آيات الأحكام

محمد بن علي الاسترابادي

آيات الأحكام

المؤلف:

محمد بن علي الاسترابادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة المعراجي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

الشعر في المساجد فقولوا : فضّ الله فاك إنّما بنيت المساجد للقرآن.

في الكشاف (١) وقال عليه‌السلام قال الله إنّ بيوتي في أرضى المساجد ، وإنّ زوّاري فيها عمّارها ، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي ، فحقّ على المزور أن يكرم زائره.

وروى (٢) ابن بابويه بإسناده إلى عبد الله بن جعفر عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله تبارك وتعالى : ألا إنّ بيوتي في الأرض المساجد تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض ، ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته ، ألا طوبى لعبد توضّأ ثمّ زارني في بيتي ، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر ، ألا بشّر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيمة.

بحث الأذان :

المائدة [٥٧ ـ ٥٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أن توالوا أعداء الله فإنّ الايمان يقتضي معاداتهم والحذر عن موالاتهم ، وقد رتّب الحكم على الوصف إيماء إلى العلّة ، وأنّ من هذا شأنه بعيد من الموالاة جدير بالمعاداة ، وقيل : فيه إشعار بعدم جواز موالاة الفسّاق ، ومعاشرتهم بحيث يشعر بالصداقة فافهم.

(وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها) أي الصلاة أو المناداة (هُزُواً وَلَعِباً) فكيف يجوز موالاتهم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ.)

فان السّفه يؤدّى إلى الجهل بالحقّ والهزء به ، والعقل يمنع منه فيؤدّي إلى معرفة الحقّ واتّباعه وتعظيمه.

__________________

(١) الكشاف ج ٢ ص ٢٥٤.

(٢) الوسائل الباب ٣ من أحكام المساجد.

١٨١

في الكنز (١) اتفق المفسّرون على أنّ المراد هنا بالنداء الأذان ، ففيه دليل على أنّ الأذان والنداء إلى الصلاة مشروع بل مرغوب فيه من شعائر الإسلام ، ويومئ إلى أنّ ما يشعر بالتهاون بشعار من شعائر الإسلام حرام لا يجوز ، ولا لعبا بل كلّ ما يعدّ لعبا لا يجوز بالنسبة إلى شيء من أمور الدّين وأحكامه فكيف الاستهزاء.

وربّما أشعر بأنّ اتّخاذ نحو الصلاة والمناداة إليها هزوا ولعبا هو اتّخاذ الدّين كذلك ، وفيه تنبيه أيضا على أنّه لا ينبغي أو لا يجوز موالاة المجانين والسّفهاء وأنّ دين الرّجل من عقله وعلى قدر عقله.

قيل : كان رجل من النصارى (٢) بالمدينة إذا سمع المؤذّن يقول : أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، قال حرق الكاذب ، فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترق البيت واحترق هو وأهله ، وقيل فيه دليل على أنّ ثبوت الأذان بالكتاب لا بالمنام. وفيه نظر ، نعم يدلّ على ما تقدّم ، وعلى أنه كان ثابتا.

__________________

(١) انظر كنز العرفان ج ١ ص ١١٢.

(٢) حكاه في الكشاف ج ١ ص ٦٥٠ وفي الكاف الشاف أخرجه الطبري من رواية أسباط عن السدّي وحكى القصة في البحار ط كمپانى ج ١٨ ص ١٦٠ عن السدّي وقال في الكشاف وقيل فيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده وانظر تعاليقنا على كنز العرفان من ص ١١٢ الى ص ١١٤ ج ١ ومسالك الافهام ج ١ من ص ١٩٢ الى ص ١٩٤.

١٨٢

النوع الخامس

في مقارنات الصلاة

وفيه آيات

الاولى (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ.)

استدلّ به على وجوب القيام ، وعلى وجوب النيّة ، وعلى وجوب القنوت ، وقد تقدّم البحث فيه في أوّل كتاب الصّلاة.

الثّانية والثّالثة (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ).

واستدلّ بهما على وجوب تكبيرة الإحرام في الصلاة بأنّ ظاهرهما وجوب التكبير ، وليس في غير الصّلاة فيجب أن يكون فيها وفيه تأمّل.

الرابعة [المزمل : ٢٠] (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ.)

أستعير الأدنى للأقلّ بقليل مبالغة في قلّة التفاوت ، على أنّ الظاهر المتعارف التدرّج من القلّة إلى الكثرة ، وقيل : للأقلّ لأنّ الأقرب إلى الشيء أقل بعدا منه.

(وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) : قرئ بالنصب (١) عطفا على أدنى وبالجرّ عطفا على ثلثي (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) عن ابن عباس : علىّ وأبو ذر (٢) ، والعطف على المستتر في (تَقُومُ) وجاز للفصل.

(وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) وتقديم اسمه يشعر بالاختصاص فالله هو يعلم مقادير ساعاتهما (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي تقدير أوقاتهما وضبط ساعاتهما إلّا أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط ، وذلك شاقّ عليكم (فَتابَ عَلَيْكُمْ) عبارة عن الترخيص في ترك القيام المقدّر

__________________

(١) انظر المجمع ج ٥ ص ٣٨١.

(٢) رواه في المجمع ج ٥ ص ٣٨١ عن الحسكاني وترى ترجمة الحسكاني في تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ٢٢٣ وص ٢٢٤.

١٨٣

كقوله (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) والمعنى أنه خفّف عنكم أو رفع التبعة في تركه عنكم كما يرفع التبعة عن التائب.

(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ :)

عبّر عن الصلاة بالقراءة (١) لأنها بعض أركانها كما عبّر عنها بالقيام والركوع والسجود يريد فصلّوا ما تيسّر عليكم ، ولم يتعذر من صلاة الليل ، وقيل هي قراءة القرآن بعينها كذا في الكشاف والقاضي والجوامع ، ويمكن أن يكون المراد القراءة في صلاة اللّيل كما قيل ، وفيه : ثمّ اختلفوا في القدر الذي تضمّنه الأمر : عن سعيد ابن جبير خمسون آية ، وعن ابن عباس مائة آية ، وعن السّدي مائتا آية.

والكشاف نقل مائة قولا وخمسين قولا من غير ذكر اختلاف في القدر المتضمّن ، وكأنه أولى ، إذ عدم التقدير أصلا أنسب بالاية ، ولهذا قال القاضي : فاقرؤا القرآن كيف ما تيسّر لكم ، هذا ويمكن اختصاصه باللّيل كما قيل ، وعلى التقديرين يحتمل الاستحباب لأنّه يناسب السياق ، والوجوب لظاهر الأمر حفظا للمعجزة وغيرها ، والله أعلم.

وبعد الحمل على صلاة اللّيل ؛ في الكشاف وهذا ناسخ للأوّل ، ثمّ نسخا جميعا بالصلوات الخمس ، والقاضي نقل هذا قولا فيفهم منه أنه يمكن أن يقال بالحمل على صلاة اللّيل من غير نسخ ، وهو خلاف ما يأتي من الكنز.

(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ.)

استيناف على تقدير السؤال على وجه النسخ ، فذكر حكمة أخرى للترخيص والتخفيف ، ولذلك كرر الحكم مرتبا عليها ، فقال (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) في المعالم قال

__________________

(١) انظر البحث في الأقوال المجمع ج ٥ ص ٣٨١ و ٣٨٢ والكشاف ج ٤ ص ٦٤٣ وص ٦٤٤ والبيضاوي ج ٣ ص ٢٢٨ ط مصطفى محمد وروح المعاني ج ٢٩ من ص ١١٠ الى ص ١١٤.

١٨٤

أهل التفسير : كان في صدر الإسلام ثمّ نسخ بالصلوات الخمس ، وذلك قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً)(١) فليتأمّل.

وفي الكنز (٢) إشارة إلى قوله (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وقوله (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) : دلّتا على وجوب قراءة شيء من القرآن ، فيصدق دليل هكذا : قراءة شيء من القرآن واجب. ولا شيء من القرآن في غير الصلاة بواجب.

فيكون الوجوب في الصلاة وهو المطلوب.

أما الصغرى فلصيغة الأمر الدالّة على الوجوب ، وأما الكبرى فإجماعيّة ، ثمّ قال : وما ذكرناه قول أكثر المفسّرين ، وقد قيل إنّ المراد بالقراءة الصلاة تسمية للشيء ببعض أجزائه ، وعنى به صلاة اللّيل : ثمّ نسخ بالصلوات الخمس ، وقيل : الأمر في غير الصلاة فقيل على الوجوب نظرا في المعجزة ووقوفا على دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وقيل : على الاستحباب ، فقيل أقله في اليوم واللّيلة خمسون آية ، وقيل مائة ، وقيل : ثلث القرآن انتهى.

وقوله «ما ذكرناه قول أكثر المفسرين» فيه نظر ، إذ ليس في أكثر التفاسير المعتبرة فكيف يجوز ذلك نعم في المعالم (٣) : فاقرؤا ما تيسّر من القرآن يعني في الصلاة قال الحسن : يعني في صلاة المغرب والعشاء ، قال قيس بن أبى حازم : صلّيت خلف ابن عباس بالبصرة فقرأ في أوّل ركعة بالحمد وأوّل آية من البقرة ثمّ قام في الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة ثمّ ركع ، فلما انصرف أقبل علينا فقال : إنّ الله عزوجل

__________________

(١) قد استشكل بأن سورة المزمل من أوائل ما نزلت بمكة ولم تفرض الصلوات الخمس الا بعد الاسراء والزكاة إنما فرضت بالمدينة وأجيب بأن الذاهب الى ذلك يجعل هذه الآيات مدنية وقيل ان الزكاة فرضت بمكة من غير تعيين الأنصباء والذي فرض بالمدينة الأنصباء فلا مانع عن كون الآيات مكية لكن يلتزم بكونها بعد الاسراء.

(٢) كنز العرفان ج ١ ص ١١٨.

(٣) ليس عندي كتاب المعالم الا ان ما نقله مذكور في اللباب تفسير الخازن ج ٤ ص ٣٢٥ فراجع.

١٨٥

يقول (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) انتهى.

وهذا غير كاف في المقام ، وعن ابن عباس لم يثبت ، ويمكن قراءته على مناسبة ما فالاستدلال موضع نظر وتأمل ، والظاهر أنّ المراد القراءة في صلاة اللّيل أو الصّلاة نفسها.

وفي المجمع : هو قول أكثر المفسّرين كما أنّ المراد بقم اللّيل صلاة اللّيل بإجماع المفسّرين إلّا أبا مسلم فإنّه قال المراد قراءة القرآن في اللّيل ، وكأنه يريد الإشارة إلى أنّ من قال بأنّ قيام الليل هو صلاة اللّيل ينبغي أن يقول : المراد بالقراءة هنا صلاة الليل ، فمن أين قول الأكثر بأنّ المراد قراءة القرآن ولو في الفريضة.

الحجّ [٧٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا.)

أي صلّوا ، فأراد بها الأمر بالصلاة الّتي هي أجلّ العبادات كما هو معتمد الكشاف والجوامع ، لأنّ الركوع والسجود أعظم أركانها ، أو في الصلاة روى الشيخ في الموثق (١) عن سماعة قال : سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن؟ فقال نعم قول الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الحديث والتتمّة نصّ في ركوع الصلاة وسجودها لكنّها طويلة.

وقيل كان النّاس أوّل ما أسلموا يسجدون بلا ركوع ويركعون بلا سجود ، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود ، وفي تفسير القاضي : أو اخضعوا له وخرّوا لله سجدا.

اعلم أنّ الركوع لغة الانحناء ، ويمكن أن يكنى به عن التواضع ، وشرعا انحناء خاصّ ، والسجود لغة الخضوع وشرعا وضع الجبهة أو نحوها على الأرض أو نحوها ، فهذا الاحتمال حمل للأوّل على غير حقيقته اللّغويّة والشرعيّة وكأنّه على مجازه اللغوي مع حمل قرينه على حقيقته الشرعية مع استوائهما بحسب القرائن بالنّسبة إلى كلّ من المعنيين ، ففيه بعد لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل نقل صدر الحديث في الباب ٥ من أبواب الركوع ج ٤ ص ٩٢٦ ط الإسلامية المسلسل ٨٠٣٢ وذيله في الباب ٦ ص ٩٢٧ المسلسل ٨٠٣٩.

١٨٦

ثمّ قال القاضي : والآية آية سجدة عندنا لظاهر ما فيها من الأمر بالسّجود ، ولقوله عليه‌السلام فضّلت سورة الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرءهما ، وهذا يقتضي ترجيحه الاحتمال الثالث الذي اختصّ بذكره ، وقد عرفت ما فيه من البعد ، على أنّ الأمر لا يقتضي الفور والتكرار ، وإطلاقه يقتضي تحققه لسجدة الصلاة وغيرها من السجدات الواجبة ، وتحقّق الامتثال بها.

ثمّ إنّه يقرب من الاحتمال المذكور أن يكون الرّكوع كناية عن الصلاة والسّجود على حقيقته الشرعيّة ، فيوافقه في المقتضى أو اللغوية فيخالفه ، وأن يكون الرّكوع كما ذكره والسّجود بمعنى الصّلاة فتأمل.

وفي الكشاف (١) وعن عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله في سورة الحجّ سجدتان؟ قال : نعم إن لم تسجدهما فلا تقرءهما وعن عبد الله بن عمر : فضّلت سورة الحجّ بسجدتين وبذلك احتج الشّافعيّ فرأى سجدتين في سورة الحجّ ، وأبو حنيفة وأصحابه لا يرون فيها إلّا سجدة واحدة ، لأنّهم يقولون قرن السّجود بالرّكوع فدلّ ذلك على أنّها سجدة صلاة لا سجدة تلاوة انتهى.

وفي المعالم (٢) نسب القول بالسّجود عند الآية إلى جماعة منهم علىّ عليه‌السلام وابن عباس وفي التذكرة أنهما سجدا لذلك فان صحّ فبطريق الندب كما قال أصحابنا بدليل من خارج كالروايات.

(وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) : قيل أمر بغير الصّلاة من سائر العبادات كالصّوم والحجّ والزّكوة والغزو ، وقيل : بل أمر بسائرها حتّى الصّلاة أيضا ، وقيل معناه اقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه الله.

(وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) : ثمّ عمّ بالحثّ على سائر الخيرات ، وعن ابن عباس (٣) :

__________________

(١) انظر الكشاف ج ٣ ص ١٧٢ وفي الكاف الشاف ذيله تخريجه وانظر أيضا تعاليقنا في البحث عن الحديث عن مسالك الافهام ج ١ ص ١٩٧.

(٢) وانظر تفسير الخازن أيضا ج ٣ ص ٢٩٩ ففيه تفصيل الأقوال أيضا.

(٣) الخازن ج ٣ ص ٢٩٨ والكشاف ج ٣ ص ١٧٢ والمجمع ج ٤ ص ٩٧.

١٨٧

الخير صلة الأرحام ومكارم الأخلاق ، وقد يشعر كلام بعض المفسّرين بأن يكون المراد فعل غير العبادات الواجبة كنوافل الطاعات ، وما تقدّم ، وربّما يحتمل أن يراد بالعبادة الصّلاة فإنّها رأسها وأجلّها ، وبالرّكوع والسجود معناهما الظاهر ، أو التّواضع والخضوع ، وهذا يأتي على عموم العبادة أيضا.

ويحتمل اختصاص العبادة بالبدنيّة ونحوها ممّا لا يتعلق فيه الغرض بإيقاع الغير ، والخير بالمالية ونحوها ممّا يتعلق فيه الغرض بالإيقاع ، والله اعلم.

(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) : أي افعلوا هذا كلّه وأنتم راجون الفلاح طامعون فيه ، غير مستيقنين فلا تتّكلوا على أعمالكم وقد تقدم تفصيل ذلك في قوله تعالى (فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).

(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٧٤] ومثلها (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١]

فأحدث التسبيح بذكر اسم ربّك أو أراد بالاسم الذكر أي بذكر ربّك ، والعظيم صفة للمضاف أو للمضاف إليه. فكأنّه سبحانه لما ذكر ما دلّ على قدرته الكاملة وأنعامه الشاملة البالغة على عباده ، قال : فأحدث التّسبيح ، وهو أن يقول سبحان الله إمّا تنزيها له عمّا يقول الظالمون الّذين يجحدون وحدانيّته ، ويكفرون نعمته ، وإما تعجبا من أمرهم في غمط الآية وأياديه الظاهرة ، وإمّا شكرا لله على النّعم الّتي عدّها ونبّه عليها قاله في الكشاف.

وعن عقبة بن عامر (١) قال لما نزل (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اجعلوها في ركوعكم ، ولمّا نزل (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، قال اجعلوها في سجودكم رواه العامّة ، ورواه الشّيخ أيضا في التهذيب مسندا (٢).

__________________

(١) الكشاف ج ٤ ص ٧٣٨ وفي الكاف الشاف ذيله : أخرجه أبو داود وابن ماجة وابن حبان وأحمد من رواية إياس بن عامر عن عقبة بن عامر وانظر أيضا تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ١٩٩.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من أبواب الركوع ج ٤ ص ٩٤٤ المسلسل ٨١٠٤. وزاد المصنف قدس‌سره في الهامش ما نصه بلفظه : لكن بسند ضعيف لضعف بعض الرواة وجهل

١٨٨

وروي كذلك عن هشام بن سالم (١) قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسبيح في الركوع والسّجود ، فقال تقول في الرّكوع سبحان ربّى العظيم وفي السّجود سبحان ربّي الأعلى الفريضة من ذلك تسبيحة والسنّة ثلاث ، والفضل في سبع.

وعن أبى بكر الحضرميّ (٢) قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أيّ شيء حدّ الرّكوع والسّجود؟ قال تقول سبحان ربّى العظيم وبحمده ثلاثا في الرّكوع ، وسبحان ربّي الأعلى وبحمده ثلاثا في السّجود ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص اثنين نقص ثلثا صلاته ، ومن لم يسبّح فلا صلاة له ، وقد قال بعض أصحابنا بوجوب هذين التسبيحين في الرّكوع والسّجود.

ويمكن ان يحتج له بالآيتين بدلالتهما على وجوب التسبيح ، وليس في غير الموضعين ، فيجب فيهما ، وإتمام ذلك بالروايات المذكورة ، أو بأن يكون المراد باسم ربّك العظيم كون التسبيح معلّقا باسم الربّ مضافا إليه موصوفا بالعظيم ، فكأنه قال قل سبحان ربّي العظيم كما روي في سبّح اسم ربّك الأعلى ، في الجمع : عن ابن

__________________

بعض ولم أجده في صحاح العامة أيضا ، والآخران لم يصح سندهما والله اعلم.

اما سند الحديث الذي أشرنا إليه بالمسلسل ٨١٠٤ فهو هكذا : محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يوسف بن الحارث عن عبد الله بن يزيد المنقري عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمه عن إياس بن عامر الغافقي عن عقبة بن عامر الجهني ومن بعد محمد بن أحمد بن يحيى اما مبهم أو مجهول أو مضعف أشد الضعف عند علماء رجال الإمامية.

واما قوله «لم أجده في صحاح العامة» فالمستفاد مما أفاده المصنف أن رواية الكشاف عن عقبة بن عامر ليست في صحاحهم وقد عرفت عن تخريج الكاف الشاف أن الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة وهما من صحاحهم وكذا أخرجه في المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٥٤ عن أبى داود وابن ماجة بل لو عد المسند أيضا من الصحاح فقد أخرجه أحمد أيضا كما في المنتقى والكاف الشاف.

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الركوع ح ٤ ص ٩٢٣ المسلسل ٨٠٢١.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب الركوع ص ٩٢٤ المسلسل ٨٠٢٥ و ٨٠٢٦ وانظر البحث في ذكر الركوع والسجود في تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ٢٠٠.

١٨٩

عباس كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قرء سبّح اسم ربّك الأعلى قال سبحان ربّي الأعلى.

وفي المعالم (١) سبّح اسم ربّك الأعلى ، يعني قل سبحان ربّي الأعلى وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة والتّابعين ، ثمّ بإسناده عن ابن عباس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قرء سبّح اسم ربّك الأعلى ، فقال سبحان ربّي الأعلى ، لكن في ذلك إشارة إلى مخرج عن تعيينهما في الرّكوع والسّجود فتأمل فيه.

وأكثر القائلين منّا بتعيين التسبيح خيّروا بين هذين وبين سبحان الله ثلاثا ، وقد صحّت به روايات عنهم عليهم‌السلام ، والاحتجاج بالآية حينئذ أوضح على ما تقدّم من التفسير بسبحان الله ، لكن اعتبار الثلاث بالروايات ، وقد ذهب جمع من الأصحاب إلى عدم تعيين التسبيح ، وإجزاء كل ذكر يتضمّن الثّناء على الله تعالى لروايات دلّت عليه ، والآية حينئذ إمّا محمولة على الاستحباب ، أو يراد بالتسبيح فيه نحو ذلك ، والأوفق بلفظه أحبّ وأولى وأحوط كزيادة وبحمده كما لا يخفى.

هذا كلّه من غير حكم بأنّ مراد الآية ذلك ، لعدم ثبوته ، واحتمال غير ذلك قال قوم في الآية الثانية : معناه نزّه ربّك الأعلى ، وجعلوا الاسم صلة ، وقال آخرون نزّه تسمية ربّك بأن تذكره وأنت له معظّم ، ولذكره محترم ، وجعلوا الاسم بمعنى التسمية وقال ابن عباس أي صلّ بأمر ربّك كذا في المعالم.

وفي الكشاف تسبيح اسمه عزوجل تنزيهه عما لا يليق من المعاني الّتي هي الإلحاد في أسمائه كالجبر والتشبيه ونحو ذلك ، مثل أن يفسّر الأعلى بمعنى العلوّ الذي هو القهر والاقتدار ، لا بمعنى العلوّ في المكان ، والاستواء على العرش حقيقة ، وأن يصان عن الابتذال والذكر لأعلى وجه الخشوع والتعظيم. ويجوز أن يكون الأعلى صفة للربّ والاسم انتهى.

هذا وقد وافق أحمد على وجوب الذكر وقال الشافعيّ وأبو حنيفة باستحباب الذّكر المقدم ، وأنكر زيادة وبحمده لأنّها زيادة لم تحفظ ، وتوقف أحمد مع أنّه

__________________

(١) وانظر أيضا تفسير اللباب للخازن ج ٤ ص ٣٦٩.

١٩٠

قد روي (١) في طرقهم عن حذيفة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال ذلك ، على أنّه زيادة ذكر لله ومزيد خير ، وفيه زيادة ثناء مع ورود ذلك في آيات منها (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) كما تقدّمت ، وتقدّم أنّه إشارة إلى الصّلاة على قول جماعة ، فلو تضمّنت صريح ذلك كان أولى ، وإلّا فالأولى كونها على ما يتيقّن معه الامتثال به ، وعلى كلّ حال هذه الزّيادة متواترة من طرق أهل البيت عليهم‌السلام.

الجنّ [١٨] (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً.)

قيل : المراد بالمساجد أعضاء السّجود السّبعة ، وقد روي عن أبى عبد الله عليه‌السلام في رواية حمّاد المشهورة وعن أبى جعفر الثّاني (٢) محمّد بن علي الجواد عليه‌السلام وفي الكنز :

وبه قال سعيد بن جبير والزجّاج والفرّاء ويؤيّده (٣) قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرت أن أسجد على سبعة آراب أي أعضاء ، والمعنى لا تشركوا مع الله غيره في سجودكم عليها ، وقيل لا تراؤا أحدا بصلاتكم ، والأكثر على أنّها المساجد المعروفة ، فالمعنى أنّها مختصّة بالله تعالى ، فلا تعبدوا فيها مع الله غيره.

وعن قتادة كان اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بالله فأمرنا

__________________

(١) ففي سنن الدارقطني ج ١ ص ٣٤١ عن حذيفة ان النبي (ص) كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا.

قلت بل ليس ذكر زيادة وبحمده محصورا في رواية حذيفة ففي نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٥٤ واما زيادة «وبحمده» فهي عند ابى داود من حديث عقبة الاتى وعند الدارقطني من حديث ابن مسعود الاتى أيضا وعنده أيضا من حديث حذيفة وعند أحمد والطبراني من حديث ابى مالك الأشعري وعند الحاكم من حديث أبي جحيفة ثم ذكر ما قيل في بعض أسانيد الأحاديث ثم نقل عن الحافظ انه قد أنكر هذه الزيادة أبو الصلاح وغيره ولكن هذه الطرق تتعاضد فيرد بها هذا الإنكار وسئل أحمد عنها فقال اما انا فلا أقول وبحمده انتهى.

(٢) المجمع ج ٥ ص ٣٧٢ وكنز العرفان ج ١ ص ١٢٧ وروح المعاني ج ٢٩ ص ٩١.

(٣) سنن ابى داود ج ١ ص ٣٢٥ الرقم ٨٨٩ قال محمد محي الدين في تذييله أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ورواه في مستدرك الوسائل ج ١ ص ٣٢٧ عن غوالي اللئالي.

١٩١

أن نخلّص لله الدّعوة إذا دخلنا المساجد ، وقيل : يعنى بقاع الأرض كلّها لأنّها جعلت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجدا ، وقيل : المراد بها المسجد الحرام لأنّه قبلة المساجد ، ومنه قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) وقيل السجدات فهي جمع مسجد بالفتح مصدرا بمعنى السّجود.

بني إسرائيل [١١٠] (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً.)

في الكشاف (١) لا تجهر بقراءة صلاتك على حذف المضاف ، ولا لبس من قبل أنّ الجهر والمخافتة صفتان يعتقبان على الصوت لا غير ، والصّلاة أفعال وأذكار ، وكان (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرفع صوته بقراءته ، فاذا سمعه المشركون لغوا وسبّوا ، فأمر بأن يحفض من صوته ، والمعنى ولا تجهر حتى تسمع المشركين ، ولا تخافت بها حتّى لا تسمع من خلفك ، وابتغ بين الجهر والمخافتة سبيلا وسطا.

وفي المجمع (٣) أحد الأقوال أنّ معناه لا تجهر بإشاعة صلاتك عند من يؤذيك ، ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك عن الحسن ، وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا صلّى جهر في صلاته حتّى يسمع المشركون فشتموه وآذوه فأمره سبحانه بترك الجهر ، وكان ذلك بمكّة في أوّل الأمر ، وبه قال سعيد بن جبير ، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام.

هذا ، وظاهر قول الحسن أنّ الجهر بها إظهارها من غير تقدير مضاف هو القراءة ، وإن كان بسببها كما لا يخفى والرواية عنهما عليهما‌السلام على ما أوردها لا يستلزم كون الجهر والإخفات على ما تضمّنه قول الحسن أو الكشاف ، وإن كانت الرواية من طرقهم على وفق الكشاف.

__________________

(١) الكشاف ج ٢ ص ٧٠٠.

(٢) كنز العرفان ج ١ ص ١٢٩ وانظر أيضا الطبري ج ١٥ من ص ١٨٤ الى ص ١٨٦ والبرهان ج ٢ ص ٤٥٣.

(٣) المجمع ج ٣ ص ٤٤٦.

١٩٢

ثمّ من الأقوال (١) لا تجهر بصلاتك كلّها ولا تخافت بها كلّها ، وابتغ بين ذلك سبيلا بأن تجهر في صلاة اللّيل وتخافت بصلاة النّهار ، وهذا مع كونه خلاف الظاهر توجب الإجمال مع وضوح ظاهرها كما يأتي وأمّا المناقشة بأنّه يحتاج إلى كون صلاة الصبح من صلاة اللّيل ، والتخصيص بالأوّلتين فسهل مندفع بأن يقال وابتغ بين ذلك ذلك سبيلا أي التبعيض على ما بيّن في السنّة.

ومنها أنّ المراد بالصلاة الدّعاء ، وهو أيضا خلاف الظاهر ، وينافي قوله تعالى (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) وفي موضع آخر (خِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) حتّى قيل : إنّها منسوخة بذلك والله أعلم.

ومنها أن يكون خطابا لكلّ واحد من المكلّفين أو من باب إيّاك أعني واسمعي يا جاره أي لا تعلنها إعلانا توهم الرياء ، ولا تسترها بحيث يظنّ بك تركها والتهاون بها.

ومنها لا تجهر جهرا يشتغل به من يصلي بقربك ولا تخافت حتّى لا تسمع نفسك عن الجبائي ، وكأنّه يريد بما يشغل القريب رفع الصوت بها شديدا كما هو ظاهر الآية ، والمرويّ من طرقنا وقال به أصحابنا أنّ الجهر أن ترفع صوتك

__________________

(١) هذا القول أخرجه في الدر المنثور عن ابن ابى حاتم عن ابن عباس ج ٤ ص ٢٠٨ وكذا في روح المعاني ج ٥ ص ١٧٩ وذكره كثير من المفسرين قولا من دون نسبة.

واستحسنه العلامة الطباطبائي مد ظله في الميزان ج ١٣ ص ٢٤١ الا انه مد ظله علق هذا المعنى على كون اللام في الصلاة للجنس لا للاستغراق ولعله سهو من قلمه الشريف إذ ليس هناك لام في الصلاة في الآية وانما الآية (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) ، وعلى أى فقال بعد ذكر احتمال المعنى ما هذا لفظه :

ولعل هذا الوجه أوفق بالنظر الى اتصال ذيل الآية بصدرها فالجهر بالصلاة يناسب كونه عليا متعاليا والإخفات يناسب كونه قريبا أقرب من حبل الوريد فاتخاذ الخصلتين جميعا في ـ الصلوات أداء لحق أسمائه جميعا انتهى.

واختار الفاضل الجواد في المسالك عدم وجوب الجهر والإخفات وأنهما من السنن المؤكدة انظر ج ١ ص ٢٠٢.

١٩٣

شديدا والمخافتة ما دون سمعك أي لم يسمعه إذنك (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أي بين المخافتة والجهر ، أو بين الجهر الشديد والمخافتة جدا ، فلا يجوز الإفراط ولا التفريط ، ويجب الوسط والعدل ، لكن قد علم من السنّة الشريفة اختيار بعض أفراد هذا الوسط في بعض الصلوات كالجهر غير العالي شديدا للرجل في الصبح وأوليي المغرب والعشاء ، وكالإخفات لا جدّا بحيث يلحق بحديث النفس في غيرها من الفرائض ، وهل ذلك على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ فيه نظر.

ثمّ لا يخفى أنّ ما نسب إلى أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام لا ينافي ذلك.

الأحزاب [٥٦] (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.)

قرئ «وملائكته» بالرفع أيضا عطفا (١) على محلّ إنّ واسمها ، أو بحذف الخبر لدلالة يصلّون عليه ، ثمّ المشهور أنّ الصّلاة من الله الرّحمة ومن غيره طلبها. في الكشاف في تفسير قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ)(٢) لمّا كان من شأن المصلّى أن ينعطف في ركوعه وسجوده ، أستعير لمن ينعطف على غيره حنوّا عليه وترؤّفا كعائد المريض في انعطافه عليه ، والمرأة في حنوها على ولدها ، ثمّ كثر حتّى استعمل في الرّحمة والترؤّف ، ومنه قولهم : صلّى الله عليك ، أى ترحم عليك وترأّف.

__________________

(١) انظر كنز العرفان ج ١ ص ١٣٠ والكشاف ج ٤ ص ٥٥٧ ونقل هذه القراءة في شواذ القرآن ص ١٢٠ عن ابى عمرو ونقلها في روح المعاني ج ٢٢ ص ٧٢ عن ابن عباس وعبد الوارث عن ابى عمرو ونقل في المجمع ج ٤ ص ٣٦٩ أيضا قراءة فصلوا عليه في الشواذ وقال في الحجة انما جاز دخول الفاء لما في الكلام من معنى الشرط.

(٢) انظر الكشاف ج ٣ ص ٥٤٥ وص ٥٤٦ تفسير الآية ٤٣ من سورة الأحزاب قال ابن ـ المنير في الانتصاف المطبوع ذيل الكشاف عند ما نقله المصنف عن الكشاف في معنى صلاة الملائكة انه كثيرا ما يفر الزمخشري من اعتقاد إرادة الحقيقة والمجاز بلفظ واحد وقد التزمه هنا.

قلت وقد قدمنا في ص ٥٠ ـ ٥٥ من هذا الجزء عدم المانع من استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فراجع.

١٩٤

فان قلت : فما تصنع بقوله (وَمَلائِكَتُهُ) وما معنى صلاتهم؟ قلت : هي قولهم اللهمّ صلّ على المؤمنين ، جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة ، كأنّهم فاعلون الرّحمة ، أو الرأفة ، ونظيره قولك حيّاك الله أي أحياك وأبقاك ، وحيّيتك أي دعوت لك بأن يحييك الله ، لأنّك لاتّكالك على إجابة دعوتك ، كأنك تبقيه على الحقيقة ، وكذلك عمرك الله وعمّرتك وعليه قوله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ) الآية أي أدعو الله بأن يصلّي عليه.

ثمّ قال في تفسير الآية أي قولوا الصلاة على الرّسول ، والسلام ومعناه الدّعاء بأن يترحم عليه الله ويسلّم ، ونحو ذلك في الجوامع في قوله (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) أمّا هنا فقال : صلاة الله سبحانه ما يفعله به من إعلاء درجاته ورفع منازله وتعظيم شأنه ، وغير ذلك من أنواع كراماته ، وصلاة الملائكة عليه مسئلتهم الله عزّ اسمه أن يفعل به مثل ذلك (صَلُّوا عَلَيْهِ) أي قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم انتهى.

وكأنه أورد هذا القول على طريق التمثيل وإشارة إلى أنّ الأولى اتّباع المنقول فلا اختلاف والله أعلم. والقاضي جعل الصلاة من الجميع بمعنى الاعتناء بإظهار شرفه وتعظيم شأنه ، وكأنّه لكونه قدرا مشتركا بين الجميع وسببا للمعنى المشهور بالنّسبة إلى كلّ. وفي الكنز (١) الصلاة وإن كانت من الله الرّحمة فالمراد بها هنا هو الاعتناء بإظهار شرفه ورفع شأنه ، ومن هنا قال بعضهم تشريف الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) أبلغ من تشريف آدم بالسّجود له هذا.

وكأنّه لا نزاع أنّه يراد هنا طلب الصلاة من الله سبحانه بالقول ، قال القاضي : اعتنوا أنتم أيضا فإنّكم أولى بذلك ، وقولوا اللهمّ صلّ على محمّد ، وهو ظاهر الكنز أيضا.

إذا تقرّر ذلك فظاهر الآية وجوب الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجملة : في

__________________

(١) انظر كنز العرفان ج ٢ ص ١٣١ وتعاليقنا عليه.

١٩٥

الكشاف (١) : الصلاة على رسول الله واجبة ، وقد اختلفوا في حال وجوبها ، فمنهم من أوجبها كلّما جرى ذكره وفي الحديث (٢) من ذكرت عنده فلم يصلّ علىّ فدخل النّار فأبعده الله.

ويروى (٣) أنّه قيل يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا من العلم المكنون ، ولو لا أنّكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به ، إنّ الله وكل بي ملكين فلا اذكر عند عبد مسلم فيصلّي علىّ إلّا قال ذانك الملكان غفر الله لك ، وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين آمين ، ولا اذكر عند عبد مسلم فلا يصلّي علىّ إلّا قال ذانك الملكان لا غفر الله لك ، وقال الله وملائكته لذينك الملكين آمين.

ومنهم من قال يجب في كلّ مجلس مرّة وإن تكرر ذكره كما قيل في آية السّجدة وتسميت العاطس ، وكذلك في كلّ دعاء في اوّله وآخره.

ومنهم من أوجبها في العمر مرّة وكذا قال في إظهار الشهادتين ، والذي يقتضيه الاحتياط الصّلاة عند كلّ ذكر لما ورد من الأخبار (٤) انتهى.

وفي الأخبار من طرقنا أيضا كالأوّل واختاره في الكنز (٥) قال : ونقل عن ابن بابويه من أصحابنا واختاره الزّمخشريّ ، وفيه نظر لا يخفى ، واستدلّ بالرّوايات المذكورة وبدلالة ذلك على التنويه لرفع شأنه والشكر لإحسانه المأمور بهما ، وبأنه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا وهو منهيّ عنه في آية النور ، وفي الكلّ نظر وفي المعتبر دعوى الإجماع على خلاف ذلك كما يأتي.

__________________

(١) الكشاف ج ٣ ص ٥٥٧.

(٢) قال في الكاف الشاف المطبوع ذيل الكشاف أخرجه ابن حبان وترى الحديث في كتب الإمامية أيضا انظر الوسائل الباب ١٠ من أبواب التشهد ص ٩٩٩ ج ٤ ط الإسلامية

(٣) قال في الكاف الشاف أنه أخرجه الطبراني وابن مردويه والثعلبي وترى مثله في الدر المنثور ج ٥ ص ٢١٨.

(٤) وذكر في الكاف الشاف ذيله جملة من الاخبار فراجع ص ٥٥٨ ج ٣ من الكشاف

(٥) انظر كنز العرفان ج ١ ص ١٢٣.

١٩٦

وقال بعض مشايخنا اديمت أيّامهم : يمكن اختيار الوجوب في كلّ مجلس مرّة إن صلّى آخرا وإن صلّى ثمّ ذكر يجب أيضا كما في تعدّد الكفّارة بتعدّد الموجب إذا تخلّلت ، وإلّا فلا ، والظاهر أنّه نظر إلى الروايات فان اعتبر ظاهرها فهو عند كلّ ذكر ، مع أنّه لا يعلم بما قال قائل سواه ، وإلّا فالاستحباب أولى ، نعم هو أظهر فيها من الحمل على كلّ مجلس مطلقا ، وكأنّه لا يريد أزيد من هذا.

ولا يبعد أن يقال محلّ وجوبها الصلاة قال في المعتبر (١) : أما الصلاة على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّها واجبة في التشهّدين ، وبه قال علماؤنا أجمع ، وقال الشيخ هو ركن ، وبه قال أحمد ، وقال الشافعيّ : مستحبة في الأوّل وركن من الصّلاة في الأخير ، وأنكر أبو حنيفة ذلك واستحبّهما في الموضعين ، وبه قال مالك ، لأنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعلّمه الأعرابيّ (٢) ، ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعبد الله بن مسعود (٣) عقب ذكر الشّهادتين «فاذا قلت ذلك فقد تمّت صلاتك أو قضيت صلاتك».

لنا ما رووه عن عائشة (٤) قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا يقبل صلاة إلّا بطهور ، وبالصلاة علىّ ، ورووه عن أنس (٥) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إذا صلّى أحدكم

__________________

(١) انظر المعتبر ط إيران ١٣١٨ ص ١٨٨.

(٢) ولابن القيم الجوزية في جواب هذا الاشكال بيان نقلناه ص ٢٠٦ ج ١ مسالك الافهام فراجع.

(٣) قال ابن القيم الجوزيه في جلاء الافهام ص ٢٣١ ان هذه الزيادة ليست من كلام النبي (ص) بين ذلك الحفاظ ثم بسط الكلام في ذلك من شاء فليراجع.

(٤) انظر نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٦ نقلا عن البيهقي والدارقطني.

(٥) قد بينا في كنز العرفان ج ١ ص ١٣٢ ان الحديث انما هو عن فضالة بن عبيد في كتب أهل السنة انظر نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٩ وكذا في المنتهى للعلامة نقل هذا الحديث عنهم عن فضالة بن عبيد انظر المنتهى ج ١ ص ٢٩٣ فلعل لفظ أنس في المعتبر وكنز العرفان وهذا الكتاب من سهو الناسخين إذ لم أعثر في كتبهم الأخر أيضا على هذا الحديث عن انس.

١٩٧

فليبدء بحمد الله ثمّ ليصلّ على النبيّ ، ولأنّه لو لم يجب الصلاة عليه في التشهّد لزم أحد الأمرين إما خروج الصلاة عليه عن الوجوب ، أو وجوبها في غير الصلاة ، ويلزم من الأوّل خروج الأمر عن الوجوب ، ومن الثاني مخالفة الإجماع.

لا يقال ذهب الكرخيّ إلى وجوبها في غير الصّلاة في العمر مرّة ، وقال الطحاويّ كلّما ذكر ، قلنا الإجماع سبق الكرخيّ والطحاويّ ، فلا عبرة بتخريجهما ، وقول أبي حنيفة لم يعلّمه الأعرابيّ ، قلنا يحمل على أنّه لم يكن ، ثمّ تجدد الوجوب لأنّ ما ذكرناه زيادة تضمّنها الحديث الصحيح عندهم ، فيكون العمل به أرجح ، ولأنّ التمام قد يحمل على المقاربة أو بمعنى أنها تمّت مع أفعالها الباقية الّتي من جملتها الصلاة عليه.

ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال من صلّى ولم يصلّ على النّبي وتركه عامدا فلا صلاة له ، وأما قول الشيخ إنها ركن ، فإن عنى الوجوب والبطلان بتركها عمدا فهو صواب ، وإن عنى ما نفسّر به الرّكن فلا.

ثمّ قال في الاستدلال على وجوب الصلاة على آله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لنا ما رواه كعب بن عجرة (٢) قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في صلاته اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميد مجيد ، فيجب متابعته لقوله (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» وحديث جابر الجعفيّ عن أبى جعفر عن ابن مسعود الأنصاري (٤)

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ١٠ من أبواب التشهد.

(٢) انظر البيهقي ج ٢ ص ١٤٧ والام للشافعي ج ١ ص ١١٧.

(٣) أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب رحمة الناس والبهائم ج ١٣ ص ٤٤ فتح الباري وفي باب اجازة خبر الواحد ج ١٦ ص ٣٦٤ فتح الباري وفي الأدب المفرد تراه في فضل الله الصمد الباب ١٠٨ الحديث ٢١٣ ج ١ ص ٣٠٣ وأخرجه الدارمي أيضا ج ١ ص ٢٨٦ والشافعي في الأم ج ١ ص ١٥٨ وأخرجه أحمد في المسند ج ٥ ص ٥٣ بلفظ وصلوا كما تروني أصلّي.

(٤) هكذا في المعتبر ص ١٨٨ والمنتهى ج ١ ص ٢٩٣ والشيخ في الخلاف المسئلة ١٣٢ من كتاب الصلاة ج ١ ص ١٢٠ ط شركة دار المعارف الإسلامية لكن في الخلاف

١٩٨

قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها علىّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه انتهى.

وتلخيص الكلام أنّ ظاهر الآية الوجوب في الجملة ، وليس في غير الصلاة للأصل ، وعدم الدليل ، وشهرته حتّى ادّعى بعض أكابر العلماء الإجماع عليه ، فليكن في الصلاة ، مؤيدا بما دلّ عليه من الأخبار والإجماع فافهم.

ثمّ في الكشاف (١) : فان قلت فما تقول في الصلاة على غيره؟ قلت : القياس جواز الصّلاة على كلّ مؤمن ، لقوله (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) وقوله (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وقوله عليه‌السلام «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى».

ولكن للعلماء تفصيلا في ذلك ، وهو أنّها إن كانت على سبيل التبع كقولك صلّى الله على النّبي وآله ، فلا كلام فيها ، وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو ، فمكروه لأنّ ذلك صار شعارا لذكر رسول الله ، ولأنّه يؤدّى إلى الاتّهام بالرفض ، وقال رسول الله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التّهم انتهى.

__________________

عن ابى مسعود الأنصاري مكان ابن مسعود ولعله هو الصحيح فقد روى الحديث في نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٦ عن الدارقطني عن ابى مسعود وهو في سنن الدارقطني ج ١ ص ٣٥٥ عن جابر عن ابى جعفر عن ابى مسعود الأنصاري.

وأبو مسعود الأنصاري على ما في أسد الغابة ج ٥ ص ٢٩٦ اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن اسيرة ويقال يسيرة وهو المعروف بالبدرى لأنه سكن أو نزل ماء بدر وشهد العقبة ولم يشهد بدرا عند أكثر أهل السير وقيل شهد بدرا انتهى ما أردنا نقله واما ابن مسعود فلم يكن من الأنصار وقد روى الحديث في مستدرك الوسائل ج ١ ص ٣٣٤ عن متشابه القرآن لابن شهرآشوب عن ابن مسعود الأنصاري من دون ذكر من قبله وكذا نقله في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٣٥٦ بالرقم ٣٣٣٨ عن المستدرك وأظن ان الصحيح في الكل أبو مسعود الأنصاري كما في الخلاف والدارقطني.

(١) الكشاف ج ٣ ص ٥٥٨ وانظر في ذلك تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ ص ١٣٨ وص ١٣٩.

١٩٩

ولا يخفى أنّ ما ذكره من الكتاب والسنّة نصّ في الباب يفيد القطع في المقام ، ويقتضي الجواز مطلقا بل الانفراد بخصوصه ، فلا مجال للتفصيل ، ومثل ذلك قوله (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) فإنه إذا ثبت لهم ذلك من الله سبحانه ، جاز القول أو الدّعاء لهم بذلك ، فلا ينبغي جعل ذلك شعارا لذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنع ذلك عند ذكر غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّن يستأهل ذلك ، ولا بتركه ، ولا جعل هذا مانعا من ذلك ، كيف ولا وجه للحكم بكراهة ما ثبت بالكتاب والسنّة الترغيب فيه والتحريص عليه و ـ الأمر به.

على أن كون أهل بيته عليهم‌السلام في حال الانفراد في ذلك مثله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا لا قصور فيه ، بل فيه مزيد تعظيم له ، فان ذلك لأنّهم أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقرب النّاس إليه وأمسّهم به نسبا وشرفا وحثّنا هو صلى‌الله‌عليه‌وآله على مودّتهم وتعظيم شأنهم ، وإنّما صار ذلك شعارا للرفضة لترك غيرهم ذلك بغير وجه ، مع فعلهم اتّباعا للكتاب والسنّة كما في كثير من الأصول والفروع ، فان كان تداولهم بشيء من الأعمال الدينيّة موجبا لتركه أو كراهته عندهم ، لزمهم ذلك في جميع العبادات.

وبالجملة ما ثبت شرعا من حكم لا ينبغي فيه الذّهاب إلى خلافه ، ولا ترك مقتضاه بسبب أنّ جماعة من المسلمين يتداولونه ، فان ذلك عناد وتعصّب ، نعوذ بالله منه ، وقد وقع لهم من ذلك كثير كتسنيم القبور والتختّم بالشّمال وغير ذلك.

وأمّا قوله (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي انقادوا له في الأمور كلّها وأطيعوه ، أو سلموا عليه بأن تقولوا السلام عليك يا رسول الله ، ونحو ذلك ، وربّما رجح هذا بمقارنته بالصلاة ، وقد يحمل على المعنيين معا ، وعلى التقديرين فيه دلالة على وجوب السلام في الجملة فهو إما في ضمن التسليم المخرج من الصلاة كما قيل واستدلّ به عليه على قياس الصّلاة ، أو بقول السّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته قبل التسليم المخرج كما في الكنز ، والاستدلال على نحو ما تقدّم ، مع أنّ الظاهر التسليم على النّبي فلا يشمل نحو التسليم المخرج ، أو ذلك شيء كان في حال حياته

٢٠٠