مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

للعلم بها ، وجي بالتنوين عوضاً عنها ، وكسرت الذال للساكنين. وقال الأخفش : التنوين تنوين التمكين ، والكسرة إعراب المضاف إليه.

وتنوين الترنم : وهو اللاحق للقوافي المطلقة بدلاً من حرف الإطلاق ، وهو الألف والواو والياء ، وذلك في إنشاد بني تميم ، وظاهر قولهم : إنه تنوينٌ مُحصّل للترنم. وقد صرح بذلك ابن يعيش ، والذي صرح به سيبويه وغيره من المحققين أنه جيء به لقطع الترنم ، وأن الترنم وهو التَّغنّي يحصل بأحرف الإطلاق ؛ لقبولها لمد الصوت فيها ، فإذا أنشدوا ولم يترنموا جاؤوا بالنون في مكانها. ولايختص هذا التنوين بالاسم بدليل قول جرير :

٢٩٨ ـ أقلّى اللوم عاذل والعتابا

وقولي إن أصبت لقد أصابا (١)

وزاد الأخفش والعرضيون تنويناً سادساً ، وسموه الغالي ، وهو اللاحق لآخر القوافي المقيدة ، كقول رؤبة :

٢٩٩ ـ وقاتِمِ الأعماقِ خاوِي الُمختَرَقنْ

مشتَبَهِ الأعلامِ لَمّاعِ الخفق (٢)

وسمي غالياً ؛ لتجاوزه حدّ الوزن ، ويسمّى الأخفش الحركة التي قبله غلواً وفائدته الفرق بين الوقف والوصل وجعله ابن يعيش من نوع تنوين الترنم زاعماً أن الترنم يحصل بالنون نفسها؛ لأنها حرف أغن. قال : وإنما سمي المغنّي مغنياً ؛ لأنه يغنّن صوته ، أي : يجعل فيه غنّة ، والأصل عنده مغنّن بثلاث نونات فاُبدلت الأخيرة ياء تخفيفاً ، وأنكر الزجاج والسيرافي ثبوت هذا التنوين البتة؛ لأنه يكسر الوزن ، وقالا : لعل الشاعر كان يزيد «ان» في آخر كل بيت ، فضعف صوته بالهمزة ، فتوهم السامع أن النون تنوين واختار هذا القول ابن مالك. وزعم أبوالحجاج بن معزوز أن ظاهر كلام سيبويه في المسمى تنوين

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٦٣.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/٤٧.

٢٦١

الترنم أنه نون عوض من المدّة وليس بتنوين. وزعم ابن مالك في التحفة أن تسمية اللاحق للقوافي المطلقة والقوافي المقيدة تنويناً مجاز ، وإنما هو نون اُخرى زائدة ، ولهذا لايختص بالاسم ، ويجامع الألف واللام ، ويثبت في الوقف.

وزاد بعضهم تنويناً سابعاً ، وهو تنوين الضرورة ، وهو اللاحق لما لاينصرف كقول امرئ القيس :

٣٠٠ ـ تَبَصَّرْخَلِيلي هل ترى من ظعائن

سوالك نَقْباً بين حَزْمي شَعَبْعَب (١)

وللمنادى المضموم كقول الأحوض :

٣٠١ ـ سلامُ الله يا مطرٌ عَليَها

وليس عليك يا مطرُ السلامُ (٢)

وكلامه صحيح في الثاني دون الأول؛ لأن الأول تنوين التمكين ؛ لأن الضرورة أباحت الصرف ، وأما الثاني فليس تنوين تمكين؛ لأن الاسم مبني على الضم.

وثامناً ، وهو التنوين الشّاذّ ، كقول بعضهم : «هؤلاء قومُكَ» حكاه أبوزيد ، وفائدته مجرد تكثير اللفظ ، كما قيل في ألف «قَبعثَرى».

وذكر ابن الخباز في شرح الجزولية أن أقسام التنوين عشرة ، وجعل كلاً من تنوين المنادى وتنوين صرف مالا ينصرف قسماً برأسه ، قال : والعاشر تنوين الحكاية ، مثل أن تسمي رجلاً بـ «عاقلة لبيبة» فإنك تحكي اللفظ المسمى به ، وهذا اعتراف منه بأنه تنوينُ الصرف؛ لأن الذي كان قبل التسمية حُكي بعدها.

الثالث : نون الإناث ، وهي اسم في نحو : «النسوةُ يذهبنَ» وحرف في نحو : «يذهبنَ النسوةُ» في لغة من قال : «أكلوني البراغيثُ».

__________________

١ ـ شرح الشواهد للعيني ، باب مالا ينصرف.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٦٧.

٢٦٢

الرابع : نون الوقاية ، وتسمى نون العِماد أيضاً ، وتلحق قبل ياء المتكلم المنتصبة بواحد من ثلاثة :

أحدها : الفعل ، متصرفاً كان كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «غَدَاً تَرَوْنَ أيّامي ، ويُكشَفُ لكم عن سرائري ، وتعرفونَني بعد خلوّ مكاني وقيام غيري مقامي» (١).أو جامداً كقولهم : «عليه رجلاً ليسني». وأمّا قوله (٢) :

٣٠٢ ـ عَدَدْتُ قَومي كَعدِد الطّيْسِ

إذْ ذهبَ القومُ الكِرامُ لَيْسي

 فضرورة.

الثاني : اسم الفعل ، نحو : «دَراكني وتَراكِني وعليكني» بمعنى «أدركني واتركني والزمني».

الثالث : الحرف ، نحو : «إنَّني» وهي جائزة الحذف مع «إنّ وأنّ ولكنّ وكأن» وغالبة الحذف مع «لعلّ» وقليلة مع «ليت».

وتلحق أسضاً قبل الياء المخفوضة بـ«من وعن» إلا في الضرورة ، وقبل المضاف إليها «لدُنْ» أو «قطْ» إلا في قليل من الكلام ، وقد تلحق وفي غير ذلك شذوذاً كقولهم : «بَجلني» بمعنى «حسبي».

(نعم)

بفتح العين ، وكنانة تكسرها ، وبها قرأ الكسائي ، وبعضهم يبدلها حاء ، وبها قرأ ابن مسعود ، وبعضهم يكسر النون إتباعاً لكسرة العين تنزيلاً لها منزلة الفعل في قولهم : «نِعِمَو شِهِدَ» بكسرتين ، كما نُزّلت «بلى» منزلة الفعل في الإمالة.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ١٤٩ / ٤٥٤ و ٤٥٥.

٢ ـ قال السيوطي : عزي لرؤبة. شرح شواهد المغني : ١/ ٤٨٨.

٢٦٣

وهي حرف تصديق ووعد وإعلام ، فالاوّل بعد الخبر كـ «قام زيدٌ» و «ما قام زيدٌ» والثاني بعد «إفعل ولا تفعل» وما في معناهما ، نحو «هلا تفعل وهلا لم تفعل» وبعد الاستفهام في نحو «هل تعطيني» ويحتمل أن تفسر في هذا بالمعنى الثالث. والثالث بعد الاستفهام في نحو : (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّاً) (الاعراف / ٤٤) (أإنَّ لنا لأجراً) (الشعراء/٤١) قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : «نعم إنّ التوبة تغسل الحوبة» (١) بعد قول رجل من بني عامر : «فهل ينفع البرّ بعد الفجور؟».

قيل : وتأتي للتوكيد إذا وقعت صدراً ، نحو : «نعمْ هذهِ أطلالُهمْ». والحق أنها في ذلك حرف إعلام ، وأنها جواب لسؤال مُقدّر.

واعلم أنه إذا قيل : «قام زيد» فتصديقُه «نَعَمْ» وتكذيبه «لا» ويمتنع دخول «بلى» ؛ لعدم النفي. وإذا قيل : «ما قام زيد» فتصديقه «نعم» ، وتكذيبه «بلى» ، ومنه : (زَعَمَ الّذينَ كَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبّي) (التغابن /٧) ويمتنع دخول «لا» ؛ لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي. وإذا قيل : «أقامَ زيد؟» فهو مثل : «قام زيد» فتقول إن أثبت القيام : «نعم» وإن نفيته : «لا» ويمتنع دخول «بلى». وإذا قيل : «ألمْ يقمْ زيْد» فهو مثل : «لم يقم زيد» فتقول إذا أثبت القيام : «بلى» ، ويمتنع دخول «لا» ، وإن نفيته قلت : «نعم».

وقال سيبويه في باب النعت ، في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين : فيقال له : ألست تقول كذا وكذا؟ فإنه لا يجد بداً من أن يقول : «نعم» فيقال له : أفلست تفعل كذا؟ فإنه قائل : «نعم» فزعم ابن الطراوة أن ذلك لحن.

وقال جماعة من المتقدمين والمتأخرين منهم الشلوبين : إذا كان قبل النفي استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرد ، وإن كان مُراداً

__________________

١ ـ كنز العمال : ١٢/٣٥٥٥٩.

٢٦٤

به التقرير فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي رعياً للفظه ، ويجوز عند أمْن اللبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب رَعياً لمعناه ، ألاترى أنه لا يجوز بعده دخولُ «أحد» ولا الاستثناء المفرغ؟ لا يقال : «أليس أحد في الدار؟» ولا «أليس في الدار إلا زيد؟».

٢٦٥

حرف الهاء

الهاء المفردة : على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون ضميراً للغائب ، وتستعمل في موضعي الجر والنصب ، نحو قوله تعالى : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وهُوَ يُحاوِرُهُ) (الكهف /٣٧) وقول الفرزدق في الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) :

٣٠٣ ـ هذا الذي تَعرِف البطحاء وَطأتَهُ

والبيت يعرفه والحلّ والحرم (١)

والثاني : أن تكون حرفاً للغيبة ، وهي الهاء في «إيّاهُ». فالتحقيق : أنها حرف لمجرد معنى الغيبة ، وأن الضمير «إيّا» وحدها.

والثالث : هاء السكت ، وهي اللاحقة لبيان حركة أو حرف ، نحو : (ماهيه) (القارعة /١٠) ونحو : «هاهُناه ، ووازيداه» وأصلها أن يوقف عليها ، وربما وُصلت بنية الوقف.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٣٢.

٢٦٦

(ها)

على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون اسماً لفعل ، وهو «خُذ» ويجوز مدّ ألفها ، ويستعملان بكاف الخطاب وبدونها ، ويجوز في الممدودة أن يستغنى عن الكاف بتصريف همزتها تصاريف الكاف ، فيقال : «هاء» للمذكر بالفتح و «هاء» للمؤنث بالكسر ، و «هاؤما» و «هاؤن» و «هاؤم» ومنه : (هاؤمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (الحاقة /١٩).

والثاني : أن تكون ضميراً للمؤنث ، فتستعمل مجرورة الموضع ومنصوبته ، نحو : (فَألْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (الشمس /٨).

والثالث : أن تكون للتنبيه ، فتدخل على أربعة :

أحدها : الإشارة غير المختصة بالبعيد ، نحو : «هذا» بخلاف «ثَمَّ» و «هنّا» بالتشديد و «هنالك».

والثاني : ضمير الرفع المخبر عنه باسم إشارة ، نحو : (ها أنْتُمْ اُولاء) (آل عمران /١١٩) وقيل : إنما كانت داخلة على الإشارة فقدمت ، فردّ بنحو : (ها أنتُمْ هؤلاء) (آل عمران /٦٦) فاُجيب بأنها اُعيدت توكيداً.

والثالث : نعتُ «أيّ» في النداء ، نحو : «يا أيّها الرجل» وهي في هذا واجبة للتنبيه على أنه المقصود بالنداء ، قيل : وللتعويض عما تضاف إليه «أيُّ».

والرابع : اسم الله تعالى في القسم عند حذف الحرف ، يقال : «ها الله» بقطع الهمزة ووصلها ، وكلاهما مع إثبات ألف «ها» وحذفها.

(هل)

حرفٌ موضوعٌ لطلب التصديق الإيجابي ، دون التصور ، ودون التصديق

٢٦٧

السلبي فيمتنع نحو : «هلْ زيداً ضربت؟» ؛ لأن تقديم الاسم يشعر بحصول التصديق بنفس النسبة ، ونحو : «هل زيدٌ قائم أم عمروٌ؟» إذا اُريد بـ «أم» المتصلة ، و «هل لم يقم زيد؟». ونظيرها في الاختصاص بطلب التصديق «أم» المنقطعة ، وعكسهما «أم» المتصلة ، وجميع أسماء الاستفهام؛ فإنهن لطلب التصور لا غير ، وأعمُّ من الجميع الهمزة فإنها مشتركة بين الطلبين.

وتفترق «هل» من الهمزة من عشرة أوجه :

أحدها : اختصاصها بالتصديق كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «فَهَل دَفَعَتِ الأقارِبُ؟ أو نفعتِ النَواحِبُ؟ وقد غُودِرَ في مَحَلّةِ الأمواتِ رَهيناً وفي ضيق المَضْجَعِ وَحيداً» (١).

والثاني : اختصاصها بالإيجاب ، تقول : «هل زيد قائم؟» ويمتنع «هل لم يقم؟» بخلاف الهمزة ، نحو : (ألمْ نَشْرَحْ) (الشرح /١).

والثالث : تخصيصها المضارع بالاستقبال ، نحو : «هل تسافر؟» بخلاف الهمزة ، نحو : «أتظنه قائماً؟».

والرابع والخامس والسادس : أنها لا تدخل على الشّرط ، ولا على «إنّ» ولا على اسم بعده فعل في الاختيار ، بخلاف الهمزة؛ بدليل : (أفَإنْ مِتَّ فَهُمُ الخالِدونَ) (الأنبياء /٣٤) (أإنْ ذُكّرتُمْ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (يس /١٩) (أإنّكٌ لأنْتَ يُوسُفُ) (يوسف /٩٠) (أبْشَراً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) (القمر/٢٤).

والسابع والثامن : أنها تقع بعد العاطف ، لا قبله ، وبعد «أم» ، نحو : (فَهَلْ يُهْلَكُ إلا القَومُ الفاسِقُونَ) (الأحقاف /٣٥) (قُلْ هَلَ يَسْتَوِي الأعمى وَالْبَصير

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ٨٢/ ١٨٩.

٢٦٨

أمْ هَلْ تَسْتَوي الظُّلُماتُ والنّور) (الرعد/١٦).

والتاسع : أنه يراد بالاستفهام بها النفي؛ ولذلك دخلت على الخبر بعدها «إلا» في نحو قوله تعالى : (هَلْ جَزاء الإحسانِ الاّ الإحسان) (الرّحمن /٦٠).

فإن قلت : قد مرّفي صدر الكتاب أن الهمزة تأتي لمثل ذلك ، مثل : (أفَأصْفاكُمْ رَبّكُمْ بِالْبَنينَ) (الإسراء/٤٠) ألا ترى أن الواقع أنه سبحانه لم يُصْفهم بذلك؟.

قلنا : إنما مرّ أنها للإنكار على مدّعي ذلك ، ويلزم من ذلك الانتفاء ، لا أنها للنفي ابتداء ، ولهذا لا يجوز «أقام إلا زيد؟» كما يجوز «هل قام إلا زيد؟» ، (هَل يَنْظُرُونَ إلا الساعَةَ) (الزّخرف /٦٦) وقد يكون الإنكار مقتضياً لوقوع الفعل ، على العكس من هذا ، وذلك إذا كان بمعنى : ما كان ينبغي لك أن تفعل ، نحو : «أتضرِبُ زيداً وهو أخوك؟».

ويتلخص أن الإنكار على ثلاثة أوجه : إنكارٌ على من ادعى وقوع الشيء ، ويلزم من هذا النفي ، وإنكارٌ على من أوقع الشيء ، ويختصان بالهمزة ، وإنكارٌ لوقوع الشيء ، وهذا هو معنى النفي ، وهو الذي تنفرد به «هل» عن الهمزة.

والعاشر : أنها تأتي بمعنى «قد» وذلك مع الفعل ، وبذلك فسّر قوله تعالى : (هَلْ أتى عَلَى الإنسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (الإنسان /١) جماعة منهم ابن عباس ، وبالغ الزمخشري فزعم أنها أبداً بمعنى «قد» وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدرة معها ، ونقله في المفصل عن سيبويه ، فقال : وعند سيبويه أن «هل» بمعنى «قد» ، إلا أنهم تركوا الألف قبلها؛ لأنها لا تقع إلا في الاستفهام ، وقد جاء دخولها عليها في قول زيد الخيل :

٢٦٩

٣٠٤ ـ سائل فَوارِسَ يَرْبُوع بشَدَّتِنا

أهَلْ رَأوْنا بِسَفحِ القاعِ ذي الأكَمِ (١)

انتهى. ولو كان كما زعم لم تدخل إلا على الفعل كـ «قد» وثبت في كتاب سيبويه ما نقله عنه ، ذكره في باب «أم» المتصلة ، ولكن فيه أيضاً ما قد يخالفه فإنه قال في باب عدّة ما يكون عليه الكلم ما نصهُ : و «هل» وهي للاستفهام. ولم يزد على ذلك ، وقال الزمخشري في كشافه : (هَلْ أتى) (الإنسان /١) أي : أقد أتى ، على معنى التقرير والتقريب جميعاً ، أي : أتى على الإنسان قبل زمان قريب طائفة من الزمان الطويل الممتد لم يكن فيه شيئاً مذكوراً ، بل شيئاً منسياً نطفة في الأصلاب ، والمراد بالإنسان الجنسُ بدليل : (إنّا خَلَقْنا الإنسانَ مِنْ نُطفَة) (الإنسان /٢) انتهى. وفسرها غيره بـ «قد» خاصة ، ولم يحملوا «قد» على معنى التقريب ، بل على معنى التحقيق ، وقال بعضهم : معناها التوقع ، وكأنه قيل لقوم يتوقعون الخبر عما أتى على الإنسان وهو آدم عليه الصلاة والسلام ، قال : والحين زمنُ كونه طيناً وقد عكس قومٌ ما قال الزمخشري ، فزعموا أن «هل» لا تأتي بمعنى «قد» أصلاً.

وهذا هوالصواب؛ إذ لا متمسك لمن أثبت ذلك إلا أحد ثلاثة اُمور :

أحدها : تفسير ابن عباس ، ولعله إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير ، وليس باستفهام حقيقي.

الثاني : قول سيبويه الذي شافَه العرب وفهم مقاصدهم ، وقد مضى أن سيبويه لم يقل ذلك.

والثالث : دخول الهمزة عليها في البيت ، والحرف لايدخل على مثله في

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٧٢.

٢٧٠

المعنى وقال السيرافي : إن الرواية الصحيحة «أم هَلْ» و «أم» هذه منقطعة بمعنى «بل» فلا دليل ، وبتقدير ثبوت تلك الرواية فالبيت شاذ ، فيمكن تخريجه على أنه من الجمع بين حرفين لمعنى واحد على سبيل التوكيد كقول مسلم بن معبد :

٣٠٥ ـ فَلا والله لا يُلفي لمابي

ولا لِلمابِهم أبداً دواء (١)

(هو)

وفروعه : تكون أسماء وهو الغالب ، وأحرفاً في نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «اتّقوا مَعاصِيَ الله في الخَلَوات ، فإنّ الشاهدَ هوالحاكمُ» (٢) إذا اُعرب فصلاً وقلنا : لاموضع له من الإعراب ، وقيل : هي مع القول بذلك أسماء كما قال الأخفش في نحو : «صَهْ ونزالِ» : أسماء لا محل لها. وكما في الألف واللام في نحو : «الضّارب» إذا قدرناهما اسماً.

__________________

١ ـ نقل السيوطي : أنّ صاحب منتهى الطلب أورد المصراع الثاني هكذا : «وما بِهم مِن البَلْوى دَواءٌ».

وعلى هذا فلا شاهد فيه. شرح شواهد المغني : ١/٥٠٥ و ٥٠٦.

٢ ـ نهج البلاغة : ح ٣١٦ / ١٢٤٠.

٢٧١

حرف الواو

الواو المفردة : انتهى مجموع ما ذكر من أقسامها إلى خمسة عشر (١) :

الأول : العاطفة ، ومعناها مطلق الجمع ، فتعطف الشيء على مُصاحبه ، نحو : (فأنْجَيْناهُ وأصحابَ السَّفِينَةِ) (العنكبوت /١٥) وعلى سابقه ، نحو : (وَلَقَدْ أرْسَلْنا نُوحاً وإبراهيم) (الحديد/ ٢٦) وعلى لا حقه ، نحو : (كَذلِكَ يُوحِي إلَيك وَإلَى الّذينَ مِنْ قَبْلِكَ) (الشورى /٣) فعلى هذا إذا قيل : «قام زيد وعمرو» احتمل ثلاثة معان ، قال ابن مالك : وكونها للمعية راجح ، وللترتيب كثير ، ولعكسه قليل ، انتهى. ويجوز أن يكون بين متعاطفيها تقاربٌ أو تراخ ، نحو :

__________________

١ ـ كذا في بعض النسخ ، والذي في حاشيتي الأمير والدسوقي هو : «إلى أحد عشر» قال الأمير : «في الدماميني : إن أراد جميع ما ذكر فقد ذكر هنا خمسة عشر ، وإن أراد ما ذكره صواباً فهو ثمانية ؛ لأنه أبطل من الخمسة عشر سبعة ، فما وجه قوله : أحد عشر؟ وفي الشمني : غرضه عدّ غير الواو التي ينتصب المضارع بعدها ، لأنّه ؛ قال : الحقّ أنّها للعطف والواو التي للإنكار والواو التي للتذكر والواو المبدلة من همزة الإستفهام لأنه قال : الصواب : أن لا تعدّ هذه الثلاثة من أقسام الواو ، وما عدا هذه الأربعة هو أحد عشر فلا اشكال». حاشية الأمير : ٢/٣٠ وراجع حاشية الدسوقي : ٢/١٧.

٢٧٢

(إنّا رادُّوهُ إلَيك وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرسَلينَ) (القصص /٧) فإن الرد بعيدَ إلقائه في اليم والإرسال على رأس أربعين سنة ، وقولُ بعضهم : «إن معناها الجمع المطلق» غيرُ سديد (١) ؛ لتقييد الجمع بقيد الإطلاق ، وإنما هي للجمع لابقيد.

وتنفرد عن سائر أحرف العطف بخمسة عشر حكماً :

أحدها : احتمالُ معطوفها للمعاني الثلاثة السابقة.

والثاني : اقترانها بـ «إمّا» نحو : (إمّا شاكِراً وَإمّا كَفُوراً) (الإنسان /٣).

والثالث : اقترانها بـ «لا» إن سبقت بنفي ولم تقصد المعية ، نحو : «ما قام زيدٌ ولا عمروٌ» لتفيد أن الفعل منفي عنهما في حالتي الاجتماع والافتراق ، ومنه : (وَما أموالُكُمْ ولا أولادُكُمْ بالّتي تُقَرّبُكُمْ عِنْدَنا زُلفى) (سبأ /٣٧) والعطف حينئذ من عطف الجمل عند بعضهم على إضمار العامل ، والمشهور أنه من عطف المفردات ، وإذا فقد أحدُ الشرطين امتنع دخولها فلا يجوز نحو «قام زيدٌ ولا عمرو» وأنما جاز (وَلاَ الضّالّينَ) (الفاتحة /٧) لأن في «غير» معنى النفي ولايجوز «ما اختصم زيد ولا عمرو» ؛ لأنه للمعية لا غير ، وأما (وَما يَسْتَوي الأعمى والبَصيرُ وَلا الظُّلُماتُ وَلا النّور وَلا الظّلُّ وَلا الحَرورُ ، وَما يَسْتِوِي الأحياءُ وَلا الأمواتُ) (فاطر/ ١٩ ـ ٢٢) فـ «لا» الثانية والرابعة والخامسة زوائد؛ لأمن اللبس.

والرابع : اقترانها بـ «لكن» ، نحو قوله تعالى : (وَلكِنْ رَسُولَ الله) (الأحزاب /٤٠) وقول الكميت في آل البيت :

__________________

١ ـ تقدم في المعنى الخامس من معاني «أو» تعبيره ب «الجمع المطلق» فما استشكله هنا على البعض ، واردٌ عليه.

٢٧٣

٣٠٦ ـ ولكنْ إلى أهل الفضائل والنُهى

وخير بني حَوّاء والخير يُطلَبْ (١)

والخامس : عطف المفرد السببي على الأجنبي عند الاحتياج إلى الربط كـ «مررتُ برجُل قائم زيدٌ وأخوهُ» ، وقولك في باب الاشتغال : «زيداً ضربتُ عمراً وأخاهُ».

والسادس : عطف العقد على النيّف ، نحو : «أحدٌ وعشرون».

والسابع : عطف الصفات المفرقة مع اجتماع منعوتها كقول ابن ميادة :

٣٠٧ ـ بَكيتُ ، وما بُكا رجل حزين

على رَبْعينِ مَسلُوب وبالِ (٢)

والثامن : عطف ما حقُّه التثنية أو الجمع ، نحو قول جحدر بن مالك :

٣٠٨ ـ لَيْثٌ وليْثٌ في مَحَلّ ضَنْكِ

كلاهما ذو أشَرو مَحْك (٣)

 وقول أبي نواس :

٣٠٩ ـ أقمنا بها يوماً ويوماً وثالثاً

ويوماً لهُ يومُ الترحُّلِ خامسُ (٤)

وهذا البيت يتساءل عنه أهل الأدب ، فيقولون : كم أقاموا؟ والجواب : ثمانية ؛ لأن يوماً الأخير رابع ، وقد وصف بأن يوم الترحلِ خامس له ، وحينئد فيكون يوم الترحل هو الثامن بالنسبة إلى أول يوم.

__________________

١ ـ بعده

الى النفر البيض الذين بحبهم

إلى الله فيما نالني أتقرب

شرح الهاشميات : ٣٧.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٧٤.

٣ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/٨٣.

٤ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/٨٣ ، وأهمله السيوطي ؛ لتأخر قائله عن زمن الاستشهاد.

٢٧٤

والتاسع : عطف مالا يستغنى عنه كـ «اختصم زيدٌ وعمروٌ» و «اشتركَ زيدٌ وعمروٌ» ومنه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لولا أنّ الذنب خير من العُجب ما خلا الله بين عبده المؤمن وبين ذنب أبداً» (١) وهذا من أقوى الأدلة على عدم إفادتها الترتيب.

وتشاركها في هذا الحكم «أم» المتصلة في نحو : «سواءٌ عليّ أقمتَ أم قعدتَ» فإنها عاطفة مالا يستغنى عنه.

والعاشر والحادي عشر : عطف العام على الخاص وبالعكس ، فالأول نحو : (رَبِّ اغْفِرْلي وَلِوالِدىّ وَلمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤمِناً وَلِلْمُؤمنِينَ والمُؤمِناتِ) (نوح /٢٨) والثاني نحو : (وَإذ أخَذنا مِنَ النّبِيّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوح) الآية (الأحزاب /٧).

وتشاركها في هذا الحكم الأخير «حتى» كـ «مات الناسُ حتى الأنبياء» فإنها عاطفة خاصاً على عام.

والثاني عشر : عطف عامل حذف وبقي معموله على عامل آخر مذكور يجمعهما معنى واحد كقوله تعالى : (وَالّذينَ تَبَوّؤُا الدّار وَالإيمانَ مِنْ قَبلِهِم) (الحشر /٩) أي : واعتقدوا الإيمان ، والجامع بينهما : الإيثار.

ولولا هذا التقييد لورد «اشترَيتُه بدرهم فصاعداً» ؛ إذ التقدير : فذَهب الثمن صاعداً.

والثالث عشر : عطف الشيء على مرادفه ، نحو قوله تعالى : (إنّما أشكُو بَثِّي وَحُزْني إلَى الله) (يوسف /٨٦) وزعم ابن مالك أن ذلك قد يأتي في «أو»

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : أبواب مقدمة العبادات ، باب ٢٣/ ح ١٩.

٢٧٥

وأن منه : (ومَنْ يَكْسِبْ خَطِيئةً أو إثماً) (النساء /١١٢).

والرابع عشر : عطف المقدّم على متبوعه للضرورة كقوله (١) :

٣١٠ ـ جمعت وفحشا غيبة ونميمة

خصالاً ثلاثاً لست عنها بمرعوى

والخامس عشر : عطف المخفوض على الجوار كقوله تعالى (٢) : (وَحُور عِين) (الواقعة /٢٢) فيمن جرّهما ، فإن العطف على «وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ» لا على «أكواب وأباريقَ» ؛إذ ليس المعنى أنّ الولدان يطوفون عليهم بالحور. والذي عليه المحققون أن خفض الجوار يكون في النعت قليلاً وفي التوكيد نادراً ولايكون في النسق؛ لأن العاطف يمنع من التجاور.

تنبيه

قد تخرج الواو عن إفادة مطلق الجمع ، فتستعمل بمعنى باء الجر كقولهم : «أنت أعلم ومالُكَ» و «بِعتُ الشّاء شاة ودرهماً».

الثاني والثالث من أقسام الواو : واوان يرتفع ما بعدهما.

إحداهما : واو الاستئناف ، نحو : (مَنْ يُظْلِلِ الله فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ الله) (الأعراف /١٨٦) فيمن رفع ، ونحو : (واتَّقُوا الله وَيُعَلّمُكُمُ الله) (البقرة /٢٨٢) ؛ إذ لو كانت واو العطف ، لجزم «يذر» كما قرأ الآخرون ، وللزم عطف الخبر على الأمر ، وقال أبواللّحّام التغلبي :

__________________

١ ـ التصريح على التوضيح : ٢/١٣٧. ولم يسمّ قائله.

٢ ـ (يطوف عليهم ولدان مخلّدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدّعون عنها ولا ينزفون وفاكهة ممّا يتضيّرون ولحم طير ممّا يشتهون وحور عين) (الواقعة /١٧ ـ ٢٢).

٢٧٦

٣١١ ـ على الحَكمِ المأتّي يوماًإذا قَضى

قَضِيَّتهُ أنْ لا يجورَ ويقصِدُ (١)

وهذا متعين للاستئناف؛ لأن العطف يجعله شريكاً في النفي؛ فيلزم التناقض.

والثانية : واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية ، كقول اُمّ لقمان :

٣١٢ ـ ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخرُ الاُممِ (٢)

وتسمى واو الابتداء ، ويقدرها سيبويه والأقدمون بـ «إذ» ولا يريدون أنها بمعناها؛ إذ لا يرادف الحرفُ الاسمَ ، بل إنها وما بعدها قيد للفعل السابق كما أن «إذ» كذلك ، ولم يقدّروها بـ «إذا» ؛ لأنها لا تدخل على الجمل الاسمية.

ومن أمثلها داخلة على الجملة الفعلية قول الفرزدق :

٣١٣ ـ بأيدي رجال لمْ يَشِيموا سيوفَهُمْ

ولم تكثُرِ القَتْلَى بها حين سُلّتِ (٣)

ولو قدرت للعطف لانقلب المدح ذمّاً.

وإذا سُبقت بجملة حالية احتملت ـ عند مَنْ يجيز تعدد الحال ـ العاطفة والابتدائية ، نحو : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرضِ مُسْتَقرٌّ) (الأعراف/٢٤).

الرابع والخامس : واوان ينتصب ما بعدهما ، وهما :

واو المفعول معه كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «لاتأخذون حقّاً ، ولا تَمْنَعُون

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/١٠٦.

٢ ـ أدب الطف : ١/٦٧.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٧٨.

٢٧٧

ضَيْماً قد خُلّيتُم والطريق فالنّجاة للمُقتَحِم والهَلكةُ لِلمُتَلَوّم» (١) وليس النصب بها خلافاً للجرجاني.

والواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول فالأول كقول ميسون :

٣١٤ ـ ولُبسُ عباءة وتقرّ عيني

أحبُّ إلَيّ مِنْ لُبسِ الشفوفِ (٢)

والثاني شرطه أن يتقدم الواو نفي أو طلب ، ويسمي الكوفيون هذه واو الصرف ، وليس النصب بها خلافاً لهم ، ومثالُها : (وَلَمّا يَعْلَمِ الله الّذينَ جاهَدُوا مِنْكُم وَيَعْلَمَ الصّابِرينَ) (آل عمران /١٤٢) والحقُّ : أن هذه واو العطف عطفت مصدراً مقدّراً على مصدر متوهم.

السادس والسابع : واوان ينجر ما بعدهما.

إحداهما : واوالقسم ، ولا تدخل إلا على مُظهر ، ولا تتعلق إلا بمحذوف ، نحو قوله تعالى : (وَالقُرآنِ الحَكيمِ) (يس /٢) وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «والّذي بَعَثَني بالحقّ ، ما أخَّرتُك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى» (٣) فإن تلتها واو اُخرى ، نحو : (وَالتّينِ والزَّيْتُونِ) (التين /١) فالتالية واو العطف ، وإلاّ احتاج كل من الاسمين إلى جواب.

الثانية : واو «ربّ» كقول امرئ القيس :

٣١٥ ـ وليل كموج البحر أرخى سُدُولهُ

عليّ بِأنواعِ الهُمُوم لِيَبْتَلي (٤)

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٢٣/٣٨١.

٢ ـ تقدم برقم : ٢٢٢.

٣ ـ كنز العمال : ١٣/ ح ٣٦٣٤٥.

٤ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٨٢ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/ ١١٤.

٢٧٨

ولاتدخل إلا على مُنكّر ولا تتعلق إلاّ بمؤخّر والصحيح : أنها واو العطف وأن الجرَّ بـ «ربّ» محذوفة خلافاً للكوفيين والمبرد.

الثامن : الزائدة ، أثبتها الكوفيون والأخفش وجماعةٌ ، وحُملَ على ذلك : (حَتّى إذا جاءُوها وَفُتِحَتْ أبوابها) (الزّمر /٧٣)؛ بدليل الآية الاُخرى (١) وقيل : هي عاطفة ، والزائدة الواو في (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) (الزّمر /٧٣) وقيل : هما عاطفتان ، والجواب محذوف أي : كان كيت وكيت ، والزيادةُ ظاهرة في قوله : (٢)

٣١٦ ـ فَما بالُ منْ أسعى لأجبر عظمَهُ

حِفاظاً وينوي مِنْ سَفاهَتِهِ كَسري

وقول أبي العيال الهذلي :

٣١٧ ـ وَلَقَد رَمَقتُكَ في الَمجالِسِ كُلّها

فإذا وأنتَ تَعِينُ مَنْ يَبْغيني (٣)

التاسع : واو الثمانية ، ذكرها جماعة من النحويين الضعفاء والاُدباء والمفسرين ، وزعموا أن العرب إذا عدّوا قالوا : ستة ، سبعة وثمانية ، إيذاناً بأن السبعة عدد تام ، وأن ما بعدها عددٌ مستأنف وجعلوا من ذلك : (سَيَقُولُونَ ثَلاثةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) (الكهف /٢٢) إلى قوله سبحانه : (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) (الكهف /٢٢).

وقيل : هي في ذلك لعطف جملة على جملة؛ إذ التقدير : هم سبعة ، ثم قيل :

__________________

١ ـ وهي : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ...) (الزمر /٧١).

٢ ـ نسب البيت إلى الحارث بن وعلة الشيباني وابن الذئبة وكنانة بن عبدد ياليل و... شرح شواهد المغني : ٢/٧٨١ و ٧٨٢ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/١٢٢ و ١٢٣.

٣ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/١٢٦.

٢٧٩

الجميع كلامهم ، وقيل : العطف من كلام الله تعالى ، والمعنى : نعم هم سبعة وثامنهم كلبهم ، وإن هذا تصديق لهذه المقالة كما أن (رَجماً بِالغَيْبِ) (الكهف /٢٢) تكذيب لتلك المقالة ويؤيده قول ابن عباس : حين جاءت الواو انقطعت العدَّةُ ، أي : لم تبق عدة عادّ يلتفت إليها.

فان قلت : إذا كان المراد التصديق فما وجه مجيء : (قُلْ رَبّي أعْلَمُ بِعِدّتِهمْ ما يَعْلَمُهُمْ إلاّ قَليلٌ) (الكهف /٢٢)؟

قلنا : وجه الجملة الاُولى توكيد صحة التصديق بإثبات علم المصدق ، ووجه الثانية الإشارة إلى أن القائلين تلك المقالة الصادقة قليل ، أو أن الذي قالها منهم عن يقين قليل ، أو لما كان التصديق في الآية خفيفاً لا يستخرجه إلا مثل ابن عباس قيل ذلك ولهذا كان يقول : أنا من ذلك القليل ، هم سبعة وثامنهم كلبهم.

العاشر : الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوقها بموصوفها وإفادتها أنّ اتصافه بها أمرٌ ثابت ، وهذا الواو أثبتها الزمخشري ومن قلّده وحملوا على ذلك مواضع ، الواوُ فيها كلّها واوُالحال ، نحو : (وَعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة /٢١٦) الآية (أوْ كَالّذي مَرّ عَلى قَرْيَة وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (البقرة /٢٥٩) (وَما أهْلَكْنا مِنْ قَرْيَة إلّا وَلها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (الحجر/٤) والمَسوّغ لمجي الحال من النكرة في هذه الآية أمران : أحدهما خاص بها ، وهو تقدم النفي. والثاني عام وهو امتناع الوصفية؛ إذ الحالُ متى امتنع كونُها صفةً جاز مجيئها من النكرة ، ولهذا جاءت منها عند تقدمها عليها ، نحو : «في الدّار قائماً رجُلٌ» وعند جمودها ، نحو : «هذا خاتمٌ حديداً» ومانع الوصفية في هذه الآية أمران : أحدهما خاص بها ، وهو اقتران الجملة بـ «إلا» ؛ إذ لا يجوز التفريغ

٢٨٠