مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

فكيف تحدثنا وإن لم تكن «كيف» مذكورة ، انتهى. وهذا يقتضي أن «كما» ليست محذوفة ، بل أن المعنى يعطيها ، فهو تفسير معنى لا تفسير إعراب.

تنبيه

قيل : الفاء تكون للاستئناف كقول جميل بن عبدالله :

١٤٨ ـ ألم تَسأل الرَّبعَ القَواء فَينْطِقُ

وَهل تُخبرنْكَ اليوم بَيْداء سَمْلَقُ (١)

أي : فهو ينطق. لأنها لو كانت للعطف لجزم ما بعدها ، ولو كانت للسببية لنصب ، ومثله : (فَإنّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (البقرة /١١٧) بالرفع ، أي : فهو يكون حينئذ.

والتحقيق : أن الفاء في نحوهما للعطف ، وأن المعتمد بالعطف الجملة ، لا الفعل ، وإنّما يقدر النحويون كلمة «هو» ليبينوا أن الفعل ليس المعتمد بالعطف.

(في)

حرف جر له عشرة معان :

أحدها : الظرفية ، وهي إمّا مكانية كقول حسان في رثاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

١٤٩ ـ أاُقيم بعدك في المدينة بينهم

يا لهفَ نفسي ليتني لم اُولَدِ (٢)

أو زمانية كقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «المهدي منّا أهل البيت يصلح الله له

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/ ٤٧٤.

٢ ـ ديوان حسان بن ثابت : ٢٠٨.

١٤١

أمره في ليلة» (١) وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (الم غُلبَت الروم في أدنَى الأرضِ وَهُم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهم سَيَغْلِبُونَ في بِضعِ سِنين) (الروم /١ ـ ٤) أو مجازية ، نحو قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي القِصاصِ حياة) (البقرة /١٧٩) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين» (٢).

الثاني : المصاحبة ، نحو : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ) (القصص /٧٩).

الثالث : التعليل ، نحو : (فَذلِكُنَّ الّذي لُمْتُنَّني فِيهِ) (يوسف /٣٢) وفي الحديث النبويّ : «إنّ امرأة دخلتِ النّارَ في هِرّة رَبَطَتْها» (٣).

الرابع : الاستعلاء ، نحو : (وَلاُصَلّبَنّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْل) (طه /٧١).

الخامس : مرادفة الباء كقول زيد الخيل :

١٥٠ ـ ويركبُ يومَ الرَّوع منّا فَوارس

بَصيرونَ في طعنِ الأباهِرِ والكُلى (٤)

السادس : مرادفة «إلى» ، نحو : (فَرَدُّوا أيْدِيَهمْ في أفواهِهِم) (إبراهيم /٩).

السابع : مرادفة «من» ومثّل له بعضهم بقوله تعالى : (وَيَومَ نَبْعَثُ في كلَّ اُمّة شَهيداً) (النحل / ٨٩). واستدل (٥) عليه بقوله تعالى : (وَيَومَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ اُمّة شَهيداً) (النحل / ٨٤).

الثامن : المقايسة ـ وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق ـ ، نحو : (فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا في الآخِرَةِ إلاّ قَليلٌ) (التوبة / ٣٨).

__________________

١ ـ كما الدين وتمام النعمة : ١٥٢.

٢ ـ نهج البلاغة : ط ٥١/١٣٨.

٣ ـ مسند أحمد : ٢/٥٠٧.

٤ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٨٤.

٥ ـ الإتقان في علوم القرآن : ٢/٢٥٠.

١٤٢

التاسع : التعويض ، وهي الزائدة عوضاً من اُخرى محذوفة كقولك : «ضربت فيمن رغبتَ» أصله : ضربت من رغبت فيه ، أجازه ابن مالك وحده بالقياس على نحو قوله (١) :

١٥١ ـ ولايؤاتيك فيمانابَ من حَدث

إلا أخُوثِقَة فانظُر بمن تثقُ

على حمله على ظاهره وفيه نظر.

العاشر : التوكيد وهي الزائدة لغير التعويض ، أجازه الفارسي في الضرورة وأنشد :

١٥٢ ـ أنا أبو سعد إذا اللّيلُ دَجا

يخالُ في سَوادِه يَرَنْدَجا (٢)

وأجازه بعضهم في قوله تعالى : (وقالُوا ارْكبُوا فيها) (هود / ٤١).

__________________

١ ـ تقدم برقم ١٢٩.

٢ ـ حُكي عن الأغاني أن البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري ، لكن أنشد بدل المصراع الثاني مصراعاً ليس فيه شاهد. شرح شواهد المغني : ١/٤٨٦.

١٤٣

حرف القاف

(قد)

على وجهين : حرفية وستأتي ، واسمية ، وهي على وجهين :

اسم فعل وسيأتي ، واسم مرادف لـ «حسبُ» وهذه تستعمل على وجهين : مبنية وهوالغالب لشَبَهها بـ «قد» الحرفية في لفظها ولكثير من الحروف في وضعها ، ويقال في هذا : «قدْ زيد درهمٌ» بالسكون ، و «قدني» بالنون ، حرصاً على بقاء السكون؛ لأنه الأصل فيما يبنون. ومعربة وهو قليل ، يقال : «قدُ زيد درهم» بالرفع ، و «قدي درهمٌ» بغير نون.

والمستعملة اسم فعل ، مرادفة لـ «يكفي» يقال : «قد زيداً درهم ، وقدني درهم» كما يقال : «يكفي زيداً درهم ، ويكفيني درهم».

وأما الحرفية : فمختصة بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس ، وهي معه كالجزء؛ فلا تفصل منه بشيء ، إلا بالقسم

١٤٤

كقوله (١) :

١٥٣ ـ فقدْ والله بيَّنَ لي عنائي

بَوشْكِ فراقهم صُردٌ يصيحُ

وسمع : «قد لعمري بتُّ ساهراً».

ولها ستّة معان :

أحدها : التوقع ، وذلك مع المضارع واضح كقولك : «قد يقدَم الغائبُ اليومَ» إذا كنت تتوقّعُ قدومه.

وأما مع الماضي فأثبته الأكثرون. قال الخليل : يقال : «قد فعل» لقوم ينتظرون الخبر ، ومنه قول المؤذن : «قد قامت الصلاة» ؛ لأن الجماعة منتظرون لذلك.

وأنكر بعضهم كونها للتوقع مع الماضي ، وقال : التوقع انتظار الوقوع ، والماضي قد وقع.

وقد تبين بما ذكرنا أن مراد المثبتين لذلك أنها تدلُّ على أن الفعل الماضي كان قبل الإخبار به مُتوقَّعاً ، لا أنه الآن متوقع ، والظاهر أنها لا تفيد التوقع أصلاً ، أما في المضارع فلأن قولك : «يقدَم الغائب» يفيد التوقع بدون «قد» ؛ إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنّه متوقّع له ، وأما في الماضي فلأنه لو صح إثبات التوقع لها لصحّ أن يقال في «لا رجلَ» بالفتح : إنّ «لا» للاستفهام؛ لأنها لا تدخل إلا جواباً لمن قال : «هل من رجل» ونحوه ، فالذي بعد «لا» مستفهم عنه من جهة شخص آخر ، كما أن الماضي بعد «قد» متوقع كذلك ، وعبارة ابن مالك في ذلك حسنة ؛ فإنه قال : إنها تدخل على ماض متوقع ، ولم يقل : إنها تفيد التوقع ، ولم يتعرض

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٨٩ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/٨٩. لم يسم قائله.

١٤٥

للتوقع في الداخلة على المضارع البتة ، وهذا هوالحق.

الثاني : تقريب الماضي من الحال ، تقول : «قام زيد» فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد؛ فإن قلت : «قد قام» اختصّ بالقريب ، وابتنى على إفادتها ذلك أحكام :

منها : أنها لا تدخل على «ليس وعسى ونعم وبئس» ؛ لأنهن لايفدن الزمان ، ولا يتصرفن؛ فأشبهن الاسم.

منها : وجوب دخولها عندالبصريين إلا الأخفش على الماضي الواقع حالاً إما ظاهرة؛ نحو قوله تعالى : (وَما لَنا ألاّ نُقاتِلَ في سَبيلِ الله وَقَدْ اُخرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأبنائنا) (البقرة / ٢٤٦) وقول العباس بن عبدالمطلب :

١٥٤ ـ نصرنا رسول الله في الحرب سبعة

وقد فرّ مَن قد فرّ منهم وأقْشَعُوا (١)

أو مقدّرة ، نحو : (هذه بِضاعَتُنا رُدّتْ إلَيْنا) (يوسف / ٦٥) وخالفهم الكوفيون والأخفش؛ فقالوا : لا يحتاج لذلك؛ لكثرة وقوعها حالاً بدون «قد» والأصل عدم التقدير ، لا سيما فيما كثر استعماله.

منها : دخول لام الابتداء في نحو : «إنّ زيداً لقد قام» وذلك؛ لأن الأصل دخولها على الاسم ، نحو : «إنَّ زيداً لقائم» وإنما دخلت على المضارع لشبهه بالاسم ، نحو : (وَإنَّ رَبّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) (النحل / ١٢٤) فإذا قرُب الماضي من الحال أشبه المضارع الذي هو شبيه بالاسم؛ فجاز دخولها عليه.

المعنى الثالث : التقليل ، وهو ضربان : تقليل وقوع الفعل ، نحو : «قد يصدق الكذوب» ، وتقليل متعلقه ، نحو قوله تعالى : (قَد يَعْلَمُ ما أنتُمْ عَلَيهِ) (النور / ٦٤)

__________________

١ ـ أعيان الشيعة : ١/ ٢٧٩.

١٤٦

أي : ما هم عليه هو أقلُّ معلوماته سبحانه ، وزعم بعضهم أنها في المثالين ونحوهما للتحقيق ، وأن التقليل في المثال الأول لم يستفد من «قد» بل من قولك : «الكذوب يصدق» ، فإنه إن لم يُحمل على أن صدور ذلك منه قليل كان فاسداً؛ إذ آخر الكلام يناقض أوله. ونظيره قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «قد يزهَق الحكيم» (١).

الرابع : التكثير ، قاله سيبويه في قول الهذلي :

١٥٥ ـ قد أتْرُكُ القِرْن مصفرّاً أنا ملُه

كأنَّ أثوابه مُجَّت بِفِرْصاد (٢)

الخامس : التحقيق ، نحو قوله تعالى : (قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها) (الشمس / ٩).

وقول أبي طالب (عليه السلام) في مدح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) :

١٥٦ ـ لقد علِموا أنّ ابْننا لا مُكذّبٌ

لَدَينا ولا يُعنى بقول الأباطلِ (٣)

وقد مضى أنّ بعضهم حمل عليه قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيه) (النور/ ٦٤) وهو الأظهر.

السادس : النفي ، حكى ابن سيدة : «قد كنت في خير فتعرفه» بنصب «تعرف» وهذا غريب ، ومحمله على خلاف ما ذكر ، وهو أن يكون كقولك للكذوب : «هو رجُل صادق» ثم جاء النصب بعدها نظراً إلى المعنى.

__________________

١ ـ غرر الحكم : ٢/٥٢٦.

٢ ـ قال السيوطي : «قال الزمخشري في شرح أبيات سيبويه : هو للهذلي وقيل : لعبيد بن الأبرص». شرح شواهد المغني ١/٤٩٤ ، وقال البغدادي : «ورأيته من قصيدة لعبيد بن الأبرص الأسدي».

شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/١٠٧.

٣ ـ شرح مختارات أشعار العرب : ٩٧.

١٤٧

(قط)

على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون ظرف زمان لاستغراق ما مضى ، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات ، وتختص بالنفي ، كقول الفرزدق في الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) (١) :

١٥٧ ـ ماقال «لا» قطّ إلاّ في تشهّده

لولا التشهد كانت لاؤُه «نعم» (٢)

وبنيت ؛ لتضمنها معنى «مذ وإلى» ؛ إذ المعنى : مذ أن خلق إلى الآن ، وعلى حركة ؛ لئلا يلتقي ساكنان ، وكانت الضمة تشبيهاً بالغايات ، وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين ، وقد تتبع قافه طاءه في الضم ، وقد تخفف طاؤه مع ضمها أو إسكانها.

والثاني : أن تكون بمعنى «حسب» وهذه مفتوحة القاف ساكنة الطاء ، يقال : «قطي ، وقطْك ، وقطْ زيد درهم» كما يقال : «حسبي وحسبك وحسب زيد درهم» ، إلا أنها مبنية؛ لأنها موضوعة على حرفين ، و «حسب» معربة.

والثالث : أن تكون اسم فعل بمعنى «يكفي» فيقال : «قطني» بنون الوقاية كما يقال : «يكفيني».

ويجوز نون الوقاية على الوجه الثاني؛ حفظاً للبناء على السكون ، كما يجوز في «لدنْ ومِنْ وعَنْ» كذلك.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ٢٧ /٩٥.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٥/ ٣١٥.

١٤٨

حرف الكاف

الكاف المفردة : جارة ، وغيرها. والجارة : حرف ، واسم. والحرف له خمسة معان :

أحدها : التشبيه ، كقول الكميت :

١٥٨ ـ لا ابنَ عمٍّ يُرى كهذا ولا عـ

مَّ كهذاك سيّدُ الأعمامِ

والثاني : التعليل ، أثبت ذلك قوم ، ونفاه الأكثرون ، والحق ثبوته كقوله تعالى : (وَيْكَأنّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ) (القصص / ٨٢).

الثالث : الاستعلاء ، ذكره الأخفش والكوفيون ، وأن بعضهم قيل له : «كيف أصبحت؟» فقال : «كخير» أي : على خير. وقيل : هي للتشبيه على حذف مضاف ، أي : كصاحب خير.

وقيل في «كُنْ كما أنت» : إنّ المعنى على ما أنت عليه ، وللنحويين في هذا المثال أعاريب :

__________________

١ ـ شرح الهاشميات : ٢٩. ومراده بـ «ابن عم» جعفر بن أبي طالب وبـ «عمّ» حمزة عليهما السلام.

١٤٩

أحدها : هذا ، وهو أن «ما» موصولة ، و «أنت» مبتدأ حذف خبره.

الثاني : أنها موصولة ، و «أنت» خبرٌ حُذفَ مبتدؤه ، أي : كالذي هو أنت. وقد قيل بذلك في قوله تعالى : (اجعَلْ لَنا إلهاً كَما لهم آلِهَةٌ) (الأعراف / ١٣٨) أي : كالذي هو لهم آلهة.

الثالث : أن «ما» زائدة ملغاة ، و «الكاف» أيضاً جارة ، و «أنت» ضمير مرفوع اُنيب عن المجرور ، كما في قولهم : «ما أنا كأنت» والمعنى : كن فيما يستقبل مماثلاً لنفسك فيما مضى.

الرابع : أن «ما» كافة ، و «أنت» مبتدأ حُذف خبره ، أي : عليه أو كائن.

الخامس : أن «ما» كافة أيضاً ، و «أنت» فاعل ، والأصل : كما كنت ، ثم حُذف «كان» فانفصل الضمير ، وهذا بعيد ، بل الظاهر أن «ما» على هذا التقدير مصدرية.

تنبيه

تقع «كما» بعد الجمل كثيراً صفة في المعنى؛ فتكون نعتاً لمصدر أو حالاً ، ويحتملهما قوله تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السّماء كَطَيّ السّجِلِ لِلكُتُب كَما بَدَأنا أوّلَ خَلْق نُعيدُهُ) (الأنبياء/ ١٠٤) فإن قدّرته نعتاً لمصدر فهو إما معمول لـ «نُعِيدُهُ» أي : نُعيدُ أولَ خلق إعادةً مثل ما بدأناه ، أو لـ «نَطوِي» أي : نفعل هذا الفعل العظيم كفعلنا هذا الفعل ، وإن قدرته حالاً فذو الحال مفعول «نُعِيدُهُ» أي : نعيده مماثلاً للذي بدأنا. وتقع كلمة «كذلك» أيضاً كذلك.

المعنى الرابع : المبادرة ، وذلك إذا اتصلت بـ «ما» في نحو : «سلّم كما تدخل» و «صلِّ كما يدخل الوقت» ذكر جماعة ، وهو غريب جدّاً.

الخامس : التوكيد ، وهي الزائدة ، نحو : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء) (الشورى / ١١)

١٥٠

قال جماعة : التقدير : ليس شيء مثله : إذ لو لم تُقدّر زائدةً صار المعنى : ليس شيء مثل مثله؛ فيلزم المحال ، وهو إثبات المثل ، وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل ؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانياً ، قاله ابن جنّي.

وقيل : الكاف في الآية غير زائدة ، ثم اختلف؛ فقيل : الزائد «مثل» ، والقول بزيادة الحرف أولى من القول بزيادة الاسم ، بل زيادة الاسم لم تثبت.

وقيل : إن الكاف و «مثلاً» لا زائد منهما ، ثم اختلف؛ فقيل : «مثل» بمعنى الذات ، وقيل : بمعنى الصّفة ، وقيل : الكاف اسم مؤكد بـ «مثل».

وأما الكاف الاسمية الجارة : فمرادفة لـ «مثل» ولا تقع كذلك عند سيبويه والمحققين إلاّ في الضرورة.

وقال كثير منهم الأخفش والفارسي : يجوز في الاختيار ، فجوزوا في نحو : «زيد كالأسد» (١) أن تكون الكاف في موضع رفع ، و «الأسد» مخفوضاً بالإضافة.

ويقع مثل هذا في كتب المعربين كثيراً ، قال الزمخشري في (فَأنْفُخُ فِيهِ) (آل عمران / ٤٩) : إن الضمير راجع للكاف من (كَهَيئةِ الطّيْرِ) (آل عمران / ٤٩) أي : فأنفخ في ذلك الشيء المماثل فيصير كسائر الطيور ، انتهى.

ووقع مثل ذلك في كلام غيره ، ولو كان كما زعموا لسمع في الكلام مثل : «مررت بكالأسد».

وأما الكاف غير الجارة : فنوعان :

مضمر منصوب أو مجرور ، نحو : (ما وَدّعَكَ رَبُّك) (الضحى / ٣).

__________________

١ ـ ولعلّ وجهه : أنّ الكاف في نحو هذا المثال يرادف «مثلاً» وهو اسم بلاريب وحيث لايرادف الحرف الاسمَ كما صرّح به ابن هشام في حرف الواو من مغني اللبيب ؛ فالكاف أيضاً اسم.

١٥١

وحرف معنىً لا محل له ومعناه الخطاب ، وهي اللاحقة لاسم الإشارة ، نحو : «ذلك ، وتلك» وللضمير المنفصل المنصوب في قولهم : «إيّاك وإيّاكما» ونحوهما ، ولبعض أسماء الأفعال ، نحو : «حيهلك ، ورُوَ يدَكَ ، والنّجاءك» ، ولـ «أرأيت» بمعنى «أخبرني» ، نحو : (أرَأيْتَكَ هذَا الّذي كَرَّمْتَ عَلَيّ) (الإسراء / ٦٢) فالتاء فاعل والكاف حرف خطاب.

(كأنّ)

كأنّ حرفٌ مركب عند أكثرهم ، قالوا : والأصل في «كأنَّ زيداً أسد» : إنّ زيداً كأسد ، ثم قدم حرف التشبيه اهتماماً به ، ففتحت همزة «إنّ» ؛ لدخول الجار عليه.

والصحيح : أن يُدَّعى أنها بسيطة ، وهو قول بعضهم.

وذكروا لها أربعة معان :

أحدها : ـ وهو الغالب عليها والمتّفق عليه ـ التشبيه كقول أبي الأسود في رثاء أميرالمؤمنين (عليه السلام) :

١٥٩ ـ كأنّ الناس إذ فَقَدوا عليّاً

نعامٌ جال في بلد سنينا (١)

وهذا المعنى أطلقه الجمهور لـ «كأنّ» وزعم جماعة منهم ابن السيد البطليوسيّ أنه لا يكون إلا إذا كان خبرها اسماً جامداً ، نحو : «كأنَّ زيداً أسدٌ» بخلاف «كأنَّ زيداً قائمٌ ، أو في الدار ، أو عندك ، أو يقوم» ، فإنها في ذلك كله للظّنّ.

الثاني : الشك والظن ، وذلك فيما ذكرنا ، وحمل ابن الأنباري عليه : «كأنّكَ

__________________

١ ـ أدب الطف : ١/١٠٥.

١٥٢

بالشتاء مُقبلٌ» أي : أظنه مقبلاً.

الثالث : التحقيق ، ذكره الكوفيون والزجاجي ، وأنشدوا عليه (١) :

١٦٠ ـ فأصبحَ بطن مكَّةَ مُقشعِرّاً

كأنَّ الأرضَ ليس بها هشام

أي : لأنَّ الأرض : إذ لا يكون تشبيهاً؛ لأنّه ليس في الأرض حقيقة.

فإن قيل : فإذا كانت للتحقيق فمن أين جاء معنى التعليل؟

قلنا : من جهة أن كلام معها في المعنى جوابٌ عن سؤال عن العلة مقدر واُجيب باُمور :

أحدها : أن المراد بالظرفية الكونُ في بطنها ، لا الكونُ على ظهرها فالمعنى : أنه كان ينبغي ألاّ يقشعر بطن مكة مع دفن هشام فيه؛ لأنه لها كالغيث

الثاني : أنّه يحتمل أنّ هشاماً قد خلّف من يسدُّ مسدّه ، فكأنه لم يمت.

الثالث : أنّ الكاف للتعليل ، و «أن» للتوكيد؛ فهما كلمتان لا كلمة.

المعنى الرابع : التقريب ، قاله الكوفيون وحملوا عليه : «كأنك بالشتاء مقبل» و «كأنك بالفرج آت» و «كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزلْ».

وقد اختلف في إعراب ذلك؛ فقال الفارسي : الكاف حرف خطاب ، والباء زائدة في اسم «كأنَّ» وقال بعضهم : الكافُ اسم «كأنّ» وفي المثال الأول حذف مضاف ، أي : كأن زمانك مقبل بالشتاء ، ولا حذف في «كأنك بالدنيا لم تكن» بل الجملة الفعلية خبر ، والباء بمعنى «في» وهي متعلقة بـ «تكن» وفاعل «تكن» ضمير المخاطب ، وقال ابن عصفور : الكاف في «كأنك» زائدة كافة لـ «كأن»

__________________

١ ـ قال البغدادي «البيت من شهر للحارث بن اُميّة الصغرى بدون فاء رثى بها هشام بن المغيرة» شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/١٧٠.

١٥٣

عن العمل ، والباء زائدة في المبتدأ.

(كَأيِّن)

اسم مركب من كاف التشبيه و «أيّ» المنونة؛ ولذلك جاز الوقف عليها بالنون؛ لأن التنوين لما دخل في التركيب أشبه النون الأصلية؛ ولهذا رسم في المصحف نوناً ، ومن وقف عليها بحذفه اعتبر حكمه في الأصل وهو الحذف في الوقف.

وتوافق «كأيِّنْ» «كم» (١) في خمسة اُمور : الإبهام ، والافتقار إلى التمييز ، والبناء ، ولزوم التصدير ، وإفادة التكثير تارةً وهو الغالب ، نحو قوله تعالى : (وَكَأيِّنْ مِنْ نَبي قاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّون كَثيرٌ) (آل عمران / ١٤٦) وقول عمرو بن معديكَرِب :

١٦١ ـ وكائنْ كان قبلك مِن نعيم

ومُلك ثابت في الناس راسي (٢)

والاستفهام اُخرى ، وهو نادر ولم يثبته إلاّ ابن قتيبة وابن عصفور وابن مالك ، واستدل عليه بقول اُبي بن كعب لابن مسعود : «كأيِّنْ تقرأ سُورةَ الأحزاب آيةً؟» فقال : ثلاثاً وسبعين.

__________________

١ ـ اعلم : أنّ ابن هشام قدّم بحث «كم» على هذا البحث ولهذا قال : توافق «كأين» «كم» في خمسة اُمور وتخالفها في خمسة اُمور ونحن عكسنا البحث ؛ لأجل الترتيب وهذا يقتضي أولوية إرجاع الاشتراكات والافتراقات إلى بحث «كم» ولكن هذا مخالف للأصل الذي هو أساس هذا المختصر وهو عدم تغيير العبارة إلا لنكتة معتدّ بها أو لأجل التلخيص ، مع أن أحكام «كم» مشهورة فحينئذ لايحتاج إلى التغيير.

٢ ـ السيرة النبوية ١/٤٢ وخطابه إلى قيس بن مَكشوح.

١٥٤

وتخالفها في خمسة اُمور :

أحدها : أنها مركبة ، و «كم» بسيطة على الصحيح ، خلافاً لمن زعم أنها مركبة من الكاف و «ما» الاستفهامية ، ثم حذفت ألفها؛ لدخول الجار وسكنت ميمها؛ للتخفيف؛ لثقل الكلمة بالتركيب.

الثاني : أن مميزها مجرور بـ «من» غالباً ، نحو (كَأيِّنْ مِنْ آية) (يوسف / ١٠٥).

وقد ينصب ، نحو قوله (١) :

١٦٢ ـ اطْرُد اليأس بالرّجا فكأيِّنْ

آلماً حُمَّ يُسرُهُ بعد عُسر

الثالث : أنها لا تقع استفهاميةً عندالجمهور ، وقد مضى.

الرابع : أنها لا تقع مجرورة ، خلافاً لابن قتيبة وابن عصفور ، أجازا «بكأيِّنْ تبيع هذا الثوب؟».

الخامس : أن خبرها لا يقع مفرداً.

(كذا)

ترد على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون كلمتين باقيتين على أصلهما ، وهما كاف التشبيه و «ذا» الإشارية (٢) كقولك : «رأيتُ زيداً فاضلاً ورأيْتُ عمراً كذا» ، وتدخل عليها «ها» التنبيه ، كقوله تعالى : (أهكَذا عَرْشُك) (النمل /٤٢).

__________________

١ ـ لم يسمّ قائله. شرح شواهد المغني : ٢/٥١٣.

٢ ـ لا يخفى عليك أن ذكر هذا القسم استطراد ؛ لأن الكلام في البسائط والمفردات كما مرّ في أوّل الباب فالأولى عدم جعله قسماً من أقسام «كذا».

١٥٥

الثاني : أن تكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنياً بها عن غير عدد كقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «فَيقال : عَمِلتَ يوم كذا وكذا ، كذا وكذا. وعَمِلتَ يوم كذا وكذا ، كذا وكذا» (١).

الثالث : أن تكون كلمة واحدة مركبة مكنياً بها عن العدد ، فتوافق «كأيِّنْ» في أربعة اُمور : التركيب ، والبناء ، والإبهام ، والافتقار إلى التمييز.

وتخالفها في ثلاثة اُمور :

أحدها : أنها ليس لها الصّدر ، تقول : «قبضت كذا وكذا درهماً».

الثاني : أن تمييزها واجب النصب؛ فلا يجوز جره بـ «من» اتفاقاً ، ولا بالإضافة خلافاً للكوفيين ، أجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال : «كذا ثوب وكذا أثواب».

الثالث : أنها لا تستعمل غالباً إلاّ معطوفاً عليها ، كقوله (٢) :

١٦٣ ـ عدِ النفس نُعمى بعدبؤساك ذاكرا

كذا وكذا لُطفاً بِه نُسي الجُهدُ

(كلّ)

كلّ اسم موضوع لاستغراق أفرادالمنكّر ، نحو : (كُلُّ نفس ذائقَةُ المُوتِ) (آل عمران / ١٨٥) والمعرف المجموع ، نحو قوله تعالى : (وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَرْداً) (مريم / ٩٥) وقول الكميت :

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ١/١٧٧.

٢ ـ لم يسمّ قائله. شرح شواهد المغني : ٢/٥١٤.

١٥٦

١٦٤ ـ وقَدْ دَرَسُوا القرآنَ وَافْتَلَجُوا بِهِ

فكُلُّهُم راض بِهِ مُتَحَزّبُ (١)

وأجزاء المفردالمعرف ، نحو : «كُلُّ زيدحسن» وقال الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) : «اللهم إنّي أخلصت بانقطاعي إليك وأقبلت بِكُلّي عليك» (٢) فإذا قلت : «أكلتُ كلّ رغيف لزيد» كانت لعموم الأفراد ، فإن أضفت الرغيف إلى «زيد» صارت لعموم أجزاء فرد واحد.

وترد «كل» ـ باعتبار كل واحد مما قبلها وما بعدها ـ على ثلاثة أوجه.

فأما أوجُهها باعتبار ما قبلها :

فأحدها : أن تكون نعتاً لنكرة أو معرفة؛ فتدل على كماله ، وتجب إضافتها إلى اسم ظاهر يماثله لفظاً ومعنى ، نحو : «أطعمنا شاة كلَّ شاة» وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : «إنّ الشَّقي كلَّ الشَّقي مَن عاداك وَأبْغَضَك» (٣).

الثاني : أن تكون توكيداً لمعرفة ، قال الأخفش والكوفيون : أو لنكرة محدودة ، وعليهما ففائدتُها العموم ، وتجب إضافتها إلى اسم مضمر راجع إلى المؤكد ، نحو : (فَسَجَدَ المَلائكَةُ كُلُّهمْ) (الحجر/٣٠). قال ابن مالك : وقد يخلفه الظاهر. وأنشأ الفرزدق :

١٦٥ ـ أنت الجوادُ الذي تُرجى نوافِلُهُ

وَأبْعَدُ الناسِ كلّ الناس من عارِ (٤)

ومن توكيد النكرة بها : قول عبدالله بن مسلم الهذلي :

__________________

١ ـ شرح الهاشميات : ٤٦.

٢ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء الثامن والعشرون : ١٩٢.

٣ ـ غاية المرام : ١/٩٤.

٤ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/١٨٤.

١٥٧

١٦٦ ـ لكنّه شاقَهُ أن قيل ذا رَجبٌ

يا ليت عِدّةَ حَوْل كلّهِ رَجَبُ (١)

الثالث : ألاّ تكون تابعة ، بل تالية للعوامل؛ فتقع مضافة إلى الظاهر ، نحو قوله تعالى : (كُلُّ نَفْس بِما كَسَبَتْ رَهينَةٌ) (المدثر /٣٨) وقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «حدّثني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بألف حديث لكل حديث ألف باب» (٢) وغير مضافة ، نحو قوله تعالى : (وَكُلاًّ ضَرَبنا لَهُ الأمثالَ) (الفرقان/٣٩) وقول أبي طالب (عليه السلام) في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

١٦٧ ـ أتانا بهدي مثل ما أتيابه

فكلٌّ بأمرالله يهدي ويعصم (٣)

أما أوجهها الثلاثة التي باعتبار ما بعدها فقد مضت الإشارة إليها :

الأول : أن تضاف إلى الظاهر ، وحكمها أن يعمل فيها جميع العوامل كقول أبي طالب (عليه السلام) :

١٦٨ ـ ولَمّا رأيتُ القومَ لاوُدَّ فيهم

وقد قَطَعوا كلّ العُرى والوَسائل (٤)

الثاني : أن تضاف إلى ضمير محذوف ، ومقتضى كلام النحويين أن حكمها كالتي قبلها.

الثالث : أن تضاف إلى ضمير ملفوظ به ، وحكمها ألاّ يعمل فيها غالباً إلاّ الابتداء (٥) ، نحو : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَرْداً) (مريم / ٩٥) ؛ لأن الابتداء عامل

__________________

١ ـ الإنصاف في مسائل الخلاف ١ ـ ٢/٤٥١.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٣١٤.

٣ ـ الاحتجاج ١ ـ ٢/٢٣٣. وضمير «أتيا» راجع إلى موسى وعيسى على نبيّنا وآله وعليهما السلام.

٤ ـ شرح مختارات أشعار العرب : ٩٥.

٥ ـ قال الشمنّيّ : «في الشرح : ليس كذلك بل الغالب عليها أن تكون تابعة ، نحو : جاء القوم كلهم وأكرمتهم كلهم ومررت بهم كلهم وحيث تخرج عن التبعية فالغالب عليها أن لايعمل فيها إلا الابتداء». المنصف : ٢/ ٢١.

١٥٨

معنوي ، ومن القليل قوله (١) :

١٦٩ ـ يَميدُ إذا مادتْ عليه دلاؤُهم

فيصدُر عنه كُلُّها وهُو ناهلٌ

ولايجب أن يكون منه قول الإمام علي (عليه السلام) :

١٧٠ ـ فلمّا تبيَّنّا الهُدى كانَ كلُّنا

على طاعة الرّحمن والحق والتُّقى (٢)

بل الأولى : تقدير «كان» شأنية.

فصل

واعلم أن لفظ «كل» حكمه الإفراد والتذكير ، وأن معناها؛ بحسب ما تضاف إليه؛ فإن كانت مضافة إلى منكّر وجب مراعاة معناها فلذلك جاء الضمير مطابقاً لمعناها ، في نحو قوله تعالى : (وَكُلَّ إنسان ألزَمْناهُ طائرهُ في عُنُقِهِ) (الإسراء/١٣) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «كُلّ حسنة لا يراد بها وجه الله تعالى فعليها قبح الرياء وثمرتها قبح الجزاء» (٣) وقول لبيد :

١٧١ ـ وكل اُناس سوف تدخل بينهم

دُوَيهيّة تصفّر منها الأنامل (٤)

هذا ما نصَّ عليه ابن مالك ، وردَّه أبو حيان بقول عنترة :

__________________

١ ـ والبيت أنشده أبو حيّان وناظر الجيش في «شرح التسهيل» معزوّاً إلى كُثيّرِ عزّة. شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/١٩٠.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٢١.

٣ ـ في غرر الحكم من منشورات دار الكتاب «الريا» بدون الهمزة ٢/٥٤٩ ، والصحيح ما أثبتناه. راجع شرح غرر الحكم للخوانساري وكتب اللغة.

٤ ـ شرح شواهد المغني : ١/ ١٥٠.

١٥٩

١٧٢ ـ جادتْ عليهِ كُلُّ عين ثَرَّة

فتركْنَ كلَّ حديقة كالدّرهم (١)

فقال : «تركنَ» ولم يقل : «تركتْ» ؛ فدلّ على جواز «كلّ رجل قائم ، وقائمون».

والذي يظهر ، خلافُ قولهما ، وأن المضافة إلى المفرد إن اُريد نسبةُ الحكم إلى كل واحد وجب الإفراد كقول حسان :

١٧٣ ـ وكلّ أخ يقول أنا وفيّ

ولكن ليس يفعل ما يقول (٢)

أو إلى المجموع وجب الجمعُ كبيت عنترة؛ فإنّ المراد أن كل فرد من الأعين جاد ، وأن مجموع الأعين تركن وعلى هذا فتقول : «جاد عليّ كلُّ محسن فأغناني أو فأغنوني» بحسب المعنى الذي تريده. وربما جمع الضمير مع إرادة الحكم على كل واحد وعليه أجاز ابن عصفور في قوله (٣) :

١٧٤ ـ وماكلُّ ذي لُبَّ بمؤتيك نُصحه

وما كُلُّ مؤت نُصحَهُ بِلَبِيب

أن يكون «مؤتيك» جمعاً حُذفتْ نونه للإضافة.

وليس من ذلك : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطان مارِد لا يَسّمّعُونَ) (الصّافات /٧ و ٨) ؛ لأنّ جملة «لا يسمعون» مستأنفة اُخبر بها عن حال المسترِقينَ ، لاصفة «كل شيطان» ، ولا حال منه؛ إذ لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع ، وحينئذ فلايلزم عود الضمير إلى «كل» ، ولا إلى ما اُضيفت إليه ، وإنما هو عائد إلى الجمع

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٥٤١.

٢ ـ ديوان حسان بن ثابت : ٣٩٣.

٣ ـ قال السيوطي : «قال ابن يسعون : هو لأبي الأسود الدؤلي ويقال لمودود العنبري».

شرح شواهد المغني : ٢/٥٤٢ ونسبه البغدادي إلى أبي الأسود ولم يذكر غيره. شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/ ٢٢٨.

١٦٠