آيات الأحكام

محمد بن علي الاسترابادي

آيات الأحكام

المؤلف:

محمد بن علي الاسترابادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة المعراجي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

غيرها بالقيام والركوع والسجود ، أو بالإيماء أو بالنية والتكبير والتشهّد والتسليم.

ويروى أن عليا عليه‌السلام صلّى ليلة الهرير خمس صلوات بالإيماء وقيل بالتكبير وإنّ النبيّ صلّى يوم الأحزاب إيماء وبالجملة فيها إشارة إلى صلاة الخوف إجمالا والتفصيل يعلم من السنّة المطهّرة.

(فَإِذا أَمِنْتُمْ) بزوال خوفكم (فَاذْكُرُوا اللهَ) أي فصلّوا (كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) من صلاة الأمن ، وقيل اذكروا الله بالثناء عليه والحمد له شكرا على الأمن والخلاص من الخوف والعدو ، كما أحسن إليكم بما علمكم ما لم تكونوا تعلمون من الشرائع ، وكيف تصلّون في حال الأمن وفي حال الخوف ، أو شكرا يوازي نعمة وتعليمه ، ولعلّ هذا القول أظهر لظهور الذكر فيه ، وفهم صلاة الأمن من صدرها.

التاسعة [الانشراح : ٧ ـ ٨] (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ.)

النصب التعب أي فاتعب ولا تشتغل بالراحة ، والمعنى إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربّك في الدعاء ، وإليه فارغب في المسئلة يعطك ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبيّ ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

في المجمع (١) : قال الصادق عليه‌السلام : هو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس فالظاهر أنّ المراد به التعقيب بعد المكتوبة كما هو المشهور ، وعليه الاخبار والإجماع من الخاصّة والعامة.

فالأمر على الندب أو من خواصه عليه‌السلام واعتبار الجلوس في قول الصادق عليه‌السلام محمول على تأكّد الاستحباب كما تدلّ عليه أخبار أخر ، منها ما رواه الصدوق في الصحيح (٢) أنّ هشام بن سالم قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أخرج أحبّ أن أكون معقّبا ، فقال :

__________________

(١) المجمع ج ٥ ص ٥٠٩.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٢١٦ الرقم ٩٦٣ ط النجف وهو في ط مكتبة الصدوق ج ١ ص ٣٢٩ الرقم ٩٦٤ ورواه في الوسائل ج ٤ ص ١٠٣٤ الباب ١٧ من أبواب التعقيب المسلسل ٨٤٣٧ عن الفقيه وعن التهذيب وقريب منه في المضمون حديث الكافي بالمسلسل ٨٤٣٩.

٢٨١

إن كنت على وضوء فأنت معقّب.

وقد تدلّ الفاء على الاشتغال به بغير فصل ، ويفهم من الروايات أيضا حتّى قبل النافلة في المغرب كما صرّح به في رواية في الفقيه (١) مع ما ورد من تعجيلها وفعلها قبل الكلام.

وينبغي أن يكون المعقّب على هيئة الصلاة كما قاله بعض الأصحاب ودلّت عليه بعض الاخبار ، وادّعى إشعار الآية به ، وفي الذكرى أنه يضرّ بالتعقيب جميع ما يضرّ بالصلاة ، ولعلّه أراد نقص الفضيلة لا بطلان كونه تعقيبا شرعا وأما اشتراط ذلك في كونه دعاء شرعا مستحبا في الجملة ، فكأنه لا قائل به ، ولا شبهة في خلافه.

ثم في الآية أقوال أخر فقيل : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل ، عن ابن مسعود ، وقيل : إذا فرغت من دنياك فانصب في عبادة ربك وصلّ ، عن الجبائي ومجاهد في رواية. وقيل : إذا فرغت من جهاد أعدائك فانصب في عبادة ربك عن الحسن وابن زيد ، وقيل : إذا فرغت من جهاد عدوّك فانصب في جهاد نفسك ، وقيل : إذا فرغت من أداء الرسالة فانصب لطلب الشفاعة ، قيل أي استغفر للمؤمنين.

في المجمع (٢) وسئل علىّ بن طلحة عن هذه الآية فقال : القول فيه كثير ، وقد سمعنا أنّه يقال : إذا صححت فاجعل صحّتك وفراغك نصبا في العبادة ، والى ربّك فارغب أي بجميع حوائجك وأمورك ، ولا ترغب الى غيره بوجه. ويجوز عطفه على الجزاء وعلى الشرط فافهم.

__________________

(١) إشارة الى الحديث المروي في الفقيه ج ١ ص ١٤٣ ط النجف بالرقم ٦٦٤ وهو في ط مكتبه الصدوق ج ١ ص ٢٢١ الرقم ٦٦٥ والحديث هكذا وقال الصادق من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلى ركعتين كتبتا له في عليين فان صلى أربعا كتبت له حجة مبرورة والحديث في الوسائل الباب ٣٠ من أبواب التعقيب ج ٤ ص ١٠٥٧ المسلسل ٨٥١٤ وفي الباب أحاديث أخر أيضا في النهي عن التكلم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب.

(٢) المجمع ج ٥ ص ٥٠١ وعلى ابن أبي طلحة ترى ترجمته في تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٣٩ الرقم ٥٦٧ وميزان الاعتدال ج ٣ ص ١٣٤ الرقم ٥٨٧٠ والصحيح على بن أبي طلحة والظاهر انه سقط في المجمع وفي كتابنا هذا كلمة أبي.

٢٨٢

العاشرة [البقرة ٤٣] (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ.)

إقامة الصلاة الإتيان بها تامّة الأفعال والشروط ، وأداء وظائفها المعتبرة ، والركوع لغة الانحناء ، وقيل الخضوع ، وشرعا انحناء خاصّ ، قيل : أي بحيث تصل يدا مستوي الخلقة إلى ركبتيه ، أو خضوع خاصّ ، وقد يعبّر به عن الصلاة لأنّ الركوع أوّل ما يشاهد من الأفعال الّتي يستدلّ بها على انّ الإنسان يصلّى ، أو لكونه ركنا فيها أو لغير ذلك ، ولا ريب ان ليس المراد مطلق الانحناء ، فقيل : عبّر به عن الصلاة وذلك لأنّ الخطاب لليهود ، وليس في صلاتهم ركوع ، وقوله (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) كان يحتمل الإشارة إلى صلاتهم والى صلاتنا ، فاذا قيل ذلك اختصّ بصلاتنا فيكون بيانا لا تكرارا ومجرّد تأكيد كما قيل.

وأصرح في هذا المعنى ما قيل انّ المراد اركعوا في الصلاة مع الراكعين في صلاتهم ، فيراد به المعنى الشرعيّ ، والمعيّة على القولين كأنها باعتبار الموافقة في الصلاة والدخول في دين الإسلام ، وحينئذ فالوجوب كما هو ظاهر الأمر ظاهر ، وإذا حمل على صلاة الجماعة كما قيل : كانت المعيّة أظهر ، ولكنّ الوجوب (١) كاد ان يكون خلاف الإجماع ، فامّا ان يحمل على الصلاة الّتي يجب فيها الجماعة كصلاة الجمعة والعيدين ، أو على شدّة الاستحباب للأخبار والإجماع.

هذا وقد يستدلّ على الأوّل على ركنية الركوع ، لتسميتها لاشتمالها عليه وعدم انفكاكها عنه ، فاذا عدم عدمت ، وفيه نظر. وعلى الثاني على وجوب الركوع ، وعلى الأخير على عدم إدراك الجماعة مع عدم الركوع مع الامام ، حتّى لو كان الامام

__________________

(١) قد عرفت في حواشينا السابقة ان مفاد الأمر طلب المولى والعقل يحكم بوجوب اطاعة امره فما دل على جواز الترك يكون واردا على حكم العقل ولذا صححنا التعبير بقوله اغتسل للجمعة والجنابة بأمر واحد دل الدليل على جواز ترك أحدهما ويبقى الآخر محكوما بحكم العقل بلزوم الإتيان.

٢٨٣

راكعا وأدركه حينئذ لم يكن مدركا لها ، لعدم الركوع مع الراكع ، بل بعده وفيه نظر : وقيل المراد الخضوع والانقياد لما يلزمهم في دين الله.

الحادية عشرة [البقرة : ٤٤] (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ.)

الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم ، والبرّ سعة الخير والمعروف ومنه البرّ لسعته ويتناول كلّ خير ، ومنه قولهم صدقت وبررت.

(وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ.)

تتركونها تاركة للبرّ كالمنسيات.

(وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ.)

الخطاب لعلماء اليهود وكانوا يقولون لأقربائهم من المسلمين : اثبتوا على ما أنتم عليه ، وهم لا يؤمنون ، أو يأمرون من نصحوه في السرّ من أقاربهم وغيرهم باتباع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يتّبعونه ، وقيل : كانوا يأمرون العرب بالايمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا بعث فلما بعث كفروا به.

وروى عن ابن عباس انهم كانوا يأمرون اتباعهم بالتوراة وتركوا هم التمسّك به ، لأن جحدهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصفته ترك للتمسك به ، وعن قتادة كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وهم يخالفونه ، وقيل : كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدّقون ، وإذا أتوا بصدقات ليفرّقوها خانوا فيها.

وروى انس بن مالك (١) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مررت ليلة اسرى بي على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.

__________________

(١) المجمع ج ١ ص ٩٨ وروح الجنان ج ١ ص ١٦٥ والقرطبي ج ١ ص ٣٦٥ والدر المنثور ج ١ ص ٦٤ وفيه واخرج وكيع وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبزار وابن ابى داود في البعث وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن حبان وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن انس.

٢٨٤

(وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) تبكيت مثل قوله «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» يعني تتلون التوراة وفيها نعت محمّد ، وفيها الوعيد على الخيانة وترك البرّ ومخالفة القول العمل.

(أَفَلا تَعْقِلُونَ) توبيخ عظيم بمعنى أفلا تفطنون لقبح ما أقدمتم عليه حتّى يصدّكم استقباحه عن ارتكابه ، فكأنكم في ذلك مسلوبة العقل ، لأنّ العقول تأباه وتدفعه ، ونحوه (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وفي ذلك من الدلالة على كون القبح عقليا ما لا يخفى ، ولا يدفعه قوله (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) كما قاله التفتازانيّ.

في المجمع فان قيل : فاذا كان فعل البرّ واجبا والأمر به واجبا فلما ذا وبّخهم على الأمر بالبرّ؟ قلنا : لم يوبّخهم على الأمر بالبرّ ، وإنّما وبّخهم على ترك فعل البرّ المضموم إلى الأمر بالبرّ ، لأن ترك البرّ ممن يأمر به أقبح من تركه ممن لا يأمر به ، كقول الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتى مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (١)

وهذا هو المشهور ، ومقتضى الأصل ودليل العقل ، من حيث حكمه ظاهرا بحسن الأمر بالمعروف مطلقا إلّا ما يستلزم مفسدة ، وليست هنا ، والنقل من النصوص الدالّة عليه مطلقا ، والإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر إلا

__________________

(١) البيت أنشده في المجمع ج ١ ص ٩٦ وص ٩٨ وروح الجنان ج ١ ص ١٥٩ و ١٦٥ ومعاني القرآن للفراء ج ١ ص ٣٤ والتبيان ج ١ ص ٦٩ والقرطبي ج ١ ص ٣٦٧ والمغني في حرف الواو وسيبويه في الكتاب ج ١ ص ٤٢٤ وابن عقيل عند شرح قول ابن مالك :

والواو كالفاء ان تفد مفهوم مع

كلا تكن جلدا وتظهر الجزع

وهو الشاهد ٣٢٨ من الشرح ج ٢ ص ٣٥٣ والآمدي في المؤتلف والمختلف ص ١٧٣ ط ١٣٨١ وشرحه العيني ج ٤ ص ٣٩٣ بهامش الخزانة جاعلا عليه رمز ضهع وشرحه القزويني في شرح شواهد المجمع ج ١ ص ٢٥٢ و ٢٦٦ الشاهد بالرقم ١٤٨ و ١٥٦.

واختلفوا في المنسوب اليه البيت فقيل للأخطل وقيل لأبي الأسود الدئلى والنسبة إليه أشهر وقيل للمتوكل الليثي وقيل غيرهم.

٢٨٥

بموجب ، وليس فيجوز على هذا لتارك الصلاة أمر الغير والتحريض عليها ، والنهي عمّا ينافيها ويوجب تركها بعد وجوبها.

وأما ما تقدّم من كون ترك البرّ منه حينئذ أقبح وروى من مزيد عقابه وتزايد عذابه ، فلعلّه لاستلزام ذلك كمال علمه بوجوبه ، ونهاية وضوح قبح الترك عنده ، ومزيد جرأته على الله ، وزيادة بعده عن الحياء منه تعالى ، وشدّة خبثه.

وربما دلّ ذلك على عدم وقوع الأمر به منه خالصا لله ، فيكون ذلك باطلا أيضا بل ربما كان على وجه المعصية فتأمل فيه. (١)

الثانية عشرة [البقرة : ٤٥] (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ.)

واستعينوا أي على حوائجكم إلى الله بالصبر والصلاة أي بالجمع بينهما ، بأن تصلّوا صابرين على تكاليف الصلاة متحمّلين لمشاقّها ، وما يجب من إخلاص القلب وحفظ النيّات ، ودفع الوساوس ومراعاة الآداب ، والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع ، واستحضار العلم بأنه انتصاب بين يدي جبّار السموات والأرض ، ومنه قوله (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) قاله الكشاف.

فاذا فعل ذلك تقضى الحوائج وقد وردت صلوات للحوائج فيمكن الحمل عليها ولا يخفى أنّ الصبر هو منع النفس عن محابّها وكفّها عن هواها ، وهو مفتاح كلّ خير ، فلا يبعد عدم القصر على مشاقّ الصلاة ، ويمكن أن يراد استعينوا على

__________________

(١) فقد روى عن الرضا (ع) في عيون الاخبار ما يشعر بتصديقه عدم قبول الأمر بالبر منه الا بعد فعله وبه يشعر عدم جواز أن يقيم الحد من عليه مثله ، فعليك بالاستقصاء في ذلك وسيأتي مزيد كلام فيه باب الأمر بالمعروف كذا في هامش الأصل.

أقول : وقد خص صاحب الوسائل الباب ١٠ من أبواب الأمر بالمعروف ج ١١ ص ٤١٨ بوجوب الإتيان بما يأمر به وكذا روى أحاديث تفيد ذلك في الباب ٣٨ من أبواب جهاد النفس ج ١١ ص ٢٣٤ وفي الأبواب الأخر أيضا ما يستفاد ذلك لا نطيل الكلام بسردها.

٢٨٦

ما أخلاكم من البر وأنساكم أنفسكم منه بهما ، أو على امتثال جميع ما امروا به ونهوا عنه من قوله (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ـ إلى ـ وَاسْتَعِينُوا) كما ذكروا في رجوع ضمير «انها» إليها.

أو يراد استعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة عند وقوعها كما روي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

وعن ابن عباس (١) أنّه نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع وتنحّى عن الطريق ، فصلّى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثمّ قام يمشي إلى راحلته وهو يقول (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) وقيل : الصبر الصوم لأنه حبس عن المفطرات ، ومنه قيل لشهر رمضان شهر الصبر.

وفي المجمع (٢) أنّه روي عن أئمّتنا عليهم‌السلام (٣) فيكون فائدة الاستعانة أنه يذهب بالشره وهوى النفس كما قال عليه‌السلام : الصوم وجاء ، ويجوز أن يراد بالصلاة الدعاء ولا يجب أن يختص بكونه في البلاء كما قيل بأن يستعان على البلاء بالصبر والالتجاء إلى الدعاء ، والابتهال إلى الله في دفعه.

(وَإِنَّها) فيها وجوه :

الف ـ أنّها للاستعانة بهما.

ب ـ أنّها للصلاة وهو قول أكثر المفسّرين لقربها منه وتأكيد حالها وتفخيم شأنها ، وعموم فرضها ، وأنها الأهمّ والأفضل على أحد وجهين : الأول أن يراد بها الصلاة دون غيرها فيقدّر للصبر على قياس ذلك إذا اقتضته قرينة والثاني أن يراد الاثنان وإن كان اللفظ واحدا ، وقيل يشهد لذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ). (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها). (وَاللهُ وَرَسُولُهُ

__________________

(١) انظر الدر المنثور ج ١ ص ٦٧ وص ٦٨.

(٢) المجمع ج ١ ص ٩٩.

(٣) انظر الوسائل ج ٦ ص ٢٩٨ المسلسل ١٣٧٢٠ الباب ٢ من أبواب الصوم المندوب وانظر أيضا تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ٢٩٧.

٢٨٧

أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ).

ج ـ أنّها لجميع الأمور الّتي أمر بها بنو إسرائيل ونهوا عنها من قوله «اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ ـ إلى ـ وَاسْتَعِينُوا» وقيل إنّها لمحذوف هو مؤاخذة النفس بهما أو تأدية ما تقدّم أو تأدية الصلاة وضروب الصبر أو الإجابة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(لَكَبِيرَةٌ) لشاقّة ثقيلة من قولك كبر عليّ هذا الأمر ، والأصل فيه أن كل ما يكبر يثقل على الإنسان حمله ، فيقال لكلّ ما يصعب على النفس وإن لم يكن من جهة الحمل يكبر عليها ، تشبيها بذلك.

(إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) في المجمع الخشوع والتذلّل والإخبات نظائر وضدّ الخشوع الاستكبار ، وأصل الباب من اللّين والسهولة ، والخاشع والمتواضع والمستكين بمعنى فلكونهم قد وطّنوا أنفسهم على التواضع والتذلّل والاستكانة لا يثقل عليهم ، وقال مجاهد : أراد بالخاشعين المؤمنين فإنهم إذا علموا ما يحصل لهم من الثواب بفعلها لم يثقل عليهم ذلك كما أنّ الإنسان يتجرّع مرارة الدواء لما يرجو به من نيل الشفاء. في الكشاف : لأنّهم يتوقّعون ما ادّخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم ، ألا ترى إلى قوله (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي يتوقّعون لقاء ثوابه ونيل ما عنده وفي مصحف عبد الله (١) «يعلمون» ومعناه يعلمون أن لا بدّ من لقاء الجزاء فيعلمون على حسب ذلك ، ولذلك فسّر يظنّون بيتيقّنون ، وأما من لم يوقن بالجزاء ولم يرج الثواب ، كانت عليه مشقّة خالصة ، فثقلت عليه كالمنافقين والمرائين.

وقال في المجمع بعد حمل الظنّ على اليقين : وقيل إنّه بمعنى الظنّ غير اليقين أي يظنّون أنهم ملاقوا ربّهم بذنوبهم لشدّة إشفاقهم من الإقامة على معصية الله قال الرّماني : وفيه بعد لكثرة الحذف ، وقيل ، الّذين يظنّون انقضاء آجالهم وسرعة موتهم فيكونون أبدا على حذر ووجل ولا يركنون إلى الدنيا ، كما يقال لمن مات لقي الله.

(وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) يقال هنا : ما معنى الرجوع؟ وهم ما كانوا قطّ في

__________________

(١) وكذا نقله الالوسي في روح المعاني ج ١ ص ٢٢٨ عن ابن مسعود.

٢٨٨

الآخرة فيعودوا إليها؟ ويجاب بوجوه أحدها أنّهم راجعون بالإعادة في الآخرة عن أبي العالية.

وثانيها أنّهم كانوا أمواتا فأحيوا ثمّ يموتون فيرجعون أمواتا كما كانوا.

وثالثها أنّهم يرجعون بالموت إلى موضع لا يملك أحد لهم خيرا ولا نفعا غيره تعالى ، كما كانوا في بدو الخلق ، فإنّهم في أيام حياتهم قد يملك غيره الحكم عليهم والتدبير لنفعهم وضرّهم بوجه ، وتحقيقه أنّهم يقرّون بالنشأة الثانية ، فجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعا إليه.

الثالثة عشرة [الأعراف ٢٠٥] (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ ، إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ.)

في المجمع (١) الإنصات السكوت مع استماع ، قال ابن الأعرابي : نصت وأنصت وانتصت : استمع الحديث وسكت وأنصت وأنصت له وأنصت الرجل سكت ، وأنصت غيره عن الأزهري ، وفي القاموس (٢) نصت ينصت وأنصت وانتصت سكت : والاسم النصتة بالضم ، وأنصته وله سكت له واستمع لحديثه وأنصته أسكتّه.

فلما قدم هنا الأمر بالاستماع له ، فالظاهر أنّ الإنصات إمّا بمعنى السكوت أو هو مع الاستماع تأكيدا فيه أيضا ، فالحمل على مجرد الاستماع بعيد.

في المجمع (٣) اختلف في الوقت المأمور بالإنصات للقرآن والاستماع له ، فقيل إنّه في الصلاة خاصّة خلف الإمام الذي يؤتمّ به إذا سمعت قراءته ، عن ابن مسعود وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب ومجاهد والزهريّ ، وروي ذلك عن أبي جعفر

__________________

(١) المجمع ج ٢ ص ٥١٥.

(٢) القاموس كلمة نصت.

(٣) ترى ما افاده هنا الى قوله وقال أحمد بن حنبل أجمعت الأمة على انها نزلت في الصلاة ـ في المجمع ج ٢ ص ٥١٥ فلا نطيل الكلام بإخراج الأحاديث.

٢٨٩

عليه‌السلام قالوا : وكان المسلمون يتكلّمون في صلاتهم ويسلّم بعضهم على بعض ، وإذا دخل داخل فقال لهم كم صلّيتم أجابوه ، فنهوا عن ذلك وأمروا بالاستماع.

وقيل إنّه في الخطبة أمر بالإنصات والاستماع إلى الامام يوم الجمعة ، عن عطاء وعمرو بن دينار وزيد بن أسلم ، وقيل : إنه في الخطبة والصلاة جميعا عن الحسن وجماعة.

وقال الشيخ أبو جعفر قدّس الله روحه وأقوى الأقوال الأول لأنه لا حال يجب فيه الإنصات لقراءة القرآن إلّا حال قراءة الإمام في الصلاة ، فان على المأموم الإنصات والاستماع فأما خارج الصلاة ، فلا خلاف أنّ الإنصات والاستماع غير واجب.

وروي عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وغيرها ، قال : وذلك على وجه الاستحباب.

وفي كتاب العيّاشي بإسناده عن أبى كهمس عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قرأ ابن كوّاء خلف أمير المؤمنين عليه‌السلام (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) فأنصت له أمير المؤمنين.

وعن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له الرجل يقرأ القرآن أيجب على من سمعه الإنصات له والاستماع؟ قال : نعم إذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع (١).

قال الزجّاج ويجوز أن يكون (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) أي اعملوا بما فيه ولا تجاوزوا ، لأنّ قول القائل سمع الله دعاءك : أجاب الله دعاءك ، لأنّ الله سميع عليم ، وقال الجبائي : أنّها نزلت في ابتداء التبليغ ليعلموا ويتفهّموا وقال أحمد بن حنبل : أجمعت الأمة على أنها نزلت في الصلاة.

__________________

(١) قال المؤلف قدس‌سره في الهامش : وفي التهذيب : «في الصحيح عن بكير بن أعين قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن الناصب يؤمنا ما نقول في الصلاة معه فقال : أما إذا جهر فأنصت للقرآن واسمع ثم اركع واسجد أنت لنفسك». راجع الوسائل ج ٥ ص ٤٣١ المسلسل ١٠٩٢٧ الباب ٣٤ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٩٠

وفي الكشاف (١) : ظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في صلاة وغير صلاة ، وقيل : كانوا يتكلّمون في الصلاة فنزلت ، ثمّ صار سنّة في غير الصلاة أن ينصت القوم إذا كانوا في مجلس يقرأ فيه القرآن ، وقيل : معناه وإذا تلا عليكم الرسول القرآن عند نزوله فاستمعوا له ، وفي الجوامع ما هو قريب من ذلك.

وفي المعالم عن سعيد بن جبير : هذا في الإنصات يوم الأضحى والفطر ويوم الجمعة ، وفيما يجهر به الامام ، وعن عمر بن عبد العزيز : الإنصات لقول كل واعظ قال : والأول وهو أنّها في القراءة في الصلاة أولى ، لأنّ الآية مكية ، والجمع وجبت بالمدينة ، وهو واضح.

وأما قول الجبائيّ فيستلزم النسخ أو تقديرا كثيرا من غير موجب ، وأبعد منه ما قيل من إلحاق المعصومين عليهم‌السلام في ذلك بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وما روي عن الزّجاج فإنّما يحتمله فاستمعوا له كما في الكشاف ، وقيل : معنى فاستمعوا فاعملوا بما فيه ولا تجاوزوه ، وينبه عليه أيضا ما ذكر في توجيهه ، فاما أن يكون معنى الجميع ذلك فلا ، بل حيث قارنه قوله و (أَنْصِتُوا) أبعده عن هذا كما لا يخفى.

وأما ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام فهو ظاهر عبارة القرآن ، وربما يحمل على ما إذا قصد به إسماع السامع كما وقع لأمير المؤمنين عليه‌السلام وربما أشعر به قول أبى عبد الله عليه‌السلام حيث لم يكتف في الحكم بالوجوب على مجرّد السماع ، بل قال نعم إذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع.

ومما يؤيد هذا الحمل أنه لو وجب مطلقا لزم عدم جواز قراءة اثنين أو جماعة على وجه يسمع كلّ قراءة الآخر ، وعدم جواز الأذان بعد دخول الوقت عند من يقرأ ، وكذا صلاة النافلة والدعاء ونحو ذلك ، بل الاجتماع في القراءة في الفريضة.

__________________

(١) الكشاف ج ٢ ص ١٩٢.

٢٩١

وفي الصحيح (١) أنه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن القراءة خلف الامام ، فقال : أما الّتي يجهر فيها فإنّما أمرنا بالجهر لينصت من خلفه ، فان سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ.

فقراءة الإمام ممّا قصد به استماع المأموم وإنصاته له ، أو في حكمه فتأمّل. ثمّ على الحمل على الوجوب في الصلاة ، يدلّ على عدم جواز القراءة في موضع الوجوب خلافا للشافعيّة حيث استحبّوا قراءة الحمد للمأموم في كلّ ركعة مطلقا ، وكذا على الوجوب مطلقا ، لكن إن جهر الإمام حينئذ في موضع الإخفات على القول باستحبابهما ولو عمدا أو سهوا على القول بوجوبهما وجب الإنصات ، ومقتضاه : أما لو تعمد حينئذ فالأظهر الوجوب ، وأما على ما ذكرنا فالجميع موضع نظر ، وربما يأتي تفصيل.

وعلى القول بأنّ الأمر في الآية للاستحباب وقد علم الوجوب في الصلاة فيما علم بدليل من خارج أو للرجحان المطلق المتحقّق مع الوجوب والندب ويعلم الوجوب بدليل من خارج أيضا كما قيل فكان الأولى الإنصات ، وكذا إن قرء المأموم كما اتّفق لعلى عليه‌السلام مع ابن الكوّاء لا ما استلزم ما ينافي الصلاة من السكوت الطويل. أو فوت الوقت ونحوه.

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ) في المجمع أنّه خطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد به عامّ وكأنه أراد من جهة التأسّي كما هو الظاهر ، فعلى ظاهر إطلاقه معناه اذكر ربك في نفسك أي بقلبك وفي خاطرك (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) أي متضرعا متذلّلا متوقّعا ما عند الله وخائفا من عقابه ، بل من موبقات ذنوبك ، قيل : هما مصدران وضعا موضع الحال.

(وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) عطف عليه فيجب أن يكون في موضع الحال أي وغير رافع صوتك حتّى يبلغ حدّ الجهر ، والأظهر عطفه على (فِي نَفْسِكَ) أي و

__________________

(١) انظر الوسائل ج ٥ ص ٤٢٢ المسلسل ١٠٨٩١ ومثله اخبار أخر يستفاد ذلك منها.

٢٩٢

فيما دون الجهر من القول ، لأنّ الإخفات أدخل في الإخلاص وأقرب إلى حسن التفكّر.

(بِالْغُدُوِّ) جمع غدوة بالضمّ وهي البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كالغداة ، قاله في القاموس.

(وَالْآصالِ) في المجمع أنّه جمع أصل وأصل جمع أصيل فهو جمع الجمع ، ومعناه العشيّات ، وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس والذي في القاموس أنّهما جمعان لأصيل ، وهو العشيّ ، وهو آخر النهار كالعشيّة ، فيكون أمرا له عليه‌السلام بالذكر في هذين الوقتين لفضلهما أو لأنهما حال فراغ عن طلب المعاش ، فيكون الذكر فيهما ألصق من القلب كما أكّد التعقيب فيهما بعد صلاتي الصبح والعصر في أخبار كثيرة ، وربما كان إشارة إليه ، ويمكن أن يكون أراد الدوام تعبيرا عن جميع الوقت بطرفيه كما قيل ، لكنه بعيد.

وقيل إنه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه عن ابن عباس ، ويمكن ذلك على أن يكون الخطاب له عليه‌السلام من حيث إنّه إمام لكن ذلك بأن يراد بدون الجهر من القول ما ذكره من رفع الصوت مقدار ما يسمع من خلفه لا أكثر ، وهو بعيد ، وكذا يلغو قوله الآصال إن أبقى (فِي نَفْسِكَ) على ظاهره.

ولو حمل على الإخفات الشّرعي مع كونه خلاف ظاهره ، احتيج إلى أن يراد بالغدوّ والآصال مجموعهما مع ما بينهما ، أو حمل الآصال على ما بعد الزوال إلى الغروب ، إن اكتفى بشمول الظهرين أو إلى نصف الليل مثلا إن أريد الإشارة إلى الصلوات الخمس ، وهو خلاف الظاهر كما تقدّم فتأمل.

وقيل : إنّ الآية متوجهة إلى من أمر بالاستماع للقرآن والإنصات ، وكانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالدعاء عند ذكر الجنّة والنار ، عن ابن زيد ومجاهد وابن جريج ، فيكون إشارة إلى أنّ المستمع ينبغي أن يكون ذاكرا بقلبه متضرعا خائفا ، وبما دون الجهر من القول عند ذكر الجنّة والنار ونحوهما.

٢٩٣

ولا يخفى أنه على تقدير كون الأمر بالاستماع والإنصات للقرآن في الصلاة وغيرها يأبى هذا القول قوله تعالى (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) اللهمّ إلا أن يراد بهما مجموع الليل والنهار.

وأما على القول بالاختصاص بالمأموم في الصلاة فأقرب إذ يكفي حمل الآصال على ما بعد الزوال أو إرادة الدوام كما تقدم.

وأما الحكم في العشائين فمعلوم انه كما في الصبح أو يحمل الآصال على ما يشتمل وقت العشائين أيضا استحسانا ، وليس ذلك كالأوّل ، فإنّهما حيث كانا من أوقات الصلاة ناسب ذكرهما هنا دون الأول ، وعلى هذا ففيها أمر بالاستعاذة وطلب الرحمة عند سماع آيتي العذاب والرحمة في الصلاة ، مع الأمر بالإنصات ، فهي كالمخصّص له ، وفيه مع ذلك من التقييدات والتجوّزات ما لا يخفى.

وعلى توجّه الخطاب إلى المأموم المستمع يمكن أن يراد بالذكر في النفس الذكر بالقلب حال الاستماع والإنصات ، وبالذكر بما دون الجهر من القول الذكر في باقي الأحوال من اذكار الركوع والسجود وغيرها ، لكن يقتضي أن يراد بالآصال وقت العشائين أو ما يعمّه ، أو أن يكون الأول في الصلاة الجهريّة والثاني في الصلاة الإخفاتيّة ، ولعله أقرب ، وكأنّه المراد بما في المجمع.

وروى زرارة (١) عن أحدهما عليه‌السلام قال : «إذا كنت خلف الإمام تأتمّ به فأنصت وسبّح في نفسك» يعني فيما يجهر الامام فيه بالقراءة ، أما أن يراد بالجميع حكم الإخفاتيّة فبعيد يدفعه ذكر الغدوّ في الآية ، وأما ظاهر الحديث فبالجهريّة أنسب وفي الحمل عليه ما لا يخفى (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) عن ذكر الله أو عمّا أمرناك به في هذين الوقتين ، أو مطلقا وهو أظهر ، ومع ذلك يحتمل الوجوب حملا على عموم التوجه

__________________

(١) الوسائل ج ٥ ص ٤٢٦ الباب ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة المسلسل ١٠٩٠٦ ثم لا تغفل عن مراجعة مسالك الافهام تفسير هذه الآية أيضا فإن فيه أيضا مطالب مفيدة وقد أشرنا في تعاليقنا عليه الى المصادر الأصلية للأحاديث ولم نكتف بذكر نقل الوسائل.

٢٩٤

إلى الله ، وشدّة العناية بامتثال أوامره ونواهيه ، فيذكر الله ويتذكّر ثوابه وعقابه عند أوامره ، فلا يفوته شيء منها ، وعند نواهيه فلا يرتكب شيئا منها أو على ذكره عند أوامره ونواهيه فتمتثلها ، وأما الأمر المتقدّم فبحسب ما فسّر به فيحمل على ظاهره من الوجوب ، إلّا أن يمنع مانع من الإجماع أو غيره.

ثمّ ذكر سبحانه ما يبعث إلى الذكر ويدعو إليه ويحثّ عليه ، فقال (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) قالوا هم الملائكة ، ومعنى «عند» دنو الزلفة والقرب من رحمة الله وفضله ، وربما أمكن أن يراد ما يعمّ جميع المقرّبين من الملائكة وغيرهم ، الفائزين بمزيد الفضل والرحمة وعلوّ الدرجة ، فتأمل فيه.

(لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) بل يتوفّرون على طاعته وابتغاء مرضاته ، ويذكرونه متضرّعين خائفين كما أمرناكم به (وَيُسَبِّحُونَهُ) ينزهونه عمّا لا يليق به (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) ويختصّونه بالعبادة لا يشركون به غيره ، وهو تعريض بمن سواهم من المكلّفين قاله الكشاف وفي المجمع : أى يخضعون ، وقيل يصلّون ، وقيل يسجدون في الصلاة.

اعلم أنّهم ذكروا استحباب السجدة (١) في هذه الآية ، وكأنّ فيها إشارة ما إلى ذلك ، وكذا في عشرة مواضع غيرها في الرّعد ، والنحل ، وبني إسرائيل ، ومريم ، والحجّ في موضعين ، والفرقان ، والنمل وص وإذا السماء انشقّت ووجوبه في أربع «الم» عند قوله (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا) الاية و «حم» عند قوله (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) الاية ، ويحتمل عند (لا يَسْأَمُونَ) والأحوط السجدة عندهما ، وآخر النجم (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) وآخر اقرأ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).

ودليل الأصحاب في ذلك كلّه الإجماع والأخبار ، فالاستدلال على الوجوب بأنّها

__________________

(١) انظر تفصيل مواضع السجدة في العروة الوثقى المسئلة ٢ من مسائل سائر أقسام السجود وانظر أيضا دعائم الإسلام ط دار المعارف بالقاهرة ج ١ ص ٢١٤ والحدائق ج ٨ ص ٣٢٩ والبحار ج ١٨ الصلاة ص ٣٧١.

٢٩٥

واردة بصيغة الأمر الدال على الوجوب منقوض وممنوع ، إذ لا دلالة فيها على الوجوب عند سماع تلك الآية وقراءتها ، فلا بدّ من انضمام دعوى الإجماع على أنّها ليست سجدة الصلاة وأنه لا وجوب بغير هذا الوجه ، على أنّ دعوى الإجماع على المدّعى أظهر وأولى.

وعند الشافعيّ كلّها سنّة ، وأسقط سجدة ص ، وعند أبي حنيفة كلّها واجبة وأسقط السجدة الثانية من الحجّ. في الكشاف : لأنّ المراد بالسجدة فيه سجدة الصلاة بقرينة مقارنتها بالركوع ، ولا يكفى ذلك مع دلالة الرواية كما استدلّ بها الشافعيّ وذكره الكشاف أيضا ، لكن مراد الكشاف بيان معتمد كلّ منهما ذهابا من كل إلى أصله وإن تنافيا.

هذا ولا يجب فيها تكبير للافتتاح ولا للسجود ولا تشهّد ولا تسليم ، ولا طهارة من حدث ، ولا من خبث ، ولا للثوب ، ولا استقبال القبلة ، ولا ستر العورة ، نعم يستحب التكبير بعد الرفع والذكر.

في الصحيح (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام إذا قرأت شيئا من العزائم الّتي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك ، ولكن تكبّر حين ترفع رأسك.

وفي الصحيح (٢) عنه عليه‌السلام أيضا إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده «سجدت لك تعبدا ورقا لا مستكبرا من عبادتك ولا مستنكفا ولا مستعظما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» وأما وضع غير الجبهة من الأعضاء السبعة ومساواة المسجد للموقف أو كون علو أحدهما على الآخر بلبنة فما دون ، وكون السجود على ما يصحّ السجود عليه في الصلاة ، فقد يبنى على أنّ مفهوم السجود هل يقتضي شيئا من

__________________

(١) الوسائل ج ٤ ص ٨٨٠ الباب ٤٢ من أبواب قراءة القرآن المسلسل ٧٨٣٧ ومثله أحاديث أخر بعبارت متفاوتة.

(٢) انظر الوسائل ج ٤ ص ٨٨٤ الباب ٤٦ من أبواب القراءة المسلسل ٧٨٥٤ ولا تغفل عن مراجعة مسالك الأفهام في هذا الباب وتعاليقنا عليه وابحاثه في هاتين الآيتين ج ١ من ص ٢٩٨ الى ص ٣٠٨.

٢٩٦

ذلك فيجب مقتضاه أولا؟ والثاني أظهر والأوّل أحوط.

الربعة عشرة [الكهف ١١١] (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.)

قال ابن عباس علّم الله نبيه التواضع لئلا يزهي على خلقه فأمره أن يقرّ على نفسه بأنه آدمي كغيره الا أنه أكرم بالوحي.

(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ.)

أي يأمل حسن لقاء ربّه ، وأن يلقاه لقاء رضا وقبول أو يخاف سوء لقائه ، قاله الكشاف (١). ثمّ قال (٢) : لقاء الله مثل للوصول إلى العاقبة من تلقّى ملك الموت والبعث والحساب والجزاء ، مثّلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيّده بعد عهد طويل ، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر ، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله ، أو بضدّ ذلك لما سخطه منها ، فمعنى يرجو لقاء الله يأمل تلك الحال ، وأن يلقى فيها الكرامة من الله والبشرى.

وفي المجمع (٣) أى يطمع في لقاء ثواب ربّه ويأمله ، ويقرّ بالبعث إليه والوقوف بين يديه ، وقيل : معناه يخشى لقاء عقاب ربّه ، وقيل : إنّ الرجاء يستعمل على كلا المعنيين الخوف والأمل ، وأنشد في ذلك قول الشاعر :

فلا كلّ ما ترجو من الخير كائن

ولا كلّ ما ترجو من الشرّ واقع

ولا يخفى أنّ حاصل تفسيره لا يبعد مما في الكشاف وأنّ الظاهر كون الرجاء مجازا في الخوف والاكتراث كما صرّح في الأساس ، بل في الأمل والخوف جميعا إن استعمل فتأمّل.

(فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً.)

أي نافعا متضمّنا للصلاح لا فاسدا متضمنا للفساد والشر ، وفي المجمع أي خالصا

__________________

(١) الكشاف ج ٢ ص ٧٥٠.

(٢) يعني في موضوع آخر.

(٣) المجمع ج ٣ ص ٤٩٩.

٢٩٧

لله يتقرّب به إليه ، والأولى أن ذلك إنّما يتخلّص بعد قوله.

(وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.)

في المجمع أي أحدا غيره من ملك أو بشر أو حجر أو شجر عن الحسن ، وقيل معناه لا يري في عبادة ربّه أحدا عن سعيد بن جبير ، وقال مجاهد : جاء رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال إنّي أتصدّق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلّا لله ، فيذكر ذلك منّي وأحمد عليه فيسرّني ذلك وأعجب به ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يقل شيئا ، فنزلت الآية.

وقال عطاء عن ابن عباس : إنّ الله تعالى قال (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ولم يقل ولا يشرك به ، فإنّه أراد العمل الذي يعمل لله ، ويحبّ أن يحمد عليه ، قال ولذلك يستحبّ للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها ، كيلا يعظّمه من يصل بها.

وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : قال الله عزوجل «أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء ، فهو للّذي أشرك» أورده مسلم في الصحيح وروى عبادة بن الصّامت وشدّاد بن أوس قالا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من صلّى صلاة يري بها فقد أشرك ، ومن صام صوما يري به فقد أشرك ، ثمّ قرأ هذه الآية.

وروي أنّ أبا الحسن الرضا عليه‌السلام دخل يوما على المأمون فرآه يتوضّأ للصلاة والغلام يصبّ على يده الماء ، فقال : لا تشرك بعبادة ربك أحدا ، فصرف المأمون الغلام وتولّى إتمام وضوئه بنفسه ، وفي الكشاف أيضا أنّ المراد بالنهي أن لا يرى بعمله ، وأن لا يبتغى به إلّا وجه ربّه خالصا لا يخلط به غيره.

وقيل : نزلت (١) في جندب بن زهير قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي لأعمل العمل لله

__________________

(١) الكشاف ج ٢ ص ٧٥١ وفي ذيله في الكاف الشاف تخريج الأحاديث وانظر أحاديث حرمة الريا وبطلان العبادة بالرياء في الباب ١١ و ١٢ من أبواب مقدمات العبادات من الوسائل من ص ٤٧ الى ص ٥٤ ج ١ وكذا سائر الأبواب.

٢٩٨

فاذا اطلع عليه سرّني فقال : إنّ الله لا يقبل ما شورك فيه ، وروي أنّه قال له : لك أجران : أجر السّر وأجر العلانية ، وذلك إذا قصد أن يقتدى به ، وعنه عليه‌السلام اتّقوا الشرك الأصغر قالوا : وما الشرك الأصغر؟ قال : الرياء.

فالآية على تفسيرها المتّفق بين المؤالف والمخالف تدلّ على وجوب الإخلاص في العبادة بحيث لا يلحقه ما ينافيه أيضا ، وعلى بعض الوجوه على اشتراطه أيضا كما يدلّ عليه غير هذه الآية وأخبار كثيرة وأما السرور بذكره والمدح عليه ، فان كان من قبيل العجب أو الرياء فكذلك كما هو ظاهر الاخبار وظاهر الوجه في السرور به ، وأما إن كان لمثل أنه عسى أن يقتدى به فيحوز أجر الاقتداء به في ذلك كما رواه الكشاف فلا يبعد عدم القدح.

على أنّ الاولى حينئذ أن يزيد خوفه وتشتد خشيته لاحتمال فوت شرط من شرائطه ، وعروض مانع من قبوله ، فيفوز الذاكر المادح بحسن ظنّه وإخلاصه ، وكذا المقتدي ويحرم هو الأجر بل يلحقه الذّم والعقاب بتقصيره ، هذا.

وفي الفقيه (١) وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا توضّأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء ، فقيل له يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبّون عليك الماء؟ فقال : لا أحبّ أن أشرك في صلاتي أحدا وقال الله تعالى (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).

وفي التهذيب والكافي (٢) عن الحسن بن عليّ الوشاء قال : دخلت على الرضا عليه‌السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتهيّأ منه للصلاة ، فدنوت لأصبّ عليه فأبى ذلك وقال : مه يا حسن! فقلت : لم تنهاني أن أصبّ على يدك تكره أن أوجر؟ فقال تؤجر أنت وأوزر أنا فقلت له : وكيف ذلك؟ فقال : أما سمعت الله يقول (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) وها أنا ذا أتوضّأ

__________________

(١) الوسائل ج ١ ص ٣٣٥ الباب ٤٧ من أبواب الوضوء المسلسل ١٢٦٧.

(٢) الوسائل ج ١ ص ٣٣٥ الباب ٤٧ من أبواب الوضوء المسلسل ١٢٦٦.

٢٩٩

للصلاة ، وهي العبادة ، فأكره أن يشركني فيها أحد.

وفي المجمع وروى أنّ أبا الحسن الرضا عليه‌السلام دخل يوما على المأمون فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصبّ على يده الماء فقال : لا تشرك بعبادة ربّك أحدا فصرف المأمون الغلام وتولّى إتمام وضوئه بنفسه ، وعلى هذا فيراد بالاية النهي عن الاستعانة فيها بأحد أيضا بحيث يصير شريكا في فعلها ، إما على أن يكون المعنى النهى عن إشراك الغير مطلقا سواء جعل شريكا لله أو شريكا له أو على أن يكون هذا أحد المعنيين الصحيحين فيها.

وعلى التقديرين فيدلّ على عدم جواز تولية الغير شيئا من العبادة لا بعضا ولا كلا ولا استعانة إلّا ما أخرجه دليل ، فلا يجوز التولية في الوضوء لا بعضا ولا كلا اختيارا كما ذهب إليه الفقهاء الأربعة ، وكذا في الغسل والتيمّم ولا الاتّكاء في الصلاة بل يجب الاستقلال بالقيام والقعود وغيرهما اختيارا.

هذا وقد ينظر في رواية الوشّاء من حيث دلالتها على عقاب المعان وثواب المعين ، مع أنه ينبغي عقاب المعين أيضا لأنّه معين على الحرام ، فينبغي أن يحمل على كون الجاهل في ذلك معذورا مثابا مع قصده القربة ، أو على أنّ قوله عليه‌السلام «تؤجر أنت» على سبيل الإنكار كأنه عليه‌السلام يقول كيف تؤجر أنت وأنا أوزر به فيكون دليلا على عدم الثواب للجاهل ، وإن قصد القربة كما هو ظاهر قوله «تكره أن أوجر».

وفي قضيّة المأمون من حيث دلالتها على صحّة الفعل حينئذ مع أنّه ينبغي البطلان وأنه يجب على المأمون إعادة الوضوء لا الإتمام ، وعلى الإمام الأمر بذلك ، لكن يمكن أن يكون ما فعله المأمون من مستحبّات الوضوء أو أنه عليه‌السلام لم يتمكن من أكثر من ذلك.

وإما أن يحمل المنع في الروايات علي الكراهة ، ويكون المقصود من قراءة الآية الإشارة إلى المبالغة في المنع ، دون الحقيقة على ما قيل ، فبعيد ، لأنّ الآية إن لم يشتمل على المنع من ذلك ، ولو على سبيل الكراهة فقراءتها حينئذ غير لائق منه عليه‌السلام وإن اشتمل فيحتاج إلى حمل الروايات على الكراهة أو شدّتها ، وكذا

٣٠٠