آيات الأحكام

محمد بن علي الاسترابادي

آيات الأحكام

المؤلف:

محمد بن علي الاسترابادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة المعراجي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

ثمّ الأمر بالاجتناب عن عينها ظاهرا وجعله سببا يرجى منه الفلاح ، مشعرا بأنّ مباشرها لا يفلح مع إمكان أن يقال إنّ في لعلّ أيضا نحو تأكيد وإيماء بأنهم لما تقدّم منهم من ذلك ، صاروا بعيدين عن الفلاح فافهم.

ثم أكّد ذلك ببيان ما فيهما من المفاسد الدنيويّة والدينيّة ثمّ قرّر كلّ ذلك فقال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) بصيغة الاستفهام مرتّبا على ما تقدّم من أنواع الصوارف ، إيذانا بأنّ الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية ، وأنّ الاعذار قد انقطعت.

ثمّ أمر بإطاعة الله ورسوله وحذّر عن المخالفة وهدّد على التولّي عن ذلك وغير ذلك.

وفي اللباب (١) فروى أبو ميسرة أنّ عمر بن الخطّاب قال : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاء ، فأنزل الله الآية الّتي في سورة البقرة (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) الاية فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاء ، فنزلت الّتي في النساء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت الّتي في المائدة «إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ـ إلى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» فدعي عمر فقرئ عليه ، فقال : انتهينا انتهينا. أخرجه الترمذي من طريقين ، وقال هذا أصحّ ، وأخرجه أبو داود والنسائي انتهى والعاقل يكفيه إشارة.

ثمّ في الآية أحكام لكن إيرادها هنا باعتبار الاستدلال لها على نجاسة الخمر وهو من وجهين :

الف ـ أنّه وصفه بالرجس ، وهو وصف بالنجاسة لترادفهما ، ولذلك يؤكّد

__________________

(١) تفسير الخازن ج ١ ص ٤٨٥ ورواه في الترمذي كتاب التفسير انظر ج ٣ ص ٩٨ من تحفة الاحوذى ورواه أبو داود في كتاب الأشربة انظر عون المعبود ج ٣ ص ٣٦٤ والنسائي ج ٨ ص ٢٨٦ كتاب الأشربة وانظر في ذلك أيضا تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ من ص ١٤ الى ص ١٨ ففيها مطالب مفيدة.

٨١

بالنجس فيقال «رجس نجس».

ب ـ أنه أمر باجتنابه ، وهو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب بسائر أنواعه ، وكون كلّ منهما في جانب ، وهو يستلزم الهجران من كلّ وجه.

والجواب أنّ الرجس وإن كان حقيقة في القذر ، لكن القذر أعمّ من النجس فان الظاهر منه كلّ ما تنفّر منه النفس ، ولم سلّم فلا يراد به هنا ذلك حقيقة بالنسبة إلى أعيان هذه الأشياء ، وإلّا لزم أن يكون الأنصاب والأزلام أقذارا نتنجّس بملاقاتها برطوبة ، كما هو شأن كلّ نجس قذر ، ولا يعرف به قائل لا منّا ولا من غيرنا ، وظاهر الكلّ الإجماع على خلاف ذلك ، فلا بدّ من حمله على معنى غير ذلك يصحّ في الجميع ، فلا يستلزم قذارة العين نجاستها.

ولهذا قال جماعة من الفحول رجس خبر للمضاف المحذوف وهو تعاطي هذه الأشياء فإنّ الذي تستخبثه العقول ويعاف منه يقينا من هذه الأشياء ، تعاطيها على الوجوه المقتضية للمفاسد الظاهرة المشهورة المتعلّقة بها ، كشرب الخمر ، وما يتعلّق به من حفظها وبيعها وشرائها وغير ذلك للشرب ولو من الغير ، كما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه» (١).

__________________

(١) حديث لعن النبي عشرة مستفيض بل لعله يعد من المتواترات انظر من كتب الشيعة الوسائل ج ١٢ ط الإسلامية الباب ٥٥ من أبواب ما يكتسب به من التجارة ص ١٦٤ وص ١٦٥ المسلسل ٢٢٣٨١ الى ٢٢٣٨٧ وج ١٧ ص ٣٠٠ و ٣٠١ المسلسل ٣٢١٤٨ الى ٣٢١٥١ عن الكافي والتهذيب والفقيه والخصال وعقاب الأعمال ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٥٢ وج ٣ ص ١٤٣ والبحار ج ١٤ ط كمپانى ص ٩١٣.

ومن كتب أهل السنة كنز العمال ج ٥ ص ١٩١ ـ ٢٠٤ ومنتخب كنز العمال بهامش المسند ج ٢ من ص ٤١٨ الى ص ٤٢٥ والبيهقي ج ٨ ص ٢٨٧ والترغيب والترهيب للمنذرى ج ٣ ص ٢٤٩ وص ٢٥٠ وفيض القدير ج ٥ ص ٢٦٧ الرقم ٧٢٥٣ والدر المنثور ج ٢ ص ٣٢٢ وتفاسيرهم الأخر تفسير الآية ٢١٩ من سورة البقرة أو الآية ٩٣ من سورة المائدة وفي عد العشرة قليل تفاوت لا يهمنا التعرض له وفي مخطوطة كتابنا هذا عد ثمانية ولعل سقط الاثنين من سهو الناسخ.

٨٢

ولعب الميسر وما يتعلّق به ، وعبادة الأنصاب وتعظيمها ، وما يتعلّق بذلك ، والاستقسام بالأزلام ، وما يتعلّق به ، حتّى لا يبعد أن يقال إنّ قبح تعاطي هذه الأشياء واصل إلى حدّ إذا نسب إليها جميعا النجاسة والقذارة يتبادر هو لا غير ، خصوصا مع قرينة عدم قائل بنجاستها جميعا فتأمّل.

لا يقال : القائل بنجاسة الخمر كثير بل أكثر ، ولا ريب أنّ مراعاة الحقيقة مع الإمكان أولى والمجاز معها أقرب ، فينبغي أن يحمل الرجس بالنسبة إلى الخمر على حقيقته ، وفي البواقي على غيرها.

لأنّ هذا وإن كان مجازا لكنّه استعمال في الحقيقة والمجاز جميعا ، ويحتاج فيه إلى وضع ثالث ، واعتبار عين كلّ من المعنيين في الوضع والاستعمال ، ومؤنة ذلك كثيرة غير لائق بأوضاع الألفاظ ، واستعمالاتها ، بل كاد أن لا يحتمله الوضع ولا

__________________

والعويصة في هذا الحديث انما هو في عد العاصر والمعتصر في كثير من نسخ الحديث اثنين وان كان في بعض الأحاديث واحدا فليس في الخصال ذكر المعتصر انظر ص ٤٤٤ ط مكتبة الصدوق وكذا عقاب الأعمال ص ٢٩١ ط مكتبة الصدوق فأكثر الشارحين للحديث من كتب شرح الحديث واللغة يقولون المعتصر من يعتصر لنفسه والعاصر من يعصر لغيره مثل كال واكتال وقال بعضهم المعتصر حابسها في الأواني والزجاجات وفي المقاييس ج ٤ ص ٣٤٢ عصرت العنب إذا وليته بنفسك واعتصرته إذا عصر لك خاصة.

والذي يلوح لي ان العويصة انما تسببت حيث انهم قرءوا المعتصر بكسر الصاد والا فلو قرئ بفتحها فتكون الكلمة على وزان اسم المفعول واسم المكان من المزيد على وزن واحد فيكون اسم مكان وشمول اللعن لأصل الخمر فلا اشكال مضافا الى ان المعتصر بفتح الصاد على ما في أساس اللغة والمقاييس ج ٤ ص ٣٤٤ يكون بمعنى الملجإ أيضا بل في اللسان ان الاعتصار يجيء بمعنى الالتجاء فأنشد البيت المعروف :

لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصان بالماء اعتصارى

وعليه فيكون المراد من المعتصر التشكيلات التي يسمونه في هذه الأزمان بالرسومات.

٨٣

الاستعمال ، ولذلك صار أبعد المجازات ، حتّى منع منه بعض بالكلّية ، خصوصا بالنسبة إلى أمور مع تخصيص كلّ ببعض ، ولا ريب فيه مع عدم قرينة مفهمة لشيء من ذلك كما هنا ، ومع جميع ذلك فلا ريب أنّه يحتاج في نوع المجاز إلى النقل ولا يجوز بدونه ، ولم ينقل مثله ، فهو غير جائز البتّة.

وأما جعل رجس خبرا عن الخمر على حقيقته وكون خبر البواقي من جنس لفظه في ما يناسبها من المجاز أو يكون قوله (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) خبرا عن البواقي فهذا كلّه خلاف الظاهر ، وخروج عن مقتضى اللفظ ، وقوانين الاستعمال من غير دليل وهو ظاهر.

لكن بقي في المقام شيء وهو أن يراد بالرجس حقيقته ويكون التجوّز في الاسناد ، ولا ريب أنّه بالنسبة إلى البعض فقط أقرب إلى الأصل والحقيقة منه بالنسبة إلى الكلّ ، فمع المقتضي للتجوّز في البعض من الإجماع أو غيره لا ينبغي أن يصار إليه بالنسبة إلى الجميع ، اللهمّ إلّا أن يقال : مقتضى اللفظ والتركيب أنّ المعنى والإسناد بالنسبة إلى الجميع واحد ، ولا يفهم للخمر مزيّة في ذلك فليتأمّل فيه.

وأما الاجتناب في الوجه الثاني فعمّا أخبر عنه بأنّه رجس ، فان كان التعاطي فلا يدلّ على اجتناب الغير من جميع الوجوه ، على أنّ الظاهر كونه في الجميع على نسق واحد ، فلو كان المراد عمّا ذكر أو نحوه ، لم يلزم نجاسة عين الخمر أيضا فتأمّل.

واعلم أنّ الأخبار في نجاسة الخمر مع ضعفها مختلفة وأكثر العامّة على النجاسة فلا يمكن حمل أحاديث الطهارة على التقيّة ، فالجمع بالحمل على استحباب غسل الثوب منها إذا لم يفهم من الآية تنجيس متوجّه ، وطريق الاحتياط غير خفيّ.

الْمُدَّثِّرُ (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ.)

المتبادر الذي ذهب إليه الأكثر : تطهير الثياب من النجاسات ، مؤيّدا بأنّ الكفّار لم يكونوا يتطهّرون منها ، ويجب بالماء لأنّه المفهوم عرفا ، أما اعتبار العصر والورود والعدد ، فبدليل من إجماع أو خبر ، وتحقيقه في موضعه ، وإن أريد تقصير الثياب كما قيل ونقل عن الصادق عليه‌السلام أيضا ، فيمكن فهم الطهارة أيضا لأنّها

٨٤

المقصود كما علّل القائل به ، وفي الرواية (١) تشمير الثياب طهور لها ، قال الله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) أي فشمّر.

ويحتمل أن يكون المراد التنظيف الذي هو التطهير لغة ، فان النظافة مطلوبة للشارع بإزالة الوسخ ونحوه أيضا ، ففهم وجوب الطهارة الشرعية محلّ تأمّل ، ولكن ظاهر الأمر الوجوب ، ووجوب غير الشرعية غير معلوم ، بل قيل معلوم عدمه ، ولهذا على تقدير الحمل على الشرعيّ خصّ بالتطهير للصلاة فتأمل.

وفي اللباب (٢) وقيل : فطهّر عن أن يكون مغصوبة أو محرمة ، وقيل : المراد نفسك فطهّر من الرذائل ، يقال : فلان طاهر الثياب ، طاهر الجيب ، أو نقيّة ، ومنه قول عنترة «وشككت بالرّمح الأصمّ ثيابه (٣)» كنى عنه بما يشتمل عليه.

قيل وسئل ابن عبّاس عن قوله (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) فقال : لا تلبسها على معصية ولا غدر ، أما سمعت قول غيلان بن سلم الثقفيّ :

وإنّى بحمد الله لا ثوب فاجر

لبست ولا من غدرة أتقنّع

(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) أى خصّ الرجز بلزوم الهجران ، والحصر إضافيّ أو التقديم لغيره ، وقرئ الرّجز بالضم أيضا فقيل : هو ـ بهما ـ الصنم ، والمراد الثبات على عدم عبادته ، وعدم تعظيمه فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان بريئا منه وقيل : هو ـ بهما ـ العذاب والمراد اجتناب موجبه من الشرك وعبادة الأصنام ، وغيره من المعاصي مطلقا ، وقيل بالكسر العذاب ، وبالضمّ الصنم ، وفي القاموس الرجز بالضمّ والكسر القذر ، وعبادة

__________________

(١) انظر البرهان ج ٤ ص ٣٩٩ وص ٤٠٠ والوسائل الباب ٢٢ من أبواب أحكام الملابس.

(٢) تفسير الخازن ج ٤ ص ٣٢٧ وروى ما فيه من السؤال عن ابن عباس وإنشاده شعر غيلان في الطبري وابن كثير وفتح القدير والدر المنثور وغيره عند تفسير الآية وانشد بيت غيلان في اللسان والتاج كلمه (ث وب) وفي المجمع ج ٥ ص ٣٨٥ والتبيان ج ٢ ص ٧٢٤ وفي ألفاظ البيت تفاوت ففي بعضها غادر مكان فاجر وخزيه مكان غدرة.

(٣) وبعده ليس الكريم على القنا بمحرم والبيت لعنترة ومعنى شككت طعنت والثياب بمعنى النفس ومعنى المصرع الثاني انه لم يمنعه ان يقتل بالقناة كرمه وانظر تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ١١١ و ١١٢.

٨٥

الأوثان ، والعذاب ، والشرك فلا يبعد كونه بمعنى القذر كما وقع في بعض استدلالات الأصحاب ، واحتمله جماعة ، وهو مناسب لتكبير الصلاة وتطهير الثياب ، قيل : فيكون تأكيدا لقوله (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) وتفسيرا وهو محتمل ، والتأسيس خير ، واختصاصه بطهارة البدن ممكن ، وكذا التعميم بعد التخصيص وغير ذلك فتأمل.

البقرة (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

أي اختبره ربّه بأوامر ونواه ، واختبار الله عبده مجاز عن تمكينه من اختياره ما يريد الله ومشتهى نفسه ، كأنه يمتحنه ما يكون منه حتّى يجازيه على حسب ذلك وعن ابن عباس رفع إبراهيم ونصب ربّه ، والمعنى أنّه دعاه بكلمات من الدعاء شبه المختبر يجيبه إليهنّ أولا؟

والمستكن في (فَأَتَمَّهُنَّ) على الاولى لإبراهيم أي فقام بهنّ حقّ القيام وأدّاهنّ أحسن التأدية ، وعلى الأخرى لله أي فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئا ويعضده ما روي عن مقاتل أنّه فسّر الكلمات بما سأل إبراهيم ربّه في قوله (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ، وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ، وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً ، رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا).

والفاء للتعقيب وعامل «إذ» أمّا «قال» فالمجموع جملة معطوفة على ما قبلها وإمّا مضمر نحو واذكر كما هو المشهور ، أو وإذ ابتلاه كان كيت ، فموقع قال استيناف ، كأنّه قيل فما ذا قال ربّه حين أتمّ الكلمات؟ فقيل : قال إلخ ويجوز أن يكون بيانا لقوله : ابتلى ، وتفسيرا له.

ففي الكشاف والبيضاوي فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة ، وتطهير البيت ورفع قواعده ، والإسلام قبل ذلك في قوله (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) وفيه نظر ، وقيل هي السنن الحنيفية العشر (١) : خمس في الرأس : الفرق ، وقصّ الشارب ، والسواك ، والمضمضة ، والاستنشاق ، وخمس في البدن : الختان ، وحلق العانة ، وتقليم الأظفار ونتف الإبطين ، والاستنجاء بالماء.

__________________

(١) انظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ ص ٥٥ في وهن هذا التفسير.

٨٦

وقيل هي الخصال الثلاثون المحمودة المذكورة : عشرة منها في براءة (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) وعشر في الأحزاب (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) وعشر في كلّ من المؤمنين وسأل سائل إلى قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ).

وقيل هي مناسك الحجّ ، وقيل ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس والختان وذبح ابنه والنار والهجرة.

و (لِلنَّاسِ) إمّا متعلق بجعل أو بإماما لما فيه من معنى الفعل ، فلا يحتاج إلى تقدير ما يكون به حالا عنه ، والامام اسم من يؤتمّ به كالإزار لما يؤتزر به أي يأتمّون بك في دينهم ، وفي الكشاف والبيضاوي (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) عطف على الكاف ، كأنّه قال : وجاعل بعض ذرّيّتي ، وكأنه على الادّعاء بطريق الدعاء ، أو على مسامحة ومبالغة منهما (١).

(لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وقرئ الظالمون ، والمعنى متقارب ، فان النيل الإدراك والوصول ، فكلّما نالك فقد نلته ، ولكن قراءة الأكثر أحسن وأليق ، ومقتضى العرف واللّغة كظاهر المفسّرين أنّ العهد هنا هو التقدم إلى المرء في الشيء ، أي تفويض أمر إليه وتوليته إياه إلّا أنّ ظاهر الكشّاف تخصيصه هنا بالوصيّة بالإمامة بقرينة السؤال ، وفي إيجابه ذلك نظر ، فان العموم لا ينافيه ، بل ربما كان العموم معه أبلغ كما يلائمه كلام القاضي.

وما يقال من أنّ كون العهد هنا هو الإمامة مرويّ عن أبى جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام فلعلّه على وجه لا ينافي ما قلناه ، فان صحّ في الخصوص فهو المتبع ، فإنهما أعلم بكلام الله ، ومراده سبحانه.

ثمّ اعلم أنّ المرويّ أنّ من الأنبياء من كان مبعوثا إلى قبيلة ، ومنهم من كان مبعوثا إلى أهل بيته وخدمه ، ومنهم من اختصّ ذلك بنفسه ، وإنّما كان عليه أن يعمل بما يوحى أو يلهم دون غيره ، والظاهر شمول العهد للكلّ كما هو ظاهر القاضي حيث استفاد الدلالة على عصمة الأنبياء جميعا قبل البعثة.

__________________

(١) من الكشاف والقاضي.

٨٧

إما الإمامة فالظاهر أنّه لا يتحقق إلّا أن يكون الغير مأمورا بالايتمام به ، ومن هنا جاء «أنّ مرتبة الإمامة أجلّ من مرتبة النبوّة إنّ الله سبحانه ابتلى إبراهيم بعد نبوّته للإمامة ، ثمّ منّ عليه بها».

إذا عرفت ذلك ففي البيضاوي أنّ قوله سبحانه (لا يَنالُ) إلخ إجابة إلى ملتمسه وتنبيه على أنّه قد يكون من ذرّيته ظلمة ، وأنهم لا ينالون الإمامة ، لأنّها أمانة من الله وعهد ، والظالم لا يصلح لها ، وإنّما ينالها البررة الأتقياء منهم ، وفيه دليل على عصمة الأنبياء من الكبائر قبل البعثة ، وأنّ الفاسق لا يصلح للإمامة انتهى.

وفيه أبحاث :

الف ـ انّ قوله «وإنّما ينالها البررة الأتقياء منهم» ينافي تخصيص عصمة الأنبياء بكونها من الكبائر ، لأنّ فاعل الصغيرة أيضا لا يعدّ برا تقيا ، كيف وأيسر ما قيل في التقوى أنه «أن لا تجدك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك».

ب ـ إنّ وجه الدلالة على العصمة كون الظالم بمعنى من وقع منه ظلم ، ولو من قبل ، ومن هنا يقال كان الاولى أن يقول قبل البعثة أيضا لكن الظاهر أنّ هذا منه لعدم اعتباره خلاف من أجاز الكبيرة حين النبوّة ، وذلك على تقدير عدم اعتبار بقاء المعنى المشتقّ منه فيه كما هو الحقّ واضح ؛ إلّا أنه خلاف ما ذهب إليه الأشاعرة.

ويمكن أن يقال إنّ الحقيقة ليست بمرادة على كلّ حال ، لانّ الخطاب لإبراهيم بالنسبة إلى ذرّيّته حتى الّذين لم يوجدوا بعد ، فلا بدّ أن يراد من كان يتّصف بظلم في الجملة ، وفيه نظر ، على أنّ اللازم حينئذ كونهم معصومين من أوّل عمرهم إلى الآخر على زعمه أيضا ، وهو خلاف مذهب الأشاعرة ، بل خلاف معتقده أيضا لوقوع الكفر ممّن يعتقد إمامته ، إلّا أن يخصّ الآية بالنبوّة وهو بعيد جدا فان العهد فيها كما عرفت إن لم يكن يخصّ الإمامة فلا بدّ أن يعمّها البتة ، لأنّ الكلام فيها.

أو يقال : إنّ الخلافة والإمامة لأئمتّهم ليست من الله ولا بعد البيعة لهم لأنّهم لا يصلحون لذلك كما هو ظاهر الآية ، وصريح قوله «والظالم لا يصلح لها» كيف و

٨٨

لو كانوا يصلحون لذلك عند الله ، لما ردّ أفضلهم عن تأدية آيات من كتابه بأمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك.

ويؤكّد ذلك ويكشف عن كون البيعة والايتمام منهم أيضا معصية قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) فلا وجه لتخصيصه أيضا الأنبياء بالعصمة بل الأئمة كذلك.

ج ـ أنه قد استدلّ بعض الأصحاب بكلّ من الآيتين على عصمة الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام نظرا إلى أنّ الظلم إمّا انتقاص الحقّ أو وضع الشيء في غير موضعه ، أو التعدي عن حدود الله كما قال سبحانه (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ولا شكّ أنّ فعل الصغيرة خروج عن الاستقامة والطاعة ، ونقص للحقّ ووضع للشيء في غير موضعه ، وتعدّ عن حدود الله ، لأنّ حدود الله هي أوامره ونواهيه.

وأيضا الظاهر أنّ تارك حكم الله يكون ظالما عاصيا ، سيّما لو كان من الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ، وانه لا يتفاوت الحال في ذلك بين الصغيرة والكبيرة ، على انّ جماعة قالوا : الذنوب كلّها كبيرة وإن كان بعضها أكبر من بعض فافهم ومن ذلك يتبيّن انّ تخصيص العصمة بكونها من الكبائر أيضا لا وجه له.

وفي الكشاف : أي من كان ظالما من ذرّيتك لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة ، وإنّما ينال من كان عادلا بريئا من الظلم ، وقالوا في هذا دليل على أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة ؛ وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته ؛ ولا يجب طاعته ؛ ولا يقبل خبره ، ولا يقدّم للصلاة ، وكان أبو حنيفة يفتي سرّا بوجوب نصرة زيد بن علىّ وحمل المال إليه والخروج على اللصّ المتغلّب المتسمّى بالإمام والخليفة كالدوانيقىّ وأشباهه ؛ وقالت له امرأة أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمّد ابني عبد الله بن الحسن حتّى قتل ، فقال : ليتني مكان ابنك ؛ وكان يقول في المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ آجره لما فعلت ؛ وعن ابن عيينة لا يكون الظالم إماما قطّ ؛ وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة ، والامام إنّما هو لكفّ الظلمة ؛

٨٩

فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر من استرعي الذئب ظلم انتهى (١).

وهذا وإن احتمل ما فهمه القاضي من العصمة قبل العهد أيضا لكن الظاهر أن يكون مراده انتفاء العهد عن الظالم ما دام على حكم الظلم من الفسق ، أما إذا تاب وأصلح وصار عدلا فلا ، وفيه ما لا يخفى ، بعد ما قدّمنا.

ثمّ على هذا التقدير إذا حمل العهد على عمومه فلا يبعد أن يفهم أنّ الفاسق لا يصلح أيضا للقضاء ، ولا للفتوى ولا لتولّي غير ذلك من مصالح المسلمين ، حتّى لولايته على أطفاله والمجانين من أولاده.

آيات الصلاة

الأولى : النساء (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً).

أي فرضا محدودا بأوقات معيّنة لا يجوز الإخلال بها ، أو بحدود معيّنة كذلك كما يقال وقت موقوت ، وفي تخصيص المؤمنين فيه تحريص وترغيب لهم في حفظها وحفظ أوقاتها ، حالتي الأمن والخوف ، ومراعاة جميع حدودها في حال الأمن وإيماء بأنّ ذلك من مقتضى الايمان وشعار أهله ولا يجوز أن يفوتهم ، وبأنّ المتساهل فيها في إيمانه نظر ، وإشعار بأنّهم هم المنتفعون لعدم صحّتها من غيرهم ، أو لعدم إتيان غيرهم بها ، فلا يدلّ على عدم وجوبها على غير المؤمنين ، فإنّ المفهوم على تقدير اعتباره إنّما يعتبر إذا لم يكن للوصف فائدة أخرى ، على أنه لا نزاع في وجوبها على المنافقين وهو ينافي اعتبار المفهوم هنا.

وفيه أيضا تنبيه للمنافقين بما فيه من الإيماء بقصور إيمان من يتساهل فيها على كشف حالهم ، ووضوح أمرهم عند الله ، وأنه لا يبعد مع إصرارهم أن يظهر ذلك للمؤمنين ، فينبغي لهم حيث يحامون عن ذلك ان يؤمنوا على التحقيق كما يظهرون

__________________

(١) انظر الكشاف ج ١ ص ١٨٤.

٩٠

وأيضا فإنّ الخطاب هنا للمؤمنين ، والكلام في تحريصهم ، وبيان مقتضى أحوالهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى فلا يناسب التعميم.

على أنّه لا يبعد أن يراد بالموقوت الواقعة في أوقات معيّنة لا يتعدّاها ولو بامداد اقتضاء الايمان ذلك ، والتعليق به ، فلو فهم منه عدم الوجوب على غيرهم بهذا الوجه فلا محذور فتدبّر.

البقرة (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ.)

قيل : بالأداء لوقتها والمداومة عليها ، وقيل : بالمواظبة على فعلها في أوقاتها بجميع شروطها وحدودها ، وإتمام أركانها ، وكأنّ الأمر بذلك في تضاعيف أحكام الأزواج والأولاد لئلّا يلهيهم الاشتغال بهم عنها ، ومن ظاهر عمومها يستفاد وجوب المحافظة على جميع الصلوات إلّا ما أخرجها الدليل ، فلا يبعد الاستدلال بها على وجوب الجمعة والعيدين والآيات ، لكن في بعض الروايات أنّ المراد هو الصلوات الخمس (١) وهو قريب.

وخصّ الصلاة الوسطى بذلك بعد التعميم لشدّة الاهتمام بها ، لمزيد فضلها أو لكونها معرضة للضياع بينها على قول ، فهي الوسطى بين الصلوات أو الفضلي من قولهم للأفضل الأوسط (٢).

فقيل هي الصبح (٣) لتوسّطها بين صلاتي اللّيل وصلاتي النهار ، وبين الظلام والضياء ، ولأنّها لا تجمع مع أخرى ، فهي منفردة بين مجتمعين ، ولمزيد فضلها لحضور

__________________

(١) أخرجه في الدر المنثور عن ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عمر ج ١ ص ٣٠٠ ونقلوه عن عدة أخر.

(٢) انظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ ص ٦٠.

(٣) انظر تفاصيل الأقوال في الصلاة الوسطى في تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ ص ٦١ و ٦٢.

٩١

ملائكة اللّيل وملائكة النهار كما قال الله تعالى (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) ولأنّها تأتي في وقت مشقّة من برد الشتاء وطيب النوم في الصيف ، وفتور الأعضاء ، وكثرة النعاس ، وغفلة الناس ، واستراحتهم ، فكانت معرضة للضياع فخصّت لذلك ، بشدّة المحافظة وبه قال مالك والشافعي ، وقال : ولذلك عقّبه بالقنوت ، فإنّه لا يشرع عنده في فريضة إلّا الصبح إلّا عند نازلة فتعمّ.

وقيل : الظهر (١) في المجمع : وهو المرويّ عن الباقر والصادق عليهما‌السلام وهو مذهب

__________________

(١) وهو المختار عند أكثر علمائنا الإمامية سوى علم الهدى وعدة وقد نطق به الروايات الكثيرة انظر في ذلك من كتب الشيعة الوسائل ط الإسلامية ج ٣ الباب ٥ من أبواب أعداد الفرائض ص ١٤ المسلسل ٤٤٠٥ الى المسلسل ٤٤١٠ والبرهان ج ١ ص ٢٣٠ و ٢٣١ ونور الثقلين ج ١ ص ١٩٧ ـ ١٩٩ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ١٧١ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٤ و ٢٥ والمجمع ج ١ ص ٣٤٣ والبحار ج ١٨ من ص ٢٤ الى ٣٠ والحدائق ج ٦ من ص ٢١ الى ٢٤ وفي كثير من الروايات قراءة الإمامين الهمامين وصلاة العصر وفي بعضها قراءة رسول الله.

وحيث ان العطف يقتضي المغايرة فلا تكون هي العصر وكذلك ترى في كتب أهل السنة كلمة وصلاة العصر منقولة مع الواو انظر المصاحف لابن أبى داود من ص ٨٣ الى ٨٨ نقله بعدة طرق عن مصحف عائشة وحفصة وأم سلمة وكذلك نقله ابن خالويه في شواذ القراءات ص ١٥ عن عائشة وعن ابن عباس وجماعة بل لو راجعت الدر المنثور ج ١ من ص ٣٠٠ الى ص ٣٠٥ وابن كثير ج ١ من ص ٢٩٠ الى ٢٩٢ الخازن ج ١ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ والطبري ج ٢ من ص ٥٥٤ الى ٥٦٨ وفتح القدير ج ١ من ص ٢٩٠ الى ٢٩٢ وجدت روايات كثيرة عن غير المصاحف المتقدم ذكرها قراءة وصلاة العصر عن عدة.

وأوّلها القائلون بأن الوسطى هي العصر بان الواو زائدة واستشهدوا بآيات وأبيات منها قوله (رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) وقال العلامة في المنتهى ج ١ ص ٢١٧ الزيادة منافية للأصل فلا يصار اليه الا لموجب والمثال الذي ذكروه نمنع زيادة الواو فيه بل هي للعطف على بابها واكتفى في المنتهى بهذا المقدار وأنت تقدر على مراجعة الإنصاف المسئلة ٦٤ من مسائل الخلاف من ص ٤٥٦ الى ٤٦٣ بحث زيادة الواو والأقوال فيها ، وأن الحق عدم الزيادة ، نعم يوجد في بعض الروايات «صلاة العصر» بدون الواو ولعله من سهو الناسخ لاكثرية ما فيه ذكر

٩٢

أسامة وزيد بن ثابت ، روى عنه في لباب التأويل (١) أنّه قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّى الظهر بالهاجرة ، ولم تكن صلاة أشدّ على أصحابه منها ، فنزلت (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) فذلك إمّا لأنها في وسط النهار ، أو في أشدّ الحرّ فكانت أشق ، فكانت أفضل ، لقوله عليه‌السلام أفضل العبادة أحمزها (٢) ولأنها أوّل صلاة فرضت ، ولأنها في الساعة الّتي تفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتّى تصلى الظهر ، ويستجاب فيها الدعاء ، قيل : ولأنها بين البردين أي صلاة الصبح وصلاة العصر ، وعن بعض أئمّة الزيديّة أنّها الجمعة في يومها ، والظهر في غيرها.

وقيل : العصر لأنّها بين صلاتي ليل وصلاتي نهار ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال يوم الأحزاب : «شغلونا عن صلاة الوسطي صلاة العصر» (٣) وهي واردة من طرق وفي الكشاف عن حفصة أنّها قالت لمن كتبت لها المصحف إذا بلغت هذه الآية فلا تكتبها حتّى امليها عليك كما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرء ، فأملت عليه «والصلاة الوسطى صلاة العصر» (٤) ولأنّها خصّت بمزيد التأكيد والأمر بالمحافظة ، فعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «الذي تفوته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله» أى سلب أهله وماله ، وأيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

الواو وفي بعض الروايات وهي صلاة العصر ولعله بصورة التفسير.

وانظر أيضا تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ من ص ١٢١ الى ١٢٣ وفيها نكات وشروح في موضوع الواو في وصلاة العصر وانه ليس من التحريف الذي هو عندنا باطل مموه.

(١) هو الخازن ترى الحديث في ج ١ ص ١٦٥ منه ط ١٣٧٤ مطبعة الاستقامة بالقاهرة أخرجه عن أبى داود وعن زيد بن ثابت.

(٢) لم أظفر الى الان على الحديث في كتب الشيعة وهو في كتب أهل السنة بعبارات مختلفة تراها في كشف الخفاء ج ١ بالرقم ٤٥٩ ناقلا عن الحفاظ أنه لا أصل للحديث.

(٣) انظر المصادر التي سردناها في تفسير الصلاة الوسطى واما شغل الخيل سليمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة فغير صحيح انظر تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ١٢٤.

(٤) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٨٧ وفي الشاف الكاف ذيله بيان مبسوط.

٩٣

«من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» (١) وهو يقتضي مزيد الاهتمام بها ، ولأنها تقع في حال اشتغال الناس بمعاشهم ، فيكون الاشتغال بها أشقّ فيكون أفضل.

وقيل : المغرب لأنّها تأتي بين بياض النهار وسواد الليل ، ولأنّها أزيد من ركعتين وأقلّ من أربع فهو متوسّطة بين رباعيّ وثنائي ، ولأنّها لا تتغيّر فلا تنقص في السفر مع زيادته على الركعتين فيناسب تأكيد الأمر بالمحافظة عليها ، ولانّ الظهر هي الأولى إذ قد وجبت أولا فيكون المغرب هي الوسطى.

وقيل : العشاء لأنّها متوسطة بين صلاتين لا يقصران : الصبح والمغرب ، أو بين ليليّة ونهاريّة ، ولأنّها أثقل صلاة على المنافقين.

وقيل هي مخفيّة مثل ليلة القدر ، وساعة الإجابة ، واسم الله الأعظم ، لئلّا يتطرّق التساهل إلى غيرها ، بل تحصل غاية الاهتمام بكل منها فيدرك كمال الفضل في الكلّ ، قيل فهي تدلّ على جواز العمل المعيّن لوقت من غير جزم بوجوده ، مثل

__________________

(١) رواه في المجمع ج ١ ص ٣٤٣ وروى بريدة قال قال النبي (ص) بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله ، ومثله مع يسير تفاوت في الألفاظ في تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٩٢ عن بريدة بن الحصيب ومثله في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٩ عن ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن بريدة عن النبي (ص) ومثله في المضمون مع قريب تفاوت في الألفاظ بطرق أخر ومثله في كنز العمال ج ٨ ص ٢٨ الرقم ١٧١ والخازن ج ١ ص ١٦٦ ومثله في فيض القدير ج ٣ ص ٢٠٦ الرقم ٣١٥٨ عن أحمد وابن ماجة وابن حبان عن بريدة.

قال المناوى وظاهر صنيع المصنف أن ذا ليس في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول عجيب مع كونه كما قال الديلمي وغيره في البخاري عن بريدة.

قلت وهو في البخاري كتاب المواقيت باب من ترك العصر عن أبى المليح قال كنا مع بريدة في يوم ذي غيم فقال بكروا بصلاة العصر فإن النبي (ص) قال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله وهو في ص ١٧١ ج ٢ فتح الباري.

قلت ظاهر كلمات رواة الحديث ان بكروا من كلام النبي مع ان المستفاد من رواية البخاري انه من كلام بريدة وهذا هو الذي يوجب علينا التحقيق والتنقيب ومراجعة أصل المصدر وعدم الاعتماد بنقل الناقلين.

٩٤

عمل ليلة القدر والعيد ، وأوّل رجب وغيرها ـ مع عدم ثبوت الهلال ، وقد صرّح بذلك في الاخبار ، فلا يشترط الجزم في النيّة ، ولهذا أجاز الترديد فيها ليلة الشكّ ، فافهم ، وفيه نظر نعم فهمه من الروايات قريب.

[ثمّ لا يخفى أنه يحتمل أن يراد بالصلوات ما يشمل السنن والمندوبات ، فان حمل الأمر على الوجوب كان المراد بالمحافظة ضبطها وضبط أحكامها ومراعاتها على حسب ما هو اللازم في الدين ، وإن حمل على الندب ، فلا إشكال بوجه ، ويدخل مراعاة الأمور المندوبة للفرض والندب أيضا فتدبر]

وفي الكشاف (١) (قُومُوا لِلَّهِ) في الصلاة (قانِتِينَ) ذاكرين الله في قيامكم ، والقنوت أن يذكر الله قائماً ، وعن عكرمة كانوا يتكلّمون في الصلاة فنهوا ، وعن مجاهد هو الركود وكف الأيدي والبصر ، وروى (٢) أنه إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يمدّ بصره أو يلتفت أو يقلب الحصى أو يحدّث نفسه بشيء من أمور الدنيا ، وفي المجمع (٣) قال ابن عبّاس معناه داعين ، والقنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام ، وهو المرويّ عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام وقيل : طائعين ، وقيل : خاشعين ، وقيل : ساكتين أي عما لا يجوز التكلّم به في الصلاة ، كما صرّح به في اللباب.

واعلم أنّ المرويّ عنهما عليهما‌السلام في القنوت يعمّ الذكر والدعاء (٤) ، ويؤيّده ما فيه من إطلاق الدعاء على الذكر ، وأنّ الظاهر شمول الذكر للدعاء ، فيكون لفظ الدعاء في المجمع للأعمّ. والذكر في الكشاف على عمومه. ويؤيّد هذا عدّ صاحب اللّباب كونه ذكرا ودعاء (٥) ، قولا واحدا ، وهو صريح كلام الأصحاب في القنوت ، بل غيرهم أيضا تأمل.

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٢٨٨.

(٢) الدر المنثور ج ١ ص ٣٠٦ وفيه يهاب الرحمن مكان هاب الرحمن.

(٣) المجمع ج ١ ص ٣٤٣.

(٤) انظر ص ٣٤٥ و ٣٤٨ جامع أحاديث الشيعة.

(٥) الخازن ج ١ ص ١٦٦.

٩٥

ثمّ لا يبعد إرادة السكوت عمّا لا يجوز في ضمن ذلك ، كما لا يخفى ، ولعلّ ذلك مقتضى القيام طائعين أو خاشعين ، فيحتمل إرادة الذكر والدعاء المقرونين بالخشوع والطاعة إلّا أنّ الظاهر أنّه مجاز فتدبر.

وقد استدلّ بها على وجوب القنوت في الصلوات كلّها ، وشرعيّته فيها ، وفيه نظر لاحتمال الاختصاص بالوسطى كما قيل ، واحتمال إرادة طائعين أو خاشعين ، أو إرادة الأذكار الواجبة في الصلاة كما قيل أيضا ، ومع إطلاقه أيضا تبرئ الذمة بها ، كما لا يخفى فكونه بالمعنى الشائع عند الفقهاء محلّ تأمل فوجوبه في الصبح على تقديره الوسطى أيضا محل نظر.

قيل ولأنّه أمر بالقيام فهو إمّا قيام حقيقي أو كناية عن الاشتغال بالعبادة لله في حال القنوت ، فالواجب حينئذ هو القيام حال القنوت لا القنوت ، وإن احتمل حينئذ وجوب القنوت أيضا ، إذ على تقدير تركه لم يوجد المأمور به ، وهو القيام حال القنوت ، فوجوبه يستلزم وجوبه لكن وجوبه غير معلوم القائل وعلى تقديره يكون مشروطا أى إن قنتّم فقوموا.

وفيه نظر أما أولا ، فلأنّ الواجب حينئذ هو القيام قانتا ، ووجوب المقيد يستلزم وجوب القيد ، فإنّه منتف عند انتفائه وثانيا أنّ الظاهر أنّ كلّ من قال بوجوب القنوت يوجبه قائماً مع الإمكان ، نعم فهم وجوبه حينئذ مع عدم وجوب القيام لعذر مشكل وثالثا شتّان ما بين الشرط والحال ، خصوصا على تقدير كون القيام مقيدا بالقنوت كما فرضه فتدبر.

قال شيخنا (١) دام ظله : الأصل عدم الوجوب ، وهو مذهب الأكثر ، وأنه ليس في روايتي تعليم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة الأعرابيّ (٢) والصادق عليه‌السلام حمّاد بن عيسى و

__________________

(١) انظر زبدة البيان ص ٥٠ ط المرتضوي.

(٢) ترى روايات تعليم الأعرابي في كتب أهل السنة مع طرق الحديث واختلاف ألفاظه وشرح الحديث في نيل الأوطار ج ٢ من ص ٢٧٢ ـ ٢٧٦ وفي فتح الباري ط مطبعة البابى الحلبي ج ٢ ص ٤١٩ الى ص ٤٢٤ وتراه في كتب الشيعة في مستدرك الوسائل ج ١ ص ٢٦٢ عن غوالي اللئالى

٩٦

غيرهما من الروايات ، فالاستحباب غير بعيد ، ويمكن حمل الآية عليه فتأمل.

طه (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى.)

الظاهر نظرا إلى ما قبل وما بعد أنّ أمره تعالى له صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك بل أمره لهم أيضا كفّا لهم وتنزيها عن مدّ النظر إلى زهرات الدنيا وزخارفها ، بل فعلهم أيضا كذلك ينبغي فلا يبعد أن يفهم طلب مزيد عناية ومواظبة عليه ، كما يقتضيه الأمر بالاصطبار على وجه المبالغة.

وما روي عن عروة بن الزبير (١) أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين قرأ (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) الاية ثمّ ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله ، وعن بكر بن عبد الله المزني (٢) أنّه كان إذا أصاب أهله خصاصة قال : قوموا فصلّوا ، بهذا أمر الله رسوله ،

__________________

وهو في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٤٥ الرقم ٢٦٦٣ ورواه في الذكرى مرسلا في المسئلة الاولى من مسائل الركوع.

وترى حديث حماد في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٣٤١ الرقم ٢٢٥٥ وفي منتقى الجمان ج ١ ص ٤٥١ وفي البحار ج ١٨ ص ١٨٢ وفي الوسائل الباب ١ من أبواب أفعال الحديث الحديث ١ وفي الوافي ص ١٢٥ من الجزء الخامس وتطلع على مواضع اختلاف ألفاظ الصلاة في مصادره بعد مراجعة البحار والمرآت ومنتقى الجمان وانظر أيضا تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ من ص ١٢٧ الى ص ١٣٠ وانظر أيضا تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ من ص ٢٠٦ الى ص ٢٠٧ من عدم جواز التمسك بحديث تعليم الأعرابي لنفى وجوب ما لم يذكر فيه فكذا حديث حماد.

واما ما اشتمل حديث حماد على بعض المندوبات فقد عرفت في ص ٣٦ كما افاده المحقق النائيني أن الوجوب ليس قيدا في الموضوع له أو المستعمل فيه في الأمر بل منشأ استفادة الوجوب حكم العقل بوجوب طاعة الأمر وهذا الحكم فيما لم يرخص في تركه ويأذن في مخالفته فما يرد فيه الرخصة يكون واردا على حكم العقل ولذا ترى الجمع بين الواجب والمندوب في اخبار كثيرة بصيغة واحدة وأمر واحد وأسلوب واحد مع تعدد الأمر.

(١) الكشاف ج ٣ ص ٩٩.

(٢) الكشاف ج ٣ ص ٩٩.

٩٧

ثمّ قرأ هذه الآية.

وفي المجمع روى أبو سعيد الخدريّ (١) قال : لمّا نزلت هذه الآية ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب فاطمة وعلىّ عليهما‌السلام تسعة أشهر عند كلّ صلاة فيقول : الصلاة الصلاة يرحمكم الله ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا.

ورواه ابن عقدة (٢) بإسناده بطرق كثيرة عن أهل البيت عليهم‌السلام وغيرهم مثل أبي برزة وأبى رافع وقال أبو جعفر عليه‌السلام أمر الله تعالى أن يخصّ أهله دون الناس ليعلم الناس أنّ لأهله عند الله منزلة ليست للناس فأمرهم مع الناس ، ثمّ أمرهم خاصّة ، وهذا يدلّ على أنّ المراد من يختصّ به من أهل بيته ، لا أهل دينه مطلقا كما قيل.

ثمّ الظاهر وجوب أمره صلوات الله عليه أهله بذلك ، فالوجوب عليهم بأمره ـ إن قلنا إنّ الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء ـ لما علم من وجوب اتّباع أمره ؛ وإلّا فبهذا الأمر ، قيل فيجب علينا أيضا أمر أهالينا بدلالة التأسّي به عليه‌السلام ؛ ويؤيّده قوله تعالى (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) وقد ينظر فيه لبعض ما تقدّم مما قد يقتضي تخصيص أهله عليه‌السلام ونحوه مما يأتي ؛ وحينئذ فقد يستحبّ لغيره فليتأمل.

(وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) بالمداومة عليها واحتمال مشاقّها بل الأمر بها واحتمال مشاقّة أيضا فهو عليه‌السلام مأمور بها على أبلغ وجه.

(لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) لا نكلّفك شيئا من الرزق لا لنفسك ولا لغيرك ؛ نحن نرزقك

__________________

(١) المجمع ج ٤ ص ٣٧.

(٢) ترى روايات ابن عقده في البحار ج ٩ خلال ص ٣٨ الى ص ٤٥ وترى روايات إتيان النبي عدة أشهر باختلاف الروايات باب فاطمة وعلى من طرق أهل السنة في الدر المنثور ج ٤ ص ٣١٣ تفسير هذه الآية وج ٥ ص ١٩٩ تفسير آية التطهير وكفاية الطالب ط النجف ص ٢٣٢ واسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٠٨ ونور الأبصار ص ١١٢ وغيرها من كتبهم.

٩٨

ما يكفيك وأهلك ؛ أو كلّ ما تحتاج اليه فيحتمل أن يكون المراد ترك التوجّه الى تحصيل الرزق وكسب المعيشة بالكلية ؛ ويكون من خصائصه صلوات الله عليه وآله ولهذا قيل ففرّغ بالك لأمر الآخرة من العبادة وأداء الرسالة ؛ وقد يفهم منه الأمر بكلّ ما أمر به ، والصبر على تكاليفه كلّها ؛ وعدم جعل الرزق مانعا أصلا كما هو المناسب لشأن النبوّة ومنزلة الرسالة.

وينبّه عليه قوله تعالى (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) لدلالته على عدم الاعتداد بالدنيا لعدم العاقبة أو عدم عاقبة محمودة ؛ وانحصار العاقبة أو المحمودة في التقوى الذي هو العمل بمقتضى أوامر الله ونواهيه تعالى ؛ فمع كفاية الرزق في الدنيا لا وجه للتوجّه إليها وعدم التفرّغ للتقوى ؛ إلّا أنّ الإنسان كالمجبول على هذا.

ثمّ لا يخفى أنّ اللازم حينئذ اختصاص وجوب الاصطبار أيضا لأنّ هذا كالتعليل للأمرين خلافا لكنز العرفان ؛ نعم قد يستحبّ لغيره ، ويحتمل العموم ، ولهذا ورد «من كان لله كان الله له ومن أصلح أمر دينه أصلح الله أمر دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس» (١) وقال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ويكون توجّه الأمر إلى خصوصه مثل توجّهه إليه في آيات أخر ، ولعلّ الأولى حينئذ أن يراد ترك الاعتناء والاهتمام ، لكون ذلك مظنّة للوقوع في خلاف الأولى كما روي عن عبد الله بن قسيط عن رافع (٢) «قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يهوديّ وقال قل له يقول لك رسول الله أقرضني إلى رجب ، فقال والله لا أقرضته إلّا برهن ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّى لأمين في السماء وإنّى لأمين في الأرض احمل إليه درعي الحديد ، فنزلت (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) وهذا كالتتمة لها كما لا يخفى.

__________________

(١) انظر مسالك الافهام ج ١ ص ١٣٢ والوسائل الباب ٣٩ من أبواب جهاد النفس.

(٢) كذلك في الكشاف ج ٣ ص ٩٩ وترى مضمون الحديث في الدر المنثور ج ٤ ص ٣١٢ عن أبى رافع ومثله في الخازن ج ٣ ص ٢٥٣ ونص ابن حجر في الشاف الكاف ذيل الكشاف ج ٣ ص ٩٩ وقوع التحريف في الروايتين وانه يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابى رافع :

٩٩

ولا يبعد أن يكون بالنسبة إلى غيره عليه‌السلام مظنّة للحرام فيجوز أن يحرم عليهم لهذا وعليه تنزيها لمرتبة الرسالة ، وتكميلا لأمر التبليغ ، ويجوز عموم تكفّل الرزق وتخصيص وجوب ترك التوجّه به عليه‌السلام لما تقدّم فافهم.

المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ.)

«قد» حرف تأكيد يثبت المتوقّع كما ينفيه «لمّا» وتفيد الثبات في الماضي والفلاح الظفر بالمراد ، وقيل البقاء في الخير ، وأفلح دخل في الفلاح كأبشر ، ويقال أفلحه أصاره إلى الفلاح ، وعليه قراءة أفلح على البناء للمفعول (١) وقرئ «أفلحوا» على أكلونى البراغيث ، أو على الإيهام والتفسير «وأفلح» اجتزاء بالضمّة عن الواو وقرأ ورش عن نافع (٢) بإلقاء فتح الهمزة على الدال وحذفها.

والايمان في اللّغة التصديق وشرعا تصديق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما علم مجيئه به ضرورة تفصيلا فيما علم تفصيلا وإجمالا فيما علم إجمالا كما قاله الأشعرية وبعض الإماميّة فهو تصديق خاصّ أو هو مع الإقرار به كما قال بعض الإماميّة ونادر من الأشعرية ويروى عن أبي حنيفة. أو هما مع العمل بمقتضاه ، وهو مذهب جمهور المحدّثين والمعتزلة والخوارج وعند قوم من الآخرين أنّه أعمال الجوارح ، فقيل الطاعات بأسرها فرضا ونفلا ، وقيل المفترضة من الأفعال والتروك دون النوافل وعند الكرّاميّة أنّه الإقرار بالشهادتين.

وممّا يدل على أنّه التصديق وحده إضافة الايمان إلى القلب الدالّة على محلّيّة القلب له في آيات مثل (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ويقربها الآيات الدالّة على الختم والطبع على القلوب ، وكونها في أكنّه في مقام امتناع الايمان منهم ، وعطف

__________________

(١) انظر الالوسى ج ١٨ ص ٣ والكشاف ج ٣ ص ١٧٤ وفتح القدير ج ٣ ص ٤٥٨ ونقل الالوسى عن ابن خالويه إثبات الواو في الرسم أيضا قال وحملت الكتابة على ذلك فهي محذوفة فيها أيضا نظير يمحو الله قلت وليس هذا الرسم في كتابه شواذ القراءات ص ٩٧ منه المتعلق بسورة المؤمنون ولم ينقل الرسم في نثر المرجان ج ٤ ص ٥١٩ أيضا.

(٢) نقله الالوسى ج ١٨ ص ٢.

١٠٠