آيات الأحكام

محمد بن علي الاسترابادي

آيات الأحكام

المؤلف:

محمد بن علي الاسترابادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة المعراجي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

بإطلاقه وجوب أحد الأمرين.

نعم يجب أن يكون بالطيب في أيّهما كان ، فلا دلالة فيه على عموم وجوب أحدهما للجميع ، ويمكن الاستدلال ظاهرا على وجوب أحدهما إذا انتفى الآخر بدليل فتأمل.

و (لا تَيَمَّمُوا) لا تقصدوا (الْخَبِيثَ) أو الخبيث ممّا أخرجنا أي الردى أو الحرام منه أو الأعمّ حال كونكم تنفقونه منه ، فيجوز تعلّق منه بتنفقون ، وبمحذوف صفة للخبيث أو حالا عنه ، ويجوز كون (تُنْفِقُونَ) بيانا أي لا تقصدوا الخبيث من المال تنفقونه أو منه تنفقون ، فيجوز رجوع ضمير «منه» إلى الخبيث حينئذ ، ولعلّه أوجه.

ويجوز تعلّق منه بتنفقون حالا عن الخبيث ، ورجوع الضمير إليه (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) أي وحالكم وشأنكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم لرداءته (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) أي تتسامحوا وتتساهلوا فيه بأن تتركوا من حقكم من قولك أغمض فلان عن بعض حقّه إذا غضّ بصره فتركه كأنه لا يراه.

فالاغماض مجاز عن التسامح لترك بعض الحق وأخذ ما جاء كأنه لا يعلم بالعيب والرداءة كما أن من أغمض عينه فلا يرى الشيء لا يعلم عيبه ورداءته وكذا في الحرام لكن الأول أظهر ، والأعمّ أوسط.

قيل أي لا تأخذونه إلّا أن تحطّوا من الثمن فيه عن ابن عباس والحسن وقتادة ، ومثله قول الزّجاج ولستم بآخذيه إلّا بوكس فكيف تعطونه في الصدقة كذا في المجمع (١) وفي الكشّاف (٢) وعن الحسن لو وجدتموه في السوق يباع ما أخذتموه إلا أن يهضم لكم من الثمن ، في سياق تفسير قراءة قتادة (تُغْمِضُوا) على البناء للمفعول (٣) ، وهو أوضح ،

__________________

(١) المجمع ج ١ ص ٣٨١.

(٢) الكشاف ج ١ ص ٣١٥.

(٣) في روح المعاني ج ٣ ص ٣٤ الجمهور على ضم التاء وإسكان الغين وكسر الميم وقرء الزهري تغمضوا بتشديد الميم وعنه أيضا تغمضوا بضم الميم وكسرها مع فتح التاء وقرء قتادة تغمضوا بالبناء للمفعول اى تحملوا على الإغماض اى توجدوا مغمضين وكلا

٣٤١

وبالجملة المراد أنكم تعلمون أنّ فيه نقصانا للحق وتركا منه ، فإذا أعطيتم ذلك نقصتم الحقّ وتركتم منه ، فلما كانت المصلحة في ذلك لكم ، عاد النقص عليكم ، وكنتم بذلك مفوّتا مصلحة أنفسكم ، ولذلك قال (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ) أي عن كلّ شيء خصوصا عن إنفاقكم بالجيّد والحلال ، وإنّما ذلك لنفعكم ومراعاة مصلحتكم (حَمِيدٌ) في الأمور كلّها خصوصا في أمركم بذلك ، فإنه لمراعاة مصلحتكم ، وكذا في قبوله وإثابته إيّاكم.

والمقصود به الترغيب والتأكيد ، ولهذا عقّبه بقوله (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) في الإنفاق أصله وبالجيّد (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أي المعاصي وترك الطاعات ، أو ترك الإنفاق ، والإنفاق من الخبيث ، وفي الكشاف وتفسير القاضي : أي يغريكم على البخل ، والفاحش عند العرب البخيل ، وقيل : الفاحشة الزّنا وما يشتدّ قبحه من الذنوب ، وكلّ ما نهى الله عنه ، والفحشاء البخل في أداء الزّكوة والفاحش البخيل جدّا.

(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ) لذنوبكم فيسترها عليكم ويصفح عن عقوبتكم (وَفَضْلاً) أي خلفا أفضل ممّا أنفقتم من الخير والبركة ، وطهارة النفس مثلا في الدنيا والأجر العظيم والثناء الجميل في الآخرة (وَاللهُ واسِعٌ) الفضل والمغفرة عند بغية كلّ طالب لا يضيق بشيء (عَلِيمٌ) فيعلم ما تعملون من الإنفاق وتركه وإعطاء الخبيث والطيّب ، فيجازى كلّا بعمله ، ويضاعف منفق الطيّب بسعة فضله وكرمه في الدنيا والآخرة ، على ما يعلم من المصلحة.

ولا يخفى أنّ هذه الآية يقتضي أيضا ظاهرا وجوب الإنفاق المذكور بخصوصياته فلا يجوز إنفاق الحرام ولا الرديّ من المريض والمعيب عن غيرها ولا يكون مجزية أيضا كما هو مقتضى النهى ضمنا وصريحا حتّى قيل : لأنه المقصود من النهي ، ولعدم العلم بحصول براءة الذمّة مع يقين شغلها.

وربّما احتمل بهذا عدم إجزاء مقدار قيمته أيضا إلّا أن يعلم بدليل ، وإن

__________________

المعنيين مما أثبته الحفاظ ومن حفظ حجة على من لم يحفظ انتهى وفي شواذ القرآن لابن خالويه ص ١٦ الا ان تغمضوا بالتشديد الزهري الا ان يغمضوا بفتح الميم عن قتادة يعني الا ان ينهضم لكم فيه.

٣٤٢

قلنا بإجزاء القيمة لاحتمال اختصاصه بالدراهم والدنانير ولأن الكلام فيما لم يعط باعتبار القيمة على أنّ فيه نظرا أيضا للإطلاق المفيد للعموم فليتأمل.

وربما يقال بإشعارها بعدم وجوب الزّكوة أو والخمس في الحرام وكذا في الردي لعموم عدم إخراجها مع أن وجوبهما في العين ولا يجب إخراج الحلال والجيّد عن الرديّ والحرام ، كما هو مقتضى الأصل والأخبار وإجماع المسلمين ، حتّى كاد أن يكون ضروريا.

ويؤيّد ذلك ما رواه محمّد بن يعقوب (١) عن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن الحسن بن على الوشاء عن أبان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أمر بالنخل أن يزكى يجيء قوم بألوان من التمر وهو من أردء التمر يؤدّونهم من زكوتهم : تمر يقال له الجعرور ، والمعافارة قليلة اللّحا عظيمة النوى ، وكان بعضهم يجيء بها عن التمر الجيّد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تخرصوا هاتين التمرتين ، ولا تجيؤا منهما بشيء وفي ذلك نزل (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ).

وعلى هذا فعدم جواز إخراج الأدنى من الأعلى لا يستفاد هنا إلّا من تتمّة الآية (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) فتدبّر.

وفي قوله (وَلا تَيَمَّمُوا) إشارة إلى أن ما لم يكن من إنفاق الخبيث بدلا عن الجيّد عن تعمد فلا حرج ولا إثم فيه لكن يجب التدارك مع التنبيه له كما تنبّه عليه التتمة ، ونبّهنا عليه سابقا فافهم.

وحمل التتمّة على أنكم لستم بآخذيه إلا أن تتسامحوا في أخذه بحسب الدّين بناء على حمل الخبيث على الحرام ، مناف لما روي ، ولظاهر الآية الثانية ، ويوجب كونه

__________________

(١) الكافي باب النوادر من الزكاة الحديث ٩ وقد مر الحديث ١٠ منه وهو في ج ١ ص ١٧٥ وفي المرات ج ٣ ص ٢٠٨ وانظر الوسائل الباب ١٩ من أبواب زكاة الغلات ج ٦ ص ١٤١ وص ١٤٢ وهذا الحديث فيه بالمسلسل ١١٨٥١ وانظر أيضا مستدرك الوسائل ج ١ ص ٠؟؟؟ ٥ والبرهان ج ١ ص ٢٥٤ وص ٢٥٥ والبحار ج ٢٠ ص ١٣ ونور الثقلين ج ١ ص ٢٣٧ و ٢٣٨ والعياشي ج ١ ص ١٤٨ الى ص ١٥٠.

٣٤٣

تأكيدا ، ومفوّت لفوائد كثيرة فتأمل.

وأمّا ما قد يستدلّ بها عليه من عدم جواز عتق الكافر ، فإن أريد عوضا عن المسلمة أو المؤمنة فلا يخلو من وجه ، وأما مطلقا فلا ، لأنّ ظاهرها النهى عن قصد الخبيث من جملة المال لتخصيص الإنفاق به دون الطيّب المأمور به ، أو عن الطيب فليتأمل.

وأجيب أيضا بمنع كونه خبيثا بأحد المعنيين فإنه ليس حراما وإلّا لحرم بيعه وتملكه ولا رديا عرفا ، ولذلك أيضا جاز دفعه إلى الفقير صدقة لكونه مالا قاله صاحب الكنز (١).

الخامسة والسادسة في الروم [٣٨] (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ.)

في المجمع (٢) أعط ذوي قرباك يا محمّد حقوقهم الّتي جعلها الله لهم من الأخماس عن مجاهد والسّدي ، وروى أبو سعيد الخدري وغيره أنه لما نزلت هذه الآية على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى فاطمة عليها‌السلام فدكا وسلّمه إليها ، وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام وقيل : إنه خطاب له ولغيره ، والمراد بالقربى قرابة الرجل ، وهو أمر بصلة الرحم بالمال والنفس هذا.

ولا يبعد أن يكون الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد بالحقّ صلة الرحم أو أعم كغيره أيضا فافهم ، واحتجّ به الحنفيّة على وجوب النفقة للمحارم وهو غير واضح.

وقال شيخنا (٣) ويحتمل وجوب نفقة الأقارب والتخصيص بالأبوين والأولاد

__________________

(١) كنز العرفان ج ١ ص ٢٣٣.

(٢) المجمع ج ٤ ص ٣٠٦ وانظر أيضا الدر المنثور ج ٤ ص ١٧٧ تفسير الآية ٢٦ من سورة الأسرى ففيه واخرج البزار وأبو يعلى وابن ابى حاتم وابن مردويه عن ابى سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما نزلت وآت ذا القربى حقه اقطع رسول الله صلّى الله عليه فاطمة فدكا واخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت وآت ذا القربى حقه اقطع رسول الله (ص) فاطمة فدكا وانظر أيضا تعاليقنا على مسالك الافهام ج ٢ من ص ٢٧ الى ص ٣٠.

(٣) قد أوضحنا في تعاليقنا على هذا الجزء ص ٣٧ ان الأمر موضوع للطلب والعقل يحكم بلزوم إطاعة أمر المولى قضاء لحق المولوية والعبودية ما لم يرخص نفس المولى في الترك فما

٣٤٤

لإجماع الأصحاب وأخبارهم ، والأولى كون الأمر هنا على الإجمال ، وبيانه بالأخبار والإجماع ، فإنّ ذوي القربي يتفاوتون في الحق فافهم.

و (الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) أي وآتهما حقّهما وهو ما أوجب الله لهما من الزّكوة وغيرها وقيل : من الزكاة والأعم أولى. والخطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو لمن بسط له ولذلك رتّب على ما قبله بالفاء ، وقيل مرتب على قوله (أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) والأمر للوجوب كما هو الظاهر ، أو للرجحان المطلق والحقوق أعم من الواجبة والمندوبة ، والبيان من خارج.

(ذلِكَ) أي إعطاء الحقوق مستحقّها (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي ذاته أو جهته وجانبه أي يقصدون بمعروفهم إيّاه وجهه أو جهة التقرب اليه لا جهة أخرى ، والمعنيان متقاربان ، ولكن الطريقة مختلفة قاله الكشاف (١).

ويفهم من تقيد كون ذلك خير بمريدي وجه الله أنّ ذلك ليس خيرا من عدمه لغيرهم أو هو شرّ لهم فيشترط في ترتب الثواب عليه وبراءة الذمة به كونه لوجه الله (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بثواب الله والقرب لديه ، بل وتزكية النفس وتنمية المال وبراءة الذمة ويفهم نفي ذلك عن غيرهم ، فهو كالتأكيد لما قبله ، ويمكن أن يراد أنّ ذلك خير للّذين يريدون وجه الله في أعمالهم ومأموراتهم فيكون موافقا لقوله (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ويحتمل أن يراد بذلك الإتيان بالمأمور به مطلقا على بعد ما فليتأمل.

و (ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا)(٢)(فِي أَمْوالِ النَّاسِ) أي ما أعطيتم من المال ليربو

__________________

ورد فيه الترخيص يكون واردا على هذا الحكم من العقل ولذا ترى جمع الواجب والمستحب بلفظ أمر واحد مثل اغتسل للجمعة والجنابة من دون مجاز أو احتياج للحكم بكون الاستعمال في أكثر من معنى واحد فلا تغفل.

(١) انظر الكشاف ج ٣ ص ٤٨١.

(٢) قال في نثر المرجان ج ٥ ص ٢٩٩ بوصل لام كي مكسورة وقرئ المدنيان ويعقوب بالتاء الفوقانية مضمومة وفتح الباء الموحدة وسكون الواو على الخطاب والبناء

٣٤٥

ويزيد لكم في أموال الناس ، فسمّى المال المقصود به الزّيادة باسمها ، فان الربا هو الزّيادة ، فقيل المراد الرباء المحرّم ، وقيل هدية أو عطية يتوقع بها المكافاة بأزيد ، فهو حينئذ ربا حلال ليس عليه أجر ولا وزر ، عن ابن عباس وطاوس ، وهو المرويّ عن أبى جعفر عليه‌السلام (١).

والذي في تفسير القاضي والكشاف أنّ المراد ما آتيتم من زيادة محرّمة ليزيد في أموال آكلي الربا وأن يراد حينئذ : وزعمكم أنه يزيد في أموالهم ، وقال الكشاف والآية في معنى قوله (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) سواء بسواء.

ولا يخفى أنه لا يبعد أن يراد بالرّبا فيه أيضا ما قدّمنا وأنه هنا هو الأنسب بالفقرة الآتية من قوله (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) الاية وبالمقصود من ترك إعطاء المال طمعا في الربا وإعطائه زكاة فإنّ النهي عن أخذ الربا وإعطاء المال طمعا فيها أولى وأهمّ من النهى عن إعطاء الرّبا لآكليه ، فإنّه قلّ ما يكون ذلك إلّا من حاجة أو ضرورة وبقوله (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) فإنه عمّا قلناه أردع.

بل لا يبعد الحكم بعدم المناسبة لغيره لأنّ من يعطى الربا لا يبالي بعدم زيادة مال الأخذ بذلك بل لا يكون الإعطاء في الأكثر عن طيب الخاطر فلا بدّ من تكلّف.

__________________

للمفعول من أربيته والضمير للمخاطبين وسقطت نون الرفع للنصب بتقدير ان وقرء الباقون بالياء التحتانية مفتوحة وضم الباء الموحدة ونصب الواو على الغيب والبناء للفاعل من ربا والضمير للربا منصوب بتقديران وبزيادة الألف بعد الواو على القرائتين كما نص عليه الداني وهو المرسوم في مصحف الجزري.

وفي هامش بعض المصاحف الصحيحة أنه بالألف بعد الواو في أكثر المصاحف وفي مصحف المدنيين بغير الالف بعد الواو انتهى وفيه انه يخالف لما نص عليه الداني والله اعلم بالصواب انتهى ما في نثر المرجان.

ونقل في روح المعاني عن ابى مالك لتربوا بضمير المؤنث وكان الضمير للربا على تأويله بالعطية ونقل فيه عن ابن عباس والحسن وقتادة وابى رجاء والشعبي ونافع ويعقوب وابى حياة لتربوا بضم التاء بصيغة المعلوم والمفعول محذوف اى لتربوه.

(١) المجمع ج ٤ ص ٣٠٦.

٣٤٦

ويؤيد الأول ويضعف هذا أيضا قراءة نافع ويعقوب «لتربوا» بالتاء المضمومة وسكون الواو أي لتصيروا ذوي زيادة فافهم ، وقرأ ابن كثير (١) «وما أتيتم» بالقصر ، اي ما غشيتموه أو جئتم به من إعطاء ربا (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) فذلك لا يزيد ولا ينمو لكم عند الله أي في حكم الله وبحسب علم الله فما لكم إلّا رؤس أموالكم ، أو فلا يكون لكم بذلك زيادة من عند الله.

وإنّما اكتفى به عن عدم استحقاقهم بذلك عند الله عوضا وشيئا أصلا مراعاة لمقابلته للمضاعفة على الزكاة وإشارة إلى استلزام ذلك له ، وتنبيها على كمال فضله سبحانه وتعالى وأنه إذا استحق عنده العوض على شيء زاد البتة وضاعف واكتفاء في ذلك بما تقدّم من أن ما لم يكن لوجهه الكريم لم يستحقّ به من عنده شيئا أصلا بل وجوده كعدمه أو لأنّه لو كان لهم من عند الله شيء لزادوا ربي عنده لأن لهم رأس مالهم من أموال الناس كما لا يخفى فعلى القول الأخير يمكن أن يراد به نحو الأوّل ، وأن يكون كناية عن نحو (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) والله أعلم.

(وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) ذوو الأضعاف من الثواب ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوة واليسار ، وقيل : هم المضعفون للمال في العاجل وللثواب في الآجل ، فان الزكاة منماة للمال ، ومنه الحديث ما نقص مال من صدقة (٢) وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام فرض الله الزكاة تسبيبا للرزق (٣) في كلام

__________________

(١) انظر المجمع ج ٤ ص ٣٠٦ وكذا نثر المرجان ج ٥ ص ٢٩٨ والحجة في القراءات السبع لابن خالويه ص ٢٥٧.

(٢) مستدرك الوسائل ج ١ ص ٥٢٨ عن الجعفريات وبعده فأعطوا ولا تجبنوا ومثله بلفظ ما نقصت صدقة من مال مع زيادة في الحديث في الجامع الصغير بالرقم ٨١٢٠ ج ٥ ص ٥٠٣ فيض القدير وانظر المستدرك ص ٥٢٨ وص ٥٢٩ والوسائل الباب ١ من أبواب الصدقة ج ٦ من ص ٢٥٥ الى ص ٢٥٩ ترى روايات يستفاد منها انه يستنزل الرزق بالصدقة.

(٣) انظر الرقم ٢٤٩ من باب المختار من حكم أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة وقريب منه ما في الخطبة المعروفة من فاطمة الزهراء نقلها أيضا أحمد بن أبى طاهر طيفور في بلاغات النساء من ص ١٥ الى ص ٢٠ وفيها والزكاة تزييدا في الرزق وقد شرحت

٣٤٧

طويل والتغيير عن سنن المقابلة عبارة ونظما للمبالغة والتفنّن ومراعاة أواخر الآي والالتفات فيه للتعظيم كأنه خاطب به ملائكته وخواصّ خلقه تعريفا لحالهم ، أو للتنبيه على أنّ الغالب الشائع في المخاطبين ممّن بسط له الرزق بعدهم عن هذا المعنى ، وقلة التفاتهم إلى نحو هذا الكلام ، بل تحويل وجوههم وإعراضهم عنه إذا خوطبوا به.

نعم ربما استمعوا إذا كان الكلام مع غيرهم ، أو للتعميم كأنه قال : فمن فعل ذلك فأولئك هم المضعفون والعائد منه محذوف والتقدير المضعفون به أو فمؤتوه أولئك هم المضعفون وقرئ بفتح العين (١).

وفي الآية دلالة على اعتبار النيّة ، واشتراط القربة ، وإشعار بالاكتفاء بها كما لا يخفى وما يقال كيف الجمع بين ما دلّ على الأضعاف بوجوه شتّى ، وقوله (أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) فالوجه أنّ هذه الأضعاف باختلافها آثار سعيه باختلاف أنواعه وقيل ما سعى من باب العدل والأضعاف من قسم التفضل ، فليتأمّل فيه.

السابعة في التوبة [٦١] (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.)

أتى بانّما تأكيدا لحصرها في المذكورين وتصريحا وردّا على من يلمز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها من المنافقين ، وقطعا لأطماعهم ، واللام للاختصاص والاستحقاق في الجملة لا للملكيّة فإن استعمالها فيه أغلب.

على أنّ الأولى مع الاستعمال فيهما أن يكون للقدر المشترك وعلى تقدير

__________________

الخطبة في اللمعة البيضاء شرحها الحاج ميرزا محمد على الأنصاري في ٤٦٤ صحيفة وأشار الى طرقها أيضا وهو شرح لطيف مشتمل على مطالب مفيدة جدا طبع في ١٢٩٧ بتهران بالطبع الحجري من شاء فليراجعه فإنه كتاب ممتع.

(١) نقل القراءة في روح المعاني عن ابى ج ٢١ ص ٤١ وابن خالويه في شواذ القرآن عن محمد بن كعب ص ١١٦.

٣٤٨

الاشتراك يرجح الحمل عليه أصل عدم الملك ، وأنّ الظاهر أن اللام كفي في البعض لا يفيد الملك وأنّ كونها للملك يوجب البسط على جميع أفراد كلّ صنف وعدم تخصّص بعض بدون إذن الباقين وليس بواجب إجماعا ولذلك ذهب أصحابنا إلى أن المراد بيان المصرف دون الملك كما قال به الشافعيّ.

واختلف في الفقراء والمساكين هل هما صنف واحد ذكرا تأكيدا ـ وبه قال جماعة ـ أو صنفان وهو قول الأكثرين.

ثمّ اختلف هؤلاء على أقوال : فقيل الفقير هو المتعفّف الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل عن ابن عباس وجماعة وهو المرويّ (١) عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام وقيل : بالعكس ويؤيّد الأوّل قوله تعالى (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً).

وروى في الحديث ما يؤيّد الثاني : عنه عليه‌السلام ليس المسكين الذي يردّه الأكلة والأكلتان والتمرة والتمرتان ولكنّ المسكين الذي لا يجد غنى فيغنيه ولا يسأل الناس شيئا ولا يفطن به فيتصدّق عليه (٢) وقيل : الفقير هو الزّمن المحتاج والمسكين هو الصحيح المحتاج عن قتادة وقيل الفقراء المهاجرون والمساكين غير المهاجرين عن الضحاك.

ثمّ اختلفوا من وجه آخر فقيل الفقير أسوء حالا فإنه الذي لا شيء له والمسكين الذي له بلغة من العيش لا يكفيه وإليه ذهب الشافعيّ وابن الأنباريّ وهو قول للشيخ واحتجوا بقوله تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) وبأنّ الفقير مشتقّ من فقار الظهر فكأنّ الحاجة قد كسرت فقار ظهره ولأنّ البدأة بالأهم وقد بدئ به.

ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال (٣) اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني

__________________

(١) وانظر المجمع ج ٣ ص ٤١ وص ٤٢ والتبيان ج ١ ص ٨٣٩ ط إيران وانظر أيضا تعاليقنا على مسالك الافهام ج ٢ ص ٣٢ وص ٣٣.

(٢) المجمع ج ٣ ص ٤ والتبيان ج ١ ص ٨٣٩.

(٣) كان المصنف جمع بين الأحاديث ونقل المجموع والا فالذي تراه في اللسان

٣٤٩

في زمرة المساكين ونعوذ بالله من الفقر. وهو يدلّ على أنّه أشدّ وقيل بل المسكين أسوء حالا وهو قول أبي حنيفة والفتيبىّ وابن دريد وأئمّة اللغة وأنشد يونس :

أنا الفقير الذي كانت حلوبته

وسط العيال فلم يترك له سبد

وعن يونس (١) أيضا قلت لأعرابي أفقير أنت؟ فقال لا والله بل مسكين وهذا هو المرويّ عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام ولا ثمرة لتحقيق ذلك في هذا المقام وربّما كان في غيره والضابط في الاستحقاق من ليس بغنيّ والمشهور عندنا في ذلك من لا يملك مؤنة سنة له ولعياله الواجبي النفقة بحسب حاله في الشرف فما دونه ولا بصنعة وكسب ويدخل فيهم النساء والأطفال وكذا الهاشميّ وإن كان المتصدق غيرهم والإخراج بحسب الدليل من خارج.

(وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) هم السعاة في تحصيلها وتحصينها بجباية وولاية وكتابة وحفظ وحساب وغيرها (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وهؤلاء في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا قوما من الأشراف كان عليه‌السلام يعطيهم سهما من الزكاة يتألّفهم على الإسلام ويستعين بهم على قتال العدوّ.

__________________

والنهاية العبارة المنقولة إلى قوله في زمرة المساكين والحديث في جامع الصغير بالرقم ١٤٥٤ ج ٢ ص ١٠٢ فيض القدير وبعده وان أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة وعبارة التعوذ عن الفقر مروي في ضمن أدعية تراها في فيض القدير ج ٢ ص ١٢٢ و ١٢٧ و ١٤٩ بالرقم ١٤٨٩ و ١٤٩٦ و ١٥٤٦.

ولذلك ذكر في القرطبي روى عن النبي انه (ص) تعوذ عن الفقر وروى عنه انه قال اللهم أحيني مسكينا إلخ ج ١ ص ١٦٩ ثم ان السبكي قال ان المراد من المسكين في الحديث استكانة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر فإنه أغنى الناس بالله.

وقال المناوى في فيض القدير ج ٢ ص ١٢٢ ان المراد من الفقر الذي تعوذ منه النبي فقر النفس لا ما هو المتبادر من معناه من إطلاقه على الحاجة الضرورية فإن ذلك يعم كل موجود يا ايها الناس أنتم الفقراء الى الله وأصله كسر فقار الظهر.

(١) المجمع ج ٣ ص ٤٢ والتبيان ج ١ ص ٨٣٩ وانشد بيت الراعي

أنا الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد

وأنشده في القرطبي أيضا ج ٨ ص ١٦٩.

٣٥٠

وأورد علىّ بن إبراهيم (١) في تفسيره عن العالم عليه‌السلام قال : هم قوم وحّدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ولم يدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول الله وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتألّفهم ويعرّفهم ويعلّمهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا.

وظاهر الشيخ في التهذيب البناء عليه وهذا يدل على عدم اشتراط إعانتهم في الجهاد ويؤيّده الإطلاق وقول الصادق عليه‌السلام في حسنة زرارة ومحمّد بن مسلم إنّ الامام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرّون له بالطاعة وإنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه فتأمل.

ثمّ اختلف في هذا السهم هل هو ثابت بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أم لا؟ فقيل : ثابت عن الشافعيّ وهو المرويّ عن أبى جعفر عليه‌السلام (٢) إلا أنه قال من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألّفهم على ذلك به وقيل سقط بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله لان الله سبحانه أعزّ الإسلام وقهر الشرك عن الحسن وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.

واعلم أنّ المشهور عندنا أنّ المؤلّفة كفّار يستمالون بشيء من الصدقات إلى الإسلام يتألّفون ليستعان بهم على قتال المشركين حتّى قال الشيخ في المبسوط : ولا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام وقال المفيد والفاضلان ومسلمون مستدلّين بعموم الآية وقول الصادق عليه‌السلام في حسنة زرارة ومحمّد بن مسلم «وسهم المؤلّفة وسهم الرقاب عامّ والباقي خاصّ» وبه قال الشافعي.

و (فِي الرِّقابِ) أي في فكّها ويدخل فيها المكاتبون والعبيد مطلقا أو إذا لم

__________________

(١) ترى الحديث في تفسيره عند تفسير الآية وحكاه الشيخ في التهذيب ج ٤ ص ٤٩ بالرقم ١٣٩ وحكاه في الوسائل الباب ١ من أبواب المستحقين للزكاة ج ٦ ص ١٤٥ المسلسل ١١٨٦٥ وما أشار إليه المصنف من حسنة زرارة ومحمد بن مسلم تراه في الباب ١ من أبواب المستحقين للزكاة ج ٦ ص ١٤٣ المسلسل ١١٨٥٨ وأشار إليه المصنف في موضعين والحديث مبسوط فراجع.

(٢) المجمع ج ٣ ص ٤٢.

٣٥١

يوجد مستحق أو إذا كانوا في ضرّ وشدّة وينبغي أن يعتقهم الإمام أو المالك أو وكيل أحدهما بعد الشراء ويحتمل العتق بمحض الشراء مطلقا أو مع نيّته في الشراء والله أعلم.

قال في المعتبر : ومن وجب عليه كفّارة ولم يجد ما يعتق ، جاز أن يعطى من الزكاة ما يشترى به رقبة ويعتقها في كفّارته روى ذلك علىّ بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه‌السلام قال : وفي الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطاء أو الظهار أو الأيمان وليس عندهم ما يكفّرون جعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم.

وعندي أنّ ذلك أشبه بالغارم لأنّ القصد به إبراء ذمّة المكفّر ممّا في عهدته ويمكن أن يعطى من سهم الرقاب لأنّ القصد به إعتاق الرقبة انتهى.

والذي رأيت في تفسيره ونقله الشيخ في التهذيب بزيادة هكذا «وقتل الصيد في الحرم وليس عندهم ما يكفّرون وهم مؤمنون فجعل الله» إلخ وربما أشعر كلامه بأنّ المراد ذلك فتأمل وقد مرّ ذكر الأقوال في أوّل هذا الكتاب.

وقالوا بشرط الايمان ، وقول الصادق عليه‌السلام وعموم الآية يدفعانه فلا تغفل.

وفي جعل الرقاب ظرفا تنبيه على أنّ استحقاقهم ليس كغيرهم وأنه يتعين صرف هذا السهم في الوجه الخاصّ فالأولى أن يعطى للمولى في وجه مال الكتابة أو المكاتب مع الوثوق بصرفه فيه فان صرفه فقد وقع موقعه وإن أبرأه المولى أو تطوّع عليه متطوّع أو عجّز نفسه ارتجع وقال الشيخ في المبسوط لا يرتجع مطلقا.

(وَالْغارِمِينَ) وهم المدينون في غير معصية للأخبار وكأنه إجماعنا وللشافعي قولان والآخر الجواز وإن كان في معصية وقد مال المحقق إلى الجواز مع التوبة وفيه نظر.

والعطف على الرقاب فيقضى عن الغارم دينه وإذا اعطى فبقدر دينه فان صرفه في موضعه وإلّا استعيد ، خلافا للشيخ ، وتقضى الدين عمّن يجب نفقته مع عجزه عنه لدخوله تحت العموم ، ولأنّ القضاء هو مصرف النصيب لا تمليك المدين ، وكذا لو كان الدين على ميّت قضى عنه وقال أحمد وجماعة من الجمهور : لا يقضي لأنّ الغارم هو الميت ولا يمكن الدفع إليه ، والغريم ليس بغارم فلا يدفع إليه.

٣٥٢

(وَفِي سَبِيلِ اللهِ) قد اختلف فيه فقيل الجهاد ، وهو قول للشيخ وبه قال الشافعيّ وأبو حنيفة ومالك وأبو يوسف لأنّ إطلاق السبيل ينصرف إلى الجهاد ، وقيل معونة الحاج أو أعم منها ومن الجهاد لما روى أنّ رجلا جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحجّ فقال لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اركبيها ، فان الحجّ من سبيل الله.

وأكثر أصحابنا على أنّه يعمّ جميع مصالح المسلمين ووجوه القرب إلى الله لانّ السبيل هو الطريق ، فإذا أضيفت إلى الله كان عبارة عن كلّ ما يتوسل به إلى ثوابه ويتقرّب به إليه ، ويؤيّده ما رواه علىّ بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه‌السلام «قال : وفي سبيل الله قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون به ، وقوم مؤمنون ليس لهم ما يحجّون به» وفي جميع سبل الخير ، وانصراف الإطلاق إلى الجهاد غير مسلم والخبر عنه عليه‌السلام قد يشعر بما قلنا كما لا يخفى.

في المجمع (١) : وهو قول ابن عمر وعطاء واختيار البلخيّ وجعفر بن مبشّر قالوا يبنى منه المساجد والقناطر وغير ذلك.

(وَابْنِ السَّبِيلِ) وهو المسافر المنقطع به يعطى من الزكاة وإن كان غنيا في بلده ، وسمّى به للزومه الطريق ، ويؤيّده ما روى عن العالم عليه‌السلام قال ابن السبيل أبناء الطريق يكونون في السفر في طاعة الله فينقطع بهم ويذهب مالهم ، فعلى الامام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات ، فيدخل فيه الضيف إذا كان بالصفة ، وقيل مع السفر والاحتياج ، فلا يبعد الاتّحاد ، وقد يفرق فتأمل.

وقيل إنه الضيف وأطلق عن قتادة ، وقيل مع كونه مسافرا محتاجا قال شيخنا قدس الله روحه (٢) يمكن اشتراط عدم القدرة على التدين وغيره للوصول إلى بلده ، فان المتبادر من ابن السبيل هو العاجز عن الوصول إلى بلده ، ويحتمل العدم لظاهر اللفظ وعدم ظهور التبادر فتأمل.

وليس منه المنشئ سفرا من بلده خلافا للشافعيّ وأبى حنيفة ، وابن الجنيد

__________________

(١) المجمع ج ٣ ص ٤٢.

(٢) انظر زبدة البيان ص ١٨٨ ط المرتضوي.

٣٥٣

منّا ، ثم المنقطع به ان كان سفره طاعة اعطى وإن كان معصية منع ، وإن كان مباحا فعند أكثرنا يعطى كالطاعة ، ومنع آخرون منّا ومنهم ، لنا عموم الآية وفي المختلف انه يكفى في مصداق الخبر كون السفر مباحا مع اعتقاده ذلك وانقياده فيه فتأمل.

ثمّ إن أقام ناويا عشرة فما زاد أو شهرا غير ناو ذلك ، فقيل يخرج عن كونه مسافرا فلا يصدق عليه ابن السبيل ، وأجاب عنه العلّامة بالمنع وأنه وإن أخرجه ذلك عن كونه مسافرا يجب عليه القصر لم يخرجه عن كونه مسافرا مطلقا ، وهو الوجه لصدق ابن السبيل عليه عرفا ، ويدفع إليه قدر كفايته لوصوله إلى بلده ، فان صرفه في ذلك فقد وقع موقعه ، وإن صرفه في غيره فهل يرتجع؟ قيل : نعم ، وقيل لا.

وفي المعتبر والتذكرة : الوجه استعادته إذا دفع لقصد الإعانة اقتصارا على قصد الدافع وفي التذكرة بعد الجزم بالردّ إن لم يسافر أنه لو وصل بلده وبيده فضل لم يسترد ، لأنه ملكه بسبب السفر ، وقد وجد فلا يحكم عليه فيما يدفع إليه ، وقال المحقق يسترجع لأنه غنىّ في بلده.

ويقال بناء ذلك كلّه على معنى الظرفيّة وأنّ المراد صرفها فيه وفي معونته في الجملة أو في جهة احتياجه من حيث كونه ابن سبيل من مؤنة وصوله إلى بلده ، ورفع هذا الوصف عنه ، ولعلّ إطلاق اللفظ يؤيّد الأوّل ويؤيد الثّاني مقابلته للفقراء والمساكين مطلقا والعدول من اللّام إلى «في» ولعلّ المراد الثاني لكن مع ذلك في استرداد الفاضل بعد وصول البلد نظر خصوصا إذا كان ممّا لا بدّ منه في الوصول ومحتاجا إليه في السفر لأنه قد صرف في مصرفه ، وكأنه الذي نظر إليه العلّامة ثمّ هل يؤثر قصد الدافع خصوصا على الأوّل أو لا فليتأمل.

وفي الكشاف إنّما عدل عن اللّام (١) إلى «في» للإيذان بأنهم أرسخ في

__________________

(١) انظر الكشاف ج ٢ ص ٢٨٣ ولابن المنير في الانتصاف المطبوع ذيله ما يعجبنا نقله بعين عبارته : قال أحمد وثم سر آخر هو أظهر وأقرب وذلك ان الأصناف الأربعة الأوائل ملاك لما عساه يدفع إليهم وانما يأخذونه ملكا فكان دخول اللام لائقا بهم واما الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم بل ولا يصرف إليهم ولكن في مصالح تتعلق بهم.

٣٥٤

استحقاق التصدّق عليهم ممّن سبق لأنّ «في» للوعاء فينبّه على أنهم أحقّاء أن يوضع فيهم الصدقات ويجعلوا مصيبا لها ، وتكرير «في» في قوله (فِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فيه فضل ترجيح لهما على الرقاب والغارمين ، وهذا يؤيّد الإطلاق أيضا وعلى تقدير كونه تنبيها على أنّ الاستحقاق للجهة يمكن أن يقال التكرير لأنّ الظرفيّة في هذين على وجه آخر فتأمل.

و (فَرِيضَةً) في معنى المصدر المؤكّد أي إنّما فرض الله الصدقات لهم فريضة ، أو حال عن الضمير المستكنّ في للفقراء وقرئ «فريضة» على «تلك فريضة» أى مقدرّة واجبة (وَاللهُ عَلِيمٌ) بالأمور والمصالح (حَكِيمٌ) إنّما يفعل ويحكم على حسب المصالح فلا يحسن من الخلق إلّا الانقياد والاتّباع.

الثامنة [في سورة البقرة ٢٧١] (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) تعطوها علانية

__________________

فالمال الذي يصرف في الرقاب انما يتناوله السادة المكاتبون والبائعون فليس نصيبهم مصروفا إلى أيديهم حتى يعبر عن ذلك باللام المشعرة بتملكهم لما يصرف نحوهم وانماهم مجال لهذا الصرف والمصلحة المتعلقة به وكذلك الغارمون انما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصا لذممهم لا لهم.

واما سبيل الله فواضح فيه ذلك واما ابن السبيل فكأنه كان مندرجا في سبيل الله وانما أفرد بالذكر تنبيها على خصوصيته مع انه مجرد من الحرفين جميعا وعطفه على المجرور باللام ممكن ولكنه على القريب منه أقرب والله اعلم.

وكان جدي أبو العباس أحمد بن فارس الفقيه الوزير استنبط من تغاير الحرفين المذكورين وجها في الاستدلال لمالك على ان الغرض بيان المصرف واللام لذلك لام الملك فيقول متعلق الجار الواقع خبرا عن الصدقات محذوف فيتعين تقديره فاما ان يكون التقدير انما الصدقات مصروفة للفقراء كقول مالك أو مملوكة للفقراء كقول الشافعي.

لكن الأول متعين لأنه تقدير يكتفى به في الحرفين جميعا يصح تعلق اللام به وفي معا فيصح ان تقول هذا الشيء مصروف في كذا وكذا بخلاف تقديره مملوكة فإنه إنما يلتئم مع اللام وعند الانتهاء الى في يحتاج الى تقدير مصروفة ليلتئم بها فتقديره من اللام عام التعلق شامل الصحة متعين والله الموفق انتهى ما في الانتصاف.

٣٥٥

(فَنِعِمَّا هِيَ) فنعم شيئا إبداؤها (١) ، حذف الإبداء الذي هو المخصوص بالمدح حقيقة ، وأقيم المضاف إليه الذي هو ضمير الصدقات مقامه لدلالة السياق عليه.

__________________

(١) قال القرطبي في ج ٣ ص ٣٣٤ : واختلف القراء في قوله فَنِعِمَّا هِيَ فقرء أبو عمرو ونافع في رواية ورش وعاصم في رواية حفص وابن كثير فنعما هي بكسر النون والعين وقرء أبو عمرو أيضا ونافع في غير رواية ورش وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل فنعما بكسر ـ النون وسكون العين وقرء الأعمش وابن عامر وحمزة والكسائي فنعما بفتح النون وكسر ـ العين وكلهم سكن الميم ويجوز في غير القرآن فنعم ما هي قال النحاس ولكنه في السواد متصل فلزم الإدغام.

وحكى النحويون في نعم اربع لغات نعم الرجل زيد هذا الأصل ونعم الرجل بكسر ـ النون لكسر العين ونعم الرجل بفتح النون وسكون العين والأصل نعم حذفت الكسرة لأنها ثقيلة ونعم الرجل وهذا أفصح اللغات والأصل فيها نعم وهي تقع في كل مدح فخففت وقلبت كسرة العين على النون وأسكنت العين فمن قرء فنعما هي فله تقديران أحدهما ان يكون جاء به على لغة من يقول نعم والتقدير الآخر ان يكون على اللغة الجيدة فيكون الأصل نعم ثم كسرت العين لالتقاء الساكنين.

قال النحاس فأما الذي حكى عن ابى عمرو ونافع من إسكان العين فمحال حكى عن محمد بن يزيد انه قال اما إسكان العين والميم مشددة فلا يقدر أحد ان ينطق به وانما يروم الجمع بين ساكنين ويحرك ولا يأبه وقال أبو على من قرء بسكون العين لم يستقم قوله لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بحرف مد ولين وانما يجوز ذلك عند النحويين إذا كان الحرف الأول حرف مد إذ المد يصير عوضا من الحركة وهذا نحو دابة وضوال ونحوه ولعل أبا عمرو أخفى الحركة واختلسها كأخذه بالإخفاء في بارئكم ويأمركم فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك في السمع وخفائه.

قال أبو على واما من قرء نعما بفتح النون وكسر العين فإنما جاء بالكلمة على أصلها ومنه قول الشاعر :

ما أقلت قدماي انهم

نعم الساعون في الأمر المبر

قال أبو على وما من قوله تعالى نعما في موضع نصب وقوله هي تفسير للفاعل المضمر قبل الذكر والتقدير نعم شيئا إبداؤها والإبداء هو المخصوص بالمدح الا ان المضاف حذف وأقيم المضاف اليه مقامه ويدلك على هذا فهو خير لكم أي الإخفاء خير لكم فكما ان الضمير هنا

٣٥٦

وأيضا فإنّ «هو» في (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لاخفائها فيجب أن يكون هنا إبداؤها أو هي للصدقات المبدوّة إشارة إلى أنّ نفس الإعلان غير مضرّ وليس في المدح بحيث يمدح بخصوصها عند الذكر مع الصدقة وأما في العديل فإنّما أريد أنّ الإخفاء خير من الإعلان.

والمراد الصدقات المتطوّع بها فإنّ الأفضل في الفرائض أن يجاهر بها وعليه أكثر أصحاب التفاسير وهو المرويّ عن أبى عبد الله عليه‌السلام في أسانيد (١) وفي مجمع البيان

__________________

للإخفاء لا للصدقات فكذلك أولا الفاعل هو الإبداء وهو الذي اتصل به الضمير فحذف الإبداء وأقيم ضمير الصدقات مثله انتهى ما في القرطبي.

وانظر البحث في نعم في الإنصاف المسئلة ١٤ من مسائل الخلاف من ص ٩٧ الى ص ١٢١ والاشمونى بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ج ٤ من ص ٢٩٢ الى ص ٢٤٩ وشرح الرضى على الكافية ط اسلامبول من ص ٣١١ الى ص ٣١٩ وشرح الاشمونى بحاشية الصبان ج ٣ من ص ٢٦ الى ص ٣٨ وأسرار العربية لابن الأنباري من ص ٩٦ الى ص ١٠٦ وشرح ابن عقيل ج ٢ من ص ١٦٠ الى ص ١٧٤ ط ١٣٨٥.

(١) قال في الهامش : منها ما رواه محمد بن يعقوب عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ـ الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن ابى المغراء عن ابى بصير عن ابى عبد الله (ع) في قول الله عزوجل (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) قال : ليس من الزكاة.

وبهذا الاسناد عن أبيه عن ابن أبى عمير عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (ع) في قول الله عزوجل (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فقال : هي سوى الزكاة ، ان ـ الزكاة علانية غير سر.

وعن على بن إبراهيم عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن عبد الله بن يحيى عن عبد الله بن مسكان عن أبى بصير عن ابى عبد الله (ع) قال كل ما فرض الله عزوجل عليك فإعلانه أفضل من إسراره وكل ما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه ، ولو أن رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا.

أقول : الحديث الأول طويل رواه في الكافي ج ١ ص ١٤٠ باب فرض الزكاة الحديث ٩ وهو في المرات ج ٣ ص ١٨٤ ووصفه بالحسن لوجود إبراهيم بن هاشم في طريقه وقد أوضحنا

٣٥٧

وقيل : الإخفاء في كلّ صدقة من الزكاة وغيرها أفضل عن الحسن وقتادة (١) وهو الأشبه لعموم الآية ويؤيد الأول استحباب حمل الواجبة إلى الامام ابتداء ووجوبه عند الطلب وأنه مع الإعلان فيها يسلم عن الاتّهام بترك الفريضة ، وأنّ الريا لا يتطرّق إليها كتطرقها إلى المندوبة ، وأنّ قوله (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) يشعر بأن الإخفاء مظنة عدم إصابة مصارفها فينبغي في الفريضة الاحتياط بالإعلان.

وأيضا لا ريب أنّ البسط أفضل فصرف الجميع على الفقراء كما هو ظاهرها لا يناسب الزكاة ، وعن ابن عباس صدقات السرّ في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها بخمسة وعشرين ضعفا.

ونكفّر عنكم قرئ بالنون مرفوعا عطفا (٢) على محلّ ما بعد الفاء أو على أنّه خبر مبتدء محذوف ، أى ونحن نكفّر أو على أنه جملة مبتدأة فيجوز أن يكون ذلك بسبب الإنفاق مطلقا ، وبسبب الإنفاق المخفي تأمل.

__________________

في مسالك الافهام ج ١ ص ١٢٩ ان الحديث من طريقه صحيح معتبر معتمد وقد روى اجزائه في أبواب من الوسائل ونقله بتمامه أيضا في الباب ٧ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ج ٦ ص ٢٨ المسلسل ١١٤٩١.

ولم يتعرض له في المنتقى ولعله لوجود ابى بصير في طريقه وانا أيضا في حقه من المتوقفين كما شرحنا في تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ٣٢٨ وقلنا انه وان وثقه المحمد باقرون الأربعة (المجلسي والبهبهاني والسبزواري والشفتي) وانا أيضا موسوم بمحمد باقر الگلپايگاني لكن لم أصر في هذا البحث لهم خامسا ولا أضعفه بالبت ولكني في حقه من المتوقفين الا مع اليقين بكون المراد منه الليث المرادي فإنه صحيح بالبت.

والثاني في الوسائل الباب ٥٤ من أبواب المستحقين للزكاة ج ٦ ص ٢١٥ المسلسل ١٢٠٩٦

والثالث في الوسائل الباب ٥٤ من أبواب المستحقين للزكاة ج ٦ ص ٢١٥ المسلسل ١٢٠٩٥

(١) المجمع ج ١ ص ٣٨٤.

(٢) انظر المجمع ج ١ ص ٣٨٣ وص ٣٨٤ والكشاف ج ص ٣١٦ وروح المعاني ج ٣ ص ٣٩ والقرطبي ج ٣ ص ٣٣٥ وص ٣٣٦.

٣٥٨

ومجزوما عطفا على محلّ الفاء وما بعده ، لأنه جواب الشرط وقرئ «ويكفر» بالياء مرفوعا والفعل لله فيحتمل أن يكون مبتدأة فيجيء الاحتمالان أو الفعل للإخفاء وربما أمكن للأعمّ فافهم ، وقرئ «تكفر» بالتاء مرفوعا ومجزوما والفعل للصدقات وقرأ الحسن بالياء والنصب بإضمار أن ، ومعناه إن تخفوها يكن خيرا لكم وأن يكفر عنكم أو ولأن يكفر عنكم.

(مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) قيل «من» صلة وتحقيق للتعميم ، فربما خصّص السيئات بالصغائر والأكثر على التبعيض فقيل هو الصغائر ، وقيل أعمّ فإن العبادات تسقط الذنوب المتقدّم وجوبا ، وهو مذهب الإحباط والتكفير. وعلى مذهب الأصحاب من بطلان ذلك كما هو المشهور وادّعى عليه الإجماع يكون إسقاط الذنوب تفضّلا غير واجب إلّا بالوعد أو يقال المجمع على بطلانهما هو إحباط كلّ متأخّر وإن كان قليلا جميع ما تقدّمه مطلقا لا إسقاط ما دونه أو مساويه والله أعلم.

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) من الإنفاق وغيره سرا وجهرا ، ليلا ونهارا ، حسنا وقبيحا ، فيجازى كلا بعمله ، ويزيد لمن يشاء من المحسنين بفضله.

وممّا جاء في صدقة السرّ (١) عنه عليه‌السلام «صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ وتطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار ، ويدفع سبعين بابا من البلاء ، وسبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه : الامام العادل ، وشابّ نشأ في عبادة الله عزوجل ورجل قلبه متعلّق بالمساجد ورجلان تحابّا في الله واجتمعا عليه وتفرّقا عليه ، ورجل دعته امرءة ذات منصب وجمال فقال : انى أخاف الله عزوجل ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لم يعلم يمينه ما ينفق شماله ورجل ذكر الله ففاضت عيناه.

__________________

(١) كأن المصنف جمع بين مضامين الأحاديث ، تراها في كتب الشيعة وأهل السنة : انظر في ذلك مسالك الافهام ج ٢ ص ٤٥ والوسائل الباب ١٣ من أبواب الصدقة ج ٦ ص ٢٧٥ الى ص ٢٧٨ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٥٣٤ والدر المنثور ج ١ من ص ٣٥٣ الى ص ٣٥٧ وابن كثير ج ١ ص ٣٢٣ والخازن ج ١ ص ١٩٤.

٣٥٩

البحث الثالث

في أمور تتبع الإخراج وفيه آيات

منها في البقرة [٢٧٢] (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) من مال أو ما يعم كل معروف فإنه ضدّ الشرّ إلا أنّ الإنفاق ربما لا يساعد عليه لاختصاصه بالمال أو أخصّ منه كالدراهم والدنانير فتأمل.

(فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) قيل حال ، وقيل عطف على ما قبله أي ليس إنفاقكم إلّا لوجه الله على ما هو شأنكم أو على ما زعمتم فلا تمنّوا ولا تنفقوا الخبيث الذي لا يليق بابتغاء وجه الله ولا ترضون لأنفسكم.

في المجمع (١) هذا إخبار من الله تعالى عن صفة إنفاق المؤمنين المخلصين المستجيبين لله ورسوله أنهم لا ينفقون ما ينفقونه إلّا طلبا لرضا الله هذا ويمكن خروج ذلك مخرج المبالغة كأنّ ما ليس لابتغاء وجه الله ليس بإنفاق أصلا أو على معنى أنكم لا تنفقون شيئا إلّا ابتغاء وجه الله فإنّه الذي يوجب الأجر والثواب.

ويحتمل أن يكون المعنى لا تنفقون إنفاقا ينفعكم إلّا لابتغاء وجه الله فافهم وقيل : نفى في معنى النهى ، فيستفاد اشتراط القربة وعدم اعتبار غيرها فابتغاء وجهه بالعمل هو النيّة.

قال في المجمع في ذكر الوجه هنا قولان : أحدهما أنّ المراد منه تحقيق الإضافة ودفع إيهام الشركة وذلك أنك لما ذكرت الوجه ومعناه النفس ، دلّت على أنك تصرف الوهم عن الإشراك إلى تحقيق الاختصاص فكنت بذلك محقّقا للإضافة ، ومزيلا لإيهام الشركة. والثّاني أنك إذا قلت فعلته لوجه زيد كان أشرف في الذكر من فعلته له ، لأنّ وجه الشيء في الأصل أشرف ما فيه ، ثمّ كثر حتى صار يدلّ على شرف الذكر من غير تحقيق وجه ألا ترى أنك تقول وجه الرأي ووجه الدليل ووجه الأمر فلا تريد تحقيق الوجه

__________________

(١) المجمع ج ١ ص ٣٨٦.

٣٦٠