آيات الأحكام

محمد بن علي الاسترابادي

آيات الأحكام

المؤلف:

محمد بن علي الاسترابادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة المعراجي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

أحكام الإسلام ، فيكون كلّ مسلم مأمورا به فليتأمّل فيه ، وقيل : في الآية إيماء إلى كون العبادة شكرا لنعمة التربية والإيجاد ، لذكر هذه الصّفة عقيب ذكر العبادة ، إشعارا بالعلّيّة وفيه نوع تأمّل.

نعم لا ريب في الإيماء إلى أنّ للصفة مدخلا في ما تقدم حتّى الاختصاص و (لا شَرِيكَ لَهُ) إمّا تأكيد للاختصاص المفهوم من «لله» فلا يكون داخلا في الصّفة ، أو هو منها أي لا شريك له في خلق العالمين وتربيتهم ، أو مطلقا بوجه من الوجوه وهو أقرب لفظا ومعنى.

ثمّ فيما قدّمنا من اختصاص الإخلاص المذكور بالأمر دون ما يخالفه وينافيه ـ إذا أشير بذلك إلى كون ما تقدّم أو جعله على الوجه المذكور ـ دلالة واضحة على توقّف صحّة الصّلاة بل سائر العبادات على الإخلاص المذكور ، وما تضمّنه من معرفة الله ووحدانيّته وكونه ربّا للعالمين أي منشأ ومربّيا لهم.

قيل : فيستلزم ذلك وجوب العلم بكونه قادرا وعالما وحكيما إذ الإخلاص يستلزم ذلك ، وهو موضع نظر ، فان استلزام ذلك وجوب العلم بما ذكره غير واضح ، نعم استلزامه للعلم به قريب.

ثمّ الإخلاص المذكور يستلزم المعرفة المذكورة وتوقّف العبادة عليها وعلى الإخلاص المذكور ، لكن قد يمنع ذلك لأنّ كلّ ما كان واجبا مأمورا في شيء بوجه لا يجب أن يبطل ذلك عند عدمه بالكلّية ، فلا يتمّ إلى أن ينضمّ إلى ذلك الإجماع أو نحوه ممّا يقتضي اشتراط الإخلاص في العبادة مطلقا بهذا الوجه ، وقد يقال : فاذا ثبت كون العبادة مأمورا بها على هذا الوجه ، فاذا لم يأت بها على الوجه الخاصّ لم يأت بالمأمور به فتكون باطلة.

وقد يجاب بأنّ ذلك إذا كان الأمر بالعبادة هو الذي تضمّن هذا الوجه ، لا أن يكون بأمر على حدة ، وهنا كذلك ، لكن تضمّن على ما قدّمناه ما يلزم منه أن لا يكون خلاف ذلك مأمورا به ، فاذا لم يكن كذلك كانت باطلة.

وقيل : يمكن الاستدلال بها على وجوب المعرفة وتوقّف الصّحة عليها للأمر

٢٤١

بذلك القول ، فإنّه يفهم أنّه يجب قول ذلك ومعرفة القول وفهمه وصدقه مع المتعلّقات متوقّفة عليها ، وهذا إنّما يتمّ بما قدّمنا كما لا يخفى ، وقيل : ويتفرّع على ذلك عدم صحّة عبادة من لم يكن عارفا بالله تعالى هذه المعرفة ، بدليل ، وإن كان في الظّاهر مسلما ، وفيه بعد.

المائدة [٥٥] (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

قال علىّ القوشجيّ في شرحه للتجريد (١) اتّفق المفسّرون على أنّها نزلت في علىّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، حين تصدّق بخاتمه في الصّلاة راكعا هذا.

وقد تظافر عليه الرّوايات من جهة الخاصّة والعامّة (٢) فمنها ما أورد في جامع الأصول عن عبد الله بن سلام (٣) ، قال : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورهط من قومي فقلنا : إنّ قومنا حادّونا لمّا صدّقنا الله ورسوله ، وأقسموا أن لا يكلّمونا ، فأنزل الله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ثمّ أذّن بلال لصلاة الظّهر ، فقام النّاس يصلّون : فمن بين ساجد وراكع ، وسائل إذا سأل فأعطاه علىّ خاتمه وهو راكع ،

__________________

(١) انظر شرح القوشچي على التجريد ط إيران ١٣٠١ ص ٤٠٢.

(٢) انظر غاية المرام من ص ٩٠ الى ص ١٠٧ الباب الثامن عشر والباب التاسع عشر وفيه ٣٥ حديثا من طرق الفريقين وانظر أيضا المراجعات للمرحوم آية الله السيد شرف الدين المراجعة ٤٠ والغدير للمرحوم آية الله الأميني ج ٢ ص ٥٢ الى ٥٣ وج ٣ ص ١٥٦ ـ ١٦٢ وتعاليق إحقاق الحق لآية الله المرعشي مد ظله ج ٢ من ص ٣٩٩ الى ص ٤٠٨ ففي الكتب الأخيرة إشارة إلى مصادر حديث نزول الآية في شأن على بن ابى طالب من طرق أهل السنة.

وانظر أيضا الدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٣ و ٢٩٤ وتفسير البرهان ج ١ ص ٤٧٩ الى ص ٤٨٥ وتفسير نور الثقلين ج ١ من ص ٥٣٣ الى ص ٥٣٧ وانظر أيضا تعاليق السيد حسين بحر العلوم على تلخيص الشافي ج ٢ ص ١٩ وص ٢٠.

(٣) راجع جامع الأصول ج ٩ ص ٤٧٨ ورواه عن النسائي في المراجعات ونقله في تعاليق إحقاق الحق عن جامع الأصول وتراه كما نقله المصنف في الدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٣ آخر الصحيفة أخرجه عن ابن مردويه من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس عن عبد الله بن سلام.

٢٤٢

فأخبر السائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقرأ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ).

في الجوامع ؛ نزلت في علىّ وفي الكشاف : فان قلت : كيف يصحّ أن يكون لعلىّ عليه‌السلام (١) واللّفظ لفظ جماعة؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع ، وإن كان السّبب فيه رجلا واحدا ليرغب النّاس في مثل فعله ، فينالوا مثل ثوابه ، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن يكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان ، وتفقّد الفقراء ، حتّى إن لزّهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصّلاة ، لم يؤخّروا إلى الفراغ منها ، هذا وجاز ذلك للتعظيم أيضا.

على أنّ في أخبار الشيعة زادهم الله هداية وتوفيقا أنّ مثل ذلك واقع من كلّ واحد من الأئمّة الأحد عشر من ولده عليهم‌السلام (٢) ، ولا يبعد كون الحصر إضافيّا بالنّسبة إلى من يتوقع كونه وليّا مثله ، ويكفي لذلك علمه تعالى بأنّه يقع التردّد بل يجزم جماعة بخلافه.

ولا يحتاج إلى ثبوته حين النزول ، لو ثبت عدم ثبوته حينئذ ، فان لله أن يخبر أنّه الإمام حين الاحتياج ، وهو بعد فوته صلى‌الله‌عليه‌وآله بغير فصل وهو ظاهر ، فإنّه بعد أداة الحصر وانحصار الأوصاف فيه عليه‌السلام واتّفاق المفسّرين على أنّه في حقّه عليه‌السلام يدلّ على اختصاصه بها بلا تكلّف.

فلا وجه لجعل قوله (وَهُمْ راكِعُونَ) عطفا أو بمعنى «خاضعون» ولا الاعتراض بأنّ الوليّ قد يكون بمعنى الناصر والمحبّ وغير ذلك ، فإنّه يقتضي أن لا يختصّ به عليه‌السلام لأنّه لا يناسب الاختصاص كما لا يخفى.

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٦٤٩.

(٢) وللاية المظفر قدس‌سره في السر عن التعبير بلفظ الجمع وللاية سيد شرف الدين قدس الله روحه أيضا بيان نقلناهما في تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ٢٤٢ وص ٢٤٣ فراجع.

٢٤٣

على أنّ لنا أن نقول حينئذ بأيّ معنى كان ، فلا بدّ لولايته بذلك المعني من مزيّة باعتبار اقترنت بولاية الله وولاية رسول الله وقارنهما دون ولاية غيره كما هو مقتضى الحصر ، وما ذلك إلا لكون ولايته كولاية الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره ، وذلك يقتضي إمامته عليه‌السلام بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولا [الاعتراض] بأنّه ليس في حقّه للجمع ، وللحصر وهم لا يقولون به ، كما قاله القوشجيّ فإنّه بعد ثبوت ما تقدّم من كونها في حقّه عليه‌السلام في تصدّقه بخاتمه يكون ذلك اعتراضا على الله وغمضا للعين عن الحقّ.

(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ).

وضع المظهر موضع المضمر تنبيها على البرهان عليه ، فكأنّه قال فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون ، وتنويها بذكرهم وتعظيما لشأنهم وتشريفا لهم بهذا الاسم ، وتعريضا بمن يوالي غير هؤلاء بأنّهم حزب الشّيطان ، وفي الصحاح : حزب الرّجل أصحابه.

وفي المقام يستدلّ بها على أمور :

كون الفعل القليل لا يبطل الصّلاة ، وأنّ نيّة التّصدق والزّكوة يجوز بغير لفظ ، وأنّها في الصّلاة جائزة لا تنافي التوجّه إلى الصّلاة ، واستدامة نيّتها وأنّه تصحّ كذلك نيّة الزّكوة احتسابا على الفقير وصحّة نيّة الصوم في الصّلاة ، وكذا نيّة الوقوف في عرفة ومشعر فيها.

أمّا نيّة الإحرام والتلبية أيضا فيها كما ذهب إليه صاحب الكنز ، مستدلا بأنها ذكر وثناء على الله ، فموضع تأمّل ، وتسمية التّصدق زكاة ، لأنّ الظّاهر انّ ذلك لم يكن زكاة واجبة ، وإن كانت واجبة فتدلّ على جواز التأخير في الجملة وإخراج القيمة والله أعلم.

طه : [٢٤] (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى.)

في ترتيب الحكم على الذات الشريفة والتوحيد من الإشعار بالعلّية والاختصاص

٢٤٤

ما لا يخفى (لِذِكْرِي) لتذكرني ، فإنّ ذكري أن أعبد ويصلّى لي ، أو لتذكرني فيها لاشتمال الصّلاة على الأذكار ، عن مجاهد ، فكأنّه قيل : لكونها ذكري ، أو لذكري فيها أو لأنّي ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، أو لأن أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق.

أو لذكري خاصّة لا تشوبه بذكر غيري ، أو لإخلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضا آخر ، أو لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربّهم على بال منهم ، وتوكيل همهم وأفكارهم به كما قال (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ).

أو لأوقات ذكري (١) وهي مواقيت الصّلاة ، وقيل إنّه ذكر الصّلاة بعد نسيانها (٢) أي أقمها متى ذكرت كنت في وقتها أو لم تكن ، كذا في الجمع ، وكلام بعض ظاهر في القضاء لما روي (٣) أنّه عليه‌السلام قال : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها ، إنّ الله تعالى يقول (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي).

وعن الباقر (٤) عليه‌السلام : إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم

__________________

(١) فاللام وقتية بمعنى عند مثلها في قوله تعالى يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي وقولك كان كذا لخمس خلون.

(٢) فيكون اللام وقتية أو تعليلية والمراد أقم الصلاة عند تذكرها أو لأجل تذكرها.

(٣) انظر سنن البيهقي ج ٢ ص ٢١٦ الى ص ٢١٩ وبألفاظ مختلفة في الدر المنثور ج ٤ ص ٢٩٤ والقصة ما رواه الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر تراه في الوسائل الباب ٦١ من أبواب مواقيت الصلاة ج ٣ ص ٢٠٧ المسلسل ٥١٧٣.

قال في الحدائق ج ٦ ص ٢١٧ وهذه الرواية لم نقف عليها إلا في الذكرى وكفى به ناقلا وفي الذكرى بسط كلام في ما يستفاد من الحديث نقله في البحار ج ١٨ ص ٥٢٧ ط كمپانى وأضاف العلامة قدس‌سره فوائد أخر يستفاد من الحديث فراجع

(٤) الوسائل الباب ٦٢ من أبواب المواقيت ج ٣ ص ٢٠٩ المسلسل ٥١٧٨ عن الكافي والتهذيب والاستبصار مع قليل تفاوت في اللفظ وهو في الكافي ج ١ ص ٨٠ وهو في المرآت ج ٣ ص ١١٧ وقال في وصف الحديث انه مجهول كما سيشير المصنف بعيد ذلك

٢٤٥

أنّك إذا صلّيت الّتي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالّتي فاتتك ، فان الله تعالى يقول (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) إلا أنّ في الطريق القاسم بن عروة وهو غير مصرّح بالتّوثيق وكان الظّاهر في العبارة حينئذ لذكرها ، فإمّا على حذف المضاف أي لذكر صلاتي ، أو لأنّه إذا ذكر الصّلاة فقد ذكر الله ، أو لأنّ الذكر والنسيان من الله عزوجل في الحقيقة.

(أَكادُ أُخْفِيها) فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها ، ولو لا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به ، وعن أبي الدرداء (١) وسعيد بن جبير (أُخْفِيها) بالفتح من خفاه إذا أظهره أي قرب إظهارها كقوله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) وقد جاء في بعض اللغات أخفاه بمعنى خفاه ، فأكاد أخفيها محتمل للمعنيين ، وقيل معناه أكاد أخفيها من نفسي وذكروا أنّه كذلك في مصحف أبيّ.

وفي بعض المصاحف «أكاد أخفيها فكيف أظهركم عليها» لكن لا دليل في الكلام على هذا المحذوف ومحذوف لا دليل عليه مطروح وما قيل (٢) : إنّه روي ذلك عن

__________________

ثم نقل عن الحبل المتين ان الحديث يدل على ترتيب مطلق الفائتة على الحاضرة كما يقوله أصحاب المضايقة.

وانظر البحث في مسألة المضايقة مسالك الافهام ج ١ ص ٢٤٧ الى ص ٢٤٩ مع تعاليقنا عليه وقد نقلنا فيه عن أستادنا العلامة مؤسس الحوزة العلمية بقم آية الله الحائري نور الله مضجعه الشريف بيانا جامعا مفيدا كاملا يحق ان يكتب بالنور على خدود الحور.

(١) نقله في روح المعاني ج ١٦ ص ١٥٧ عن ابى الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وفيه ورويت عن ابن كثير وعاصم وكذا نقله ابن خالويه في شواذ القرآن ص ٨٧ عن سعيد بن جبير وابى الدرداء وفيه عن ابى وأخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها وفي روح المعاني ج ١٦ ص ١٧٦ وروى عن ابن عباس وجعفر الصادق رضي الله عنهما ان المعنى أكاد أخفيها من نفسي ويؤيده ان في مصحف ابى كذلك وروى ابن خالويه عند ذلك بزيادة فكيف أظهركم عليها وفي بعض القراءات بزيادة فكيف أظهرها لكم وفي مصحف عبد الله فكيف يعلمها مخلوق.

وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من ان أحدهم إذا أراد المبالغة في كتمان الشيء قال كدت أخفية من نفسي انتهى وانظر أيضا الكشاف ج ٣ ص ٥٦ والمجمع ج ٤ ص ٦ والدر المنثور ج ٤ ص ٢٩٤.

(٢) ولكن نقله في المجمع عن الصادق ج ٤ ص ٦ مرسلا.

٢٤٦

الصّادق عليه‌السلام فلم يثبت.

(لِتُجْزى) متعلّقه بآتية ، وقيل : أو بأكاد ، ويحتمل بأخفيها ، وهو أقرب من أكاد.

(بِما تَسْعى) أي لسعيها ، فيدلّ على أنّه لا يجوز تولية الغير شيئا من العبادات الواجبة البدنيّة حال حياته ممّا يتمكّن من مباشرته ، وأنّه ليس له فيما يجوز التولية إذا ولّى ، إلّا ثواب سعيه لا ثواب تلك العبادة بنفسها والله أعلم ، ولو قيل بما يسعي له أمكن ذلك له ، ومثله قوله تعالى (لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

[الفرقان ٦٢] (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً.)

(خِلْفَةً) للحالة من خلف أي جعلهما ذوي خلفة يخلف كلّ منهما الآخر ، بأنّه يقوم مقامه فيما كان ينبغي أن يعمل فيه ، أو بأن يعتقبه ، ويقال هما يختلفان كما يقال يعتقبان ، ومنه قوله (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ويقال بفلان خلفة واختلاف : إذا اختلف كثيرا إلى متبرّزه ، على ما قاله الكشاف (١) واعتمد عليه وإلى الأوّل مال القاضي (٢) وأورده المعالم (٣) بقوله يعني خلفا وعوضا يقوم أحدهما مقام الآخر لمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر عن ابن عباس والحسن وقتادة وأورد الثاني عن أبي زيد وغيره ، وأورد ثالثا عن مجاهد ، يعني جعل كلّ واحد منهما مخالفا للآخر ، وليس بشيء ، ولذلك لم يورده المتأخّرون.

ثمّ في الكشاف (٤) وقرئ يذّكّر ويدّكر ، وعن ابيّ بن كعب يتذكّر ، و

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٢٩٠.

(٢) انظر البيضاوي ج ٣ ص ٢٥١ ط مصطفى محمد.

(٣) ومثله في تفسير الخازن ج ٣ ص ٣٥٥.

(٤) انظر الكشاف ج ٣ ص ٢٩٠ والمجمع ج ٤ ص ١٧٧ وفي روح المعاني ج ١٩ ص ٣٩ وقرء ابى بن كعب ان يتذكر وهو أصل ليذكر فأبدل التاء ذالا وأدغم وقرء النخعي وابن وثاب وطلحة وحمران ان يذكر مضارع ذكر الثلاثي بمنى تذكر.

٢٤٧

المعنى لينظر في اختلافهما الناظر فيعلم أن لا بدّ لانتقالهما من حال إلى حال وتغيّرهما من ناقل ومغيّر ، ويستدلّ بذلك على عظم قدرته ويشكر الشاكر على النّعمة فيهما من السّكون باللّيل ، والتّصرف بالنّهار ، كما قال عزوجل (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أو ليكونا وقتين للمتذكّرين والشّاكرين ، من فاته في أحدهما ورده من العبادة قام به في الآخر انتهى.

ويفهم منه أنّه يحتمل أن يفهم منها جواز قضاء ما فات في اللّيل بالنّهار وبالعكس على تقدير كون «خلفة» بمعنى ذوي تعاقب أيضا ، وهو كذلك بل هو الأظهر ، فإنّ الظّاهر جعلهما لانتفاع من أراد تذكرا أو شكورا بأيّ وجه كان ، غاية الأمر أن يقيّد بالانتفاع فيهما فيبقى أعمّ من أن يكون يجعلهما ظرفين لهما ووقتين فيحصل التّوسعة ، ويتمكّن من تدارك ما فاته في أحدهما وينتفع بفعله في الآخر ، أو بالنظر فيما يشتملانه من الآيات وغير ذلك ، فتأمّل.

فيمكن أن يستدلّ بظاهرها على جواز قضاء ما فات باللّيل في النّهار ، وبالعكس إلّا ما أخرجه دليل ، وقد روى التنبيه (١) بها عليه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في طرق لكنّها غير نقيّة والله أعلم.

[براءة : ٥] (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.)

استدلّ بهذه الآية على أنّ تارك الصّلاة مستحلّا مرتدّ يجب قتله ، لأنّه علّق المنع من قتلهم على أمور هي التّوبة ، وإقام الصّلاة ، وإيتاء الزّكوة ، فإنّهم إذا فعلوا ذلك تخلّى سبيلهم ، ولا شكّ أنّ تركهم للصّلاة كان على وجه الاستحلال لعدم تحقّق

__________________

(١) انظر المجمع ج ٤ ص ١٧٨ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٩٤ الرقم ٨١٢ عن التهذيب عن عنسبة العابد عن ابى عبد الله وهو في الوسائل الباب ٥٧ من أبواب المواقيت ج ٣ ص ١٩٩ المسلسل ٥١٤٥ ومثله مرسلا عن الصادق في الفقيه ج ١ ص ٣١٥ الرقم ١٣٢٨ وهو في جامع أحاديث الشيعة بالرقم ٨١٣ وفي الوسائل المسلسل ٥١٤٧.

٢٤٨

اعتقاد وجوبها من المشرك ، والحكم المعلّق على مجموع لا يتحقّق إلّا مع تحقّق المجموع ويكفي في حصول مقتضيه فوات واحد من المجموع ، وهو إباحة قتلهم ، وفيه نظر.

هذا وقد يستدلّ بها أيضا على دخول الأعمال في الايمان وعدم قبول التوبة عن ذنب مع الإصرار على غيره ، وإن كان أصغر منه فليتأمّل فيه.

[البقرة : ٢٠] (يا أَيُّهَا النَّاسُ) (١) (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ

__________________

(١) قد كثر التنافس والتباغض في كلمة يا ايها المقدم على المقصود بالنداء وترى البحث مبسوطا في الأشباه والنظائر للسيوطي ج ٣ ص ٦٤ الى ص ٧١ وفي أمالي ابن الشجري ج ٢ ص ١١٦ الى ص ١٢٢ المجلس الثامن والخمسين (٥٨) وقد لخص البحث في روح المعاني ويناسب لنا هنا نقله ففيه تذكار لكثير من المباحث الأدبية قال في ص ١٦٨ ج ١ روح المعاني :

واى لها معان شهيرة والواقعة في النداء نكرة موضوعة لبعض من كل ثم تعرفت بالنداء وتوصل بها الى نداء ما فيه ال لان يا لا تدخل عليها في غير الله الا شذوذا لتعذر الجمع بين حرفي التعريف فإنهما كمثلين وهما لا يجتمعان الا فيما شذ من نحو.

فلا والله لا يلفى لما بي

ولا للما بهم ابدا دواء

وأعطيت حكم المنادي وجعل المقصود بالنداء وصفا لها والتزم فيه هذه الحركة الخاصة المسماة بالضمة خلافا للمازنى فإنه أجاز نصبه وليس له في ذلك سلف ولا خلف لمخالفته للمسموع وانما التزم ذلك اشعارا بأنه المقصود بالنداء ولا ينافي هذا كون الوصف تابعا غير مقصود لمتبوعه لان ذلك بحسب الوضع الأصلي حيث لم يطرء عليه ما يجعله مقصودا في حد ذاته ككونه مفسرا لمبهم ومن هنا لم يشترطوا ذلك في النعوت على ما بين في محله.

وها التنبيهية زائدة لازمة للتأكيد والتعويض عما تستحق من المضاف اليه أو ما في حكمه من التنوين كما في (أياما تدعوا) وان لم يستعمل هنا مضافا أصلا وكثر النداء على هذه الطريقة لما فيها من التأكيد الذي كثيرا ما يقتضيه المقام بتكرر الذكر وإيضاح بعد الإبهام والتأكيد بحرف التنبيه واجتماع التعريفين.

هذا ما ذهب اليه الجمهور وقطع الأخفش ـ لضعف نظره ـ بان أيا الواقعة في النداء موصولة حذف صدر صلتها وجوبا لمناسبته التخفيف للمنادى وأيد بكثرة وقوعها في كلامهم موصولة وندرة وقوعها موصوفة واعتذر عن عدم نصبها حينئذ مع انها مضارعة للمضاف بأنه إذا حذف صدر صلتها كان الأغلب فيها البناء على الضم فحرف النداء على هذا يكون داخلا على مبني على

٢٤٩

قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.)

العبادة أقصى غاية الخضوع ، ولذلك لا تكون إلّا للخالق ، أو المقام مقامه ، و

__________________

الضم ولم يغيره وان كان مضارعا للمضاف.

ويؤيد الأول عدم الاحتياج الى الحذف وصدق تعريف النعت والموافقة مع هذا وانها لو كانت موصولة لجاز ان توصل بجملة فعلية وظرفية مما يقطع المنصف معه بأرجحية مذهب الجمهور.

نعم أورد عليه اشكال استصعبه بعض من سلف من علماء العربية وقال انه لا جواب له وهو ان ما ادعوا كونه تابعا معرب بالرفع وكل حركة إعرابية انما تحدث بعامل ولا عامل يقتضي الرفع هناك لان متبوعه مبني لفظا ومنصوب محلا فلا وجه لرفعه.

وأقول ان هذا من الأبحاث الواقعة بين ابى نزار وابن الشجري وذلك انه وقع سؤال عن ضمة هذا التابع فكتب أبو نزار انها ضمة بناء وليست ضمة الأعراب لأن ضمة الاعراب لا بد لها من عامل يوجبها ولا عامل هنا يوجب هذه الضمة.

وكتب الشيخ منصور موهوب بن أحمد أنها ضمة أعراب ولا يجوز ان تكون ضمة بناء ومن قال ذلك فقد غفل عن الصواب وذلك لان الواقع عليه النداء أي المبنى على الضم لوقوعه موقع الحرف والاسم الواقع بعد وان كان مقصودا بالنداء الا انه صفة اى فمحال اى يبني أيضا لأنه مرفوع رفعا صحيحا ولهذا أجاز المازني النصب على الموضع كما يجوز في يا زيد الظريف وعلة الرفع انه لما استمر الضم في كل منادي معرفة أشبه ما أسند إليه الفعل فأجريت صفته على اللفظ فرفعت.

وأجاب ابن الشجري بما أجاب به الشيخ وكتب انها ضمة أعراب لا ضمة المنادي المفرد لها باطرادها منزلة بين منزلتين فليست كضمة حيث لأنها غير مطردة لعدم اطراد العلة التي أوجبتها ولا كضمة زيد في نحو خرج زيد لأنها حدثت بعامل لفظي ولما اطردت الضمة في نحو يا عمرو وكذلك اطردت في نحو يا رجل يا غلام الى ما لا يحصى نزل الاطراد فيها منزلة العامل المعنوي الواقع للمبتدإ من حيث اطردت الرفعة في كل اسم ابتدأ به مجردا عن عامل لفظي وجيء له بخبر كعمرو منطلق وزيد ذاهب الى غير ذلك.

فلما استمرت ضمة المنادي في معظم الأسماء كما استمرت في الأسماء المعربة الضمة الحادثة عن الابتداء أشبهتها العرب بضمة المبتدء فاتبعتها ضمة الاعراب في صفة المنادي في نحو يا زيد الطويل وجمع بينهما أيضا ان الاطراد معنا كما ان الابتداء كذلك.

٢٥٠

ما روي أنّ كلّ خطاب بيا أيّها النّاس مكّيّ وبيا أيّها الّذين آمنوا مدنيّ (١) إن

__________________

ومن شأن العرب ان تحمل الشيء على الشيء مع حصول أدنى مناسبة بينهما حتى انهم قد حملوا أشياء على نقائضها الا ترى انهم اتبعوا حركة الاعراب حركة البناء في قراءة من قرأ الحمد لله بضم اللام وكذلك اتبعوا حركة البناء حركة الاعراب في نحو يا زيد بن عمرو في قول من فتح الدال من زيد انتهى ملخصا.

وقد ذكر ذلك ابن الشجري في أماليه وأكثر في الحط على ابن نزار وبين ما وقع بينه وبينه مشافهة ولو لا مزيد الإطالة لذكرته بعجره وبجرة وأنت تعلم ما في ذلك كله من الوهن ولهذا قال بعض المحققين ان الحق أنها حركة اتباع ومناسبة لصفة المنادي ككسر الميم من غلامي وحينئذ يندفع الاشكال كما لا يخفى على ذوي الكمال.

بقي الكلام في اللام الداخلة على هذا النعت هل هي للتعريف أم لا والذي عليه الجمهور وهو المشهور انها للتعريف كما تقدمت الإشارة اليه.

ولما سئل عن ذلك أبو نزار قال انها هناك ليست للتعريف لان التعريف لا يكون الا بين اثنين في ثالث واللام فيما نحن فيه داخلة في اسم المخاطب ثم قال والصحيح انها دخلت بدلا من يا وأى وان كان منادي الا ان ندائه لفظي والمنادي على الحقيقة هو المقرون بأل ولما قصدوا تأكيد التنبيه وقد رأوا تكرير حرف النداء كرهوا التكرير فعوضوا عن حرف النداء ثانيا ها وثالثا ال.

وتعقبه ابن الشجري قائلاً ان هذا قول فاسد بل اللام هناك لتعريف الحضور كالتعريف في قولك جاء هذا الرجل مثلا ولكنها لما دخلت على اسم المخاطب صار الحكم للخطاب من حيث كان قولنا يا ايها الرجل معناه يا رجل ولما كان الرجل هو المخاطب في المعنى غلب حكم الخطاب فاكتفى باثنين لأن أسماء الخطاب لا يفتقر في تعريفها الى حضور ثالث.

الا ترى ان قولك خرجت يا هذا وانطلقت وأكرمتك لا حاجة به الى ثالث وليس كل وجوه التعريف يقتضي ان يكون بين اثنين في ثالث فان ضمير المتكلم في أنا خرجت معرفة إجماعا ولا يتوقف تعريفه على حضور ثالث.

وأيضا ما قص من حديث التعويض يستدعي بظاهره ان يكون أصل يا ايها الرجل يا اى يا يا رجل وانهم عوضوا من الثانية ها ومن الثالثة الألف واللام وأنت تعلم ان هذا مع مخالفته لقول الجماعة خلف من القول يمجه السمع وينكره الطبع فليفهم انتهى ما في روح المعاني.

(١) انظر في ذلك تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ٢٥٢ و ٢٥٣.

٢٥١

صحّ فلا يوجب تخصيصه بالكفّار ، فإنّ المأمور به هو العبادة مطلقا يعمّ بدو العبادة وازديادها ، والمواظبة عليها.

في تفسير القاضي (١) إنّما قال ربّكم تنبيها على أنّ الموجب القريب للعبادة هي الربوبيّة ، و «الذي» بصلته صفة جرت عليه للتعظيم والتّعليل ، ويحتمل التقيد إن خصّ الخطاب بالمشركين وأريد بالربّ أعمّ من الحقيقيّ وما سمّوه باسمه ، لكنّه خلاف الظاهر كما لا يخفى.

والخلق الإيجاد على تقدير واستواء ، ولعلّ للترجّي والإشفاق ، تقول لعلّ زيدا يكرمني ، ولعلّه يهينني ، والجملة حال عن فاعل «اعبدوا» أي راجين أن تكونوا من المتّقين ، وينبّه على أنّ العابد ينبغي أن لا يغترّ بعبادته بل يكون بين خوف ورجاء ، مع رجحان للرجاء.

أو عن الخالق لكن على طريق التشبيه بالرّاجي ، أو عن المخلوقين كذلك ، فإنّه لما أزاح العلل في أقدارهم وتمكينهم ، وهداهم النّجدين وأراد منهم الخير والتقوى ، فهم في صورة المرجوّ منهم أن يتّقوا لترجح أمرهم وهم مختارون بين الطّاعة والعصيان.

وأمّا كونها علّة بمعنى كي موافقا لقوله (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) كما يظهر من المجمع (٢) فقد أنكره الكشاف والقاضي (٣) فعلى هذا يجوز أن يكون غرض المجمع بيان محصّل المعنى على تجوّز ، أو معناها المجازيّ ومنعهما باعتبار الحقيقة أو على مقتضى مذهبه فتأمّل.

و «الّذين» عطف على مفعول خلقكم وغلّب الخطاب على الغيبة في لعلّكم أو حذف «وإياهم» للحضور.

فان قلت : فهلّا قيل تعبدون لأجل اعبدوا أو اتّقوا لمكان يتّقون ، ليتجاوب

__________________

(١) انظر البيضاوي ج ١ ص ١٠٦ ط مصطفى محمد.

(٢) انظر مجمع البيان ج ١ ص ٦٠.

(٣) انظر الكشاف ج ١ ص ٩٢ والبيضاوي ج ١ ص ١٠٨ ط مصطفى محمد وانظر تعاليقنا على هذا الجزء ص ٣٥ في معنى لفظة لعل وعسى من الله.

٢٥٢

طرفا النّظم؟ قلت : ليست التّقوى غير العبادة حتّى يؤدى ذلك إلى تنافر النّظم وإنّما التّقوى قصارى أمر العابد ومنتهى جهده ، فاذا قال (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) للاستيلاء على أقصى غايات العبادة ، كان أبعث على العبادة ، وأشدّ إلزاما على ما ثبت في النفوس ، كذا في الكشاف.

ثمّ ظاهر الأمر إيجاب مطلق العبادة على كلّ النّاس : مسلمهم وكافرهم ، حرّهم وعبدهم ، إلّا ما أخرجه الدّليل كالصّبيان والمجانين ، فيدلّ على وجوب العبادة في الجملة ، أو حتّى يكونوا متّقين.

وعلى مشروعيّتها مطلقا ، قيل فلا يحتاج إلى التوقيف فتصلح النّافلة دائما والصّوم كذلك وإعادة العبادة والقضاء ، وغير ذلك من أنواع العبادة ، ولا يخفى أنّ ذلك بعد ثبوت كونها عبادة مطلقا وربّما يكتفي باشتمالها على الخضوع والتذلّل مع ورود الشّرع بشيء من جنسه أو مطلقا فتأمّل.

وعلى أنّ الكافر مكلّف ، والعبد كذلك ، قيل : وتدلّ على أنّ العابد لا يستحقّ بعبادته عليه ثوابا ، وإنّما وجبت عليه شكرا لما عدّده عليه من النّعم السّابقة فهو كأجير أخذ الأجر قبل العمل ، وفيه نظر لجواز ذكر النعم المعدودة لمزيد الترغيب والتحريص فان الآمر إذا عدّد بعض نعمه عند الأمر ، كان ذلك آكد وأتمّ ، وأبعث على الرغبة.

ثمّ غايته أن يكون مقارنتها للأمر دالّة على وجوب امتثاله لهذه الأوصاف وأقصى ذلك أن يكون هذه موجبة لعبادته ، أو اختصاصه بالعبادة ، وعلى كلّ تقدير لا يلزم كونها لمجرد الشّكر ، أن لا يترتّب عليها ثواب ، ولا يستحق بها أجر بوجه.

على أنّ قوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لا يبعد أن يكون إشارة إلى حصول الثّواب ودفع العقاب ، بل هو أقوى في ذلك كما لا يخفى.

على أنّ تعداد النّعم والامتنان بها على العباد في مواضع كثيرة من المنعم الغنيّ المطلق ، إنّما يناسب عدم إرادة العوض ، فلا ينبغي كونها سببا موجبا للعبادة وشكرا لها على ما ادّعاه ، هذا مع ما دلّ على ترتّب الثواب من الآيات والأخبار ،

٢٥٣

وغيرها ممّا هو مذكور في أصول الكلام ممّا لا ينبغي معه الذّهاب إلى خلافه بل كاد أن يكون الثّواب والعقاب من ضروريّات دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بل كلّ الأديان ، وبهما يثبتون الحشر والنشر ، والظّاهر أنّه إجماع المسلمين.

نعم هذا مذهب منسوب إلى أبي القاسم البلخيّ وذهاب غيره غير معلوم ، ودوام قائل به بعيد جدّا ، ولم ينقل ذلك من أحد من الطّائفة المحقّة.

[البقرة ٢١] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.)

«الذي» منصوب بأنّه صفة ثانية أو بالمدح أو مرفوع خبرا عن محذوف أو مبتدء خبره (فَلا تَجْعَلُوا) وقرئ «بساطا ومهادا» والمعنى أنّهم يقعدون عليها وينامون ويتقلّبون كما يتقلّب أحدهم على فراشه وبساطه ومهاده ، وكأنّ المراد بذلك تسهيل الانتفاع بها جدّا ، ولهذا قيل : ولا يلزم كون الأرض مسطّحة ، لأنّها لاتّساعها لا ينافي هذا المعنى منها ، كرويّتها.

والسّماء اسم جنس تقع على الواحد والمتعدّد ، والبناء مصدر سمّي به المبنيّ بيتا كان أو قبّة أو خباء أو طرافا ، وأبنية العرب أخبيتهم ، ومنه بنى على امرأته لأنّهم كانوا إذا تزوّجوا ضربوا عليها خباء جديدا ، كذا في الكشّاف.

«وأنزل» عطف على «جعل» ومن ابتدائية سواء أريد بالسّماء السّحاب أو جهة الفوق مطلقا ، فان ما علاك سماء أو الفلك و «أخرج» عطف على «أنزل» وضمير به للماء ، ومن تبعيضيّة فرزقا مفعول له بمضي المرزوق أو حال أو بيانيّة مقدّم على المبين كما في : «أنفقت من الدراهم ألفا» فرزقا مفعول «اخرج» «ولكم» صفة رزقا أو مفعوله إن أريد به المصدر كأنّه قال رزقا إيّاكم ، وإنّما ساغ الثّمرات والموضع موضع الكثرة لأنّه أراد بالثّمرة جماعة الثّمرة كما في قولك أدركت ثمرة بستانه ، ويؤيّده قراءة من الثّمرة على التّوحيد أو لأنّ الجموع يتعاور بعضها موقع بعض ، أو لأنّها لمّا كانت محلّاة باللام خرجت عن حدّ القلّة.

(فَلا تَجْعَلُوا) إمّا متعلق باعبدوا على أنّه نهي معطوف عليه أو نفي منصوب

٢٥٤

بإضمار أن جواب له ، أو بلعلّ على أنّه منصوب نصب فاطّلع في قوله تعالى (أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) إلحاقا لها بالأشياء السّتة ، وينبغي حينئذ أن يكون «الذي» مفعول «يتّقون».

أو بالّذي جعل على أنّه نهي وقع خبرا على تأويل «مقول فيه لا تجعلوا» والفاء للسببيّة أدخلت عليه لتضمّن المبتدء معنى الشّرط أو بهو الذي على تقدير كونه خبرا ، فإمّا من عطف الإنشاء على الإخبار لجوازه أو بتأويل.

في الكشاف (١) الندّ المثل ، ولا يقال إلّا للمثل المخالف المناوي ، ومعنى «ليس لله ندّ ولا ضدّ» نفي ما يسدّه مسدّه ، ونفي ما ينافيه ، والكفّار لما تقرّبوا إلى أصنامهم وعظّموها وسمّوها آلهة ، أشبهت حالهم حال من يعتقد أنها آلهة مثله قادرة على مخالفته ومضادّته ، فقيل لهم الأنداد على سبيل التهكّم ، وكما تهكّم بهم بلفظ الندّ ، شنّع عليهم واستفظع شأنهم من حيث الجمع بأن جعلوا أندادا كثيرة لمن لا يصحّ أن يكون له ندّ قطّ ، وقرئ «ندا».

(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) حال من ضمير (فَلا تَجْعَلُوا) والمفعول محذوف أي وحالكم أنّكم من أهل العلم والنظر وإصابة الرأي ، متمكّنون من معرفة أنّه لا يجوز أن يكون له ندّ ، أو مقدّر منويّ وهو أنّه لا يجوز ، أو لا يكون له ندّ ، أو أنّه لا يقدر على مثل هذه الأفعال ولا يفعله غيره ، أو ما بينه وبينها من التفاوت ، وعلى التقدير فالمقصود منه مزيد التوبيخ لا تقيد الحكم وقصره عليه ، فان الظّاهر أنّ العالم والجاهل المتمكّن من العلم سواء في التكليف ، ولهذا صحّ الأوّل أيضا.

نعم يمكن أن يفهم أنّ الجاهل معذور على تقدير عدم القدرة على العلم وتمكّنه منه ، فيمكن أن يستفاد منه عدم التكليف بما لا يطاق ، ويستنبط هنا أحكام أخر :

منها إباحة السكون في أيّ جزء من الأرض كان على أيّ وجه أراد ، والصلاة فيه وسائر العبادات ، بل إباحة الأرض والتّصرف فيها سكنى وغيرها إلّا ما أخرجه

__________________

(١) الكشاف ج ١ ص ٩٥.

٢٥٥

دليل ، إذ ليس المراد بجعلها فراشا ما يختصّ ببعض ما تقدّم ، وكذا إباحة الماء واستعماله وطهارته بل طهوريّته أيضا ، لأنّها من جملة انتفاعاتها المتعارفة المطلوبة منه. كما هو مقتضى مقام الامتنان ، ولكن قوله (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ) ربّما استدعى خلافه فتأمّل.

والمقام يستدعي كون جميع الثمرات المخرجة رزقا وفي المجمع في (كُلَّما رُزِقُوا) أنّ الرّزق عبارة عما يصحّ الانتفاع به ، ولا يكون لأحد المنع منه ، وفي القاموس : الرّزق ما ينتفع به ، وقد يقرب منه كلام القاضي كما يأتي فقد يستفاد إباحة الثّمرات جميعا وعموم الانتفاع بها إلّا ما أخرجه دليل ، وتحريم الشرك وثبوت الوحدانيّة.

قال القاضي (١) : اعلم أنّ مضمون الآيتين هو الأمر بعبادة الله والنهي عن الإشراك به ، والإشارة إلى ما هو العلّة والمقتضي لها ، وبيانه أنّه رتّب الأمر بالعبادة على صفة الربوبيّة إشعارا بأنّها العلّة لوجوبها ، ثمّ بيّن ربوبيتها بأنّه خالقهم وخالق أصولهم وما يحتاجون إليه في معاشهم من المقلة والمظلة والمطاعم والملابس ، فإنّ الثمرة أعمّ من المطعوم ، والرّزق أعمّ من المأكول والمشروب ، ثمّ لمّا كانت هذه أمور الّتي لا يقدر عليها غيره شاهدة على وحدانيّته ، رتّب عليها النّهي عن الإشراك به.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ١ / ١١١.

٢٥٦

النوع الثامن

فيما عدا اليومية وأحكام يلحق اليومية أيضا

الأولى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة ٩].

خصّ الخطاب بالمؤمنين تشريفا لهم وتعظيما ، ولأنّهم المنتفعون بذلك ، والنّداء الأذان. في المجمع (١) أي إذا أذّن لصلاة الجمعة ، وذلك إذا جلس الامام على المنبر يوم الجمعة ، وذلك أنّه لم يكن على عهد رسول الله نداء سواه ، ونحو ذلك في الكشاف. واللام للأجل وقيل : للتوقيت ، وحينئذ يلزم عدم اعتبار الأذان قبل وقت الصلاة في ذلك وإن شرع ، وعلى الأوّل يعتبر مع شرعيّته ، أما لا معها فالأظهر لا.

و «من» بيانيّة مفسّرة لإذا وقيل : للصّلاة على توقيت اللام ، وقيل بمعنى في ، وقيل للتبعيض ، ويوم الجمعة يوم الفوج المجموع كقولهم ضحكة للمضحوك منه ، ويوم الجمعة بفتح الميم يوم الوقت الجامع كقولهم ضحكة ولعنة ، والجمعة تثقيل للجمعة ، وقرئ بهنّ جميعا (٢).

(فَاسْعَوْا) أي فامضوا (٣) وقد قرء به عبد الله بن مسعود ، وروي ذلك عن عليّ

__________________

(١) انظر المجمع ج ٥ ص ٢٨٨ والكشاف ج ٤ ص ٥٣٢.

(٢) كذا في الكشاف ج ٤ ص ٥٣٢ وفي روح المعاني ج ٢٨ ص ٨٧ والجمعة بضم الميم وهو الأفصح والأكثر الشائع وبه قرء الجمهور وقرء ابن الزبير وأبو حيوة وابن ابى عبلة وزيد بن على والأعمش بسكونها وروى عن ابى عمرو وهو لغة تميم وجاء فتحها ولم يقرء به ونقل بعضهم الكسر أيضا انتهى.

وانظر أيضا شواذ القرآن لابن خالويه ص ١٥٣.

(٣) هكذا ترى في المجمع ج ٥ ص ٢٨٨ وفيه أيضا رواية ابن مسعود لو علمت الإسراع إلخ. وترى أحاديث كثيرة في ذلك في الدر المنثور ج ٦ ص ٢١٩ وفتح القدير ج ٥ ص

٢٥٧

عليه‌السلام وعمر بن الخطّاب وأبيّ بن كعب وابن عبّاس ، وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام وعن ابن مسعود : لو علمت الإسراع لأسرعت حتّى يقع ردائي من كتفي ، ونحوه عن عمر ، وعن الحسن : ما هو السعي على الاقدام ، وقد نهوا أن يأتوا الصّلاة إلّا وعليهم السكينة والوقار ، ولكن بالقلوب والنيّات ، ويقرب منه ما قيل : إنّه عبّر بالسّعي للمبالغة في الفعل وعدم الترك ، ولا يبعد أن يحمل على نحو ذلك قول قتادة أي امضوا إليها مسرعين غير متثاقلين.

وفي الكشاف : وقيل : المراد بالسعي القصد دون العدو ، والسّعي التصرف في كلّ عمل ، ومنه قوله تعالى (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ. وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) فليتأمّل.

والمراد بذكر الله إمّا الصّلاة فكأنّه قال إليها ، إلّا أنّه عبّر عنها بذكر الله تشريفا لها وترغيبا في فعلها ، وقيل : إشارة إلى أنّها ذكر الله وأنّه ينبغي القصد بفعلها أنّها ذكر الله ، أو الخطبة أو هما جميعا والله أعلم.

وظاهر الآية وجوب السعي على جميع المؤمنين ، وما يقال من أنّ فيها إشارة إلى الاختصاص بالأحرار ، لأنّ العبد محجور عليه ، فموضع نظر وتأمّل ، نعم لا ريب في تأييده القول بالعدد الأقل كالخمسة دون السبعة ، وإطلاق تحريم البيع بعد النداء يقتضي حرمته ، وإن لم يكن مانعا من السعي ، إذ قد يمكن الجمع بينهما.

والظّاهر أن لا قائل أيضا بتخصيص المنع بالمانع ، فلا يبعد أن يكون تحريمه نوع تعبّد فلا ينبغي إلحاق سائر العقود به مطلقا من غير نصّ ، لأنّه قياس من غير ظهور علّة جامعة ، مع مخالفته للأصل ، وما دلّ على إباحتها من العقل والنقل كتابا وسنة وإجماعا ، وهو مذهب أكثر أصحابنا ، حتّى لم ينقل فيه خلاف بين المتقدّمين منهم.

__________________

٢٢٣ وفي روح المعاني ج ٢٨ ص ٩١ وقرء كثير من الصحابة والتابعين فامضوا وحملت على التفسير بناء على انه لا يراد بالسعي الإسراع في المشي ولم تجعل قرآنا لمخالفتها سواد المصحف المجمع عليه.

٢٥٨

وما يقال من أنّ في الآية إيماء إلى العلّة ، وهي موجودة في محلّ النزاع فان قوله سبحانه (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) جرى مجرى التعليل لما قبله ، الذي من جملته ترك البيع ، ولا شبهة في مشاركة سائر العقود البيع في ذلك ، فيشاركه في التّحريم ، وتخصيص البيع بالذكر لأنّ فعله كان أكثريا لأنّهم كانوا يهبطون من قراهم وبواديهم وينصبّون إلى المصر من كلّ أوب لأجل البيع والشّراء.

أو أنّ ظاهر الآية وجوب السّعي بعد النّداء على الفور ، وإن لم يكن ذلك من نفس الأمر ، لأن الأمر بترك البيع قرينة إرادة المسارعة ، فيكون كلّ ما شأنه أن يكون منافيا له منجرّا إلى التراخي عنه مأمورا بتركه ، فيكون محرّما فموضع نظر لا يخفى.

وقول الشهيد أنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه ، لا يفيد الإطلاق وأمّا ما أشار إليه بقوله لو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة الذي هو معناه الأصليّ كان مستفادا من الآية تحريم غيره أيضا فبعيد لأنّه خلاف المعنى الشرعيّ هذا.

وأمّا الانعقاد فعليه أكثر المتأخّرين لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وعدم كون النّهي في المعاملات دالا على الفساد ، وأكثر المتقدّمين على عدمه لكون النّهي دالا على الفساد كما قد يشعر به قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).

وقال بعض مشايخنا سلّمهم الله (١) : لا يبعد عدم الانعقاد وإن لم يكن النّهي مطلقا دالا على الفساد ، ليتمّ المطلوب ، والترغيب إلى الصّلاة ، ولأنّ ما يدلّ على انعقاده هو إباحته ، فمع رفعها لا ينعقد ، مؤيّدا بالأصل من عدم الانتقال ، وليس كون العقد الحرام الذي لا يرضى الله به دليلا وموجبا لذلك بظاهر فليتأمّل فيه.

وظاهر التعليق ألا يحرم بمجرّد زوال الشمس [بدون الأذان] وصرّح في المنتهى أنّه مذهب علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم خلافا لمالك وأحمد ، فذهاب الشهيد الثاني في شرح الشرائع إلى ما ذهبا غريب.

__________________

(١) انظر زبدة البيان ص ١١٦ ط المرتضوي.

٢٥٩

وظاهر الأكثر أنّ المراد بالبيع المبايعة ، أي ما يعمّ الشراء ، وهو غير بعيد وربّما فهم ترك التوجّه والعناية به أيضا.

ولو كان أحد المتبايعين ممّن لا يجب عليه الجمعة ، فقيل بالكراهية بالنسبة إليه لعدم مقتضى التحريم ، وقيل بالحرمة أيضا لقوله تعالى (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) وأيضا لما فهم من الآية عموم ترك البيع قبولا أيضا ، فالخروج منه بمجرّد سقوط وجوب الجمعة عنه بدليل مخصوص به موضع نظر.

(ذلِكُمْ) أي ما أمر به من السعي وترك البيع (خَيْرٌ لَكُمْ) وأنفع عاقبة بل ودينا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الخير والشر أو كنتم من أهل العلم والتّمييز تعلمون أنّ ذلك خير لكم.

الثانية (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.)

ثمّ أطلق لهم ما حظّر عليهم بعد قضاء الصّلاة من الانتشار ، وابتغاء الرّبح والنفع من فضل الله ورحمته مع التوصية بإكثار الذكر ، وأن لا يلهيهم شيء من تجارة وغيرها عنه ، لأنّ فلاحهم فيه وفوزهم منوط به.

وفي ذلك إشارة إلى أنّ الطالب لا ينبغي أن يعتمد على سعيه وكدّه ، بل على فضل الله ورحمته وتوفيقه وتيسيره ، طالبا ذلك من الله وروي (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : الصّلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السّبت.

وروى عمر بن يزيد (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : إنّى لأركب في الحاجة

__________________

(١) كنز العرفان ج ١ ص ١٧١ والمجمع ج ٥ ص ٢٨٩ والوسائل الباب ٥٢ من أبواب صلاة الجمعة ج ٥ ص ٨٥ المسلسل ٩٧٠٥ والفقيه ج ١ ص ٢٧٣ الرقم ١٢٥٢ ط النجف ونور الثقلين ج ٥ ص ٣٢٨.

(٢) المجمع ج ٥ ص ٢٨٩ ونور الثقلين ج ٥ ص ٣٢٧ ومسالك الافهام ج ١ ص ٢٦٥ والوسائل الباب ٥ من مقدمات التجارة ج ١٢ ص ١٦ المسلسل ٢١٨٩٣ عن عدة الداعي.

٢٦٠