مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

تنبيه

زادوا اللام في بعض المفاعيل المستغنية عنها كما تقدم ، وعكسوا ذلك فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها كقوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) (يس/٣٩) وقوله (١) :

١٩٨ ـ ولقد جنيتُكَ أكمُؤاً وعَساقِلاً

ولقد نَهَيْتُكَ عَنْ بناتِ الأوْبَرِ

الثاني والعسرون : التبيين ، وهي ثلاثة أقسام :

أحدها : ما تبين المفعول من الفاعل ، وهذه تتعلق بمذكور ، وضابطُها : أن تقع بعد فعل تفجب أو اسم تفضيل مفهمين حباً أو بغضاً ، تقول : «ما أحبَّني ، وما أبغضني» فإن قلت : «لفلان» فأنت فاعل الحب والبغض وهو مفعولهما ، وإن قلت : «إلى فلان» الأمر بالعكس.

الثاني والثالث : ما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية ، وما يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية ، ومصحوب كل منهما إما غير معلوم مما قبلها ، أو معلوم لكن استؤنف بيانه تقوية للبيان وتوكيداً له ، واللام في ذلك كله متعلقة بمحذوف.

مثالالمبينة للمقعولة : «سقياً لزيد ، وجَدْعاً له» فهذه اللام ليست متعلقة بالمصدرين ، ولا بفعليهما المقدرين ، لأنهما متعديان ، ولا هي مقوية للعامل ؛ لضعفه بالفرعية إن قدّر أنه المصدر أو بالتزام الحذف أن قُدّر أنه الفعل ؛ لأن لام التقوية صالحة للسقوط ، وهذه لا تسقط ، لا يقال : «سقياً ويداً» ، ولا «جدعاً إياه» خلافاً لابن الحاجب ، ذكره في شرح المفصّل ، ولا هي ومحفوظها صفة للمصدر فتعلق بالاستقرار؛ لأن الفعل لا يوصف فكذا ما اُقيم مقامه ، وإنما

__________________

١ ـ لم يسمّ قائله. شرح شواهد المغني : ١/١٦٦.

١٨١

هي لام مبينة للمدعوّ له أو عليه إ ، لم يكن معلوماً ، وليس تعدير المحذوف : «أعني» كما رعم ابن عصفور ؛ لأنه يفتدى بنفسه ، بل التقدير : إرادتي لزيد.

ومثال المبينة للفاعلية : «تبّاً لزيد ، وويحاًله»؛ فإنهما في معنى «خسِرَ وهلك»؛ فإن رفعتهما بالابتداء ، فاللام ومجرورها خبر ، ومحلهما الرفع ، ولا تبيين؛ لعدم تمام الكلام.

فإن قلت : «تبّاً له وويحٌ» فنصبت الأول ورفعت الثاني لم يحز ؛ لتخالف الدليل والمدولول عليه؛ إذ اللام في الأول للتبين واللام المحذوفة لغيره.

واختلف في قوله تعالى (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لما توعَدونَ) (المؤمنون /٣٥و ٣٦) ، فقيل : اللام زائدة ، و «ما» فاعل ، وقيل : الفاعل ضميرمستتر راجع إلى البعث أو الإخراج ؛ فاللام للتبيين وقيل : الفاعل ضمير مستتر راجع إلى البعث أو الإخراج ؛ فاللام للتبيين ، وقيل : «هيهات» متبدأ بمعنى البعد والجار والمجرور خبر.

وأما قوله تعالى : (وَقالَتْ هَيْت لَك) (يوسف /٢٣) فيمن قرأ بـ«هاء» مفتوحة و «ياء» ساكنة و «تاء» مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة ، فـ«هيت» اسم فعل ، ثم قيل : مسماه فعل ماض ، أي : تهيأت ؛ فاللام متعلقة به كما تتعلق بمسماه لو صرح به ، وقيل : مسماه فعل أمر بمعنى «أقبل أو تعال» فاللام للتبيين ، أي : إرادتي لك ، أو أقول لك ، وأما مَنْ قرأ : «أقبل أو تعال» فاللام للتبيين ، أي : إرادتي لك ، أ, أقول لك ، وأما من قرأ : «هئتُ» مثل «جئتُ» فهو فعل بمعنى «تهيأت» اللام متعلقة به ، وأما من قرأ كذلك ولكن جعل التاء ضمير المخاطب فاللام للتبيين مثلها مع اسم الفعل ، ومعنى تهيئه تيسر انفرادها به ، لا أنه قصدها ، بدليل : (وَراوَدَتْهُ) (يوسف /٢٣).

وأما اللام العاملة للجزم فهي اللام الموضوعة للطلب ، وحركتها الكسر

١٨٢

كقول أميرالمؤمنين عليه السلام : «ليكن زادك التقوى» (١) وسُليم تفتحها ، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها ، نحو : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤمنوا بي) (البقرة/١٨٦) ، وقد تسكن بعد «ثمَّ» ، نحو : (ثُمَّ ليَقْضُوا) (الحج/٢٩) ، في قراءة الكوفيين وقالون والبزي ، وفي ذلك ردّ على من قال : إنه خاص بالشعر.

ولا فرق في اقتضاء اللام الطبية للجوم بين كون الطلب أمراً ، نحو : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ) (الطلاق/٧) ، أو دعاء ، نحو : (لِقْضِ عَلَينا رَبُّكَ) (الزخرف /٧٧) ، أو التماساً كقولك لمن يساويك : «ليفعل فلانٌ كذا» إذا لم ترد الاستعلاء عليه ، وكذا لو اُخرجت عن الطلب إلى غيره ، كالتي يراد بها وبمصحوبها الخبر ، نحو : (مَنْ كانَ في الضّلالَةِ فَلْيَمْدُد لَهُ الرّحْمنُ مَدّاً) (مريم/٧٥) (اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) ٠العنكبوت /١٢) ، أي : فيمد ونحمل ، أو التهديد ، نحو : (وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف /٢٩) ، وهذا هو معنى الأمر في (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) (فصلت /٤٠).

وإذا كان مرفوع فعل الطلب فاعلاً مخاطباً استغني عن اللام بصيغة «إفعل» غالباً ، نحو : قمْ واقعُدْ ، وتجب اللام إن انتفت الفاعلية ، نحو : «لتُعنَ بحاجتي» أو الخطاب ، نحو : «ليقمْ زيد» أو كلاهما ، نحو :»ليُقنَ زيدٌ بحاجتي».

ودخولُ اللام على فعل المتكلم قليلٌ ، سواء أكان المتكلم مفرداً ، نحو قوله صلًى الله عليه وآله وسلم : «قومُوا فلاُصلّ لكم» (٢) أو معه غيره كقوله تعالى : (وقال الّذينَ كَفَرُوا لِلّذين آمنوا اتّبعوا سّبيلَنا وَلنَحْمِلْ خطاياكُم) (العنكبوت /١٢) ، وأقلُّ منه دحولها في فعل الفاعل المخاطب كقراءة جماعة : (فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)

__________________

١ ـ غرر الحكم : ٢/٥٨٧

٢ ـ صحيح البخاري : ١/١٠٧.

١٨٣

(يونس /٥٨) ، وفي الحديث النبوي : «لِتأخُذُوا مصافّكم»(١).

وقد تخذف اللام في الشعر ويبقى عملها كقوله(٢)

١٩٩ ـ فلا تستطل منَّي بقائي ومدَّتي

ولكنْ للخيرِ منكَ نصيبُ

وقوله (٣)

٢٠٠ ـ محمَّد تفدِ نفسَكَ كُلَّ يفسٍ

إذا ما خِفتَ من شيء تَبالا

 أي : وليكنْ ولِتفِدْ والتَّبال : الوبال ، اُبدلت الواو المفتوحة تاء مثل «تقوى».

ومنع المبرد حذف اللام وإبقاء عملها حتى في الشعر ، وقال في البيت الثاني : إنه لا يعرف قائله ، مع احتمابه لأن يكون دعاء بلفظ الخبر ، نحو : «يغفر الله لك»و «يرحمك الله» وحذفت الياء تخفيفاً ، واجتزئ عنها بالكسرة.

وهذا الذي منعة المبرد في الشعر أجازه الشسائي في الكلام ، لكن بشرط بقدم : «قل» وجعل منه (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ) (إبراهيم /٣١) ، أي : ليقيموها ، ووافقه ابن مالك في شرح الكافية ، وزاد عليه أن ذلك يقع في النثر قليلاً بعد القول الخبري ، والحمهورُ على أن الجوم في الآية مثله في قولك : «ائتبي اُكرمك».

وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال :

أحدها : للخليل وسيبويه : أنه بنفس الطلب؛ لما تضمنه من معنى «إن» الشرطية كما أن أسماء الشرط إنما جزمت لذلك.

__________________

١ ـ الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) ٨/٣٥٤.

٢ ـ لم يسمّ قائله. شرح شواهد المغني : ٢/٥٩٧.

٣ ـ قال السيوطي : «قال المبرد : قائله مجهول». شرح شواهد المغني : ٢/٥٩٧.

١٨٤

الثاني : للسيرا في والفارسي : أنه بالطلب لنيابته مناب الجازم الذي هو الشرط المقدر ، كما أن النصب بـ«ضرباً» في قولك : «ضرباً زيداً» لنيابته فن «إضربْ» لالبضمنه معناه.

الثالث : للجمهور : أنه بشرط مقدر بعد الطلب وهذا أرجح من الأول؛ لأن الحذف والبضمين ، وإن اشتركا في أنهما خلاف الأصل ، لكن في التضمين تغيير معنى الأصل ، ولا كذلك الخذف ، وأيضاً فإن تضمين الفعل مفنى الحرف إما غير واقع أو غير واقع أو غير كثير ، ومن الثاني؛ لأن نائب الشيء يؤدّي معناه ، والطلبُ لا يُؤدّي معنى الشرط.

وأما اللام غير العاملة فسبع :

إحداها : لام الابتداو ، وفائدتها أمران : توكيدُ مضون الجملة وتخليصُ المضارع للحال ، كذا قال الأكثرون ، واعترض ابن مالك الثاني بقوله تعالى : (وَإنَّ رَبّك لَيَحْكُمُ بَيْنّهُمْ يَومَ القِيامةِ) (النحل/١٢٤) ، (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) (يوسف/١٣) ؛فإن الذهاب كان مستقبلاً؛ فلو كان «يحزن» حالاً لزم تقدُّمُ الفعل في الوجود على فاعله مع أنه أثره ، والجواب : أن الحكم واقع في ذلك اليوم لا محالة ، فنزل منزلة الحاضر الشماهد ، وأن التقدير : قصدُ أن تذهبوا ، والقصد حال.

وتدخل باتفاق في موضعين :

أحدهما : المتبأ ، نحو قوله تعالى : (لأنْتُمْ أَشَدَّ رَهبْبَةً) (الحشر/١٣) ، وقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم : «لله أفرَح بتوبة التائب من الظمآن الوارد ومن العقيم الوالد ومن الضالّ الواجد»(١).

__________________

١ ـ كنز العمال : ح ١٠١٦٦ و ١٠٢٧٣.

١٨٥

الثاني : بعد «إنّ» وتدخل في هذا الباب على ثلاثة باتفاق : الاسم ، نحو قول كعب بن زهير :

٢٠١ ـ إنّ الرسول لَسيف يُستَضاء به

مُهَنّد مِن سيوف الله مسلول (١)

 والمضارع؛ لشبهه به ، نحو قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) (النحل /١٢٤) ، والظرف ، نحو قوله تعالى : (وإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عظيم) (القلم /٤) وقول أميرالمؤمنين عليه السلام : «وإنّ الكتاب لَمعيَ ما فارقتُهُ مذ صَحِبتُه» (٢) وعلى ثلاثة باختلاف :

إحدها : الماضي الجامد ، نحو : «إنّ زيداً لعَسى أنْ يقوم» قاله أبوالحسن ، ووجهه أن الجامد يشبه الاسم ، وخالفه الجمهور.

الثاني : الماضي المفرون بـ «قد» قاله الجمهور ، ووجهه أن «قد تقرب الماضي من الحال فيشبه المضارع المشبه للاسم ، وخالف في ذلك خطّاب ومخمّد بن مسعود الغزني ، وقالا : إذا قيل : «إنّ زيداً لقدم قامَ» فهو جوابٌ لقسمٍ مقدر.

الثالث : الماضي المتصرف المجرد من «قد» أجازه الكسائي وهشام على إضمار «قد» ومنعه الجمهور ، وقالوا : أنما هذه لام القسم ، فمتى تقدّم فعلُ القلب فتحت همزة «انّ» كـ «علمت أنّ زيداً لقامَ» والصواب عندهما : الكسر.

واختلف في دخولها في غير باب «إنّ» على شيئين :

أحدهما : خبرالمبتدأ المتقدم ، نحو : «لقائمٌ زيدٌ» فمقتضى كلام جماقة الجواز ، وفي أمالي ابن الحاجب : لام الابتداء يجيب معها المبتدأ.

__________________

١ ـ تقدم برقم ٥٥.

٢ ـ نهج البلاغة : ط ١٢١/٣٧٧.

١٨٦

الثاني : الفعل ، نحو : «ليقوم زيد» فأجاز ذلك ابن مالك والمالقي وغير هما وزادالمالقي ، الماضي الجامد ، نحو : (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (المائدة /٦٢) وبعضهم المصرف المقرون بـ «قد» ، نحو قول أبي الأسود الدؤلي في رثاء علي عليه السلام :

٢٠٢ ـ لقد علمت قريش حيث كانت

بأنك خيرها حسباً وديناً (١)

 والمشهور : أنّ هذه لام القسم. ونص جماعة على منع ذلك كلّه. فال ابن الخباز في شرح الإيضاح : لا تدخل لام الابتداو على الجمل الفعلية إلا في باب«إن» انتهى. وهو مقتضى ما ما قدّمناه عن ابن الحاجب ، وهو أيضاً قول الزمخشري ، قال في تفسير : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) (الضحى /٥) لام البتداء لاتدخل إلا على المبتأ والخبر ، وقال في(لاُقسِمُ بِيَومِ القِيامة) (القيامة /١) : هي لام الابتداء دخلت على مبتدأ محذوف ولم يقدرها لام القسم ؛ لأنه عنده ملازمة للنون ، وكذا زعم في «وَلَسَوفَ يُعْطيكَ رّبّك» أن المبتدأ مقدر ، أي : ولأنْتَ سَوْفَ يُعْطيكَ ربّك.

ويضعف قوله أن فيه تكلّفين لغير ضرورة ، وهماتقدير محذوف وخلع اللام عن معنى الحال؛ لئلا يجتمع دليلا الحال والاستقبال وقد صرّح بذلك في تفسير (لَسَوفَ اُخْرجُ حُيّاً) (مريم /٦٦).

وقوله : إنّ لام القسم مع المضارع لا تفارق النون ممنوع ، بل تارة تجب اللام وتمتنع النون وذلك مع التنفيس كالآية ومع تقدم المعمول بين اللام والفعل ، نحو : (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) (آل عمران/١٥٨) ومع كون الفعل للحال ، نحو : «لاُقسِمُ» وإنّما قدر البصريون هنا مبتدأ؛ لأنهم لا يجيزون لمن قصد الحال أن يقسم إلا على الجملة الاسمية ، وتارة يمتنعان ، وذلك مع الفعل المنفي ، نحو :

__________________

١ ـ أدب الطف : ١/١٠٥.

١٨٧

(تّالله تَفْتوا) (يوسف /٨٥) وبارة يجبان ، وذلك فيما بقي ، نحو : (وتالله لأكِيدَنَّ اصنامَكُمْ) (الأنبياء/٥٧)

مسألة

للام الابتداء الصّدرية؛ ولهذا علقت العامل في نحو : «علمت لزيدٌ منطق» ومنعت من النصب على الاشتغال في نحو : «زيدٌ لأنا اُكرمه» ومن أن يتقدم عليها الخبر في نحو : «لزيدٌ قائمٌ»والمبتأفي نحو : «القائمٌ زيدٌ».

وليس لها الصّدرية في باب «إن» ؛لأنها فيه مؤخرة من تقديم ؛ ولهذا تسمى اللام المزحلفة ، والمزحلقةأيضاً ، وذلك لأن أصل «إنّ زيداً لقائم» : «لإنَّ زيداً قائم» فكرهوا افتتاح الكلام بتوكيدين فأخروا اللام دون «إنّ»؛ لئلا يتقدّم معمولُ الحرف عليه ، وإنما لم ندّع أن الأصل : «إنّ لزيداً قائم»؛ لئلا يحول ماله الصدر بين العامل والمعمول ولا عتبارهم حكم صدريتها فيما قبل «إن» دون ما بعدها. دليل الأول : أنها تمتنع من تسلط فعل القلب على «إن»ومعموليها ولذلك كسرت في نحو : (والله يعلم إنّك لَرّسُولُهُ) (المنافقون/١).

ودليل الثاني : أن عمل «إن» يتخطالها ، تقول : «إنّ في الدار لزيداً» وكذلك يتخطاها عمل العامل بعدها نحو : «إنّ زيداً طعامك لآكل».

تنبيه

«إنَّ زيداً لقام» أو «ليقومنّ» اللام جوابُ قسم مقدر ، لا لام الابتداء؛ فإذا دخلت عليها «علمت» مثلاً فتحت همزتها ؛ فإن قلت : «لقد قام زيد» فقالوا : هي لام الابتداء ، وحينئذٍ يجب كسر الهمزة ، والصصواب : أن الأمرين محتملان.

١٨٨

فصل

وإذا خفّفت «إنّ» ، نحو (وَإنْ كانَتْ لَكَبِيرِةً) (البقرة/١٤٣) فاللام عند سيبويه والأكثرين لام الابتداء أفادت ـ مع إفادتها توكيد النسبة وتخليص المضارع للحال ـ الفرق بين «إن» المخففة من الثقيلة و «إن» النافية؛ ولهذا صارت لازمة بعد أن كانت جائزة ، اللّهم إلاّ أن يدل دليل على قصد الإثبات كقراءة أبي رجاء : (وإن كُلُّ ذلِكَ لما مَتاعُ الحَياة الدُّنيا) (الزخرف /٣٥) بكسر اللام أي : للّذي.

ويجب تركها مع نفي الخبر كقوله (١) :

٢٠٣ ـ إن الحقُّ لايخفى على ذي بصيرة

وَإنْ هوَ لمْ يَعْدَمْ خِلافَ مُعانِد

وزعم أبو علي وأبوالفتح وجماعةٌ أنّها لامٌ غير لام الابتداء ، اُجتلبت للفرق ، وحجة أبي علي دخولها على الماضي المتصرف ، نحو : «إن زيدٌ لقامَ» وعلى منصوب الفعل المؤخر عن ناصبه في نحو : (وَإنْ وَجَدْنا أكثَرَهُمْ لَفاسقينَ) (الأعراف /١٠٢) وكلاهما لايجوز مع المشددة.

وزعم الكوفيون أن اللام في ذلك كلّه بمعنى «إلاّ» وأنّ «إنْ» قبلها نافية ، واستدلوا على مجيء اللام للاستثناء بقوله (٢) :

٢٠٤ ـ أمسى أبانُ ذليلاً بعدَ عَزّتهِ

وما أبانُ لَمِنْ أعْلاجِ سُودانِ

وقيل : اللام للابتداء على أنّ «ما» استفهام وتم الكلام عند «أبان» ثم ابتدأ : لمن أعلاج ، أي بتقدير : لهو من أعلاج ، وقيل : هي لام زيدت في خبر «ما» النافية

__________________

١ ـ قال البغدادي : «لم أقف على قائله وأصله». شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/٣٥٤.

٢ ـ قال البغدادي : «هذا البيت لم يعرف قائله». شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/٣٥٦.

١٨٩

وهذا المعنى عكس المعنى على القولين السابقين.

وعلى قول الكوفيين يقال : «قد علمنا إنْ كنتَ لمُؤمناً» بكسر الهمزة ؛ لأن النافية مكسورة دائماً ، وكذا على قول سيبويه؛ لأنّ لام الابتداء تُعلق العامل عن العمل ، وأمّا على قول أبي عليّ وأبي الفتح فتفتح.

القسم الثاني : اللام الزائدة ، وهي الداخلة في خبرالمبتدأ ، وفي خبر «أنّ» المفتوحة ، وفي خبر «لكن» وليس دخول اللام مقيساً بعد «أنّ» المفتوحة خلافاً للمبرد ، ولا بعد «لكن» خلافاً للكوفيين ، ولا اللام بعدهما لام الابتداء خلافاً له ولهم ، وزيدت أيضاً في خبر «زال» ، وفي المفعول الثاني لـِ «أرى» في قول بعضهم : «أراك لشاتِمي» ونحو ذلك.

الثالث : لام الجواب ، وهي ثلاثة أقسام :

لام جواب «لو» نحو قول اُم البنين في رثاء العباس (عليه السلام) :

٢٠٥ ـ لوكان سيفُك في يديـ

ـكَ لَما دَنى منهُ أحدٌ (١)

ولام جواب «لولا» ، نحو قوله تعالى : (وَلَولا دفْعُ الله النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعض لَفَسَدَتِ الأرضُ) (البقرة /٢٥١).

ولام جواب القسم ، نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «والله لَدنياكم هذه أهونُ في عَيني مِنْ عِراقِ خنزير في يَد مَجذُوم» (٢).

الرابع : اللام الداخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها ، لاعلى الشرط ، ومن ثمّ تسمّى اللام المؤذنة ، وتسمى الموطئة أيضاً؛ لأنّها

__________________

١ ـ أدب الطف : ١/٧١.

٢ ـ نهج البلاغة : ح ٢٢٨/١١٩٢.

١٩٠

وطأت الجواب للقسم ، أي : مهدته له ، نحو : (لئن اُخرِجُوا لا يَخْرُجونَ مَعَهُمْ وَلئن قُوتلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ) (الحشر/١٢) وأكثرما تدخل على «إن» وقد تدخل على غيرها كقوله (١) :

٢٠٦ ـ لَمتى صَلَحْتَ لَيُقْضَيَنْ لك صالحٌ

ولَتُجْزَيَنَّ إذا جُزِيتَ جميلاً

وقد تحذف مع كون القسم مقدراً قبل الشرط ، نحو (وَإن أَطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (الأنعام /١٢١). وقول بعضهم : ليس هنا قسم مقدر وإن الجملة الاسميّة جواب الشرط على إضمار الفاء كقوله (٢) :

٢٠٧ ـ مَنْ يَفعل الحسنات الله يشكُرها

والشرُّ بالشرّ عندالله مِثلانِ

مردودٌ؛ لأن ذلك خاص بالشعر.

الخامس : لام «أل» كـ «الرجل والحارث» وقد مضى شرحها.

السادس : اللام اللاحقة لأسماء الإشارة للدلالة على البعد أو على توكيده ، على خلاف في ذلك ، وأصلها السكون كما في «تلك» وإنما كسرت في «ذلِك» ؛ لالتقاء الساكنين.

السابع : لام التعجب غير الجارة ، نحو : «لَظَرُفَ زيدٌ» و «لَكَرُمَ عمرو» بمعنى «ما أظرفه وما أكرمه» ذكره ابن خالويه في كتابه المسمى بالجمل ، والصواب : أنها إما لام الابتداء دخلت على الماضي؛ لشبهه لجموده بالاسم ، وإما لام جواب قسم مقدر.

__________________

١ ـ قال البغدادي : «لم أقف على قائله». شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/٣٦٤.

٢ ـ تقدم برقم ١١٧.

١٩١

(لا)

لا على ثلاثة أوجه :

الأول : أن تكون نافية ، وهذه على خمسة أوجه :

أحدها : أن تكون عاملة عمل «إنّ» وذلك إنْ اُريد بها نفيُ الجنس على سبيل التنصيص ، وتسمى حينئذ تبرئة ، وإنما يظهر نصب اسمها إذا كان خافضاً ، نحو : «لا صاحبَ جُود ممقوتٌ» ، أو رافعاً ، نحو : «لا حسناً فِعلُه مذموم» ، أو ناصباً ، نحو : «لا طالعاً جبلاً حاضر» ومنه «لا خيراً من زيد عندنا».

وتخالف «لا» هذه «إنّ» من سبعة أوجه :

أحدها : أنها لا تعمل إلا في النكرات.

الثاني : أن اسمها إذا لم يكن عاملاً فإنه يُبنى ، قيل : لتضمنه معنى «مِن» الاستغراقية ، وقيل : لتركيبه مع «لا» تركيبَ خمسة عشر ، وبناؤه على ما ينصب به لو كان معرباً ، فيبنى على الفتح في نحو قول النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا فقرَ أشدّ من الجهل» (١) ، ومنه قوله تعالى : (لاتَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَومَ) (يوسف /٩٢) وقول بشير بن جذلم :

٢٠٨ ـ ياأهلَ يثربَ لا مُقامَ لكم بها

قُتِلَ الحسين (عليه السلام) فأدْمُعي مدرارُ (٢)

وعلى الياء في نحو : «لا رجُلينِ» و «لا قائمين» ، وعلى الكسرة في نحو : «لا مُسلماتِ» وكان القياس وجوبها ، ولكنه جاء بالفتح ، وهو الأرجح؛ لأنها الحركة التي يستحقها المركب.

__________________

١ ـ كنز العمال : ١٦/ ح ٤٤١٣٥.

٢ ـ أدب الطف : ١/٦٤.

١٩٢

الثالث : أن ارتفاع خبرها عند إفراد اسمها نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «لاشرف أعلى من الإسلام ولا عزّ أعزّ من التقوى» (١) بما كان مرفوعاً به قبل دخولها ، لابها ، وهذا القول لسيبويه ، وخالفه الأخفش والأكثرون ولا خلاف بين البصريين في أن ارتفاعه بها إذا كان اسمها عاملاً.

الرابع : أن خبرها لا يتقدم على اسمها ولوكان ظرفاً أو مجروراً.

الخامس : أنه يجوز مراعاة محلها مع اسمها قبل مضي الخبر وبعده ، فيجوز رفع النعت والمعطوف عليه ، نحو : «لا رجُلَ ظريفٌ فيها ، ولا رجُلَ وامرأةٌ فيها».

السادس : أنه يجوز إلغاؤها إذا تكررت ، نحو : «لا حولٌ ولا قُوّةٌ إلا بالله» ولك فتح الاسمين ، ورفعهما ، والمغايرة بينهما ، بخلاف نحو قول الأعشى :

٢٠٩ ـ إنّ مَحَلاّ وإنّ مُرتَحَلا

وَإنّ في السَفر إذ مضَوا مَهَلا (٢)

فلا محيدَ عن النصب.

والسابع : أنه يكثر حذف خبرها إذا علم ، نحو : (قالُوا لا ضَيْرَ) (الشعراء/٥٠) (فَلا فَوْتَ) (السبأ /٥١) وتميم لا تذكره حينئذ.

الثاني : أن تكون عاملة عمل «ليس» كقول سعد بن مالك :

٢١٠ ـ مَن صَدَّ عن نيرانها

فأنا ابنُ قيس لا بَراحُ (٣)

وإنما لم يقدروها مهملة والرفع بالابتداء؛ لأنها حينئذ واجبة التكرار وفيه

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٣٦٣/١٢٦٠.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٢٣٨.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٨٣.

١٩٣

نظر؛ لجواز تركه في الشعر.

و «لا» هذه تخالف «ليس» من ثلاث جهات :

إحداها : أن عملها قليل ، حتى ادّعي أنه ليس بموجود.

الثانية : أن ذكر خبرها قليل ، حتى إن الزجاج لم يظفر به؛ فادّعى أنها تعمل في الاسم خاصة ، وأن خبرها مرفوع ، ويرده قوله (١) :

٢١١ ـ تَعَزَّفلاشيءعلى الأرض باقيا

ولا وَزَرٌ ممّا قَضَى الله واقيا

الثالثة : أنها لا تعمل إلا في النكرات ، خلافاً لابن جني وابن الشجري وعليه بنى المتنبي قوله :

٢١٢ ـ إذا الجودُ لم يُرزق خلاصاً من الأذى

فلا الحمدُ مكسُوباً ولا المالُ باقياً (٢)

تنبيه

إذا قيل : «لا رجُلَ في الدار» بالفتح ، تعين كونها نافية للجنس ، ويقال في توكيده : «بل امرأة» وإن قيل بالرفع ، تعين كونها عاملة عمل «ليس» وامتنع أن تكون مهملة ، وإلا تكررت ، واحتمل أن تكون لنفي الجنس وأن تكون لنفي الوحدة ، ويقال في توكيده على الأول : «بل امرأة» وعلى الثاني : «بل رجلان أو رجال».

وغلط كثير من النّاس ، وزعموا أن العاملة عمل «ليس» لا تكون إلاّ نافية

__________________

١ ـ لم يسم قائله. شرح شواهد المغني : ٢/٦١٢.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/٣٧٧.

١٩٤

للوحدة لا غير ، ويرد عليهم نحو قوله (١) :

٢١٣ ـ تَعَزَّ فلا شيء على الأرضِ باقيا

ولا وَزَرٌ ممّا قَضى الله واقِيا

وإذا قيل : «لا رجلٌ ولا امرأةٌ في الدار» برفعهما احتمل كون «لا» الاُولى عاملة في الأصل عمل «إنّ» ثم اُلغيت لتكرارها ، فيكون ما بعدها مرفوعاً بالابتداء ، وأن تكون عاملة عمل «ليس» فيكون ما بعدها مرفوعاً بها ، وعلى الوجهين فالظرف خبر عن الاسمين إن قدرت «لا» الثانية تكراراً للاُولى وما بعدها معطوفاً؛ فإن قدرت الاُولى مهملة والثانية عاملة عمل «ليس» أو بالعكس فالظرف خبر عن أحدهما ، وخبر الآخر محذوف كما في قولك : «زيد وعمرو قائم» ولا يكون خبراً عنهما؛ لئلا يلزم محذوران : كونُ الخبر الواحد مرفوعاً ومنصوباً ، وتوارد عاملين على معمول واحد.

الوجه الثالث : أن تكون عاطفة ، ولها ثلاثة شروط :

أحدها : أن يتقدمها إثبات كـ «جاء زيد لا عمرو» ، أو أمر كـ «اضربْ زيداً لا عمراً» ، قال سيبويه : أو نداء ، نحو : «يابن أخي لا ابن عمي» ، وزعم ابن سعدان أن هذا ليس من كلامهم.

الثاني : ألاّ تقترن بعاطف ، فإذا قيل : «جاءني زيد لا بل عمرو» فالعاطفُ «بل» و «لا» ردٌّ لما قبلها ، وليست عاطفة ، وإذا قلت : «ما جاءني زيد ولا عمرو» فالعاطف الواو ، و «لا» توكيد للنفي ، وفي هذا المثال مانع آخر من العطف بـ «لا» وهو تقدّم النفي ، وقد اجتمعا أيضاً في (ولا الضّالّينَ) (الفاتحة /٧).

الثالث : أن يتعاند متعاطفاها ، فلا يجوز «جاءني رجل لا زيد» ؛ لأنه يصدق

__________________

١ ـ تقدّم برقم ٢١١.

١٩٥

على زيد اسم الرجل ، بخلاف «جاءني رجل لا امرأة».

الوجه الرابع : أن تكون جواباً مناقضاً لـ «نعم» وهذه تُحذف الجملُ بعدها كثيراً كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا» في جواب من قال : «إنّي رجل ضَرير شاسِع الدار ، وليس لي قائد يلازمني فلي رخصة أن لا آتي المسجد؟» (١) والأصل : «لا ، لم يكن رخصة».

الخامس : أن تكون على غير ذلك؛ فإن كان ما بعدها جملة اسمية صدرُها معرفة أو نكرة ولم تعمل فيها ، أو فعلاً ماضياً لفظاً وتقديراً ، وجب تكرارها.

مثالُ المعرفة : (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أنْ تُدْرِك القَمَرَ ، وَلا الّيلُ سابِقُ النّهارِ) (يس /٤٠).

ومثال النكرة التي لم تعمل فيها «لا» : (لا فِيها غَوْلٌ ولاهُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (الصافات /٤٧) فالتكرارهنا واجب بخلافه في (لا لَغْوٌ فيها وَلا تَأثِيمٌ) (الطور /٢٣).

ومثالُ الفعل الماضي : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى) (القيامة /٣١). وإنما ترك التكرار في نحو قول أبي الأسود الدؤلي :

٢١٤ ـ ألا أبلغ معاوية بن حرب

فلا قَرّتْ عُيُون الشامِتينا (٢)

لأنّ المراد الدعاء فالفعل مستقبل في المعنى ومثله في عدم وجوب التكرار بعدم قصد المضيّ إلاّ أنه ليس دعاء؛ قولك : «والله لا فعلت كذا» ، وشذّ ترك التكرار في قول أبي خراش الهذلي وهو يطوف بالبيت :

__________________

١ ـ كنز العمال : ٨/ ح ٢٢٨٠٧.

٢ ـ أدب الطف : ١/١٠٥.

١٩٦

٢١٥ ـ إنْ تَغفرِ اللّهمَّ تغفر جَمّا

وأيّ عبدلك لا ألمّا (١)

وكذلك يجب تكرارها إذا دخلت على مفرد خبر أو حال أو صفة ، نحو : «زيدٌ لا شاعر ولا كاتب» و «جاء زيد لا ضاحكاً ولا باكياً» ونحو قوله تعالى : (مِنْ شَجَرة مُبارَكَة زَيْتُونَة لاشَرقَيّة ولاغربيّة) (النور /٣٥).

وإن كان ما دخلت عليه فعلاً مضارعاً لم يجب تكرارها ، نحو قوله تعالى : (قُل لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدّة فى القُربى) (الشورى /٢٣) وقول الرباب زوجة الحسين (عليه السلام) في رثائه :

٢١٦ ـ والله لا أبتغي صِهراً بصِهرِكُم

حتى اُغَيَّبَ بين اللحد والطين (٢)

ويتخلص المضارعُ بها للاستقبال عند الأكثرين ، وخالفهم ابن مالك ؛ لصحة قولك : «جاء زيدٌ لا يتكلم» بالاتفاق ، مع الاتفاق على أن الجملة الحاليةلا تُصدّر بدليل استقبال.

تنبيه

من أقسام «لا» النافية : المعترضةُ بين الخافض والمخفوض ، نحو : «جئتُ بلازاد» و «غضبتُ من لا شيء».

وعن الكوفيين : أنها اسم ، وأن الجار دخل عليها نفسها ، وأن ما بعدها خفض بالإضافة وغيرهم يراها حرفاً ، ويسميها زائدة كما يسمون «كان» في نحو : «زيدٌ كانَ فاضلٌ» زائدة وإن كانت مفيدة لمعنىً وهو المضي والانقطاع؛ فعلم أنهم قد يريدون بالزائد المعترض بين شيئين متطالبين وإن لم يصح أصلُ المعنى بإسقاطه

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٢٥.

٢ ـ أدب الطف : ١/٦١.

١٩٧

كما في مسألة «لا» في نحو : «غضبتُ من لا شيء» ، وكذلك إذا كان يفوت بفواته معنى كما في مسألة «كان» ، وكذلك «لا» المقترنة بالعاطف في نحو : «ما جاءني زيد ولا عمرو» ويسمونها زائدة ، وليست بزائدة البتة ، ألا ترى أنه إذا قيل : «ما جاءني زيد وعمرو» احتمل أن المراد نفي مجيء كل منهما على كل حال ، وأن يراد نفي اجتماعهما في وقت المجيء ، فإذا جيء بـ «لا» صار الكلام نصّاً في المعنى الأول ، نعم هي في قوله سبحانه : (وَما يَسْتَوِي الأحياء وَلا الأمواتُ) (فاطر/٢٢) لمجرد التوكيد.

تنبيه

اعتراضُ «لا» بين الجار والمجرور في نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «الداعي بلا عَمَل كالرّامي بلا وَتَر» (٣٦٣) وبين الناصب والمنصوب في نحو : (لِئلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ) (البقرة/١٥٠) وبين الجازم والمجزوم في نحو : (إنْ لا تَفْعَلُوهُ) (الأنفال/٧٣) وتقدُّمُ معمول ما بعدها عليها في نحو (يَوْمَ يأتِي بَعْضُ آياتِ رَبّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أو كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْراً) (الأنعام/١٥٨) دليلٌ على أنّها ليس لها الصّدر ، بخلاف «ما» ، اللهم إلاّ أن تقع في جواب القسم ؛ فإن الحروف التي يُتلقى بها القسم كلها لها الصّدر ، وقيل : لها الصدر مطلقاً ، وقيل : لا مطلقاً والصواب : الأول.

الثاني : من أوجه «لا» أن تكون موضوعة لطلب الترك ، وتختص بالدخول على المضارع ، وتقتضي جزمه واستقباله ، سواء كان المطلوبُ منه مخاطباً ، نحو قوله تعالى (لاتَتّخِذُوا عَدُوّي وَعَدوّكُمْ أولِياء) (الممتحنة/١) أو غائباً ، نحو :

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ح ٣٣٠/١٢٤٥.

١٩٨

(لايَتّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافِرينَ أولياء) (آل عمران /٢٨) ، أو متكلماً ، نحو «لا أرَيَنّك هاهنا» ، وهذا النوع مما اُقيم فيه المسبب مُقام السبب ، والأصل : لاتكن هاهنا فأراك.

ولافرق في اقتضاء «لا» الطلبية للجزم بين كونها مفيدةً للنهي سواء كان للتحريم كما تقدم ، أو للتنزيه نحو : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (البقرة/٢٣٧) وكونها للدعاء كقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) (البقرة/٢٨٦) وقال مالك بن الريب :

٢١٧ ـ يقولونَ لا تَبْعَدْ وهم يدفنُونني

وأينَ مكانُ البعدِ إلاّ مكانيا؟ (١)

وكونها للالتماس كقولك لنظيرك غير مُستعل عليه : «لا تفعل كذا» وكذا الحكم إذا خرجتْ عن الطلب إلى غيره كالتهديد في قولك لولدك أو عبدك : «لاتُطعني».

الثالث : «لا» الزائدة الداخلة في الكلام لمجرد تقويته وتوكيده ، نحو : (ما مَنَعَك إذْ رَأيْتَهُمْ ضَلّوا ألاّ تَتّبِعَنِ) (طه/٩٢ و ٩٣) (ما مَنَعَك ألاّ تَسْجُدَ) (الأعراف/١٢) ويوضحه الآية الاُخرى : (ما مَنَعَك أنْ تَسْجُدَ) (ص /٧٥) ومنه : (لئلاّ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ) (الحديد/٢٩) أي : ليعلموا.

واختلف فيها من قوله تعالى : (لا اُقسِمُ بِيَومِ القيامَةِ) (القيامة /١) أنافيةأم زائدة؟ ، فقيل : هي نافية ، واختلف هؤلاء في منفيها على قولين :

أحدهما : أنه شيء تقدم ، وهو ما حكي عنهم كثيراً من إنكار البعث : فقيل لهم : ليس الأمر كذلك : ثم استؤنف القسم ، قالوا : وإنما صح ذلك؛ لأن القرآن كله كالسورة الواحدة ، ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في سورة اُخرى ، نحو :

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٦٣٠.

١٩٩

(وَقالُوا يا أيُّها الّذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إنّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر /٦) وجوابه : (ما أنتَ بِنِعْمَةِ رَبّك بِمَجْنُونِ) (القلم /٢).

والثاني : أن منفيها «اُقسِمُ» وذلك على أن يكون إخباراً لا إنشاء ، واختاره الزمخشري ، قال : والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلاّ إعظاماً له؛ بدليل : (فَلا اُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجُومِ وَإنّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة /٧٥ و ٧٦) فكأنّه قيل : إنّ إعظامه بالإقسام به كلا إعظام ، أي : إنّه يستحق إعظاماً فوق ذلك.

وقيل : هي زائدة واختلف هؤلاء في فائدتها على قولين : أحدهما : أنّها زيدت توطئة وتمهيداً لنفي الجواب ، والتقدير : لا ، اُقسم بيوم القيامة لا يتركون سُدى. ورُدّ بقوله تعالى : (لا اُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) (البَلَد /٤) ومثله : (فَلا اُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ) (الواقعة /٧٥) الآية.

والثاني : أنها زيدت لمجرد التوكيد وتقوية الكلام ، كما في (لِئلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ) (الحديد /٢٩) ورُدّ بأنها لا تزاد لذلك صدراً ، بل حشواً ، كما أن زيادة «ما» و «كان» كذلك ، نحو : (فَبِما رَحْمَة مِنَ الله) (آل عمران /١٥٩) (أيْنَما تُكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ) (النساء /٧٨) ونحو : «زيدٌ كانَ فاضلٌ» وذلك لأن زيادة الشيء تفيد اطّراحه ، وكونه أول الكلام يفيد الاعتناء به ، قالوا : ولهذا نقول بزيادتها في نحو : (فَلا اُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ وَالمغارِبِ) (المعارج/٤٠) (فلا اُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (الواقعة/٧٥) لوقوعها بين الفاء ومعطوفها ، بخلاف هذه ، وأجاب أبو علي بما تقدم من أن القرآن كالسورة الواحدة.

(لات)

اختلف فيها في أمرين :

٢٠٠