أمّا الأوّل ، فزعمه أبوالحسن في قوله تعالى : (حَتّى إذا جاءُوها) (الزمر /٧١) حيث قال : إنّ «إذا» جرّ بـ «حتّى».

وزعم أبوالفتح في (إذا وَقَعَتِ الْواقعة ليس لوقعتها كاذِبَةٌ خافِضَة

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٢٦٢.

٢ ـ أعيان الشيعة : ١ / ٤٤٤.

٣ ـ لا يقال : إنها عملت الجزم في قوله تعالى : «والليل إذا يسر» مع خروجها من الشرطية ، ففيها أولى لاقتضاء الشرطية الجزم أكثر من غيرها ، إذ يقال : إنها ليست في الآية جازمة ، وحذف اللام في «يسر» ليس للجزم بل تحذف اكتفاء عنها بالكسرة. قال الزمخشري : وياء «يسر» تحذف في الدرج اكتفاء عنها بالكسرة. الكشاف : ٤ / ٧٤٦.

٤ ـ اللباب : ٢٨.

٢٢

رافِعة ، إذا رُجَّت الأرض رَجّاً) (الواقعة / ١ ـ ٤) فيمن نصب «خافضة رافعة» أنَّ «إذا» الاُولى مبتدأ والثانية خبر والمنصوبين حالان ، وكذا جملة ليس ومعموليها ، والمعنى : وقتُ وقوع الواقعة خافضة لقوم رافعة لآخرين هو وقت رجّ الأرض.

وأنكر الجمهور خروجها عن الظّرفية وقالوا : إنّ «حتّى» في الآية الاُولى حرف ابتداء دخل على الجملة بأسرها ولا عمل لها وأمّا «إذا وقعت الواقعة» فـ «إذا» الثانية بدل من الاُولى ، والاُولى ظرف وجوابها محذوف ، لفهم المعنى ، وحسّنه طول الكلام ، وتقديره بعد «إذا» الثانية ، أي : انقسمتم أقساماً وكنتم أزواجاً ثلاثة.

وأمّا الثّاني : فعلى وجهين :

أحدهما : أن تجيء للماضي ، كقوله تعالى : (وَلا عَلَى الّذينَ إذا ما أتوكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أجِدُ ما أحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأعْيُنُهُمْ تَفيضُ مِنَ الدّمْعِ) (التوبة /٩٢).

والثاني : أن تجيء للحال ، وذلك بعد القسم ، كقوله تعالى : (والّيل إذا يَغشَى) (الليل /١) قيل : لإنها لو كانت للاستقبال لم تكن ظرفاً لفعل القسم؛ لأنّه إنشاء لا إخبار عن قسم يأتي؛ لأنّ قسم الله سبحانه قديم (١). ولا لكون محذوف هو حال من «الّيل» ؛ لأنّ الحال والاستقبال متنافيان ، وإذا بطل هذان

__________________

١ ـ الحكم بقدم كلام الله تعالى في هذه العبارة وما بعدها مخالف لمذهب الإمامية قال الامام الصادق عليه السلام : «الكلام محدث ، كان الله عز وجل وليس بمتكلم ثم أحدث الكلام» بحار الأنوار : ٤ / ١٥٠. راجع لتحقيق البحث نفس المصدر وكشف المراد : ٢٨٩ ومنهاج البراعة : ١٠ / ٢٦٣.

٢٣

الوجهان تعيّن أنّه ظرف لأحدهما ، على أنّ المراد به الحال. انتهى.

والصحيح : أنّه لايصح التعليق بـ «اُقسم» الإنشائي؛ لأنّ القديم لا زَمان له ، لا حال ولا غيره ، بل هو سابق على الزمان ، وأنه لايمتنع التعليق بـ «كائناً» مع بقاء «إذا» على الاستقبال ، بدليل صحة مجيء الحال المقدرة باتفاق ، كـ «مررت برجل معه صقر صائداً به غداً» أي : مقدراً الصيد به غَداً ، كذا يقدرون ، وأوضح منه أن يقال : مريداً به الصيد غداً ، كما فسّر «قمتم» في (إذا قُمتُم إلَى الصّلاة) (المائدة /٦) بـ «أردتم».

وأمّا الثالث : فمثاله قوله تعالى : (وَإذا ما غَضِبُواهُمْ يَغفِرُونَ) (الشورى /٣٧) فـ «إذا» فيها ظرف لخبر المبتدأ بعدها ولو كانت شرطية والجملة الاسمية جواباً ، لاقترنت بالفاء.

وقول بعضهم : إنه على إضمار الفاء ، مردود بأنّها لاتحذف إلاّ ضرورة.

وقول آخر : إنّ الضمير توكيد لا مبتدأ وإنّ ما بعده الجواب ، ظاهر التعسّف.

وقول آخر : إنّ جوابها محذوف مدلول عليه بالجملة بعدها ، تكلّف مِن غير ضرورة.

ومن ذلك «إذا» الّتي بعد القسم ، نحو : (والّيلِ إذا يَغشى) (الليل /١) ، إذ لوكانت شرطية كان ما قبلها جواباً في المعنى ، فيكون التقدير : إذا يغشى اللّيل أقسمت وهذا ممتنع؛ لوجهين : أحدهما : أن القسم الإنشائي لايقبل التعليق ؛ لأن الإنشاء إيقاع والمعلق يحتمل الوقوع وعدمه. والثاني : أن الجواب خبري ، فلايدل عليه الإنشاء لتباين حقيقتهما.

٢٤

مسألة

في ناصب «إذا» الشرطية مذهبان :

أحدهما : أنّه شرطها وهو قول المحقّقين ، فتكون بمنزلة «متى وحيثما وأيّان».

وقول أبي البقاء : إنه مردود بأنّ المضاف إليه لا يعمل في المضاف ، غير وارد؛ لأنّ «إذا» عند هؤلاء غير مضافة كما يقوله الجميع إذا جزمت.

والثّاني : أنه ما في جوابها من فعل أو شبهه ، وهو قول الأكثرين.

ويرد عليهم اُمور :

أحدها : أن الشرط والجزاء عبارة عن جملتين تربط بينهما الأداة ، وعلى قولهم تصير الجملتان واحدة؛ لأن الظرف عندهم مِن جملة الجواب ، والمعمول داخل في جملة عامله.

الثّاني : أنه يلزمهم في نحو : «إذا جئتني اليوم أكرمتك غداً» أن يعمل «أكرمتك» في ظرفين متضادين ، وذلك باطل عقلاً ؛ إذ الحدث الواحد المعيّن لايقع بتمامه في زمانين وقصداً ، إذ المراد وقوع الإكرام في الغد لا في اليوم.

فإن قلت : فما ناصب «اليوم» على القول الأول ، وكيف يعمل العامل الواحد في ظرفي زمان؟ قلنا : لم يتضادا كما في الوجه السابق ، وعمل العامل في ظرفي زمان يجوز إذا كان أحدهما أعم من الآخر ، نحو : «آتيك يوم الجمعة سحر» وليس بدلاً؛ لجواز «سير عليه يوم الجمعة سحر» برفع الأول ونصب الثانى ، نص عليه سيبويه وأنشد الفرزدق :

٢٥

١٤ ـ متى تردن يوماً سفار تجد بها

اُدَيهم يَرمي المستجيز المعوّرا (١)

فـ «يوماً» يمتنع أن يكون بدلاً من «متى» ؛ لعدم اقترانه بحرف الشرط ولهذا يمتنع في «اليوم» في المثال أن يكون بدلاً من «إذا» ويمتنع أن يكون ظرفاً لـ «تجد» ؛ لئلا ينفصل «ترد» من معموله وهو «سفار» بالأجنبي فتعيّن أنه ظرف ثان لـ «ترد».

الثّالث : أنّ الجواب ورد مقروناً بـ «إذا» الفجائية ، نحو : (ثُمَّ إذا دَعاكُمْ دَعْوةً مِنَ الأرضِ إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (الروم /٢٥) وبالحرف الناسخ ، نحو : «إذا جئتني اليوم فإني اُكرمُك» وكلّ منهما لا يعمل ما بعده فيما قبله ، وورد أيضاً والصالح فيه للعمل صفة ، كقوله تعالى : (فَإذا نُقِرَ في النّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئذ يَوْمٌ عَسِير) (المدثر / ٨ و ٩) ولاتعمل الصفة فيما قبل الموصوف.

(إذ ما)

أداة شرط ، تجزم فعلين ، نحو قوله (٢) :

١٥ ـ وإنّك إذما تأتِ ما أنت آمر

به تُلفِ مَنْ إياه تأمر آتيا

وهي حرف عند سيبويه بمنزلة «إن» الشرطية وظرف عند المبرّد وابن السرّاج والفارسي ، وعملها الجزم قليل لا ضرورة؛ خلافاً لبعضهم.

(إذاً)

فيها مسائل :

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٢٨٥.

٢ ـ لم يسمّ قائله. شرح ابن عقيل : ٢ / ٣٦٧.

٢٦

المسألة الاُولى : في نوعها ، قال الجمهور : هي حرف. وقيل : اسم. والأصل في «إذاً اُكرِمَك» : إذا جئتني اُكرِمُك ، ثمّ حذفت الجملة ، وعوّض التنوين منها ، واُضمرت «أن» (١). وعلى القول الأوّل فالصحيح : أنّها بسيطة ، لا مركّبة من «إذ» و «أن» وعلى البساطة فالصحيح : أنّها الناصبة ، لا «أن» مضمرة بعدها.

المسألة الثانية : في معناها ، قال سيبويه : معناها : الجواب والجزاء. فقال الشلوبين : في كل موضع. وقال أبو علي الفارسي : في الأكثر وقد تتمحّض للجواب بدليل أنّه يقال لك : اُحبّك ، فتقول : إذاً أظنّك صادقاً ، إذ لا مجازاة هنا ضرورة. انتهى كلامه.

والأكثر أن تكون جواباً لـ «إن» أو «لو» ظاهرتين أو مقدّرتين.

فالأوّل : كقول كُثَيّر عَزّة :

١٦ ـ لئن عادلي عبدالعزيز بمثلها

وأمكنني منها إذاً لا اُقيلها

وقوله تعالى : (قُلْ لَوْ أنْتُم تَمْلِكُونَ خَزائنَ رَحْمَةِ رَبّي إذاً لأمسَكْتُم) (الإسراء /١٠٠).

والثّاني : كقول الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حين سمع رجلاً يقول : «اللّهُم آتني ما تؤتي عبادك الصالحين» : «إذاً يُعْقَر جوادك وتُهراق مُهْجتك في سبيل الله» (٣) وقال الله تبارك وتعالى : (ما اتّخذَ الله مِنْ وَلَد وما كان مَعَهُ مِنْ إله ، إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إله

__________________

١ ـ قال المحقق الرضي : والذي يلوح لي في إذاً ويغلب في ظني ، أنّ أصله إذ حذفت الجملة المضاف إليها ، وعوّض منها التنوين لما قصد جعله صالحاً لجميع الأزمنة الثلاثة. شرح الكافية : ٢ / ٣٣٥.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٦٣.

٣ ـ كنز العمال : / ٤ ح ١١٣٣٥.

٢٧

بِما خَلقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْض) (المؤمنون /٩١).

المسألة الثّالثة : في لفظها عند الوقف عليها ، والصحيح : أنّ نونها تبدل ألفاً ، تشبيهاً لها بتنوين المنصوب.

وقيل : يوقف بالنون ؛ لأنّها كنون «لَن وأن» رُوي عن المازني والمبرّد.

ويبتني على الخلاف في الوقف عليها خلاف في كتابتها ، فالجمهور يكتبونها بالألف وكذا رسمت في المصاحف ، والمازني والمبرّد بالنون.

وعن الفراء : إن عملت كتبت بالألف ، وإلاّ كتبت بالنون ؛ للفرق بينها وبين «إذا» وتبعه ابن خروف.

المسألة الرابعة : في عملها ، وهو نصب المضارع ، بشرط تصديرها ، واستقباله ، واتصالهما أو انفصالهما بالقسم أو بـ «لا» النافية ، يقال : آتيك ، فتقول : «إذاً اُكرمك» ولو قلت : أنا إذاً قلت : «اُكرمك» بالرفع؛ لفوات التصدير.

ولو قيل لك : أحبّك فقلت : «إذاً أظنّك صادقاً» رفعت؛ لأنه حال.

ولو قلت : إذاً يا عبدالله قلت : «اُكرمُك» بالرفع؛ للفصل بغير ما ذكرنا.

تنبيه

قال جماعة من النحويين : إذا وقعت «إذاً» بعد الواو أو الفاء جاز فيها الوجهان ، نحو : (وإذاً لا يَلبثُون خلافكَ إلاّ قليلاً) (الإسراء /٧٦) وقُرِئ شاذاً بالنصب (١).

والتحقيق أنه إذا قيل : «إن تزرني أزرك وإذاً اُحسن إليك» فإن قدّرت

__________________

١ ـ وهي قراءة اُبيّ. الكشاف : ٢ / ٦٨٦.

٢٨

العطف على الجواب جزمت وبطل عمل «إذاً» ؛ لوقوعها حشواً ، أو على الجملتين جميعاً جاز الرفعُ والنصبُ؛ لتقدّم العاطف.

وقيل : يتعيّن النصب ، إذ ما بعدها مستأنف؛ لأنّ المعطوف على الأوّل أوّل.

(أل)

على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون اسماً موصولاً بمعنى «الّذي» وفروعه ، وهي الداخلة على اسمي الفاعل والمفعول كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له ، والناهين عن المنكر العاملين به» (١).

قيل : والصفات المشبهة ، وليس بشيء؛ لأن الصفة المشبهة للثبوت فلا تُؤوَّل بالفعل (٢) ، ولهذا كانت الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة باتفاق.

وربّما وصلت بظرف ، أو بجملة اسمية ، أو فعلية فعلها مضارع.

فالأوّل : كقوله (٣) :

١٧ ـ من لا يزالُ شاكرا على المَعَه

فَهوَ حَر بعيشة ذاتِ سعه

والثاني : كقوله : (٤)

١٨ ـ من القوم الرسولُ الله منهم

لهم دانت رقابُ بني معدِّ

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٢٩ / ٤٠١.

٢ ـ صرّح بموصوليتها ابن هشام في شرح قطر الندى باب النكرة والمعرفة / ١٠٢.

٣ ـ لم يسمّ قائله ، شرح شواهد المغني : ١ / ١٦١.

٤ ـ لم يسمّ قائله ، شرح شواهد المغني : ١ / ١٦١.

٢٩

والثالث : كقول الفرزدق :

١٩ ـ ماأنتَ بِالْحَكَمِ التُّرضى حكومَتُه

ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجَدَل (١)

والجميع خاص بالشعر ، خلافاً للأخفش وابن مالك في الأخير.

الثاني : أن تكون حرف تعريف ، وهي نوعان : عهدية وجنسية ، وكلّ منهما ثلاثة أقسام :

فالعهدية : إمّا أن يكون مصحوبها معهوداً ذكرياً ، نحو : (فيها مِصباحٌ ، المصباحُ في زُجاجَة ، الزُّجاجةُ كَأنَّها كَوْكبٌ دُرّيٌ) (النور /٣٥) وعبرة هذه : أن يسدّ الضمير مسدّها مع مصحوبها أو معهوداً ذهنيّا ، نحو : (إذ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (الفتح /١٨) أو معهوداً حضورياً ، نحو : (اليَومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم) (المائدة /٣).

والجنسيّة : إمّا لاستغراق الأفراد ، وهي الّتي تخلفها «كُلّ» حقيقة ، نحو : (إنَّ الإنْسان لَفِي خُسْر إلاّ الّذينَ امَنوا) (العصر / ٢ و ٣) أو لاستغراق خصائص الأفراد ، وهي الّتي تخلفها «كلّ» مجازاً ، نحو : «زيد الرجل علماً» أي : الكامل في هذه الصفة ، أو لتعريف الماهية ، وهي التي لاتخلفها «كلّ» لا حقيقةً ولا مجازاً ، نحو قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ المآء كُلّ شَيء حَيّ) (الأنبياء /٣٠) وقول الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) : «اللُؤم ، أن لا تشكر النعمة» (٢).

وبعضهم يقول في هذه : إنها لتعريف العهد ، فإنّ الأجناس اُمورٌ معهودة في الأذهان متميّز بعضها عن بعض ، ويقسّم المعهود إلى شخص وجنس.

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ١ / ٢٩٢.

٢ ـ تحف العقول ، كلمات الامام المجتبى عليه السلام : ١٦٨.

٣٠

والفرق بين المعرّف بـ «أل» هذه وبين اسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيّد والمطلق ، وذلك لأنّ ذا الألف واللام يدلّ على الماهية بقيد حضورها في الذهن ، واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الماهية ، لا باعتبار قيد.

الوجه الثّالث : أن تكون زائدة ، وهي نوعان : لازمة ، وغير لازمة.

فالاُولى : كالتي في الأسماء الموصولة على القول بأنّ تعريفها بالصلة ، وكالواقعة في الأعلام بشرط مقارنتها لنقلها كـ «اللاّت والعزّى» أو لارتجالها كـ «السَّموأل» أو لغلبتها على بعض مَن هي له في الأصلِ كـ «البيت» للكعبة و «المدينة» لطَيْبة (١). وهذه في الأصل لتعريف العهد.

والثانية نوعان : كثيرة واقعة في الفصيح ، وغيرها.

فالاُولى : الداخلة على عَلم منقول من مجرّد صالح لها مَلمُوح أصله ، كـ «حارث وعبّاس» فتقول فيهما : «الحارث والعباس» ويتوقف هذا النوع على السّماع ، ألا ترى أنه لا يقال مثل ذلك في نحو : «محمّد وأحمد»؟.

والثانية نوعان : واقعة في الشعر ، وواقعة في شذوذ من النثر.

فالاُولى : كالداخلة على قول الرشيد بن شهاب اليشكري :

٢٠ ـ رأيتك لمّاأن عرفتَ وجوهَنا

صددتَ وطبتَ النفس ياقيس عن عمرو (٢)

والثانية : كالواقعة في قولهم : «ادخلوا الأوّل فالأوّل».

__________________

١ ـ بسكون الياء.

٢ ـ شرح ابن عقيل : ١ / ١٨٢.

٣١

تنبيه

قال الكسائي في قول القائل (١) :

٢١ ـ فإن تَرْفقي يا هندُ فالرفق أيمَنُ

وإن تَخْرَقِي يا هندُ فالخُرْق أشأمُ

فأنتِ طَلاقٌ والطلاقُ عَزِيمةٌ

ثلاثٌ ، ومَن يَخْرَقْ أعَقُّ وأظلمُ

إن رفع «ثلاثاً» طلقت واحدة؛ لأنه قال : «أنتِ طلاق» ثمّ أخبر أنّ الطّلاق التام ثلاث. وإن نصبها طلقت ثلاثاً؛ لأنّ معناه : أنت طالق ثلاثاً ، وما بينهما جملة معترضة.

والصواب : أنّ كلاًّ من الرفع والنصب محتمل لوقوع الثلاث ولوقوع الواحدة ، أمّا الرفع فلأنّ «أل» في الطلاق إمّا لاستغراق خصائص الأفراد وإمّا للعهد الذكري ، أي : وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث. ولاتكون لاستغراق الأفراد؛ لئلا يلزم الإخبار عن العام بالخاص ، كما يقال : «الحيوان إنسان» وذلك باطل؛ إذ ليس كل حيوان إنساناً ولا كل طلاق عزيمة ولا ثلاثاً.

فعلى العهدية يقع الثلاث ، وعلى الجنسية يقع واحدة كما قال الكسائي ، وأمّا النصب فلأنه محتمل لأن يكون على المفعول المطلق ، وحينئذ يقتضي وقوع الطلاق الثّلاث؛ إذالمعنى فأنت طالق ثلاثاً ، ثم اعترض بينهما بقوله : والطلاق عزيمة ، ولأن يكون حالاً من الضمير المستتر في «عزيمة» وحينئذ لايلزم وقوع الثلاث؛ لأنّ المعنى : والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثاً ، وإنّما يقع ما نواه.

هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ مع قطع النظر عن شيء آخر(٢) ، وأمّا الّذي

__________________

١ ـ قال البغدادي : لم أقف على قائل هذه الأبيات. شرح أبيات مغني اللبيب : ١ / ٣٢٤.

٢ ـ قال الشيخ الطوسي : إذا طلّقها ثلاثاً بلفظ واحد وقعت واحدة عند أكثر أصحابنا ، وفيهم من قال : لا يقع شيئاً انتهى ملخصاً. كتاب الخلاف ، الطلاق : ٢ / ٤٤٠.

٣٢

أراده هذا الشاعر المعيّن فهو الثلاث؛ لقوله بعدُ :

فبيني بها أن كنتِ غير رفيقة

ومالامرئ بعد الثلاث مقدّمُ

مسألة

أجاز الكوفيون وبعض البصريين وكثير من المتأخرين ، نيابة «أل» عن الضمير المضاف إليه. وخرّجوا على ذلك (وأمّا مَنْ خافَ مَقامَ ربّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوى فإنَّ الْجَنَّةَ هِيَ المَأوى) (النازعات /٤٠ و ٤١) و «مررت برجل حسن الوجهُ» و «ضُرب زيدٌ الظهرُ والبطن» إذا رفع «الوجه والظهر والبطن».

والمانعون يقدّرون هي المأوى له ، والوجه منه والظهر والبطن منه في الأمثلة وقيّد ابن مالك الجواز بغير الصلة.

وأجاز الزمخشري نيابتها عن الظاهر وأبوشامة عن ضمير الحاضر.

والمعروف من كلامهم إنّما هو التمثيل بضمير الغائب.

(ألا)

على خمسة أوجه :

أحدها : التنبيه فتدل على تحقق ما بعدها ، وتدخل على الجملتين ، كقوله تعالى : (ألا إنَّهُمْ هُمُ السُّفهاء) (البقرة /١٣) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «ألا فما يصنع بالدنيا مَنْ خُلق للآخرة؟» (١) ويقول المعربون فيها :

__________________

لايقع شيئاً انتهى ملخصاً. كتاب الخلاف ، الطلاق : ٢/٤٤٠.

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٥٦ / ٤٩٥.

٣٣

حرف استفتاح فيبينون مكانها ويهملون معناها.

الثاني : التوبيخ والإنكار ، كقوله (١) :

٢٣ ـ ألا ارعواء لمن ولّتْ شَبيبتُهُ

وآذنتْ بمشيب بعدَهُ هرمُ

الثالث : التمني ، كقوله (٢) :

٢٤ ـ ألا عُمْر وَلّى مستطاع رجوعه

فيرأب ما أثأتْ يدُ الغفلات

ولهذا نصب «يرأب» ؛ لأنه جواب تمنٍّ مقرون بالفاء.

الرابع : الاستفهام عن النفي نحو : «ألا اصطبارَ؟»

وهذه الأقسام الثلاثة مختصة بالدخول على الجملة الاسمية ، وتعمل عمل «لا» التبرئة ، ولكن تختصّ الّتي للتّمني بأنها لاخبر لها لفظاً ولا تقديراً ، وبأنّها لايجوز مراعاة محلّها مع اسمها ، وأنها لايجوز إلغاؤها ولو تكررت ، أما الأول فلأنها بمعنى «أتمنى» و «أتمنى» لا خبر له. وأما الآخران فلأنها بمنزلة «ليت» وهذا كله قول سيبويه ومن وافقه. وعلى هذا فيكون قوله في البيت : «مستطاع رجوعه» مبتدأ وخبراً على التقديم والتأخير ، والجملة صفة ثانية على اللفظ ، ولايكون «مستطاع» خبراً أو نعتاً على المحل و «رجوعه» مرفوع به عليهما؛ لما بيّنا.

الخامس : العرض والتحضيض (٣) ومعناهما طلب الشيء ولكن العرض

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٢١٢ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٢ / ٩٢ ، لم يسمّ قائله.

٢ ـ لم يسمّ قائله ، شرح شواهد المغني : ١ / ٢١٣.

٣ ـ ذهب جماعة من النحويين إلى أن الثاني والثالث والرابع من أوجه ألا مركبة من الهمزة ولا ، والخامس أيضاً مركب عند بعض مع أن البحث في البسائط والمفردات ، والقول بأنها صارت مفردة بعد التركيب فيه ما لا يخفى ، وأما الأوّل فقال الأكثرون : إنه بسيط ، وقيل : مركب. راجع لتحقيق البحث أوضح المسالك : ١ / ٢٩١ ـ ٢٩٤ والتصريح على التوضيح : ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٦ وحاشية الصبان : ٢ / ١٧ والنحو الوافي : ١ / ٦٤٢ و ٦٤٤.

٣٤

طلب بلين والتحضيض طلب بحثّ.

وتختص «ألا» هذه بالفعلية ، نحو : (فَجاء بِعِجْل سَمين فَقَرّبَهُ إلَيْهِمْ قالَ ألا تأكُلُونَ) (الذاريات /٢٦ و ٢٧). (ألا تُقاتِلُونَ قَوماً نَكَثُوا أيمانَهُمْ) (التوبة /١٣).

(ألاّ) (١)

حرف تحضيض (٢) ، مختص بالجمل الفعلية الخبرية كسائرأدوات التحضيض.

تنبيه

ليس من أمثلة «ألاّ» الّتي في (إنّهُ بِسْمِ الله الرّحمنِ الرّحيم ألاّ تَعْلُوا عَلَيّ) (٣) (الّنمل / ٣٠ و ٣١) بل هذه كلمتان : «أن» الناصبة و «لا» النافية ، أو «أن» المفسرة و «لا» الناهية.

__________________

١ ـ ذكر ابن هشام في المغني أدوات التحضيض إلّا «هلّا» ولعلّ سرّه أن «ألّا» أصله «هلّا» والبحث عن أحدهما يغني عن الآخر ، ويحتمل أنّه اكتفى بذكر مثاله في مبحث ألّا.

٢ ـ ذكر جماعة لـ «ألّا» معنى التوبيخ والتحضيض ، والفرق بينهما : أن التوبيخ هو اللوم على ترك الفعل في الماضي والتحضيض هو الحضّ على الفعل والطلب له في المستقبل ، ولم يذكر ابن هشام في المغني لفظ «التوبيخ» هنا وذكره في «لولا» ولعل السرفيه أنه لم يرتضه ويحتمل أنه يعتقد أن «ألّا» إذا دخلت على الماضي كانت توبيخاً على ترك الفعل في الماضي وتحضيضاً على فعل مثله في المستقبل وإذا دخلت على المستقبل كانت للحضّ على الفعل وعليه فلا يفارق «ألّا» التوبيخية التحضيض ، فالتعبير بالتحضيض دون التوبيخ لا يخلو من وجه. فافهم.

٣ ـ (قالت يا أيّها الملؤا إني اُلقي إليّ كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألّا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين) (النمل / ٢٩ ـ ٣١).

٣٥

(إلاّ)

على أربعة أوجه :

أحدها : أن تكون للاستثناء ، نحو قوله تعالى : (فَشَربُوا مِنْهُ إلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ) (البقرة /٢٤٩) وقول الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «وتقيهم طوارق الليل والنهار إلاّ طارقاً يطرق بخير» (١) وانتصاب ما بعدها في المثالين ونحوهما بها على الصحيح ونحو : (ما فَعَلُوهُ إلاّ قَليلٌ مِنْهُمْ) (النساء /٦٦) وارتفاع ما بعدها في هذه الآية ونحوها على أنّه بدل بعض مِن كل عند البصريين ، وعلى أنّه معطوف على المستثنى منه و «إلاّ» حرف عطف عند الكوفيّين ، وهي عندهم بمنزلة «لا» العاطفة في أنّ ما بعدها مخالفٌ لما قبلها ، لكن ذاك منفي بعد إيجاب وهذا موجبٌ بعد نفي.

الثاني : أن تكون بمنزلة «غير» فيوصف بها وبتاليها جمعٌ منكر أو شبهه.

فمثال الجمع المنكر : (لَوْ كانَ فِيهما آلِهَةٌ إلاّ الله لَفَسَدَتا) (الأنبياء /٢٢).

فلايجوز في «إلاّ» هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى ، إذ التقدير حينئذ : لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا ، وذلك يقتضي بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا ، وليس ذلك المراد ، ولا مِن جهة اللفظ ؛ لأنّ «آلهة» جمع منكر في الإثبات فلا عموم له ، فلايصح الاستثناء منه ، فلو قلت : «قام رجال إلاّ زيداً» لم يصحّ اتفاقاً.

ولمّا لم يجز ذلك ، دلّ على أنّ الصّواب كون «إلاّ» وما بعدها صفة.

ومثال المعرف الشبيه بالمنكر : قول ذي الرّمة :

__________________

١ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء الرابع في الصلاة على أتباع الرسل ومصدقيهم : ٦٢.

٣٦

٢٥ ـ اُنيخت فألقت بلدةً فوقَ بلدة

قليل بها الأصواتُ إلاّ بُغامُها (١)

فإن تعريف «الأصوات» تعريف الجنس.

ومثال شبه الجمع : قوله (٢) :

٢٦ ـ وكلّ أخ مفارِقه أخوه

لعمر أبيك إلاّ الفرقدان

مسألتان

الاُولى : أن الوصف بـ «إلاّ» وما بعدها على قسمين :

أحدهما : أن يطابق ما بعد «إلاّ» موصوفها في الإفراد أو غيره ، فالوصف مخصّص ، كالبيت المتقدم؛ إذالمعنى حينئذ : كل أخوين موصوفين بأنهما غيرالفرقدين.

ثانيهما : أن يخالفه ، فالوصف مؤكّد ، نحو : «له عندي عشرة إلاّ درهمٌ» ؛ لأنّ المعنى عشرة موصوفة بأنها غير درهم ، وكلّ عشرة فهي موصوفة بذلك. فالصفة هنا مؤكّدة صالحة للإسقاط.

الثانية : تفارق «إلاّ» هذه «غيراً» من وجهين :

أحدهما : أنه لا يجوز حذف موصوفها ، لا يقال : «جاءني إلاّ زيد» ويقال : «جاءني غيرُ زيد».

ثانيهما : أنه لا يوصف بها إلاّ حيث يصحّ الاستثناء ، فيجوز «عندي درهم إلاّ دانق» ؛ لأنه يجوز «إلاّ دانقاً» ويمتنع «إلاّ جيّد» ؛ لأنّه يمتنع «إلاّ جيّداً» ويجوز

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٢١٨.

٢ ـ نسب إلى حضرمي بن عامر وعمرو بن معديكرب. شرح شواهد المغني : ١ / ٢١٦.

٣٧

«درهم غير جيّد» قاله جماعات.

وقد يقال : إنه مخالف لقولهم في (لَوْكانَ فِيهما آلهةٌ إلاّ الله لَفَسَدَتا) (الأنبياء/٢٢).

وشرط ابن الحاجب في وقوع «إلاّ» صفة ، تعذر الاستثناء ، وجعل من الشاذّ قوله (١) :

٢٧ ـ وكلّ أخ مفارقُه أخوه

لعمر أبيك إلاّ الفرقدان

الثالث : أن تكون عاطفة بمنزلة الواو في التشريك في اللفظ والمعنى ، ذكره الأخفش والفراء وأبو عبيدة. وجعلوا منه قوله تعالى : (لايخافُ لَدَىَّ المُرسَلُونَ إلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسناً بَعْدَ سُوء) (النمل /١٠ و ١١) أي : ولا من ظلم ، وتأوّله الجمهور على الاستثناء المنقطع.

الرابع : أن تكون زائدة ، قاله الأصمعي وابن جنّي ، وحمل عليه ابن مالك قول الشاعر (٢) :

٢٨ ـ أرى الدهر إلاّ منجنوناً بأهله

وما صاحب الحاجات إلاّ مُعذَّبا

وإنّما المحفوظ «وما الدّهر» ثم إن ثبتتْ روايته فتتخرّج على أنّ «أرى» جواب لِقسم مقدّر ، وحذفت «لا» كحذفها في (تَالله تَفْتَؤا) (يوسف /٨٥) ودلّ على ذلك الاستثناء المفرغ.

__________________

١ ـ تقدم برقم ٢٦.

٢ ـ نُسب إلى بعض بني سعد. شرح شواهد المغني : ١ / ٢١٩.

٣٨

تنبيه

ليس مِن أقسام «إلاّ» الّتي في نحو : (إلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله) (التوبة /٤٥) وإنّما هذه كلمتان : «إن» الشرطية و «لا» النافية.

(إلى)

حرف جر له ثمانية معان (١) :

الأوّل : انتهاء الغاية الزمانية ، نحو : (ثُمَّ أتمُّوا الصّيامَ إلى الّيلِ) (البقرة / ١٨٧).

والمكانية ، نحو قوله تعالى : (مِنَ المَسْجِدِالحَرامِ إلى المَسْجِدِالأقصى) (الإسراء / ١).

وقول عبدالله بن الزبير الأسدي :

٢٩ ـ إذاكنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هاني بالسوق وابن عقيل (٢)

وإذا دلّت قرينة على دخول ما بعدها ، نحو : «قرأت القرآن من أوله إلى آخره» أو خروجه ، نحو : (ثم أتمّوا الصيام إلى الّيل) عُمل بها ، وإلاّ فقيل : يدخل إن كان من الجنس ، وقيل : يدخل مطلقاً ، وقيل : لا يدخل مطلقاً ، وهو الصحيح ؛ لأن الأكثر مع القرينة عدم الدخول ، فيجب الحمل عليه عندالتردّد.

الثّاني : المعيّة ، وذلك إذا ضممت شيئاً إلى آخَر ، وبه قال الكوفيون وجماعة من البصريين في (مَنْ أنصاري إلى الله) (آل عمران / ٥٢) ولايجوز «إلى زيد مالٌ»

__________________

١ ـ أضاف ابن هشام معنى آخر وهو مجيئها بمعنى الفاء العاطفة ـ مغني اللّبيب ، حرف الفاء الأمر الثاني.

٢ ـ أدب الطف : ١ / ١٤٣.

٣٩

تريد مع زيد مال.

الثّالث : التبيين ، وهي المبيّنة لفاعليّة مجرورها بعد ما يفيد حبّاً أو بغضاً مِن فعل تعجّب أو اسم تفضيل ، نحو قوله تعالى : (ربِّ السِّجْنُ أحَبُّ إليّ مِمّا يَدْعُونَني إلَيهِ) (يوسف /٣٣) وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا أباذر ما من شيء أبغض إلى الله من الدنيا» (١).

الرابع : مرادفة اللام ، نحو : (والأمرُ إلَيك) (النمل /٣٣) ؛ وقيل : لانتهاء الغاية ، أي : منته إليك.

الخامس : موافقة «في» ذكره جماعة في قول النابغة الذُّبياني :

٣٠ ـ فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني

إلى الناس مطليٌ به القارُ أجرب (٢)

وقال ابن عصفور : هو على تضمين «مطلي» معنى «مُبغَّض» ، قال : ولو صح مجيء «إلى» بمعنى «في» لجاز «زيد إلى الكوفة».

السّادس : الابتداء ، كقول ابن أحمر الباهلي :

٣١ ـ تقولُوقدعاليتُ بِالكُورِ فوقها

أيُسقى فلا يروى إليّ ابنُ أحمرا (٣)

السّابع : موافقة «عند» وحُمل عليه قوله تعالى : (ثُمّ مَحِلُّها إلَى الْبَيْتِ العتيقِ) (الحج /٣٣).

الثّامن : التوكيد ، وهي الزائدة ، أثبت ذلك الفرّاء ، مستدلاً بقراءة بعضهم في (أفْئدةً مِن النّاس تَهْوى إلَيهِمْ) (إبراهيم /٣٧) بفتح الواو.

__________________

١ ـ تنبيه الخواطر : ٣٧٥.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ٢٢٣.

٣ ـ شرح أبيات مغني اللبيب ٢ / ١٢٩.

٤٠