مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

وموضعها عندالجميع رفع ، فقال سيبويه : بالابتداء ولا تحتاج إلى خبر؛ لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه ، واختصت من بين سائر ما يؤول بالاسم بالوقوع بعد «لو» كما اختصت «غُدوة» بالنصب بعد «لدُنْ» والحين بالنصب بعد «لات» وقيل : على الابتداء ، والخبر محذوف ، ثم قيل : يقدر مقدما ، أي : ولو ثابتٌ إيمانهم ، على حد : (وَآيَةٌ لَهُمْ أنّا حَمَلْنا) (يس/٤١) وقال ابن عصفور : بل يقدر هنا مؤخراً ، وذلك لأنّ «لعل» لا تقع هنا؛ فلا تشتبه «أن» المؤكدة إذا قدّمت ، بالتي بمعنى «لعل» فالأولى حينئذ أن يقدر مؤخراً على الأصل ، أي : ولو إيمانهم ثابت.

وذهب المبرّد والزجاج والكوفيون إلى أنه على الفاعلية ، والفعل مقدر بعدها ، أي : ولو ثبتَ أنهم آمنوا ، ورُجّح بأن فيه إبقاء «لو» على الاختصاص بالفعل.

المسألة الثالثة : لغلبة دخول «لو» على الماضي لم تجزم ولو اُريد بها معنى «إن» الشرطية ، وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة ، وأجازه جماعة في الشعر منهم ابن الشجري كقوله (١) :

٢٤٤ ـ لو يشأ طارَبهِ ذو مَيْعة

لاحق الآطال نَهْدٌ ذُو خُصَلْ

وقد خرّج على لغة من يقول : «شا ، يشا» بألف ، ثم اُبدلت همزة ساكنة ، كما قيل : «العألم والخأتم».

المسألة الرابعة : جواب «لو» إما مضارع منفي بـ «لم» نحو قول النبيّ صلّى الله عليه وآله : «لو أنّ ثوباً من ثياب أهل الجنّة اُلقي إلى أهل الدنيا لم تحتمله أبصارهم» (٢)

__________________

١ ـ قال السيوطي : «عزاه في الحماسة لامرأة من بني الحارث ، وقال العيني : هو لعلقمة».

شرح شواهد المغني : ٢/٦٦٤.

٢ ـ عدّة الداعي : ٩٩.

٢٢١

أو ماض مثبت أو منفي بـ «ما» ، والغالب على المثبت دخول اللام عليه ، نحو قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لو أنّ هذا الدين في الثريا لَنالَتْهُ رجالٌ من فارس» (١) ، ومن تجرده منها قوله تعالى : (لَوْ نَشاء جَعَلْناهُ اُجاجاً) (الواقعة /٧٠) والغالب على المنفي تجرده منها ، نحو : (وَلَوْ شاء رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) (الأنعام/١١٢) ومن اقترانه بها قوله (٢) :

٢٤٥ ـ ولو نُعطى الخيارَ لما افترقنا

ولكن لاخيار مع الليالي

وقد ورد جواب «لو» الماضي مقروناً بـ «قد» ، وهو غريب.

قيل : وقد يكونُ جوابُ «لو» جملة اسمية مقرونة باللام أو بالفاء كقوله تعالى : (وَلَوْ أنَّهُمْ آمَنُوا واتَّقوا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِندالله خَيرٌ) (البقرة / ١٠٣) وقيل : هي جواب قسم مقدر.

(لولا)

على أربعة أوجه :

أحدها : أن تدخل على جملتين اسمية ففعلية لربط امتناع الثانية بوجود الاُولى ، كقول الكميت :

٢٤٦ ـ يقولون لَمْ يورث ولولا تُراثُه

لَقَد شَرِكتْ فيه بَكَيل وأرحَب (٣)

وليس المرفوع بعد «لولا» فاعلاً بفعل محذوف ، ولا بـ «لولا» لنيابتها عنه ،

__________________

١ ـ أعيان الشيعة : ١/٣٠٢.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٦٥ ، شرح أبيات مغني اللبيب ٥/١١١. لم يسمّ قائله.

٣ ـ بعده :

وعَك ولَخْمٌ والسَكون وحِمْيَر

وكِندَةُ والحَيّان ، بكر وتَغِلبُ

شرح الهاشميات : ٤٢.

٢٢٢

ولابها أصالة ، خلافاً لزاعمي ذلك ، بل رفعه بالابتداء ، ثم قال أكثرهم : يجب كونُ الخبر كوناً مُطلقاً محذوفاً؛ فإذا اُريد الكون المقيد لم يجز أن تقول : «لولا زيد قائم» ولا أن تحذفه ، بل تجعل مصدَره هو المبتدأ ، فتقول : «لولا قيام زيد لأتيتك» أو تدخل «أنّ» على المبتدأ فتقول : «لولا أنّ زيداً قائم» وتصير «أنّ» وصلتها مبتدأ محذوف الخبر وجوباً ، أو مبتدأ لا خبر له ، أو فاعلاً بـ «ثبت» محذوفاً ، على الخلاف السابق في فصل «لو».

وذهب الرماني وابن الشجري والشلوبين وابن مالك إلى أنّه يكون كوناً مطلقاً كـ «الوجود والحصول» فيجب حذفه ، وكوناً مقيداً كـ «القيام والقعود» فيجب ذكره إن لم يعلم ويجوز الأمران إن علم.

وزعم ابن الطراوة أن جواب «لولا» أبداً هو خبر المبتدأ ، ويرده أنه لا رابط بينهما.

وإذا ولي «لولا» مضمرٌ فحقه أن يكون ضميرَ رفع ، نحو : (لَوْلا أنْتمْ لَكُنّا مُؤمنينَ) (سبأ /٣١) وسمع قليلاً : «لولاي ولولاك ولولاه» خلافاً للمبرد ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لولاك يا علي ما عُرِف المؤمنون مِنْ بعدي» (١).

ثم قال سيبويه والجمهور : هي جارة للضمير مختصة به ، كما اختصت «حتى» والكاف بالظاهر ولا تتعلق «لولا» بشيء ، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء ، والخبر محذوف.

وقال الأخفش : الضمير مبتدأ و «لولا» غير جارة ، ولكنهم أنابوا الضمير المخفوض عن المرفوع ، كما عكسوا ، إذ قالوا : «ما أنا كأنت» ، «ولا أنت كأنا»

__________________

١ ـ كنز العمال ١٣/ ح ٣٦٤٧٧.

٢٢٣

وقد أسلفنا أن النيابة إنما وقعت في الضمائر المنفصلة؛ لشبهها في استقلالها بالأسماء الظاهرة ، فإذا عطف عليه اسم ظاهر ، نحو : «لولاك وزيد» تعين رفعه؛ لأنها تخفض الظاهر.

الثاني : أن تكون للتحضيض والعرض؛ فتختص بالمضارع أو ما في تأويله ، نحو : (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ الله) (النمل /٤٦) ونحو (لَوْلا أخّرْتَني إلى أجَل قَرِيب) (المنافقون /١٠).

الثالث : أن تكون للتوبيخ والتنديم فتختص بالماضي ، نحو : (لَوْلا جاؤُوا عَلَيهِ بِأرْبَعَةِ شُهداء) (النور /١٣) ومنه : (وَلَولا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أنْ نَتَكَلّم بِهذا) (النور /١٦) إلا أن الفعل اُخَّر.

وقد فصلت من الفعل بـ «إذ وإذا» معمولين له ، وبجملة شرطية معترضة؛ فالأول كما تقدّم ، والثاني والثالث ، نحو : (فَلولا إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ وأنتُمْ حِينَئذ تَنْظُرُونَ ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبصِرُونَ فَلَولا إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينينَ تَرْجِعُونها) (الواقعة /٨٣ ـ ٨٧) المعنى : فهلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين ، وحالتكم أنكم تشاهدون ذلك ، ونحن أقرب إلى المحتضر منكم ، ولكنكم لاتشاهدون ذلك ، و «لولا» الثانية تكرار للاُولى.

الرابع : الاستفهام ، نحو (لَوْلا أخّرتَني إلى أجَل قَرِيب) (المنافقون /١٠) (لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) (الأنعام/٨) قال الهروي : وأكثرهم لا يذكره. والظاهر أن الاُولى للعرض ، وأن الثانية مثل : (لَوْلا جاؤا عَلَيْهِ بأرْبَعَةِ شُهَداء) (النور/١٣).

وذكر الهروي أنها تكون نافية بمنزلة «لَم» ، وجعل منه : (فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها إلا قَوْمَ يُونُسَ) (يونس /٩٨) والظاهر أن المعنى على التوبيخ ، أي : فهلا كانت قَرية واحدة من القرى المُهلكة تابت عن الكفر قبل مجيء

٢٢٤

مجيء العذاب فنفعها ذلك ، وهو تفسير الأخفش والكسائي والفراء وعلي بن عيسى والنَحّاس ، ويؤيده قراءة اُبيّ وعبدالله : «فَهَلا كانَت» ويلزم من هذا المعنى النفي ، لأن التوبيخ يقتضي عدم الوقوع ، فإن احتج محتج للهروي بأنه قرئ بنصب «قوم» على أصل الاستثناء ، ورفعه على الإبدال ، فالجواب : أنّ الإبدال يقع بعد ما فيه رائحة النفي كقول الأخطل :

٢٤٧ ـ وبالصّريمة منهم مَنزل خَلَقٌ

عاف تغيّر إلاّ النّؤىُ والوَتدُ (١)

فرفع لما كان «تغير» بمعنى «لم يبق على حاله» ؛ ويوضح لك ذلك أن البدل في غير الموجب أرجح من النصب ، وقد اجتمعت السبعة على النصب في (إلاّ قَوْمَ يُونُسَ) (يونس /٩٨) فدل على أن الكلام موجب ، ولكن فيه رائحة غير الإيجاب.

(لو ما)

بمنزلة «لولا» تقول : «لوما زيد لأكرمتك» وفي التنزيل : (لَوْما تأتِينا بِالْمَلائكَةِ إن كنتَ مِنَ الصادِقين) (الحجر/٧).

(ليت)

حرف تمنّ يتعلق بالمستحيل غالباً كقول أبي العتاهية :

٢٤٨ ـ فياليتَ الشبابَ يعودُ يوماً

فاُخبرَهُ بما فعلَ المشيبُ (٢)

وبالممكن قليلاً.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٧٠ و ٦٧١.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/١٦٣. وأهمله السيوطي ؛ لتأخّر قائله عن زمن الاستشهاد.

٢٢٥

وحكمه أن ينصب الاسم ويرفع الخبر ، قال الفراء وبعض أصحابه : وقد ينصبهما كقوله (١) :

٢٤٩ ـ ...................

ياليتَ أيام الصّبا رواجعا

وهو محمول على حذف الخبر ، وتقديره : «أقبلتْ» لا «تكون» خلافاً للكسائي؛ لعدم تقدم «إنْ ولوْ» الشرطيتين.

وتقترن بها «ما» الحرفية فلا تزيلها عن الاختصاص بالأسماء ، لايقال : «ليتما قام زيد» خلافاً لابن أبي الربيع وطاهر القزويني ، ويجوز حينئذ إعمالها؛ لبقاء الاختصاص وإهمالها حملاً على أخواتها.

(ليس)

ليس كلمة دالة على نفي الحال ، وتنفي غيره بالقرينة ، نحو : «ليسَ خَلَقَ الله مثله» وقول الأعشى في النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٢٥٠ ـ لهُ نافلاتٌ ما يُغِبُّ نَوالُها

وليسَ عطاءُ اليومِ مانِعَهُ غدا (١)

وهي فعل لايتصرف ، وزنه «فعِل» بالكسر ، ثم التزم تخفيفه ، ولم نقدره «فعَلَ» بالتفح؛ لأنه لا يخفف ، ولا «فَعُلَ» بالضم؛ لأنه لم يوجد في يائي العين إلا في «هَيُؤ» وسمع : «لُستُ» بضم اللام ، فيكون على هذه اللغة كـ «هَيُؤ».

وزعم ابن السراج أنه حرف بمنزلة «ما» وتابعه الفارسي في الحلَبيات وابن شقير وجماعة ، والصواب : الأول؛ بدليل : ولستُما ولستنّ وليْسا وليْسوا

__________________

١ ـ فقال السيوطي : «قال الجمحي في طبقات الشعراء : هو للعجاج». شرح شواهد المغني : ٢/٦٩٠.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٠٤.

٢٢٦

ولَيست ولسنَ. قال أبو الأسود الدؤلي في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) ومَن اُصيب معه من بني هاشم :

٢٥١ ـ ألستِ ترين بني هاشم

قد أفنَتْهُمُو الفئةُ الظالمةُ (١)

وتلازم رفع الاسم ونصب الخبر ، كقول الإمام الحسين (عليه السلام) : «أوَليس حمزة سيدالشهداء عمّ أبي؟» (٢) وقيل : قد تخرج عن ذلك في مواضع :

أحدها : أن تكون حرفاً ناصباً للمستثنى بمنزلة «إلا» ، نحو : «أتوني ليس زيداً» ، والصحيح : أنها الناسخة ، وأن اسمها ضمير راجع للبعض المفهوم مما تقدم ، واستتاره واجب؛ فلا يليها في اللفظ إلا المنصوب.

الثاني : أن يقترن الخبر بعدها بـ «إلاّ» ، نحو : «ليس الطيبُ إلا المسك» بالرفع ، فإن بني تميم يرفعونه حملاً لها على «ما» في الإهمال عند انتقاض النفي ، كما حمل أهلُ الحجاز «ما» على «ليس» في الإعمال عند استيفاء شروطها.

الثالث : أن تدخل على الجملة الفعلية ، أو على المبتدأ والخبر مرفوعين كقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ليس يتحسّر أهل الجنّة على شيء إلاّ على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله عزّوجلّ فيها» (٣) وقوله (٤) :

٢٥٢ ـ ألا ليس إلّا ما قضى الله كائنٌ

وما يستطيع المرء نفعاً ولا ضراً

ولا دليل فيهما ، لجواز كون ليس فيهما شأنه.

__________________

١ ـ أدب الطف : ١/١٠١.

٢ ـ الكامل في التاريخ : ٤/٦٢.

٣ ـ كنزالعمال : ١/ ح١٨٠٦.

٤ ـ قال البغدادي : لم أقف على قائله. شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/٢٠٨.

٢٢٧

الرابع : أن تكون حرفاً عاطفاً ، أثبت ذلك الكوفيون أو البغداديون ، على خلاف بين النَّقلة ، واستدلوا بنحو قول نفيل بن حبيب :

٢٥٣ ـ أين المفر والإله الطّالب

والأشرم المغلوب ليس الغالب (١)

وخرّج على أن «الغالب» اسمها والخبر محذوف ، قال ابن مالك : وهو في الأصل ضمير متصل عائد على «الأشرم» ، أي : ليسهُ الغالبُ كما تقول : «الصديق كانهُ زيد» ثم حذف؛ لاتّصاله. ومقتضى كلامه أنه لولا تقديره متصلاً لم يجز حذفه ، وفيه نظر.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٠٥.

٢٢٨

حرف الميم

(ما)

تأتي على وجهين : اسمية ، وحرفية ، وكل منهماثلاثة أقسام.

فأما أوجه الاسمية :

فأحدها : أن تكون معرفة ، وهي نوعان :

ناقصة ، وهي الموصولة ، نحو قوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدالله باق) (النحل /٩٦) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «عبادَالله إنكم وما تَأمُلون من هذه الدنيا أثوياءُ مُؤجّلونَ» (١).

وتامة ، وهي نوعان :

وعامة أي مقدرة بقولك : الشيء ، وهي التي لم يتقدمها اسمٌ تكون هي وعاملها صفة له في المعنى ، نحو : (إنْ تُبْدُوا الصّدقاتِ فَنِعِمّا هِيَ) (البقرة/٢٧١) أي : فنعم الشيء هي ، والأصل : فنعم الشيء إبداؤها؛ لأن الكلام في الإبداء لا في

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط١٢٩/٤٠٠.

٢٢٩

الصدقات ، ثم حذف المضاف واُنيب عنه المضاف إليه ، فانفصل وارتفع.

وخاصة وهي التي تقدمها ذلك ، وتقدر من لفظ ذلك الاسم ، نحو : «غسَلتُه غسلاً نعمّا» و «دققته دقاً نعمّا» أي : نعم الغسل ونعم الدق ، وأكثرهم لايثبت مجيء «ما» معرفة تامة ، وأثبته جماعة منهم ابن خروف ونقله عن سيبويه.

الثاني : أن تكون نكرة مجردة عن معنى الحرف ، وهي أيضاً نوعان :

ناقصة وتامة :

فالناقصة هي الموصوفة ، وتقدر بقولك : شيء كقولهم : «مررت بما معجب لك» أي :

بشيء مُعجب لك ، وقوله (١) :

٢٥٤ ـ ربّما تكره النفوس من الأمـ

رله فُرجة كحلّ العقال

أي : رب شيء تكرهه النفوس.

والتامّة : تقع في ثلاثة أبواب :

أحدها : التعجب كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «ما أحسنَ تواضعَ الأغنياء للفقراء طلباً لما عندالله» (٢) المعنى : شيء حسّن تواضع الأغنياء ، جزم بذلك جميع البصريين إلا الأخفش فجوّزه ، وجوّز أن تكون معرفة موصولة والجملة بعدها صلة لامحل لها ، وأن تكون نكرة موصوفة والجملة بعدها في موضع رفع نعتاً لها وعليهما فخبر المبتدأ محذوف وجوباً ، تقديره : شيء عظيم ونحوه.

__________________

١ ـ نسب البيت إلى اُمية بن أبي الصلت وإلى حنيف بن عمير اليشكري وإلى غيرهما.

شرح شواهد المغني : ٢/٧٠٧.

٢ ـ نهج البلاغة : ح ٣٩٨/١٢٧٧.

٢٣٠

ثانيها : باب «نعم وبئس» ، نحو : «غسلته غسلاً نعمّا» و «دققتُه دقّاً نعمّا» أي : نعم شيئاً ، فـ «ما» نصبٌ على التمييز عند جماعة من المتأخرين منهم الزمخشري ، وظاهر كلام سيبويه أنها معرفة تامة كما مرّ.

ثالثها : قولهم إذا أرادوا المبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل كالكتابة : «إنّ زيداً ممّا أن يكتبَ» أي : إنه من أمر كتابة ، أي إنه مخلوق من أمر وذلك الأمر هو الكتابة فـ «ما» بمعنى «شيء» و «أنْ» وصلتها في موضع خفض بدلاً منها ، والمعنى بمنزلته في (خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَل) (الأنبياء/٣٧) جعل؛ لكثرة عجلته كأنه خلق منها ، وزعم السيرافي وابن خروف وتبعهما ابن مالك ونقله عن سيبويه أنها معرفة تامة بمعنى الشيء أو الأمر ، و «أنْ» وصلتها مبتدأ ، والظرف خبره ، والجملة خبر لـ «إنّ» ولا يتحصل للكلام معنى طائل على هذا التقدير.

الثالث : أن تكون نكرة مضمنة معنى الحرف ، وهي نوعان :

أحدهما : الاستفهامية ، ومعناها : أيّ شيء ، نحو قوله تعالى : (ما لَوْنُها) (البقرة/٦٩) وقول حسّان في رثاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٢٥٥ ـ ما بال عيني لا تنام؟ كأنّما

كُحِلَتْ مَآقيها بكُحل الأرمَد (١)

ويجب حذف ألف «ما» هذه إذا جُرّتْ وإبقاء الفتحة دليلاً عليها ، كقول الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) خطاباً لأبيه : «مم حمدتَ واسترجَعتَ» (٢) وقول

__________________

١ ـ ديوان حسان بن ثابت : ٢٠٨.

٢ ـ قاله في طريق كربلاء حين رأى أن أبيه عليه السلام يسترجع فأجات الحسين عليه السلام : «يا بني إنّي خفقت (براسي) خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسير معهم ، فعلمتُ أنّ أنفسنا نُعيت إلينا». الكامل في التاريخ : ٤/٥١.

٢٣١

الكميت :

٢٥٦ ـ فتلك ولاة السّوء قدْ طالَ مكثُهم

فحتّام حتّام العناءُ المُطوّلُ؟ (١)

وربما تبعت الفتحةُ الألف في الحذف ، وهو مخصوص بالشعر ، كقوله (٢) :

٢٥٧ ـ يا أبا الأسود لِمْ خلّفْتَني

لِهُموم طارقات وذِكَرْ

وعلة حذف الألف ، الفرق بين الاستفهام والخبر؛ فلهذا حذفت في نحو : (فَناظِرةٌ بِمَ يَرجعُ المُرْسَلونَ) (النمل/٣٥) (لِمَ تَقُولُونَ مالا تَفْعَلُونَ) (الصف /٢) وثبتت في نحو (يؤمِنُونَ بما اُنزِلَ إليك) (البقرة/٤) (ما مَنَعَك أن تسجُدَ لِما خلقتُ بِيَدَيّ) (ص /٧٥) وكما لاتحذف الألف في الخبر لاتثبت في الاستفهام ، وأمّا قراءة عكرمة وعيسى : (عَمّا يَتَساءلُونَ) (النبأ /١) فنادر.

وإذا ركبت «ما» الاستفهامية مع «ذا» لم تحذف ألفها ، نحو : «لما ذا جئت؛ لأن ألفها قد صارت حشواً.

فصل في (ماذا)

اعلم أنها تأتي في العربية على أوجه :

منها : أن تكون «ما» استفهامية و «ذا» إشارة ، نحو : «ما ذا التّواني؟» ، و :

٢٥٨ ـ ماذاالوقوف على ناروقد خَمَدَتْ

يا طالَما اُوقدَت في الحرب نِيرانُ (٣)

ومنها : ان تكون «ما» استفهامية و «ذا» موصولة كقول لبيد :

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٠٩.

٢ ـ قال البغدادي : لم يعرف قائله. شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/٢٢٠.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧١١. لم يسمّ قائله.

٢٣٢

٢٥٩ ـ ألاتسألان المرء ماذا يُحاولُ

أنَحْبٌ فيُقْضى أم ضلالٌ وباطلٌ؟ (١)

فـ «ما» مبتدأ؛ بدليل إبداله المرفوع منها ، و «ذا» موصول؛ بدليل افتقاره للجملة بعده ، وهو أرجح الوجهين في (وَيَسْألُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوُ) (البقرة/٢١٩) فيمن رفع «العفو» أي : الذي ينفقونه ، العفو ؛ إذ الأصل : أن تجاب الاسمية بالاسمية والفعلية بالفعلية.

ومنها : أن يكون «ماذا» كله استفهاما على التركيب كقولك : «لماذا جئت؟» وهو أرجح الوجهين في الآية في قراءة غير أبي عمرو : (قُلِ العَفْوَ) (البقرة/٢١٩) بالنصب ، أي : ينفقون العفو.

ومنها : أن تكون «ما» استفهاماً و «ذا» زائدة ، أجازه جماعة منهم ابن مالك في نحو : «ماذا صنعت؟» وعلى هذا التقدير فينبغي وجوب حذف الألف في نحو : «لم ذا جئت؟» والتحقيق : أن الأسماء لا تزاد.

النوع الثاني : الشرطية وهي نوعان :

غير زمانية ، نحو : (وما تَفْعَلُوا مِن خَير يَعْلَمْهُ الله) (البقرة /١٩٧).

وزمانية ، أثبت ذلك الفارسي وأبوالبقاء وأبو شامة وابن بري وابن مالك ، وهو ظاهر في قوله تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقيمُوا لَهُمْ) (التوبة /٧) أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم ، ومحتمل في (فما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَاتُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ) (النساء /٢٤) إلا أن «ما» هذه مبتدأ لا ظرفية ، والهاء من «به» راجعة إليها ، ويجوز فيها الموصولية و «فاتُوهُنَّ» الخبر ، والعائد محذوف أي : لأجله.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧١١.

٢٣٣

وأما أوجه الحرفية :

فأحدها : أن تكون نافية ، فإن دخلت على الجملة الاسمية أعملها الحجازيون والتهاميون والنجديون عمل «ليس» بشروط معروفة ، نحو (ما هذا بَشَراً) (يوسف /٣١) (ما هُنَّ اُمَّهاتِهِمْ) (المجادلة /٢) وعن عاصم : أنه رفع «اُمهاتهم» على التميمية ، وندر تركيبها مع النكرة تشبيهاً لها بـ «لا» كقوله : (١)

٢٦٠ ـ ومابأسَ لو رَدَّتْ علينا تحيَّةً

قليلٌ على مَنْ يعرفُ الحقّ عابُها

وإن دخلت على الفعلية لم تعمل ، نحو قوله تعالى : (وما تُنْفِقُونَ إلاّ اْبتِغاء وَجْهِ الله) (البقرة /٢٧٢) وقول حسان :

٢٦١ ـ بالله ما حَمَلت اُنثى ولا وَضَعت

مثلَ النبيّ رسولِ الرحمة الهادي (٢)

وإذا نفت المضارع تخلّص عندالجمهور للحال ، وردّ عليهم ابن مالك بنحو : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أنْ اُبَدِّلَهُ) (يونس/١٥) واُجيب بأن شرط كونه للحال انتفاء قرينة خلافه.

الثاني : أن تكون مصدرية ، وهي نوعان : زمانية ، وغيرها.

فغير الزمانية ، نحو : (ضاقَتْ عَلَيْهمُ الأرضُ بِما رَحُبَتْ) (التوبة /١١٨).

والزمانية ، نحو قوله تعالى : (ما دُمْتُ حَيّاً) (مريم /٣١) أصله : مُدّةَ دوامي حيّاً فحذف الظرف وخلفته «ما» وصلتها كما جاء في المصدر الصريح ، نحو : «جئتُك صلاة العصر» و «آتيك قدوم الحاج» وقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «والله

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧١٥ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/٢٣٩. لم يسمّ قائله.

٢ ـ ديوان حسان بن ثابت : ٢٠٧.

٢٣٤

لا أطورُبه ما سَمَرَ سَميرٌ وَما أمَّ نجمٌ في السّماء نجماً» (١).

ولو كان معنى كونها زمانية أنها تدل على الزمان بذاتها لا بالنيابة لكانت اسماً ولم تكن مصدرية.

وإنّما عبّر هنا بـ «الزمانية» دون الظرفية؛ ليشمل نحو : (كُلّما أضاء لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) (البقرة/٢٠) فإن الزمان المقدر هنا مخفوض ، أي : كل وقت إضاءة ، والمخفوض لايسمى ظرفاً.

ولاتشارك «ما» في النيابة عن الزمان «أن» خلافاً لابن جني ، وحمل عليه قوله ساعدة بن جؤيّة :

٢٦٢ ـ وتَالله ما إنْ شَهْلَةٌ اُمُّ واحد

بأوجدَ منّي أن يُهانَ صغيرُها (٢)

وتبعه الزمخشري ، وحمل عليه قوله تعالى : (أنْ آتاهُ الله المُلْك) (البقرة/٢٥٨) (إلاّ أنْ يَصّدّقُوا) (النساء /٩٢) (أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبّيَ الله) (غافر/٢٨) ومعنى التعليل في البيت والآيات ممكن ، وهو متفق عليه؛ فلا معدل عنه.

الوجه الثالث : أن تكون زائدة ، وهي نوعان : كافة وغير كافة.

والكافة : ثلاثة أنواع :

أحدها : الكافة عن عمل الرفع ، ولا تتصل إلا بثلاثة أفعال : «قلَّ وكثُرَ وطال» وعلة ذلك شبههن بـ «رب» ولا يدخلن حينئذ إلا على جملة فعليه صُرّحَ

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٢٦/ ٣٨٩ و ٣٩٠.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/٢٤٤.

٢٣٥

بفعلها كقوله (١) :

٢٦٣ ـ قلمّا يبرَحُ اللبيبُ إلى ما

يُورث المجدَ داعياً أو مُجيبا

وزعم بعضهم أن «ما» مع هذه الأفعال مصدرية لاكافة.

الثاني : الكافة عن عمل النصب والرفع ، وهي المتصلة بـ «إن» وأخواتها ، نحو قوله تعالى : (إنّما الله إلهٌ واحِدٌ) (النساء/١٧١) وقول الكميت :

٢٦٤ ـ كأنّي جان محدِث وكأنّما

بهم أتّقي من خشية العار أجْرَب (٢)

وتسمّى المتلوة بفعل مُهيّئة ، وزعم ابن دُرُستَويه وبعض الكوفيين أنّ «ما» مع هذه الحروف اسم مبهم بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وفي أن الجملة بعده مفسرة له ، ومخبرٌ بها عنه. ويرده أنها لا تصلح للابتداء بها ، ولا لدخول ناسخ غير «إنّ» وأخواتها. ورده ابن الخباز في شرح الإيضاح بامتناع «إنما أينَ زيدٌ؟» مع صحة تفسير ضمير الشأن بجملة الاستفهام ، وهذا سهو منه؛ إذ لا يفسر ضميرالشأن بالجمل غير الخبرية ، اللهم إلا مع «أن» المخفّفة من الثقيلة فإنه قد يفسر بالدعاء ، نحو : «أما أن جزاك الله خيراً» وقراءة بعض السبعة : (والخامِسَةَ أنْ غَضِبَ الله عَلَيْها) (النور /٩) على أنّا لا نسلم أن اسم «أنْ» المخففة يتعين كونه ضمير شأن؛ إذ يجوز هنا أن يقدر ضمير المخاطب في الأول والغائبة في الثاني.

وقد قال سيبويه في قوله تعالى : (أن يا إبراهيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤيا) (الصافّات /١٠٤ و ١٠٥) : إن التقدير : أنك قد صدقت.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني ٢/٧١٧ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/٢٤٥. لم يسم قائله.

٢ ـ شرح الهاشميات : ٤٦. وضمير «هم» يرجع إلى آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

٢٣٦

وأما نحو : (إنَّ ما تَوعَدُونَ لآت) (الأنعام/١٣٤) (وأنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الباطِلُ) (الحج /٦٢) فـ «ما» فيه اسم باتفاق ، والحرف عامل ، وأما (إنّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَة) (البقرة /١٧٣) فيمن نصب «الميتة» فـ «ما» كافة ، ومن رفعها ـ وهو أبو رجاء العطاردي ـ فـ «ما» اسم موصول ، والعائد محذوف ، وجزم النحويون بأن «ما» كافة في (إنّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ العُلَماء) (فاطر/٢٨) ولايمتنع أن تكون بمعنى «الذي» و «العلماء» خبر ، والعائد مستترفي «يخشى».

واُطلقت «ما» على جماعة العقلاء ، كما في قوله تعالى : (أوْ ما مَلَكَتْ أيمانُكُمْ) (النساء /٣) (فَانكِحُوا ما طاب لَكُمْ مِنَ النّساء) (النساء/٣).

الثالث : الكافة عن عمل الجر ، وتتصل بأحرف وظروف.

فالأحرف أحدها : «ربّ» وأكثر ما تدخل حينئذ على الماضي كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «ربّما عَزّ المطلبُ والاكتسابُ» (١) وقول الأبرش :

٢٦٥ ـ رُبّما أوفَيْتُ في عَلَم

تَرفَعَنْ ثوبي شمالاتُ (٢)

لأن التكثير والتقليل إنما يكونان فيما عرف حدّه ، والمستقبل مجهول ، ومن ثَمَّ قال الرّماني في (رُبَما يَوَدُّ الّذينَ كَفَرُوا) (الحجر/٢) : إنما جاز ؛ لأن المستقبل معلوم عند الله تعالى كالماضي ، وقيل : هو على حكاية حال ماضية مجازاً مثل (وَنُفِخَ في الصّورِ) (الكهف /٩٩).

ولايمتنع دخولها على الجملة الاسمية خلافاً للفارسي ، ولهذا قال في قول

__________________

١ ـ غرر الحكم : ١/ ٤١٩.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٩٣.

٢٣٧

أبي دؤاد :

٢٦٦ ـ رُبّما الجامِلُ المؤبَّلُ فيهم

وعناجيجُ بَيْنَهُنَّ المِهارُ (١)

 : «ما» نكرة موصوفة بجملة حذف مبتدؤها ، أي : رُبّ شيء هوالجامل.

الثاني : الكاف ، نحو : «كنْ كما أنتَ» وقول نهشل بن حُرّيّ :

٢٦٧ ـ أخ ما جدٌلم يُخْزِني يومَ مشهد

كما سيفُ عمرو لم تَخُنهُ مَضاربهْ (٢)

قيل : ومنه : (اجْعَلْ لَنا إلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) (الأعراف /١٣٨) وقيل : «ما» موصولة ، والتقدير : كالذي هو آلهة لهم ، وقيل : لا تكف الكاف بـ «ما» وإنّ «ما» في ذلك مصدرية موصولة بالجملة الاسمية.

الثالث : الباء كقوله (٣) :

٢٦٨ ـ فلئن صِرتَ لاتُحيرُ جواباً

فَبِما قدْ تُرَى وأنتَ خطيبُ

ذكره ابن مالك ، وأن «ما» الكافة أحدثتْ مع الباء معنى التقليل ، كما أحدثت مع الكاف معنى التعليل في نحو : (واذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) (البقرة /١٩٨) والظاهر : أن الباء والكاف للتعليل ، وأن «ما» معهما مصدرية ، وقد سُلّم أن كلاًّ من الكاف والباء يأتي للتعليل مع عدم «ما» كقوله تعالى : (فَبِظُلْم مِنَ الّذينَ

__________________

١ ـ تقدم برقم ١١١.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٥٠٢.

٣ ـ قال السيوطي : قال العيني : «لم يسمّ قائله» ثمّ رأيت في أمالي القالي «أنشدنا أبو عبدالله نفطويه : أنشدن ابوالعباس ثعلب لمطيع بن إياس الكوفي يرثي يحيى بن زياد الحارثي».

شرح شواهد المغني : ٢/٧٢٠ ، وقال البغدادي بعد نقل كلام القالي : «رأيتُ في تهذيب الطبع وهو كتاب في نقد الشعر والبديع لم أعرفه مؤلفه ، نسبة هذا البيت لصالح بن عبد القدوس» ونقل البيت عن «تهذيب الطبع» باختلافٍ يسير. شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/٢٦٠.

٢٣٨

هادُوا حَرّمْنا عَلَيْهِمْ طَيّبات أُحلّتْ لَهُم) (النساء /١٦٠) (ويْكَأنَّهُ لايُفْلحُ الكافِرُونَ) (القصص/٨٢) وأن التقدير : أعجب؛ لعدم فلاح الكافرين. ثم المناسب في البيت معنى التكثير لا التقليل.

الرابع : «من» كقول أبي حيّة :

٢٦٩ ـ وإنّا لممّا نَضربُ الكبشَ ضربةً

على رأسه تُلقي اللسانَ من الفَمِ (١)

قاله ابن الشجري ، والظاهر : أن «ما» مصدرية ، وأن المعنى مثله في (خُلِقَ الإنسانُ مِنْ عَجَل) (الأنبياء/٣٧) فجعل «الإنسان» مخلوقاً من العجل مبالغة.

وأما الظروف فأحدها : «بين» كقول جميل :

٢٧٠ ـ بينما نحنُ بالأراكِ معاً

إذ أتى راكبٌ على جَمَلهْ (٢)

وقيل : «ما» زائدة ، و «بين» مضافة إلى الجملة ، وقيل : زائدة ، و «بين» مضافة إلى زمن محذوف مضاف إلى الجملة ، أي : بين أوقات نحن بالأراك.

الثاني والثالث : «حيث وإذ» ويضمنان حينئذ معنى «إن» الشرطية فيجزمان فعلين.

وغير الكافة نوعان : عوض ، وغير عوض.

فالعوض في موضعين :

أحدهما : في نحو قولهم : «أمّا أنتَ منطلقاً انطلقتُ» والأصل : انطلقتُ لأن كنتَ منطلقاً؛ فقدم «لأن كنت منطلقاً» للاختصاص ، وحذف الجار و «كان» للاختصار ، وجي بـ «ما» للتعويض ، واُدغمت النون للتقارب ، والعملُ عند

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٢١.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٢٢.

٢٣٩

الفارسي وابن جني لـ «ما» ، لا لـ «كان».

الثاني : في نحو قولهم : «افعلْ هذا إمّا لا» وأصله : إن كنتَ لا تفعل غيره.

وغير العوض : يقع بعد الرافع كقولك : «شتّان ما زيد وعمرو».

وبعد الناصب الرافع نحو : «ليتما زيداً قائم».

وبعد الجازم ، نحو : (وَإمّا يَنْزَ غَنَّكَ مِنَ الشّيطانِ نَزْغٌ) (الأعراف /٢٠٠) وقول الأعشى في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٢٧١ ـ متى ماتناخي عندباب ابن هاشم

تُراحي وتَلقَى مِنْ فَواضلهِ ندا (١)

وبعد الخافض ، حرفاً كان ، نحو : (فبِما رَحْمَة مِنَ الله لِنْتَ لَهُم) (آل عمران /١٥٩) وقول عديّ بن الرعلاء :

٢٧٢ ـ رُبّما ضربة بِسَيف صَقيل

بَين بُصرى وطَعْنة نَجلاء (٢)

أو اسماً كقوله تعالى : (أيّما الأجَلَيْنِ) (القصص /٢٨) وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أيّما امرئ وَلي مِن أمرالمسلمين ولم يَحُطْهم بما يحوط به نفسَه لم يَرَح رائحة الجنّة» (٣).

وزيدت قبل الخافض ، كما في قول بعضهم : «ما خلا زيد ، وما عدا عمرو» بالخفض ، وهو نادر.

وتزاد بعد أداة الشرط ، جازمةً كانت ، نحو : (أيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُم الْمَوتُ) (النساء /٧٨) (وَإمّا تَخافَنَّ) (الأنفال /٥٨) أو غير جازمة ، نحو قوله

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٢٥.

٢ ـ تقدم برقم ١١٠.

٣ ـ كنز العمال : ٦/ ح ١٤٦٥٤.

٢٤٠