تراثنا ـ العددان [ 47 و 48 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 47 و 48 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٢

فاعل الفعل الإنشائي ، إذ الفعل ليس حديثا عنه.

ولعله لأجل ذلك عمد أبو علي الفارسي (ت ٣٧٧ ه) إلى صياغته بقوله : الفاعل : ما «يسند الفعل إليه مقدما عليه ... وبهذا المعنى الذي ذكرت يرتفع الفاعل ، لا بأنه أحدث شيئا على الحقيقة ، فلهذا يرتفع في النفي إذا قيل : لم يخرج عبد الله ، كما يرتفع في الإيجاب» (١).

فأبدل عبارة (المحدث به عن الفاعل) بقوله : (المسند إلى الفاعل) ، ليدخل في التعريف «فاعل الفعل الإنشائي ، نحو : بعت ، وهل ضرب زيد؟» (٢) لكنه لم يقيد الفعل بكونه مبنيا للمعلوم مما يجعل التعريف غير مانع من دخول نائب الفاعل.

ويتضح مما صرح به ابن السراج والفارسي ومن بعدهما ، أن الفاعل «في عرف أهل هذه الصنعة أمر لفظي ، يدل على ذلك تسميتهم إياه فاعلا في الصور المختلفة من النفي والإيجاب والمستقبل والاستفهام ما دام [الفعل] مقدما عليه ... ويؤيد إعراضهم عن المعنى [الحقيقي] عندك وضوحا أنك لو قدمت الفاعل ، فقلت : زيد قام ، لم يبق عندك فاعلا ، وإنما يكون مبتدءا وخبرا» (٣).

وتقدم ابن جني (ت ٣٩٢ ه) بما يماثل تعريف الفارسي مضمونا ، فقال : «الفاعل ... اسم ذكرته بعد فعل ، وأسندت ونسبت ذلك الفعل إلى

__________________

(١) أ ـ الإيضاح العضدي ، أبو علي الفارسي ، تحقيق حسن شاذلي فرهود ١ / ٦٣ ـ ٦٤.

ب ـ المقتصد في شرح الإيضاح ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق كاظم بحر المرجان ١ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

(٢) شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ١٨٥.

(٣) شرح المفصل ، ابن يعيش ١ / ٧٤.

٣٢١

الاسم» (١) ، وفعل مثله ابن الأنباري (ت ٥٧٧ ه) (٢).

أما عبد القاهر الجرجاني (ت ٤٧١ ه) وابن الخشاب (ت ٥٦٧ ه) ، فقد أخذا تعريف الفارسي بنصه (٣) ، وعقب الجرجاني على ما ذكره الفارسي من أنه لا يشترط في الفاعل أن يكون قد أحدث شيئا حقيقة ، بقوله : «وهذا التلخيص مما لم يسبق إليه الشيخ أبو علي» (٤) ، وقد تقدم ما يثبت أن السابق إليه هو ابن السراج.

وقال الحريري (ت ٥١٦ ه) في تعريفه : «الفاعل ... اسم تقدمه فعل مقرر على صيغته ، وجعل الفعل حديثا عنه» (٥).

ومراده بالمقرر على صيغته الفعل المبني للمعلوم ، احترازا من دخول نائب الفاعل ، وتعبيره بجعل الفعل حديثا عن الفاعل ، يمنع من شمول التعريف لفاعل الجملة الإنشائية.

وعرفه الزمخشري (ت ٥٣٨ ه) بقوله : «الفاعل هو ما كان المسند إليه من فعل أو شبهه مقدما عليه أبدا ، كقولك : ضرب زيد ، وزيد ضارب غلامه ، وحسن وجهه» (٦).

والجديد في هذه الصياغة للتعريف الإشارة إلى أن رافع الفاعل ليس الفعل وحده ، بل هو «ما أسند إليه من الفعل أو ما كان في معناه من

__________________

(١) اللمع في العربية ، ابن جني ، تحقيق فائز فارس : ٣١.

(٢) أسرار العربية ، ابن الأنباري ، تحقيق محمد بهجة البيطار : ٧٧.

(٣) أ ـ الجمل ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق علي حيدر : ٣.

ب ـ المرتجل في شرح الجمل ، ابن الخشاب ، تحقيق علي حيدر : ١١٧.

(٤) المقتصد في شرح الإيضاح ١ / ٣٢٧.

(٥) شرح على متن ملحة الإعراب ، الحريري : ٢٨.

(٦) المفصل في علم العربية ، جار الله الزمخشري : ١٨.

٣٢٢

الأسماء ... نحو أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين ، نحو قولك : زيد ضارب غلامه وحسن وجهه ومضروب أخوه ، فهذا في تقدير يضرب غلامه ، وحسن وجهه ، ويضرب أخوه» (١).

ومنه يتضح بناء الزمخشري على عدم التفرقة بين الفاعل ونائب الفاعل ، في اعتبار كل منهما فاعلا اصطلاحا ، ولأجله لم يقيد الفعل بكونه مبنيا للمعلوم ، وقد سبقه إلى هذا البناء عبد القاهر الجرجاني (٢) ، وتابعهما عليه ابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) ، فقال : «وبعضهم يقول في وصفه : كل اسم تقدمه فعل غير مغير عن بنيته ، ... [لأجل] الانفصال من فعل ما لم يسم فاعله ، ولا حاجة إلى الاحتراز من ذلك ، لأن الفعل إذا أسند إلى المفعول ... صار ارتفاعه من جهة ارتفاع الفاعل ، إذ ليس من شرط الفاعل أن يكون موجدا للفعل أو مؤثرا فيه» (٣).

وعرفه ابن الحاجب (ت ٦٤٦ ه) بقوله : «الفاعل : هو ما أسند إليه الفعل أو شبهه ، وقدم عليه على جهة قيامه به ، مثل : قام زيد ، وزيد قام أبوه» (٤).

«قوله : (على جهة قيامه به) ... أي : على طريقة قيامه به وشكله ، سواء كان قائما به أو لا ... ويعني بتلك الجهة ألا تغير صيغة الفعل إلى فعل ويفعل وأشباههما ... [وبه] يخرج مفعول ما لم يسم فاعله» (٥).

__________________

(١) شرح المفصل ، ابن يعيش ١ / ٧٤.

(٢) شرح الرضي على الكافية ١ / ١٨٧.

(٣) شرح المفصل ١ / ٧٤.

(٤) أ ـ شرح الرضي على الكافية ١ / ١٨٥.

ب ـ الأمالي النحوية ، ابن الحاجب ، تحقيق هادي حسن حمودي ٣ / ٤٨.

(٥) شرح الرضي على الكافية ١ / ١٨٦ ـ ١٨٧.

ب ـ الفوائد الضيائية ، عبد الرحمن الجامي ، تحقيق أسامة الرفاعي ١ / ٢٥٤.

٣٢٣

«وتمثيله ب (زيد قائم أبوه) لرفع شبه الفعل للفاعل ، ليس نصا في ما قصد ، لاحتمال كون (قائم) خبرا مقدما على (أبوه) ، ولو قال : أبواه ، لكان نصا» (١).

وعرفه الشلوبيني (ت ٦٤٥ ه) بقوله : «الفاعل : كل اسم أسند إليه فعل ، أو اسم في معنى الفعل ، وقدم عليه على معنى أنه فعل ، أو مشبها هو وما أسند إليه لما هو كذلك» (٢).

والجديد إشارته بقوله : (أو مشبها ... الخ) إلى أن الفاعل كما يكون اسما صريحا ، يكون اسما مؤولا ، نحو : سرني أنك ناجح.

وعرفه ابن عصفور (ت ٦٦٩ ه) بأنه «اسم أو ما في تقريره ، متقدم عليه ما أسند إليه لفظا أو نية ، على طريقة فعل أو فاعل» (٣).

فلم يشر إلى كون المسند صريحا تارة ومؤولا أخرى ، لكنه أضاف جديدا بإشارته إلى أن تقدم الفعل على الفاعل ، قد يكون لفظيا ، وقد يكون بالنية والتقدير.

وقال ابن مالك (ت ٦٧٢ ه) في تعريفه : الفاعل «هو المسند إليه فعل أو مضمن معناه ، تام مقدم فارغ غير مصوغ للمفعول» (٤).

فأضاف قيدين للتعريف هما : كون الفعل المسند تاما ، لإخراج اسم كان وأخواتها من الأفعال الناقصة ، وكون الفعل فارغا لإخراج المبتدأ

__________________

(١) شرح الرضي على الكافية ١ / ١٨٧.

(٢) التوطئة ، أبو علي الشلوبيني ، تحقيق يوسف أحمد المطوع : ١٥٤.

(٣) المقرب ، ابن عصفور ، تحقيق أحمد الجواري وعبد الله الجبوري ١ / ٥٣.

(٤) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمد كامل بركات : ٧٥.

٣٢٤

المتقدم خبره (١).

ويلاحظ أنه لم ينص في متن التعريف على مجئ الفاعل اسما صريحا تارة ومؤولا أخرى ، ولا على أن تقدم الفعل على الفاعل يكون تارة باللفظ وأخرى بالتقدير ، وترك بيان ذلك كله لشرح التعريف ، لكنه قسم المسند إلى فعل أو مضمن معناه.

وعرفه بدر الدين ابن الناظم (ت ٦٨٦ ه) بأنه «الاسم المسند إليه فعل مقدم على طريقة فعل أو يفعل أو اسم يشبهه» (٢).

فلم يقيد الفعل بكونه تاما فارغا.

أما عدم تقييده بالتام ، فيمكن توجيهه بأنه لا حاجة إليه ، «لخروج اسم كان بقيد الإسناد ، إذ لم تسند إليه أصلا ، أما على أنها لا حدث لها ، بل هي روابط وقيود للمسند وهو الخبر ، فواضح ، وأما على أن لها حدثا مطلقا وهو الحصول والثبوت ، فلأنه لم يسند الاسم ، بل لمضمون الجملة ، وهو مصدر خبرها مضافا لاسمها ، فمعنى كان زيد قائما : حصل قيام زيد» (٣).

وأما عدم ذكره قيد المفرغ لإخراج نحو : قائم زيد ويقومان الزيدان ، فلعله لعدم الحاجة إليه ، لأن الفاعل لا يكون إلا واحدا ، فإسناد الفعل أو ما يشبهه إلى الضمير يجعله مرفوعا بالفاعلية ، ويمنع من كون الاسم الظاهر فاعلا أيضا ، فيعرب بإعراب آخر ، كأن يكون مبتدءا مؤخرا كما في المثال الأول ، أو بدلا من الفاعل كما في المثال الثاني.

__________________

(١) شفاء العليل في إيضاح التسهيل ، السلسيلي ، تحقيق عبد الله البركاتي ١ / ٤١١.

(٢) شرح الألفية ، ابن الناظم : ٨٢.

(٣) أ ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ١٥٨.

ب ـ حاشية الصبان على شرح الأشموني ٢ / ٤٢.

٣٢٥

وعرفه ابن هشام (ت ٧٦١ ه) بأربعة تعاريف :

الأول : «الفاعل : اسم أو ما في تأويله ، أسند إليه فعل أو ما في تأويله ، وقدم عليه على طريقة فعل أو فاعل» (١).

وهو لا يختلف مضمونا عن تعريف الشلوبيني المتقدم ، وإن كان أوضح منه عبارة.

الثاني : الفاعل : «اسم أو ما في تأويله ، أسند إليه فعل أو ما في تأويله ، مقدم ، أصلي المحل والصيغة» (٢).

ومما قال في شرحه : «أصلي المحل مخرج لنحو : قائم زيد ، فإن المسند وهو (قائم) أصله التأخير ، لأنه خبر ، وذكر (الصيغة) مخرج لنحو : ضرب زيد ، ... فإنها مضرعة عن صيغة (ضرب)» (٣).

الثالث : الفاعل : «ما قدم الفعل أو شبهه عليه ، وأسند إليه على جهة قيامه به أو وقوعه منه» (٤).

ومما قال في شرحه : «وقولي : (علي جهة قيامه به أو وقعه منه) مخرج لمفعول ما لم يسم فاعله ، نحو : ضرب زيد وعمرو مضروب غلامه ، فزيد والغلام والله ن صدق عليهما أنهما قدم عليهما فعل وشبهه وأسند إليهما ، لكن هذا الإسناد على جهة الوقوع عليهما ، لا على جهة القيام به كما في قولك : علم زيد ، أو الوقوع منه كما في قولك : ضرب

__________________

(١) شرح اللمحة البدرية في علم العربية ، ابن هشام ، تحقيق هادي نهر ١ / ٣٣٧.

(٢) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦.

(٣) المصدر نفسه ١ / ٣٣٦.

(٤) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد : ١٥٨.

٣٢٦

عمرو» (١).

الرابع : الفاعل «اسم صريح أو مؤول به ، أسند إليه فعل ومؤول به ، مقدما عليه بالأصالة ، واقعا منه أو قائما به» (٢).

وعرفه ابن عقيل (ت ٧٦٩ ه) بأنه «الاسم المسند إليه فعل على طريقة فعل أو شبهه» (٣).

فلم ينص على تقدم الفعل ، لكنه قال في شرح التعريف : «فخرج بالمسند إليه فعل ما أسند إليه غيره ، نحو : زيد أخوك ، أو جملة نحو : ... زيد قام» (٤) ، فليس هناك ـ في رأيه ـ فعل مسند للاسم حال تأخره عنه ، لأن المسند حينئذ هو الجملة المركبة من الفعل وفاعله المضمر ، وقد صرح بذلك الملوي بقوله : «والتحقيق أن [زيدا في] زيد قام لم يسند إليه فعل ، لأن المسند جملة» (٥).

وهناك توجيه آخر ذكره الخضري ، وهو أنه «لم يقيد الشرح الفعل وشبهه بالمقدم أصالة لإخراج المبتدأ ، ... لأن هذا حكم من أحكام الفاعل ، لا قيد في تعريفه» (٦).

وعرفه المكودي (ت ٨٠٧ ه) بأنه «الاسم المسند إليه فعل أو ما في

__________________

(١) شرح شذور الذهب : ١٥٩.

(٢) شرح قطر الندى وبل الصدى ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد : ٢٥٠  ـ ٢٥١.

(٣) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ٤٦٢.

(٤) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ١ / ٤٦٣.

(٥) حاشية الملوي على شرح المكودي : ٥١.

(٦) حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ١٥٨.

٣٢٧

مجراه ، مقدما عليه ، على طريقة فعل أو فاعل» (١).

فقيد الفعل بكونه مقدما ، وقد علمنا أنه لا ضرورة لهذا القيد.

وتجدر الإشارة إلى أن قول ابن عقيل : (على طريقة فعل أو شبهه) أرق من تعبير المكودي ب (فعل أو فاعل) ، لأن ما يعمل عمل الفعل المبني للمعلوم يشمل صيغة فاعل وغيرها كما تقدم ، وقد حاول الملوي توجيه عبارته بأن مراده من قوله (فاعل) هو «الوصف غير اسم المفعول ، فشمل اسم الفاعل وغيره» (٢) ، ولا يخفى ما فيه من بعد عن ظاهر العبارة ، ومثله في البعد عن الظهور تفسيره لقول المكودي : (أو ما جرى مجراه) بأنه «راجع إلى الاسم والفعل ، أي ما جرى مجرى الاسم ، وما جرى مجرى الفعل ، فسقط الاعتراض بأنه لا يشمل الفاعل الذي في تأويل الاسم» (٣).

وعرفه الأشموني (ت ٩٠٠ ه) بأنه «الاسم الذي أسند إليه فعل تام أصلي الصيغة أو مؤول به» (٤).

فقيد الفعل بكونه تاما ، وقد اتضح عدم ضرورته ، وقيده أيضا بكونه (أصلي الصيغة) يريد مبنيا للمعلوم ، وعقب عليه الصبان بقوله : «المراد بأصالتها عدم تحويلها إلى صيغة ما لم يسم فاعله ، لا عدم التصرف فيها مطلقا ... نعم ، لو قال : (على طريقة فعل) ، لكان أوضح» (٥).

وعرفه السيوطي (ت ٩١١ ه) بتعريفين :

أولهما : «المسند إليه فعل تام مقدم فارغ باق على الصوغ الأصلي ،

__________________

(١) شرح المكودي على الألفية : ٥١.

(٢) حاشية الملوي على شرح المكودي : ٥١.

(٣) حاشية الملوي على شرح المكودي : ٥١.

(٤) شرح الأشموني على الألفية ١ / ١٦٨.

(٥) حاشية الصبان على شرح الأشموني ٢ / ٤٢ ـ ٤٣.

٣٢٨

أو ما يقوم مقامه» (١) ، وهو مشابه مضمونا لتعريف ابن مالك المتقدم.

وثانيهما : «ما أسند إليه عامل مفرغ على جهة وقوعه منه أو قيامه به» (٢).

فاستبدل كلمة (فعل) بكلمة (عامل) الشاملة للفعل وما تضمن معناه :

ومن مجموع ما تقدم يتضح أن جمهور النحاة متفقون على حقيقة المعنى الاصطلاحي الفاعل ، وإنما حصل الاختلاف في صياغته لسببين :

الأول : الاختلاف في الألفاظ المستعملة للتعبير عن معنى واحد ، كاختلافهم في تسمية الفعل المبني للمعلوم.

والثاني : أن بعضهم قد يذكر في التعريف قيدا لا يذكره غيره ، إما لأنه يراه من أحكام الفاعل وليس من ذاتياته ، كتقديم الفعل عليه ، أو لأنه محترز عنه بما هو مذكور في التعريف ، كقيد الإسناد المغني عن تقييد الفعل بكونه تاما ، أو لأنه لا داعي لإثباته في متن التعريف ، ويفضل بيانه في شرحه ، كتقسيم الفاعل إلى اسم صريح ومؤول.

ويمكن تلخيص تعريفهم للفاعل بأنه : «اسم أسند إليه فعل مبني للمعلوم» على أن يراد بالاسم والفعل ما يشمل الصريح والمؤول ، ويراد بالفعل المقدم على الفاعل لفظا أو تقديرا.

__________________

(١) البهجة الموضية ، جلال الدين السيوطي ، تحقيق مصطفى الدشتي ١ / ١٤٩.

(٢) همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، جلال الدين السيوطي ، تحقيق عبد العال سالم مكرم ٢ / ٢٥٣.

٣٢٩

ثالث عشر ـ نائب الفاعل

طرح النحاة الأوائل عناوين شتى لهذا المصطلح قبل أن يستقر على عنوان نائب الفاعل ، فقد عبر عنه سيبويه (ت ١٨٠ ه) بأنه «المفعول الذي لم يتعد إليه فعل فاعل» (١) ، وعبر عنه الفراء (ت ٢٠٧ ه) بما «لم يسم فاعله» (٢) ، وأسماه المبرد (ت ٢٨٥ ه) ب «المفعول الذي لا يذكر فاعله» (٣) ، وقال ابن السراج (ت ٣١٦ ه) : «المفعول الذي لم يسم من فعل به» (٤) ، وقال الفارسي (ت ٣٧٧ ه) : «المفعول به في المعنى» (٥) ، وقال الزبيدي (ت ٣٧٩ ه) : «المفعول الذي لم يسم فاعله» (٦) ، وقال ابن جني (ت ٣٩٢ ه) : «المفعول الذي جعل الفعل حديثا عنه» (٧) ابن معطي (ت ٦٢٨ ه) : «الاسم الذي يقام مقام الفاعل» (٨) ، وقال ابن الحاجب (ت ٦٤٦ ه) : «مفعول ما لم يسم فاعله» (٩).

__________________

(١) الكتاب ، سيبويه ، تحقيق عبد السلام هارون ١ / ٣٣.

(٢) معاني القرآن ، يحيى بن زياد الفراء ، تحقيق أحمد نجاتي ومحمد علي النجار ١ / ٩٩.

(٣) المقتضب ، محمد بن يزيد المبرد ، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة ٤ / ٥٠.

(٤) الأصول في النحو ، ابن السراج ، تحقيق عبد الحسين الفتلي ١ / ٨٦.

(٥) الإيضاح العضدي ، أبو علي الفارسي ، تحقيق حسن شاذلي فرهود ١ / ٧٠.

(٦) الواضح في علم العربية ، محمد بن الحسن الزبيدي ، تحقيق أمين علي السيد : ١٦.

(٧) اللمع في العربية ، ابن جني ، تحقيق فائز فارس : ٣٣.

(٨) الفصول الخمسون ، يحيى بن عبد المعطي : ١٧٧.

(٩) أ ـ شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ٢١٥.

ب ـ الفوائد الضيائية ، عبد الرحمن الجامي ، تحقيق أسامة طه الرفاعي ١ / ٢٧١.

٣٣٠

وأول من عبر عنه بنائب الفاعل هو ابن مالك (ت ٦٧٢ ه) (١).

«قال أبو حيان : لم أر مثل هذه الترجمة لغير ابن مالك» (٢) ، وإن كان ابن معط قد سبقه إلى مضمونها في قوله المتقدم ، وهذه التسمية «أولى وأخصر من قول كثير : المفعول الذي لم يسم فاعله [وما كان بمعناه] ، لصدقه على (دينارا) من (أعطي زيد دينارا) ، وعدم صدقه على الظرف وغيره مما ينوب عن الفعل ، وإن أجيب بأن المفعول الذي لم يسم فاعله صار كالعلم بالغلبة على ما ينوب مناب الفاعل من مفعول وغيره» (٣).

وأما المعنى الاصطلاحي لهذا العنوان فلعل أول من حاول تحديده هو ابن الحاجب (ت ٦٤٦ ه) بقوله : هو «كل مفعول حذف فاعله ، وأقيم هو مقامه. وشرطه أن تغير صيغة الفعل إلى فعل ويفعل» (٤) ، «ونظائرهما مما يضم أوله في الماضي ويكسر ما قبل آخره ... ويضم أوله ويفتح ما قبل آخره في المضارع» (٥) من الأفعال غير الثلاثية ، «لكنه اقتصر على الثلاثي لكونه أصلا للرباعي وذي الزيادة» (٦) ، ووضاح أن هذا الشرط

__________________

(١) أ ـ تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمد كامل بركات : ٧٧.

ب ـ الخلاصة الألفية لابن مالك وشروحها.

(٢) أ ـ شرح التصريح على التوضيح ، خالد الأزهري ١ / ٢٨٦.

ب ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ١٦٧.

(٣) أ ـ حاشية الصبان على شرح الأشموني ٢ / ٦١.

ب ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ١٦٧.

(٤) شرح الرضي على الكافية ١ / ٢١٥.

(٥) أ ـ شرح الرضي على الكافية ١ / ٢١٦.

ب ـ الفوائد الضيائية ١ / ٢٧١.

(٦) شرح الرضي على الكافية ١ / ٢١٦.

٣٣١

مختص بما «كان عامله فعلا» (١).

والمراد بقوله : (وأقيم هو مقامه) أنه يقوم «مقام الفاعل في إسناد الفعل أو شبهه إليه» (٢) ، فيكون جاريا مجرى الفاعل في كل ما له من أحكام (٣) مثل «الرفع ، ووجوب التأخير عن الرافع ، وامتناع الحذف» (٤) ، بل إن بعض النحاة أجروه مجرى الفاعل حتى في التسمية ، كالجرجاني والزمخشري (٥) وابن يعيش (٦) من المتقدمين ، والدكتور مهدي المخزومي من المعاصرين (٧).

ويرد على تعريف ابن الحاجب الإشكال المتقدم على تسمية النائب عن الفاعل بمفعول ما لم يسم فاعله ، من عدم صدقه على بعض ما ينوب عن الفاعل كالظرف وغيره ، ولكن لا يشكل عليه بأنه صادق على بعض المفاعيل ، كالمفعول الثاني من نحو : أعطي زيد دينارا ، لعدم قيامه مقام الفاعل في الإسناد إليه وما يتبعه من الأحكام.

وعرفه ابن هشام (ت ٧٦١ ه) بأنه " ما حذف فاعله وأقيم هو

__________________

(١) الفوائد الضيائية ١ / ٢٧١.

(٢) الفوائد الضيائية ١ / ٢٧١.

(٣) أ ـ تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد : ٧٧.

ب ـ شرح قطر الندى وبل الصدى ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد : ٢٦٠.

(٤) أ ـ شفاء العليل في إيضاح التسهيل ، السلسيلي ، تحقيق عبد الله البركاتي ١ / ٤١٨.

ب ـ شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد : ١٦.

(٥) شرح الرضي على الكافية ١ / ١٨٧.

(٦) شرح المفصل ، ابن يعيش ١ / ٧٤.

(٧) في النحو العربي نقد وتوجيه ، مهدي المخزومي : ٤٥ ـ ٤٨.

٣٣٢

مقامه» (١).

وعرفه الأزهري (ت ٩٠٥ ه) بقوله : «اسم حذف فاعله ، وأقيم هو مقامه» (٢).

ولا بد من تفسير (ما) و (اسم) الواردين في تعريفهما بالاسم الصريح أو المؤول ، ليكون التعريف شاملا لمثل : علم أن زيدا قائم.

ويلاحظ على هاتين الصياغتين عدم صيانتهما للتعريف من إشكال عدم صدقه على بعض ما ينوب عن الفاعل كالظروف ، لظهور عبارة (ما حذف فاعله) في خصوص المفعول به ، وإن صرح في شرحه بإرادة ما يشمل غيره.

ولعل الأولى تعريفه بأنه : «ما يقوم مقام الفاعل المحذوف» من الأسماء الصريحة والمؤولة ، ويجري مجراه في أحكامه.

__________________

(١) شرح شذور الذهب : ١٥٩.

(٢) شرح الأزهرية في علم العربية ، خالد الأزهري : ٧٨.

٣٣٣
٣٣٤

من ذخائر التراث

٣٣٥
٣٣٦

٣٣٧
٣٣٨

مقدمة التحقيق :

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وأصحابه الأوفياء المخلصين ، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

وبعد ...

قد يتصور البعض أن طرق المسائل الخلافية بين الشيعة وأهل السنة بالبحث ، أو التحقيق بات مملا ، لكثرة ما كتب حولها! والحق ، أن هذا التصور ينطلق من أفق ضيق ، لأن الاختلاف في تطبيق ما أمر به الشارع المقدس يرجع إلى أمور كثيرة ، وليس كل الناس يدركها ويأتي في مقدمتها الاجتهاد ـ في مقابل النص ـ في اختيار الخليفة بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، مما فتح هذا باب الاجتهاد بالرأي على مصراعيه فيما هو أقل خطرا من الاجتهاد في اختيار الخليفة.

وقد ساعدت السياسات السابقة التي ثبتت فكرة الاجتهاد بالرأي على

٣٣٩

ترسيخ شقة الخلاف وتوسيعها مع الطرف الآخر الذي لم يتجاوز حدود الشريعة منذ صدورها ولم يلتجئ في الفتيا إلى ما يمحق الدين كالقياس والاستحسان ، والمصالح المرسلة وسد الذرائع ، التي ما أنزل الله بها من سلطان

كما أسهمت بعض السياسات المعاصرة على إبقاء ما كان على ما كان ، فحجبت الدراسات الموضوعية التي استهدفت تبصير المسلمين بملابسات التشريع ، وواقع تاريخهم الإسلامي ، عن الوصول إلى رعاياها ، لأن الوقوف على سر الخلاف وحقيقته لا يجري بصالحها ، فتراها كالخفافيش المختبئة في جحورها المظلمة هروبا من أشعة الشمس وضيائها.

وإذا ما نظرنا إلى ثقافة المسلمين أنفسهم ، ومدى انفتاح كل فريق منهم على ما عند الآخر ، وإلى ما يتصل بروح التعصب التي تحجر الفكر وتقيد حريته ، وتصيب العيون بحمى الألوان فلا ترى إلا ما استقر عليه السلف ، عرفت السر وراء صمت مدرسة الرأي وانغلاقها على نفسها ، وعدم نزوعها لنداء مدرسة النص التي أخذت على عاتقها دراسة مسائل الخلاف بروح موضوعية مقارنة ، مستهدية بنصوص الكتاب والسنة ، ودليل العقل الذي حرمت منه شرعية مسلمة واسعة ، فبرزت في سمائها أسماء لامعة سخرت طاقتها للكتابة في هذا الحقل ، فتركت تراثا إسلاميا خالدا يتسم بالموضوعية والمقارنة إلى حد بعيد ، ويأتي في طليعة تلك الأسماء اسم الشهيد الثالث (قدس‌سره) الشريف (السيد القاضي نور الله التستري / ٩٥٦ ـ ١٠١٩ ه).

لقد خلف الشهيد الثالث تركة علمية ضخمة ما بين كتاب ورسالة معظمها في المسائل الخلافية العقائدية والفقهية ، ومن بينها رسالته في مسح

٣٤٠