آيات الأحكام

محمد بن علي الاسترابادي

آيات الأحكام

المؤلف:

محمد بن علي الاسترابادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة المعراجي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

الّتي كفاها الله ما أركب فيها إلّا التماس أن يراني الله أضحي في طلب الحلال ، أما تسمع قول الله عزوجل (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) أرأيت لو أنّ رجلا دخل بيتا وطيّن عليه بابه ثمّ قال رزقي ينزل علىّ ، كان يكون هذا؟ أما إنه أحد الثلاثة الّذين لا يستجاب لهم : أي رجل يدعو على امرأته ، [أن يريحه منها فلا يستجاب له لأن عصمتها بيده لو شاء أن يخلّى سبيلها لخلّا سبيلها] ورجل يكون له الحقّ على آخر فلا يشهد عليه فيجحد فيدعو ، ورجل يكون عنده الشيء فيجلس في بيته فلا ينتشر ولا يطلب حتّى يأكله ثمّ يدعو فلا يستجاب لهم.

وعن ابن عبّاس لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا ، إنّما هو عيادة المرضى ، وحضور الجنائز ، وزيارة أخ في الله ، وذلك في المجمع عن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الحسن وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير ومكحول طلب العلم وقيل : صلاة التطوع وقيل : واذكروا الله أي على إحسانه واشكروه على نعمه وعلى ما وفّقكم من طاعته وأداء فرضه.

وقيل : المراد بالذكر هنا الفكر كما قال (١) «تفكّر ساعة خير من عبادة سنة» وقيل : معناه اذكروا الله في تجارتكم وأسواقكم ، كما روي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال «من ذكر الله في سوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه ، كتب له ألف حسنة ، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر» ولا يبعد أن يكون المراد واذكروا الله في الطلب ، فراعوا أوامره ونواهيه ، فلا تطلبوا إلّا ما يحلّ من حيث يحلّ دون ما لا يحلّ ومن حيث لا يحلّ.

الثالثة (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.)

روي (٢) أنّ دحية بن خليفة الكلبيّ قدم من الشام بتجارة ذات جمعة ورسول

__________________

(١) المجمع ج ٥ ص ٢٨٩.

(٢) انظر المجمع ج ٥ ص ٢٨٧ والكشاف ج ٤ ص ٥٣٦ والدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٠ الى ٢٢٢ وروح المعاني ج ٢٨ ص ٩٢.

٢٦١

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر يخطب ، وقيل : يصلّي وكان يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه أو كانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق ، فلما اتّفق ذلك قاموا إليه ، فما بقي معه إلّا يسير ، قيل : ثمانية ، وأحد عشر ، واثنا عشر ، وأربعون ، فقال : والذي نفس محمّد بيده لو خرجوا جميعا لأضرم الله عليهم الوادي نارا.

وعن قتادة : فعلوا ذلك ثلاث مرات في كلّ مقدم عير ونزلت في ذمّ أولئك بأنهم إذا علموا تجارة أو لهوا انصرفوا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «إليها» إلى التجارة ، وإنّما خصّت بردّ الضمير إليها ، لأنها كانت أهم إليهم اكتفاء ، والتقرير إذا رأوا تجارة انفضّوا إليها أو لهوا انفضّوا إليه ، فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه.

وكذلك قراءة من قرء «انفضّوا إليه» وقراءة من قرء لهوا أو تجارة انفضّوا إليها ، وقرئ إليهما (١) فالظاهر أنّ منهم من خرج للتجارة ، ومنهم من خرج للهو ، كما قيل.

وقيل : الضمير للتجارة من غير تقدير آخر ، لأنّ المراد إذا رأوا تجارة وعلموها أو لهوا دالّا عليها فظنّوها انفضّوا إليها. وقدّم التجارة أولا للترقّي باللهو ، إذ لا فائدة لهم فيه ، بخلافها فالذمّ على الانصراف أولى وأقوى وأخّرها ثانيا للترقّي بها فان كون ما عند الله من الثواب على سماع الخطبة وحضور الموعظة والصلاة والثبات مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أو من خير الدنيا والآخرة ـ خيرا من التجارة أبلغ من كونه خيرا من اللهو الذي لا فائدة فيه إلّا وهما ولعلّ التفضيل أيضا بناء على وهمهم لينا ومماشاة وتخلّقا معهم.

(وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فيرزقكم إن لم تتركوا الخطبة والجمعة خيرا ممّا يرزقكم

__________________

(١) نقله في الكشاف ج ٤ ص ٥٣٧ قال في روح المعاني ص ٩٣ وقرئ إليهما بضمير الاثنين كما في قوله إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما وهو متأول لأنه بعد العطف بأو لكونها لأحد الشيئين لا يثنى الضمير وكذا الخبر والحال والوصف فهي على هذه القراءة بمعنى الواو كما قيل في الآية التي ذكرناها انتهى.

٢٦٢

مع الترك ، أو خيرا ممّا ترجون من التجارة ونحوها ، وقيل : أي يرزقكم وإن لم تتركوا الخطبة والجمعة ، و (خَيْرُ الرَّازِقِينَ) من قبيل (أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) و (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) إي إن أمكن وجود الرازقين فهو خيرهم ، وقيل الإطلاق على غيره بطريق المجاز ، ولا ريب أنّ الرازق بطريق الحقيقة خير من الرازقين بطريق المجاز.

الرابعة : في التوبة [٨٤] (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ.)

«مات» في موضع جرّ صفة لأحد ، ومضيّة بالنسبة إلى فعل الصلاة ، وفي الكشاف : وإنّما قيل : مات وماتوا بلفظ الماضي ، والمعنى على الاستقبال على تقدير الكون والوجود ، لأنه كائن موجود لا محالة ، وفيه ما لا يخفى.

«وأبدا» منصوب على أنّه ظرف للنهي تأكيد له وكونه ظرفا للمنهي كما هو ظاهر بعض إن صحّ فبتكلّف إما للموت كما قال به القاضي وإنّما كسر إنّ في «أنّهم» وإن كان في موضع التعليل ، لتحقيق الاخبار بأنّهم على الصفة الّتي ذكرها ، روي (١) أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على عبد الله أبيّ وألبسه قميصه قبل أن ينهى عن الصلاة على المنافقين ، عن ابن عباس وجابر وقتادة.

وقيل : إنه عليه‌السلام أراد أن يصلّى عليه فأخذ جبرئيل بثوبه وتلا عليه : لا تصلّ الآية ، عن أنس والحسن ، وروي أنّه كان قد أنفذ إليه قميصه ، فقيل له صلى‌الله‌عليه‌وآله : لم وجّهت بقميصك إليه يكفّن فيه وهو كافر؟ فقال : إنّ قميصي لن يغني عنه من الله شيئا ، وإني اؤمّل من الله أن يدخل بهذا السبب في الإسلام خلق كثير ، فروي أنّه أسلم ألف من الخزرج لمّا رأوه يطلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكره الزجّاج ، قال : والأكثر في الرواية أنّه لم يصلّ عليه.

وقيل : إنّما فعل ذلك (٢) مكافأة له على حسناه في الحديبية فإنّه لما قال المشركون لا نأذن : لمحمد ولكنّا نأذن لعبد الله ، قال : لا لي أسوة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) المجمع ج ٢ ص ٥٧.

(٢) انظر الكشاف ج ٢ ص ٢٩٨ وفي الكاف الشاف ذيله تخريجه.

٢٦٣

وأيضا لما أسر العبّاس يوم بدر ، لم يجدوا له قميصا على طوله وكان طويلا فكساه عبد الله هذا قميصه ، أو إجابة إلى مسئلته إيّاه ، فقد روى ذلك ، وكان عليه‌السلام لا يردّ سائلا ، وكان يتوفّر على دواعي المروة ويعمل بعادات الكرام ، أو إكراما لابنه : فقد روي أنّه قال : أسئلك أن تكفّنه في بعض قمصانك ، وأن تقوم على قبره لا يشمت به الأعداء.

وروى محمّد بن يعقوب في الحسن (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لما مات عبد الله أبيّ بن سلول حضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جنازته فقال عمر لرسول الله : يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فسكت ، فقال : يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال له : ويلك ما يدريك ما قلت؟ إنّى قلت اللهمّ احش جوفه نارا واملأ قبره نارا وأصله نارا ، قال أبو عبد الله : فأبدا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان يكره.

فالظاهر أنّ المراد في الآية الوقوف للدعاء له ، والاستغفار ، ونحو ذلك ، وكأنه كذا يعتبر في الصلاة على أحدهم ، فإنّ الظاهر منها أيضا ما يكون فيه دعاء للميّت كما صرّح به القاضي ، فلا منافاة بين فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومفاد الآية أصلا ، وجاز أيضا أن يكون ذلك بعد الصلاة ونزول الآية ، فلا ينافي قول ابن عبّاس ، وعلى القول الآخر فليس في الرواية أنّه صلّى ، هذا.

فقد ظهر دلالة الآية على عدم جواز الصلاة في وقت من الأوقات على أحد من الكفار مات على كفره ، وكذا الوقوف على قبورهم للدعاء لهم ، وأنّ العلّة كفرهم وموتهم عليه ، بناء على أنّ المراد من الفسق هنا الكفر كما قيل ، وإشعارها بأنّ ذلك

__________________

(١) انظر الوسائل ج ٢ ص ٧٧٠ المسلسل ٣٠٤٢ وهي في المنتقى لصاحب المعالم ج ١ ص ٢٢٢ ووصفه المصنف بالحسن لكون إبراهيم بن هاشم في طريقه وقد أوضحنا في تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ١٢٩ ان الحديث من طريقه صحيح فراجع وترى مضمون الحديث مرويا في البرهان ج ٢ ص ١٤٨ وص ١٤٩ ونور الثقلين ج ٢ ص ٢٤٨ الى ص ٥٢١ عن كتب اخرى كالعياشى وتفسير على بن إبراهيم وعوالي اللئالى فراجع.

٢٦٤

عبادة مشروعة بالنسبة إلى سائر المسلمين ، إذ لو لا ذلك لم يخصّ سبحانه بالنهي الكافر ، هذا.

وقد يتأمّل في الاشعار بكونها عبادة فتفكّر.

الخامسة في النساء [١٠٠] (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) أي سافرتم فيها (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) حرج وإثم في (أَنْ تَقْصُرُوا) في الكشاف في محلّ النصب بنزع الخافض ، وقيل في موضع جرّ على تقدير حرف الجرّ لأنّ الحرف حذف لطول الكلام ، وما حذف لذلك فهو في حكم الثابت ، وقرئ في الشواذ «تقصروا» من الإقصار ، و «تقصّروا» من (١) التقصير.

(مِنَ الصَّلاةِ) من زائدة وقال سيبويه صفة موصوف محذوف أي شيئا (مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.)

في موضع نصب على المفعول به ، وقيل مفعول له أي كراهة أن يفتنكم وفي قراءة أبيّ بن كعب (٢) بغير «إن خفتم» فقيل المعنى أن لا يفتنكم أو كراهة أن يفتنكم كقوله (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا).

(إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً).

أي ظاهر العداوة ، قال في الكافرين عدوا ، لأنّ لفظة فعول تقع على الواحد والجماعة ، ثمّ الضرب في الأرض معتبر في القصر بنصّ الكتاب ، وقد أجمع علماؤنا على أنّ المسافة شرط وهو قول أهل العلم ، نعم عن داود يقصر في قليل السفر وكثيره.

__________________

(١) نقلهما في الكشاف ج ١ ص ٥٥٨ وفيه وجاء في الحديث إقصار الخطبة بمعنى تقصيرها وفي الكاف الشاف تخريجه وكذا نقل القرائتين في روح المعاني ج ٥ ص ١١٩ وكذا نقل التشديد في شواذ القرآن لابن خالويه ص ٢٨ وكل نقل التشديد عن الزهري وفي شواذ القرآن نقل ان تفصروا من افصر بالفاء عن عباس عن القاسم ولم أظفر في اللسان والتاج على تلك اللغة.

(٢) وكذا نقله عنه وعن عبد الله في روح المعاني ج ٥ ص ١٢١ وعن عبد الله في الكشاف ج ١ ص ٥٥٩.

٢٦٥

فالذي عليه علماؤنا أربعة وعشرون ميلا ثمانية فراسخ مسيرة يوم ، وبه قال الأوزاعيّ قال : وبه قال عامّة العلماء ، وأقلّ من ذلك إلى نصفه ، إذا كان قصده الرجوع في يومه أو قبل إقامة عشرة كذلك ، وقيل : مع عدم قصد الرجوع بالتخيّر بينه وبين الإتمام ، وعند الشافعي ستّة عشر فرسخا مسيرة يومين ، وفي قول له مسيرة يوم ، وفي آخر أربعة فراسخ ، وعند أبي حنيفة أربعة وعشرون فرسخا مسير ثلاثة أيّام واعتبار الأربعة مطلقا أقرب إلى إطلاق الآية ، والعموم المفهوم من إذا ، لكن لم يعتبرها الأكثر كذلك لمخالفتها لروايات كثيرة مع التصريح في بعضها باعتبار الرجوع ولو قبل عشرة كما يقتضيه قصر الحاج من أهل مكة تأمل.

وأيضا ظاهر الآية أنّ مجرّد الخروج إلى السفر وصدق الضرب في الأرض سبب للقصر ، لكن حدّه أكثر الأصحاب بالوصول إلى موضع يخفى الأذان والجدران لروايات (١) ، وقيل أيضا بمجرّد الخروج لبعض الروايات فتأمل.

ولا يخفى أنّ نفي الجناح يصحّ في الواجب والمستحبّ والمباح ، بل في المرجوح أيضا ، فبالنظر إلى أنّ هذا قصر للصلاة التامّة الواجبة ، والأصل عدم وجوبه ، قال الشافعيّ بالتخيير ، ونظرا إلى أنّ الروايات قد دلّت على شيوع ذلك في فعل النبيّ والصحابة (٢) قال بأنّ القصر أفضل ، وبالنظر إلى أنّ أقلّ الرخصة جوازه مع المرجوحيّة قال أيضا بأنّ الإتمام أفضل ، وأنت تعلم أنّ كلّ ذلك مع عدم الدليل على وجوب القصر ، أما معه فيتعيّن ، فيكون عزيمة كما ذهب إليه أصحابنا ، وهو مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وعمر وابن عمر وكثير من الصحابة وأبى حنيفة وأصحابه.

فعن عمر : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيّكم (٣) وعن عائشة أوّل ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ، فأقرّت في السفر ، وزيدت في الحضر ، وعن

__________________

(١) انظر الباب ٥ و ٦ و ٧ من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

(٢) انظر الكشاف ج ١ ص ٥٥٨ وفي الكاف الشاف ذيله تخريج هذه الروايات وهي في كتب الشيعة كثيرة لا احتياج الى ذكر المصادر.

(٣) انظر الكشاف ج ١ ص ٥٥٨ وتخريج الكاف الشاف ذيله.

٢٦٦

ابن عبّاس فرض الله الصلاة على لسان نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين.

وعن ابن عمر (١) قال صحبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في السفر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله تعالى ، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله ، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله عزوجل.

وعن ابن مسعود أنّه لمّا بلغه أنّ عثمان صلّى أربعا ، استرجع وقال : صلّيت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتين ، ومع أبى بكر ركعتين ، ومع عمر ركعتين ، ثمّ تفرّقت بكم الطرق فيا ليت حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبّلتان.

وعن ابن عبّاس أنه قال للّذي قال له : كنت أتمّ الصلاة وصاحبي يقصّر : أنت الذي كنت تقصّر وصاحبك يتمّ ، وعن ابن عمر أنّه قال لرجل سأل عن صلاة السفر : ركعتان فمن خالف السنّة كفر.

وعن يعلى بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطّاب (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقد أمن الناس ، فقال : عجبت ممّا عجبت منه فسألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فقال : صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ، أخرجه الجماعة إلّا البخاريّ والموطأ.

وعن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه قال لابن عمر : كيف تقصر الصلاة وإنّما قال الله عزوجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) فقال ابن عمر يا ابن أخي إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتانا ونحن ضلّال ، فعلّمنا فكان فيما علّمنا أن أمرنا أن نصلّي ركعتين في السفر أخرجه النسائيّ والأمر للوجوب.

__________________

(١) ترى هذه الأحاديث بطرق مختلفة وإسناد متفاوتة في الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٩ وص ٢١٠ وترى بعضها في كنز العرفان أو مسالك الافهام تفسير آية القصر قد بينا في تعاليقنا مصادر الحديث فراجع ولا يحسن لنا هنا التكرار وانظر أيضا زاد المعاد لابن القيم الجوزية ج ١ من ص ١٢٧ الى ص ١٣١.

٢٦٧

ومن طريق الخاصّة (١) ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ الله عزوجل تصدّق على مرضى أمّتي ومسافريها بالتقصير والإفطار ، أيسرّ أحدكم إذا تصدّق أن تردّ عليه؟

وفي الصحيح (٢) عن عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الأوّل عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم ، قال : يجب عليه التقصير ، إذا كان مسير يوم.

__________________

(١) انظر الباب ٢٢ من أبواب صلاة المسافر ج ٥ ص ٥٣٩ المسلسل ١١٣٣٥ عن الفروع ج ١ ص ١٩٧ وكذا ج ٧ ص ١٢٤ الباب ١ من يصح منه الصوم المسلسل ١٣١٤٨ ولم ينقل الحديث عن الشيخ والمصنف نقله عن الشيخ قلت وهذا الحديث مروي في التهذيب أيضا ج ٤ ص ٢١٦ الرقم ٦٢٨.

لكن في نسخة التهذيب عن ابن ابى نجران مكان ابن ابى عمير واما في الكافي فعن ابن ابى عمير وعده في المرآت ج ٣ ص ٢٣١ من الصحيح وذلك للإجماع على تصحيح ما يصح عن ابن أبى عمير.

وقد روى الحديث في الفقيه أيضا ج ٢ ص ٩٠ بالرقم ٤٠٣ له صدر ليس في الكافي والتهذيب رواه عن يحيى بن ابى العلاء عن ابى عبد الله فراجع ولم أظفر على نقل الحديث في المنتقى مع بنائه على نقل الأحاديث الصحيحة والحسنة ولعله لإرسال الحديث بعد ابن ابى عمير في الكافي وبعد ابن ابى نجران في التهذيب وفي طريق الصدوق إلى يحيى بن ابى العلاء ابان بن عثمان وقد تكلم فيه علماء الرجال.

وعلى اى فلم يكن الحديث عند صاحب المعالم من الصحاح أو الحسان ولذا لم ينقله في المنتقى والحق كون الحديث معتبرا وان لم نسمه بالصحيح وابان بن عثمان من أصحاب الإجماع والله أعلم.

(٢) الحدائق ج ١١ ص ٢٩٩ والوسائل ج ٥ ص ٤٩٣ المسلسل ١١١٥٧ ـ الباب ١ من أبواب صلاة المسافر : نقله عن التهذيب والاستبصار وهو في التهذيب ج ٣ ص ٢٠٩ الرقم ٥٠٣ والاستبصار ج ١ ص ٢٢٥ الرقم ٨٩٩ وفي آخر الحديث وان كان يدور في عمله وهو في المنتقى ج ١ ص ٥٥٣.

٢٦٨

وفي الصحيح (١) عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : الصلاة في السفر ركعتان ، ليس قبلهما ولا بعدهما شيء ، إلّا المغرب ثلاث ركعات.

وفي الصحيح (٢) عن عبيد الله الحلبيّ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : صلّيت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر؟ قال : أعد.

وفي الصحيح (٣) عن زرارة ومحمّد بن مسلم أنهما قالا : قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام ما

__________________

(١) الوسائل ج ٥ ص ٥٢٩ المسلسل ١١٢٩٩ ـ الباب ١٦ من أبواب صلاة المسافر عن التهذيب والاستبصار وهو في المنتقى ج ١ ص ٥٣١ وفيه ان في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله قال الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما الا المغرب ثلاث.

ورواه في الاستبصار عن الشيخ ابى عبد الله المفيد عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن ابان عن الحسين بن سعيد بسائر السند انتهى ما في المنتقى قلت وترى الحديث في التهذيب ج ٢ ص ١٣ الرقم ٣١ وفي الاستبصار ج ١ ص ٢٢٠ الرقم ٧٧٨ مطابقا لما افاده صاحب المعالم قدس‌سره في المنتقى فراجع.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من أبواب صلاة المسافر ج ٥ ص ٥٣١ المسلسل ١١٣٠٥ عن التهذيب قلت وهو في التهذيب صلاة المسافر ج ٢ ص ١٤ الرقم ٣٣ وهو في الحدائق ج ١١ ص ٤٢٧ وفي المنتقى ج ١ ص ٥٥١.

(٣) الحديث رواه كما في المتن في الفقيه ط النجف ج ١ ص ٢٧٨ الرقم ١٢٦٦ وط مطبعة الصدوق ج ١ ص ٤٣٤ الرقم ١٢٦٥ وروى بعضه العياشي ج ١ ص ٢٧١ الرقم ٢٥٤ وفي البرهان ج ١ ص ٤١٠ ونور الثقلين ج ١ ص ٤٤٩ والمجمع ج ٢ ص ١٠١ والبحار ج ١٨ ص ٦٩٤ ودعائم الإسلام ج ١ ص ١٩٥ وترى اجزاء الحديث مبثوثة في الوسائل الباب ١ و ١٧ و ٢٢ من أبواب صلاة المسافر.

وروى الحديث بتمامه في الحدائق ج ١١ ص ٢٩٦ وقلائد الدرر ج ١ ص ٢٣٣ وزبدة البيان ط المرتضوي ص ١٢٠ وبين فيه فوائد يستفاد من الحديث نقلناها في تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ٢٧٣ فراجع ونقل الحديث بتمامه أيضا في المنتقى ج ١ ص ٥٥١ وقال في طريق الفقيه الى محمد بن مسلم جهالة والاعتبار بالطريق عن زرارة انتهى.

ثم ذو خشب على ما في معجم ما استعجم للبكرى ص ٤٩٩ بضم اوله وثانيه وبالباء المعجمة بواحد موضع يتصل بالكلاب ـ بضم الكاف ـ وهو على مرحلة من المدينة على طريق الشام وفي معجم

٢٦٩

تقول : في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ فقال : إنّ الله عزوجل يقول (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر ، قالا : قلنا : انما قال الله تعالى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ولم يقل افعلوا فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال عليه‌السلام أو ليس قد قال الله تعالى في الصفا والمروة (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) ألا ترى أن الطواف بهما واجب مفروض لأنّ الله عزوجل ذكره في كتابه وصنع نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكره الله تعالى في كتابه.

قالا : قلنا له فمن صلّى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال : إن كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعا أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه ، والصلاة كلّها في السفر الفريضة ركعتان إلّا المغرب ، فإنّها ثلاث ليس فيها تقصير : تركها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في السفر والحضر ثلاث ركعات ، وقد سافر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ذي خشب وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان أربعة وعشرون ميلا ، فقصّر وأفطر ، فصارت سنّة ، وقد سمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوما صاموا حين أفطر «العصاة» قال : فهم العصاة إلى يوم القيمة ، وإنّا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا.

قال في الكشاف (١) : كأنّهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنّة لأن يخطر ببالهم أنّ عليهم نقصانا في القصر ، فنفى عنهم الجناح ليطيب أنفسهم بالقصر ، ويطمئنّوا إليه وهو غير بعيد كما تنبّه له من آخر حديث أبى عبد الله عليه‌السلام ، وتشبيهه القصر بالسعي بين الصفا والمروة ، كما سيتّضح لك إن شاء الله ، والروايات الدّالة على وجوب القصر

__________________

البلدان ج ٢ ص ٣٧٢ ط بيروت : خشب بضم اوله وثانيه وآخره باء موحده واد على مسيرة ليلة من المدينة له ذكر كثير في الحديث وفي المغازي قال كثير :

وذا خشب من آخر الليل قلبت

وتبغي به ليلى على غير موعد

وفيه ان الخشب جمع اخشب وهو الخشن الغليظ من الجبل ويقال هو الذي لا يرتقى فيه.

(١) الكشاف ج ١ ص ٥٥٨.

٢٧٠

مطلقا مخصّصة بما دلّت على التخيير في مواضعه الأربعة ، ولا تنافي الآية فتدبّر وأيضا إطلاق السفر يعمّ ما كان معصية ، ولكن رفع الجناح عن القصر إرفاقا يناسب التخصيص بالمباح فلا يبعد كما هو مقتضى الأخبار والإجماع فتأمل.

في المجمع (١) إنّ في المراد من قصر الصلاة هنا أقوالا.

الف ـ أنّ معناه أن تقصروا الرباعيّات ركعتين ركعتين عن مجاهد وجماعة من المفسّرين وهو قول الفقهاء ، ومذهب أهل البيت عليهم‌السلام.

ب ـ وذهب إليه جماعة من الصحابة والتابعين منهم جابر بن عبد الله وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وابن عباس وأبو هريرة وكعب وكان من الصحابة قطعت يده يوم اليمامة وابن عمر وسعيد بن جبير والسدّي : أنّ المعنى قصر صلاة الخوف من صلاة السفر لا من صلاة الإقامة لأنّ صلاة السفر عندهم ركعتان تمام غير قصر ، قال : فهنا قصران قصر الأمن من أربع إلى ركعتين ، وقصر الخوف من ركعتين إلى ركعة واحدة ، وقد رواه أصحابنا أيضا.

ج ـ أنّ المراد القصر من حدود الصلاة عن ابن عباس وطاوس ، وهو الذي رواه أصحابنا في صلاة شدّة الخوف ، وأنها تصلّى إيماء ، والسجود أخفض من الركوع فان لم يقدر على ذلك فالتسبيح المخصوص كاف عن ركعة.

د ـ أنّ المراد به الجمع بين الصلاتين ، قال : والصحيح الأوّل.

ثمّ لا ريب أنّ ظاهر الآية أنّ الخوف أيضا شرط للقصر ، فلا قصر مع الأمن لمفهوم الشرط ، لكن قد علم جواز القصر ببيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فنقول المفهوم وإن كان حجّة لكن بشرط عدم ظهور فائدة للتقيد سوى المفهوم ، ويحتمل أن يكون ذكر الخوف في الآية لوجود الخوف عند نزولها ، أو يكون قد خرج مخرج الأعمّ الأغلب عليهم في أسفارهم ، فإنّهم كانوا يخافون الأعداء في عامّتها كما قيل ، ومثله في القرآن كثير مثل (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (وَلا

__________________

(١) المجمع ج ٢ ص ١٠١ ولنا في تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ من ص ١٨٢ الى ص ١٨٦ مطالب مفيدة لا نكررها هنا ومن شاء فليراجع هناك.

٢٧١

تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) وربما يدّعى لزوم الخوف للسفر غالبا ويؤيّد ذلك القراءة بترك (إِنْ خِفْتُمْ).

على أنّ المفهوم معتبر ما لم يعارضه أقوى منه ، ومعارض هنا بأقوى وأصرح منه من الإجماع ومنطوق الأخبار من الخاصّة والعامّة كما تقدّم بعضها ، قال القاضي : وقد تظافرت السنن على جوازه أيضا في حال الأمن ، فترك المفهوم بالمنطوق ، وإن كان المفهوم حجّة أيضا لأنه أقوى.

وقيل : قوله (إِنْ خِفْتُمْ) إلخ منفصل عمّا قبله روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال : نزلت إلى قوله (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ثمّ بعد حول سألوا رسول الله عن صلاة الخوف ، فنزل (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية هو في الظاهر كالمتصل به وهو منفصل عنه.

وعلى هذا فيجوز أن يكون التقدير : أقصروا من الصلاة إن خفتم الآية ، أو لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم بقرينة السؤال ووقوعه في المصحف بعد ذلك.

وعلى هذا يتوجّه القول الثاني أو الثالث في القصر بالنسبة إلى الخوف مع الأوّل بالنسبة إلى السفر فليتأمل ، ويتوجّه أيضا قول أصحابنا أنّ كلا من السفر والخوف موجب للقصر كما يتوجّه على قراءة ترك إن خفتم كما لا يخفى ، على أنّ الإجماع والأخبار يكفي في ذلك كما تقدم وربما أمكن فهم القصر مع الخوف وحده من الآية الآتية بعد أيضا هذا.

وقيل : المعنى ان خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا في الصلاة ، وقيل في أنفسكم أو دينكم ، وكأنه لا منافاة ، فافهم ، والفتنة قيل : القتل ، وقيل : العذاب ، والأظهر أنّه هنا التعريض للمكروه ، والله أعلم.

السادسة في النساء أيضا [١٠١] (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ

٢٧٢

أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.)

ثمّ ابتدأ سبحانه ببيان صلاة الخوف في جماعة ، فقال (وَإِذا كُنْتَ) يا محمّد (فِيهِمْ) أي في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين عدوّهم ، قاله في مجمع البيان وهو الذي يقتضيه اتصال الآية بما قبلها ، وسياقها في نفسها مع شأن نزولها ، فلا عموم لها حتّى يستدلّ به على جواز صلاة الخوف في الحضر أيضا كما في المنتهى.

وحيث شرط كونه عليه‌السلام فيهم ، ذهب بعض الجمهور إلى اختصاص الصلاة على هذا الوجه بحضوره صلى‌الله‌عليه‌وآله متعلّقا بالآية وأجيب بأنّه مفهوم المخالفة ، أو مفهوم اللقب ، والحقّ أنّ المفهوم مفهوم شرط لكنّه ليس مفاده عدم مشروعيتها بل أن لا تقوم الطائفة معه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلخ ولا دلالة لهذا على عدم مشروعيتها بدونه ، نعم لا دلالة فيها على شرعيّتها مع غيره أيضا بل يثبت بدليل التأسي.

(فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) بحدودها وركوعها وسجودها عن الحسن ، وقيل أقمت لهم الصلاة بان تؤمهم (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) في صلاتك ، وليكن سائرهم في وجه العدوّ فلم يذكر ما ينبغي أن تفعله الطائفة غير المصلّية لدلالة الكلام عليه.

(وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) أى الطائفة المصلّية لظاهر السياق نظرا إلى ما قبل وما بعد ، فيأخذون من السلاح ما لا يمنع واجبا في الصلاة كالسيف والخنجر والسكّين ونحوها ، وجوبا لظاهر الأمر ، ولقوله آخرا (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً) الاية ، حيث نفى الحرج والإثم بشرط الأذى ، فيثبت مع عدمه ، وقال أبو حنيفة وأحمد والشافعيّ في قول استحبابا ، وعلى الأوّل لو كان السلاح نجسا لم يجز أخذه على قول ، وقيل بالجواز عملا بالعموم ، والوجه اعتبار الحاجة.

٢٧٣

وقيل : بل المأمور الطائفة الّتي بإزاء العدوّ دون المصلّية عن ابن عباس ، وهو خلاف الظاهر ، بل هذه الطائفة تأخذ السلاح لانّ الحراسة انّما تكون بالسلاح ، فهو أمر معلوم يدلّ عليه الكلام وان لم يذكر (فَإِذا سَجَدُوا) اي الطائفة الأولى المصلّية معه صلى‌الله‌عليه‌وآله (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم مصافّين للعدوّ.

واختلف هنا (١) فعندنا أنّ الطائفة الأولى إذا رفعت من السجود وفرغت من الركعة يصلّون ركعة أخرى ويتشهّدون ويسلّمون والامام قائم في الثانية ثمّ ينصرفون

__________________

(١) قد ورد حديث صلاة الرقاع في أحاديث الشيعة مسندا انظر التهذيب ج ٣ ص ١٧٢ الرقم ٣٨٠ والفقيه ج ١ ص ٢٩٣ الرقم ١٣٣٧ والكافي ط ١٣١٢ ج ١ ص ١٢٧ والمنتقى ج ١ ص ٥٦٨ واما صلاة بطن نخل فرواه ـ الشيخ عن الحسن عن أبي بكرة في المبسوط انظر ح ١ ص ١٦٧ ط المرتضوي واما صلاة عسفان فأرسله أيضا الشيخ في المبسوط انظر ص ١٦٦.

وقال الشهيد في الذكرى جوابا عن توقف العلامة في المنتهى تبعا للمحقق في المعتبر بعدم ثبوت النقل عن أهل البيت (ع) : قلت هذه صلاة مشهورة في النقل فهي كسائر المشهورات الثابتة وان لم تنقل بأسانيد صحيحة وقد ذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند ولا محيل على سند ، فلو لم تصح عنده لم يتعرض لها حتى ينبه على ضعفها فلا تقصر فتواه عن روايته انتهى ما أردنا نقله وتحامل عليه في البحار ج ١٨ ص ٧٠٦ وفي الحدائق ج ١١ ص ٢٨٦.

واما أهل السنة فلهم في كيفيتها روايات انهوها إلى أربع وعشرين صفة انظر سنن ابى داود ج ٢ من ص ١٥ الى ص ٢٤ والام للشافعي ج ١ من ص ٢١٠ الى ص ٢٢٩ وأحكام القرآن لابن العربي ص ٤٩١ الى ص ٤٩٦ وسنن البيهقي ج ٣ من ص ٢٥٢ الى ص ٢٦٤ والدر المنثور ج ٢ من ص ٢١١ الى ص ٢١٤ والقرطبي ج ٥ من ص ٣٦٤ الى ص ٣٧٣ وتفسير ابن كثير ج ١ من ص ٥٤٦ الى ص ٥٤٩ والخازن ج ١ من ص ٣٩١ الى ص ٣٩٣ ونيل الأوطار ج ٣ من ص ٣٣٦ الى ص ٣٤٥.

ثم ذات الرقاع بكسر الراء وبطن نخل وعسفان على وزن عثمان أسماء لمواضع صلى رسول الله (ص) فيها صلاة الخوف انظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ ص ١٨٩.

٢٧٤

إلى مواقف أصحابهم ويجيء الآخرون فيستفتحون الصلاة ويصلّى بهم الإمام الركعة الثانية ويطيل تشهّده حتّى يقوموا فيصلّوا بقيّة صلاتهم ثمّ يسلّم بهم الامام ، فيكون للأولى تكبيرة الافتتاح ، وللثانية التسليم ، وهو مذهب الشافعي أيضا.

وقيل : إنّ الطائفة الأولى إذا فرغت من ركعة يسلّمون ويمضون إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الأخرى فيصلّي بهم الركعة الأخرى ، وهذا مذهب جابر ومجاهد وحذيفة وابن جنيد ومن يرى أنّ صلاة الخوف ركعة واحدة.

وقيل : إنّ الامام يصلّي بكلّ طائفة ركعتين فيصلّى بهم مرّتين ، عن الحسن وهذه صلاة بطن النخل ، ولا أعلم من أصحابنا أحدا حمل الآية عليها ، وإن جوّزها كثير.

وقيل إنه إذا صلّى بالطائفة الأولى ركعة مضوا إلى وجه العدوّ ، وتأتي الطائفة الأخرى فيكبّرون ويصلّي بهم الركعة الثانية ، ويسلّم الإمام خاصّة ويعودون إلى وجه العدوّ ، وتأتي الطائفة الأولى فيقضون ركعة بغير قراءة ، لأنهم لاحقون ، ويسلّمون ويرجعون إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الثانية ويقضون ركعة بقراءة لأنهم مسبوقون عن عبد الله بن مسعود وهو مذهب أبي حنيفة.

فالسجود في قوله (فَإِذا سَجَدُوا) على ظاهره عند أبي حنيفة وعلى قولنا والشافعي بمعنى الصلاة أو يقدّر : وأتمّوا بقرينة ما بعده. وهو وإن كان خلاف ظاهره ، الا أنه أحوط للصلاة ، وأبلغ في حراسة العدوّ كما هو الظاهر ، وأشدّ موافقة لظاهر القرآن ، لأنّ قوله («وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا) ، ظاهره أنّ الطائفة الأولى قد صلّت ، وقوله (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) مقتضاه أن يصلّوا تمام الصلاة ، فالظاهر أنّ صلاة كلّ طائفة قد تمّت عند تمام صلاته ، وأيضا الظاهر أنّ مراد الآية بيان صلاة الطائفتين ، وذلك يتمّ على ما قلناه بأدنى تقدير أو تجوّز بخلافه على قوله ، وقول حذيفة وابن الجنيد في ذلك كقولنا ، إذ لا بدّ بعد الركعة من التشهّد والتسليم ، نعم التجوّز حينئذ أقرب من التجوز على ما قلناه.

وربما يمكن حمل الآية على ما يعمّ الوجوه حتّى صلاة بطن النخل ، بأن

٢٧٥

يكون المراد فاذا صلّوا على ما بيّنت لهم ركعتين جماعة كما في بطن النخل ، أو منفردا في الأخيرة كما في ذات الرقاع أو مكتفيا بالأولى منفردا بالتشهّد والتسليم كما في قول ابن الجنيد ، لكنّه مخالف لظاهر الروايات مع عدم ظهور قائل به من الأصحاب فتأمل ، والحمل على ما يعمّ قول أبي حنيفة بعيد جدا كما لا يخفى.

ثمّ ههنا أمور :

الف ـ قد اشترط الشافعيّ كون كلّ طائفة ثلاثة فصاعدا ، لأن الطائفة كذلك ولقوله تعالى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) ونحوه ، وأجيب بأنّ الطائفة يقع على الواحد أيضا فإنّه قد يسمّى طائفة ذكره الفرّاء ، وكذلك القطعة من الأرض يسمّى الطائفة أيضا ، والجمع للاثنين فما فوق شائع ، على أنه يمكن خروجه مخرج الأعمّ الأغلب فتأمل.

ب ـ ينبغي للطائفة الأولى الانفراد عند القيام إلى الثانية ، قاله الشيخ في المبسوط ، وفي الدروس أنّهم يفارقونه على الأقوى ، وظاهره وجود قول بعدم المفارقة فتأمل.

ج ـ ذكروا لهذه الصلاة شروطا منها كون العدوّ في خلاف جهة القبلة ذهب إليه علماؤنا أجمع ، على ما في المنتهى ، وربما دلّ عليه قوله تعالى (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) ، ومنها كثرة المسلمين بحيث يمكنهم الافتراق فرقتين ، يفي كلّ فرقة بمقاومة العدوّ لتحصل المتابعة بفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنه هكذا فعل ، ومنها قوة العدوّ بحيث يخاف هجومه ، ومنها كون القتال سائغا على قول ، ومنها عدم الاحتياج إلى الزيادة على فرقتين على قول ، وقال العلامة لو احتاج أن يفرقهم ثلاثا في المغرب أو أربعا على التمام في الحضر جاز ، إذا نوى المأموم المفارقة ، لأنها صلاة واجبة لم يخلّ بشيء من واجباتها ، وعلى هذا يختلّ أكثر الشرائط كما لا يخفى.

قوله (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) أي الطائفة الثانية في صلاتهم كما هو الظاهر وقد جعل الحذر وهو التحرّز والتيقّظ آلة يستعملها الغازي ، فجمع بينه وبين

٢٧٦

الأسلحة في الأخذ ، وجعلا مأخوذين مبالغة ، ولام الأمر هنا وفي ما تقدّم ساكنة باتفاق القراء (١) ، والأصل بالكسر ، ويستثقل فيحذف استخفافا.

(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي تمنّوا (لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) أي تحملون عليكم حملة واحدة ، وفيه تنبيه على وجه وجوب أخذ السلاح. وفي المجمع (٢) في الآية دلالة على صدق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحّة نبوّته وذلك أنّها نزلت والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعسفان ، والمشركون بضجنان (٣) ، فتوافقوا فصلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع والسجود ، فهمّ المشركون بان يغيروا عليهم ، فقال بعضهم انّ لهم صلاة أخرى أحبّ إليهم من هذه ـ يعنون صلاة العصر ـ فانزل الله تعالى عليه ، فصلّى بهم العصر صلاة الخوف ، وكان ذلك سبب إسلام خالد بن الوليد.

هذا ، ولا يتوهّم من قوله والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعسفان أن يكون المراد بالآية صلاة الخوف المشهور بصلاة عسفان ، فإنّ أحدا لم يقل بالحمل عليها أصلا كما صرّح به في الكنز ، ولا الآية تحتملها كما لا يخفى ، بل لم ترو هذه الصلاة في طرقنا بل رواها الجمهور وأورده الشيخ ، فتبعه بعض ومنع بعض ، قال في المنتهي (٤) ونحن نتوقّف في هذا لعدم ثبوت النقل عندنا عن أهل البيت عليهم‌السلام بذلك.

نعم في الذكرى : قلت هذه أي صلاة عسفان صلاة مشهورة في النقل كسائر

__________________

(١) انظر نثر المرجان للاركانى ج ١ ص ٦٥٤ لم ينقل فيه غير قراءة سكون اللام ثم الأصل في لام الطلب الكسر وتسكن عند الاتصال بالواو أو الفاء كما في هو وهي تقول فهو وهي بسكون الهاء واما بعد ثم فنقلوا إسكان اللام وكسرها على الأصل. ثم في لغة سليم يفتحون لام الطلب في غير ما يلتزم فيه السكون.

(٢) انظر المجمع ج ٢ ص ١٠٣

(٣) قال البكري في معجم ما استعجم ص ٨٥٦ ضجنان بفتح اوله وسكون ثانيه بعده نون والف على وزن فعلان جبل بناحية مكة على طريق المدينة.

(٤) انظر ج ١ ص ٤٠٢ وص ٤٠٣.

٢٧٧

المشهورات الثابتة وان لم ينقل بأسانيد صحيحة ، وقد ذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند ، ولا محيل على سند ، فلو لم يصحّ عنده لم يتعرّض حتّى ينبّه على ضعفها ، فلا تقصر فتواه عن روايته ، ثمّ ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم والتأخر ، والتخلف بركن ، وكلّ ذلك غير قادح في الصحّة اختيارا وعند الضرورة انتهى ، وفيه نظر لا يخفى.

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) موضع (أَنْ تَضَعُوا) النصب بنزع الخافض أي في أن تضعوا ، فلما أن سقطت «في» عمل ما قبل أن فيها ، وعلى القول الآخر يكون موضعها جرا بإضمار حرف الجرّ.

رخّص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلّهم من مطر أو يضعفهم من توقّع مرض ، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر بقوله (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدوّ ، ولما كان هذا يوهم شوكة العدوّ وغلبته واغتراره قال (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) فوعدهم بالنصر لتقوى قلوبهم ، وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لضعفهم أو غلبة عدوّهم ، بل لأنّ الواجب القيام بأمر الجهاد ، وربط الجأش في القتال ، وتعوّد مراسم التيقظ والتدبّر ، متوكّلين على الله ، فإنه تعالى كثيرا ما يفعل الأشياء بأسبابها.

السابعة في النساء [١٠٣] (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً.)

(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً) حال قيامكم (وَقُعُوداً) حال قعودكم (وَعَلى جُنُوبِكُمْ) أي مضطجعين في الكشاف (١) قيل : معناه فاذا قضيتم الخوف ، فاديموا ذكر الله مهلّلين مكبّرين مسبّحين ، داعين بالنصرة والتأييد في كافة أحوالكم من قيام وقعود واضطجاع ، فان ما أنتم فيه من خوف وحرب جدير بذكر الله ودعائه

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٥٦١.

٢٧٨

واللجإ اليه. وفي المجمع (١) أي ادعوا الله في هذه الأحوال لعلّه ينصركم على عدوّكم ويظفركم به عن ابن عباس ، وأكثر المفسرين ، وفي كون الذكر مطلقا دعاء نظر نعم كون الذكر يعمّ الدعاء قريب وكون ذلك على طريق التعقيب غير بعيد ، اما كون المراد به خصوص «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» على ما هو المستحبّ للمسافر عقيب كلّ صلاة مقصورة ، فلا يخلو من بعد ، وأبعد منه ان يكون المراد الأمر بالمداومة على الذكر في جميع الأحوال كما في الحديث القدسي : يا موسى اذكرني فإنّ ذكري حسن على كلّ حال.

وفي الكشاف : فاذا صلّيتم في حال الخوف والقتال فصلّوها قياما مسايفين ومقارعين ، وقعودا جالسين على الركب مرامين ، وعلى جنوبكم مثخنين بالجراح وكأنه على تضمين الإرادة والذكر بمعنى الصلاة أو بمعناه ، لكن بان يصلوا له ويمكن اعتبار حال الخوف مطلقا من غير اختصاص بحال القتال.

وقيل : إشارة إلى صلاة القادر والعاجز أي إذا أردتم الصلاة فصلّوا قياما إذا كنتم أصحاء وقعودا إذا كنتم مرضى لا تقدرون على القيام ، وعلى جنوبكم إذا لم تقدروا على القعود عن ابن مسعود.

وروي عن ابن عباس (٢) أنه قال عقيب تفسير الآية : لم يعذر الله تعالى أحدا في ترك ذكره إلّا المغلوب على عقله ، وعلى هذا التفسير يستفاد الترتيب أيضا لكن لم أفز برواية الأصحاب لهذا التفسير لهذه الآية.

نعم روى ذلك في تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) ولا يخفى أنّ عدم اعتبار الخوف يأباه قوله (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فإنّ ظاهره إذا

__________________

(١) المجمع ج ٢ ص ١٠٣.

(٢) هكذا في النسخ المخطوطة من مسالك الافهام وكتابنا هذا وزبدة البيان ص ١٢٣ ط المرتضوي وروح المعاني ج ٥ ١٢٤ ولكن الظاهر من كلام المجمع ج ٢ ص ١٠٤ انه من كلام ابن مسعود والمروي في تفسير الطبري أيضا انه من كلام ابن عباس ج ٥ ص ٢٦٠ مع تفاوت يسير في اللفظ فلعل في كيفية أداء العبارة في المجمع تسامحا.

٢٧٩

استقررتم بزوال خوفكم ، وسكنت قلوبكم ، فأتموا حدود الصلاة ، واحفظوا أركانها وشرائطها.

وقيل : معناه إذا أقمتم فأتمّوا الصلاة الّتي أجيز لكم قصرها ، وقد يجمع بين الوجهين وفيه نظر.

وقيل : إذا أمنتم فاقضوا ما صلّيتم في حال القلق والانزعاج ، ذكره الكشاف ذهابا إلى قول الشافعيّ من إيجاب الصلاة على المحارب في حال المسايفة والمشي والاضطراب في المعركة إذا حضر وقتها ، فإذا اطمأنّ فعليه القضاء ، وفيه بعد لا يخفى.

(إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) في المجمع قيل : أي واجبة مفروضة عن ابن عباس وجماعة ، وهو المروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام وقيل : معناه فرضا موقّتا أي منجما تؤدّونها في أنجمها عن ابن مسعود وقتادة وقد تقدّم في أول كتاب الصلاة.

الثامنة [البقرة ٢٣٩] (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ.)

صدر هذه الآية قد مضى القول فيه في أوّل كتاب الصلاة وأما البقية ، فإنه سبحانه لما قدّم الأمر بالمحافظة ، عقبه بذكر الرخصة عند المخافة فقال إن خفتم أي عدوّا أو سبعا أو غرقا ونحوها ، فلم تتمكنوا أن تحافظوا عليها وتوفّوا حقّها فتأتوا بها تامّة الأفعال والشروط (فَرِجالاً) هو جمع راجل مثل تجار وصحاب وقيام ، وهو الكائن على رجله واقفا كان أو ماشيا أى فصلّوا حال كونكم رجالا ، وقيل مشاة.

(أَوْ رُكْباناً) جمع راكب كالفرسان وكلّ شيء علا شيئا فقد ركبه ، أي : أو على ظهور دوابكم أي تراعون فيها دفع ما تخافون فلا ترتكبون ما به تخافون بل تأتون بها على حسب أحوالكم بما لا تخافون به : واقفين أو ماشين أو راكبين إلى القبلة أو

٢٨٠