مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

الأوّل : في حقيقتها ، وفي ذلك ثلاثة مذاهب :

أحدها : أنها كلمة واحدة فعل ماض ، ثم اختلف هؤلاء على قولين :

أحدهما : أنها في الأصل بمعنى «نَقَصَ» من قوله تعالى : (لايَلِتْكُمْ مِنْ أعمالِكُمْ شَيْئاً) (الحجرات /١٤)؛ فإنه يقال : لاتَ يليتُ ، ثم استعملت للنفي كما أن «قلَّ» كذلك ، قاله أبوذر الخشني.

الثاني : أن أصلها : «لَيِسَ» بكسر الياء ، فقلبت الياء ألفاً؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها ، واُبدلت السين تاء.

المذهب الثاني : أنها كلمتان : «لا» النافية ، والتاء لتأنيث اللفظة كما في «ثُمَّتَ ورُبَّتَ» وإنما وجب تحريكها؛ لالتقاء الساكنين ، قاله الجمهور.

الثالث : أنها كلمة وبعض كلمة ، وذلك أنها «لا» النافية والتاء زائدة في أول الحين ، قاله أبو عبيدة وابن الطراوة.

واستدل أبو عبيدة بأنه وجدها في مصحف عثمان مختلطة بـ «حين» في الخط ، ولا دليل فيه ، فكم في خط المصحف من أشياء خارجة عن القياس.

ويشهد للجمهور أنه يوقف عليها بالتاء والهاء ، وأنها رسمت منفصلة عن الحين ، وأن التاء قد تكسر على أصل حركة التقاء الساكنين ، وهو معنى قول الزمخشري : وقرئ بالكسر على البناء كـ «جير» انتهى. ولو كان فعلاً ماضياً لم يكن للكسر وجه.

الأمرالثاني : في عملها ، وفي ذلك أيضاً ثلاثة مذاهب :

أحدها : أنها لا تعمل شيئاً؛ فإن وليها مرفوع فمبتدأ حذف خبره ، أو منصوب فمفعول لفعل محذوف ، وهذا قول للأخفش ، والتقدير عنده في قوله تعالى :

٢٠١

(وَلاتَ حِينَ مَناص) (ص /٣) : لا أرى حينَ مناص ، وعلى قراءة الرفع : ولا حينُ مناص كائنٌ لهم.

الثاني : أنها تعمل عملَ «إنّ» ؛ فتنصب الاسم وترفع الخبر ، وهذا قول آخر للأخفش.

الثالث : أنها تعمل عمل «ليس» وهو قول الجمهور.

وعلى كل قول فلا يذكر بعدها إلاّ أحد المعمولين ، والغالب أن يكون المحذوف هو المرفوع كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وقد أدْبَرَتِ الحِيلةُ وأقْبَلَتِ الغيلَةُ وَلات حينَ مناص» (١).

واختلف في معمولها؛ فنصّ الفراء على أنها لا تعمل إلاّ في لفظة الحين ، وهو ظاهر قول سيبويه ، وذهب الفارسي وجماعة إلى أنها تعمل في الحين وفيما رادَفَهُ ، قال الزمخشري : زيدت التاء على «لا» وخُصَّت بنفي الأحيان.

(لعلّ)

حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر ، قال بعض أصحاب الفرّاء : وقد ينصبهما ، وزعم يونس أن ذلك لغة لبعض العرب وحكى : «لعل أباك منطلقا» وتأويله عندنا على إضمار «يوجد» لا «يكون» خلافاً للكسائي؛ لعدم تقدّم «إنْ ولَوْ» الشرطيتين.

وعقيل يخفضون بها المبتدأ كقوله (٢) :

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ٢٣٣/٧٧١.

٢ ـ قال السيوطي : هذا من قصيدة لكعب بن سعد وحكى عن القالي أنّه قال في أماليه : «بعض الناس يروي هذه القصيدة لكعب بن سعد الغنوي ، وبعضهم يرويها بأسرها لسهم الغنوي». شرح شواهد المغني : ٢/٦٩٢.

٢٠٢

٢١٨ ـ فقلت ادْعُ اُخرى وارفع الصوت دعوة

لعل أبي المغوار منك قريب

وتتصل بها «ما» الحرفية ، فتكفها عن العمل؛ لزوال اختصاصها حينئذ.

وجوّز قومٌ إعمالها حينئذ حملاً على «ليت» ؛ لاشتراكهما في أنهما يغيّران معنى الابتداء ، وكذا قالوا في «كأنّ» ، وبعضهم خصَّ «لعلّ» بذلك؛ لأشديّة التشابه؛ لأنها و «ليت» للإنشاء ، وأما «كأن» فللخبر.

وفيها عشر لغات مشهورة. ولها معان :

أحدها : التوقّع ، وهو ترجِّي المحبوب والإشفاق من المكروه ، كقول حسان في رثاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٢١٩ ـ وليس هوائي نازعاً عن ثنائه

لعلّي به في جَنّةِ الخُلد أخلُد (١)

وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وَلا تَأمَنْ على نفسك صَغيرَ معصية فلعلك معذّب عليه» (٢).

وتختص بالممكن. وقول فرعون : (لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ أسْبابَ السّمواتِ) (غافر/٣٦ و ٣٧) إنما قاله جهلاً أو مخرقة وإفكاً.

الثاني : التعليل ، أثبته جماعة ، منهم الأخفش والكسائي ، وحملوا عليه : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً ليِّناً لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أو يَخشى) (طه/٤٤) ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء ويصرفه للمخاطبين ، أي : اذهبا على رجائكما.

الثالث : الاستفهام ، أثبته الكوفيون؛ ولهذا عُلِّقَ بها الفعل في نحو :

__________________

١ ـ أعيان الشيعة : ١/٢٩٦

٢ ـ نهج البلاغة : ط ١٤٠/٤٢٩.

٢٠٣

(لاتَدْري لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلك أمراً) (الطلاق /١).

قال الزمخشري : وقد أشربها معنى «ليت» مَن قرأ : (فَأطّلِعَ) (غافر/٣٧) انتهى.

ويقترن خبرها بـ «أنْ» كثيراً حملاً على «عسى» كقول متمم بن نويرة :

٢٢٠ ـ لعلّك يوماً أنْ تُلِمَّ مُلِمّةٌ

عليك مِن اللائي يَدَعْنك أجدَعا (١)

وبحرف التنفيس قليلاً كقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لعلكم ستَفْتَحون بعدي مدائن عِظاماً وتَتّخِذون في أسواقها مجالسَ» (٢).

وخرّج بعضهم نصب (فَأطّلِع) (غافر /٣٧) على تقدير «أن» مع «أبْلُغ» كما خفض المعطوف من بيت زهير :

٢٢١ ـ بدالي ، أنَّي لستُ مدركَ ما مضى

ولا سابق شيئاً ، إذا كان جائياً (٣)

على تقدير الباء مع «مدرك». ويحتمل أنه عطف على «الأسباب» على حد قول ميسون :

٢٢٢ ـ ولبسُ عَباءَة وتَقَرَّ عيني

أحَبُّ إليّ مِن لبس الشُفوف (٤)

ومع هذين الاحتمالين فيندفع القول : بأن في قراءة النصب حجة على جواز النصب في جواب الترجي حملاً له على التمني.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٦٧.

٢ ـ تتمّته : «فإذا كان ذلك فرُدّوا السلام غُضّوا من أبصاركم واهْدُوا الأعمى وأعينوا المظلوم».

كنز العمال : ٩/ ح ٢٥٣٧٣.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٢٨٢.

٤ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٥٣.

٢٠٤

(لكنْ)

ضربان : مخففة من الثقيلة ، وهي حرف ابتداء ، لا يعمل خلافاً للأخفش ويونس؛ لدخولها بعد التخفيف على الجملتين. وخفيفة بأصل الوضع؛ فإن وليها كلامٌ فهي حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك ، وليست عاطفة ويجوز أن تستعمل بالواو ، نحو قوله تعالى : (وَلِكنْ كانُوا هُمُ الظّالِمينَ) (الزخرف /٧٦) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «ألا وإنكم لا تقدِرونَ على ذلك ولكن أعينوني بِوَرع واجتهاد وعِفّة وسَداد» (١) وبدونها ، نحو قول زهير :

٢٢٣ ـ إنّ ابنَورقاءلاتُخشى بَوادِرهُ

لكنْ وقائعهُ في الحربِ تُنتظَرُ(٢)

 وإن وليها مفرد فهي عاطفة بشرطين :

أحدهما : أن يتقدمها نفي أو نهي ، نحو : «ما قام زيد لكن عمرو» و «لايقم زيد لكن عمرو» فإن قلت : قام زيد ، ثم جئت بـ «لكن» جعلتها حرف ابتداء ؛ فجئت بالجملة فقلت : «لكن عمرو لم يقم» وأجاز الكوفيون «لكن عمرو» على العطف ، وليس بمسموع.

الشرط الثاني : الاّ تقترن بالواو ، قاله الفارسي وأكثر النحويين ، وقال قوم : لاتستعمل مع المفرد إلاّ بالواو.

واختلف في نحو : «ما قام زيد ولكن عمرو» على أربعة أقوال : أحدها ليونس : أنّ «لكن» غير عاطفة ، والواو عاطفة مفرداً على مفرد ، الثاني لابن مالك : أنّ «لكن» غير عاطفة ، والواو عاطفة جملة حذف بعضها على جملة

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ك ٤٥/٩٦٦.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٧٠٣.

٢٠٥

صرح بجميعها ، قال : فالتقدير في نحو : «ما قام زيد ولكن عمرو» : ولكن قام عمرو ، وفي (ما كانَ مُحمّدٌ أبا أحَد مِنْ رِجالِكُمْ ولكِنْ رَسُولَ الله وخاتَمَ النّبِيّينَ) (الأحزاب /٤٠) : ولكن كان رسول الله. وعلة ذلك أنّ الواو لا تعطف مفرداً على مفرد مخالف له في الإيجاب والسلب ، بخلاف الجملتين المتعاطفتين فيجوز تخالفهما فيه ، نحو : «قام زيد ولم يقم عمرو» ، والثالث لابن عصفور : أنّ «لكن» عاطفة ، والواو زائدة لازمة ، الرابع لابن كَيْسان : أنّ «لكن» عاطفة ، والواو زائدة غير لازمة.

(لكنَّ)

حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر ، وفي معناه ثلاثة أقوال :

أحدها : وهو المشهور : أنّه واحد ، وهو الاستدراك ، وفُسّرَ بأن تنسب لما بعدها حكماً مخالفاً لحكم ما قبلها ، ولذلك لابد أن يتقدمها كلامٌ مُناقض لما بعدها ، نحو : «ما هذا ساكناً لكنّه متحرك» أو ضد له ، نحو : «ما هذا أبيضَ لكنه أسود» قيل : أو خلاف ، نحو : «ما زيد قائماً لكنه شارب» وقيل : لا يجوز ذلك.

الثاني : أنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد ، قاله جماعة منهم صاحب البسيط ، وفسروا الاستدراك برفع ما يُتوّهم ثبوتُه ، نحو : «ما قام زيد ، لكنَّ عمراً قام» وذلك إذا كان بين الرجلين تلابس أو تماثل في الطريقة ، ومثلوا للتوكيد بنحو «لو جاءني أكرمته لكنه لم يجىء» فأكدت ما أفادته «لو» من الامتناع.

الثالث : أنها للتوكيد دائماً مثل «إنّ» ، ويصحب التوكيدَ معنى الاستدراك ، وهو قول ابن عصفور.

والبصريون على أنها بسيطة ، وقال الفراء : أصلها «لكنْ أنّ» فطرحت الهمزة للتخفيف ، ونون «لكنْ» للساكنين ، كقول النجاشي الحارثي :

٢٠٦

٢٢٤ ـ فلست بآتيه ولا أستطيعه

ولاكِ اسقِني إن كانَ ماؤكَ ذا فضلِ (١)

وقال باقي الكوفيين : مركبة من «لا» و «إنّ» ، والكاف الزائدة لا التشبيهية ، وحذفت الهمزة تخفيفاً.

وقد يحذف اسمها كقول الفرزدق :

٢٢٥ ـ فلوكنتَ ضَبّيّاً عَرِفْتَ قَرابتي

ولكنَّ زنجيّ عظيمُ المشافرِ (٢)

أي : ولكنّك زنجي.

ولا تدخل اللام في خبرها خلافاً للكوفيين.

(لم)

حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضياً ، نحو قوله تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (الإخلاص /٣) الآية وقول الكميت :

٢٢٦ ـ ألَمْ تَرَني من حُبّ آل محمّد

أروحُ وأغْدُو خائفاً أتَرَقَّبُ (٣)

وقد يرتفع الفعل المضارع بعدها كقوله (٤) :

٢٢٧ ـ لولا فوارسُ مِنْ نُعْم واُسرتُهم

يوم الصُّليفاء لم يُوفون بالجار

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/١٩٥ ، وذكره السيوطي باختلافٍ يسير ، شرح شواهد المغني : ٢/٧٠١.

٢ ـ روي أيضاً : «ولكنّ زنجيّاً غلاظاً مشافِرهُ» فالا شاهد فيه. راجع شرح شواهد المغني : ٢/٧٠١ و ٧٠٢.

٣ ـ شرح الهاشميات : ٤٦.

٤ ـ قال السيوطي : «قال العيني في الكبرى : لم يسمّ قائله». شرح شواهد المغني : ٢/٦٧٤.

٢٠٧

فقيل : ضرورة ، وقال ابن مالك : لغة.

وزعم اللحياني أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم : (ألَمْ نَشْرَحَ) (الشرح/١) وخرّج على أن الأصل : «نشرحن» ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلاً عليها ، وفي هذا شذوذان : توكيد المنفي بـ «لَمْ» وحذف النون لغير وقف ولاساكنين.

وقد تفصل من مجزومها في الضرورة بالظرف كقوله (١) :

٢٢٨ ـ فذاكَ ولم ، إذا نحنُ امترينا

تكنْ في الناس يُدرككَ المِراء

وقد يليها الاسمُ معمولاً لفعل محذوف يفسره ما بعده كقوله (٢) :

٢٢٩ ـ ظُنِنتُ فقيراً ذا غنىً ثمَّ نِلتُهُ

فَلَمْ ذا رَجاء ألقَهُ غيرَ واهبِ

(لمّا)

على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تختص بالمضارع فتجزمه ، وتنفيه وتقلبه ماضياً كـ «لمْ» إلاّ أنها تفارقها في خمسة اُمور :

الأوّل : أنها لا تقترن بأداة الشرط ، لا يقال : «إنْ لمّا تقم» وفي التنزيل : (وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ) (المائدة /٦٧) (وَإنْ لَمْ يَنْتَهُوا) (المائدة/٧٣).

الثاني : أن منفيها مستمر النفي إلى الحال كقول شأس بن نهار :

__________________

١ ـ قال البغدادي : «لم أقف على قائله» ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/١٤٢.

٢ ـ قال البغدادي : «لم أقف على قائله». شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/١٤٤.

٢٠٨

٢٣٠ ـ فإنْ كُنتُ مأكولاًفكنْ خيرَ آكل

وإلاّ فأدركني ولمّا اُمزَّقِ (١)

ومنفي «لم» يحتمل الاتصال ، نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «لم يَخلُقِ الله سبحانه الخلقَ لوَحشته ولم يَستَعملْهم لمنفعته» (٢) ، والانقطاعَ مثل قوله تعالى : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (الإنسان/١) ولهذا جاز : «لم يكن ثم كان» ولم يجز : «لما يكن ثم كان» بل يقال : «لما يكن وقد يكون».

ولامتداد النفي بعد «لما» لم يجز اقترانها بحرف التعقيب ، بخلاف «لم» تقول : «قمت فلم تقم» ؛ لأن معناه : وما قمت عقيب قيامي ، ولايجوز «قمت فلما تقم» ؛ لأن معناه : وما قمت إلى الآن.

الثالث : أن منفي «لما» لا يكون إلاّ قريباً من الحال ، ولا يشترط ذلك في منفي «لَمْ» تقول : لم يكن زيد في العام الماضي مقيماً ، ولا يجوز «لما يكن». وقال ابن مالك : لايشترط كون منفي «لما» قريباً من الحال ، مثل : «عصى إبليسُ ربّه ولمّا يندمْ» بل ذلك غالب لا لازم.

الرابع : أن منفىّ «لمّا» مُتوقّع ثبوتُه ، بخلاف منفي «لم» ألا ترى أن معنى (بَلْ لَمّا يَذُوقوا عَذاب) (ص /٨) أنهم لم يذوقوه إلى الآن وأن ذوقهم له متوقع ، ولهذا أجازوا : «لم يقض مالا يكون» ومَنَعُوه في «لما».

وهذا الفرق بالنسبة إلى المستقبل ، فأما بالنسبة إلى الماضي فهما سيّان في نفي المتوقع وغيره ، ومثالُ المتوقع أن تقول : «مالي قمتُ ولم تقم ، أو ولما تقم» ، ومثال غير المتوقع أن تقول ابتداء : «لم تقم ، أو لما تقم».

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٨٠.

٢ ـ غرر الحكم : ٢/٦٠١.

٢٠٩

الخامس : أن منفي «لما» جائز الحذف لدليل ، كقوله (١) :

٢٣١ ـ فَجِئْتُ قُبُورَهُم بَدْأ ولما

فنادَيتُ القبورَ فلم يُجِبْنَهْ

أي : ولما أكن بدأ قبل ذلك ، أي : سيداً ، ولا يجوز : «وصلت إلى بغداد ولم» تريد ولم أدخلها.

وعلة هذه الأحكام كلها أن «لم» لنفي «فَعَلَ» ، و «لما» لنفي «قد فَعَلَ».

الثاني : من أوجه «لما» : أن تختصَّ بالماضي؛ فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود اُولاهما ، نحو قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لما عرج بي إلى السماء رأيتُ مكتوباً على ساق العرش بالنور لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، أيّدتُه بعلي» (٢) ويقال فيها : حرف وجود لوجود ، وبعضهم يقول : حرف وجوب لوجوب ، وزعم ابن السراج وتبعه الفارسي وتبعهما ابن جني وتبعهم جماعة أنها ظرف بمعنى «حين» وقال ابن مالك : بمعنى «إذ» وهو حسن؛ لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة.

وردّ ابن خروف على مُدّعي الاسمية بجواز أن يقال : «لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم» ؛ لأنها إذا قُدّرت ظرفاً كان عاملها الجواب والواقع في اليوم لايكون في الأمس.

والجواب : أن هذا مثلُ (إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) (المائدة /١١٦) والشرط لايكون إلاّ مستقبلاً ، ولكن المعنى : إن ثبت أني كنت قلته ، وكذا هنا المعنى : لما ثبت اليومَ إكرامُك لي أمس أكرمتك.

__________________

١ ـ قال البغدادي : هو لرّجلٍ من بني أسد. شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/١٥١.

٢ ـ مناقب ابن شهر آشوب : ١/٢٩٦.

٢١٠

ويكون جوابها فعلاً ماضياً اتفاقاً ، وجملة اسمية مقرونة بـ «إذا» الفجائية أو بالفاء عند ابن مالك ، وفعلاً مضارعاً عند ابن عصفور ، دليل الأول : (فَلَمّا نَجّاكُمْ إلى البَرِّ أعْرَضْتُم) (الإسراء/٦٧) والثاني : (فَلَمّا نَجّاهُمْ إلَى البَرّ إذاهُم يُشْركُونَ) (العنكبوت /٦٥) والثالث : (فَلَمّا نَجّاهُمْ إلى البَرّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) (لقمان /٣٢) والرابع : (فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيمَ الرّوعُ وَجاءتْهُ البُشرى يُجادِلُنا) (هود /٧٤) وهو مؤول بـ «جادلَنا» وقيل في آية الفاء : إن الجواب محذوف ، أي : انقسموا قسمين : فمنهم مقتصد ، وفي آية المضارع إن الجواب : «جاءتْهُ الْبُشْرى» على زيادة الواو ، أو محذوف ، أي : أقبل يجادلنا.

الثالث : أن تكون حرف استثناء ، فتدخل على الجملة الاسمية ، نحو : (اِن كُلُّ نَفْس لَمّا عَلَيها حافِظٌ) (الطارق /٤) فيمن شدد الميم ، وعلى الماضي لفظاً لامعنى ، نحو : «أنشدُكَ الله لمّا فعلتَ» أي : ما أسألك إلا فعلك.

(لن)

حرف نفي ونصب واستقبال كقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حين سأله علي (عليه السلام) : «ما يبكيك؟ : ضغائنُ في صدور أقوام لن يَبدُوها حتى يفقدوني أو يفارقوني» (١).

ولاتفيد توكيد النفي خلافاً للزمخشري في كشّافه ، ولا تأبيده خلافاً له في اُنموذجه وكلاهما دعوى بلا دليل ، قيل : ولو كانت للتأبيد لم يقيّد منفيها بـ «اليوم» في (فَلَنْ اُكَلِّمَ الْيَومَ إنسِيّاً) (مريم /٢٦) ولكان ذكر الأبد في قوله : (وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أبداً) (البقرة /٩٥) وقول الكميت :

__________________

١ ـ الإيضاح : ٤٥٤.

٢١١

٢٣٢ ـ لا اُبالي ولَن اُبالي فيهم

أبداً رَغْمَ ساخِطين رغامِ (١)

تكراراً والأصل عدمه.

وتأتي للدعاء كما أتت «لا» كذلك وفاقاً لجماعة منهم ابن عصفور ، والحجّة في قول الأعشى :

٢٣٣ ـ لنْ تزالُوا كذلِكم ثمَّ لا زلـ

ـتُ لكم خالداً خُلُودَ الجبالِ (٢)

وتلقّي القسم بها وبـ «لَمْ» نادر جداً كقول أبي طالب (عليه السلام) في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

٢٣٤ ـ والله لنْ يصلُوا إليكَ بجمعِهمْ

حتى اُوَسَّدَ في التُّراب دَفينا (٣)

وقيل لبعضهم : ألك بنُونَ؟ فقال : نعم ، وخالقهم لم تقُمْ عن مثلهم مُنجِبة ، ويحتمل هذا أن يكون على حذف الجواب ، أي : إنّ لي لبنينَ ، ثم استأنف جملة النفي.

وزعم بعضهم أنها قد تجزم كقول أعرابي يمدح الإمام الحسين (عليه السلام) :

٢٣٥ ـ لن يَخَبِ الآن مِن رجائكَ مَن

حرَّكَ من دُونِ بابك الحلقهْ (٤)

(لو)

على خمسة أوجه :

أحدها : «لو» المستعملة في نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «واعلم يا بُني ، أنّهُ

__________________

١ ـ شرح الهاشميات : ٣٣.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٨٤.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٨٦.

٤ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٨٨.

٢١٢

لوكان لربّك شريك لأتَتك رسُلُه» (١) وهذه تفيد ثلاثة اُمور :

أحدها : الشرطية ، والمراد بها عقد السببية والمسببية بين الجملتين بعدها.

الثاني : تقييد الشرطية بالزمن الماضي ، وبهذا الوجه وما يذكر بعده فارقت «إنْ» فإنّ تلك لعقد السببية والمسيية في المستقبل.

الثالث : الامتناع ، وقد اختلف النحاة في إفادتها له وكيفية إفادتها إياه على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها لا تفيده بوجه ، وهو قول الشلوبين ، زعم أنها لا تدل على امتناع الشرط ولا على امتناع الجواب ، بل على التعليق في الماضي ، كما دلّتْ «إنْ» على التعليق في المستقبل ، ولم تدل بالإجماع على امتناع ولا ثبوت ، وتبعه على هذا القول ابن هشام الخضراوي.

وهذا الذي قالاه كإنكار الضروريات؛ إذ فَهْمُ الامتناع منها كالبديهي ، فإنَّ كل من سمع : «لو فَعَلَ» فهم عدم وقوع الفعل من غير تردد.

الثاني : أنها تفيد امتناع الشرط وامتناع الجواب جميعاً ، وهذا هو القول الجاري على ألسنة المعربين ، ونص عليه جماعة من النحويين ، وهو باطل بمواضع كثيرة ، منها قوله تعالى : (وَلَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِم كُلَّ شَيء قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤمِنُوا) (الأنعام/١١١) (وَلَوْ أنّ ما في الأرضِ مِنْ شَجَرَة أقْلامٌ وَالْبَحرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُر ما نَفِدتْ كَلِماتُ الله) (لقمان/٢٧) وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بنت أبي سلمة : «فإنها لولم تكن ربيبتي في

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ك ٣١/٩١٨.

٢١٣

حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة» (١) وبيانه : أن كل شيء امتنع ثبت نقيضه فإذا امتنع «ما قام» ثبت «قام» وبالعكس ، وعلى هذا ، فيلزم على هذا القول في الآية الاُولى ثبوتُ إيمانهم مع عدم نزول الملائكة وتكليم الموتى لهم وحشر كل شيء عليهم ، وفي الثانية نفاد الكلمات مع عدم كون مافي الأرض من شجرة أقلاماً تكتب الكلمات وكون البحر الأعظم بمنزلة الدواة وكون السبعة الأبحر مملوءة مداداً وهي تمدّ ذلك البحر ، ويلزم في الحديث ثبوت الحلية مع كونها ربيبته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكلّ ذلك عكس المراد.

الثالث : أنها تفيد امتناع الشرط خاصة ، ولا دلالة لها على امتناع الجواب ، ولاعلى ثبوته ، ولكنه إن كان مساوياً للشرط في العموم كما في قولك : «لو كانت الشّمسُ طالِعةً كان النّهارُ موجوداً» لزم انتفاؤه؛ لأنه يلزم من انتفاء السبب المساوي انتفاء مسببه ، وإن كان أعم كما في قولك : «لو كانتِ الشّمسُ طالعة كان الضوء مُوجوداً» فلا يلزم انتفاؤه ، وإنما يلزم انتفاء القدر المساوي منه للشرط. وهذا قول المحققين.

ويتلخص على هذا أن يقال : إنّ «لو» تدل على ثلاثة اُمور : عَقد السببية والمسببية وكونهما في الماضي وامتناع السبب.

ثم تارة يعقل بين الجزأين ارتباط مناسب وتارة لا يعقل ، فالنوع الأول على ثلاثة أقسام :

ما يوجب فيه الشرع أو العقل انحصار مسببية الثاني في سببية الأول ، نحو : (وَلَوْ شِئنا لَرَفَعْناهُ بِها) (الأعراف /١٧٦) ونحو : «لوكانتِ الشّمسُ طالعة كان النّهارُ موجوداً» وهذا يلزم فيه من امتناع الأول امتناع الثاني قطعاً.

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ١/٦٢٤.

٢١٤

وما يوجب أحدهما فيه عدم الانحصار المذكور ، نحو : «لو نام لانتقض وُضوؤه» ونحو : «لو كانت الشّمسُ طالعةً كان الضّوء موجوداً» وهذا لايلزم فيه من امتناع الأول امتناع الثاني كما قدمنا.

وما يُجوّز فيه العقل ذلك ، نحو : «لو جاءني أكرمته» ؛ فإن العقل يجوّز انحصار سبب الإكرام في المجيء ويرجحه أن ذلك هوالظاهر من ترتيب الثاني على الأول ، وأنه المتبادر إلى الذهن ، وهذا النوع يدل فيه العقل على انتفاء المسبب المساوي لانتفاء السبب ، لا على الانتفاء مطلقاً ، ويدل الاستعمال والعرف على الانتفاء المطلق.

والنوع الثاني قسمان :

الأول : ما يراد فيه تقرير الجواب وُجِدَ الشرطُ أو فُقِدَ ، ولكنه مع فَقْده أولى ، وذلك كقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلّت لي ، إنّها لابنةُ أخي من الرضاعة» (١) فإنّه يدلُّ على تقرير عدم حليتها في الحالين وعلى أنّ انتفاء الحلّية مع ثبوت كونها ربيبته أولى ، وإنما لم تدل على انتفاء الجواب لأمرين :

أحدهما : أن دلالتها على ذلك إنما هو من باب مفهوم المخالفة ، وفي هذا الحديث دلّ مفهومُ الموافقة على عدم الحلية؛ لانه إذا انتفت الحلية عند عدم كونها ربيبته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فعند كونها ربيته أولى ، وإذا تعارض هذان المفهومان قدم مفهوم الموافقة.

ثانيهما : أنّه لما فقدت المناسبة انتفت العلية ، فلم يجعل عدم كونها ربيبة علة عدم الحلية ، فعلمنا أن عدم الحلية معلل بأمر آخر ، وهو أنها ابنة أخيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من

__________________

١ ـ المصدر السابق.

٢١٥

الرضاعة وذلك مستمر مع كونها ربيبته (صلى الله عليه وآله وسلم) فيكون عدم الحلية عند عدم كونها ربيبته (صلى الله عليه وآله وسلم) مستنداً إلى ذلك السبب وحده ، وعند كونها ربيبته (صلى الله عليه وآله وسلم) مستنداً إليه فقط أو إليه وإلى كونها ربيبته (صلى الله عليه وآله وسلم) معاً ، وعلى ذلك تتخرج آية لقمان؛ لأن العقل يجزم بأن الكلمات إذا لم تنفد مع كثرة هذه الاُمور فلأنْ لاتنفد مع قلتها وعدم بعضها أولى.

الثاني : أن يكون الجوابُ مقرراً على كل حال من غير تعرض لأولوية نحو : (وَلوْ رُدّوا لَعادُوا) (الأنعام /٢٨) ، فهذا وأمثاله يعرف ثبوته بعلة اُخرى مستمرة على التقديرين ، والمقصود في هذا القسم تحقيق ثبوت الثاني ، وأما الامتناع في الأول فإنه وإن كان حاصلاً لكنه ليس المقصود.

الثاني من أقسام «لو» : أن تكون حرف شرط في المستقبل ، إلا أنها لا تجزم كقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لو يقول أحدكم إذا غضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ذهب عنه غضبُه» (١) وقوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الّذينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُريَّةً ضِعافا خافُوا عَلَيْهِمْ) (النساء /٩) ، أي : وليخش الذين إن شارفوا وقاربوا أن يتركوا ، وإنما أوّلنا الترك بمشارفة الترك؛ لأن الخطاب للأوصياء ، وإنما يتوجه إليهم قبل الترك؛ لأنهم بعده أموات ، ومثله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذا حَضَرَ أحَدَكُمْ المَوتَ) (البقرة/١٨٠) ، أي : إذا قارب حضوره (وَإذا طَلَّقْتُمُ النّساء فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ) (البقرة/٢٣١) لأن بلوغ الأجل انقضاء العدة ، وإنما الإمساك قبله.

وهذا المعنى قاله كثير من النحويين في نحو قوله تعالى : (وما أنْتَ بِمُؤمِن لَنا وَلَو كُنّا صادِقينَ) (يوسف/١٧) (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشرِكُونَ) (التوبة /٣٣) وفي الحديث النبويّ : «أعطها ولو خاتماً من حديد» (٢).

__________________

١ ـ كنزالعمال : ٣/ ح ٧٧٢٠.

٢ ـ فتح الباري : ٩/ ح ٥٠٢٩.

٢١٦

وأما نحو : (وَلَوْ تَرى إذ وُقِفُوا عَلَى النّار) (الأنعام /٢٧) (أنْ لَوْ نَشاء أصَبْناهُمْ) (الأعراف /١٠٠) وقول كعب :

٢٣٦ ـ لقد أقوم مقاما لو يقوم به

أرى وأسمعُ ما لو يسمعُ الفيلُ (١)

فمن القسم الأول ، لا من هذا القسم؛ لأن المضارع في ذلك مراد به المضي ، وتقرير ذلك : أن تعلم أن خاصية «لو» فرض ما ليس بواقع واقعاً ، ومن ثم انتفى شرطها في الماضي والحال لما ثبت من كون متعلقها غير واقع ، وخاصية «إنْ» تعليق أمر بأمر مستقبل محتمل ، ولا دلالة لها على حكم شرطها في الماضي والحال؛ فعلى هذا قوله تعالى : (وَلَو كُنّا صادِقِينَ) (يوسف /١٧) يتعين فيه معنى «إن» ؛ لأنه خبر عن أمر مستقبل محتمل ، ولا يمكن جعلها امتناعية؛ للاستقبال والاحتمال ، ولأن المقصود تحقق ثبوت الصدق لا امتناعه ، وأما قوله (٢).

٢٣٧ ـ لا يُلفِكَ الراجيكَ إلا مظهراً

خُلُقَ الكرامِ ولو تكون عديما

فيحتمل أن «لو» فيه بمعنى «إنْ» على أن المراد مجرد الإخبار بوجود الجزاء عند وجود الشرط في المستقبل ، ويحتمل أنها على بابها وأن المقصود فرض الشرط واقعاً والحكم عليه مع العلم بعدم وقوعه.

والحاصل : أن الشرط متى كان مستقبلاً محتملاً ، وليس المقصود فرضه الآن أو فيما مضى فهي بمعنى «إنْ» ومتى كان ماضياً أو حالاً أو مستقبلاً ، ولكن قُصدَ فرضه الآن أو فيما مضى فهي الامتناعية.

الثالث : أن تكون حرفاً مصدرياً بمنزلة «أن» إلا أنها لا تنصب ، وأكثر وقوع

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٤٧.

٢ ـ لم يسمّ قائله. شرح شواهد المغني : ٢/٦٤٦.

٢١٧

هذه بعد «ودَّ أو يودُّ» ، نحو قوله تعالى : (وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ) (القلم /٩) (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ ألفَ سَنَة) (البقرة /٩٦) ومن وقوعها بدونهما قول الأعشى (١) :

٢٣٨ ـ وربما فاتَ قوماً جُلُّ أمرِهم

مِن التّأنّي ، وكانَ الحزمُ لو عجلُوا

وأكثرهم لم يثبت ورود «لو» مصدرية ، والذي أثبته ، الفراء وأبو علي وأبو البقاء والتبريزي وابن مالك.

ويقول المانعون في نحو : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ألْفَ سَنَة) (البقرة/٩٦) : إنها شرطية ، وإن مفعول «يود» وجواب «لو» محذوفان ، والتقدير : يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة لسرّه ذلك ، ولا خفاء بما في ذلك من التكلف.

ويشهد للمُثبتين قراءة بعضهم : (ودّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُوا) (القلم/٩) بحذف النون ، فعطف «يُدْهِنوا» بالنصب على «تُدهِنُ» لما كان معناه أن تدهن.

ويشكل عليهم دخولها على «أنّ» في نحو قوله تعالى : (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوء تَوَدُّ لَوْ أنَّ بَينَها وَبَيْنَهُ أمَداً بَعيداً) (آل عمران/٣٠) وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثوابَ لو أنّ جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض» (٢).

وجوابه : أن «لو» إنما دخلت على فعل عام مقدر بعد «لو».

الرابع : أن تكون للتمني ، نحو : «لو تأتيني فَتُحَدّثَني» ولهذا نصب «تحدثني».

__________________

١ ـ هكذا في نسخ المغني : ولكن قال البغدادي : قال السيوطي : «هو من قصيدة للقطامي» وقد راجعت ديوان القطامي ؛ فلم أجد البيت في هذه القصيدة ولا في غيرها من شعره. شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/٦٠.

٢ ـ كنز العمال : ٣/ ح ٦٦٦١.

٢١٨

واختلف فيها ؛ فقال ابن الضائع وابن هشام : هي قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرط ، ولكن قد يُؤتى لها بجواب منصوب كجواب «ليت». وقال بعضهم : هي «لو» الشرطية اُشربت معنى التمني؛ بدليل أنهم جمعوا لها بين جوابين : جواب منصوب بعد الفاء ، وجواب باللام كقول مهلهل :

٢٣٩ـ فلو نُبشَ المقابرُ عن كُلَيب

فيخبَرَ بالذّنائبِ أيّ زِير

بيوم الشَعثمين لقرّعيناً

وكيف لِقاء من تحت القبور؟ (١)

وقال ابن مالك : هي «لو» المصدرية أغنت عن فعل التمني ، وذلك أنه أورد قول الزمخشري : وقد تجيء «لو» في معنى التمني في نحو : «لو تأتيني فتحدثني» فقال : إن أراد أن الأصل : «وددت لو تأتيني فتحدثني» فحذف فعل التمني ؛ لدلالة «لو» عليه فأشبهت «ليت» في الإشعار بمعنى التمني فكان لها جواب كجوابها فصحيح أو أنها حرفٌ وضع للتمني كـ «ليت» فممنوع؛ لاستلزامه منع الجمع بينهاو بين فعل التمني كما لا يجمع بينه وبين «ليت». انتهى.

الخامس : أن يكون للعرض ، نحو : «لو تنزلُ عندنا فَتُصيب خيراً» ، ذكره في التسهيل.

وهنا مسائل

إحداها : أنّ «لو» خاصة بالفعل ، وقد يليها اسم مرفوع معمول لمحذوف يفسره ما بعده ، أو اسم منصوب كذلك ، أو خبر لـ «كان» محذوفة ، أو اسم هو في الظاهر مبتدأ وما بعده خبر.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٥٤ و ٦٥٥.

٢١٩

فالأول كقول المتلمس :

٢٤٠ ـ ولو غيرُ أخوالي أرادوا نقيصتي

جَعَلتُ لهم فوق العَرانينَ ميسَما (١)

والثاني نحو : «لو زيداً رأيتُه أكرمته».

والثالث كقوله (٢) :

٢٤١ ـ لا يَأمَن الدَّهرَ ذوبَغي ولو مَلِكاً

جُنودُهُ ضاق عنها السهلُ والجبلُ

والرابع نحو قول عدي بن زيد :

٢٤٢ ـ لو بِغيرِالماء حَلْقي شَرِقٌ

كنتُ كالغصّان بالماء اعتصاري (٣)

واختلف فيه ؛ فقيل : محمول على ظاهره ، وإن الجملة الاسمية وليتها شذوذاً وقال الفارسي : هو من النوع الأول ، والأصل : لو شَرقَ حلقي هو شَرقٌ ، فحذف الفعل أولاً والمبتدأ آخراً.

المسألة الثانية : تقع «أنّ» بعدها كثيراً ، نحو قوله تعالى : (وَلَو أنّهُمْ آمَنُوا) (البقرة /١٠٣) وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لو أنّ الرياض أقلام والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب» (٤) وقول أبي الأسود الدؤلي في رثاء اميرالمؤمنين (عليه السلام) :

٢٤٣ ـ ولو أنّا سُئلنا المالَ فيه

بَذَلنا المال فيه والبنينا (٥)

__________________

١ ـ راجع شرح أبيات مغني اللبيب وهامشه : ٥/٧٧ و «المِيسم» هنا اسم لأثر الوسم.

٢ ـ لم يسمّ قائله. شرح شواهد المغني : ٢/ ٦٥٨.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٥٨.

٤ ـ المحجّة البيضاء ١/٢٤٥.

٥ ـ أدب الطف : ١/١٠٥.

٢٢٠