جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٢٩١
المستفاد من الكلام.
وإن كانت «كل» مضافة إلى معرفة فقالوا : يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها ، نحو : «كلّهم قائم أو قائمون» وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (إنْ كُلُّ مَنْ في السّمواتِ وَالأرضِ إلاّ آتي الرّحمن عَبْداً لَقَدْ أحْصاهُمْ وَعَدَّهم عدّاً وَكُلُّهم آتيهِ يَومَ القِيامَة فرداً) (مريم/٩٣ ـ ٩٥) والصواب : أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفرداً مذكراً على لفظها ، نحو : (وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيامَة) (مريم / ٩٥).
وأمّا (لَقَد أحصاهُم) (مريم /٩٤) فجملة اُجيب بها القسم ، وليست خبراً عن «كلّ» وضميرُها راجع لـ «من» ، لا لـ «كل» ، و «من» معناها الجمع.
فإن قُطعت عن إلاضافة لفظاً فقال أبو حيان : يجوز مراعاة اللفظ ، نحو : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه) (الإسراء/٨٤) ، ومراعاة المعنى ، نحو : (وكُلٌّ كانُوا ظالِمينَ) (الأنفال/٥٤) والصواب : أن المقدر يكون مفرداً نكرة؛ فيجب الإفراد كما لو صرح بالمفرد ، ويكون جمعاً معرفاً فيجب الجمع ، وإن كانت المعرفة لو ذكرت لوجب الإفراد ، ولكن فعل ذلك تنبيهاً على حال المحذوف فيهما؛ فالأول ، نحو : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (الإسراء/٨٤)؛ إذا التقدير : كل أحد ، والثاني ، نحو : (وكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) (الأنفال/٥٤) ، أي : كلّهم.
مسألتان
الاُولى : قال البيانيون : إذا وقعت «كل» في حيز النفي كان النفي موجهاً إلى الشمول خاصة ، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد كقولك : «لم آخذ كلَّ الدراهم ، وكلَّ الدراهم لم آخذ» وقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «احذَروا نِفارَالنِعَم فما
كُلُّ شارد بمردود» (١).
وإن وقع النفيُ في حيزها اقتضى السّلبَ عن كلّ فرد كقول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ في جواب من قال : يا رسول الله إنك سجدتَ بين ظَهرانَي صلاتك سجدة أطلتَها حتى ظننّا أنه حدث أمر أو أنه يوحى إليك ـ : «كلُّ ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن اُعَجّله حتى يقضي حاجته» (٢).
وقد يُشكل على قولهم في القسم الأول قوله تعالى : (وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُختال فَخُور) (الحديد/٢٣).
والجواب : أن دلالة المفهوم إنما يُعوّلُ عليها عند عدم المعارض ، وهو هنا موجود؛ إذ دلّ الدليل على تحريم الاختيال والفخر مطلقاً.
الثانية : «كل» في نحو : (كُلّما رُزِقُوا مِنها مِنْ ثَمَرة رِزقاً قالُوا) (البقرة / ٢٥) ، منصوبة على الظرفية باتفاق ، وناصبها الفعل الذي هو جوابٌ في المعنى مثل «قالوا» في الآية ، وجاءتها الظرفية من جهة «ما» فإنها محتملة لوجهين :
أحدهما : أن تكون حرفاً مصدرياً والجملة بعده صلة له؛ فلا محل لها ، والأصل : كل رزق ، ثم عبر عن معنى المصدر بـ «ما» والفعل ، ثم اُنيبا عن الزمان ، أي : كلّ وقت رزق.
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ح ٢٣٨/١١٩٥.
٢ ـ وقبله : روي عن النسائي بسنده عن عبدالله بن شَدّاد ، عن أبيه قال : خرج علينا رسول الله في إحدي صلاتي العشاء وهو حامل حسناً فتقدم النبي صىلى الله عليه وآله وسلم فوضعه ثم كبّر للصّلاة فصلّى فسجد بين ظّهرانّي صلاته سجدة فأطالها ، قال أبي : فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وهو ساجد ، فرجعت إلى سجودي فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه آله وسلم الصلاة قال الناس : يا رسول الله ... بحارالأنوار : ٤٣/٣٠٠.
الثاني : أن تكون اسماً نكرة بمعنى وقت فلا تحتاج على هذا إلى تقدير وقت والجملة بعده في موضع خفض على الصفة؛ فتحتاج إلى تقدير عائد منها ، أي : كل وقت رزقوا فيه.
ولهذا الوجه مبعد ، وهو ادعاء حذف عائد الصفة وجوباً ، حيث لم يرد مصرّحاً به في شيء من أمثلة هذا التركيب.
وللوجه الأول مُقرّبان : كثرة مجيء الماضي بعدها ، نحو قوله تعالى : (كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهمْ بَدَّلناهُمْ) (النساء/٥٦) ، (كُلّما أضاء لَهُمْ مَشَوا فِيهِ) (البقرة / ٢٠) ، وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «كلّما قَوِيت الحِكمةُ ضَعُفَتِ الشهوةُ» (٢٩٩) ، وأنَّ «ما» المصدرية التوقيتية شرط من حيث المعنى؛ فمن هنا احتيج إلى جملتين إحداهما مرتبة على الاُخرى ، ولا يجوز أن تكون شرطية مثلها في «ما تفعلْ أفعل» ؛ لأمرين : أنّ تلك عامة فلا تدخل عليها أداة العموم ، وأنها لاترد بمعنى الزمان على الأصح.
وإذا قلت : «كلّما استد عيتُكَ فإن زُرتني فعبدي حُرٌّ» فـ «كل» منصوبة أيضاً على الظرفية ، ولكن ناصبها محذوف مدلول عليه بـ «حرّ» المذكور في الجواب ، وليس العامل المذكور؛ لوقوعه بعد الفاء و «إنْ».
(كلاّ)
مركبة عند ثعلب من كاف التشبيه و «لا» النافية ، قال : وإنما شُدِّدتْ لامها؛ لتقوية المعنى ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين ، وعند غيره هي بسيطة.
وهي عند سيبويه والخليل والمبرّد والزجاج وأكثر البصريين حرف معناه
__________________
١ ـ غررالحكم : ٢/٥٧١.
الرّدع والزّجر ، لا معنى لها عندهم إلا ذلك ، حتّى إنهم يجيزون أبداً الوقف عليها ، والابتداء بما بعدها.
ورأى الكسائي وأبو حاتم ومن وافقهما أنَّ معنى الرّدع والزَّجر ليس مستمراً فيها ، فزادوا فيها معنى ثانياً يصح عليه أن يوقف دونها ويبتدء بها ؛ ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال :
أحدها : للكسائي ومتابعيه ، قالوا : تكون بمعنى «حقّاً».
الثاني : لأبي حاتم ومتابعيه ، قالوا : تكون بمعنى «ألا» الاستفتاحية.
الثالث : للنضربن شميل والفراء ومن وافقهما ، قالوا : تكون حرف جواب بمنزلة «إي ونعم» وحملوا عليه (كلاّ والقمر) (المدثر/٣٢) ، فقالوا : معناه إي والقمر.
وقول أبي حاتم أوْلى من قولهما؛ لأنه أكثر اطّراداً؛ فإنَّ قول النضر لا يتأتى في آيتي المؤمنين والشعراء على ما سيأتي ، وقول الكسائي لا يتأتى في نحو : (كَلاّ إنّ كِتابَ الأبرار) (المطففين/١٨) ؛ لأنّ «انّ» تكسر بعد «ألا» الاستفتاحية ، ولاتكسر بعد «حقاً» ولا بعد ما كان بمعناها.
وإذا صلح الموضع للردع ولغيره جاز الوقف عليها والابتداء على اختلاف التقديرين ، والأرجح حملُها على الردع؛ لأنه الغالب فيها ، وذلك نحو : (وَاتّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ، كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِم) (مريم / ٨١ و ٨٢).
وقد تتعين للردع أو الاستفتاح ، نحو : (رَبّ ارجِعُونِ لَعَلّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إنّها كَلِمَةٌ) (المؤمنون/٩٩ و ١٠٠)؛ لأنها لو كانت بمعنى «حقّاً» لما كسرت همزة «انّ» ولو كانت بمعنى «نعم» لكانت للوعد بالرجوع؛ لأنها بعد الطلب كما يقال : «أكرم فلاناً» فتقول : «نعم» ونحو : (قالَ أصْحابُ مُوسى إنّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلاّ إنَّ مَعِي ربي سَيَهْدِينِ) (الشعراء / ٦١ و ٦٢) ، وذلك لكسر «انّ» ولأن «نعم» بعد
الخبر للتصديق.
وقد يمتنع كونها للزجر ، نحو : (وَما هِيَ إلاّ ذِكرى لِلبَشَرِ كَلاّ والْقَمَرِ) (المدثر/٣١ و ٣٢)؛إذ ليس قبلها ما يصح رَدُّه.
(كلا وكلتا)
مفردان لفظاً ، مُثنّيان معنىً ، مضافان أبداً لفظاً ومعنىً إلى كلمة واحدة معرفة دالة على اثنين ، إما بالحقيقة والتنصيص ، نحو قوله تعالى : (كِلْتا الْجَنّتَيْن) (الكهف/٣٣) وقول حسّان :
١٧٥ ـ لساني وسيفي صارمان كلاهما |
|
ويبلغ مالا يبلغ السيف مِذوَدي (١) |
وإما بالحقيقة والاشتراك ، نحو : «كلانا» فإن «نا» مشتركة بين الاثنين والجماعة أو بالمجاز كقول عبدالله بن الزِّبَعْري :
١٧٦ ـ إنّ للخيرِ وللشّرِّ مَدى |
|
وكلا ذلكَ وَجْهٌ وقَبلْ (٢) |
فإن «ذلك» حقيقةٌ في الواحد ، واُشير بها إلى المثنى على معنى : وكلاما ذكر ، على حدها في قوله تعالى : (لافارضٌ ولا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِك) (البقرة / ٦٨).
وقولنا : كلمة واحدة احتراز من قول أبي الشِّعر الهلالي :
١٧٧ ـ كِلا أخيوخليلي واجِدى عَضُداً |
|
في النائبات وَإلمام المُلِمّاتِ (٣) |
فإنه ضرورة نادرة ، وأجاز ابن الأنباري إضافتها إلى المفرد بشرط
__________________
١ ـ ديوانحسّان بن ثابت : ١٣٢.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٤٩.
٣ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/٢٥٧.
تكريرها ، نحو : «كلايَ وكلاكَ مُحسنان» ، وأجاز الكوفيون إضافتها إلى النكرة المختصّة ، نحو : «كلا رجلينِ عندكَ مُحسنان» ؛ فإن «رجلين» قد تخصصا بوصفهما بالظرف ، وحَكَوا : «كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدُها» أي : تاركة للغَزل.
ويجوز مراعاة لفظ «كلا وكلتا» في الإفراد ، نحو : (كِلْتا الجَنّتينِ آتَتْ اُكُلَها) (الكهف / ٣٣) ، ومراعاة معناهما ، وهو قليل ، وقد اجتمعا في قول الفرزدق :
١٧٨ ـ كلاهما حين جدّ الجَري بينهما |
|
قدْ أقلعا ، وكلا أنفيهما رابي (١) |
فإذا قيل : «زيد وعمرو كلاهما» فإن قدر «كلاهما» توكيداً ، قيل : «قائمان» لا «قائم» : لأنه خبر عن «زيد وعمرو» وإن قدر مبتدأ فالوجهان ، والمختار الإفراد ، وعلى هذا فإذا قيل : «إنّ زيداً وعمراً» فإن قيل : «كليهما» قيل : «قائمان» أو «كلاهما» فالوجهان. ويتعين مراعاة اللفظ في نحو : «كلاهما محب لصاحبه» ؛ لأن معناه : «كلّ منهما» ، وقول عبدالله بن جعفر :
١٧٩ ـ كلانا غنيٌ عن أخيهِ حياتَهُ |
|
ونحنُ إذا متنا أشدُّ تَغانيا (٢) |
(كم)
على وجهين : خبريّة بمعنى «كثير» كقول الكميت في الإمام علي (عليه السلام) :
١٨٠ ـ كم له ثُم كم له من قتيل |
|
وصَريح تحت السَنابك دامي (٣) |
واستفهامية بمعنى «أيّ عدد» كقولك : «كم مالك؟».
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٥٢.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٥٥.
٣ ـ شرح الهاشميات : ٣٠.
ويشتركان في خمسة اُمور : الاسمية ، والإبهام ، والافتقار إلى التمييز ، والبناء ولزوم التصدير ، وأما قول بعضهم في (ألَمْ يَرَواكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ القُرُونِ أنَّهُمْ إلَيْهِم لا يَرجِعُونَ) (يس/٣١) : اُبدلت «أنَّ» وصلتها من «كم» فمردود بأن عامل البدل هو عامل المبدل منه؛ فإن قدّر عامل المبدل منه «يروا» فـ «كم» لها الصدرُ فلايعمل فيها ما قبلها ، وإن قدّره «أهلكنا» فلا تسلط له في المعنى على البدل ، والصواب : أن «كم» مفعول لـ «أهلكنا» والجملة إما معمولة لـ «يروا» على أنه عُلِّق عن العمل في اللفظ ، و «أنَّ» وصلتها مفعول لأجله ، وإما معترضة بين «يروا» وما سدَّ مسدَّ مفعوليه وهو «أنّ» وصلتها.
ويفترقان في خمسة اُمور :
أحدها : أن الكلام مع الخبرية محتمل للتصديق والتكذيب ، بخلافه مع الاستفهامية.
الثاني : أن المتكلم بالخبرية لا يستدعي من مخاطبه جواباً؛ لأنه مخبر ، والمتكلم بالاستفهامية يستدعيه؛ لأنه مستخبر.
الثالث : أن الاسم المبدل من الخبرية لا يقترن بالهمزة ، بخلاف المُبدل من الاستفهامية ، يقال في الخبرية : «كم عبيد لي خمسون بل ستون» وفي الاستفهامية : «كم مالك أعشرون أم ثلاثون؟».
الرابع : أن تمييز «كم» الخبرية مفرد أو مجموع ، تقول : «كم عبد ملكت وكم عبيد ملكت» وقال الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «يا إلهي فلك الحمد فكم من عائبَة ستَرتَها عليّ فلم تفضحني» (١) و «فَكم قد رأيت يا إلهي مِن اُناس طلبوا
__________________
١ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء السادس عشر : ١١٥.
العِزّ بغيرك فذلّوا وراموا الثَرْوَةَ مِنْ سِواك فافْتَقَروا» (١).
ولايكون تمييز الاستفهامية إلاّ مفرداً ، خلافاً للكوفيين.
الخامس : أن تمييز الخبرية واجب الخفض ، وتمييز الاستفهامية منصوب ، ولايجوز جره مطلقاً خلافاً للفراء والزجاج وابن السراج ، وآخرين بل يشترط أن تجر «كم» بحرف جر؛ فحينئذ يجوز في التمييز وجهان : النصب وهو الكثير ، والجر خلافاً لبعضهم ، وهو بـ «من» مضمرة وجوباً ، لا بالإضافة خلافاً للزجاج.
وتلخص أنّ في جر تمييزها أقوالاً : الجواز ، والمنع ، والتفصيل فإن جُرَّتْ هي بحرف جرّ نحو : «بكم درهم اشتريت؟» جاز ، وإلاّ فلا.
وزعم قوم أن لغة تميم جواز نصب تمييز «كم» الخبرية إذا كان مفرداً.
(كي)
كي على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون اسماً مختصراً من «كيف» كقوله (٢) :
١٨١ ـ كي تَجنَحُونَ إلى سِلْم وما ثُئرَتْ |
|
قَتلاكُمْ ، ولَظَى الهيجاء تَضطَرِمُ؟ |
أراد «كيف» فحذف الفاء.
الثاني : أن تكون بمنزلة لام التعليل معنىً وعملاً ، وهي الداخلة على «ما» الاستفهامية في قولهم في السؤال عن العلة : «كيمه؟» بمعنى «لمه». وعلى «ما»
__________________
١ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء الثامن والعشرون : ١٩٣.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٥٠٧ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/١٥٢. لم يسمّ قائله.
المصدرية في قوله (١) :
١٨٢ ـ إذا أنت لم تنفع فضُرّ فإنّما |
|
يُرجّى الفتى كيما يضرُّ وينفع |
وقيل : «ما» كافة. وعلى «أن» المصدرية مضمرة ، نحو : «جئتُك كي تُكرمني» إذا قدّرت النَّصب بـ «أنْ».
الثالث : أن تكون بمنزلة «أن» المصدرية معنىً وعملاً وذلك في نحو : (لكَيلا تأسَوْا) (الحديد/٢٣). ويؤيده صحةُ حلول «أنْ» محلها ، ولأنها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل. ومن ذلك : «جئتك كي تُكرمني» وقوله تعالى : (كَيْلا يَكُونَ دُولَةً) (الحَشر /٧) ، إذا قدّرت اللام قبلها ، فإن لم تقدر فهي تعليلية جارة ، ويجب حينئذ إضمار «أن» بعدها.
وعن الأخفش : أن «كي» جارة دائماً ، وأن النصب بعدها بـ «أنْ» ظاهرة أو مضمرة ، ويرده نحو : (لِكَيْلا تأسَوْا) (الحديد /٢٣).
وعن الكوفيين : أنها ناصبة دائماً ، ويرده قولهم : «كيمه» كما يقولون : «لمه».
تنبيه
إذا قيل : «جئت لتكرمني» بالنصب ، فالنصب بـ «أنْ» مضمرة ، وجوز أبوسعيد كون المضمر «كي» والأول أولى؛ لأنَّ «أنْ» أمكنُ في عمل النصب
__________________
١ ـ قال السيوطي : «قيل : هو للنابغة الذبياني. وقيل : للنابغة الجعدي». شرح شواهد المغني : ١/٥٠٧.
وقال البغدادي : «قال العيني البيت للنابغة الذبياني ، وقيل : الجعدي ، والأصح أنّ قائله قيس بن الخطيم ، ذكره البحتري في حماسته انتهى. وأنشده الإمام الباقلاني في كتاب إعجاز القرآن بنصب «يضر وينفع» ونسبه إلى قيس بن الخطيم ، وقد فتّشته في ديوانه ، وفي ديوان النابغة الذبياني ، قلم أجده فيهما». شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/ ١٥٣.
من غيرها ؛ فهي أقوى على التجوز فيها بأن تعمل مضمرة.
(كيف)
ويقال فيها : «كي» كما مرّوهو اسم؛ لدخول الجار عليه بلاتأويل في قولهم : «على كيفَ تبيعُ؟» ولإبدال الاسم الصريح منه ، نحو : «كيفَ أنتَ؟ أصحيحٌ أم سقيم؟» وللإخبار به مع مباشرته الفعلَ في نحو : «كيف كنت؟» فبالإخبار به انتفتِ الحرفية ، وبمباشرة الفعل انتفت الفعلية.
وتستعمل على وجهين :
أحدهما : أن تكون شرطاً؛ فتقتضي فعلين متفقي اللّفظ والمعنى غير مجزومين ، نحو : «كيف تصنع أصنع» ولا يجوز «كيف تجلس أذهب» باتفاق ، ولا «كيف تجلسْ أجلسْ» بالجزم عندالبصريين إلاّ قُطرُباً؛ لمخالفتها لأدوات الشرط بوجوب موافقة جوابها لشرطها كما مرّ.
وقيل : يجوز مطلقاً ، وإليه ذهب قطرب والكوفيون.
وقيل : يجوز بشرط اقترانها بـ «ما». قالوا : ومن ورودها شرطاً (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاء) (المائدة / ٦٤) ، وجوابها محذوف لدلالة ما قبلها ، وهذا يُشكل على إطلاقهم أن جوابها يجب مماثلته لشرطها.
الثاني : ـ وهو الغالب فيها ـ أن تكون استفهاماً ، إما حقيقياً ، نحو : «كيف زيد؟» أو غيره ، نحو (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله) (البقرة/٢٨) الآية؛ فإنه اُخرج مخرج التعجب.
وتقع خبراً قبل مالا يستغني ، نحو قول الكميت في آل البيت :
١٨٣ ـ فمِن أينَ أو أنّى وكيف ضلالُهم |
|
هُدىً والهوى شتّى بهم مُتَشَعِّب (١) |
وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «كيف يكون حال مَنْ يَفنى ببقائه ويسقَم بصحّته ويُؤتى من مَأمَنه؟» (٢) ومنه : «كيف ظننت زيداً؟» و : كيفَ أعلمته فرسك؟» ؛ لأن ثاني مفعولي «ظن» وثالث مفعولات «أعلم» خبران في الأصل ، وحالاً قبل ما يستغني ، نحو : «كيفَ جاء زيدٌ؟» أي : على أيّ حالة جاء زيد؟ ، والصواب : أنها تأتي في هذا النوع مفعولاً مطلقاً أيضاً ، وأن منه (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) (الفيل / ١) ؛ إذ المعنى : أيّ فعل فَعَلَ ربك؟ ولايتجه(٣١٢) فيه أن يكون حالاً من الفاعل.
وعن سيبويه : أن «كيف» ظرف ، وعن السيرافي والأخفش : أنها اسمٌ غير ظرف ، وهو حسن ، ويؤيده الإجماع على أنه يقال في البدل : «كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم؟» بالرفع ، ولا يبدل المرفوع من المنصوب.
تنبيه
قوله تعالى : (أفَلا يَنْظُرُونَ إلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية / ١٧) ، لاتكون «كيف» بدلاً من «الإبل» ، لأن دخول الجار على «كيف» شاذ ، على أنه لم يسمع في «إلى» ، بل في «على» ولأن «إلى» متعلقة بما قبلها؛ فيلزم أن يعمل في الاستفهام فعل متقدم عليه ، ولأن الجملة التي بعدها تصير حينئذ غير مرتبطة ، وإنما
__________________
١ ـ شرح الهاشميات : ٤٦.
٢ ـ وقبله : كيف تَجدك يا أميرالمؤمنين؟ فقال عليه السلام : كيف ... نهج البلاغة : ١١١/١١٤٠.
٣ ـ الظاهر أن وجهه ما قاله الشمني من «أن في ذلك وصفه تعالى بالكيفية وهو ممتنع».
وهذا مخالف لقول ابن هشام في الباب الرابع : من أن «رحيماً» حال من «رحماناً» في «تبارك رحماناً رحيماً». راجع المنصف : ٢/٧٢ والمغني ، الباب الرابع ، ما افترق فيه الحال والتمييز وما اجتمعا.
هي منصوبة بما بعدها على الحال ، وفعل النظر مُعلّق ، وهي وما بعدها بدل من «الإبل» بدل اشتمال ، والمعنى «إلى الإبل كيفيّةِ خلقها» ومثله : (ألَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيفَ مَدَّ الظِّلَّ) (الفرقان / ٤٥) ، ومثلها في إبدال جملة فيها «كيف» من اسم مفرد قوله (١) :
١٨٤ ـ إلى الله أشكو بالمدينة حاجةً |
|
وبالشّام اُخرى كيفَ يلتقيان |
أي : أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما.
__________________
١ ـ قال السيوطي : «قال العيني في الكبرى : قيل : إنه للفرزدق. قلت : وجدت البيت في نوادر ابن الأعرابي». شرح شواهد المغني : ٢/٥٥٧.
حرف اللام
اللام المفردة : ثلاثة أقسام : عاملة للجر ، وعاملة للجزم ، وغير عاملة ، وليس في القسمة أن تكون عاملة للنصب ، خلافاً للكوفيين ، وسيأتي.
فالعاملة للجر مكسورة مع كل ظاهر ، نحو : «لزيد» إلا مع المستغاث المباشر لـ «يا» فمفتوحة ، نحو : «يا لله» وأما قراءة بعضهم : (الْحَمْدُ لله) (فاتحة الكتاب / ٢) ، بضمها فهو عارض للإتباع ، ومفتوحة مع كل مضمر ، نحو : «لنا ، ولكم ، ولهم» إلا مع ياء المتكلم فمكسورة.
واذا قيل : «يا لك ، ويا لي» احتمل كل منهما أن يكون مستغاثاً به وأن يكون مستغاثاً من أجله.
وللام الجارة اثنان وعشرون معنى :
أحدها : الاستحقاق ، وهي الواقعة بين معنىً وذات ، نحو قوله تعالى : (الحَمْدُ لله) (فاتحة الكتاب / ٢) وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «الويل لظالمي أهل بيتي» (١) ،
__________________
١ ـ مناقب ابن مغازلي : ٦٦.
ومنه : «وللكافرين النار» أي : عذابها.
الثاني : الاختصاص ، نحو قوله تعالى (إنّ لَهُ أباً) (يوسف / ٧٨) وقولك : «المنبر للخطيب» وقول الفضل بن عباس :
١٨٥ ـ فسوف يرى أعداؤُنا حين تلتقي |
|
لأيّ الفريقين النبي المطهّر (١) |
الثالث : الملك نحو : (له ما في السموات وما في الأرض) (البقرة / ٢٥٥).
وبعضهم يستغني بذكر الاختصاص عن ذكر المعنيين الآخرين ، ويمثل له بالأمثلة المذكورة ونحوها ، ويرجخه أن فيه تقليلاً للاشتراك ، وأنّه إذا قيل : «هذا المال لويد والمسجد» لزم القول بأنها للاختصاص مع كون «زيد» قابلاً للملك؛ لئلا يلزم استعمال المشترك في معييه دفعةً ، وأكثرهم يمنعه.
الرابع : التمليك ، نحو «وهبت لزيد ديناراً».
الخامس : شبه التمليك. نحو : (َمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) (النحل /٧٢).
السادس : التعليل ، كقول النبي صلي الله عليه وآله : «وأحبّوا أهل بيتي لحُبّي» (٢) وقول أبي طالب خطاباً إلى أمير المؤمنين عليه السلام :
١٨٦ ـ قد بذلناك والبلاء شديد |
|
لفداء الحبيب وابن الحبيب |
وقوله تعالى : (لا يلافِ قُرَيْشِ) (قريش /١) وتعلقها ب (فليعبدوا) (قريش/٣) ، وقيل : بما قبله ، أي : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأكُولٍ لا يلافِ قَرَيشٍ) (الفيل /٥ وقريش /١) ورجّع بأنهما في مصحف اُبيّ سورة واحدةٌ ، وضعّف بأنّ جعلهم
__________________
١ ـ أدب الطف : ١/١٢٦.
٢ ـ مناقب ابن مغازلي : ١٣٧.
٣ ـ أعيان الشيعة : ١/٣٧٣.
كعصفٍ إنّما كان لكفرهم وجرأتهم على البيت ، وقيل : متعلقة بمحذوف ، تقديره : إعجبوا.
ومنها : اللام الثانية في نحو : «يا لويدٍ لعمروٍ» وتعلّقها بمحذوف ، وهو فعلٌ من جملة مستقلة ، أي : أدعوك لعمرو ، أو اسمٌ هو حال من المنادى ، أي : مدعوّاً لعمرو ، قولان.
ومنها : اللام الداخلة لفظاً على المضارع في نحو قوله تعالى : (وأنْزلنا إلَيكَ الذَّكرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ) (النحل / ٤٤) وقول الإمام علي بن الحسين عليه السلام : «ثم أمرنا ليختبر طاعتنا ونهانا ليبتلي شكرنا» (١)
وانتصاب الفعل بعدها بـ «أنْ» مضمرةً بعينها وفاقاً للجمهور ، لا بـ «أنْ» مضمرة أو بـ «كي» المصدرية مضمرة خلافاً للسيرا في وابن كيسان ، ولا باللام مطريق الأصالة خلافاً لاكثر الكوفيين ، ولا بها لنيابتها عن «أن»خلافاً لثعلب ، ولك إظهار «أن» فتقول : «جئتك لأن تكرمني» بل قد يجب , وذلك إذا اقترن الفعل بـ «لا» نحو : (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ) (البقرة/١٥٠) ، لئلا يحصل الثقل بالتقاء المثلين.
السابع : توشيد النفي ، وثي الداخلة في اللفظ على الفعل مسبوقة بـ «ما كان» أو بـ «لم يكن» ناقصتين مسندتين لما اُسند إليه الفعل المقرون باللام ، نحو قول أمير المؤمنين عليه السلام : «ما كان الله سبحانه ليفتح على أحد باب الشكر ويعلق عنه باب المزيد» (٢) وقوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِر لَهُم) (النساء/١٣٨) ، ويسميها أكثرهم : لام الجحود؛ لملازمتها للجحد أي : النفي قال النحاس : والصواب :
__________________
١ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الأوّل : ٣٧.
٢ ـ غرر الحكم : ٧٤٦.
تسميتها لا مالنفي لأن الجحد في اللغة إنكار ما تعرفه ، لا ممطلق إلانكار ، انتهى.
ووجه التوكيد فيها عند الكوفيين : أن أصل «ما كان ليفعل» : ما كان يفعل ، ثم اُدخلت اللام زيادة لتقوية النفي ، كما ادخلت الباء في «مازيد بقائم» لذلك ، فعندهم أنها حرف زائد مؤكد غير جارّ ، ولكنه ناص ، ولو كان جاراً لم يتعلق عندهم بشيء ؛ لزيادته ، فشيف به وهو غير جار؟ ووجهه عند البصريين : أن الأصل : ما كان قاصداً للفعل ، ونفي القصد أبلغ من نفيه ، وعلى هذا فهي عندهم حرف جر معدّ متعلق بخبر «كان» المحذوف ، والنصب بـ «أن» مضمرةً وجوباً.
وقد تحذف«كان» قبل لام الجحود كقول عمرو بن معد يكَرِب :
فما جمع ليغلب جمع قومي |
|
مقاومةً ولا فردٌ لفردِ (١) |
أي : فما كان جمع.
الثامن : موافقة «إلى» ، نحو قوله تعالى(كُلٌّ يجري لأجل مسمّى) (الرعد /٢) وقولالامام أميرالمومنين عليه السلام «أيها الناس إنه من استيصح الله وفّق ومن اتخذ قوله دليلاً هدي للّتي هي أقوم (٢)
التاسع : موافقة «على» في الاستعلاء الحقيقي : نحو : (دَعانا لِجَنْبِهِ) (يونس /١٢) ، والمجازي ، نحو : (وإن أسأتم فلها) (الإسراء ٧) ، قال النحاس ولا نعرف في العربية «لهم» بمعنى «عليهم».
العاشر : موافقة «في» ، نحو : (وَنَضَعُ المَوازينَ الْقِسطَ لِيَوْمِ القِيامَة) (الأنبياء/٤٧) وقولهم : «مضى لسبيله».
__________________
١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/٢٨٤.
٢ ـ نهج البلاغة : ط ١٤٧/٤٥٠.
الحادي عشر : أن تكون بمعنى «عند» كقولهم : «كتبته لخمس خَلوْنَ».
الثاني عشر : موافقة «بعد» نحو : (أقِمِ الصّلاة لِدُلُوكِ الشَّمسِ) (الاسراء/٧٨) ، وفي الحديث النّبوي : «صُومُوا لرُؤيته ، وافطرُوا لرُؤيته» (١) وقال متمم بن نويرة :
١٨٨ ـ فلمّا تَفَرّقْنا كأنّي وما لكاً |
|
لِطُول اجتماع لم نَبِتْ ليلة معا(٢) |
الثالث عشر : موافقة «من» نحو : «سمعت له صراخاً ، وقول ابي الأسود الدؤلي :
١٨٩ ـ وعجبت للدنيا ورغبة أهلها |
|
والرزق فيما بينهم مقسوم (٣) |
الخامس عشر : التبليغ ، وهي الجارة لاسم السامع لعول أو ما في معناه ، نحو : «قلت له ، وأذنت له ، وفسّرتُ له». وقول حسان :
١٩٠ ـ فقال له : قم يا علي عليه السلام فأنّني |
|
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً (٤) |
السادس عشر : موافقة «عن» ، نحو قوله تعالى : (وقال الّذينَ كّفّرُوا لَلّذينَ آمنوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقونا إلَيْهِ) (الأحقاف/١١) قاله ابن الحاجب ، وقال ابن مالك وغيره : هي لام التعليل ، وقيل : لام التبليغ والتفت عن الخطاب إلى الغيبة ، أو يكون اسم المقول عنهم محذوفاً ، أي : قالوا لطائفة من المؤمنين لما سمعوا بإسلام
__________________
١ ـ سنن الدار قطني : ٢/١٥٨ و ١٦٠.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٦٥.
٣ ـ أدب الطف : ١/١٠٤.
٤ ـ الإرشاد : ٩٤.
طائفه اُخرى.
وحيث دخلت اللام على غير المقول له فالتأويل على بعض ما ذكرناه ، نحو (قالَتْ اُخراهُمْ لاُولاهُمْ رَبّنا هُؤلاء أضَلوّنا) (الأعراف /٣٨) ، وقول أبي الأسود الدؤلي :
١٩١ ـ كضرائرالحسناء قلن لوجهها |
|
حسداً وبَغياً : إنّهُ لَذَميم (١) |
السابع عشر : الصيرورة ، وتسمى لام العاقبة ولام المآل ، نحو قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) (القصص /٨) ، وقول أميرالؤمنين عليه السلام : «إن لله مَلَكاً يُنادي في كل يوم : لِدوا للموت ، ولجنعوا للفناء وابْنوا لِلخراب»(٢).
وأنكرها البصريون ومن تابعهم ، قال الومخشري : والتحقيق أنها لام العلة وأن التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة ، وبيانه : أنّه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدواً وحزنا ، بل المحبة والتبنّي ، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته ، شبّه بالداقي الذي يفعل الفعل لأجله ؛ فاللام مستعارة لما يشبه التعليل كما استعير الأسد لمن يشبه الأسد.
الثامن عشر : القسم والتعجب معاً ، وتختص باسم الله تعالى كقول ساعدة بن جؤية :
١٩٢ ـ لله يبقى قلى الأيّام ذو حِيَدٍ |
|
أدْفى صَلُودٌ من الأو عال ذو خدم (٣) |
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٧٠.
٢ ـ نهج البلاغة : ح ١٢٧ /١١٥٠.
٣ ـ روي : تالله يبقى على حذف «لا» أي : لايبقى وروي لله. شرح شواهد المغني : ١/١٥٦ ، ٢/٥٧٣.
التاسع عشر : التعجب المجرد عن القسم ، وتستعمل في النداء كقولهم : «يا للماء» إذا تعجبوا من كثرته ، وقولهم : «يا لك رجلاً قالماً» وفي غيره كقولهم : «لله درُّه فارساً» وقول الأعشى :
١٩٣ ـ شبابٌ وشَيبٌ ، وافتقارٌ وثروةٌ |
|
فلِله هذا الدّهرُ كيفَ تَردّدا (١) |
المتمم عشرين : التعدية ، ذكره الن مالك في الكافية ، وثل له في شرحها بقوله تعالى ، (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا) (مريم /٥) ، وفي الخلاصة ، ومثّل له ابنه بالآية وبقولك : «قلت له افعلْ كذا» ولم يذكره في التسهيل ولا في شرحه ، بل في شرحه : أن اللام في الآية لشبه التمليك ، وأنها في المثال للتبليغ ، والأولى أن يمثل للتعدية بنحو قول أميرالمؤمنين عليه السلام : «ما أفسد الأمل للعمل»(٢).
الحادي والعشرون : التوكيد ، وهي اللام الوائدة ، وهي أنواع :
منها : اللام المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله كقول ابن ميّادى :
١٩٤ ـ وملكت ما بين العراق ويثرب |
|
ملكاً أجارَ لمسلم ومعاهد (٣) |
وليس منه : (ردف لَكُمْ) (النمل /٧٢) ، خلافاً للمبرد ومن وافقه ، بل ضمن «ردف» معنى «إقترب» فهو مثل (اقْتَرَبَ لِلّناسِ حِسابُهُم) (الأنبياء /١).
ومنها : اللام المسماة بالمُقحمة ، وهي المعترضة بين المتضايفين ، وذلك في قولهم : «يا بُؤسَ للحرب» والأصلُ : يا بؤس الحرب ، فاُقحمت تقوية للاختصاص ، قال سعد بن مالك :
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٧٥.
٢ ـ غرر الحكم : ٢/٧٣٨.
٣ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٨٠.
١٩٥ ـ يا بُؤسَ للحرب التي |
|
وضقت أراهط فاستراحوا (١) |
وهل انجرار ما بعدها بها أو بالمضاف؟ قولان ، أرجحهما الأول؛ لأن اللام أقرب ، ولأن الجار لايعلق.
ومنها : اللام المسماة لام التقوية ، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعف ، إما بتأخره نحو : (إن كُنتُمْ لِلرُّؤيا تَعْبُرُونَ) (يوسف/٤٣) ، أو بكونه فرعاً في العمل ، نحو : (مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ) (البقرة/٩١) و «ضربي لزيدٍ حسن».
وقد اجتمع التأخر والفرعية في قول أبي الشعثاء :
١٩٦ ـ يا ربّإنّي للحسين عليه السلام ناصر |
|
ولابن سعد تارك وهاجر (٢) |
ومنها : لام المستغاث عند المبرد ، واختاره ابن خروف؛ بدليل صحة إسقاطها ، وقال جماقة : غير زائدة ، ثم اختلفوا ؛ فقال ابن جني : متعلقة بحرف النداء ؛ لما فيه من معنى الفعل ، وردّ بأن معنى الحرف لا يعمل في المجرور ، وفيه نظر ؛ لأنه قد عمل في الحال في نحو قول امرئ القيس :
١٩٧ ـ كأنّ قلوبَ الطّير رطباً ويابِساً |
|
لَدى وَكْرِها العُنّابُ والحشَفُ البالي (٣) |
وقال الأكثرون : متعلقة بفعل النداء المحذوف ، واختاره ابن الضائع وابن عصفور ، ونسباه لسيبويه ، واعترض بأنه متعهد بنفسه ، فأجاب ابن أبي الربيع بأنه ضمن معنى الالتجاء في نحو : «يالزيد» والتعجب في نحو : «يا للدواهي».
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٨٢.
٢ ـ أعيان الشيعة : ١/٦٠٣.
٣ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٩٥.