جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٢٩١
١٢٠ ـ أكثرتَ في العذل مُلحّاً دائماً |
|
لا تُكثِرَنْ إنّي عسيت صائما |
كذا قالوا ، والصّواب : أنه مما حذف فيه الخبر ، أي : أكون صائماً ؛ لأن في ذلك إبقاء لها على الاستعمال الأصلي.
والثاني : نادرٌ جداً كقول قسام بن رواحة :
١٢١ ـ عسى طيّئ من طيئ بعدَ هذه |
|
ستُطفِئ غُلاّتِ الكُلَى والجَوانِحِ (١) |
و «عسى» فيهنّ فعل ناقص بلا إشكال.
السادس : أن يقال : «عساي ، وعساك ، وعساه» وهو قليل ، وفيه ثلاثة مذاهب :
أحدها : أنها اُجريت مُجرى «لعل» في نصب الاسم ورفع الخبر ، قاله سيبويه.
الثاني : أنها باقية على عملها ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع ، قاله الأخفش ، ويرده أن إنابة ضمير عن ضمير إنما ثبت في المنفصل ، نحو : «ما أنا كأنت».
الثالث : أنها باقية على عملها ولكن قلب الكلام ، فجعل المخبر عنه خبراً وبالعكس ، قاله المبرّد والفارسي ومدّعاهما أن الإعراب قلب والمعنى بحاله.
السابع : «عسى زيدٌ قائم» حكاه ثعلب ، ويتخرج هذا على أنها ناقصة ، وأن اسمها ضمير الشأن ، والجملة الاسمية الخبر.
تنبيه
إذا قيل : «زيدٌ عسى أن يقوم» احتمل نقصان «عسى» على تقدير تحمّلها
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٤٥.
الضمير ، وتمامها على تقدير خلوها منه ، ونظير هذا المثال : قول أميرالمؤمنين عليه السلام : «فإن المدبر عسى أن تزلّ به إحدى قائمتيه» (١) وإذا قلت : عسى أن يقوم زيد» احتمل الوجهين أيضاً ، ولكن يكون الإضمار في «يقوم» لا في «عسى» أللهم إلاّ أن تقدر العاملين تنازعا «زيداً» فيحتمل الإضمار في «عسى» على إعمال الثاني. ونظيره : قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وما عسى أن يكون بقاء من له يوم لايعدوه» (٢) وإذا قلت : «عسى أن يضرب زيدٌ عمراً» فلا يجوز كون «زيد» اسم «عسى» لئلا يلزم الفصل بين صلة «أن» ومعمولها وهو «عمراً» بالأجنبي وهو «زيد» ونظيره : قوله تعالى : (عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (الإسراء/ ٧٩).
(عَلُ)
اسمٌ بمعنى «فوق» والتزموا فيه أمرين :
أحدهما : استعماله مجروراً بـ «من» والثاني : استعماله غيرَ مضاف ، فلا يقال : «أخذتُهُ من عل السطح» كما يقال : «من علوه» وأمّا قوله (٣) :
١٢٢ ـ يارُبَّ يوم لي لا اُظَلَّلُه |
|
أرمَضُ من تحتُ وأضحي من عَلُهْ |
فالهاء للسكت؛ بدليل أنه مبنى ، ولا وجه لبنائه لوكان مضافاً.
ومتى اُريد به المعرفة كان مبنياً على الضم كما في هذا البيت؛ إذ المراد فوقية نفسه لافوقية مطلقة ، والمعنى : أنه تُصيبه الرّمضاء من تحته وحَرُّالشّمس من فوقه.
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ط ٩٩/٢٩٥.
٢ ـ نهج البلاغة : ط ٩٨/ ٢٩٢.
٣ ـ نسب إلى أبي الهجنجل وأبي ثروان. شرح شواهد المغني : ١/٤٤٨. ونسبه البغدادي إلى الأوّل ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/٣٥٦.
ومثله : قول حسان :
١٢٣ ـ شهدتُ بإذن الله أن محمّداً |
|
رسول الذي فوق السماوات من علُ (١) |
ومتى اُريد به النّكرة كان معرباً كقول امرئ القيس :
١٢٤ ـ مِكَرٍّ مِفَرٍّ مقبل مدبر معاً |
|
كجُلمود صَخْرحَطَّهُ السَّيْلُ من علِ (٢) |
إذ المراد تشبيه الفرس في سرعته بجلمود انحطّ من مكان ما عال ، لامن علو مخصوص.
(عَلّ) بلام مشددة مفتوحة أو مكسورة
لغة في «لعلّ» ، نحو قول الأضبط بن قريع :
١٢٥ ـ لاتُهينَ الفقيرَ علّك أن |
|
تَركَع يوماً والدّهرُ قد رفعه (٣) |
(على)
على وجهين :
أحدهما : أن تكون حرفاً ، ولها تسعة معان :
أحدها : الاستعلاء ، إمّا على المجرور وهوالغالب ، نحو : (وَعَلَيْها وَعَلَى الفُلكِ تُحْمَلُونَ) (المؤمنون /٢٢) أو على ما يقرب منه ، نحو قوله تعالى : (أو أجِدُ عَلَى النّارِ هُدىً) (طه/١٠) وقول عبيدالله بن الحرّ الجعفي في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام)
__________________
١ ـ ديوان حسان بن ثابت : ٣٠٥.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٥١.
٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٥٣.
وأصحابه :
١٢٦ ـ وقفتُ على أجداثِهم ومحالهم |
|
فكادَ الحشى ينقض والعين ساجِمَه (١) |
وقد يكون الاستعلاء معنوياً ، نحو قوله تعالى : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ) (الشعراء /١٤) وقول زينب الكبرى «يا محمداه ، يا محمداه ، صلّى عليك ملائكة السماء ، هذا الحسين بالعراء» (٢).
الثاني : المصاحبة كـ «مع» ، نحو : (وآتَى المالَ عَلى حُبِّهِ) (البقرة /١٧٧).
الثالث : المجاوزة كـ «عن» كقول القُحَيف بن خمير العُقيلي :
١٢٧ ـ إذا رَضِيتْ عليَّ بنو قُشير |
|
لَعمرُالله أعجبني رِضاها (٣) |
أي : عنِّي ، ويحتمل أن «رضيَ» ضُمِّنَ معنى «عطف».
الرابع : التعليل كاللام ، نحو : (وَلِتُكَبّرُوا الله عَلى ما هَداكُم) (البقرة /١٨٥) أي : لهدايته إياكم.
الخامس : الظرفية كـ «في» ، نحو : (وَدَخَلَ الْمَدِينَة عَلى حِينِ غَفْلَة) (القصص /١٥).
السادس : موافقة «من» ، نحو : (الّذينَ إذااكْتالُواعَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ) (المطفّفين /٢).
السابع : موافقة الباء ، نحو : (حَقِيقٌ عَلى أنْ لا أقُولَ عَلَى الله إلاّ الحَقَّ) (الأعراف / ١٠٥).
__________________
١ ـ أدب الطف : ١/٩٨.
٢ ـ تاريخ الطبري : ٥/٤٥٨.
٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤١٦.
الثامن : أن تكون زائدة للتعويض أو لغيره.
فالأول كقوله (١) :
١٢٨ ـ إنَّ الكَريم وأبيكَ يَعْتمِلْ |
|
إنْ لَمْ يَجِدْ يوماً على مَنْ يتّكلْ |
أي : من يتكل عليه ، فحذف «عليه» وزاد «على» قبل الموصول تعويضاً له ، قاله ابن جنّي ، وقيل : المراد : إن لم يجد يوماً شيئاً ، ثم ابتدأ مستفهماً فقال : على من يتّكل؟ وكذا قيل في قوله (٢) :
١٢٩ ـ ولا يؤاتيكَ فيما ناب من حَدَث |
|
إلاّ أخوثِقَة فانظر بمَن تَثقُ |
إن الأصل فانظر لنفسك ثم ابتدأ الاستفهام. وابن جنّي يقول في ذلك أيضاً : إن الأصل : فانظر من تثق به؛ فحذف الباء ومجرورها وزاد الباء عوضاً. وقيل : بل تمّ الكلام عند قوله : «فانظر» ثم ابتدأ مستفهما فقال : بمن تثق؟
والثاني كقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من حلف على يمين» (٣) والأصل : حلف يميناً ، قاله ابن مالك (٤). وفيه نظر؛ لأن اليمين مجاز عما يتعلق بها (٥).
التاسع : أن تكون للاستدراك والاضراب ، كقول أبي خراش :
١٣٠ ـ فوالله لا أنسى قتيلاً رزئته |
|
بجانب قوسي ما بقيت على الأرض |
__________________
١ ـ لم يسم قائله. شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/٢٤٥.
٢ ـ قال السيوطي : ورأيت في المؤتلف والمختلف للآمدي : عزوا ذلك إلى سالم بن وابصة ، شرح شواهد المغني : ١/٤٢٠.
٣ ـ سنن الترمذي رقم : ١٥٦٩ ـ ١٥٧٠.
٤ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/٢٤٨.
٥ ـ تحفة الغريب : ٢٩٠.
على أنّها تعفو الكلوم ، وإنما |
|
نوكّل بالأدنى ، وإن جلّ ما يمضي (١) |
أي : على أن العادة نسيان المصائب البعيدة العهد.
وتعلُّق «على» هذه بما قبلها عند من قال به ، كتعلق «حاشا» بما قبلها عند من قال به؛ لأنها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج ، أو هي خبر لمبتدأ محذوف ، أي : والتحقيقُ على كذا ، وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب قال : ودلّ على ذلك أن الجملة الاُولى وقعت على غير التحقيق ، ثم جيء بما هو التحقيقُ فيها.
والثاني : من وجهي على : أن تكون اسماً بمعنى «فوق» وذلك إذا دخلت عليها «مِن» كقوله (٢) :
١٣١ ـ غَدَتْ مِنْ عليهِ بعد ماتمَّ ظِمْؤها |
|
تَصِلّ وعن قَيض بِبَيداء مَجْهَلِ |
وزاد الأخفش موضعاً آخر وهو أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمّى واحد ، نحو : (أمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَكَ) (الأحزاب /٣٧) ؛ لأنه لايتعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل في غير باب «ظنّ وفقدَ وعدِمَ» ، لايقال : «ضربتُني» ولا «فرحت بي».
وفيه نظر؛ لأنها لو كانت اسماً في نحو هذه الآية لصحّ حلول «فوق» محلها ، ولأنها لو لزمت اسميتها لما ذُ كِر ، لزم الحكم باسمية «إلى» في نحو : (فَصُرْهُنَّ إلَيكَ) (البقرة /٢٦٠) (وَاضْمُمْ إلَيك) (القصص /٣٢).
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٢١.
٢ ـ نُسب إلى مزاحم بن عمرو العقيلي ومزاحم بن الحارث. شرح شواهد المغني : ١/٤٢٦ ونسبه البغدادي إلى الأوّل. شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/٢٦٧.
وهذا كلّه يتخرج إمّا على التعلق بمحذوف كما قيل في اللام في «سقياً لك» وإمّا على حذف مضاف ، أي : أمسك على نفسك ، واضمم إلى نفسك.
(عن)
على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون حرفاً جاراً وجميع ما ذكر لها عشرةُ معان :
أحدها : المجاوزة ، كقول الإمام الحسين (عليه السلام) : «يا هذا كفّ عن الغيبة فإنها إدام كلاب أهل النار» (١) وقول الكميت :
١٣٢ ـ وغاب نبي الله عنهم وفقده |
|
على الناس رُزْءٌ ما هناك مجلّل (٢) |
وقولك : «رميت السهم عن القوس». وذكر لها في هذا المثال معنى غير هذا ، وسيأتي.
الثاني : البدل ، نحو : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزي نفسٌ عن نَفْس شَيْئاً) (البقرة /٤٨) وفي الحديث النبويّ : «فصومي عن اُمّكِ» (٣).
الثالث : الاستعلاء ، نحو : (فَإنّما يَبْخَلُ عَنْ نَفسِهِ) (محمد /٣٨).
الرابع : التعليل ، نحو : (وَما كانَ استِغفارُ إبراهيمَ لأبِيهِ إلا عَنْ مَوْعِدَة) (التوبة/١١٤) (وَما نَحْنُ بِتارِكى آلِهَتنا عَنْ قَوْلِك) (هود/٥٣) ويجوز أن يكون حالاً من ضمير «تاركي» ، أي : ما نتركها صادرينَ عن قولك ، وهو رأي
__________________
١ ـ تحف العقول : ١٧٦.
٢ ـ الغدير : ٢/١٩٢.
٣ ـ صحيح مسلم : ٢/٨٠٤.
الزمخشري.
الخامس : مرادفة «بعد» ، كقوله تعالى : (عمّا قَليل لَيُصْبِحُنَّ نادِمينَ) (المؤمنون /٤٠) (يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (النساء / ٤٦) بدليل أنّ في مكان آخر (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) (المائدة /٤١). وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وكأنك عن قليل قد صِرتَ كأحدهم فأصلح مَثواك ولا تَبعْ آخرتك بدنياك» (١).
السادس : الظرفية كقول الأعشى :
١٣٣ ـ وآس سراةَ القوم حيث لقيتَهُم |
|
ولا تَكُ عن حَمْلِ الرِّباعَة وَانيا (٢) |
الرباعة : نجوم الحَمالَة ، قيل : لأن «ونى» لا يتعدّى إلاّ بـ «في» بدليل (ولاتَنِيا في ذِكري) (طه /٤٢) والظاهر أن معنى «ونى عن كذا» : جاوزه ولم يدخل فيه ، و «ونى فيه» : دخل فيه وفتر.
السابع : مرادفة «مِنْ» ، نحو : (اُوْلئكَ الّذينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما عَمِلُوا) (الأحقاف /١٦) بدليل : (فَتُقُبّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ) (المائدة /٢٧) (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا) (البقرة /١٢٧).
الثامن : مرادفة الباء ، نحو : (وما ينطق عَنِ الهَوى) (النجم / ٣) والظاهر أنها على حقيقتها ، وأن المعنى : وما يصدر قوله عن هوى.
التاسع : الاستعانة ، قاله ابن مالك ، ومثَّله بـ «رَمَيْتُ عن القوس» ؛ لأنهم يقولون أيضاً : رميتُ بالقوس.
العاشر : أن تكون زائدة للتعويض من اُخرى محذوفة ، كقول زيد بن رزين :
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ك ٣١/ ٩١٠.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٣٤.
١٣٤ ـ أتَجزَعُ أنْ نفسٌ أتاها حِمامُها |
|
فهلاّ التي عن بين جنبيكَ تَدْفَعُ (١) |
قال ابن جني : أراد : فهلا تدفع عن التي بين جنبيك ، فحذفت «عن» من أول الموصول ، وزيدت بعده.
الوجه الثاني : أن تكون حرفاً مصدريّاً ، وذلك أن بني تميم يقولون في نحو : «أعجبني أن تفعلَ» : عن تفعلَ ، وكذا يفعلون في «أنّ» المشددة ، فيقولون : أشهد عنَّ محمّداً رسولُ الله ، وتسمى عنعنة تميم.
الثالث : أن تكون اسماً بمعنى «جانب» وذلك يتعين في ثلاثة مواضع :
أحدها : أن يدخل عليها «منْ» وهو كثير كقول قطري بن الفجاءة :
١٣٥ ـ فَلَقَد أراني للرّماحِ دَريئةً |
|
من عن يَميني مرّةً وأمامي (٢) |
و «من» الداخلةُ على «عن» زائدة عند ابن مالك ، ولابتداء الغاية عند غيره ، قالوا : فإذا قيل : «قعدتُ عن يمينه» فالمعنى : في جانب يمينه ، وذلك محتمل للملاصقة ولخلافها ، فإن جئت بـ «من» تعين كون القعود ملاصقاً لأول الناحية.
الثاني : أن يدخل عليها «على» ، وذلك نادر ، والمحفوظ منه بيتٌ واحد وهو قوله(٢٣٧) :
١٣٦ ـ على عن يميني مرَّت الطّير سُنّحاً |
|
وكيف سُنُوح واليمين قَطِيعُ |
الثالث : أن يكون مجرورها وفاعل متعلّقها ضميرين لمسمّى واحد ، قاله الأخفش ، وذلك كقول امرئ القيس :
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٣٦.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٣٨.
٣ ـ لم يسم قائله. شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/٣١٤.
١٣٧ ـ دَعْ عنكَ نَهْباً صِيحَ في حَجَراتِهِ |
|
ولكن حَدِيثاً ما حديثُ الرّواحِلِ (١) |
وذلك لئلا يؤدي إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل ، وقد تقدم الجواب عن هذا.
(عند)
اسم للحضور الحسّي ، نحو : (فَلَمّا رآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ) (النمل /٤٠) والمعنوي ، نحو : (قالَ الّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ) (النمل /٤٠) وللقرب كذلك ، نحو قوله تعالى : (عِنْدَ سِدْرَةِ المُنتَهى عِنْدَها جَنَّةُ المَأوى) (النجم/١٤ و ١٥) ونحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام)في ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «وأكرم لديك نُزُلَه وشَرّف عندك مَنزلَته» (٢).
وكسر فائها أكثر من ضمها وفتحها ، ولا تقع إلاّ ظرفاً أو مجرورة بـ «من».
تنبيهان
الأول : قولنا : «عند» اسم للحضور ، موافق لعبارة ابن مالك ، والصواب : اسم لمكان الحضور ، فإنها ظرف لا مصدر. وتأتي أيضاً لزمانه كقول الكميت في مدح آل البيت :
١٣٨ ـ لاهُمْ مفاريح عند نوبتهم |
|
ولا مَجازيع إن هُم نُكبوا (٣) |
الثاني : تعاقب «عند» كلمتان :
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ١/ ٤٤٠.
٢ ـ نهج البلاغة : ط ١٠٥/٣١٥.
٣ ـ شرح الهاشميات : ٦٢.
«لدى» مطلقاً كقوله تعالى : (وَأنْذِرهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إذالقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمينَ) (غافر /١٨) و «لدن» إذا كان المحل ، محل ابتداء غاية كقول أبي طالب (عليه السلام)في مدح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) :
١٣٩ ـ أنت السعيد من السعود تكَنَّفتك الأسعد |
|
من لدن آدم لم يزل فيناوصي مرشد |
وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (آتيناه رَحمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً) (الكهف / ٦٥).
ويفترقن من وجه ثان ، وهو أنّ «لدن» لا تكون إلاّ فضلة ، بخلافهما ، بدليل : (وَلَدَينا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالحَقِّ) (المؤمنون /٦٢) (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (ق /٤). وثالث ، وهو أن جرّها بـ «من» أكثر من نصبها ، حتى أنها لم تجي في التنزيل منصوبة ، وجرُّ «عند» كثير ، وجرُّ «لدى» ممتنعٌ. ورابع ، وهو أنهما معربان وهي مبنيّة في لغة الأكثرين. وخامس ، وهو أنها قد تضاف للجملة كقوله (١) :
١٤٠ ـ لَزِمْنالَدُنْ سَالَمتمونا وِفاقَكم |
|
فلا يَكُ منكم للخِلاف جُنُوحُ |
وسادس ، وهو أنها قد لا تضاف ، وذلك أنهم حكوا في «غدوة» الواقعة بعدها الجرّ بالإضافة ، والنصب على التمييز ، والرفع بإضمار «كان» تامة.
ثم اعلم أن «عند» أمكن من «لدى» من وجهين :
أحدهما : أنها تكون ظرفاً للأعيان والمعاني كقول أميرالمؤمنين عليه السلام :
__________________
١ ـ توحيد الصدوق : ١٥٨.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ٢/٨٣٦. شرح أبيات مغني اللبيب : ٦/٢٨٦. لم يسم قائله.
«وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد» (١) و «فاسألوني فإن عندي علم الأولين والآخرين» (٢). ويمتنع ذلك في «لدى» ذكره ابن الشجري في أماليه ومبرمان في حواشيه.
الثاني : أنك تقول : «عندي مال» وإن كان غائباً ، ولا تقول : «لديّ مال» إلاّ إذا كان حاضراً.
(عَوْضُ)
ظرفٌ لاستغراق المستقبل مثل «أبداً» ، إلا أنه مختص بالنفي ، وهو معرب إن اُضيف ، كقولهم : «لا أفعلُهُ عوضَ العائضين» مبني إن لم يضف ، وبناؤه إما على الضم كـ «قبلُ» أو على الكسر كـ «أمسِ» أو على الفتح كـ «أينَ».
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ك ٦٤/١٠٥٥.
٢ ـ مناقب ابن شهر آشوب : ٢/٣٨.
حرف الغين
(غير)
اسم ملازم للإضافة في المعنى ، ويجوز أن يُقطع عنها لفظاً إن فهم معناه وتقدمت عليها كلمة «ليس». وقولهم : «لا غير» لحن (١) ، ويقال : «قبضتُ عشرةً ليس غيرُها» برفع «غير» على حذف الخبر ، أي : مقبوضاً ، وبنصبها على إضمار الاسم ، أي : ليس المقبوضُ غيرها و «ليس غيرَ» بالفتح من غير تنوين على إضمار الاسم أيضاً وحذف المضاف إليه لفظاً ونية ثبوته كقراءة بعضهم : (لله الأمرُ مِنْ قَبْل ومِنْ بَعْد) (الرّوم /٤) بالكسر من غير تنوين ، أي : من قبل الغَلَب ومن بعده ، و «ليس غيرُ» بالضم من غير تنوين ، فقال المبرد والمتأخرون : إنها ضمة بناء ، لاإعراب ، وإن «غير» شبهت بالغايات كـ «قبلُ وبعدُ». فعلى هذا يحتمل أن يكون اسماً وأن يكون خبراً ، وقال الأخفش : ضمة إعراب لا بناء؛ لأنه ليس باسم زمان كـ «قبل وبعد» ولامكان كـ «فوق وتحت» وإنما هو بمنزلة «كل وبعض» وعلى هذا
__________________
١ ـ استعمل ابن هشام في المغني «لا غير» في مواضع من كلامه. منها : في حرف اللام ، مبحث «لا» ومنها مبحث «هل» وفي غير الباب الأول مراراً.
فهو الاسم ، وحذف الخبر. وقال ابن خروف : يحتمل الوجهين. و «ليس غيراً» بالفتح والتنوين ، و «ليس غيرٌ» بالضم والتنوين ، وعليهما فالحركة إعرابية؛ لأن التنوين إما للتمكين فلا يلحق إلا المعربات ، وإما للتعويض ، فكأنّ المضاف إليه مذكور.
ولا تتعرف «غير» بالإضافة ، لشدة إبهامها.
وتستعمل «غير» المضافة لفظاً على وجهين :
أحدهما : وهو الأصل : أن تكون صفة للنكرة ، نحو قوله تعالى : (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الّذي كُـنّا نَعْمَلُ) (فاطر /٣٧) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «وكلّ عزيز غيرهُ ذليل» (١) أو لمعرفة قريبة منها ، نحو : (صِراطَ الّذينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِالمَغضُوبِ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة /٧)؛ لأن المعرّفَ الجنسي قريبٌ من النكرة ، ولأن «غيراً» إذا وقعت بين ضدين ضعف إبهامها ، حتى زعم ابن السراج أنها حينئذ تتعرف ، ويردُّه الآية الاُولى.
والثاني : أن تكون استثناء ، فتعرب بإعراب الاسم التالي «إلا» في ذلك الكلام ، فتقول : «جاء القومُ غيرَ زيد» بالنصب ، و «ما جاءني أحدٌ غير زيد» بالنصب والرفع ، وقال تعالى : (لايَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُـؤمنينَ غَيْرَ اُولي الضَّرر) (النساء /٩٥) يقرأ برفع «غير» إما على أنه صفة لـ «القاعدون» ؛ لأنهم جنس ، وإما على أنه استثناء واُبدل على حدّ (ما فَعَلُوهُ إلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ) (النساء /٦٦) ويؤيده قراءة النصب.
وانتصابُ «غير» في الاستثناء عن تمام الكلام عند المغاربة كانتصاب الاسم
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ط ٦٤/ ١٥٥.
بعد «إلا» عندهم ، وعلى الحالية عندالفارسي ، وعلى التشبيه بظرف المكان عند جماعة.
ويجوز بناؤها على الفتح إذا اُضيفت إلى مبني كقول أبي قبيس بن رفاعة :
١٤١ ـ لم يمنع الشربَ منهاغيرأن نطقت |
|
حمامةٌ في غُصُون ذاتِ أوقالِ (١) |
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٥٨.
حرف الفاء
الفاء المفردة : حرف مهمل ويرد على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون عاطفة ، وتفيد ثلاثة اُمور :
الأول : الترتيب ، وهو نوعان : معنوي كقول حسان :
١٤٢ ـ هَجَوْتَ محمّداً فأجبتُ عنه |
|
وعند الله في ذاك الجزاء (١) |
وذكري ، وهو عطف مفصّل على مجمل ، نحو : (فَقَد سَألُوا موسى أكْبَرَ منْ ذلِك فَقالُوا أرِنَا الله جَهْرَةً) (النساء / ١٥٣).
الثاني : التعقيبُ وهو في كل شيء بحسبه ، ألا ترى أنه يقال : «تزوّجَ فلان فوُلد لهُ» إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل ، وإن كانت متطاولة؟ وقال الله تعالى : (ألَم تَرَ أنّ اللّهَ أنْزَلَ مِنَ السّماء ماء فَتُصْبِحُ الأرضُ مُخْضَرّةً) (الحج /٦٣) وقيل : الفاء في هذه الآية للسببية ، وفاء السببية لا تستلزم التعقيب. بدليل صحة قولك : «إن يُسلم فهو يدخل الجنة» ومعلوم ما بينهما من المهلة ، وقيل : تقع الفاء تارة بمعنى
__________________
١ ـ شرح شواهد أشعار العرب : ١٠٣.
«ثُمّ» ومنه الآية ، وقوله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَة فَخَلَقْنَا المُضغَةَ عِظاماً فَكَسَوْناَ العِظامَ لَحْماً) (المؤمنون /١٤) فالفاءات بمعنى «ثُمّ» ، لتراخي معطوفاتها ، وتارة بمعنى الواو ، كقول امرئ القيس :
١٤٣ ـ قفانبكِ من ذكرى حبَيب ومنزل |
|
بِسِقْطِ اللّوى بينَ الدّخُولِ فحوملِ (١) |
وزعم الأصمعيُّ أن الصواب : روايته بالواو. لأنه لايجوز «جلست بين زيد فعمرو» واُجيب بأن التقدير : بين مواضع الدخول فمواضع حومل ، كما يجوز «جلستُ بين العلماء فالزّهاد».
الثالث : السببية ، وذلك غالبٌ في العاطفة جملة أو صفة ، فالأول ، نحو : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) (القصص /١٥) والثاني ، نحو : (لآكِلُونَ مِنْ شَجر مِنْ زَقُّوم فَمالِئونَ مِنْها البُطُونَ فَشاربُونَ عَلَيهِ مِنْ الحَمِيمِ) (الواقعة ٥٢ ـ ٥٤) وقد تجي في ذلك لمجرد الترتيب نحو : (فَراغَ إلى أهْلِهِ فَجاء بِعِجْل سمين فَقَرّبَهُ إلَيْهِمْ) (الذاريات /٢٦ و ٢٧).
الثاني من أوجه الفاء : أن تكون رابطة للجواب ، وذلك حيث لايصلح لأن يكون شرطاً ، وهو منحصر في ستّ مسائل :
إحداها : أن يكون الجوابُ جملة اسمية ، نحو قوله تعالى : (وَإنْ يَمْسَسْكَ بِخَير فَهُوَ عَلى كُلّ شَيء قَديرٌ) (الأنعام /١٧) وقول الكميت في آل البيت :
١٤٤ ـ فإن هي لم تَصْلُح لقومِ سِواهم |
|
فإنّ ذوي القربى أحق وأقرب (٢) |
الثانية : أن تكون فعلية كالاسمية ، وهي التي فعلها جامد ، نحو : (وَمَن يَكُنِ
__________________
١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٦٣.
٢ ـ شرح الهاشميات : ٤٣. والضمير (هي) يرجع إلى دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم إلى الإسلام.
الشّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساء قَرِيناً) (النساء /٣٨).
الثالثة : أن يكون فعلها إنشائياً نحو قوله تعالى : (إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله) (آل عمران /٣١) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «فإن كان لابد من العصبية فليكن تعصّبكم لمكارم الخصال» (١) ونحو : «إنْ قام زيد فوالله لأقومنَّ» و «إنْ لم يتُبْ زيد فيا خُسرَه رجُلا».
الرابعة : أن يكون فعلها ماضياً لفظاً ومعنىً ، إما حقيقة ، نحو : (إنْ يَسْرِقْ فَقَد سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) (يوسف /٧٧) ، وإما مجازاً ، نحو : (وَمَنْ جاء بالسّيّئةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النّار) (النمل /٩٠) نزّل هذا الفعل لتحقق وقوعه منزلة ما وقع.
الخامسة : أن تقترن بحرف استقبال ، نحو : (وما يَفْعَلُوا مِنْ خَير فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) (آل عمران /١١٥).
السادسة : أن تقترن بحرف له الصّدر كقول ربيعة بن مقروم :
١٤٥ ـ فإنْ أهلِكْ فذي لَهَب لظاهُ |
|
عليّ يكادُ يلتهبُ التهابا (٢) |
لما عرفت من أن «رُبّ» مقدرة ، وأنها لها الصدر.
واعلم أن «إذا» الفجائية قد تنوب عن الفاء ، نحو : (وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أيديهِم إذا هُمْ يَقْنَطونَ) (الروم /٣٦) وأن الفاء قد تحذف في الضرورة كقوله (٣) :
١٤٦ ـ مَنْ يَفعلِ الحسنات الله يشكُرها |
|
والشرّ بالشرّ عند الله مثلانِ |
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ط ٢٣٤/٧٩٩.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/ ٤٦٦.
٣ ـ تقدم برقم ١١٧.
وقال ابن مالك : يجوز في النثر نادراً ، ومنه حديث اللّقطة : «فإنْ جاء صاحبُها وإلا استمتعْ بها» (١).
تنبيه
كما تربط الفاء الجواب بشرطه كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط ، وذلك في نحو «الذي يأتيني فله درهم» وبدخولها فهم ما أراده المتكلّم من ترتّبِ لزوم الدرهم على الإتيان ، ولو لم تدخل احتمل ذلك وغيره.
الثالث : أن تكون زائدة وهذا لايثبته سيبويه ، وأجاز الأخفش زيادتها في الخبر مطلقاً ، وحكي : «أخُوكَ فوجد» وقيد الفراء والأعلم وجماعة الجواز بكون الخبر أمراً أو نهياً ، فالأمر ، نحو : (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ) (ص /٥٧) والنهي ، نحو : «زيدٌ فلا تضربه» ، وتأوّل المانعون الآية على أن الخبر «حميم» وما بينهما معترض ، أو هذا منصوب بمحذوف يفسره «فليذوقوه» وعلى هذا فـ «حميم» بتقدير : هو حميم. ومن زيادتها قوله (٢) :
١٤٧ ـ لما اتّقى بيد عظيم جرمها |
|
فتركتُ ضاحيَ جلدِها يتذبذب |
لأن الفاء لا تدخل في جواب «لما» خلافاً لابن مالك.
مسألة
الفاء في نحو : (بَل الله فاعْبُد) (الزمر /٦٦) جواب لـ «أمّا» مقدرة عند بعضهم وفيه إجحاف ، وزائدة عندالفارسي وفيه بُعد ، وعاطفة عند غيره ، والأصل :
__________________
١ ـ صحيح البخاري : ٣/١٦٦.
٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٧٣ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٤/٥٤. لم يسم قائله.
تنبّه فاعبدالله ، ثم حذف «تنبّه» وقدم المنصوب على الفاء إصلاحاً للفظ كيلا تقع الفاء صدراً.
مسألة
الفاء في نحو : «خرجتُ فإذا الأسدُ» زائدة لازمة عند الفارسي والمازنيو جماعة ، وعاطفة عند مبرمان وأبي الفتح ، وللسببية المحضة كفاء الجواب عند أبي اسحاق ، ويجب أن يحمل على ذلك مثل : (إنّا أعْطَيْناكَ الكَوثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ) (الكوثر /١ و ٢)؛ إذ لايعطف الإنشاء على الخبر ولا العكس ، ولا يحسن إسقاطُها ليسهل دعوى زيادتها.
مسألة
(أيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يَأكُلَ لَحْمَ أخيهِ مَيتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات /١٢) قدر أنهم قالوا بعد الاستفهام : لا ، فقيل لهم : فهذا كرهتموه ، يعني والغيبة مثله فاكرهوها ، ثم حذف المبتدأ وهو «هذا» وقال الفارسي : التقدير : فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة ، وضعفه ابن الشجري بأن فيه حذف الموصول ـ وهو «ما» المصدرية ـ دون صلتها ، وذلك رديء ، وجملة (واتّقُوا الله) (الحجرات /١٢) عطف على (ولايَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعضاً) (الحجرات /١٢) على التقدير الأول ، وعلى «فاكر هوا الغيبة» على تقدير الفارسي. وبعدُ فالصواب : أن ابن الشجري لم يتأمل كلام الفارسي. فإنه قال : كأنهم قالوا في الجواب : «لا» فقيل لهم : «فكرهتموه فاكرهُوا الغيبة واتقوا الله» ، فـ «إتقوا» عطف على «فَاكْرهُوا» وإن لم يذكر كما في (اضربْ بِعصاكَ الحجر فَانْفَجَرَتْ) (البقرة /٦٠) والمعنى : فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة وإن لم تكن «كما» مذكورة ، كما أن «ما تأتينا فتحدّثنا» معناه :