تراثنا ـ العددان [ 50 و 51 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 50 و 51 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

وقام الرضي الاسترآبادي (ت ٦٨٦ هـ) بتشذيب هذا الحدّ ، فقال : «المفـرد لفـظ لا يدلّ جزؤه علـى جزء معنـاه»(١) ، وأخذ به نحاة اَ كابن هشام (ت ٧٦١ هـ)(٢) ، والسيوطي (ت ٩١١ هـ).(٣)

قال ابن هشام : «والمراد بالمفرد ما لا يدلّ جزؤه على جزء معناه ، وذلك نحو (زيـد)؛ فإنّ أجزاءه ـ وهـي : الزاي واليـاء والدال ـ إذا أفردت لا تدلّ على شيء ممّا يدلّ هو عليه ، بخلاف قولك : (غلامُ زيدٍ)؛ فإنّ كلاًّ من جزءَيـه ـ وهمـا : الغلام وزيد ـ دالّ على جزء معناه ، فهذا يسمّى مركّباً لا مفرداً».(٤)

وعرّفه ابن يعيش (ت ٦٤٣ هـ) بقوله : المفرد «أن يدلّ مجموع اللفظ على معنىً ، ولا يدلّ جزؤه على جزء من معناه ، ولا على غيره ، من حيث هو جزء له»(٥).

وميزةُ هذا الحدّ عن سابقه احتواؤه على قيد احترازيّ يتمثّل في عبارة (من حيث هو جزء له) ، وقد تابعه عليه ابن هشام مبيّناً فائدة القيد ، فقال : «وقولي (حين هو جزؤه) مُدخِل لنحو خمسةَ عشرَ؛ فإنّ كلاًّ منهما والحالة هذه لا يدلّ على معنىً ، وإن كان في وقت آخر يدلّ على جزء هذا العدد ،

____________

(١) شرح كافية ابن الحاجب ، الرضي ، تحقيق يوسف حسن عمر ١/٢٢.

(٢) أ ـ شرح قطر الندى وبلّ الصدى ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد : ١١.

ب ـ شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد : ١١.

(٣) همع الهوامـع في شرح جمـع الجوامع ، السيوطـي ، الجزء الاَوّل ، تحقيـق عبـد السلام هارون وعبـد العال سالم مكرم : ٤.

(٤) شرح قطر الندى : ١١.

(٥) شرح المفصّل ، ابن يعيش ١/١٩.

٣٨١

وكذلك عبـد الله عَلَماً».(١)

وقد لاحظ بعض متأخّري النحاة أنّ تعريف المفرد بهذا النحو هو «اصطلاح للمناطقة ، ذكره النحاة في كتبهم ، وخلطوه باصطلاحهم ، وأكثر النحاة على أن المفرد ما تلفّظ به مرّة واحدة ، كزيد ، والمركّب ما تلفّظَ به مرّتين بحسب العرف ، فعبـدُ الله عَلَماً على هذا القول مركّب ، وعلى القول الاَوّل مفرد ، ويرجّح القول الثاني أنّهم يقولون في مثلِ (عبـد الله) أنّه مركّب تركيباً إضافياً ، ويعربون كلاًّ من جزءَيه بإعراب ، ولو كان مفرداً لاَُعرب بإعراب واحد».(٢)

وبهذا التعريف يكون المفرد شاملاً لجميع أفراد ما يقابل المركّب مطلقاً ، تامّاً وغير تامّ.

* * *

____________

(١) شرح اللمحة البدرية ، ابن هشام ، تحقيق هادي نهر ١/٢٠٥.

(٢) حاشية الشيخ حسن العطّار على شرح الاَزهرية : ٢٤.

٣٨٢

سابع عشر ـ مصطلح التمييز

التمييز في اللغة : مصدرُ ميّزَ إذا خلّص شيئاً من شيء وفرّق بين متشابهين.(١)

قال ابن منظور : «مِزْتُ الشيءَ أَميزُهُ مَيْزاً : عزلته وفرزته ، وكذلك مَيَّزْتُهُ تمييزاً».(٢)

وقد استعمل (التمييز) في المعنى الاصطلاحي مجازاً من إطلاق المصدر على اسم الفاعل(٣) ، ثمّ صار حقيقة عرفية فيه.(٤)

وسوف يتّضح من خلال البحث أنّ مناسبة المعنى الاصطلاحي للغوي تتمثّل في تعيينه المراد من كلام يصلح للانطباق على عدّة معانٍ ، قال الحريري : «يسمّى تمييزاً؛ لاَنّه يميّز الجنس الذي تريده ، ويفرده من الاَجناس التي يحتملها الكلام».(٥)

وقبل أن يستعمل لفظ التمييز عنواناً للمعنى الاصطلاحي ، طرح في كتاب سيبويـه (ت ١٨٠ هـ) عنوانان لهذا المعنى هما : التفسير والتبيين ، (٦)

____________

(١) أ ـ شرح التصريح على التوضيح ، الاَزهري ١/٣٩٣.

ب ـ حاشية الملوي على شرح المكودي : ٨٣.

(٢) لسان العرب ، ابن منظور ، مادّة (مَيَزَ).

(٣) أ ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١/٢٢١.

ب ـ شرح التصريح على التوضيح ١/٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٤) حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١/٢٢١.

(٥) شرح ملحة الاِعراب ، الحريري : ٣٦.

(٦) الكتاب ، سيبويه ١/٢٩٨ و ٣٠٢.

٣٨٣

وعبّر عنه الفرّاء (ت ٢٠٧ هـ) بالمفسّر(١) ، ويبدو أنّ أوّل مَنْ عبّر بكلمة (التمييز) هو المبرّد (ت ٢٨٥ هـ).(٢)

وقد ظلّ النحاة يستعملون بعض هذه العناوين(٣) ، أو يشيرون ‎‎‎‎إليها (٤) حتى بعد أن استقرّ (التمييز) عنواناً للمعنى الاصطلاحي.

وقد قال المبرّد في بيان المضمون النحوي للتمييز : «إنّ التمييز يعمل فيه الفعل أو ما يشبهه ، ومعناه في الانتصاب واحد ... [وهو] أن يأتي مبيّناً عن نوعه ، وذلك قولك : عندي عشرون درهماً»(٥)

فكأنّه عرّف التمييز بأنّه : اسم منصوب بفعلٍ أو شبهه مبينٌ لنوعه.

وقال ابن السرّاج (ت ٣١٦ هـ) : «الاَسماء التي تنتصبُ بالتمييز والعامل فيها فعل أو معنى فعل ، والمفعول هو فاعل في المعنى ، وذلك قولك ، تفقّأَ زيدٌ شحماً ، وتصبّبَ عَرَقاً»(٦)؛ اِذْ المعنى تفقّأَ شحمُهُ وتصبّبَ عَرَقُه.

ويلاحظ على هذا وسابقه افتقادهما للعناصر الفنيّة في التعريف ، فهما

____________

(١) معاني القرآن ، الفرّاء ، تحقيق أحمد نجاتي ومحمّـد علي النجّار ١/٧٩ و ٢٥٦ ، ٢/٣١٥ ـ ٣١٦.

(٢) المقتضب ، المبرّد ، تحقيق عبـد الخالق عضيمة ٣/٣٢.

(٣) أ ـ الاَُصول في النحو ، ابن السرّاج ، تحقيق عبـد الحسين الفتلي ١/٢٧٢.

ب ـ التفاحة في النحو ، ابن النحّاس ، تحقيق گوركيس عوّاد : ٢٤.

(٤) أ ـ شرح المقدّمة المحسبة ، ابن بابشاذ ، تحقيق خالد عبد الكريم ٢/٣١٥ ـ ٣١٦.

ب ـ المفصّل في علم العربيّة ، الزمخشري : ٦٥.

ج ـ شرح ابن الناظم على الاَلفية : ١٣٦.

د ـ شرح اللمحة البدريّة في علم العربّية ، ابن هشام ، تحقيق هادي نهر ٢/١٤٥.

هـ ـ شرح الاشموني على الالفية ١ / ٢٦١ ٠

(٥) القتضب ٣ / ٣٢

(٦)الاصول في النحو ١ / ٢٦٨ ٠

٣٨٤

أقرب إلى شرح يحاول إعطاء صورة للمعنى الاصطلاحي.

وقال أبو علي الفارسي (ت ٣٧٧ هـ) : «جملة التمييز أن يحتمل الشيء وجوها ، فتُبيّنُه بأحدها».(١)

وكلامه أقرب إلى شرح التمييز بوصفه عملاً يزاوله المتكلّم ، منه إلى بيانه بوصفه لفظاً يؤدّي وظيفة معيّنة في الكلام.

وعرّفه الرمّاني (ت ٣٨٤ هـ) بقوله : «التمييز : تبيين النكرة المفسِّرة للمبهم»(٢) ، وتابعه عليه ابن الاَنباري (ت ٥٧٧ هـ).(٣)

ويمتاز هذا التعريف باختصاره وإشارته إلى كون التمييز اسم نكرة ، وسوف نرى أنّه قريب من الصياغة النهائية التي استقرّ عليها تعريف التمييز ، ولكن كان ينبغي أن يقتصر على عبارة (النكرة المفسّرة للمبهم) أو المبيّنة له.

وعرّفه ابن جنّي (ت ٣٩٢ هـ) بأنّه : «اسم نكرة يأتي بعد الكلام التامّ ، يراد به تبيين الجنس».(٤)

وذكره مجيء التمييز بعد الكلام التامّ يفضّل إرجاؤه لشرح التعريف؛ لاَنّه ليس من ذاتيّات التمييز ، هذا وقد ذهب بعض النحاة إلى جواز تقديمه على عامله إذا كان فعلاً متصرّفاً ، إلاّ أنّه قليلٌ(٥) ، ويمكن حمل ما ذكروه له من الشواهد على ضرورة الشعر.(٦)

____________

(١) الاِيضاح العضدي ، أبو علي الفارسي ، تحقيق حسن شاذلي فرهود : ٣٠٢.

(٢) الحدود في النحو ، الرمّاني ، ضمن «رسائل في النحو واللغة» ، تحقيق مصطفى جواد ويوسف مسكوني : ٣٩.

(٣) أسرار العربيّة ، ابن الاَنباري ، تحقيق محمّـد بهجة البيطار : ١٩٦.

(٤) اللمع في العربّية ، ابن جنّي ، تحقيق فائز فارس : ٦٤.

(٥) ألفيّة ابن مالك وشروحها عند الكلام على آخر بيت في باب التمييز.

(٦) شرح ابن الناظم على الاَلفيّة : ١٣٩.

٣٨٥

والمستفاد من كلام ابن بابشاذ (ت ٤٦٩ هـ) تعريفه التمييز بأنّه : «اسم جنس نكرة مفرد مقدّر بـ : مِنْ ، مفسّر لمقدارٍ أو شيء مبهم»(١).

والجديد في هذه الصياغة :

أولاً : إشارته إلى تقدير التمييز بـ (من) احترازاً من دخول (الحال) في التعريف؛ فإنّها كالتمييز من حيث كونها نكرة منصوبة مبيّنة ، إلاّ أنّها لا يصحّ تقديرها بـ : من.

ثانيـاً : تقسيمـه للمفسَّر بالتمييـز إلى مقـدارٍ (أي : معـدود أو مكيل أو موزون أو مذروع) وشيء مبهم ، ولا يريد بالثاني سوى تمييز النسبة في نحو : (واشتعلَ الرأسُ شيباً)(٢).

وكان بإمكانه الاكتفاء بقوله : (نكرة) عن (اسم الجنس)؛ إذ ليس للنكرة مدلول سوى ما يدلّ عليه اسم الجنس من العموم وعدم الاختصاص بأحد أفرادهِ دون غيره(٣).

وعرّفـه الزمخشري (ت ٥٣٨ هـ) بأنّـه : «رفع الاِبهام في جملـة أو مفرد»(٤).

وعقّب عليه ابن الحاجب بقوله : «ليس التمييز في الحقيقة رفعاً؛ لاَنّه اللفظ الذي حصل عنه هذا الرفع المراد ، وإنّما يغتفر النحويّون مثل ذلك

____________

(١) شرح المقدّمة المحسبة ٢/٣١٥ ـ ٣١٦.

(٢) سورة مريـم ١٩ : ٤.

(٣) أ ـ المقتضب ٤/٢٧٦.

ب ـ الاَُصول في النحو ١/١٧٥.

ج ـ الحدود في النحو : ٣٩.

د ـ اللمع في العربية : ٩٨.

(٤) المفصّل : ٦٥.

٣٨٦

لكونـه معلومـاً ، إمّـا على معنى (لفظ رفع الاِبهـام) ... أو لاَنّ الغرض ذكر مـا يتميّز به باعتبار المدلولات؛ إذ كان هو المقصود في التحقيق»(١)

أقول :

ومع ذلك يظلّ التسامحُ في التعبير غير مستساغ في صياغة الحدود.

وأمّا جعله (الجملة) في مقابل المفرد ، فكان «الاََوْلى أن يقول (نسبة)؛ ليشمل تمييز النسبة في غير الجملة كالتي في : عجبتُ من طيبِ زيدٍ نفساً».(٢)

ولا بُدّ من الاِشارة إلى أنّ ابن الحاجب في شرحه على المفصّل أورد تعريف الزمخشري للتمييز بنحو مغاير لما هو موجود في النسخة المطبوعة للمفصّل ، وهو : «ما يرفع الاِبهام المستقرّ عن ذات مذكورة أو مقدورة»(٣) وعليه لا يرد التعقيب المذكور لابن الحاجب.

وعرّفه ابن معطي (ت ٦٢٨ هـ) قائلاً : «التمييز هو تفسير مبهم بجنس نكرة منصوبة مقدّرة بـ : من ، وينصبُ عن تمام الكلام وعن تمام الاسم».(٤)

وعبارته تجمع بين التمييز بوصفه عملاً يمارسه المتكلّم ، وبينه بوصفه لفظاً موضوعاً للمعنى الاصطلاحي ، وبفرزهما يتحصّل أنّه يعرّف الثاني بأنّه : (اسم جنس نكرة منصوبة مقدّرة بـ : من) ، وهو مماثل تقريباً

____________

(١) الاَمالي النحوية ، ابن الحاجب ، تحقيق هادي حسن حمّودي ٢/١٦٨.

(٢) حاشية الصبّان على شرح الاَُشموني ٢/١٩٤.

(٣) الاِيضاح في شرح المفصّل ، ابن الحاجب ، تحقيق موسى بنّاي العليلي ١/٣٤٨.

(٤) الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود الطناحي : ١٨٨.

٣٨٧

لتعريف ابن بابشاذ ، لولا أنّه أدخل فيه نصب التمييز وهو من أحكامه لا من ذاتيّاته.

ولا حاجة للاحتراز هنا من دخول الحال؛ لكونها خارجة بقوله : (مقدرة بـ : من).

وأمّا قوله : «وينصب عن تمام الكلام وعن تمام الاسم» فهو إشارة إلى تقسيم التمييز إلى تمييز نسبة ، وتمييز مفرد ، وينبغي عدّه خارجاً عن متن التعريف.

وعرّفه ابن الحاجب (ت ٦٤٦ هـ) بأنّه : «ما يرفع الاِبهام المستقرّ عن ذات مذكورة أو مقدّرة».(١)

ومراده بالاِبهام المستقرّ ما كان ناشئاً من الوضع ، احترازاً من الاِبهام في اللفظ المشترك في نحو : (رأيتُ عيناً جارية)؛ فإنّ (جارية) ترفع الاِبهام عن (عيناً) ، لكنّ إبهامها ليس مستقرّاً بحسب الوضع ، بل هو عارض بسبب تعدّد الموضوع لها.(٢)

وأشكل عليه الرضيّ بأنّ «معنى (المستقرّ) في اللغة هو الثابت ، ورُبَّ عارض ثابت لازم ، والاِبهام في المشترك ثابت لازم مع عدم القرينة ... ومع القرينة ينتفي ... فلا فرق بينهما من جهة الاِبهام ، ولا يدلّ لفظ المستقرّ على أنّه وضعيّ كما فُسِّر».(٣)

وردّه الشريف الجرجاني بأنّ (المستقرّ) وان كان بحسب اللغة هو

____________

(١) شرح الرضي على الكافية ٢/٥٣.

(٢) أ ـ شرح الرضيّ على الكافية ٢/٥٤.

ب ـ الفوائد الضيائيّة ، عبـد الرحمن الجامي ، تحقيق أُسامة الرفاعي ١/٣٩٨.

(٣) شرح الرضيّ على الكافية ٢/٥٤.

٣٨٨

الثابت مطلقاً ، لكنّه «ينصرف إلى الكامل عرفاً. وهو الوضعي»(١) ، الجامي على ذلك.(٢)

وقوله : (عن ذات) احتراز من الحال والنعت؛ فإنّهما لا يرفعان الاِبهام عن الذات ، بل عن هيئتها(٣) أو صفتها.(٤)

وقوله : (ذات مذكورة أو مقدّرة) تنويع للتمييز ، «فالمذكورة نحو : (رطلٌ زيتاً) والمقدّرة نحو (طابَ زيدٌ نفساً)؛ فإنّه في قوّة قولنا : (طابَ شيء منسوب إلى زيدٍ) ، ونفساً يرفع الاِبهام عن ذلك الشيء المقدّر فيه»(٥).

ومنه يتّضح أنّ ابن الحاجب يرى أنّ التمييز لا يبيّن إلاّ الذات.

غاية الاَمر أنّ الذات مقدّرة في تمييز النسبة؛ إذ لا إبهام في تعلّق الطيب بزيد مثلاً الذي هو النسبة ، بل الاِبهام في المتعلّق الذي ينسب إليه الطيب ، فيحتمل كونه داره أو علمه ، فالتمييز في الواقع إنّما هو لاَمر يتعلّق بزيد ، وإنّما عبّر عنه بتمييز النسبة نظراً للظاهر.(٦)

وقال ابن عصفور (ت ٦٦٩ هـ) : التمييز «اسم نكرة منصوب مفسّر لما انبهم من الذوات»(٧).

____________

(١) حاشية الجرجاني على شرح الرضيّ (طبعة شركة الصحافة العثمانية) ١/٢١٦.

(٢) الفوائد الضيائيّة ١/٣٩٨.

(٣) شرح الرضيّ على الكافية ٢/٥٣.

(٤) الفوائد الضيائيّة ١/٣٩٩.

(٥) الفوائد الضيائيّة ١/٤٠٠.

(٦) أ ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١/٢٢٢.

ب ـ حاشية الصبّان على شرح الاَُشموني ٢/١٩٤ ـ ١٩٥.

(٧) المقرّب ، ابن عصفور ، تحقيق أحمد الجواري وعبـد الله الجبوري ١/١٦٣.

٣٨٩

وعرّفه ابن مالك (ت ٦٧٢ هـ) بأنّه : «ما فيه معنى (من) الجنسيّة من نكرة منصوبة فضلة غير تابع».(١)

وقيّدَ (مـن) بكونها (جنسيّـة) لاِخراج ثاني منصوبي نحو : (استغفر الله ذنباً) فهو بمعنى من ، لكنّها ليست جنسيّـة.

وقوله : (منصوبة) احتراز من التمييز المضاف إليه ، نحو : (رطلُ زيتٍ) ، فهو بمعنى (من) الجنسيّـة لكنّه لا يعرب تمييزاً.

وقوله : (فضلة) احتراز من اسم (لا) في نحو : (لا خيراً من زيدٍ فيها).

وقولـه : (غير تابـع) مخـرج لصفـةِ اسم (لا) المنصوبـة في نحـو : (لا رجلَ ظريفاً)؛ فإنّها نكرة فضلة منصوبة بمعنى (من) الجنسيّـة ، لكنّها تابعة ، ففارقت التمييز.(٢)

ولا ضرورة لتكثير القيود بهذا النحو؛ إذ لا يخطر لاَحدٍ من الدارسين إعراب نحو : (زيتٍ) في المثال تمييزاً ليحترز عنه بقيد النصب ، وأمّا بقيّة القيود ـ أي كون التمييز فضلة غير تابع بمعنى (من) الجنسيّـة ـ ، فيمكن الاستغناء عنها بقيد واحد هو كون التمييز مبيّناً للاِبهام.

هذا ولا بُدّ من التنبيه إلى الدقّة في قوله : (ما فيه معنى من) ، وأنّه أفضل من قول مَن سبقه : (مقدّرة بـ : مِن)؛ ذلك أنّ المراد كون التمييز مفيداً معنى (من) البيانيّة ، وهو بيان ما قبله ، وليس المراد أنّ (من) مقدّرة في نظم الكلام؛ إذ قد لا يصلح لتقديرها(٣) ، ففي نحو : عندي عشرون

____________

(١) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمّد كامل بركات : ١١٤.

(٢) شفاء العليل في إيضاح التسهيل ، السلسيلي ، تحقيق عبد الله البركاتي ٢/٥٥٣.

(٣) أ ـ شرح التصريح على التوضيح ١/٣٩٥.

٣٩٠

ديناراً ، وطاب زيدٌ نفساً ، لا يصحّ التقدير بـ : عشرون من دينارٍ ، أو طاب من نفسٍ.

وعرّفه ابن الناظم (ت ٦٨٦ هـ) بأنّه : «اسم نكرة مضمّن معنى مِن لبيان ما قبله من إبهامٍ في اسم مجمل الحقيقة ، أو إجمال في نسبة العامل إلى فاعله أو مفعوله».(١)

وعُقّب عليه بأنّ قوله : «في اسم مجمل الحقيقة ...» بيان لنوعَيْ التمييز(٢) ، فليسا داخلين في الحدّ.

وبهذا يصل التعريف لاََفضل صياغاته وأخصرها ، وتابعه عليه المكودي (ت ٨٠٧ هـ) بنصّه(٣) ، وابن عقيل (ت ٩٦٧ هـ)(٤) بتفاوت قليل في العبارة.

وعرّفه أبو حيّان (ت ٧٤٥ هـ) بقوله : «التمييز اسم يبيّن الذات».(٥)

وعلّق عليه ابن هشام بأنّه «تلَقّفَ تعريف ابن عصفور ... وأسقط منه قوله (نكرة منصوبة) فأفسده».(٦)

وطرح ابن هشام (ت ٧٦١ هـ) ثلاث صياغات لتعريف التمييز :

أوّلهـا : «اسم فضلة نكرة جامد مفسِّر لِما انبهم من الذوات»(٧).

____________

ب ـ حاشية الصبّان على شرح الاَُشموني ٢/١٩٤.

(١) شرح ابن الناظم على الاَلفيّة : ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٢) شرح ابن الناظم على الاَلفيّة : ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٣) شرح المكودي على الاَلفية : ٨٣.

(٤) شرح ابن عقيل على الاَلفية ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد ١/٦٦٣.

(٥) شرح اللمحة البدرية في علم العربية ٢/١٤٥.

(٦) شرح اللمحة البدرية في علم العربية ٢/١٤٥.

(٧) شرح قطر الندى وبلّ الصدى ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد : ٣٣٣.

٣٩١

وفيـه :

١ ـ أنّه لا داعي لاِثبات كلمة (فضلة)؛ إذ لا يراد بها إلاّ الاحتراز عن اسم (لا) في نحو (لا خيراً من زيد فيها) ، وهو خارج بقوله : (مفسِّر لما انبهم من الذوات).

٢ ـ الاَوْلى حذف كلمة (جامد) أيضاً؛ لمجيء التمييز أحياناً بالصفات المشتقّة ، كقولهم : للهِ درّهُ فارساً ، وللهِ درّهُ راكباً.(١)

٣ ـ قوله : (مفسّر للذوات) غير ظاهر في شمول تمييز النسبة.

وثانيها : «اسم نكرة فضلة يرفع إبهام اسم أو إجمال نسبة».(٢)

ولا يرد عليه سوى الملاحظة الاَُولى على تعريفه الاَوّل.

وثالثها : «اسم نكرة بمعنى (من) مبيّن لاِبهام اسم أو نسبة».(٣)

وهي صياغة مماثلة لتعريف ابن الناظم ، إلاّ أنّ ابن هشام أضاف الاِبهام للاسم أو النسبة ، وأدخلهما بذلك في متن التعريف ، وقد تابعه عليها الشيخ خالد الاَزهري (ت ٩٠٥ هـ).(٥)

* * *

____________

(١) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد : ٢٥٥.

(٢) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد : ٢٥٤.

(٣) أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبـد الحميد ٢/١٠٨.

٣٩٢

من ذخائر التراث :

٣٩٣
٣٩٤

٣٩٥
٣٩٦

مقدّمة التحقيق :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي عطف على أوليائه وخاصّته ، ولطف بهم بما أراهم من أسرار ملكوته ومملكته ، وكشف الحجب بينهم وبين عظمة ربوبيّته ، فأشرقت على سرائر قلوبهم شموس إقباله ، وتحقّقت بصائرهم بما شاء من مقدّس جلاله ، فعصمهم بتلك الهيبة أن يقع في حضرته الاشتغال عنه منهم ، واشتغلوا بمراقبته جلّ جلاله عنهم.

والصلاة والسلام على نبيّه محمّـد ، أعظم واعٍ لمراده ومقصوده ، وأكمل داعٍ إلى الوقوف عند حدوده.

وعلى أخيه ووزيره أمير المؤمنين ، ويعسوب الدين.

وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

وبعـد :

فإنّه ليس من العجيب أن نرى كثيراً من علماء سلفنا الصالح يغتنمون فرصة الاتّصال بإمام زمانهم ، ويطلبون منه أن يملي عليهم ممّا زاده الله من علمٍ وفضلٍ ، فحينها يوصيهم بوصايا يعدّونها أغلى شيء عندهم لا لشيء سوى أنّهم يجدونها إكمال نقصٍ ، وتوجيهاً للخير والسعادة ، لا سيّما كان الموصي شخصيّة إسلاميّة قد جبلت على الخير والعطاء ، فهو يتوخّى لهم

٣٩٧

السعادة ، ويقيم لهم الحجج الواضحة ، والبراهين اللائحة.

والاَئمّة عليهم السلام من أهل بيت لا تجهل منزلتهم ، ولا تنكر مكانتهم ، وهم أَولى بتبليغ الاَحكام ، وهداية الاَنام إلى سواء السبيل ، مهما كثرت عوامل المعارضة في طريق الوصول إلى الغاية المتوخّاة.

والاِمام الكاظم عليه السلام واحد من هـؤلاء الاَفذاذ ، والثمرة المباركة من تلك الشجرة النبويّة المطهّرة ، إمام الصبر على التقوى والعبادة(١) ، الحائز لقصب السبـق في ميـدان سيـادة الولايـة ، وولايـة السيادة ، لا يلحـق أثره ولا يبلغ شأوه ، فلذلك نرى كثيراً من علماء زمانه يغتنمون فرصة الحضور عنده للنهل من عطائه وتعاليمه ، وحرصهم على الظفر ببعض الوصايا الثمينة والدرر القيّمة التي يبوح بها لينتفعوا بها ، فهم يطلبون الخير لاَنفسهم وللاَُمّة.

ولم يكن هناك منهج معيّن للمسائل التي يسألونه عنها ، بل كان تارة يُسأل عن مختلف العلوم والمسائل المشكلة فيحلّها ، ويبتدىَ تارة فيهدي قلوباً متنكّبة ضلّت طريقها ، وتارة يجتمعون حواليه فيحدّثهم عن آبائه فيما

____________

(١) قال عمّار بن أبان : حبس أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عند السنديّ ، فسألته أُخته أن تتولّى حبسه ـ وكانت تتديّن ـ ففعل ، فكانت تلي خدمته ، فحكي لنا أنّها قالت :

كان إذا صلّى العتمة حمد الله ومجّده ودعاه ، فلم يزل كذلك حتّى يزول الليل ، فإذا زال الليل قام يصلّي حتّى يصلّي الصبح ، ثمّ يذكر قليلاً حتّى تطلع الشمس ، ثمّ يقعد إلى ارتفاع الضحى ، ثمّ يتهيّأ ويستاك ويأكل ، ثمّ يرقد إلى قبل الزوال ، ثمّ يتوضّأ ويصلّي حتّى يصلّي العصر ، ثمّ يذكر في القبلة حتّى يصلّي المغرب ، ثمّ يصلّي ما بين المغرب والعتمة ، فكان هذا دأبه.

فكانت أُخت السندي إذا نظرت إليه قالت : خاب قوم تعرّضوا لهذا الرجل.

تاريخ بغداد ١٣/٣١ ، سير أعلام النبلاء ٦/٢٧٣ ، الكامل في التاريخ ٦/١٦٤.

٣٩٨

يصلح لمعادهم ومعاشهم(١) ، وربّما يملي ويكتب الكتاب في أهمّ مسائل علم الكلام والحديث مجسّداً حرصه على هداية الاَُمّة ، يواصل جهاده في مكافحة الاَوضاع الشاذّة ، ويعلن آراءه ضدّ نظام ذلك الحكم الجائر(٢).

ولقد كان عليه السلام صوت إصلاح داوٍ ، وصرخة إرشاد عالية ، يدعو الناس إلى التمسّك بمبادىَ الاِسلام الحنيف ، وهدي القرآن الكريم ، وقد عرف

____________

(١‍) قال أبو حنيفة : رأيت موسى بن جعفر وهو صغير السنّ في دهليز أبيه ، فقلت : أين يحدث الغريب منكم إذا أراد ذلك؟

فنظر إليّ ثمّ قال : يتوارى خلف الجدار ، ويتوقّى أعين الجار ، ويتجنّب شطوط الاَنهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، والمساجد ، ولا يستقبل القبلة ، ولا يستدبرها ، ويرفع ، ويضع بعد ذلك حيث شاء.

قال : فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له : جعلت فداك ، ممّن المعصية؟

فنظر إليّ ، ثمّ قال : إجلس حتّى أخبرك ، فجلست فقال : إنّ المعصية لا بُدّ أن تكون من العبد ، أو من ربّه ، أو منهما جميعاً.

فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما يفعله ، وإن كانت منهما فهو شريكه ، والقويّ أَولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الاَمر ، وإليه توجّه النهي ، وله حقّ الثواب والعقاب ، ووجبت الجنّة والنار.

فقلت : (ذرّيّة بعضها من بعضٍ) الآية [سورة آل عمران ٣ : ٣٤].

مناقب ابن شهرآشوب ٤/٣١٤ ، أمالي المرتضى ١/١٥١ ، الفصول المختارة ١/٤٣ ، إعلام الورى : ٢٩٧ ، تحف العقول : ٤١١ ، الاحتجاج ٢/٣٨٧ ، روضة الواعظين : ٣٩.

(٢) كان في سنيّ إمامته بقيّة ملك المنصور ، ثمّ ملك المهدي عشرة سنين وشهراً وأيّاماً ، ثمّ ملك الهادي سنة وخمسة عشر يوماً ، ثمّ ملك الرشيد ثلاث وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوماً.

وبعد مضيّ خمس عشرة سنة من ملك الرشيد استشهد مسموماً في حبس الرشيد على يدي السنديّ بن شاهك يوم الجمعة.

مناقب ابن شهرآشوب ٤/٣٢٣.

٣٩٩

أوضاع الاَُمّة ، وما أصابها من تفكّك وهوان ، ورأى أنّ الداء وراء تحكّم النزعات في النفوس ، وأنّ الدواء هو الالتزام بمبادئ وأحكام الدين ، وأنّ رسوخ العقيدة في القلوب قوّة لاَفراد الاَُمّة ، ومنعة لكيان المجتمع من تحكّم النزعات ، وانتشار الرذيلة ، كما أنّها سلاح فاتك يرهب ولاة الجور.

فكان عليه السلام لا تفوته فرصة دون أن يدعو إلى اعتناق الفضائل ، ومحاربة الرذيلة ، ليصبح المجتمع متماسكاً يستطيع أن يوحّد كلمته في مقابلة الظالمين الّذين استبدّوا بالحكم ، وابتعدوا عن الاِسلام ، وإنّ الثورة الدمويّة ضدّهم لا تعود على المجتمع إلاّ بالضرر لاَنّهم أُناس عرفوا بالقسوة وسوء الانتقام ، ولهم أعوان يشدّون أزرهم ، وأنصار يدافعون دونهم ، فالاِمام عليه السلام كان يُعنى بإصلاح الوضع الداخلي ، فكان يرسل وصاياه عامّة شاملة ، وينطق بالحكمة عن إخلاص وصفاء نفس ، وحبّ للصالح العامّ ليعالج المشاكل الاجتماعيّة ، وكان يدعو الناس إلى الورع عن محارم الله ، والخوف منه تعالى ، والامتثال لاَوامره ، والشعور بالمسؤوليّة أمام الله تعالى ، وجعل يوم الحساب ماثلاً أمام أعينهم ، مع حثّهم على التكسّب وطلب الرزق كما كان يحثّ على العمل ويعمل بنفسه(١) ، وينهى عن الكسل

____________

(١) روى الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرضٍ له ، قد استنقعت قدماه في العرق ، فقلت : جعلت فداك ، أين الرجال؟!

فقال : يا علي ، قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه ، ومن أبي.

فقلت : ومن هو؟

فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ، وآبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والاَوصياء والصالحين.

الكافي ٥/٧٥ ح ١٠ ، من لا يحضره الفقيه ٣/١٦٢ ح ٣٥٩٣ ، بحار الاَنوار

٤٠٠