مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

تعالى : (حَتّى إذا ما جاءُوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُم) (فصّلت /٢٠) وبين المتبوع وتابعه في نحو : (مثلاً مّا بَعُوضَةً) (البقرة /٢٦) قال الزجاج : «ما» حرف زائد للتوكيد عند جميع البصريين ، انتهى. ويؤيده سقوطها في قراءة ابن مسعود. و «بعوضة» بدل. وقيل : «ما» اسم نكرة صفة لـ «مثلاً» أو بدل منه ، و «بعوضة» عطف بيان على «ما».

وهذا فصل عقد للتدريب في «ما»

قوله تعالى : (ما أغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) (المسد /٢) تحتمل «ما» الاُولى : النافية أي : لم يُغنِ ، والاستفهامية فتكون مفعولاً مطلقاً ، والتقدير : أيّ إغناء أغنى عنه ماله ويضعف كونه مبتدأ لِحذف المفعول المضمر حينئذ ؛ إذ تقديره : أيُّ إغناء أغناهُ عنه ماله ، وهو نظير : «زيد ضربتُ» إلا أن الهاء المحذوفة في الآية مفعول مطلق ، وفي المثال مفعول به ، وأما «ما» الثانية فموصول اسمي أو حرفي أي : «والذي كسبه ، أو وكسْبه» ، وقد يضعف الاسمي بأنه إذا قُدّر «والذي كسبه» لزم التكرار؛ لتقدم ذكر المال. ويجاب بأنه يجوز أن يراد بها الولد ، ففي الحديث النبوي : «أطيب ما أكلَ الرّجلُ مِن كسبِهِ ، وولدهُ مِن كسبه» (١).

وأما قوله تعالى (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (البقرة /٨٨) فـ «ما» محتملة لثلاثة أوجه :

أحدها : الزيادة ، فتكون إما لمجرد تقوية الكلام مثلها في (فَبِما رَحمَة مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ) (آل عمران /١٥٩) فتكون حرفاً باتفاق ، و «قليلاً» في معنى النفي

__________________

١ ـ كنز العمال : ٤/ ح ٩٢٣٢.

٢٤١

مثلها في قول ذي الرّمة :

٢٧٣ ـ اُنيخَتْ فألقتْ بلدةً

فوق بلدة قليلٌ بها الأصوات إلاّ بُغامُها (١)

وإما لإفادة التقليل ، مثلها في «أكلتُ أكلاًمّا» وعلى هذا فيكون تقليلاً بعد تقليل ، ويكون التقليل على معناه ، ويزعم قوم أن «ما» هذه اسمٌ كما قدمناه في (مثلاً مّا بَعُوضَةً) (البقرة /٢٦).

ثانيها : النفي ، و «قليلاً» نعت لمصدر محذوف ، أو لظرف محذوف ، أي : «إيماناً قليلاً أو زمناً قليلاً» أجاز ذلك بعضهم ، ويرده أمران :

أحدهما : أن «ما» النافية لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، ويسهل ذلك شيئاً ما على تقدير «قليلاً» نعتاً للظرف؛ لأنهم يتّسعون في الظروف (٢) ، وقد قال (٣) :

٢٧٤ ـ

ونحن عن فضلك ما استغنينا

والثاني : أنهم لا يجمعون بين مجازين ، ولهذا لم يجيزوا «دخلتُ الأمرَ» : لئلا يجمعوا بين حذف «في» وتعليق الدخول باسم المعنى ، بخلاف «دخلت في الأمر» و «دخلت الدار» واستقبحوا «سِيرَ عليه طويلٌ» ؛ لئلا يجمعوا بين جعل الحدث أو الزمان مسيراً وبين حذف الموصوف؛ بخلاف : «سير عليه طويلاً» و «سير عليه سَيرٌ طويل ، أو زمن طويل».

ثالثها : أن تكون مصدرية ، وهي وصلتها فاعل بـ «قليلاً» و «قليلاً»

__________________

١ ـ تقدم برقم ٢٥.

٢ ـ قال ابن هاشم في بحث «إذا» من المغني : «إن هذا التوسع خاص بالشعر» والكلام ليس فيه بل في أفصح الكلام. فافهم.

٣ ـ هذا من رجز نسب إلى عبدالله بن رواحة وعامر بن أكوع. شرح شواهد المغني : ١/٢٨٦.

٢٤٢

حال معمول لمحذوف دل عليه المعنى ، أي : لعنهم الله ، فأخروا «قليلاً إيمانهم» ، أجازه ابن الحاجب ، ورجح معناه على غيره.

وقوله تعالى : (ألَمْ تَعْلَموا أنَّ أباكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثقاً مِنَ الله وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ في يُوسُفَ) (يوسف /٨٠) «ما» إما زائدة ، فـ «من» متعلقة بـ «فَرّطْتُمْ» وإما مصدرية فقيل : موضعها هي وصلتها رفع بالابتداء ، وخبره «مِنْ قَبْل». وردّ بأن الغايات لا تقع أخباراً ولا صلات ولا صفات ولا أحوالاً ، نص على ذلك سيبويه وجماعة من المحققين. ويشكل عليهم (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذينَ مِنْ قَبلُ) (الروم/٤٢) وقيل : نصب عطفاً على «أن» وصلتها ، أي : ألم تعلموا أخذ أبيكم الموثق وتفريطكم ، ويلزم على هذا الإعراب ، الفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف وهو ممتنع ، فإن قيل : قد جاء (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أيْديهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً) (يس /٩) قلنا : ليس هذا من ذلك كما توهم ابن مالك ، بل المعطوف شيئان على شيئين.

(متى)

على خمسة أوجه :

اسم استفهام ، نحو قوله تعالى : (مَتى نَصْرُ الله) (البقرة/٢١٤).

واسم شرط ، كقول سُحيم بن وَثيل الرّياحي :

٢٧٥ ـ أنا ابنُ جلا وطلاّعُ الثنايا

مَتى أضع العِمامةَ تَعْرِفُوني (١)

وقال الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «اللّهمّ ومتى وَقَفْنا بين نَقصين في

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٥٩.

٢٤٣

دين أو دنيا ، فَأوقِع النقصَ بأسرعهما فناءً» (١).

واسم مرادف للوسط.

وحرف بمعنى «من» أو «في» وذلك في لغة هذيل ، يقولون : «أخرجها متى كُمَّهِ» أي : منه.

واختلف في قول بعضهم : «وضعته متى كمي» ؛ فقال ابن سيدة : بمعنى «في» وقال غيره : بمعنى «وسط». وكذلك اختلف في قول أبي ذؤيب يصف السحاب :

٢٧٦ ـ شربن بماء البحر ثم ترفّعت

متى لُجج خُضر لهنّ نئيج (٢)

فقيل : بمعنى «من» وقال ابن سيدة : بمعنى «وسط».

(مُذ ومُنذُ)

لهما ثلاث حالات :

إحداها : أن يليهما اسمٌ مجرور ، فقيل : هما اسمان مضافان ، والصحيح : أنهما حرفا جر بمعنى «من» إن كان الزمان ماضياً ، وبمعنى «في» إن كان حاضراً ، وبمعنى «من» و «إلى» جميعاً إن كان معدوداً ، نحو : «ما رأيته مُذ يوم الخميس ، أو مذ يومنا ، أو عامنا ، أو مذ ثلاثة أيام».

وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر ، وعلى ترجيح جر «منذ» للماضي على رفعه ، وترجيح رفع «مذ» للماضي على جره.

الثانية : أن يليهما اسم مرفوع ، نحو : «مُذ يومُ الخميس ، ومُنذُ يومان» ،

__________________

١ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء التاسع : ٨٦.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣١٩.

٢٤٤

فقال المبرد وابن السراج والفارسي : مبتدأ ان ، وما بعدهما خبر ، ومعناهما : الأمدُ ، إن كان الزمان حاضراً أو معدوداً ، وأولُ المدة إن كان ماضياً ، وقال أكثر الكوفيين : ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها وبقي فاعلها ، والأصل : مذكان يومان ، واختاره السهيلي وابن مالك ، وقال بعض الكوفيين : خبرٌ لمحذوف ، أي : ما رأيته من الزمان الذي هو يومان ، بناء على أن «مُنذُ» مركبة من كلمتين : «مِن» و «ذُو» الطائية.

الثالثة : أن يليهما الجملُ الفعلية أو الاسمية كقول أبي طالب خطاباً لعلي (عليهما السلام) : «يا ولدي تعلم أنّ محمداً والله أمين منذكان ، امض واتبعه ترشد وتفلح وتشهد» (١) وقول الأعشى :

٢٧٧ ـ وما زلتُ أبغي المالَ مُذْأنا يافعٌ

وليداً وكهلاً حين شبت وأمردا (٢)

والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان ، فقيل : إلى الجملة ، وقيل : إلى زمن مضاف إلى الجملة ، وقيل : مبتدأ ان؛ فيجب تقدير زمان مضاف للجملة يكون هو الخبر.

(مع)

اسم بدليل التنوين في قول حسان :

٢٧٨ ـ يا ربّ فاجمعنا معاً ونبيّنا

في جنّة تنبى عيون الحُسّدِ (٣)

ودخول الجار في حكاية سيبويه : «ذهبت مِنْ معه» وقراءة بعضهم :

__________________

١ ـ مناقب ابن شهر آشوب : ٢/١٩.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٧٦.

٣ ـ ديوان حسان بن ثابت : ٢٠٩.

٢٤٥

(هذا ذِكْرٌ مِنْ مَعي) (الأنبياء/٢٤) وتسكينُ عينه لغة غَنم وربيعة ، لاضرورة خلافاً لسيبويه ، واسميتها حينئذ باقية ، وقولُ النحّاس : «إنها حينئذ حرف بالإجماع» مردودٌ.

وتستعمل مضافة ، فتكون ظرفاً ، ولها حينئذ ثلاثة معان :

أحدها : موضع الاجتماع ولهذا يخبر بها عن الذوات ، نحو قوله تعالى : (والله مَعَكُمْ) (محمّد /٣٥) وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «علي مع القرآن والقرآن معه لن يفترقا حتي يردا عَلَيَّ الحوضَ» (١).

الثاني : زمانه نحو : «جِئتُك معَ العصر».

الثالث : مرادفة «عندَ» وعليه القراءة وحكاية سيبويه السابقتان.

ومفردة ، فتنّون ، وتكون حالاً ، وقد جاءت ظرفاً مخبراً به في نحو قوله : (٢)

٢٧٩ ـ أفيقُوا بني حرب وأهواؤنا معاً

وأرْحامُنا موصولةٌ لم تَقَضّبِ

وقيل : هي حال ، والخبر محذوف ، وهي في الإفراد بمعنى «جميعاً».

وتستعمل للاثنين والجماعة ، نحو قول مطيع بن إياس :

٢٨٠ ـ كنتُ وَيَحْيى كيدَي واحِد

نَرْمي جميعاً ونرامي معا (٣)

مَنْ وقول متمم بن نويرة الير بوعي :

__________________

١ ـ كشف الغمة : ١/١٤٦.

٢ ـ قال السيوطي : «قال التبريزي : يقال : هذا الشعر لجندل بن عمرو». شرح شواهد المغني : ٢/٧٤٦.

٣ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/١١.

٢٤٦

٢٨١ ـ يُذَكِّرنَ ذا البَثِّ الحزين بِبَثِّه

إذا حَنَّتِ الاُولى سَجَعْنَ لها معا (١)

(مَنْ)

على أربعة أوجه :

الأول : الشرطية ، نحو قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سَوءً يُجْزَبِهِ) (النساء /١٢٣) وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين» (٢).

الثاني : الاستفهامية ، نحو قوله تعالى : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) (طه /٤٩) وقول حسان في علي (عليه السلام) :

٢٨٢ ـ من كان في القرآن سمّي مؤمناً

في تسع آيات تُلينَ غزارا؟ (٣)

وإذا قيل : «من يفعل هذا إلاّ زيد؟» فهي «مَن» الاستفهامية اُشربت معنى النفي ، ومنه : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ الله) (آل عمران /١٣٥) ولايتقيد جواز ذلك بأن يتقدمها الواو خلافاً لابن مالك؛ بدليل : (مَنْ ذَا الّذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاّ بِإذنه) (البقرة /٢٥٥).

وإذا قيل : «من ذا لقيتَ؟» فـ «من» مبتدأ و «ذا» خبرٌ موصول ، والعائد محذوف ، ويجوز على قول الكوفيين في زيادة الأسماء ، كونُ «ذا» زائدة ، و «من» مفعولاً. وظاهر كلام جماعة أنه يجوز في «من ذا لقيت؟» أن تكون «من» و «ذا» مركبتين كما في قولك : «ما ذا صنعت؟». ومنع ذلك ابوالبقاء في مواضع من إعرابه وثعلب في أماليه وغيرها ، وخصوا جواز ذلك بـ «ماذا» ؛ لأن «ما» أكثر إبهاماً ،

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/ ٥٦٧.

٢ ـ كنز العمال : ١٠/ ح ٢٨٧٠٥ و ٢٨٧٠٧.

٣ ـ الغدير : ٢/٤٧.

٢٤٧

فحسن أن تجعل مع غيرها كشيء واحد؛ ليكون ذلك أظهر لمعناها ، ولأن التركيب خلافُ الأصل ، وإنما دل عليه الدليل مع «ما» وهو قولهم : «لماذا جِئتَ؟» بإثبات الألف.

الثالث : الموصولة في نحو قوله تعالى : (ألمْ تَرَ أنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ في السّمواتِ وَمَنْ في الأرضِ) (الحج /١٨) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلاّ مَنْ عَصَمَ الله» (١).

الرابع : النكرة الموصوفة ، ولهذا دخلت عليها «رُبَّ» في قول سويد بن أبي كاهل اليشكري :

٢٨٣ ـ رُبّ مَنْ أنضجتُ غيْظاً قلبَهُ

قدْ تمنّى لِي موتاً لم يُطَعْ (٢)

ووصفت بالنكرة في نحو قولهم : «مَررتُ بمن مُعجب لك» وقول حسان :

٢٨٤ ـ فكفى بنافضلاًعلى من غيرِنا

حُبٌّ النّبيّ محمد إيّانا (٣)

ويروى برفع «غير» فيحتمل أن «من» على حالها ، ويحتمل الموصولية ، وعليهما فالتقدير : على مَن هو غيرُنا ، والجملة صفة أو صلة.

تنبيهان

الأول : تقول : «مَن يكرمني اُكرمه» فتحتمل «من» الأوجه الأربعة ، فإن قدرتها شرطية جزمت الفعلين ، أو موصولة أو موصوفة رفعتهما ، أو استفهامية رفعت الأول وجزمت الثاني؛ لأنه جواب بغير الفاء ، و «مَن» فيهن

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ٢٠١/٦٦٦.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٤٠.

٣ ـ تقدم تحقيقه برقم ٧٨.

٢٤٨

مبتدأ ، وخبر الاستفهامية الجملة الاُولى ، والموصولة أو الموصوفة الجملة الثانية ، والشرطية ، الاُولى أو الثانية على خلاف في ذلك ، وتقول : «من زارني زرته» فلا تحسن الاستفهامية ، ويحسن ما عداها.

الثاني : زيد في أقسام «من» قسمان آخران :

أحدهما : أن تأتي نكرة تامة وذلك عند أبي علي قاله في قوله (١) :

٢٨٥ ـ ...................

ونِعمَ من هو في سرٍّ وإعلانِ

فزعم أن الفاعل مستتر و «من» تمييز ، وقوله : «هو» مخصوص بالمدح فـ «هو» مبتدأ خبره ما قبله ، أو خبر لمبتدأ محذوف. وقال غيره : «من» موصول فاعل ، وقوله : «هو» مبتدأ خبره «هو» آخر محذوف ، والظرف متعلق بالمحذوف؛ لأن فيه معنى الفعل ، أي : ونعم من هوالثابت في حالتي السر والعلانية. قلنا : ويحتاج إلى تقدير «هو» ثالث يكون مخصوصاً بالمدح.

ثانيهما : التوكيد ، وذلك في ما زعم الكسائي من أنها ترد زائدة كـ «ما» وذلك سهل على قاعدة الكوفيين في أن الأسماء تزاد وأنشد عليه :

٢٨٦ ـ فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النبي محمد إيانا (٢)

في من خفض «غيرنا». وهو خلاف المشهور. ولنا أنها نكرة موصوفة أي : على قوم غيرنا.

__________________

١ ـ صدره : ونعم مَزكأ مَن ضاقت مذاهبه. وقال البغدادي : لم أقف على قائل الشعر. شرح أبيات مغني البيب : ٥/٣٤٠.

٢ ـ تقدم برقم ٧٨.

٢٤٩

(مِنْ)

تأتي على خمسة عشر وجهاً :

أحدها : ابتداء الغاية ، وهو الغالب عليها ، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه ، وتقع لهذا المعنى في غير الزمان ، نحو قوله تعالى : (مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرامِ) (الإسراء /١) وقول الفرزدق في الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) :

٢٨٧ ـ مَن يعرف الله ، يعرف أوّليّة ذا

فالدين مِنْ بيت هذا ناله الاُمم (١)

قال الكوفيون والأخفش والمبرد وابن دُرُستويه : وفي الزمان أيضاً؛ بدليل (مِنْ أوّلِ يَوْم) (التوبة /١٠٨).

وقيل : التقدير : من تأسيس أول يوم ، وردّه السهيلي بأنه لوقيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزمان.

الثاني : التبعيض ، نحو : (منهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) (البقرة /٢٥٣) وعلامتها : إمكان سد «بعض» مسدّها كقراءة ابن مسعود : (حتّى تُنْفِقُوا بَعْضَ ما تُحِبُّونَ) (آل عمران /٩٢).

الثالث : بيان الجنس ، وكثيراً ما تقع بعد «ما» و «مهما» وهما بها أولى لإفراط إبهامهما ، نحو : (ما يَفْتَحِ الله لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَة فَلا مُمْسِكَ لَها) (فاطر/٢) (مَهْما تَأتِنا بِهِ مِنْ آيَة) (الأعراف/١٣٢) وهي ومخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال. ومن وقوعها بعد غير هما قول الكميت :

٢٨٨ ـ وأوجب يوماًبالغدير ولاية

على كل برّ مِن فصيح وأعجم (٢)

__________________

١ ـ كشف الغمة : ٢/٣٠٥.

٢ ـ الغدير ٢/١٩٥.

٢٥٠

وقال الله تعالى : (يُحَلَّونَ فيها مِنْ أساوِرَ مِنْ ذَهَب ويَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُس وإستَبْرق) (الكهف /٣١) الشاهد في غير الاُولى فإن تلك للابتداء ، وقيل : زائدة ، وأنكر مجيء «من» لبيان الجنس قوم ، وقالوا : هي في «مِنْ ذهَب» و «مِنْ سُنْدُس» للتبعيض. وهذا تكلف.

الرابع : التعليل ، نحو قوله تعالى : (مِمّا خَطيئاتِهِم أُغرقُوا) (نوح /٢٥) وقول الفرزدق في الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) :

٢٨٩ ـ يُغضي حَياءً ويُغضى من مهابتهِ

فلا يكلّم إلاّ حين يبتسم (١)

الخامس : البدل ، نحو : (أرضِيتُمْ بِالحَياة الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ) (التوبة /٣٨) (لَنْ تُغْنيَ عَنْهُم أمْوالُهُم ولا أولادُهُمْ مِنَ الله شَيئاً) (آل عمران /١٠) أي : بدل طاعة الله ، أو بدل رحمة الله ، «ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» أي لا ينفع ذا الحظ من الدنيا حظه بدلك ، أي : بدل طاعتك أو بدل حظك ، أي بدل حظه منك ، وقيل : ضمن «ينفع» معنى «يمنع» ومتى علّقت «من» بـ «الجد» انعكس المعنى.

وأنكر قوم مجيء «مِنْ» للبدل؛ فقالوا : التقدير في (أرَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ) (التوبة /٣٨) : أرضيتم بالحَياة الدنيا بدلاً منها؛ فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف ، وأما هي فللابتداء ، وكذا الباقي.

السادس : مرادفة «عن» ، نحو : (فَوَيلٌ لِلقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله) (الزمر/٢٢) وقيل : هي للابتداء ، أو للتعليل ، أي : من أجل ذكر الله؛ لأنه إذا ذكر قست قلوبهم.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٣٢.

٢٥١

السابع : مرادفة الباء ، نحو : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرف خَفِيّ) (الشورى /٤٥)قاله يونس. والظاهر أنها للابتداء.

الثامن : مرادفة «في» ، نحو : (أرُوني ما ذا خَلَقُوا مِنَ الأرضِ) (فاطر/٤٠) (إذا نودِيَ لِلصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعة) (الجمعة /٩) والظاهر أنها في الاُولى لبيان الجنس مثلها في (ما نَنْسَخْ مِنْ آية) (البقرة /١٠٦).

التاسع : موافقة «عند» ، نحو : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أموالُهُم وَلا أولادُهُم مِنَ الله شَيئاً) (آل عمران /١٠) قاله أبو عبيدة. وقد مضى القول بأنها في ذلك للبدل.

العاشر : مرادفة «ربما» وذلك إذا اتصلت بـ «ما» كقول أبي حية النميري :

٢٩٠ ـ وإنّا لممّا نَضربُ الكَبشَ ضَربةً

على رأسه تُلقي اللسانَ من الفَم (١)

قاله السيرا في وابن خروف وابن طاهر والأعلم ، والظاهر أن «مِنْ» فيها ابتدائية و «ما» مصدرية ، وأنهم جُعلوا كأنهم خلقوا من الضرب ، مثل : (خُلِقَ الإنسانُ مِنْ عَجَل) (الإنبياء /٣٧).

الحادي عشر : مرادفه «على» ، نحو : (وَنَصَرناهُ مِنَ القَومِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) (الأنبياء/٧٧). وقيل : على التضمين ، أي : منعناه منهم بالنّصرِ.

الثاني عشر : الفصل ، وهي الداخلة على ثاني المتضادين ، نحو : (وَالله يَعْلَمُ المُفسِدَ مِنَ المُصلِحِ) (البقرة/٢٢٠) (حَتى يَميزَ الخَبِيثَ مِنَ الطّيِّبِ) (آل عمران /١٧٩) قاله ابن مالك ، وفيه نظر؛ لأن الفصل مستفاد من العامل ، فإن «مازَ» و «ميّز» بمعنى «فصلَ» والعلم صفة توجب التمييز ، والظاهر أن «من» في الآيتين للابتداء ، أو بمعنى «عن».

__________________

١ ـ تقدم برقم ٢٦٩.

٢٥٢

الثالث عشر : الغاية ، قال سيبويه : وتقول رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية لرؤيتك ، أي : محلاً للابتداء والانتهاء ، قال : وكذا «أخذته من زيد» وزعم ابن مالك أنها في هذه للمجاوزة ، والظاهر أنها للابتداء؛ لأن الأخذ ابتدأ من عنده وانتهى إليك.

الرابع عشر : التنصيص على العموم ، وهي الزائدة في نحو «ما جاءني منْ رجُل» فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة ولهذا يصح أن يقال : «بل رجلان» ويمتنع ذلك بعد دخول «من».

الخامس عشر : توكيد العموم ، وهي الزائدة في نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «فَوَ الّذي وَسِعَ سمعُه الأصواتَ ما من أحد أودع قلباً سروراً إلاّ وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً» (١) وقولك : «ما جاءني من أحد أو من ديّار» فإن «أحداً ودياراً» صيغتا عموم.

وشرط زيادتها في النوعين ثلاثة اُمور :

أحدها : تقدم نفي أو نهي أو استفهام بـ «هل» ، نحو : (ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُت) (الملك /٣) (فَارْجع البَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُور) (الملك /٣) وتقول : «لايقُم من أحد» وزاد الفارسي الشّرط كقول زهير بن أبي سلمى :

٢٩١ ـ ومهماتكنْ عندَ امرئ منْ خليقة

وإنْ خالَها تَخْفى على الناسِ تُعلَم (٢)

والثاني : تنكير مجرورها.

والثالث : كونه فاعلاً ، أو مفعولاً به ، أو مبتدأ.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٢٤٩ / ١٢٠٠.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/ ٧٤٣.

٢٥٣

تنبيهات

أحدها : تقييد المفعول بقولنا : «به» هي عبارة ابن مالك ، فتخرج بقية المفاعيل ، وكأن وجه منع زيادتها في المفعول معه والمفعول لأجله والمفعول فيه أنّهن في المعنى بمنزلة المجرور بـ «مع» وباللام وبـ «في» ولا تجامعهن «من» ولكن لايظهر للمنع في المفعول المطلق وجه ، وقد خرّج عليه أبوالبقاء (ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِنْ شَيء) (الأنعام /٣٨) فقال : «من» زائدة ، و «شيء» في موضع المصدر ، أي : تفريطاً ، مثل : (لايَضُرُّكُمْ كَيدُهُم شَيئاً) (آل عمران/١٢٠) والمعنى : تفريطاً وضراً ، قال : ولايكون مفعولاً به؛ لأنَّ «فرّط» إنما يتعدى إليه بـ «في» وقد عدي بها إلى «الكتاب» قال : وعلى هذا فلا حجّة في الآية لمن ظن أن «الكتاب» يحتوي على ذكر كل شيء صريحاً ، قلت : وكذا لاحجة فيها لو كان «شيء» مفعولاً به؛ لأن المراد بـ «الكتاب» اللوح المحفوظ؛ كما في قوله تعالى : (وَلا رَطْب وَلا يابِس إلاّ في كتاب مُبين) (الأنعام/٥٩) وهو رأي الزمخشري والسياق يقتضيه.

الثاني : القياسُ أنها لا تزاد في ثاني مفعولي «ظن» ولا ثالث مفعولات «أعلم» ؛ لأنهما في الأصل خبر ، وشذّت قراءة بعضهم : (ما كانَ يَنْبَغي لَنا أنْ نُتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أولياء) (الفرقان /١٨) ببناء «نتخذ» للمفعول.

الثالث : أكثرهم أهمل هذا الشرط الثالث؛ فيلزمهم زيادتها في الخبر ، في نحو : «ما زيد قائماً» والتمييز في نحو : «ما طاب زيد نفساً» والحال في نحو : «ما جاء أحد راكباً» وهم لا يجيزون ذلك.

ولم يشترط الأخفش واحداً من الشرطين الأولين واستدل بنحو : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَأالمُرسَلينَ) (الأنعام/٣٤) ولم يشترط الكوفيون الأول ، واستدلوا

٢٥٤

بقولهم : «قد كان من مطر».

وجوز الزمخشري في (وَما أنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعدِهِ مِنْ جُنْد مِنَ السّماء وَما كُنّا مُنْزِلينَ) (يس /٢٨) كون المعنى : ومن الذي كنا منزلين ، فجوز زيادتها مع المعرفة وقال الفارسي في (وَيُنزِّلُ مِنَ السّماء مِنْ جِبال فيها مِنْ بَرَد) (النور/٤٣) : يجوز كون «من» و «من» الأخيرتين زائدتين؛ فجوز الزيادة في الإيجاب.

وقال المخالفون : التقدير : قد كان هو أي : كائن من جنس المطر ، و «لقد جاءك هو» أي : جاء من الخبر كائناً من نبأ المرسلين ، أو ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين ثم حذف الموصوف ، وهذا ضعيف في العربية ؛ لأن الصفة غير مفردة ، فلايحسن تخريج التنزيل عليه.

واختلف في «من» الداخلة على «قبل وبعد» كقول النبي صلّى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : «أنت أخي ووصييّ وخليفتي من بعدي» (١) وقول أميرالمؤمنين عليه السلام : «عباد زِنوا أنفسكم مِن قبل أن توزَنوا» (٢) فقال الجمهور : لابتداء الغاية ، وردّ بأنها لاتدخل عندهم على الزمان كما مر ، واُجيب بأنهما غير متأصّلين في الظرفية وإنما هما في الأصل صفتان للزمان : إذ معنى «جئت قبلك» جئت زمناً قبل زمن مجيئك؛ فلهذا سهل ذلك فيهما ، وزعم ابن مالك أنها زائدة ، وذلك مبني على قول الأخفش في عدم الاشتراط لزيادتها.

__________________

١ ـ الغدير ٣/١١٧.

٢ ـ نهج البلاغة : ط ٨٩/٢٢٥.

٢٥٥

مسألة

مهما (ما يَوَدَّ الّذينَ كَفَروُا مِنْ أهلِ الكِتابِ وَلا المُشْرِكينَ أنْ يُنزّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْر مِن رَبّكُم) (البقرة/١٠٥) فيها «من» ثلاث مرات : الاُولى للتبيين ؛ لأن الكافرين نوعان : كتابيون ومشركون ، والثانية زائدة ، والثالثة لابتداء الغاية.

مسألة

(لآكِلُونَ مِنْ زَقُّوم) (الواقعة/٥٢) (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ اُمّة فَوْجاً مِمَّنْ يُكذِّبُ) (النمل/٨٣) الاُولى منهما للابتداء ، والثانية للتبيين.

(مهما)

اسم؛ لعود الضمير إليها في قوله تعالى : (مَهْما تأتِنا بِهِ مِنْ آيَة لِتَسْحَرَنا بِها) (الأعراف/١٣٢) وقال الزمخشري وغيره : عاد عليها ضمير «به» وضمير «بها» حملاً على اللفظ وعلى المعنى ، انتهى. والأولى أن يعود ضمير «بها» إلى «آية» ومثله قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «إنّ للخير والشر أهلاً فمهما تركتموه منهما كفا كُموهُ أهلُه» (١) فيعود ضمير «تركتموه» و «كفا كموه» و «أهله» إليها.

وزعم السهيلي أنها تأتي حرفاً؛ بدليل قول زهير :

٢٩٢ ـ ومهما تكنْ عندَامرئ مِن خَلِيقة

ولو خالَها تَخْفَى على النّاس تُعلَمِ (٢)

قال : فهي هنا حرف بمنزلة «إنْ» ؛ بدليل أنها لامحل لها.

والجواب : أنها إما خبر «تكن» و «خليقة» اسمها ، و «من» زائدة؛

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٤١٤/١٢٨٤.

٢ ـ تقدم برقم ٢٩١.

٢٥٦

لأن الشرط غير موجب عند أبي علي ، وإما مبتدأ ، واسم «تكن» ضمير راجع إليها ، والظرف خبر ، واُنّث ضميرها؛ لأنها الخليقة في المعنى ، و «من خليقة» تفسير للضمير.

ولها ثلاثة معان :

أحدها : مالا يعقل غير الزمان مع تضمن معنى الشرط ، ومنه الآية ولهذا فسرت بقوله تعالى : (مِنْ آية) (الأعراف /١٣٢) وهي فيها إما مبتدأ أو منصوبة على الاشتغال ، فيقدر لها عامل متعد كما في «زيداً مررتُ به» متأخراً عنها ؛ لأن لها الصدر ، أي : مهما تحضرنا تأتنا به.

الثاني : الزمان والشرط ، فتكون ظرفاً لفعل الشرط ، ذكره ابن مالك ، وزعم أن النحويين أهملوه ، وأنشد لحاتم :

٢٩٣ ـ وإنّك مهماتُعْطِ بَطنَكَ سُؤلَهُ

وفَرْجَكَ نالا مُنتَهى الذّمَّ أجمعا (١)

وأبياتاً اُخر ، ولا دليل في ذلك؛ لجواز كونها للمصدر بمعنى أيّ إعطاء كثيراً أو قليلاً.

الثالث : الاستفهام ، ذكره جماعة منهم ابن مالك واستدلوا عليه بقول عمرو بن ملقط :

٢٩٤ ـ مهما ليَ الليلة مهما لِيَةْ

أوْدَى بنعليَّ وسِربالِيَهْ (٢)

فزعموا أن «مهما» مبتدأ ، و «لي» الخبر ، واُعيدت الجملة توكيداً ، و «أودى» بمعنى «هلك» و «نعليّ» فاعل ، والباء زائدة ، ولا دليل في البيت لاحتمال أن التقدير : «مَهْ» اسم فعل بمعنى «اكفف» ثم استأنف استفهاماً بـ «ما» وحدها.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٤٤.

٢ ـ شرح شوهد المغني : ١/٣٣٠.

٢٥٧

حرف النون

النون المفردة : تأتي على أربعة أوجه :

أحدها : نون التأكيد وهي خفيفة ، كقول أبي طالب (عليه السلام) :

٢٩٥ ـ اصبرَنْ يا بني فالصبر أحجى

كل حيّ مصيره لشعوب (١)

وثقيلة كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «والذي بَعَثَه بالحق لَتُبَلْبَلُنّ بَلْبَلَة ولتُغَرْبَلُنّ غَرْبَلَة وَلَتُساطُنّ سَوْطَ القِدر» (٢) وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (لَيُسجَنَنَّ ولَيَكُونا) (يوسف /٣٢) ومعناهما التوكيد ، قال الخليل : والتوكيد بالثقيلة أبلغ.

ويختصان بالفعل ، ويؤكد بهما صيغ الأمر مطلقاً ، ولو كان دعائياً كقوله :

٢٩٦ ـ

وأنزلنْ سكينةً عَلينا (٣)

 إلا «أفعل» في التعجب؛ لأن معناه كمعنى الفعل الماضي.

ولا يؤكد بهما الماضي مطلقاً.

__________________

١ ـ أعيان الشيعة : ١/٢١٩.

٢ ـ نهج البلاغة : ط ١٦/٦٦ و ٦٧.

٣ ـ نقل عن عامر بن الأكوع وعبدالله بن رواحة. شرح شواهد المغني : ١/٢٨٦ و ٢٨٧.

٢٥٨

وأما المضارع فإن كان حالاً لم يؤكد بهما ، وإن كان مستقبلاً اُكّد بهما وجوباً في نحو قوله تعالى : (وتالله لأكِيدَنَّ أصنامَكُمْ) (الأنبياء/٥٧) وقريباً من الوجوب بعد «إما» (وإمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْم) (الأنفال /٥٨) وجوازاً كثيراً بعد الطلب ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الله غافِلاً) (ابراهيم /٤٢) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «لاتظنّنّ بكلمة خَرَجَتْ مِنْ أحد سوءً وَأنت تجد لها في الخير مُحْتَملاً» (١) وقليلاً في مواضع كقولهم :

٢٩٧ ـ

وَمِن عِضَة ما يَنْبُتَنَّ شكيرُها (٢)

الثاني : التنوين ، وهو نون زائدة ساكنة تلحق الآخر لغير توكيد ؛ فخرج نون «حسن» ؛ لأنها أصل ، ونون «ضيْفن» للطفيليّ؛ لأنها متحركة ، ونون «منكسر» و «انكسر» ؛ لأنها غير آخر ، ونو (لَنَسفَعاً) (العلق /١٥) لأنها للتوكيد.

وأقسامه خمسة :

تنوين التمكين : وهو اللاحق للاسم المعرب المنصرف إعلاماً ببقائه على أصله ، وأنه لم يشبه الحرفَ فيبنى ، ولا الفعلَ فيمنع الصرف ، ويسمى تنوين الأمكنية أيضاً وتنوين الصرف ، وذلك كـ «زيد ورجُل ورجال».

وتنوين التنكير : وهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية فرقاً بين معرفتها ونكرتها ، ويقع في باب اسم الفعل بالسماع كـ «صه ومَه وإيه» ، وفي العَلم المختوم بـ «ويه» بقياس ، نحو : «جاءني سيبويه وسيبويه آخر».

وأما تنوين «رجل» ونحوه من المعربات فتنوين تمكين ، لاتنوين تنكير ،

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٣٥٢/ ١٢٥٤.

٢ ـ هذا مثلٌ وكان أصله مصراعاً ثانياً من بيت ، والمصراع الأوّل : «إذا ماتَ مِنهُم ميّتٌ سَرَقَ ابنُهُ». شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/٤٤ ، شرح شواهد المغني : ٢/٧٦١. ولم يسمّ قائل البيت.

٢٥٩

كما قد يتوهم بعض الطلبة ، ولهذا لو سميت به رجلاً بقي ذلك التنوين بعينه مع زوال التنكير.

وتنوين المقابلة : وهو اللاحق لنحو : «مسلمات» ، جُعِلَ في مقابلة النون في «مسلمين».

وتنوين العوض : وهو اللاحق عوضاً من حرف أصلي ، أو زائد ، أو مضاف إليه مفرداً ، أو جملة.

فالأول : كـ «جوار وغواش» ؛ فإنه عوض من الياء وفاقاً لسيبويه والجمهور ، لاعوض من ضمة الياء وفتحتها النائبة عن الكسرة خلافاً للمبرد؛ إذ لو صح لعُوِّض عن حركات نحو : «حُبلى» ولا هو تنوين التمكين والاسمُ منصرف خلافاً للأخفش ، وقوله : لما حذفت الياء التحق الجمع بأوزان الآحاد كـ «سلام وكلام» فصرف ، مردود؛ لأن حذفها عارض للتخفيف وهي منوية؛ بدليل أن الحرف الذي بقي أخيراً لم يحرك بحسب العوامل.

الثاني : كـ «جَنَدِل» ؛ فإن تنوينه عوض من ألف «جَنادِل» قاله ابن مالك. والذي يظهر ، خلافه ، وأنه تنوين الصرف ، ولهذا يجر بالكسرة ، وليس ذهاب الألف التي هي علم الجمعية كذهاب الياء من نحو : «جوار وغواش».

الثالث : تنوين «كُلّ وبعض» إذا قُطِعتا عن الإضافة ، نحو قوله تعالى : (وَكُلاًّ ضَرَبنا لَهُ الأمثالَ) (الفرقان/٣٩) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «ودَكَّ بعضُها بعضاً مِن هَيْبَةِ جَلالته ومَخوف سَطْوَته» (١) وقيل : هوتنوين التمكين ، رجع؛ لزوال الإضافة التي كانت تعارضه.

الرابع : اللاحق لـ «إذ» في نحو : (وانشَقّتِ السّماء فَهِيَ يَؤمَئذ واهِيَةٌ) (الحاقة /١٦) والأصل : فهي يومَ إذ انشقت واهية ، ثم حذفت الجملة المضاف إليها

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٠٨/٣٣٤.

٢٦٠