مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

كقوله (١) :

٨٩ ـ فِينا الرسول وفينا الحَقُّ نتبعُهُ

حتّى الممات ونَصرٌ غيرُ مَحْدُود

خلافاً للكوفيين والمبرّد ، فأمّا قوله (٢) :

٩٠ ـ فلا والله لايُلفي اُناس

فَتىً حتّاك يابن أبي زياد

فضرورة.

والشرط الثاني خاصّ بالمسبوق بذي أجزاء ، وهو أن يكون المجرور آخراً ، نحو : «أكلت السمكة حتى رأسها» أو ملاقياً لآخر جزء ، نحو : (سلامٌ هِيَ حتّى مَطْلَعِ الفَجْرِ) (القدر / ٥) ولايجوز «سرت البارحة حتى ثلثيها أو نصفها».

الثاني : أنها إذا لم تكن معها قرينة تقتضي دخول ما بعدها كما في قوله :

٩١ ـ ألْقَى الصّحيفَةَ كي يُخفِّفَ رَحْلَه

والزّادَ حتّى نعله ألقاها (٣)

أو عدم دخوله كما في قوله (٤) :

٩٢ ـ سَقَى الحياالأرضَ حتّى أمكُن عُزِيَت

لهم فلا زالَ عنها الخيرُ مَجْدُوداً

حمل على الدخول ويحكم في مثل ذلك لما بعد «إلى» بعدم الدخول حملاً على الغالب في البابين. هذا هو الصحيح خلافاً لبعضهم.

__________________

١ ـ ديوان حسان بن ثابت : ٢٤٢ ونسب إلى عبدالله بن حرب. راجع مناقب ابن شهر آشوب : ١/١٦٨.

٢ ـ لم يسم قائله. شرح ابن عقيل : ٢/١١.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٧٠.

٤ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٧١ ، شرح أبيات مغني اللبيب ٣/٩٩. لم يسمّ قائله.

١٠١

الثالث : أن كلاً منهما قد ينفرد بمحل لا يصلح للآخر ، فممّا انفردت به «إلى» : أنه يجوز كتبت إلى زيد كما جاء في قول أميرالمؤمنين عليه السلام : «فكتبت إليك كتابي مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت» (١) ، وأنا إلى عمرو أي : هو غايتي كما جاء في الحديث النبوي : «أنا بك وإليك» (٢) ، و «سرت من البصرة إلى الكوفة» ولايجوز «حتى زيد وحتى عمرو وحتى الكوفة». أمّا الأولان فلأن «حتى» موضوعة لإفادة تقضّي الفعل قبلها شيئاً فشيئاً إلى الغاية و «إلى» ليست كذلك. وأمّا الثالث فلضعف «حتى» في الغاية فلم يقابلوا بها ابتداء الغاية. وممّا انفردت به «حتى» : أنه يجوز وقوع المضارع المنصوب بعدها ، نحو : «سرت حتى أدخلها» وذلك بتقدير : «حتى أن أدخلها» ، و «أن» المضمرة والفعل في تأويل مصدر مخفوض بـ «حتى» ولا يجوز «سرت إلى أدخلها» ، وإنما قلنا : إن النصب بعد «حتى» بـ «أن» مضمرة لا بنفس «حتى» كما يقول الكوفيون؛ لأنّ «حتى» قد ثبت أنّها تخفض الأسماء وما يعمل في الأسماء لا يعمل في الأفعال وكذا العكس.

ولـ «حتّى» الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان : مرادفة «إلى» ، نحو قوله تعالى : (حَتّى يَرْجِعَ إلَينا مُوسى) (طه /٩١) وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتّى يردا عليَّ الحوض» ومرادفه «كي» التعليلية ، نحو : (هُمُ الّذينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله حتّى يَنفَضُّوا) (المنافقون / ٧) ويحتملهما (فَقاتِلُوا الّتي تَبْغي حَتّى تَفِيء إلى أمرِالله) (الحجرات / ٩).

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ك ٣١ /٩٠٧.

٢ ـ صحيح مسلم : ١/٥٣٥.

٣ ـ تاريخ الخلفاء : ١٧٣.

١٠٢

ومرادفة «إلاّ» في الاستثناء كقول المقنّع الكندي :

٩٣ ـ ليس العطاءمن الفُضُول سَماحَةً

حتّى تجُودَ وما لَدَيك قليلُ (١)

؛ لأن ما بعدها ليس غاية لما قبلها ولا مسبباً عنه.

ولاينتصب الفعل بعد «حتّى» إلاّ إذا كان مستقبلاً ، ثمّ إن كان استقباله بالنظر إلى زمن التكلم فالنصب واجب ، نحو : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجعَ إلَينا مُوسى) (طه / ٩١) وإن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصة فالوجهان ، نحو : (وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُول الرّسُولُ والّذينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُالله) (البقرة / ٢١٤) فإن قولهم إنما هو مستقبل بالنظر إلى الزلزال ، لا بالنظر إلى زمن قصّ ذلك علينا.

وكذلك لايرتفع الفعل بعد «حتّى» إلاّ إذا كان حالاً ، ثمّ إن كانت حاليته بالنسبة إلى زمن التكلم فالرفع واجب ، كقولك : «سرتُ حتّى أدخُلها» إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول ، وإن كانت حاليته ليست حقيقيةً ، بل كانت محكية ، رُفع ، وجاز نصبه إذا لم تقدر الحكاية ، نحو : (وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُول الرّسُولُ) (البقرة / ٢١٤) في قراءة نافع بالرفع بتقدير : حتى حالتهم حينئذ أن الرسول والذين آمنوا معه يقولون كذا وكذا.

واعلم أنه لا يرتفع الفعل بعد «حتّى» إلاّ بثلاثة شروط :

أحدها : أن يكون حالا أو مؤولا بالحال كما مثّلنا.

الثاني : أن يكون مسبباً عما قبلها ، فلايجوز «سرتُ حتّى تطلعُ الشمس» ؛ لأنّ طلوع الشمس لايتسبب عن السير.

الثالث : أن يكون فضلة ، فلا يصح في نحو : «سيري حتى أدخلها» ؛ لئلا يبقى

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/ ٣٧٢.

١٠٣

المبتدأ بلا خبر ، ولا في نحو : «كان سيري حتّى أدخلها» إن قدرت «كان» ناقصة ، فإن قدرتها تامة أو قلت : «سيري أمس حتى أدخلها» جاز الرفع ، إلاّ إن علّقت «أمس» بنفس السير ، لا باستقرار محذوف.

الثاني من أوجه «حتى» : أن تكون عاطفة بمنزلة الواو في اللفظ والمعنى ، إلاّ أنّ بينهما فرقاً من ثلاثة أوجه :

الأول : أن لمعطوف «حتى» ثلاثة شروط :

أحدها : أن يكون ظاهراً لا مضمراً كما أن ذلك شرط مجرورها ، ذكره ابن هشام الخضراوي.

ثانيها : أن يكون إمّا بعضاً من جمع قبلها كـ «قدم الحاجّ حتّى المشاة» أو جزءً من كل ، نحو : «أكلت السمكة حتى رأسها» أو كجزء ، نحو : «أعجبني زيد حتّى حديثه» ويمتنع أن تقول : «حتى ولده».

والذي يضبط لك ذلك أنها تدخل حيث يصح دخول الاستثناء ، وتمتنع حيث يمتنع.

ثالثها : أن يكون غاية لما قبلها إمّا في زيادة أو نقص وقد اجتمعا في قوله (١) :

٩٤ ـ قَهَرناكم حتّى الكُماة ، فأنتم

تَهابوننا حتّى بَنِينا الأصاغِرا

الفرق الثاني : أنها لاتعطف الجمل ، وذلك لأن شرط معطوفها أن يكون بعضاً مما قبلها أو جزء أو كجزء منه ، كما قدمناه ، ولا يتأتى ذلك إلاّ في المفردات.

الفرق الثالث : أنها إذا عطفت على مجرور اُعيد الخافض ، فرقاً بينها وبين الجارة ، فتقول : «مررتُ بالقوم حتى بزيد» ذكر ذلك ابن الخباز وأطلقه ، وقيّده

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/ ٣٧٣. شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/١٠٧. لم يسمّ قائله.

١٠٤

ابن مالك بأن لا يتعين كونها للعطف ، نحو قوله (١) :

٩٥ـ جُودُيُمناك فاضَ في الخَلق حتّى

بائس دانَ بالإساءة دِينا

وهو حسن.

تنبيه

العطف بـ «حتى» قليل ، وأهل الكوفة ينكرونه ، ويحملون نحو : «جاء القومُ حتى أبوك ، ورأيتهم حتى أباك ، ومررت بهم حتى أبيك» على أن «حتى» فيه ابتدائية ، وأن ما بعدها على إضمار عامل.

الثالث من أوجه «حتّى» : أن تكون حرف ابتداء ، أي : حرفاً تبتدأ بعده الجمل ، فتدخل على الجملة الاسمية كقول جرير :

٩٦ ـ فما زالتِ القَتلى تَمُجُّ دماءها

بدجلةَ حتّى ماء دجلة أشكَلُ (٢)

وعلى الفعلية التي فعلها مضارع كقول حسان :

٩٧ ـ يُغْشَونَ حتّى ما تَهِرُّ كلابُهم

لا يسألون عن السّوادِ المُقبِل (٣)

وعلى الفعلية التي فعلها ماض ، نحو قوله تعالى : (حَتّى عَفَوا وقالُوا) (الأعراف / ٩٥) وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «فلم أزل أنا وعليّ في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب» (٤).

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٧٧ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/١١٣. لم يسمَ قائله.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٧٧.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٧٨.

٤ ـ مناقب ابن مغازلي : ٨٩.

١٠٥

ولامحلّ للجملة الواقعة بعد «حتّى» الابتدائيّة.

وقد يكون الموضع صالحاً لأقسام «حتى» الثلاثة كقولك : «أكلت السمكة حتى رأسها» فلك أن تخفض على معنى «إلى» وأن تنصب على معنى الواو ، وأن ترفع على الابتداء ، وأوجب البصريون حينئذ أن تقول : مأكول؛ لأن في الرفع مع حذف الخبر تهيئة العامل للعمل مع قطعه عنه. وقد روي بالأوجه الثلاثة قوله (١) :

٩٨ ـ عمَمْتَهُم بالنَدى حتّى غُواتهم

فَكُنتَ مالِكَ ذي غَيّ وذي رَشَدِ

وإذا قلت : «قام القوم حتى زيد قام» جاز الرفع والخفض دون النصب وكان لك في الرفع أوجه ، أحدها : الابتداء ، والثاني : العطف ، والثالث : إضمار الفعل ، والجملة التي بعده خبر على الأول ، ومؤكدة على الثاني ، كما أنها كذلك مع الخفض ، وأمّا على الثالث فتكون الجملة مفسّرة.

(حيث)

حيث وطيّئ تقول : «حوث» وفي الثاء فيهما : الضمّ تشبيهاً بالغايات؛ لأنّ الإضافة إلى الجملة كلا إضافة؛ لأنّ أثرها ـ وهو الجرّ ـ لا يظهر (٢) ، والكسر على أصل التقاء الساكنين ، والفتح ، للتخفيف.

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/١٣٢ ، لم يسمّ قائله.

٢ ـ وفيه نظر ؛ لاقتضائه أنّ الإضافة إلى المفرد المبني كلا إضافة ، وعلّل المحقق الرضي قدس سره بعلّة اخرى وهي : أن المضاف إليه في الحقيقة هو المصدر الذي تضمنته لانفس الجملة. راجع شرح الكافية : ٢/١٠٣.

١٠٦

ومن العرب من يُعرب «حيث» ، وقراءة من قرأ (مِنْ حيث لا يَعْلَمُونَ) (الأعراف /١٨٢) بالكسر تحتملها وتحتمل لغة البناء على الكسر.

وهي للمكان اتفاقاً ، قال الأخفش : وقد ترد للزمان ، والغالب كونها في محلّ نصب على الظرفيّة أو خفض بـ «من» وقد تخفض بغيرها كقول زهير بن أبي سلمى :

٩٩ ـ فشَدّ ولم تُفزع بيوتٌ كثيرةٌ

لدى حيثُ ألقتْ رحلها أمُّ قشعم (١)

وقد تقع مفعولاً به وفاقاً للفارسي ، وحمل عليه : (الله أعلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (الأنعام / ١٢٤) ؛ إذ المعنى : أنه سبحانه وتعالى يعلم نفس المكان المستحقّ لوضع الرسالة فيه ، لا شيئاً في المكان. وناصبها «يعلم» محذوفاً مدلولاً عليه بـ «أعلم» لا بـ «أعلم» نفسه؛ لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به فإن أوّلته بـ «عالم» جاز أن ينصبه في رأي بعضهم.

وتلزم «حيث» الإضافة إلى الجملة اسمية كانت أو فعلية وإضافتها إلى الفعلية أكثر ، نحو قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «اللهم أدرالحقّ مع عليّ حيث دار» (٢) ومن ثَمّ رُجّح النصب في نحو : «جلست حيث زيداً أراه». وندرت إضافتها إلى المفرد كقول فاطمة الزهراء (عليها السلام) في رثاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

١٠٠ ـ فأنت والله خيرُ الخلق كلّهم

وأصدقُ الناس حيث الصدق والكذب (٣)

والكسائي يقيسه.

قال أبوالفتح في كتاب التمام : ومن أضاف «حيث» إلى المفرد أعربها ، انتهى.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٨٤ و ٣٨٥.

٢ ـ التفسير الكبير : ١/ ٢٠٥.

٣ ـ عوالم العلوم : ١١/ ٤٥٣.

١٠٧

وروي :

١٠١ ـ أما ترى حيث سهيل طالعا

نجماً يضيء كالشهاب لامعاً (١)

بفتح الثاء من «حيث» وخفض «سهيل» و «حيث» بالضم و «سهيل» بالرفع ، أي : موجود ، فحذف الخبر.

وإذا اتصلت بها «ما» الكافّة ضمّنت معنى الشرط وجزمت الفعلين كقوله (٢) :

١٠٢ ـ حيثما تَسْتَقم يقدّر لك اللـ

ـهُ نَجاحاً في غابِر الأزمانِ

وهذا البيت دليل على مجيئها للزمان.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٩٠ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/١٥١ ، لم يسمّ قائله.

٢ ـ لم يسمّ قائله. شرح شواهد المغني : ١/٣١٩ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/١٥٣.

١٠٨

حرف الخاء

(خلا)

على وجهين :

أحدهما : أن تكون حرفاً جارّاً للمستثنى ، ثم قيل : موضعها نصب عن تمام الكلام ، وقيل : تتعلق بما قبلها من فعل أو شبهه على قاعدة أحرف الجر ، والصواب : الأوّل؛ لأنها لا تعدّي الأفعال إلى الأسماء ، أي : لا توصل معناها إليها ، بل تزيل معناها عنها فأشبهت في عدم التعدية الحروف الزائدة (١).

والثاني : أن تكون فعلاً متعدياً ناصباً له ، وفاعلها على الحد المذكور في فاعل «حاشا» والجملة مستأنفة أو حالية ، على خلاف في ذلك وتقول : «قاموا خلا زيداً» وإن شئت خفضت إلاّ في نحو قول لبيد :

__________________

١ ـ والقائل أن يقول : لانسلم أن معنى التعدية ما ذكره وإنّما معناها جعل المجرور مفعولاً به لذلك الفعل ولا يلزم منه إثبات ذلك المعنى للمجرور بل إيصاله إليه على الوجه الذي يقتضيه الحرف وهو هنا مفيد لانتفائه عنه. قاله الدماميني في تحفة الغريب : ٢٧١ ، فتأمّل.

١٠٩

١٠٣ ـ ألا كلُ شيء ما خلاالله باطلُ

وكلُ نعيم لا محالة زائلُ (١)

وذلك لأن «ما» هذه مصدرية ، فدخولها يعيّن الفعلية وموضع «ما خلا» نصب فقال السيرافي : على الحال. وقيل : على الظرف على نيابتها وصلتها عن الوقت ، فمعنى «قاموا ما خلا زيداً» على الأول : قاموا خالين زيداً ، وعلى الثاني : قاموا وقت خلوهم زيداً ، وهذا الخلاف المذكور في محلها خافضة وناصبة ثابت في «حاشا وعدا» ، وقال ابن خروف : على الاستثناء كانتصاب «غير» في «قاموا غير زيد».

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٩٢ شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/١٥٤.

١١٠

حرف الرّاء

(رُبّ)

حرف جرّ خلافاً للكوفيين في دعوى اسميته وقولهم : إنه اُخبر عنه في قول ثابت بن قطنة :

١٠٤ ـ إن يقتلوك فإنَّ قتلك لم يكن

عاراً عليك ورُبّ قتل عارُ (١)

ممنوع ، بل «عار» خبر لمحذوف والجملة صفة للمجرور أو خبر له؛ إذ هو في موضع مبتدأ كما سيأتي. وليس معناه التقليل دائماً خلافاً للأ كثرين ، ولا التكثير دائماً ، خلافاً لابن درستويه وجماعة ، بل ترد للتكثير كثيراً وللتقليل قليلاً.

فمن الأوّل قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّالّذينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوامُسْلِمينَ) (الحجر / ٢) وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ياربّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» (٢) فإن الآية والحديث مسوقان للتخويف وهو لا يناسبه التقليل.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٨٩.

٢ ـ صحيح البخاري : ٢/٦٢.

١١١

ومن الثاني قوله (١) :

١٠٥ ـ ألا رُبَّ مولود وليس له أبٌ

وذي وَلَد لَم يَلْدَهُ أبَوانِ

أراد عيسى وآدم على نبيّنا وآله وعليهما الصلاة والسلام.

وتنفرد «ربّ» من سائر حروف الجرّ بوجوب تصديرها ووجوب تنكير مجرورها ، ونعته إن كان ظاهراً ، وإفراده وتذكيره وتمييزه بما يطابق المعنى إن كان ضميراً ، وغلبة حذف معدّاها ومضيّه ، وإعمالها محذوفة بعد الفاء كثيراً ، وبعد الواو أكثر ، وبعد «بل» قليلاً ، وبدونهنّ أقل كقول ربيعة بن مقروم الضبي :

١٠٦ ـ فإن أهلِكْ فذي لَهَب لَظاهُ

علىّ يكادُ يلتهبُ التهابا (٢)

وقول كعب بن مالك :

١٠٧ ـ وسائلة تُسائل ما لقينا

ولو شَهِدَتْ أرَتْنا صابرينا (٣)

وقول رؤبة :

١٠٨ ـ بل بَلد ذي صُعُد وآكام

تُخْشى مَرادِيه وهجر ذوّاب (٤)

رُبّ وقول جميل :

١٠٩ ـ رسم دار وقفتُ في طَلَلِهْ

كدتُ أقضِي الحياةَ من جَلَلِهْ (٥)

__________________

١ ـ هو لرجل من أزد السراة وقيل : لعمر والجنبيّ. شرح شواهد المغني : ١/٣٩٨ ، ونسبه البغدادي إلى الأول. شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/١٧٤.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٦٦.

٣ ـ السيرة النبويّة : ٣/٢٦٧.

٤ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/١٨٩.

٥ ـ شرح شواهد المغني : ١/ ٣٦٥.

١١٢

وبأنها زائدة في الإعراب دون المعنى ، فمحل مجرورها في نحو : «ربّ رجل صالح عندي» رفع على الابتدائية ، وفي نحو : «رب رجل صالح لقيت» نصب على المفعولية ، وفي نحو : «ربّ رجل صالح لقيته» رفع أو نصب كما في قولك : «هذا لقيته» وبجواز مراعاة محلّه كثيراً وإن لم يجز نحو : «مررت بزيد وعمراً» إلاّ قليلاً.

وإذا زيدت «ما» بعدها ، فالغالب أن تكفّها عن العمل وأن تهيّئها للدخول على الجمل الفعليّة وأن يكون الفعل ماضياً لفظاً ومعنىً كقول ابن عباس في علي (عليه السلام) :

«فلربّما رأيته يخرج حاسراً بيده السيف إلى الرجل الدّراع فيقتله» (١).

ومن إعمالها قول عديّ بن الرعلاء :

١١٠ ـ ربّما ضَربَة بسيف صَقيل

بَيْنَ بُصْرى وطَعنَة نَجلاء (٢)

ومن دخولها على الجملة الاسمية قول أبي دؤاد :

١١١ ـ ربّما الجامِلُ المؤبَّلُ فيهم

وعناجيجُ بينهنّ المِهارُ (٣)

وقيل : لا تدخل المكفوفة على الاسميّة أصلاً وإن «ما» في البيت نكرة موصوفة و «الجامل» خبر لـ «هو» محذوفاً والجملة صفة لـ «ما».

ومن دخولها على الفعل المستقبل (رُبَما يَوَدُّ الّذينَ كَفَرُوا) (الحجر / ٢).

وفي «ربّ» ستّ عشرة لغة : ضم الراء وفتحها وكلاهما مع التشديد

__________________

١ ـ مناقب ابن مغازلي : ٧١.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٠٤.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٠٥.

١١٣

والتخفيف والأوجه الأربعة مع تاء التأنيث ساكنة أو محرّكة ومع التجرّد منها ، فهذه اثنتا عشرة والضم والفتح مع إسكان الباء وضمّ الحرفين مع التشديد والتخفيف.

١١٤

حرف السين

(السين المفردة)

حرف يختص بالمضارع ، ويُخلّصه للاستقبال كقول حسّان :

١١٢ ـ وقال ساُعطي الراية اليوم صارماً

كَمِيّاً محبّاً للإله موالياً (١)

ومعنى قول المعربين فيها : «حرف تنفيس» ، حرف توسيع ، وذلك أنها نقلت المضارع من الزمن الضيق ـ وهو الحال ـ إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال ، وأوضح من عبارتهم قول الزمخشري وغيره : «حرف استقبال».

(سَوْفَ)

مرادفة للسين أو أوسع منها ، على خلاف في ذلك ، وكأنّ القائل بذلك نظر إلى أن كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى ، وليس بمطّرد ، ويقال فيها : «سف» بحذف الوسط ، و «سو» بحذف الأخير ، و «سي» بحذفه وقلب الوسط ياء مبالغة في التخفيف حكاها صاحب المحكم.

__________________

١ ـ الإشارد : ٣٧.

١١٥

وتنفرد عن السين بدخول اللام عليها ، نحو : (وَلَسَوْفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضى) (الضحى / ٥) وبأنها قد تفصل بالفعل الملغى ، كقول زهير بن أبي سلمى :

١١٣ ـ وماأدريوسوفَ إخالُ أدري

أقومٌ آلُ حِصن أم نساء؟ (١)

(سواء)

تكون بمعنى : «مُستو» فتقصر مع الكسر ، نحو : (مَكاناً سِوىً) (طه / ٥٨) وقد تمدُّ مع الفتح ، نحو : «مررتُ برجل سواء والعدمُ» ، وبمعنى : الوسط ، وبمعنى : التام فتمدّ فيهما مع الفتح ، نحو قوله تعالى : (في سَواء الجَحيمِ) (الصافات / ٥٥) وقولك : «هذا درهمٌ سواء». وبمعنى : القصد فتقصر مع الكسر وهو أغرب معانيها كقول قيس بن الخطيم :

١١٤ ـ فلأصرِفَنَّ سِوى حُذيفةَ مِدْحَتي

لفَتى العَشيّ وفارس الأحزاب (٢)

ذكره ابن الشجري ، وبمعنى : «مكان» أو «غير» على خلاف في ذلك ، فتمدّ مع الفتح وتقصر مع الضمّ ويجوز الوجهان مع الكسر ، وتقع هذه صفة واستثناء كما تقع «غير» ، وهو عند الزجاجي وابن مالك كـ «غير» في المعنى والتصرف ، فتقول : «جاءني سواك» بالرفع على الفاعلية ، و «رأيتُ سواك» بالنصب على المفعولية و «ما جاءني أحد سواك» بالنصب والرفع وهو الأرجح ، وعند سيبويه والجمهور أنها ظرف مكان ملازم للنصب ، لا يخرج عن ذلك إلاّ في الضرورة.

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/١٣٠.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/٢٢٠.

١١٦

تنبيه

يخبر بـ «سواء» التي بمعنى «مستو» عن الواحد ، نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «فليكن أمرالناس عندك في الحق سواء» (١) وما فوقه ، نحو قول كعب بن مالك :

١١٥ ـ ليسا سواء وشَتّى بين أمرهما

حزب الإله وأهل الشرك والنصب (٢)

وقوله تعالى : (لَيْسُوا سَواء) (آل عمران /١١٣) ؛ لأنها في الأصل مصدر بمعنى الاستواء ، وقد اُجيز في قوله تعالى : (سَواء عَلَيْهِمْ أأنْذَرتَهُم أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (البقرة / ٦) كونها خبراً عما قبلها أو عما بعدها أو مبتدأ ، وما بعدها فاعل على الأول ومبتدأ على الثاني وخبر على الثالث.

(سيّ)

من «لا سيّما» اسم بمنزلة «مثل» وزناً ومعنىً ، وعينه في الأصل واو وتثنيته «سيّان» ، نحو قول أبو دهبل الجمحي في مدح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) :

١١٦ ـ عَقَمَ النساء فلا يلدن شبيهه

إن النساء بمثله عُقْم

متهلّل نعم بلا متباعد

سيان منه الوَفْر والعدم (٣)

وتستغني حينئذ عن الإضافة كما استغنت عنها «مثل» في قوله (٤) :

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ك ٥٩/١٠٤٣.

٢ ـ السيرة النبوية : ٣/ ١٧٠.

٣ ـ مناقب ابن شهر آشوب : ١/١٦٨.

٤ ـ قال السيوطي : هو لعبد الرحمن بن حسان وقيل : لكعب بن مالك. شرح شواهد المغني : ١/١٧٨.

١١٧

١١٧ ـ مَنْ يَفْعلِ الحسنات الله يشكرها

والشرُ بالشر عندالله مثلانِ

واستغنوا بتثنيته عن تثنية «سواء» فلم يقولوا : «سواءان» إلاّ شاذاً.

وتشديد يائه ودخول «لا» عليه ودخول الواو على «لا» واجب وذهب ثعلب إلى أنّ من استعمله على خلاف ذلك فهو مخطئ.

وذكر غيره أنّه قد يخفّف ، وقد تحذف الواو كقوله (١) :

١١٨ ـ فِهْ بالعقود وبالأيمان لاسيَما

عَقْدٌ وفاء به من أعظم القُرَب

وهي عندالفارسي نصب على الحال ، فإذا قيل : «قاموا لاسيما زيد» فالناصب «قام» ، ولو كان كما ذكر لامتنع دخول الواو ، ولوجب تكرار «لا» كما تقول : «رأيت زيداً لا مثلَ عمرو ولا مثلَ خالد» وعند غيره هو اسم لـ «لا» التبرئة ، ويجوز في الاسم الذي بعدها الجر والرفع مطلقاً ، والنصب أيضاً إذا كان نكرة ، والجر أرجحها ، وهو على الإضافة ، و «ما» زائدة بينهما ، والرفع على أنه خبر لمضمر محذوف و «ما» موصولة أو نكرة موصوفة بالجملة.

ويضعفه في نحو : «ولا سيَّما زيدٌ» حذفُ العائد المرفوع مع عدم الطول ، وإطلاق «ما» على من يعقل ، وعلى الوجهين ففتحة «سيّ» إعراب؛ لأنه مضاف ، والنصب على التمييز و «ما» كافة عن الإضافة ، والفتحة بناء مثلها في «لا رجلَ» وأما انتصاب المعرفة نحو : «ولا سيّما زيداً» فمنعه الجمهور ، وقال ابن الدهّان : لا أعرف له وجهاً. ووجّهه بعضهم بأنّ «ما» كافة وأنّ «لا سيّما» نزلت منزلة «إلاّ» في الاستثناء ، ورُدّ بأن المستثنى مخرج ، وما بعدها داخل من باب أولى ، واُجيب بأنه مخرج مما أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها ، وعلى هذا فيكون استثناء منقطعاً.

__________________

١ ـ لم يسم قائله شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/٢١٩.

١١٨

حرف العين

(عدا)

مثل «خلا» ، فيما ذكرناه من القسمين ، وفي حكمها مع «ما» والخلاف في ذلك.

(عسى)

فعل معناه التَّرجِّي في المحبوب والإشفاق في المكروه ، نحو قوله تعالى : (فَاُؤلئكَ عَسَى الله أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) (النساء / ٩٩) وقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) وقت الشورى : «عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تُنتضى فيه السيوف وتخان فيه العهود» (١).

وتستعمل على أوجه :

أحدها : أن يقال : «عسى زيدٌ أن يقوم» واختلف في إعرابه على أقوال :

الأول : ـ وهو قول الجمهور ـ أنّه مثل «كان زيد يقوم» واستشكل بأن الخبر

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٣٩/٤٢٧.

١١٩

في تأويل المصدر ، والمخبر عنه ذات ، ولا يكون الحدث عين الذات ، واُجيب بأنه من باب «زيد عدل» أو على تقدير مضاف : إمّا قبل الاسم ، أي : عسى أمر زيد القيام ، أو قبل الخبر أي : عسى زيد صاحب القيام.

الثاني : أنها فعل متعد بمنزلة «قاربَ» معنىً وعملاً أو قاصر بمنزلة «قَرُبَ من أن يفعل» وحُذفَ الجارُّ توسعاً ، وهذا مذهب سيبويه والمبرّد.

الثالث : أنها فعل قاصر بمنزلة «قَرُبَ» ، و «أن» والفعل بدل اشتمال من فاعلها وهو مذهب الكوفيين. ويردُّه أنه حينئذ يكون بدلاً لازماً تتوقف عليه فائدة الكلام ، وليس هذا شأن البدل.

الرابع : أنها فعل ناقص و «أنْ» والفعل بدل اشتمال وأنّ هذا البدل سدَّ مسدّ الجزأين كما سد مسد المفعولين في قراءة حمزة : (وَلاتَحْسَبَنَّ الّذينَ كَفَرُوا أنّما نُمْلي لَهُمْ خَيرٌ) (آل عمران / ١٧٨). بالخطاب ، واختاره ابن مالك.

الاستعمال الثاني : أن تسند إلى «أنْ» والفعل ، فتكون فعلاً تاماً ، وقال ابن مالك : عندي أنها ناقصة أبداً ، ولكن سدَّتْ «أنْ» وصلتها في هذه الحالة مسدَّ الجزأين.

الثالث والرابع والخامس : أن يأتي بعدها المضارع المجرد أو المقرون بالسين أو الاسم المفرد. والأول قليل كقول هدبة بن خشرم :

١١٩ ـ عسى الكربُ الذي أمسيتَ فيه

يكون وراءه فَرج قريبُ (١)

والثالث : أقلُّ كقوله (٢) :

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٤٤٣.

٢ ـ لم يسم قائله ، شرح شواهد المغني : ١/٤٤٥.

١٢٠