مغني الأديب - ج ١

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة

مغني الأديب - ج ١

المؤلف:

جماعة من أساتذة الأدب العربي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات نهاوندي
الطبعة: ١
ISBN: 964-6388-18-3
ISBN الدورة:
964-6388-18-3

الصفحات: ٢٩١
الجزء ١ الجزء ٢

٧١ ـ خرجنا منك بالأهلين جمعاً

رجعنا لا رِجالَ ولا بنينا (١)

وقد اختلف في الباء من قوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك) (النصر /٣) فقيل : للمصاحبة ، والحمد مضاف إلى المفعول ، أي : فسبحه حامداً له ، أي : نزّهه عما لايليق به ، وأثبتْ له ما يليق به ، وقيل : للاستعانة ، والحمد مضاف إلى الفاعل ، أي : سبّحه بما حَمِدَ به نفسه.

السادس : الظرفية ، نحو قوله تعالى : (نَجَّيناهُمْ بِسَحَر) (القمر /٣٤) وقول حسّان :

٧٢ ـ يُناديهم يومَ الغدير نبيّهم

بخمٍّ وأسمع بالرسول مناديا (٢)

السابع : البدل ، كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «أما والله لَوَدِدْتُ أنّ لي بكم ألف فارس من بَني فراسِ بنِ غَنْم» (٣) وقول قريط بن اُنيف :

٧٣ ـ فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرساناً وركباناً (٤)

وانتصاب «الإغارة» على أنه مفعول لأجله.

الثامن : المقابلة ، وهي الداخلة على الأعواض ، نحو : «اشتريته بألف» ومنه : (ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل /٣٢) وإنما لم نقدرها باء السببية كما قالت المعتزلة وكما قال الجميع في الحديث النبوي «لَنْ يدخُلَ أحَدكُم الجنّةَ بعمله» (٥) ؛

__________________

١ ـ أدب الطف : ١/٧٥.

٢ ـ الإرشاد : ٩٤.

٣ ـ نهج البلاغة : ط ٢٥/٨٩.

٤ ـ شرح شواهد المغني : ١/٦٩.

٥ ـ أورده ابن هشام في المغني بهذا اللفظ والذي وَجدناه ما قريبه ، نحو : «ما مِنْ أحَدٍ يدخُلُ الجنّةَ بعمله» ، كنزالعمال : ٤/ح ١٠٤١٠.

٨١

لأن المُعطى بعوض قد يعطى مجاناً ، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب ، وقد تبين أنه لا تعارض بين الحديث والآية؛ لاختلاف محملي الباءين جمعاً بين الأدلة.

التاسع : المجاوزة كـ «عَنْ» ، فقيل : تختص بالسؤال ، نحو : (فاسألْ بِهِ خَبيراً) (الفرقان / ٥٩) ، بدليل (يسألُونَ عَنْ أَنْبائكُمْ) (الأحزاب /٢٠) وقيل : لاتختص به ، بدليل قوله تعالى : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أيْديهِمْ وبأيمانِهِم) (الحديد /١٢).

وتأول البصريون (فاسأل به خبيراً) على أن الباء للسببية ، وزعموا أنها لاتكون بمعنى «عن» أصلاً ، وفيه بعد؛ لأنه لايقتضي قولُك : «سألت بسببه» أن المجرور هو المسؤول عنه.

العاشر : الاستعلاء ، نحو قوله تعالى : (مَنْ إنْ تَأمَنهُ بِقِنطار) (آل عمران/٧٥) الآية؛ بدليل (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إلاّ كَما أمِنْتُكُمْ عَلى أخيهِ مِنْ قَبلُ) (يوسف / ٦٤)

وقول راشد بن عبد ربّه :

٧٤ ـ أرَبٌّ يبولُ الثعلبان برأسه؟

 ....................

؛ بدليل تمامه :

 ....................

لقدْ هانَ منْ بالَتْ عليه الثعالِبُ

الحادي عشر : التبعيض ، أثبت ذلك الأصمعيّ والفارسي والقُتبيّ وابن مالك ، قيل : والكوفيون ، وجعلوا منه : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ الله) (الإنسان / ٦) قيل : ومنه : (وامْسَحُوا بِرُؤوسكُم) (المائدة / ٦) والظاهر أن الباء فيهما

__________________

١ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٢/٣٠٢. وروى السيوطي «ذلّ» مكان «هان». شرح شواهد المغني : ١/٣١٧.

٨٢

للإلصاق وقيل : هي في آية الوضوء للاستعانة ، وإن في الكلام حذفاً وقلباً؛ فإنّ «مسح» يتعدّى إلى المزال عنه بنفسه ، وإلى المزيل بالباء ، فالأصل : امسحوا رؤوسكم بالماء.

الثاني عشر : القسم ، وهو أصل أحرفه ، ولذلك خصت بجواز ذكر الفعل معها ، نحو قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «فاُقسم بالله يا بني اُمية عما قليل لَتَعْرِفنّها في أيدي غيركم وفي دار عدوّكم» (١) ودخولها على الضمير ، نحو : «بك لأفعلنّ» واستعمالها في القسم الاستعطافي ، نحو : «بالله هل قام زيد؟» أي : أسألك بالله مستحلفاً.

الثالث عشر : الغاية ، نحو : (وَقَدْ أحْسَنَ بِي) (يوسف / ١٠٠) أي : إليّ وقيل : ضمن «أحسن» معنى «لطف».

الرابع عشر : التوكيد وهي الزائدة ، وزيادتها في ستة مواضع :

أحدها : الفاعل ، وزيادتها فيه واجبة ، وغالبة ، وضرورة.

فالواجبة في نحو : «أحسنْ بزيد» في قول الجمهور : إن الأصل : أحسنَ زيد بمعنى «صارذا حُسْن» ، ثم غيرت صيغة الخبر إلى الطلب ، وزيدت الباء إصلاحاً للفظ ، وأمّا إذا قيل : بأنه أمر لفظاً ومعنى وأن فيه ضمير المخاطب مستتراً فالباء مُعدّية مثلها في «اُمْرُر بزيد».

والغالبة في فاعل «كفى» ، نحو : (كَفى بِالله شَهيداً) (الرعد / ٤٣) وقال الزجاج : دخلت لتضمن «كفى» معنى «إكتفِ» وهو من الحسن بمكان ، ويصححه قولهم : «اتّقى الله امرُؤٌ فعلَ خيراً يُثَبْ عليه» أي : ليتَّقِ وليفعل؛ بدليل جزم «يُثَبْ»

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ط ١٠٤/٣٠٩.

٨٣

ويوجبه قولهم : «كفى بهند» بترك التاء ، فإن احتجّ بالفاصل فهو مجوز لا موجب؛ بدليل (وما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة) (الأنعام / ٥٩) فإن عُورض بقولك : «أحسنْ بهند» فالتاء لاتلحق صيغ الأمر ، وإن كان معناها الخبر.

قالوا : ومن مجيء فاعل «كفى» هذه مجرداً من الباء قول سُحيم :

٧٥ ـ عُمَيْرَةَ وَدّعْ إنْ تَجهَّزْت غاديا

كفى الشّيبُ والإسلامُ للمرء ناهيا (١)

ووجه ذلك ـ على ما اخترناه ـ : أنه لم يستعمل «كفى» هنا بمعنى «إكتفِ» ولاتزاد الباء في فاعل «كفى» التي بمعنى «أجزأ وأغنى» ولا التي بمعنى «وقى» والاُولى متعدية لواحد كقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : «كفاك أدباً لنفسك اجتنابُ ما تكرَهُهُ من غيرك» (٢).

والثانية متعدية لا ثنين ، نحو (وكَفَى الله المؤمنينَ القِتال) (الأحزاب / ٢٥).

والضرورة كقول قيس بن زهير :

٧٦ ـ ألم يأتيك والأنباء تَنْمي

بما لاقتْ لَبونُ بني زياد (٣)

وقال ابن الضائع : إن الباء متعلقة بـ «تنمي» ، وإن فاعل «يأتي» مضمر ، فالمسألة من باب الإعمال.

الثاني : مما تزاد فيه الباء المفعول ، نحو قوله تعالى : (ولاتُلْقُوا بِأيدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة / ١٩٥) (وهُزِّي إليكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) (مريم / ٢٥) وقوله (٤) :

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٢٥.

٢ ـ نهج البلاغة : ح ٤٠٤/١٢٧٨.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٢٨.

٤ ـ لم يسم قائله و «بني جعدة» منصوب على الاختصاص وروي بالرفع أيضاً. شرح أبيات مغني اللبيب : ٢ /٣٦٦.

٨٤

٧٧ ـ نحن بَني جَعْدَةَ أربابُ الفَلَج

نضرب بالسّيفِ ونَرجُو بالفَرَج

الشاهد في الثانية ، وأمّا الاُولى فللاستعانة ، وقيل : ضمن «تلقوا» معنى «تُفضُوا» و «نرجو» معنى «نطمع» وقيل : المراد : لا تُلقُوا أنفسكم إلى التهلكة بأيديكم ، فحذف المفعول به ، والباء للآلة ، أو المراد بسبب أيديكم كما يقال : لاتُفسد أمرك برأيك.

وكثرت زيادتها في مفعول «عرفت» ونحوه ، وقلّت في مفعول ما يتعدى لاثنين كقوله تعالى : (يُسْقى بِماء واحِد) (الرعد / ٤).

وقد زيدت في مفعول «كفى» المتعدية لواحد ، ومنه الحديث النبوي : «كفى بالمرء كَذِباً أن يُحَدِّثَ بِكُلّ ما سمع» (١) وقوله (٢) :

الثالث : المبتدأ ، نحو قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «كيف بإحداكن إذا نبحتْها كلابُ الحَوأب» (٣) وقول العرب : «بحسبك درهم» ومنه عند سيبويه : (بأيِّكُمُ المَفْتُونُ) (القلم /٦) وقال أبوالحسن : «بأيكم» متعلق باستقرار محذوف مخبر به عن «المفتون» ، ثم اختلف ، فقيل : «المفتون» مصدر بمعنى «الفتنة» وقيل : الباء ظرفية ، أي : في أيّ طائفة منكم المفتون.

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ١/١٠ ، المقدمة ، باب ٣ ، ح ٥.

٢ ـ هو لكعب بن مالك وقيل : لحسان بن ثابت وقيل : لبشير بن عبد الرحمن. شرح شواهد المغني : ١/٣٣٧.

٣ ـ المستدرك على الصحيحين في الحديث : ٣/١٢٠.

٨٥

تنبيه

من الغريب أنها زيدت فيما أصله المبتدأ وهو اسم «ليس» بشرط أن يتأخر إلى موضع الخبر كقراءة بعضهم : (لَيْسَ البِرَّ بِأنْ تُوَلُّوا) (البقرة / ١٧٧) بنصب «البرّ».

الرابع : الخبر ، وهو ضربان : غير موجب فينقاس ، نحو قوله تعالى : (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيل) (الأنعام / ٦٦) وقول الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) : «وما أنا بأظلم من تاب إليك فعُدْتَ عليه» (١) وموجب فيتوقف على السماع ، وهو قول الأخفش ومن تابعه ، وجعلوا منه قوله تعالى : (جَزاء سَيِّـئة بِمِثلِها) (يونس / ٢٧) والأولى تعليق «بمثلها» باستقرار محذوف هوالخبر.

الخامس : الحال المنفي عاملها كقول القُحيف :

٧٩ ـ فما رَجَعتْ بخائبة ركابٌ

حكيمُ بن المسيّب مُنتَهاها (٢)

وقوله (٣) :

٨٠ ـ كائن دُعيتُ إلى بأساء داهِمة

فما انبعثتُ بمزؤُود ولا وَكَلِ

ذكر ذلك ابن مالك وخالفه أبوحيان ، وخرّج البيتين على أن التقدير : بحاجة خائبة وبشخص مزؤود ، أي : مذعور ويريد بالمزؤود نفسه على حد قولهم : «رأيت منه أسداً» وهذا التخريج ظاهر في البيت الأول دون الثاني؛ لأن صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها ولهذا قيل في قوله تعالى :

__________________

١ ـ الصحيفة الكاملة السجادية ، الدعاء الثاني عشر : ٩٨.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٢/ ٣٩١.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٤٠ وشرح أبيات مغني اللبيب : ٢/٣٩٣. لم يسم قائله.

٨٦

(وما رَبُّكَ بِظلاّم) (فصّلت / ٤٦) : إن «فعّالاً» هنا ليس للمبالغة بل للنسب أي : وما ربك بذي ظلم؛ لأن الله تعالى لايظلم الناس شيئاً. ولا يقال : «لقيت منه أسداً أو بحراً» أو نحو ذلك إلاّ عند قصد المبالغة في الوصف بالإقدام والكرم.

السادس : التوكيد بالنفس والعين ، وجعل منه بعضهم قوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ) (البقرة / ٢٢٨) ، وفيه نظر؛ إذ حق الضمير المرفوع المتصل المؤكد بالنفس أو العين أن يؤكد أوّلاً بالمنفصل كـ «قمتم أنتم أنفسكم».

(بَجَلْ)

على وجهين : حرف بمعنى «نعم» واسم وهي على قسمين : اسم فعل بمعنى «يكفي» واسم مرادف لِـ «حسب» ويقال على الأوّل : «بجلْني» وهو نادر ، وعلى الثاني : «بجلي».

(بَلْ)

حرف إضراب ، فإن تلاها جملة كان معنى الإضراب إمّا إلا بطال ، نحو : (وَقالُوا اتّخَذَ الرّحمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ ، بَلْ عِبادٌ مُكْرمُونَ) (الأنبياء / ٢٦) أي : بل هم عباد ، ونحو : (أمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنّةٌ بَلْ جاءهُمْ بِالحَقّ) (المؤمنون / ٧٠) وإمّا الانتقال من غرض إلى آخر ، نحو قوله تعالى : (قَد أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَاسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى بَلْ تؤثِرُونَ الحَيوةَ الدُّنيا) (الأعلى / ١٤ ـ ١٦) وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في عليّ (عليه السلام) : «ما أنا انتجَيْتُه بل الله انتجاه» (١) وهي في ذلك كلّه حرف ابتداء لاعاطفة على الصحيح.

__________________

١ ـ مناقب ابن مغازلي : ١١٧.

٨٧

وإن تلاها مفرد فهي عاطفة ، ثم إن تقدّمها أمر أو إيجاب كـ «اضرب زيداً بل عمراً» و «قام زيد بل عمرو» فهي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه ، فلايحكم عليه بشي وتثبت الحكم لما بعدها ، وإن تقدمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حالته ، وجعل ضدّه لما بعدها ، نحو : «ما قام زيد بل عمرو» و «لايقم زيد بل عمرو» وأجاز المبرد وعبدالوارث أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها.

وتزاد قبلها «لا» لتوكيد الإضراب (١) بعد الإيجاب كقوله (٢) :

٨١ ـ وجهك البدر لابل الشمس لو لم

تقض للشمس كسفة أو اُفول

ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي ، ومنع ابن درستويه زيادتها بعد النفي ، وليس بشيء ، لقول أبي الرميح الخزاعي :

٨٢ ـ تبكّى على آل النبي محمّد

وما أكثرت في الدمع لابل أقلّت (٣)

(بَلْهَ)

بَلى على ثلاثة أوجه : اسم لـ «دع» ومصدر بمعنى الترك ، واسم مرادف لـ «كيف» ، وما بعدها منصوب على الأوّل ومخفوض على الثاني ومرفوع على الثالث وفتحها بناء على الأول والثالث وإعراب على الثاني. وقد روي بالأوجه الثلاثة قول كعب بن مالك يصف السيوف :

__________________

١ ـ قال ابن هشام في بحث «لا» العاطفة : فإذا قيل : «جاءني زيد لابل عمرو» فالعاطف «بل» و «لا» ردّ قبلها. وهذا يقتضي أن لا تكون زائدة ، فهو خلاف ظاهر كلامه هنا. فافهم.

٢ ـ لم يسر قائله. شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/١٣ و ٤.

٣ ـ أدب الطف : ١/ ٥٩.

٨٨

٨٣ ـ تذر الجَماجِمَ ضاحياً هاماتُها

بَلْهَ الأكُفّ كأنّها لم تُخلقِ (١)

وإذا قيل : «بلهَ الزيدَينِ أو المسلمينَ أو أحمدَ أو الهنداتِ» احتملت المصدرية واسم الفعل.

ومن الغريب أن في البخاري في تفسير آلم السجدة : يقول الله تعالى : (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأتْ ولا اُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخراً من بلهِ ما اُطلعْتم عليه) (٢) فاستعملت معربة مجرورة بـ «من» خارجة عن المعاني الثلاثة وفسّرها بعضهم بـ «غير» وهو ظاهر وبهذا يتقوى من يعدّها في ألفاظ الاستثناء.

(بَلى)

حرف جواب تختصّ بالنفي وتفيد إبطاله ، سواء كان مجرداً ، نحو : (زَعَمَ الّذينَ كَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بلى ورَبّي) (التغابن / ٧) أم مقروناً بالاستفهام حقيقياً كان ، نحو قول اُم سلمة : قلت يا رسول الله ألست من أهلك؟ (فـ) قال : «بلى» (٣) أو توبيخياً ، نحو : (أمْ يَحْسَبُونَ أنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْويهُمْ بَلى) (الزخرف / ٨٠) أو تقريرياً ، نحو : (ألسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف / ١٧٢) أجروا النفي مع التقرير مُجرى النفي المجرّد في ردّه بـ «بلى» ولذلك قال ابن عباس وغيره : لو قالوا : «نعم» لكفروا. ووجهه : أنّ «نعم» تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب ولذلك قال جماعة من الفقهاء : لو قال : أليس لي عليك الف؟ فقال : «بلى» لزمته ،

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٥٣.

٢ ـ صحيح البخاري : ٦/١٤٥. والمروي فيه : «بله» وفي هامشه : أن في بعض النسخ «من بله».

٣ ـ تفسير فرات الكوفي : ١٢٤.

٨٩

ولو قال : «نعم» لم تلزمه وقال آخرون : تلزمه فيهما ، وجروا في ذلك على مقتضى العرف لا اللغة.

(بَيْدَ)

ويقال : «مَيدَ» بالميم وهو اسم ملازم لِلإضافة إلى «أن» وصلتها ، وله معنيان :

أحدهما : «غير» إلاّ أنّه لايقع مرفوعاً ولا مجروراً ، بل منصوباً ولايقع صفة ولا استثناء متّصلاً ، وإنما يستثنى به في الانقطاع خاصّة ، ومنه الحديث النبوىّ : «نحن الآخرون ونحن السابقون يومَ القيامة بيد أنّ كلّ اُمّة اُوتيت الكتاب من قبلنا» (١).

الثاني : أن تكون بمعنى «من أجل» ومنه الحديث النبويّ : «أنا أفصح من نطق بالضادّ بيدَ أنّي من قريش واستُرضعتُ من بني سعدبن بكر» (٢) وقال ابن مالك وغيره : إنّها هنا بمعنى «غير» على حدّ قول النابغة الذبياني :

٨٤ ـ ولاعَيبَ فيهم غيرَ أنّ سيوفهم

بهنَّ فُلُول من قِراع الكَتائب (٣)

__________________

١ ـ مسند أحمد : ٢/٢٤٩.

٢ ـ مناهل الصفا : ١٢.

٣ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٤٩.

٩٠

حرف التاء

التاء المفردة : محرّكة في أوائل الأسماء ، ومحرّكة في أواخرها ومحرّكة في أواخر الأفعال ، ومسكنة في أواخرها.

فالمحرّكة في أوائل الأسماء حرف جر معناه القسم ، وتختص بالتعجب وباسم الله تعالى ، نحو قوله (١) :

٨٥ ـ تالله لولا الله ما اهتدينا

وما تصدّقنا وما صلّينا

وربّما قالوا : «تربّي» و «تربّ الكعبة» و «تالرحمن». قال الزمخشري في (وتَالله لأكيدَنَّ أصنامَكُمْ) (الأنبياء / ٥٧) : إنّ الباء هي الأصل والتاء بدل من الواو المبدلة منها وإنّ التاء فيها زيادة معنى وهو التعجّب كأنّه تعجّب من تسهّل الكيد على يده وتأتّيه (٢).

__________________

١ ـ هذا من رجز نسب إلى عبدالله بن رواحة وعامر بن أكوع ، وروي أيضاً : «أللهم لو لا أنت ...» و «والله لو لا أنت ...» وعليهما فلا شاهد فيه. راجع شرح شواهد المغني : /٢٨٦ و ٢٨٧ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٢/٢٥٠ ـ ٢٥٢ و ٦/٣٧ و ٣٨.

٢ ـ الكشاف : ٣/١٢٢.

٩١

والمحركة في أواخرها حرف خطاب ، نحو : «أنت».

والمحركة في أواخر الأفعال ضمير ، نحو : «قمت».

والتاء الساكنة في أواخر الأفعال حرف وضع علامة للتأنيث كـ «قامتْ» وربما وصلت هذه بـ «ثمَّ» و «ربّ» والأكثر تحريكها معهما بالفتح.

٩٢

حرف الثاء

(ثَمَّ) (١)

اسم يشاربه إلى المكان البعيد ، نحو : (وأزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرينَ) (الشعراء / ٦٤) هو ظرف لا يتصرف ، فلذلك غُلّط من أعربه مفعولاً لـ «رأيت» في قوله تعالى : (وَإذا رَأيْتَ ثَمَّ رأيتَ) (الإنسان / ٢٠) ولايتقدمه حرف التنبيه ولايتأخر عنه كاف الخطاب.

(ثُمّ)

ويقال فيها : «فُمّ» ـ كقولهم في «جدث» : «جدف» ـ حرف عطف يقتضي ثلاثة اُمور : التشريك في الحكم ، والترتيب ، والمهلة ، وفي كل منها خلاف.

فأمّا التشريك فزعم الأخفش والكوفيون أنّه قد يتخلف ، وذلك بأن تقع

__________________

١ ـ وقد تلحقها التّاء ، فيقال : «ثمّة» قال عمرو بن سالم في مدح الرسول صلى الله عليه واله وسلم :

كنتَ لنا أباً وكنّا ولداً

ثمّت أسلمنا فلم ننزع يداً

الغدير : ٢/ ٥.

٩٣

زائدة ، فلا تكون عاطفة البتة (١) ، وحملوا على ذلك قوله تعالى : (حتّى إذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِم أنفُسُهُمْ وظَنُّوا أنْ لا مَلْجأ مِنَ الله إلاّ إلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) (التوبة / ١١٨) وخرّجت على تقدير الجواب.

وأمّا الترتيب فخالف قوم في اقتضائها إياه ، تمسكاً بقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس واحِدة ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوجَها) (الزمر /٦) وقول أبي نواس :

٨٦ ـ إنّ من سادَ ثُمَّ سادَ أبُوه

ثُمَّ قَدْ سادَ قبلَ ذلك جدُّه (٢)

والجواب عن الآية من وجوه :

منها : أن العطف على محذوف ، أي : من نفس واحدة ، أنشأها ثم جعل منها زوجها.

منها : أن العطف على «واحدة» على تأويلها بالفعل ، أي : من نفس توحّدت ، أي : انفردت ، ثم جعل منها زوجها.

منها : أن «ثمّ» لترتيب الإخبار لا لترتيب الحكم ، وأنه يقال : «بلغني ما صنعت اليوم ثمّ ما صنعت أمس أعجبُ» أي : ثم اُخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب.

والأولان أنفع من هذا الجواب؛ لأنهما يصحّحان الترتيب والمهلة ، وهذا يصحح الترتيب فقط؛ إذ لا تراخي بين الإخبارين ، ولكن الجواب الأخير أعمّ ؛

__________________

١ ـ قال الدماميني : وحينئذٍ فالخلاف في وقوعها زائدة غير عاطفة لا في اقتضائها التشريك مع كونها عاطفة ، فالعبارة غير محرورة وفي ظاهرها تدافع ، تحفة الغريب : ٢٤٢.

٢ ـ شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/٣٨.

٩٤

لأنه يصح أن يجاب به عن البيت أيضاً (١).

وأجاب ابن عصفور عن البيت بأن المراد أن الجد أتاه السؤدد من قبل الأب والأب من قبل الابن.

وأمّا المهلة فزعم الفراء أنها قد تتخلف ، بدليل قولك : «أعجبني ما صنعتَ اليوم ثمّ ما صنعت أمس أعجبُ» ؛ لأن «ثم» في ذلك لترتيب الإخبار ، ولا تراخي بين الإخبارين.

مسألة

أجرى الكوفيون «ثمّ» مجرى الفاء والواو ، في جواز نصب المضارع المقرون بها بعد فعل الشرط ، واستدلّ لهم بقراءة الحسن : (ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجراً إلى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكَه المَوتُ فَقَد وَقَعَ أجْرُهُ عَلَى الله) (النساء / ١٠٠) بنصب «يدرك» وأجراها ابن مالك مجراهما بعد الطلب ، فأجاز في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لايبولنّ أحدُكُم في الماء الدائم الذي لايجري ثمّ يغتسل فيه» (٢) ثلاثة أوجه : الرفع بتقدير : ثم هو يغتسل ، وبه جاءت الرواية ، والجزم بالعطف على موضع فعل النهي ، والنصب قال : بإعطاء «ثم» حكم واو الجمع ، فتوهم تلميذه أبو زكريا النووي أن المراد : إعطاؤها حكمها في إفادة معنى الجمع ، فقال :

__________________

١ ـ واعلم أنّه لا يصح الاحتجاج بكلام المولدين في العربية وعزاه السيوطي إلى الإجماع ، وأبو نواس من المولّدين فلا يصح التمسك بأشعاره كما قاله البغدادي فالأولى الاستشكال عليه بعدم الحجية ، راجع الاقتراح : ٧٠ ، شرح أبيات مغني اللبيب : ٣/٤٠.

٢ ـ صحيح البخاري : ١/٦٩ ، فتح الباري : ١/٣٤٦ ، موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف حرف اللام نقلاً عن عدّة كتب.

٩٥

لا يجوز النصب ؛ لأنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما ، دون إفراد أحدهما ، وهذا لم يقله أحد ، بل البول منهيّ عنه ، سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا ، انتهى. وإنما أراد ابن مالك إعطاءها حكمها في النصب ، لا في المعية أيضاً.

٩٦

حرف الجيم

(جَلَلْ)

حرف بمعنى : «نعم» حكاه الزجاج في كتاب الشجرة واسم بمعنى : «عظيم» أو «يسير» أو «أجْل».

فمن الأول قول حارث بن وعلة :

٨٧ ـ قومي هُم قتلوا ، اُمَيْمَ ، أخي

وإذا رَمَيْتُ يُصيبني سَهْمي

فلَئن عَفوت لأعفُوَنْ جللاً

ولَئن سَطَوْتُ لأوهِنَن عظمي (١)

ومن الثاني : قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) في رثاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «وإنّ المُصابَ بك لجليلٌ وإنّه قبلك وبعدك لَجَلَلٌ» (٢).

ومن الثالث قولهم : «فعلتُ كذا من جللك».

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٦٣.

٢ ـ نهج البلاغة : ح ٢٨٤/١٢٢٨.

٩٧

(جَيْرِ)

بالكسر على أصل التقاء الساكنين كـ «أَمس» ، وبالفتح للتخفيف كـ «أين» حرف جواب بمعنى : «نعم» لا اسم بمعنى «حقّاً» فتكون مصدراً ، ولا بمعنى : «أبداً» فتكون ظرفاً ، وإلاّ اُعربت ودخلت عليها «أل».

٩٨

حرف الحاء

(حاشا)

على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون فعلاً متعدّياً متصرفاً ، تقول : حاشيته ، بمعنى : «استثنيته».

ويدل على تصرّفه قول النابغة الذبياني :

٨٨ ـ ولا أرى فاعلاً في الناسِ يُشْبِهُهُ

ولا اُحاشي مِن الأقوام من أحد (١)

الثاني : أن تكون تنزيهية ، نحو (حاش لله) (يوسف / ٥١) وهي عند المبرّد وابن جنّي والكوفيين فعل ، قالوا : لتصرفهم فيها بالحذف ولإدخالهم إياها على الحرف ، وهذان الدليلان ينفيان الحرفية ، ولايثبتان الفعلية ، قالوا : والمعنى في الآية : جانب يوسف المعصية لأجل الله تعالى ولا يتأتى مثل هذا التأويل في نحو قوله تعالى : (حاش لله ما هذا بشراً) (يوسف / ٣١) وقول أميرالمؤمنين عليه السلام :

__________________

١ ـ شرح شواهد المغني : ١/٣٦٨.

٩٩

«وحاش أن تلي للمسلمين بعدي صدراً أو ورداً» (١) والصحيح : أنها اسم مرادف للبراءة بدليل قراءة أبي السمال : (٢) «حاشاً لله» بالتنوين كما يقال : «براءةً لله من كذا» وإنّما ترك التنوين في قراءة الأكثر؛ لبناء «حاشا» ؛ لشبهها بـ «حاشا» الحرفية.

الثالث : أن تكون للاستثناء ، فذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها حرف دائماً بمنزلة «إلاّ» لكنّها تجرالمستثنى ، وذهب جماعة إلى أنها تستعمل كثيراً حرفاً جاراً ، وقليلاً فعلاً متعدياً جامداً؛ لتضمّنه معنى «إلاّ» وسمع : «اللهم اغفرلي ولمن يسمع حاشا الشيطان وأبا الأصبغ».

وفاعل «حاشا» ضمير مستتر عائد إلى مصدر الفعل المتقدم عليها ، أو اسم فاعله ، أو البعض المفهوم من الاسم العام ، فإذا قيل : «قام القوم حاشا زيداً» ؛ فالمعنى : جانب هو أي : قيامهم ، أو القائم منهم ، أو بعضهم زيداً.

(حتّى)

حرف يأتي لأحد ثلاثة معان : انتهاء الغاية وهو الغالب ، والتعليل ، وبمعنى «إلاّ» في الاستثناء وهذا أقلّها وقلّ من يذكره ، وتستعمل على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون حرفاً جاراً بمنزلة «إلى» في المعنى والعمل ، ولكنها تخالفها في ثلاثة اُمور :

الأول : أن لمخفوضه شرطين ، أحدهما عام ، وهو أن يكون ظاهراً لامضمراً ،

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ك ٦٥/ ١٠٥٩.

٢ ـ الكشاف : ٢/ ٤٦٥.

١٠٠